الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْعَلَانِيَةِ فَأَحْسَنَ وَصَلَّى فِي السِّرِّ فَأَحْسَنَ قَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى أَحْسَنَ عَبْدِي» .
وَابْنُ الْمُبَارَكِ مُرْسَلًا: «طُوبَى لِلْمُخْلِصِينَ أُولَئِكَ مَصَابِيحُ الْهُدَى تَنْجَلِي عَنْهُمْ كُلُّ فِتْنَةٍ ظَلْمَاءَ» .
وَابْنُ حِبَّانَ: «مَا تَقَرَّبَ الْعَبْدُ إلَى اللَّهِ بِشَيْءٍ أَفْضَلَ مِنْ سُجُودٍ خَفِيٍّ» . وَابْنُ حِبَّانَ: «مَا كَرِهْتَ أَنْ يَرَاهُ النَّاسُ مِنْك فَلَا تَفْعَلْ بِنَفْسِك إذَا خَلَوْتَ» . وَأَبُو نُعَيْمٍ: «مَنْ أَخْلَصَ لِلَّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ظَهَرَتْ يَنَابِيعُ الْحِكْمَةِ مِنْ قَلْبِهِ عَلَى لِسَانِهِ» .
وَأَبُو دَاوُد: «مَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ أَنْ لَا يَحُولَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَلْبِهِ أَحَدٌ فَلْيَفْعَلْ» .
وَالدَّيْلَمِيُّ: «السِّرُّ أَفْضَلُ مِنْ الْعَلَانِيَةِ وَالْعَلَانِيَةُ لِمَنْ أَرَادَ الِاقْتِدَاءَ» ، وَفِي رِوَايَةٍ:«وَلِمَنْ أَرَادَ الِاقْتِدَاءَ الْعَلَانِيَةُ أَفْضَلُ» .
وَالْبُخَارِيُّ وَأَبُو يَعْلَى وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ: «لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ يَعْمَلُ فِي صَخْرَةٍ صَمَّاءَ لَيْسَ لَهَا بَابٌ وَلَا كُوَّةٌ لَخَرَجَ عَمَلُهُ كَائِنًا مَا كَانَ» .
وَالْحَاكِمُ: «مَنْ أَحْسَنَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ كَفَاهُ اللَّهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، وَمَنْ أَصْلَحَ سَرِيرَتَهُ أَصْلَحَ اللَّهُ عَلَانِيَتَهُ» . وَالطَّبَرَانِيُّ: «مَا أَسَرَّ عَبْدٌ سَرِيرَةً إلَّا أَلْبَسَهُ اللَّهُ رِدَاءَهَا إنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ، وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ» . وَأَبُو نُعَيْمٍ: «مَنْ كَانَتْ لَهُ سَرِيرَةٌ صَالِحَةٌ أَوْ سَيِّئَةٌ أَظْهَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ مِنْهَا رِدَاءً يُعْرَفُ بِهِ» .
وَابْنُ جَرِيرٍ: «وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا عَمِلَ أَحَدٌ قَطُّ سِرًّا إلَّا أَلْبَسَهُ اللَّهُ رِدَاءَ عَلَانِيَتِهِ إنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ، وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ» . وَسُئِلَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ مَنْ الْمُخْلِصُ؟ فَقَالَ: الْمُخْلِصُ الَّذِي يَكْتُمُ حَسَنَاتِهِ كَمَا يَكْتُمُ سَيِّئَاتِهِ، وَسُئِلَ آخَرُ مَا غَايَةُ الْإِخْلَاصِ؟ قَالَ: أَنْ لَا تُحِبَّ مَحْمَدَةَ النَّاسِ.
[الْكَبِيرَةُ الثَّالِثَةُ الْغَضَبُ بِالْبَاطِلِ]
(الْكَبِيرَةُ الثَّالِثَةُ: الْغَضَبُ بِالْبَاطِلِ وَالْحِقْدُ وَالْحَسَدُ) لَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ بَيْنَهَا تَلَازُمٌ وَتَرَتُّبٌ إذْ الْحَسَدُ مِنْ نَتَائِجِ الْحِقْدِ، وَالْحِقْدُ مِنْ نَتَائِجِ الْغَضَبِ كَانَتْ بِمَنْزِلَةِ خَصْلَةٍ وَاحِدَةٍ، فَلِذَلِكَ جَمَعْتُهَا فِي تَرْجَمَةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّ ذَمَّ كُلٍّ يَسْتَلْزِمُ ذَمَّ الْآخَرِ إذْ ذَمُّ الْفَرْعِ وَفَرْعِهِ يَسْتَلْزِمُ ذَمَّ الْأَصْلِ وَأَصْلِهِ وَبِالْعَكْسِ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا} [الفتح: 26] ذَمَّ الْكُفَّارَ بِمَا تَظَاهَرُوا بِهِ مِنْ الْحَمِيَّةِ الصَّادِرَةِ عَنْ الْغَضَبِ بِالْبَاطِلِ، وَمَدَحَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ السَّكِينَةِ وَالطُّمَأْنِينَةِ النَّاشِئِ عَنْهَا إلْزَامُهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَأَنَّهُمْ هُمْ أَهْلُهَا وَأَحَقُّ بِهَا.
وَقَالَ تَعَالَى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء: 54] .
وَأَخْرَجَ ابْنُ عَسَاكِرَ: «الْغَضَبُ مِنْ الشَّيْطَانِ، وَالشَّيْطَانُ خُلِقَ مِنْ النَّارِ، وَالْمَاءُ يُطْفِئُ النَّارَ فَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَغْتَسِلْ» .
وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَابْنُ عَسَاكِرَ: «اجْتَنِبْ الْغَضَبَ» .
وَابْنُ عَدِيٍّ: «إذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَقَالَ: أَعُوذُ بِاَللَّهِ سَكَنَ غَضَبُهُ» .
وَأَحْمَدُ: «إذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْكُتْ» .
وَالْخَرَائِطِيُّ: «إذَا غَضِبْتَ فَاجْلِسْ» .
وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ حِبَّانَ: «إذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ قَائِمٌ فَلْيَجْلِسْ فَإِنْ ذَهَبَ عَنْهُ الْغَضَبُ، وَإِلَّا فَلْيَضْطَجِعْ» .
وَأَبُو الشَّيْخِ: «الْغَضَبُ مِنْ الشَّيْطَانِ فَإِذَا وَجَدَهُ أَحَدُكُمْ قَائِمًا فَلْيَجْلِسْ، وَإِنْ وَجَدَهُ جَالِسًا فَلْيَضْطَجِعْ» .
وَالدَّيْلَمِيُّ «إذَا غَضِبْتَ فَاقْعُدْ فَإِنْ لَمْ يَذْهَبْ عَنْك فَاضْطَجِعْ فَإِنَّهُ سَيَذْهَبُ» .
وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: «أَشَدُّكُمْ مَنْ غَلَبَ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ وَأَحْلَمُكُمْ مَنْ عَفَا بَعْدَ الْقُدْرَةِ» .
وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد: «إنَّ الْغَضَبَ مِنْ الشَّيْطَانِ، وَالشَّيْطَانُ خُلِقَ مِنْ النَّارِ، وَإِنَّمَا تُطْفَأُ بِالْمَاءِ النَّارُ، فَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَوَضَّأْ» .
وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: «إنَّ لِجَهَنَّمَ بَابًا لَا يَدْخُلُهُ إلَّا مَنْ شَفَى غَيْظَهُ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ» .
وَالطَّبَرَانِيُّ: «أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى أَشَدِّكُمْ؟ أَشَدُّكُمْ أَمْلَكُكُمْ لِنَفْسِهِ عِنْدَ الْغَضَبِ» .
وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا مُرْسَلًا: «الْخَرَقُ شُؤْمٌ، وَالرِّفْقُ يُمْنٌ» .
وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: «أَتَحْسَبُونَ أَنَّ الشِّدَّةَ فِي حَمْلِ الْحِجَارَةِ إنَّمَا الشِّدَّةُ فِي أَنْ يَمْتَلِئَ أَحَدُكُمْ غَيْظًا ثُمَّ يَغْلِبَهُ» .
وَأَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ: «لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ إنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ» . وَالْعَسْكَرِيُّ: «لَيْسَ الشَّدِيدُ الَّذِي يَغْلِبُ النَّاسَ إنَّمَا الشَّدِيدُ مَنْ يَغْلِبُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ» . وَابْنُ النَّجَّارِ: «إنَّ
الشَّدِيدَ لَيْسَ الَّذِي يَغْلِبُ وَلَكِنَّ الشَّدِيدَ مَنْ غَلَبَ نَفْسَهُ» . وَالْبَيْهَقِيُّ: «هَلْ تَدْرُونَ مَا الشَّدِيدُ؟ إنَّ الشَّدِيدَ كُلَّ الشَّدِيدِ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ، تَدْرُونَ مَا الرَّقُوبُ؟ الرَّقُوبُ الَّذِي لَهُ الْوَلَدُ لَمْ يُقَدِّمْ مِنْهُمْ شَيْئًا، تَدْرُونَ مَا الصُّعْلُوكُ كُلُّ الصُّعْلُوكِ؟ الرَّجُلُ لَهُ الْمَالُ لَمْ يُقَدِّمْ مِنْهُ شَيْئًا» .
وَالتِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ: «لِلنَّارِ بَابٌ لَا يَدْخُلُهُ إلَّا مَنْ شَفَى غَيْظَهُ بِسَخَطِ اللَّهِ» .
وَالطَّبَرَانِيُّ: «مَنْ دَفَعَ غَضَبَهُ دَفَعَ اللَّهُ عَنْهُ عَذَابَهُ، وَمَنْ حَفِظَ لِسَانَهُ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ» .
وَأَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَبُو يَعْلَى: «أَنَّ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْصِنِي. قَالَ: لَا تَغْضَبْ، قَالَ: أَوْصِنِي قَالَ: لَا تَغْضَبْ» . وَفِي رِوَايَةٍ: «لَا تَغْضَبْ فَإِنَّ الْغَضَبَ مَفْسَدَةٌ» . وَفِي أُخْرَى: «قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مُرْنِي بِعَمَلٍ وَأَقْلِلْ، قَالَ: لَا تَغْضَبْ، ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِ فَقَالَ: لَا تَغْضَبْ» . وَفِي أُخْرَى «عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: قُلْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قُلْ لِي قَوْلًا وَأَقْلِلْ لَعَلِّي أَعْقِلُهُ، قَالَ: لَا تَغْضَبْ، فَأَعَدْتُ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ كُلُّ ذَلِكَ يُرَجِّعُ إلَيَّ لَا تَغْضَبْ» . وَالطَّبَرَانِيُّ: «لَا تَغْضَبْ وَلَك الْجَنَّةُ» .
وَالْحَكِيمُ: «لَا تَغْضَبْ يَا مُعَاوِيَةُ بْنَ حَيْدَةَ فَإِنَّ الْغَضَبَ يُفْسِدُ الْإِيمَانَ كَمَا يُفْسِدُ الصَّبْرُ الْعَسَلَ» . وَالْبَيْهَقِيُّ وَابْنُ عَسَاكِرَ: «يَا مُعَاوِيَةُ إيَّاكَ وَالْغَضَبَ فَإِنَّ الْغَضَبَ يُفْسِدُ الْإِيمَانَ كَمَا يُفْسِدُ الصَّبْرُ الْعَسَلَ» .
وَالْحَكِيمُ: «الْغَضَبُ مِيسَمٌ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ يَضَعُهُ اللَّهُ عَلَى نِيَاطِ أَحَدِكُمْ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا غَضِبَ احْمَرَّتْ عَيْنُهُ وَأَرْبَدَ وَجْهُهُ، وَانْتَفَخَتْ أَوْدَاجُهُ» . وَالْخَرَائِطِيُّ: «إيَّاكُمْ وَالْبَغْضَاءَ فَإِنَّهَا الْحَالِقَةُ» .
وَالدَّيْلَمِيُّ: «قَالَ: اللَّهُ تَعَالَى مَنْ ذَكَرَنِي حِينَ يَغْضَبُ ذَكَرْتُهُ حِينَ أَغْضَبُ وَلَا أَمْحَقُهُ فِيمَنْ أَمْحَقُ» . وَابْنُ شَاهِينَ: «يَقُولُ اللَّهُ: ابْنَ آدَمَ اُذْكُرْنِي حِينَ تَغْضَبُ أَذْكُرُك حِينَ أَغْضَبُ وَلَا أَمْحَقُك فِيمَنْ أَمْحَقُ» .
وَالطَّبَرَانِيُّ: «لَوْ يَقُولُ أَحَدُكُمْ إذَا غَضِبَ: أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ذَهَبَ عَنْهُ غَضَبُهُ» .
وَأَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ: «إنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا هَذَا الْغَضْبَانُ لَأَذْهَبَتْ الَّذِي بِهِ مِنْ الْغَضَبِ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ» .
وَأَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ: «اللَّهُمَّ مُطْفِئَ الْكَبِيرِ وَمُكَبِّرَ الصَّغِيرِ أَطْفِئْهَا عَنِّي» .
وَالْخَرَائِطِيُّ «عَنْ أَمِّ هَانِئٍ: قُولِي اللَّهُمَّ رَبَّ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي وَأَذْهِبْ غَيْظَ قَلْبِي وَأَجِرْنِي مِنْ مُضِلَّاتِ الْفِتَنِ» .
وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد صَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ: يَا بُنَيَّ إيَّاكَ وَكَثْرَةَ الْغَضَبِ فَإِنَّ كَثْرَةَ الْغَضَبِ تَسْتَخِفُّ فُؤَادَ الرَّجُلِ الْحَلِيمِ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَسَيِّدًا وَحَصُورًا} [آل عمران: 39] . السَّيِّدُ: الَّذِي لَا يَغْلِبُهُ الْغَضَبُ.
وَقَالَ يَحْيَى لِعِيسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ -: لَا تَغْضَبْ، قَالَ يَا أَخِي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ لَا أَغْضَبَ إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، قَالَ: لَا تَقْتَنِ مَالًا، قَالَ هَذَا عَسَى.
وَقَالَ الْحَسَنُ: يَا ابْنَ آدَمَ كُلَّمَا غَضِبْتَ وَثَبْتَ يُوشِكُ أَنْ تَثِبَ وَثْبَةً تَقَعُ فِي النَّارِ.
وَعَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ: أَنَّهُ لَقِيَ مَلَكًا وَقَالَ: لَهُ عَلِّمْنِي عِلْمًا أَزْدَادُ بِهِ إيمَانًا وَيَقِينًا، قَالَ: لَا تَغْضَبْ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ أَقْدَرُ مَا يَكُونُ عَلَى ابْنِ آدَمَ حِينَ يَغْضَبُ فَرُدَّ الْغَضَبَ بِالْكَظْمِ وَسَكِّنْهُ بِالتُّؤَدَةِ، وَإِيَّاكَ وَالْعَجَلَةَ فَإِنَّك إذَا عَجِلْتَ أَخْطَأْتَ حَظَّك وَكُنْ سَهْلًا لَيِّنًا لِلْقَرِيبِ وَلِلْبَعِيدِ وَلَا تَكُنْ جَبَّارًا عَنِيدًا.
وَعَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ رضي الله عنه: أَنَّ رَاهِبًا فِي صَوْمَعَتِهِ أَرَادَ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُ فَعَجَزَ عَنْهُ فَنَادَاهُ لِيَفْتَحَ لَهُ فَسَكَتَ، فَقَالَ: إنْ ذَهَبْت نَدِمْت فَسَكَتَ، فَقَالَ: أَنَا الْمَسِيحُ، فَأَجَابَهُ وَقَالَ: إنْ كُنْتَ الْمَسِيحَ فَمَا أَصْنَعُ بِك؟ أَلَسْتَ قَدْ أَمَرْتَنَا بِالْعِبَادَةِ وَالِاجْتِهَادِ وَوَعَدْتنَا الْقِيَامَةَ، فَلَوْ جِئْتنَا الْيَوْمَ بِغَيْرِ ذَلِكَ لَمْ نَقْبَلْهُ مِنْك، فَأَخْبَرَ أَنَّهُ الشَّيْطَانُ جَاءَ لِيُضِلَّهُ فَلَمْ يَسْتَطِعْ، ثُمَّ قَالَ: لَهُ سَلْنِي عَمَّا شِئْت أُخْبِرْك، قَالَ: مَا أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَك عَنْ شَيْءٍ فَوَلَّى الشَّيْطَانُ مُدْبِرًا، فَقَالَ لَهُ الرَّاهِبُ: أَلَا تَسْمَعُ قَالَ: بَلَى. قَالَ: أَخْبِرْنِي أَيُّ أَخْلَاقِ بَنِي آدَمَ أَعْوَنُ لَك عَلَيْهِمْ؟ قَالَ: الْحِدَّةُ إنَّ الرَّجُلَ إذَا كَانَ حَدِيدًا قَلَّبْنَاهُ كَمَا يُقَلِّبُ الصِّبْيَانُ الْكُرَةَ.
وَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ رضي الله عنهما: الْغَضَبُ مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ.
وَقَالَ بَعْضُ الْأَنْصَارِ: رَأْسُ الْحُمْقِ الْحِدَّةُ وَقَائِدُهُ الْغَضَبُ، وَمَنْ رَضِيَ بِالْجَهْلِ اسْتَغْنَى عَنْ الْحِلْمِ، وَالْحِلْمُ زَيْنٌ وَمَنْفَعَةٌ وَالْجَهْلُ شَيْنٌ وَمَضَرَّةٌ، وَالسُّكُوتُ عَنْ جَوَابِ الْأَحْمَقِ سَعَادَةٌ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: قَالَ إبْلِيسُ: مَا أَعْجَزَنِي بَنُو آدَمَ فَلَنْ يُعْجِزُونِي فِي ثَلَاثٍ: إذَا سَكِرَ أَحَدُهُمْ أَخَذْنَا بِخَرَامَتِهِ فَقُدْنَاهُ حَيْثُ نَشَاءُ وَعَمِلَ لَنَا بِمَا أَحْبَبْنَا، وَإِذَا غَضِبَ قَالَ بِمَا لَا يَعْلَمُ وَعَمِلَ بِمَا يَنْدَمُ، وَإِذَا بَخِلَ بِمَا فِي يَدِهِ مَنَّيْنَاهُ بِمَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ.
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: اُنْظُرُوا إلَى حِلْمِ الرَّجُلِ عِنْدَ غَضَبِهِ وَأَمَانَتِهِ عِنْدَ طَمَعِهِ، وَمَا عِلْمُك بِحِلْمِهِ إذَا لَمْ يَغْضَبْ، وَمَا عِلْمُك بِأَمَانَتِهِ إذَا لَمْ يَطْمَعْ.
وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إلَى عَامِلِهِ: لَا تُعَاقِبْ غَضَبَك بَلْ احْبِسْهُ فَإِذَا سَكَنَ غَضَبُك عَاقِبْهُ بِقَدْرِ ذَنْبِهِ وَلَا تُجَاوِزْ بِهِ خَمْسَةَ عَشَرَ سَوْطًا. وَأَغْلَظَ لَهُ قُرَشِيٌّ فَأَطْرَقَ طَوِيلًا، ثُمَّ قَالَ: أَرَدْت أَنْ يَسْتَفِزَّنِي الشَّيْطَانُ لِعِزِّ السُّلْطَانِ فَأَنَالَ مِنْك الْيَوْمَ مَا تَنَالُهُ مِنِّي غَدًا.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَقَلُّ النَّاسِ غَضَبًا أَعْقَلُهُمْ فَإِنْ كَانَ لِلدُّنْيَا كَانَ دَهَاءً وَمَكْرًا، وَإِنْ كَانَ لِلْآخِرَةِ كَانَ عِلْمًا وَحُكْمًا.
كَانَ عُمَرُ رضي الله عنه يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ: أَفْلَحَ مَنْ حُفِظَ مِنْ الْهَوَى وَالطَّمَعِ وَالْغَضَبِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَنْ أَطَاعَ شَهْوَتَهُ وَغَضَبَهُ قَادَاهُ إلَى النَّارِ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: مِنْ عَلَامَاتِ الْمُسْلِمِ: قُوَّةٌ فِي دِينٍ، وَحَزْمٌ فِي لِينٍ، وَإِيمَانٌ فِي يَقِينٍ، وَعِلْمٌ فِي حِلْمٍ، وَكَيْسٌ فِي رِفْقٍ، وَإِعْطَاءٌ فِي حَقٍّ، وَقَصْدٌ فِي غِنًى، وَتَجَمُّلٌ فِي فَاقَةٍ، وَإِحْسَانٌ فِي قُدْرَةٍ، وَصَبْرٌ فِي شِدَّةٍ، لَا يَغْلِبُهُ الْغَضَبُ؛ وَلَا تُجْمَعُ بِهِ الْحَمِيَّةُ، وَلَا تَغْلِبُهُ شَهْوَتُهُ وَلَا يَفْضَحُهُ بَطْنُهُ وَلَا يَسْتَخِفُّهُ حِرْصُهُ، يَنْصُرُ الْمَظْلُومَ وَيَرْحَمُ الضَّعِيفَ، وَلَا يَبْخَلُ وَلَا يُبَذِّرُ وَلَا يُسْرِفُ وَلَا يَقْتُرُ، يَغْفِرُ إذَا ظُلِمَ وَيَعْفُو عَنْ الْجَاهِلِ، نَفْسُهُ مِنْهُ فِي عَنَاءٍ وَالنَّاسُ مِنْهُ فِي رَخَاءٍ.
وَقَالَ وَهْبٌ: لِلْكُفْرِ أَرْكَانٌ أَرْبَعَةٌ: الْغَضَبُ وَالشَّهْوَةُ وَالْخُلْفُ وَالطَّمَعُ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ حَمَلَهُ الْغَضَبُ عَلَى أَنْ ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ وَمَاتَ كَافِرًا، فَتَأَمَّلْ شَرَّ الْغَضَبِ وَمَا يَحْمِلُ عَلَيْهِ.
وَقَالَ نَبِيٌّ لِأَتْبَاعِهِ: مَنْ يَتَكَفَّلُ لِي مِنْكُمْ أَنْ لَا يَغْضَبَ يَكُنْ خَلِيفَتِي وَمَعِي فِي دَرَجَتِي فِي الْجَنَّةِ، فَقَالَ شَابٌّ: أَنَا فَأَعَادَ فَقَالَ ذَلِكَ الشَّابُّ: أَنَا وَوَفَّى، فَلَمَّا مَاتَ كَانَ خَلِيفَتَهُ فِي مَنْزِلَتِهِ وَهُوَ ذُو الْكِفْلِ سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ تَكَفَّلَ نَفْسَهُ أَنْ لَا يَغْضَبَ وَوَفَّى بِهِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ تَكَفَّلَ بِقِيَامِ اللَّيْلِ وَصِيَامِ النَّهَارِ وَوَفَّى بِهِ.
وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ: «إنَّ اللَّهَ يَطَّلِعُ عَلَى عِبَادِهِ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِلْمُسْتَغْفِرِينَ وَيَرْحَمُ الْمُسْتَرْحِمِينَ وَيُؤَخِّرُ أَهْلَ الْحِقْدِ كَمَا هُمْ عَلَيْهِ» . وَأَخْرَجَ أَيْضًا: «إذَا كَانَ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ اطَّلَعَ اللَّهُ إلَى خَلْقِهِ فَيَغْفِرُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَيُمْلِي لِلْكَافِرِينَ وَيَدَعُ أَهْلَ الْحِقْدِ بِحِقْدِهِمْ حَتَّى يَدَعُوهُ» .
وَمُسْلِمٌ: «تُعْرَضُ الْأَعْمَالُ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ مَرَّةً يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ فَيَغْفِرُ لِكُلِّ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ إلَّا عَبْدًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ: اُتْرُكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَفِيئَا» . وَالطَّبَرَانِيُّ: «تُعْرَضُ الْأَعْمَالُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ فَيَغْفِرُ اللَّهُ إلَّا
مَا كَانَ مِنْ مُتَشَاحِنَيْنِ أَوْ قَاطِعِ رَحِمٍ» .
وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ: «تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ فَيُغْفَرُ فِيهِمَا لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاَللَّهِ شَيْئًا إلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا» . وَابْنُ عَسَاكِرَ: «إنَّ الْأَعْمَالَ تُعْرَضُ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاَللَّهِ شَيْئًا إلَّا رَجُلَيْنِ فَإِنَّهُ يَقُولُ: أَخِّرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا» . وَالْخَطِيبُ وَابْنُ عَسَاكِرَ: «إنَّ أَعْمَالَ الْعِبَادِ تُعْرَضُ عَلَى اللَّهِ فِي كُلِّ اثْنَيْنِ وَخَمِيسٍ، فَيَغْفِرُ اللَّهُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاَللَّهِ شَيْئًا إلَّا عَبْدًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ» . وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْخَرَائِطِيُّ: «تُعْرَضُ الْأَعْمَالُ عَلَى اللَّهِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ فَيَغْفِرُ اللَّهُ الذُّنُوبَ إلَّا مَا كَانَ مِنْ مُتَشَاحِنَيْنِ أَوْ قَاطِعِ رَحِمٍ» . وَابْنُ زَنْجُوَيْهِ وَالطَّبَرَانِيُّ: «تُعْرَضُ أَعْمَالُ بَنِي آدَمَ كُلَّ يَوْمِ اثْنَيْنِ وَخَمِيسٍ فَيَرْحَمُ الْمُسْتَرْحِمِينَ وَيَغْفِرُ لِلْمُسْتَغْفِرِينَ ثُمَّ يَذَرُ أَهْلَ الْحِقْدِ بِحِقْدِهِمْ» . وَالشَّيْخَانِ وَابْنُ زَنْجُوَيْهِ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ: «تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ فَيَغْفِرُ اللَّهُ فِيهِمَا لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاَللَّهِ شَيْئًا إلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا» .
وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْبَيْهَقِيُّ: «يَنْزِلُ اللَّهُ - أَيْ أَمْرُهُ وَرَحْمَتُهُ - إلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، فَيَغْفِرُ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ إلَّا الْعَاقَّ وَالْمُشَاحِنَ» . وَالْبَزَّارُ وَحَسَّنَهُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ: «يَنْزِلُ اللَّهُ إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ إلَّا رَجُلًا مُشْرِكًا أَوْ رَجُلًا فِي قَلْبِهِ شَحْنَاءُ» . وَابْنُ زَنْجُوَيْهِ: «يَنْزِلُ رَبُّنَا إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِأَهْلِ الْأَرْضِ إلَّا مُشْرِكًا أَوْ مُشَاحِنًا» . وَابْنُ حِبَّانَ وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ شَاهِينِ وَالْبَيْهَقِيُّ وَابْنُ عَسَاكِرَ: «يَطَّلِعُ اللَّهُ عز وجل إلَى خَلْقِهِ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ» . وَأَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ: «يَطَّلِعُ اللَّهُ عَلَى خَلْقِهِ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، فَيَغْفِرُ لِعِبَادِهِ إلَّا لِاثْنَيْنِ مُشَاحِنٍ أَوْ قَاتِلِ نَفْسٍ» .
وَأَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ: «الْحَسَدُ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ، وَالصَّلَاةُ نُورُ الْمُؤْمِنِ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ» أَيْ سَاتِرٌ وَوِقَايَةٌ مِنْ النَّارِ.
وَابْنُ عَسَاكِرَ: «الْحَسَدُ فِي اثْنَيْنِ رَجُلٍ آتَاهُ الْقُرْآنَ فَقَامَ بِهِ وَأَحَلَّ حَلَالَهُ وَحَرَّمَ حَرَامَهُ، وَرَجُلٍ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَوَصَلَ بِهِ أَقْرِبَاءَهُ وَرَحِمَهُ وَعَمِلَ بِطَاعَةِ اللَّهِ
تَمَنِّي أَنْ يَكُونَ مِثْلَهُ» .
وَالدَّيْلَمِيُّ: «الْحَسَدُ يُفْسِدُ الْإِيمَانَ كَمَا يُفْسِدُ الصَّبْرُ الْعَسَلَ» وَابْنُ عَدِيٍّ: «إذَا حَسَدْتُمْ فَلَا تَبْغُوا، وَإِذَا ظَنَنْتُمْ فَلَا تُحَقِّقُوا، وَإِذَا تَطَيَّرْتُمْ فَامْضُوا وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا» .
وَأَبُو دَاوُد: «إيَّاكُمْ وَالْحَسَدَ فَإِنَّ الْحَسَدَ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ» .
وَأَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالضِّيَاءُ: «دَبَّ إلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ، الْحَسَدُ، وَالْبَغْضَاءُ هِيَ الْحَالِقَةُ حَالِقَةُ الدِّينِ لَا حَالِقَةُ الشَّعْرِ، وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَفَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِشَيْءٍ إذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ» .
وَابْنُ صَصْرَى: «الْغِلُّ وَالْحَسَدُ يَأْكُلَانِ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ» .
وَالطَّبَرَانِيُّ: «لَيْسَ مِنِّي ذُو حَسَدٍ وَلَا نَمِيمَةٍ وَلَا كِهَانَةٍ وَلَا أَنَا مِنْهُ» .
وَأَبُو نُعَيْمٍ: «كُلُّ ابْنِ آدَمَ حَسُودٌ وَلَا يَضُرُّ حَاسِدًا حَسَدُهُ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ بِاللِّسَانِ أَوْ يَعْمَلْ بِالْيَدِ» . وَفِي رِوَايَةٍ: «كُلُّ ابْنِ آدَمَ حَسُودٌ وَبَعْضُ النَّاسِ فِي الْحَسَدِ أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ وَلَا يَضُرُّ حَاسِدًا حَسَدُهُ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ بِاللِّسَانِ أَوْ يَعْمَلْ بِالْيَدِ» .
وَالطَّبَرَانِيُّ: «لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا لَمْ يَتَحَاسَدُوا» .
وَالْحَاكِمُ وَالدَّيْلَمِيُّ: " إنَّ إبْلِيسَ يَقُولُ: «ابْغُوا مِنْ بَنِي آدَمَ الْبَغْيَ وَالْحَسَدَ فَإِنَّهُمَا يَعْدِلَانِ عِنْدَ اللَّهِ الشِّرْكَ» .
وَأَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَابْنُ حِبَّانَ: «مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ مِنْ أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ» .
وَابْنُ عَدِيٍّ وَابْنُ النَّجَّارِ: «وَاحْذَرُوا الْبَغْيَ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ عُقُوبَةٍ هِيَ أَخْطَرُ مِنْ عُقُوبَةِ الْبَغْيِ» .
وَابْنُ لَالٍ: «لَوْ بَغَى جَبَلٌ عَلَى جَبَلٍ لَدُكَّ الْبَاغِي مِنْهُمَا» .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ: «لَا تُظْهِرْ الشَّمَاتَةَ لِأَخِيك فَيُعَافِيَهُ اللَّهُ» . وَفِي رِوَايَةٍ: «فَيَرْحَمَهُ اللَّهُ وَيَبْتَلِيَكَ»
وَالْبَيْهَقِيُّ: «مِنْ أَسْوَأِ النَّاسِ مَنْزِلَةً مَنْ أَذْهَبَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَا غَيْرِهِ» .
وَالْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ: «إنَّ أَشَدَّ النَّاسِ نَدَامَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ بَاعَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَا غَيْرِهِ» . وَابْنُ مَاجَهْ: «مِنْ شَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَبْدٌ أَذْهَبَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَا غَيْرِهِ» . وَابْنُ مَاجَهْ وَالطَّبَرَانِيُّ: «إنَّ مِنْ شَرِّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَبْدٌ أَذْهَبَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَا غَيْرِهِ» .
وَالسِّجْزِيُّ: «إيَّاكُمْ وَالْهَوَى فَإِنَّ الْهَوَى يُصِمُّ وَيُعْمِي» .
وَالطَّبَرَانِيُّ وَأَبُو نُعَيْمٍ: «مَا تَحْتَ ظِلِّ سَمَاءٍ مِنْ إلَهٍ يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ هَوًى مُتَّبَعٍ» .
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم فِي النَّهْيِ عَنْ الْحَسَدِ وَأَسْبَابِهِ وَثَمَرَاتِهِ: «لَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَنَابَزُوا وَلَا تَقَاطَعُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إخْوَانًا، وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثَةٍ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
وَقَالَ أَنَسٌ «رضي الله عنه كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَطْلُعُ الْآنَ مِنْ هَذَا الْفَجِّ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَطَلَعَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ تَنْطِفُ لِحْيَتُهُ مِنْ وُضُوئِهِ وَقَدْ عَلَّقَ نَعْلَيْهِ بِيَدِهِ الشِّمَالِ فَسَلَّمَ، فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْغَدِ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَ ذَلِكَ فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ بِعَيْنِهِ مِثْلَ الْمَرَّةِ الْأُولَى، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الثَّالِثِ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَ مَقَالَتِهِ أَيْضًا فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ الْأَوَّلِ، فَلَمَّا قَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم تَبِعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: إنِّي لَاحَيْتُ أَبِي خَاصَمْتُ أَبِي فَأَقْسَمْتُ أَنْ لَا أَدْخُلَ عَلَيْهِ ثَلَاثًا، فَإِنْ أَرَدْت أَنْ تُؤْوِيَنِي إلَيْك حَتَّى تَمْضِيَ الثَّلَاثُ فَعَلْت؟ فَقَالَ: نَعَمْ. قَالَ أَنَسٌ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُحَدِّثُ أَنَّهُ بَاتَ مَعَهُ تِلْكَ اللَّيَالِيَ الثَّلَاثَ فَلَمْ يَرَهُ يَقُومُ مِنْ اللَّيْلِ شَيْئًا غَيْرَ أَنَّهُ إذَا تَعَارَّ» بِالتَّشْدِيدِ أَيْ اسْتَيْقَظَ وَتَقَلَّبَ عَلَى فِرَاشِهِ «ذَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى وَكَبَّرَهُ وَلَا يَقُومُ حَتَّى تَقُومَ الصَّلَاةُ، قَالَ: غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَسْمَعْهُ يَقُولُ إلَّا خَيْرًا، فَلَمَّا مَرَّتْ الثَّلَاثُ وَكِدْتُ أَحْتَقِرُ عَمَلَهُ فَقُلْتُ يَا عَبْدَ اللَّهِ إنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَ وَالِدِي غَضَبٌ وَلَا هِجْرَةٌ وَلَكِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: لَك أَيْ عَنْك ثَلَاثَ مَرَّاتٍ يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ الْآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَطَلَعْت أَنْتَ الثَّلَاثَ الْمَرَّاتِ، فَأَرَدْتُ أَنْ آوِيَ إلَيْك فَأَنْظُرَ مَا عَمَلُك فَأَقْتَدِيَ بِك، فَلَمْ أَرَك عَمِلْتَ كَبِيرَ عَمَلٍ، فَمَا الَّذِي بَلَغَ بِك مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: مَا هُوَ إلَّا مَا رَأَيْت، فَلَمَّا وَلَّيْتُ دَعَانِي وَقَالَ: مَا هُوَ إلَّا مَا رَأَيْت غَيْرَ أَنِّي لَا أَجِدُ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي نَفْسِي غِشًّا وَلَا أَحْسُدُ أَحَدًا عَلَى خَيْرٍ أَعْطَاهُ اللَّهُ تَعَالَى إيَّاهُ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: هِيَ الَّتِي بَلَغَتْ بِك» رَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ. وَالنَّسَائِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ أَيْضًا. وَأَبُو يَعْلَى وَالْبَزَّارُ بِنَحْوِهِ، وَسَمَّى الرَّجُلَ الْمُبْهَمَ سَعْدًا، وَقَالَ فِي آخِرِهِ:«فَقَالَ: مَا هُوَ إلَّا مَا رَأَيْتَ يَا ابْنَ أَخِي إلَّا أَنَّنِي لَمْ أَبِتْ ضَاغِنًا عَلَى مُسْلِمٍ أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا» ، زَادَ النَّسَائِيُّ فِي رِوَايَةٍ لَهُ، وَالْبَيْهَقِيُّ وَالْأَصْبَهَانِيّ:«فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: هَذِهِ الَّتِي بَلَغَتْ بِك وَهِيَ الَّتِي لَا نُطِيقُ - أَيْ نَحْنُ عَلَى الْقِيَامِ بِهَا -» وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنهما قَالَ: «كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: لَيَطْلُعَنَّ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ مِنْ هَذَا الْبَابِ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَجَاءَ سَعْدُ بْنُ مَالِكٍ فَدَخَلَ مِنْهُ» . قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، قَالَ:«فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: مَا أَنَا بِاَلَّذِي أَنْتَهِي حَتَّى أُبَايِت هَذَا الرَّجُلَ فَأَنْظُرَ عَمَلَهُ» ، قَالَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي دُخُولِهِ عَلَيْهِ، قَالَ: «فَنَاوَلَنِي عَبَاءَةً فَاضْطَجَعْتُ عَلَيْهَا قَرِيبًا مِنْهُ وَجَعَلْتُ أَرْمُقُهُ بِعَيْنِي لَيْلَةً كُلَّمَا تَعَارَّ سَبَّحَ وَكَبَّرَ وَهَلَّلَ وَحَمِدَ حَتَّى إذَا كَانَ فِي وَقْتِ
السَّحَرِ قَامَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً بِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ سُورَةً مِنْ الْمُفَصَّلِ لَيْسَ مِنْ طِوَالِهِ وَلَا مِنْ قِصَارِهِ، يَدْعُو فِي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ بِثَلَاثِ دَعَوَاتٍ يَقُولُ: اللَّهُمَّ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ؛ اللَّهُمَّ اكْفِنَا مَا أَهَمَّنَا مِنْ أَمْرِ آخِرَتِنَا وَدُنْيَانَا، اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُك مِنْ الْخَيْرِ كُلِّهِ وَنَعُوذُ بِك مِنْ الشَّرِّ كُلِّهِ، حَتَّى إذَا فَرَغَ» فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي اسْتِقْلَالِ عَمَلِهِ إلَى أَنْ قَالَ:«فَقَالَ آخُذُ مَضْجَعِي وَلَيْسَ فِي قَلْبِي غِمْرٌ»
بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ: أَيْ حِقْدٌ عَلَى أَحَدٍ.
وَفِي حَدِيثٍ: «كَادَ الْفَقْرُ أَنْ يَكُونَ كُفْرًا، وَكَادَ الْحَسَدُ أَنْ يَغْلِبَ الْقَدَرَ» . وَفِي آخَرَ: «سَيُصِيبُ أُمَّتِي دَاءُ الْأُمَمِ، قَالُوا: وَمَا دَاءُ الْأُمَمِ؟ قَالَ: الْأَشَرُ وَالْبَطَرُ وَالتَّكَاثُرُ وَالتَّنَافُسُ فِي الدُّنْيَا وَالتَّبَاغُضُ وَالتَّحَاسُدُ حَتَّى يَكُونَ الْبَغْيُ، ثُمَّ يَكُونَ الْهَرَجُ» . وَفِي آخَرَ: «أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي أَنْ يَكْثُرَ بِهِمْ الْمَالُ فَيَتَحَاسَدُونَ وَيَقْتَتِلُونَ» ، ثُمَّ قَالَ صلى الله عليه وسلم:«اسْتَعِينُوا عَلَى قَضَاءِ الْحَوَائِجِ بِالْكِتْمَانِ فَإِنَّ كُلَّ ذِي نِعْمَةٍ مَحْسُودٌ» . وَفِي آخَرَ: «إنَّ لِنِعَمِ اللَّهِ أَعْدَاءً قِيلَ: وَمَنْ أُولَئِكَ؟ قَالَ: الَّذِينَ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ» . وَفِي آخَرَ: «سِتَّةٌ يَدْخُلُونَ النَّارَ قَبْلَ الْحِسَابِ بِسَنَةٍ؟ قِيلَ: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ الْأُمَرَاءُ بِالْجَوْرِ، وَالْعَرَبُ بِالْعَصَبِيَّةِ، وَالدَّهَاقِينُ بِالتَّكَبُّرِ، وَالتُّجَّارُ بِالْخِيَانَةِ، وَأَهْلُ الرُّسْتَاقِ بِالْجَهَالَةِ، وَالْعُلَمَاءُ بِالْحَسَدِ» . وَرُوِيَ أَنَّ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ لَمَّا تَعَجَّلَ إلَى رَبِّهِ عز وجل رَأَى فِي ظِلِّ الْعَرْشِ رَجُلًا فَغَبَطَهُ بِمَكَانِهِ، وَقَالَ: إنَّ هَذَا لَكَرِيمٌ عَلَى رَبِّهِ فَسَأَلَ رَبَّهُ عز وجل أَنْ يُخْبِرَهُ بِاسْمِهِ، فَلَمْ يُخْبِرْهُ بِاسْمِهِ وَقَالَ: أُحَدِّثُك مِنْ عَمَلِهِ بِثَلَاثٍ: كَانَ لَا يَحْسُدُ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ، وَكَانَ لَا يَعُقُّ وَالِدَيْهِ، وَكَانَ لَا يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ.
وَعَنْ زَكَرِيَّا صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ: " قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: الْحَاسِدُ عَدُوٌّ لِنِعْمَتِي مُتَسَخِّطٌ لِقَضَائِي غَيْرُ رَاضٍ بِقِسْمَتِي الَّتِي قَسَمْتُ بَيْنَ عِبَادِي ".
وَقَالَ
بَعْضُ السَّلَفِ: " أَوَّلُ خَطِيئَةٍ عُصِيَ اللَّهُ بِهَا هِيَ الْحَسَدُ حَسَدَ إبْلِيسُ آدَمَ أَنْ يَسْجُدَ لَهُ فَحَمَلَهُ الْحَسَدُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ ".
وَوَعَظَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ بَعْضَ الْأُمَرَاءِ فَقَالَ: إيَّاكَ وَالْكِبْرَ فَإِنَّهُ أَوَّلُ ذَنْبٍ عُصِيَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، ثُمَّ قَرَأَ:{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ} [البقرة: 34] الْآيَةَ، وَإِيَّاكَ وَالْحِرْصَ فَإِنَّهُ أَخْرَجَ آدَمَ مِنْ الْجَنَّةِ أَسْكَنَهُ اللَّهُ جَنَّةً عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ يَأْكُلُ فِيهَا إلَّا شَجَرَةً وَاحِدَةً نَهَاهُ عَنْهَا فَمِنْ حِرْصِهِ أَكَلَ مِنْهَا فَأَخْرَجَهُ اللَّهُ مِنْ الْجَنَّةِ، ثُمَّ قَرَأَ:{قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا} [طه: 123] الْآيَةَ، وَإِيَّاكَ وَالْحَسَدَ فَإِنَّهُ الَّذِي حَمَلَ ابْنَ آدَمَ عَلَى أَنْ قَتَلَ أَخَاهُ حِينَ حَسَدَهُ ثُمَّ قَرَأَ:{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27] .
وَقِيلَ: كَانَ السَّبَبُ أَيْضًا فِي قَتْلِهِ لَهُ أَنَّ زَوْجَتَهُ أُخْتَ الْقَاتِلِ كَانَتْ أَجْمَلَ مِنْ زَوْجَةِ الْقَاتِلِ أُخْتِ الْمَقْتُولِ لِأَنَّ حَوَّاءَ وَلَدَتْ لِآدَمَ عِشْرِينَ بَطْنًا فِي كُلِّ بَطْنٍ اثْنَيْنِ ذَكَرًا وَأُنْثَى، فَكَانَ آدَم صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ يُزَوِّجُ أُنْثَى كُلِّ بَطْنٍ لِذَكَرِ بَطْنٍ آخَرَ لَا لِذَكَرِ بَطْنِهَا، فَلَمَّا رَأَى قَابِيلُ أَنَّ زَوْجَةَ أَخِيهِ هَابِيلَ أَجْمَلُ حَسَدَهُ عَلَيْهَا حَتَّى قَتَلَهُ، وَمِنْ جُمْلَةِ مَا قَالَهُ لَهُ أَيْضًا: وَإِذَا ذُكِرَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاسْكُتْ، وَإِذَا ذُكِرَ الْقَدَرُ فَاسْكُتْ، وَإِذَا ذُكِرَتْ النُّجُومُ فَاسْكُتْ.
وَكَانَ بَعْضُ الصُّلَحَاءِ يَجْلِسُ بِجَانِبِ مَلِكٍ يَنْصَحُهُ وَيَقُولُ لَهُ: أَحْسِنْ إلَى الْمُحْسِنِ بِإِحْسَانِهِ فَإِنَّ الْمُسِيءَ سَتَكْفِيهِ إسَاءَتُهُ، فَحَسَدَهُ عَلَى قُرْبِهِ مِنْ الْمَلِكِ بَعْضُ الْجَهَلَةِ وَأَعْمَلَ الْحِيلَةَ عَلَى قَتْلِهِ، فَسَعَى بِهِ لِلْمَلِكِ فَقَالَ لَهُ: إنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّك أَبْخَرُ، وَأَمَارَةُ ذَلِكَ أَنَّك إذَا قَرُبْتَ مِنْهُ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى أَنْفِهِ لِئَلَّا يَشُمَّ رَائِحَةَ الْبَخَرِ، فَقَالَ: لَهُ انْصَرِفْ حَتَّى أَنْظُرَ، فَخَرَجَ فَدَعَا الرَّجُلَ لِمَنْزِلِهِ وَأَطْعَمَهُ ثُومًا فَخَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ عِنْدِهِ وَجَاءَ لِلْمَلِكِ وَقَالَ لَهُ مِثْلَ قَوْلِهِ السَّابِقِ: أَحْسِنْ لِلْمُحْسِنِ كَعَادَتِهِ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: اُدْنُ مِنِّي فَدَنَا مِنْهُ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى أَنْفِهِ مَخَافَةَ أَنْ يَشُمَّ الْمَلِكُ مِنْهُ رَائِحَةَ الثُّومِ، فَقَالَ الْمَلِكُ فِي نَفْسِهِ: مَا أَرَى فُلَانًا إلَّا قَدْ صَدَقَ، وَكَانَ الْمَلِكُ لَا يَكْتُبُ بِخَطِّهِ إلَّا بِجَائِزَةٍ أَوْ صِلَةٍ فَكَتَبَ لَهُ بِخَطِّهِ لِبَعْضِ عُمَّالِهِ: إذَا أَتَاك صَاحِبُ كِتَابِي هَذَا فَاذْبَحْهُ وَاسْلُخْهُ وَاحْشُ جِلْدَهُ تِبْنًا وَابْعَثْ بِهِ إلَيَّ فَأَخَذَ الْكِتَابَ وَخَرَجَ فَلَقِيَهُ الَّذِي سَعَى بِهِ فَقَالَ: مَا هَذَا
الْكِتَابُ؟ فَقَالَ: خَطَّ الْمَلِكُ لِي بِصِلَةٍ، فَقَالَ: هَبْهُ مِنِّي فَقَالَ: هُوَ لَك فَأَخَذَهُ وَمَضَى إلَى الْعَامِلِ فَقَالَ الْعَامِلُ فِي كِتَابِك أَنْ أَذْبَحَك وَأَسْلُخَك: فَقَالَ: إنَّ الْكِتَابَ لَيْسَ هُوَ لِي، اللَّهَ اللَّهَ فِي أَمْرِي حَتَّى أُرَاجِعَ الْمَلِكَ، قَالَ: لَيْسَ لِكِتَابِ الْمَلِكِ مُرَاجَعَةٌ، فَذَبَحَهُ وَسَلَخَهُ وَحَشَا جِلْدَهُ تِبْنًا وَبَعَثَ بِهِ، ثُمَّ عَادَ الرَّجُلُ إلَى الْمَلِكِ كَعَادَتِهِ وَقَالَ مِثْلَ، قَوْلِهِ، فَعَجِبَ الْمَلِكُ وَقَالَ: مَا فَعَلَ الْكِتَابُ؟ فَقَالَ: لَقِيَنِي فُلَانٌ فَاسْتَوْهَبَهُ مِنِّي فَدَفَعْتُهُ لَهُ، فَقَالَ الْمَلِكُ: إنَّهُ ذَكَرَ لِي أَنَّك تَزْعُمُ أَنِّي أَبْخَرُ، قَالَ: مَا قُلْت ذَلِكَ، قَالَ: فَلِمَ وَضَعْتَ يَدَكَ عَلَى أَنْفِك وَفِيك؟ قَالَ: أَطْعَمَنِي ثُومًا فَكَرِهْتُ أَنْ تَشُمَّهُ، قَالَ: صَدَقْتَ ارْجِعْ إلَى مَكَانِك فَقَدْ كَفَى الْمُسِيءَ إسَاءَتُهُ.
فَتَأَمَّلْ رَحِمَك اللَّهُ شُؤْمَ الْحَسَدِ وَمَا جَرَّ إلَيْهِ تَعْلَمْ سِرَّ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ: «لَا تُظْهِرْ الشَّمَاتَةَ لِأَخِيك فَيُعَافِيَهُ اللَّهُ وَيَبْتَلِيَك» .
وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: مَا حَسَدْتُ أَحَدًا عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَكَيْفَ أَحْسُدُهُ عَلَى الدُّنْيَا وَهِيَ حَقِيرَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَكَيْفَ أَحْسُدُهُ عَلَى أَمْرِ الدُّنْيَا وَهُوَ يَصِيرُ إلَى النَّارِ.
وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه: مَا أَكْثَرَ عَبْدٌ ذِكْرَ الْمَوْتِ إلَّا قَلَّ فَرَحُهُ وَقَلَّ حَسَدُهُ.
وَقَالَ مُعَاوِيَةُ رضي الله عنه: كُلُّ النَّاسِ أَقْدِرُ عَلَى رِضَاهُ إلَّا حَاسِدَ نِعْمَةٍ فَإِنَّهُ لَا يُرْضِيهِ إلَّا زَوَالُهَا.
وَقَالَ أَعْرَابِيٌّ: مَأْ رَأَيْت ظَالِمًا أَشْبَهَ بِمَظْلُومٍ مِنْ حَاسِدٍ؛ إنَّهُ يَرَى النِّعْمَةَ عَلَيْك نِقْمَةً عَلَيْهِ.
وَقَالَ الْحَسَنُ رضي الله عنه: يَا ابْنَ آدَمَ لَا تَحْسُدْ أَخَاك، فَإِنْ كَانَ الَّذِي أَعْطَاهُ اللَّهُ لِكَرَامَتِهِ عَلَيْهِ فَلَا تَحْسُدْ مَنْ أَكْرَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ ذَلِكَ فَلِمَ تَحْسُدُ مَنْ مَصِيرُهُ إلَى النَّارِ؟ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْحَاسِدُ لَا يَنَالُ مِنْ الْمَجَالِسِ إلَّا مَذَمَّةً وَذُلًّا، وَلَا يَنَالُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ إلَّا لَعْنَةً وَبُغْضًا، وَلَا يَنَالُ مِنْ الْخَلْقِ إلَّا جَزَعًا وَغَمًّا، وَلَا يَنَالُ عِنْدَ النَّزْعِ إلَّا شِدَّةً وَهَوْلًا، وَلَا يَنَالُ عِنْدَ الْمَوْقِفِ إلَّا فَضِيحَةً وَهَوَانًا وَنَكَالًا.
(تَنْبِيهَاتٌ) مِنْهَا: مَرَّ فِي أَحَادِيثِ الْغَضَبِ السَّابِقَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الْغَضَبَ مِنْ نَارٍ وَغَرَزَهُ فِي الْإِنْسَانِ وَعَجَنَهُ بِطِينَتِهِ، فَمَهْمَا قَصَدَ فِي غَرَضٍ مِنْ أَغْرَاضِهِ اشْتَعَلَتْ فِيهِ تِلْكَ النَّارُ إلَى أَنْ يَغْلِيَ مِنْهَا دَمُ قَلْبِهِ ثُمَّ تَنْتَشِرَ فِي بَقِيَّةِ عُرُوقِ الْبَدَنِ فَتَرْتَفِعَ إلَى أَعَالِيهِ كَمَا يَرْتَفِعُ الْمَاءُ الْمَغْلِيُّ فَيَنْصَبُّ الدَّمُ بَعْدَ انْبِسَاطِهِ إلَى الْوَجْهِ وَتَحْمَرُّ الْوَجْنَةُ وَالْعَيْنُ، وَالْبَشَرَةُ لِصَفَائِهَا تَحْكِي لَوْنَ مَا وَرَاءَهَا مِنْ حُمْرَةِ الدَّمِ هَذَا إنْ اسْتَشْعَرَ
الْقُدْرَةَ عَلَى مَنْ غَضِبَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَإِنْ غَضِبَ عَلَى مَنْ قُوَّتُهُ أَشَدُّ مِنْ قُوَّتِهِ وَكَانَ مَعَهُ يَأْسٌ مِنْ الِانْتِقَامِ انْقَبَضَ دَمُهُ مِنْ ظَاهِرِ جِلْدِهِ إلَى جَوْفِ قَلْبِهِ وَصَارَ خَوْفًا فَيَصْفَرُّ لَوْنُهُ، أَوْ مَنْ مُسَاوِيهِ وَشَكَّ فِي قُدْرَتِهِ عَلَى الِانْتِقَامِ مِنْهُ تَرَدَّدَ دَمُهُ بَيْنَ الِانْقِبَاضِ وَالِانْبِسَاطِ فَيَحْمَرُّ وَيَصْفَرُّ وَيَضْطَرِبُ؛ فَعُلِمَ أَنَّ قُوَّةَ الْغَضَبِ مَحَلُّهَا الْقَلْبُ وَأَنَّ مَعْنَاهَا غَلَيَانُ دَمِهِ لِطَلَبِ الِانْتِقَامِ، وَأَنَّ هَذِهِ الْقُوَّةَ إنَّمَا تَتَوَجَّهُ عِنْدَ ثَوَرَانِهَا إلَى دَفْعِ مُؤْذٍ قَبْلَ وُقُوعِهِ، أَوْ التَّشَفِّي وَالِانْتِقَامِ بَعْدَهُ. فَالِانْتِقَامُ هُوَ لَذَّتُهَا وَمُمْسِكُهَا، ثُمَّ إنَّ التَّفْرِيطَ فِيهَا بِانْعِدَامِهَا أَوْ ضَعْفِهَا مَذْمُومٌ جِدًّا لِانْعِدَامِ الْحَمِيَّةِ وَالْغَيْرَةِ حِينَئِذٍ، وَمَنْ لَا غَيْرَةَ لَهُ وَلَا مُرُوءَةَ لَا يَتَأَهَّلُ لِشَيْءٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْكَمَالِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ لِأَنَّهُ بِالنِّسَاءِ بَلْ بِحَشَرَاتِ الْحَيَوَانِ أَشْبَهُ، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه: مَنْ اُسْتُغْضِبَ فَلَمْ يَغْضَبْ فَهُوَ حِمَارٌ، وَمَنْ اُسْتُرْضِيَ فَلَمْ يَرْضَ فَهُوَ شَيْطَانٌ، وَقَدْ وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى الصَّحَابَةَ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - بِالشِّدَّةِ وَالْحَمِيَّةِ فَقَالَ تَعَالَى:{أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [المائدة: 54]{أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29]{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 73] وَثَمَرَةُ التَّفْرِيطِ فِي ذَلِكَ قِلَّةُ الْأَنَفَةِ مِمَّا يُؤْنَفُ مِنْهُ مِنْ التَّعَرُّضِ لِلْحَرَمِ كَالْأُخْتِ وَالزَّوْجَةِ، وَاحْتِمَالِ الذُّلِّ مِنْ الْأَخِسَّاءِ، وَصِغَرِ النَّفْسِ، وَهَذِهِ كُلُّهَا قَبَائِحُ وَمَذَامُّ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ ثَمَرَاتِهَا إلَّا قِلَّةُ الْغَيْرَةِ وَخُنُوثَةُ الطَّبْعِ، وَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم:«أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ أَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاَللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي وَمِنْ غَيْرَتِهِ أَنْ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ» .
وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ: «لَا أَحَدَ أَغْيَرُ مِنْ اللَّهِ وَلِذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا أَحَدَ أَحَبُّ إلَيْهِ الْمَدْحُ مِنْ اللَّهِ وَلِذَلِكَ مَدَحَ نَفْسَهُ، وَلَا أَحَدَ أَحَبُّ إلَيْهِ الْعُذْرُ مِنْ اللَّهِ وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَنْزَلَ الْكُتُبَ وَأَرْسَلَ الرُّسُلَ» .
وَالْبَيْهَقِيُّ: «إنَّ الْغَيْرَةَ مِنْ الْإِيمَانِ» .
وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ: «إنَّ مِنْ الْغَيْرَةِ مَا يُحِبُّ اللَّهُ تَعَالَى وَمِنْهَا مَا يُبْغِضُ اللَّهُ، وَإِنَّ مِنْ الْخُيَلَاءِ مَا يُحِبُّ اللَّهُ وَمِنْهَا مَا يُبْغِضُ اللَّهُ، فَأَمَّا الْغَيْرَةُ الَّتِي يُحِبُّهَا اللَّهُ فَالْغَيْرَةُ فِي الرِّيبَةِ. وَأَمَّا الْغَيْرَةُ الَّتِي يُبْغِضُهَا اللَّهُ فَالْغَيْرَةُ فِي غَيْرِ رِيبَةٍ. وَأَمَّا الْخُيَلَاءُ الَّتِي يُحِبُّهَا اللَّهُ فَاخْتِيَالُ الرَّجُلِ فِي الْقِتَالِ وَاخْتِيَالُهُ عِنْدَ الصَّدَقَةِ، وَأَمَّا الْخُيَلَاءُ الَّتِي يُبْغِضُ اللَّهُ فَاخْتِيَالُ الرَّجُلِ فِي الْبَغْيِ وَالْفَخْرِ» .
وَالطَّبَرَانِيُّ: «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ مِنْ عِبَادِهِ الْغَيُورَ، إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَغَارُ لِلْمُسْلِمِ فَلْيَغَرْ» .
وَالشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ: «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَغَارُ، وَإِنَّ الْمُؤْمِنَ يَغَارُ، وَغَيْرَةُ اللَّهِ أَنْ يَأْتِيَ الْمُؤْمِنُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ» .
وَأَمَّا الْإِفْرَاطُ فِي تِلْكَ الْقُوَّةِ فَهُوَ مَذْمُومٌ جِدًّا أَيْضًا، وَذَلِكَ بِأَنْ يَغْلِبَ عَلَيْهِ حَتَّى يَخْرُجَ عَنْ سِيَاسَةِ الْعَقْلِ وَالدِّينِ وَلَا يَبْقَى لَهُ مَعَهَا فِكْرٌ وَلَا بَصِيرَةٌ وَلَا اخْتِيَارٌ، بَلْ يَصِيرُ فِي صُورَةِ الْمُضْطَرِّ إمَّا لِأُمُورٍ خُلُقِيَّةٍ أَوْ عَادِيَّةٍ أَوْ مُرَكَّبَةٍ مِنْهُمَا بِأَنْ تَكُونَ فِطْرَتُهُ مُسْتَعِدَّةً لِسُرْعَةِ الْغَضَبِ أَوْ يُخَالِطَ مَنْ يَتَبَجَّحُ بِهِ وَيَعُدُّهُ كَمَالًا وَشَجَاعَةً حَتَّى تَرَسَّخَ مَدْحُهُ عِنْدَهُ، وَمَهْمَا اشْتَدَّتْ نَارُ الْغَضَبِ وَاشْتَعَلَتْ أَعْمَتْ صَاحِبَهُ وَأَصَمَّتْهُ عَنْ كُلِّ مَوْعِظَةٍ، بَلْ لَا تَزِيدُهُ الْمَوْعِظَةُ إلَّا اشْتِعَالًا لِانْطِفَاءِ نُورِ عَقْلِهِ وَمَحْوِهِ حَالًا بِدُخَانِ الْغَضَبِ الصَّاعِدِ إلَى الدِّمَاغِ الَّذِي هُوَ مَعْدِنُ الْفِكْرِ وَبِمَا يَتَعَدَّى إلَى مَعَادِنِ الْحِسِّ؛ فَيَظْلِمُ بَصَرَهُ حَتَّى لَا يَرَى شَيْئًا إلَّا سَوَادًا، بَلْ رُبَّمَا زَادَ اشْتِعَالُ نَارِهِ حَتَّى تَفْنَى رُطُوبَةُ الْقَلْبِ الَّتِي بِهَا حَيَاتُهُ فَيَمُوتُ صَاحِبُهُ غَيْظًا.
وَمِنْ آثَارِ هَذَا الْغَضَبِ فِي الظَّاهِرِ تَغَيُّرُ اللَّوْنِ كَمَا مَرَّ، وَشِدَّةُ رَعْدَةِ الْأَطْرَافِ، وَخُرُوجُ الْأَفْعَالِ عَنْ الِانْتِظَامِ، وَاضْطِرَابُ الْحَرَكَةِ وَالْكَلَامِ حَتَّى يَظْهَرَ الزَّبَدُ عَلَى الْأَشْدَاقِ وَتَشْتَدَّ حُمْرَةُ الْأَحْدَاقِ وَتَنْقَلِبَ الْمَنَاخِرُ وَتَسْتَحِيلَ الْخِلْقَةُ، وَلَوْ يَرَى الْغَضْبَانُ فِي حَالِ غَضَبِهِ صُورَةَ نَفْسِهِ لَسَكَنَ غَضَبُهُ حَيَاءً مِنْ قُبْحِ صُورَتِهِ لِاسْتِحَالَةِ خِلْقَتِهِ، وَقُبْحُ بَاطِنِهِ أَعْظَمُ مِنْ قُبْحِ ظَاهِرِهِ، فَإِنَّ الظَّاهِرَ عُنْوَانُ الْبَاطِنِ إذْ قُبْحُ ذَاكَ إنَّمَا نَشَأَ عَنْ قُبْحِ هَذَا فَتَغَيُّرُ الظَّاهِرِ ثَمَرَةُ تَغَيُّرِ الْبَاطِنِ هَذَا أَثَرُهُ فِي الْجَسَدِ.
وَأَمَّا أَثَرُهُ فِي اللِّسَانِ؛ فَانْطِلَاقُهُ بِالْقَبَائِحِ كَالشَّتْمِ وَالْفُحْشِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا يَسْتَحِي مِنْهُ ذَوُو الْعُقُولِ مُطْلَقًا، وَقَائِلُهُ عِنْدَ فُتُورِ غَضَبِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْتَظِمُ كَلَامُهُ، بَلْ يَتَخَبَّطُ نَظْمُهُ وَيَضْطَرِبُ لَفْظُهُ.
وَأَمَّا أَثَرُهُ فِي الْأَعْضَاءِ، فَالضَّرْبُ فَمَا فَوْقَهُ إلَى الْقَتْلِ عِنْدَ التَّمَكُّنِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ التَّشَفِّي رَجَعَ غَضَبُهُ عَلَيْهِ فَمَزَّقَ ثَوْبَهُ وَضَرَبَ نَفْسَهُ وَغَيْرَهُ حَتَّى الْحَيَوَانِ وَالْجَمَادِ - بِالْكَسْرِ - وَغَيْرِهِ، وَعَدَا عَدْوَ الْوَالِهِ السَّكْرَانِ وَالْمَجْنُونِ الْحَيْرَانِ، وَرُبَّمَا سَقَطَ وَعَجَزَ عَنْ الْحَرَكَةِ وَاعْتَرَاهُ مِثْلُ الْغَشْيَةِ لِشِدَّةِ اسْتِيلَاءِ الْغَضَبِ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا أَثَرُهُ فِي الْقَلْبِ، فَالْحِقْدُ عَلَى الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِ وَحَسَدُهُ، وَإِظْهَارُ الشَّمَاتَةِ بِمُسَاءَتِهِ، وَالْحُزْنِ بِسُرُورِهِ، وَالْعَزْمُ عَلَى إفْشَاءِ سِرِّهِ وَهَتْكِ سِتْرِهِ وَالِاسْتِهْزَاءِ بِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْقَبَائِحِ.
وَأَمَّا الْكَمَالُ الْمُطْلَقُ: فَهُوَ اعْتِدَالُ تِلْكَ الْقُوَّةِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا تَفْرِيطٌ وَلَا إفْرَاطٌ، وَإِنَّمَا تَكُونُ طَوْعَ الْعَقْلِ وَالدِّينِ، فَتَنْبَعِثُ حَيْثُ وَجَبَتْ الْحَمِيَّةُ، وَتَنْطَفِئُ حَيْثُ حَسُنَ الْحِلْمُ، وَهَذَا هُوَ الِاسْتِقَامَةُ الَّتِي كَلَّفَ اللَّهُ بِهَا عِبَادَهُ، وَالْوَسَطُ الَّذِي مَدَحَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِهِ:«خَيْرُ الْأُمُورِ أَوْسَطُهَا» ، فَمَنْ أَفْرَطَ أَوْ فَرَّطَ فَلْيُعَالِجْ نَفْسَهُ إلَى وُصُولِهَا إلَى هَذَا الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ أَوْ إلَى الْقُرْبِ، قَالَ تَعَالَى:{وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} [النساء: 129] وَلَا يَنْبَغِي لِمَنْ عَجَزَ عَنْ الْإِتْيَانِ بِالْخَيْرِ كُلِّهِ أَنْ يَأْتِيَ بِالشَّرِّ كُلِّهِ فَإِنَّ بَعْضَ الشَّرِّ أَهْوَنُ مِنْ بَعْضٍ، وَبَعْضَ الْخَيْرِ أَرْفَعُ مِنْ بَعْضٍ، وَاَللَّهُ تَعَالَى مِنْ فَضْلِهِ يُعْطِي كُلَّ عَامِلٍ مَا أَمَّلَهُ، وَيُيَسِّرُ لَهُ مَا تَوَجَّهَ إلَيْهِ وَأَمَّ لَهُ.
وَمِنْهَا: مَحَلُّ ذَمِّ الْغَضَبِ إنْ كَانَ بِبَاطِلٍ، وَإِلَّا فَهُوَ مَحْمُودٌ، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ صلى الله عليه وسلم لَا يَغْضَبُ إلَّا لِلَّهِ.
قَالَ أَنَسٌ: «رَأَى صلى الله عليه وسلم نُخَامَةً فِي الْقِبْلَةِ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ حَتَّى رُئِيَ فِي وَجْهِهِ الْغَضَبُ فَقَامَ فَحَكَّهَا بِيَدِهِ، وَقَالَ: إنَّ أَحَدَكُمْ إذَا قَامَ فِي صَلَاتِهِ فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ أَوْ قَالَ: إنَّ رَبَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ فَلَا يَبْزُقَنَّ أَحَدُكُمْ قِبَلَ الْقِبْلَةِ وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ أَوْ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ أَخَذَ طَرَفَ رِدَائِهِ فَبَصَقَ فِيهِ ثُمَّ رَدَّ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ وَقَالَ: أَوْ
يَفْعَلُ هَكَذَا» .
وَمِنْهَا: ظَنَّ قَوْمٌ أَنَّ الرِّيَاضَةَ تُزِيلُ الْغَضَبَ بِالْكُلِّيَّةِ، وَآخَرُونَ أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الْعِلَاجَ أَصْلًا.
قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَالْحَقُّ مَا سَنَذْكُرُهُ.
وَحَاصِلُهُ؛ أَنَّ الْإِنْسَانَ مَا دَامَ يُحِبُّ شَيْئًا وَيَكْرَهُ شَيْئًا فَلَا يَخْلُو مِنْ الْغَضَبِ، ثُمَّ الْمَحْبُوبُ إنْ كَانَ ضَرُورِيًّا كَالْقُوتِ وَالْمَسْكَنِ وَالْمَلْبَسِ وَصِحَّةِ الْبَدَنِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْغَضَبِ لِأَجْلِ تَفْوِيتِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ضَرُورِيٍّ كَالْجَاهِ وَالصِّيتِ وَالتَّصَدُّرِ فِي الْمَجَالِسِ وَالْمُبَاهَاةِ بِالْعِلْمِ وَالْمَالِ الْكَثِيرِ أَمْكَنَ عَدَمُ الْغَضَبِ عَلَيْهِ بِالزُّهْدِ وَنَحْوِهِ، وَإِنْ صَارَ مَحْبُوبًا بِالْعَادَةِ وَالْجَهْلِ بِمَقَاصِدِ الْأُمُورِ، وَأَكْثَرُ غَضَبِ النَّاسِ عَلَى هَذَا الْقِسْمِ، أَوْ ضَرُورِيًّا فِي حَقِّ بَعْضِ النَّاسِ كَكُتُبِ الْعُلَمَاءِ وَآلَاتِ الْمُحْتَرِفِينَ، وَهَذَا الْقِسْمُ لَا يَغْضَبُ لِفَوَاتِهِ إلَّا الْمُضْطَرُّ إلَيْهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ.
إذَا عُلِمَ ذَلِكَ، فَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ: لَا تُؤَثِّرُ الرِّيَاضَةُ فِي زَوَالِهِ بِالْكُلِّيَّةِ لِأَنَّهُ قَضِيَّةُ الطَّبْعِ بَلْ فِي اسْتِعْمَالِهِ عَلَى حَدٍّ يَسْتَحْسِنُهُ الشَّرْعُ وَالْعَقْلُ وَذَلِكَ مُمْكِنٌ بِالْمُجَاهَدَةِ وَتَكَلُّفِ التَّحَلُّمِ وَالِاحْتِمَالِ مُدَّةً حَتَّى يَصِيرَ الْحِلْمُ وَالِاحْتِمَالُ خُلُقًا رَاسِخًا.
وَكَذَلِكَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ، لِأَنَّ مَنْ هُوَ ضَرُورِيٌّ فِي حَقِّهِ بِمَنْزِلَةِ الْمُضْطَرِّ إلَى الْغَضَبِ عَلَى فَوَاتِهِ، فَلَا يُمْكِنُ بِالْمُجَاهَدَةِ زَوَالُهُ بَلْ ضَعْفُهُ نَظِيرُ مَا تَقَرَّرَ فِي الَّذِي قَبْلَهُ.
وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي: فَيُمْكِنُ بِالْمُجَاهَدَةِ زَوَالُهُ بِالْكُلِّيَّةِ لِإِمْكَانِ إخْرَاجِ حُبِّهِ مِنْ الْقَلْبِ لِعَدَمِ اضْطِرَارِهِ إلَيْهِ، وَلِمُلَاحَظَةِ أَنَّ وَطَنَ الْإِنْسَانِ الْحَقِيقِيَّ الْقَبْرُ وَمُسْتَقَرَّهُ الْآخِرَةُ، وَإِنَّمَا الدُّنْيَا مَحَلُّ تَزَوُّدِهِ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ وَمَا وَرَاءَ ذَلِكَ وَبَالٌ عَلَيْهِ فِي وَطَنِهِ وَمُسْتَقَرِّهِ فَلْيَزْهَدْ فِيهَا مَا حَيَا حُبُّهَا مِنْ قَلْبِهِ.
نَعَمْ وُصُولُ الرِّيَاضَةِ إلَى قَلْعِ أَصْلِ هَذَا نَادِرٌ جِدًّا.
وَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ، فَأَيُّمَا مُسْلِمٍ سَبَبْتُهُ أَوْ لَعَنْتُهُ أَوْ ضَرَبْتُهُ فَاجْعَلْهَا مِنِّي صَلَاةً عَلَيْهِ وَزَكَاةً وَقُرْبَةً تُقَرِّبُهُ بِهَا إلَيْك يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .
أَعْمَلُ بِمُوجَبِ الْغَضَبِ.
قَالَ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: «كَانَ صلى الله عليه وسلم لَا يَغْضَبُ لِلدُّنْيَا فَإِذَا غَضِبَ لِلْحَقِّ لَمْ يَعْرِفْهُ أَحَدٌ وَلَمْ يَقُمْ لِغَضَبِهِ شَيْءٌ حَتَّى يَنْتَصِرَ لَهُ» .
وَالْحَاصِلُ؛ أَنَّ أَعْظَمَ الطُّرُقِ فِي الْخَلَاصِ مِنْ الْغَضَبِ مَحْوُهُ حُبَّ الدُّنْيَا عَنْ الْقَلْبِ بِمَعْرِفَةِ آفَاتِهَا وَغَوَائِلِهَا، وَأَعْظَمَ الطُّرُقِ فِي الْوُقُوعِ فِي وَرْطَتِهِ الزَّهْوُ وَالْعُجْبُ وَالْمُزَاحُ وَالْهَزْلُ وَالْهُزْءُ وَالتَّعْيِيرُ وَالْمُمَارَاةُ وَالْمُضَارَّةُ وَالْغَدْرُ وَشِدَّةُ الْحِرْصِ عَلَى فُضُولِ الْمَالِ وَالْجَاهِ، فَهَذِهِ بِأَجْمَعِهَا أَخْلَاقٌ رَدِيئَةٌ مَذْمُومَةٌ شَرْعًا، وَلَا خَلَاصَ مِنْ الْغَضَبِ مَعَ بَقَاءِ هَذِهِ الْأَسْبَابِ، فَلَا بُدَّ مِنْ إزَالَتِهَا بِالْمُجَاهَدَةِ وَالرِّيَاضَةِ إلَى أَنْ يَتَحَلَّى بِأَضْدَادِهَا.
وَمِنْهَا: مَرَّ مِنْ الْأَحَادِيثِ مَا يُعْلَمُ بِهِ دَوَاءُ الْغَضَبِ وَمُزِيلُهُ بَعْدَ هَيَجَانِهِ، وَمَرْجِعُهُ إلَى الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، فَالْعِلْمُ بِأَنْ يَتَفَكَّرَ فِيمَا سَيَجِيءُ فِي فَضْلِ كَظْمِ الْغَيْظِ وَفِي الْعَفْوِ وَالْحِلْمِ وَالِاحْتِمَالِ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَرْغَبُ فِيمَا أَعَدَّهُ اللَّهُ لَهُ مِنْ الثَّوَابِ فَيَزُولُ مَا عِنْدَهُ وَمَا يَضْطَرُّهُ إلَى الْهَوَانِ وَالْعَذَابِ، وَمِنْ ثَمَّ لَمَّا أَمَرَ عُمَرُ رضي الله عنه بِضَرْبِ رَجُلٍ قَرَأَ عَلَيْهِ:{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199] فَقَرَأَهَا عُمَرُ وَتَأَمَّلَهَا فَخَلَّاهُ، وَكَانَ وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللَّهِ لَا يَتَجَاوَزُهُ، وَتَأَسَّى بِهِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ حَفِيدُهُ فِي هَذَا فَأَمَرَ بِضَرْبِ رَجُلٍ ثُمَّ قَرَأَ:{وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ} [آل عمران: 134] فَأَمَرَ بِإِطْلَاقِهِ، وَبِأَنْ يَتَأَمَّلَ فِي أَنَّ قُدْرَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ أَعْظَمُ مِنْ قُدْرَتِهِ هُوَ فَرُبَّمَا لَوْ أَمْضَى غَضَبَهُ أَمْضَى اللَّهُ عَلَيْهِ غَضَبَهُ فَهُوَ أَحْوَجُ مَا يَكُونُ لِلْعَفْوِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمِنْ ثَمَّ جَاءَ كَمَا مَرَّ:«يَا ابْنَ آدَمَ اُذْكُرْنِي حِينَ تَغْضَبُ أَذْكُرُك حِينَ أَغْضَبُ فَلَا أَمْحَقُك فِيمَنْ أَمْحَقُ» ، وَبِأَنْ يُحَذِّرَ نَفْسَهُ عَاقِبَةَ الِانْتِقَامِ مِنْ تَسَلُّطِ الْمُنْتَقَمِ مِنْهُ عَلَى عِرْضِهِ، وَإِظْهَارِ مَعَايِبِهِ وَالشَّمَاتَةِ بِمَصَائِبِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَكَائِدِ الْأَعْدَاءِ، فَهَذِهِ غَوَائِلُ دُنْيَوِيَّةٌ يَنْبَغِي لِمَنْ لَا يُعَوِّلُ عَلَى الْآخِرَةِ أَنْ لَا يَقْطَعَ نَظَرَهُ عَنْهَا، وَبِأَنْ يَتَفَكَّرَ فِي قُبْحِ صُورَتِهِ عِنْدَ غَضَبِهِ مَعَ قُبْحِ الْغَضَبِ عِنْدَ نَفْسِهِ وَمُشَابَهَةِ صَاحِبِهِ لِلْكَلْبِ الضَّارِي، وَمُشَابَهَةِ الْحَلِيمِ لِلْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ وَيَتَأَمَّلُ بُعْدَ مَا بَيْنَ الشَّبَهَيْنِ، وَبِأَنْ لَا يُصْغِيَ إلَى وَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ الْمُهَيِّجَةِ لِغَضَبِهِ فَإِنَّ تَرْكَهُ يُورِثُ عَجْزَهُ عِنْدَ النَّاسِ، وَيَتَأَمَّلَ أَنَّ هَذَا دُونَ عَذَابِ اللَّهِ وَانْتِقَامِهِ الْمُفَرَّعَيْنِ عَلَى الْغَضَبِ وَالِانْتِقَامِ.
إذْ الْغَضْبَانُ يَوَدُّ جَرَيَانَ الشَّيْءِ عَلَى وَفْقِ مُرَادِهِ دُونَ مُرَادِ اللَّهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي هَذِهِ الْوَرْطَةِ لَا يَأْمَنُ غَضَبَ اللَّهِ وَعَذَابَهُ بِمَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ غَضَبِهِ وَانْتِقَامِهِ، وَالْعَمَلُ بِأَنْ يَسْتَعِيذَ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ وَيَأْخُذَ بِأَنْفِ
نَفْسِهِ وَيَقُولَ: اللَّهُمَّ رَبَّ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، وَأَذْهِبْ غَيْظَ قَلْبِي، وَأَجِرْنِي مِنْ مُضِلَّاتِ الْفِتَنِ لِحَدِيثٍ فِيهِ ثُمَّ لِيَجْلِسْ ثُمَّ يَضْطَجِعْ لِيَقْرُبَ مِنْ الْأَرْضِ الَّتِي خُلِقَ مِنْهَا حَتَّى يَعْرِفَ حَقَارَةَ أَصْلِهِ وَذُلَّ نَفْسِهِ، وَلْيَسْكُنْ عَنْ الْحَرَكَةِ النَّاشِئِ عَنْهَا الْحَرَارَةُ النَّاشِئُ عَنْهَا الْغَضَبُ كَمَا فِي حَدِيثِ:«إنَّ الْغَضَبَ جَمْرَةٌ تُوقَدُ فِي الْقَلْبِ أَلَمْ تَرَوْا إلَى انْتِفَاخِ أَوْدَاجِهِ وَحُمْرَةِ عَيْنَيْهِ فَإِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَلْيَجْلِسْ، وَإِنْ كَانَ جَالِسًا فَلْيَنَمْ فَإِنْ لَمْ يَزَلْ ذَلِكَ فَلْيَتَوَضَّأْ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ أَوْ لِيَغْتَسِلْ فَإِنَّ النَّارَ لَا يُطْفِئُهَا إلَّا الْمَاءُ» .
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: «إذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَوَضَّأْ بِالْمَاءِ فَإِنَّ الْغَضَبَ مِنْ النَّارِ» .
وَفِي رِوَايَةٍ: «إنَّ الْغَضَبَ مِنْ الشَّيْطَانِ، وَإِنَّ الشَّيْطَانَ خُلِقَ مِنْ النَّارِ، وَإِنَّمَا تُطْفَأُ النَّارُ بِالْمَاءِ فَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَوَضَّأْ» .
وَفِي رِوَايَةٍ: «إذَا غَضِبْتَ فَاسْكُتْ» .
قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَكَأَنَّ هَذَا إشَارَةٌ إلَى السُّجُودِ وَتَمْكِينِ أَعَزِّ الْأَعْضَاءِ مِنْ أَذَلِّ الْمَوَاضِعِ - وَهُوَ التُّرَابُ - لِتَسْتَشْعِرَ بِهِ النَّفْسُ فَتُزِيلَ بِهِ الْعِزَّةَ وَالزَّهْوَ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الْغَضَبِ، وَاسْتَنْشَقَ عُمَرُ بِمَاءٍ عِنْدَ غَضَبِهِ وَقَالَ: إنَّ الْغَضَبَ مِنْ الشَّيْطَانِ وَهَذَا يُذْهِبُ الْغَضَبَ.
وَمِنْهَا: لَا يَجُوزُ لَك إذَا ظُلِمْتَ بِنَحْوِ غِيبَةٍ أَوْ قَذْفٍ أَوْ تَجَسُّسٍ أَنْ تُقَابِلَ ذَلِكَ بِمِثْلِهِ لِأَنَّهُ لَا حَدَّ لَهُ يُوقَفُ عَلَى الْمُمَاثَلَةِ فِيهِ، وَالْقِصَاصُ إنَّمَا يَجْرِي فِيمَا فِيهِ الْمُمَاثَلَةُ، نَعَمْ رَخَّصَ أَئِمَّتُنَا أَنْ يُقَابِلَهُ بِمَا لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ أَحَدٌ كَأَحْمَقَ، وَقَالَ مُطَرِّفٌ: كُلُّ النَّاسِ أَحْمَقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ إلَّا أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ أَقَلُّ حَمَاقَةً مِنْ بَعْضٍ.
وَقَالَ عُمَرُ: النَّاسُ كُلُّهُمْ حَمْقَى فِي ذَاتِ اللَّهِ، وَكَجَاهِلٍ، إذْ مَا مِنْ أَحَدٍ إلَّا وَفِيهِ جَهْلٌ.
قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَكَذَا يَا سَيِّئَ الْخُلُقِ يَا صَفِيقَ الْوَجْهِ يَا ثَلَّابَ الْأَعْرَاضِ إذَا كَانَ ذَلِكَ فِيهِ،
وَكَذَا لَوْ كَانَ فِيك حَيَاءٌ مَا تَكَلَّمْتَ مَا أَحْقَرَك فِي عَيْنِي بِمَا فَعَلْتَ، وَخَزَاك اللَّهُ وَانْتَقَمَ مِنْك، فَأَمَّا نَحْوُ الْقَذْفِ وَسَبِّ الْوَالِدَيْنِ فَحَرَامٌ اتِّفَاقًا، وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ:«أَنَّ زَيْنَبَ سَبَّتْ عَائِشَةَ رضي الله عنهما فَأَجَابَتْهَا حَتَّى غَلَبَتْهَا بِحَضْرَتِهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إنَّهَا ابْنَةُ أَبِيهَا» .
وَالْمُرَادُ بِالسَّبِّ هُنَا أَنَّهَا أَجَابَتْهَا عَنْ كَلَامِهَا بِالْحَقِّ وَقَابَلَتْهَا بِالصِّدْقِ، وَالْأَفْضَلُ تَرْكُ ذَلِكَ، وَإِنْ جَازَ لِأَنَّهُ يَجُرُّ إلَى مَا هُوَ أَقْبَحُ وَأَفْحَشُ.
وَفِي حَدِيثٍ: «الْمُؤْمِنُ سَرِيعُ الْغَضَبِ سَرِيعُ الرِّضَا فَهَذِهِ بِتِلْكَ» وَفِي آخَرَ: «أَنَّهُ قَسَّمَ الْخَلْقَ إلَى سَرِيعِهِمَا وَبَطِيئِهِمَا وَسَرِيعِ أَحَدِهِمَا بَطِيءِ الْآخَرِ وَجَعَلَ خَيْرَهُمْ بَطِيءَ الْغَضَبِ سَرِيعَ الرِّضَا وَشَرَّهُمْ عَكْسَهُ» .
وَمِنْهَا: قَدْ مَرَّ أَنَّ مِنْ ثَمَرَاتِ الْغَضَبِ الْحِقْدُ وَالْحَسَدُ، وَبَيَانُهُ أَنَّ الْغَضَبَ إذَا لَزِمَ كَظْمُهُ لِعَجْزِهِ عَنْ التَّشَفِّي حَالًا رَجَعَ إلَى الْبَاطِنِ وَاحْتَقَنَ فِيهِ فَصَارَ حِقْدًا وَحَسَدًا، وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ قَلْبَهُ اسْتِثْقَالُهُ وَبُغْضُهُ دَائِمًا فَهَذَا هُوَ الْحِقْدُ.
وَمِنْ ثَمَرَاتِهِ أَنْ تَحْسُدَهُ بِأَنْ تَتَمَنَّى زَوَالَ نِعْمَتِهِ عَنْهُ، وَتَتَمَتَّعَ بِنِعْمَتِهِ وَتَفْرَحَ بِمُصِيبَتِهِ، وَأَنْ تَشْمَتَ بِبَلِيَّتِهِ وَتَهْجُرَهُ وَتُقَاطِعَهُ، وَإِنْ أَقْبَلَ عَلَيْك، وَتُطْلِقَ لِسَانَك فِيهِ بِمَا لَا يَحِلُّ، وَتَهْزَأَ بِهِ وَتَسْخَرَ مِنْهُ وَتُؤْذِيَهُ، وَتَمْنَعَهُ حَقَّهُ مِنْ نَحْوِ صِلَةِ رَحِمٍ أَوْ رَدِّ مَظْلِمَةٍ وَكُلُّ ذَلِكَ شَدِيدُ الْإِثْمِ وَالتَّحْرِيمِ؛ وَأَقَلُّ دَرَجَاتِ الْحِقْدِ الِاحْتِرَازُ مِنْ هَذِهِ الْآفَاتِ الْمُنْقِصَةِ لِلدِّينِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ صلى الله عليه وسلم:«الْمُؤْمِنُ لَيْسَ بِحَقُودٍ» .
وَمِنْهَا: قَدْ عَلِمْتَ قَرِيبًا مَعْنَى الْحَسَدِ فَلَا حَسَدَ إلَّا عَلَى نِعْمَةٍ بِأَنْ تَكْرَهَهَا لِلْغَيْرِ وَتُحِبَّ زَوَالَهَا عَنْهُ، فَإِنْ اشْتَهَيْتَ لِنَفْسِك مِثْلَهَا مَعَ بَقَائِهَا لِذَوِيهَا فَهُوَ غِبْطَةٌ، وَقَدْ يُخَصُّ بِاسْمِ الْمُنَافَسَةِ وَهِيَ قَدْ تُسَمَّى حَسَدًا كَمَا مَرَّ فِي خَبَرِ:«لَا حَسَدَ إلَّا فِي اثْنَتَيْنِ» وَفِي حَدِيثٍ: «الْمُؤْمِنُ يَغْبِطُ وَالْمُنَافِقُ يَحْسُدُ» .
إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ، فَالْأَوَّلُ حَرَامٌ وَفُسُوقٌ بِكُلِّ حَالٍ.
نَعَمْ إنْ تَمَنَّى زَوَالَ نِعْمَةِ فَاجِرٍ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا آلَةُ فَسَادِهِ، وَإِيذَائِهِ الْخَلْقَ وَلَوْ صَلُحَ حَالُهُ لَمْ يَتَمَنَّ زَوَالَهَا عَنْهُ فَلَا حُرْمَةَ، لِأَنَّهُ لَمْ يَتَمَنَّ زَوَالَهَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا نِعْمَةً بَلْ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا آلَةَ الْفَسَادِ وَالْإِيذَاءِ، وَيَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ الْحَسَدِ وَأَنَّهُ فُسُوقٌ وَكَبِيرَةٌ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْأَخْبَارِ.
وَمِنْ آفَاتِهِ؛ أَنَّ فِيهِ تَسَخُّطًا لِقَضَاءِ اللَّهِ إذْ أَنْعَمَ عَلَى الْغَيْرِ مِمَّا لَا مَضَرَّةَ عَلَيْك فِيهِ، وَشَمَاتَةً بِأَخِيك الْمُسْلِمِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
{إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا} [آل عمران: 120]{وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ} [البقرة: 109]{وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} [النساء: 89]{أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء: 54] .
وَالثَّانِي: أَعْنِي الْغِبْطَةَ وَالْمُنَافَسَةَ، فَلَيْسَ بِحَرَامٍ، بَلْ هُوَ إمَّا وَاجِبٌ أَوْ مَنْدُوبٌ أَوْ مُبَاحٌ، قَالَ تَعَالَى:{وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} [المطففين: 26]- {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [الحديد: 21] وَالْمُسَابَقَةُ تَقْتَضِي خَوْفَ الْفَوْتِ كَعَبْدَيْنِ يَتَسَابَقَانِ لِخِدْمَةِ مَوْلَاهُمَا حَتَّى يَحْظَى السَّابِقُ عِنْدَهُ، فَالْوَاجِبُ يَكُونُ فِي النِّعَمِ الدِّينِيَّةِ الْوَاجِبَةِ كَنِعْمَةِ الْإِيمَانِ وَالصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ وَالزَّكَاةِ، فَيَجِبُ أَنْ يُحِبَّ أَنْ يَكُونَ مِثْلَ الْقَائِمِ بِذَلِكَ، وَإِلَّا كُنْتَ رَاضِيًا بِالْمَعْصِيَةِ، وَالرِّضَا بِهَا حَرَامٌ، وَالْمَنْدُوبُ يَكُونُ فِي الْفَضَائِلِ: كَالْعُلُومِ، وَإِنْفَاقِ الْأَمْوَالِ فِي الْمَبَرَّاتِ، وَالْمُبَاحُ يَكُونُ فِي النِّعَمِ الْمُبَاحَةِ كَالنِّكَاحِ، نَعَمْ الْمُنَافَسَةُ فِي الْمُبَاحَاتِ تُنْقِصُ مِنْ الْفَضَائِلِ وَتُنَاقِضُ الزُّهْدَ وَالرِّضَا وَالتَّوَكُّلَ، وَتَحْجُبُ عَنْ الْمَقَامَاتِ الرَّفِيعَةِ مِنْ غَيْرِ إثْمٍ، نَعَمْ هُنَا دَقِيقَةٌ يَنْبَغِي التَّنَبُّهُ لَهَا، وَإِلَّا وَقَعَ الْإِنْسَانُ فِي الْحَسَدِ الْحَرَامِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْعُرَ وَهِيَ أَنَّ مَنْ أَيِسَ مِنْ أَنْ يَنَالَ مِثْلَ نِعْمَةِ الْغَيْرِ فَبِالضَّرُورَةِ أَنَّ نَفْسَهُ تَعْتَقِدُ أَنَّهُ نَاقِصٌ عَنْ صَاحِبِ تِلْكَ النِّعْمَةِ وَأَنَّهَا تُحِبُّ زَوَالَ نَقْصِهَا، وَزَوَالُهُ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِمُسَاوَاةِ ذِي النِّعْمَةِ، أَوْ بِزَوَالِهَا عَنْهُ قَدْ فَرَضَ يَأْسَهُ عَنْ مُسَاوَاتِهِ فِيهَا فَلَمْ يَبْقَ إلَّا مَحَبَّتُهُ لِزَوَالِهَا عَنْ الْغَيْرِ الْمُتَمَيِّزِ بِهَا عَنْهُ إذْ بِزَوَالِهَا يَزُولُ تَخَلُّفُهُ وَتَقَدُّمُ غَيْرِهِ عَلَيْهِ بِهَا، فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ قَدَرَ عَلَى إزَالَتِهَا عَنْ الْغَيْرِ أَزَالَهَا فَهُوَ حَسُودٌ حَسَدًا مَذْمُومًا، وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْ التَّقْوَى مَا يَمْنَعُهُ عَنْ إزَالَتِهَا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهَا وَعَنْ مَحَبَّةِ زَوَالِهَا عَنْ الْغَيْرِ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ لِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ جِبِلِّيٌّ لَا تَنْفَكُّ النَّفْسُ عَنْهُ وَلَعَلَّهُ الْمَعْنِيُّ بِالْخَبَرِ السَّابِقِ:«كُلُّ ابْنِ آدَمَ حَسُودٌ» .
وَفِي رِوَايَةٍ: «ثَلَاثَةٌ لَا يَنْفَكُّ الْمُسْلِمُ عَنْهُنَّ: الْحَسَدُ، وَالظَّنُّ، وَالطِّيَرَةُ؛ وَلَهُ مِنْهُنَّ مَخْرَجٌ إذَا حَسَدْتَ فَلَا تَبْغِ» : أَيْ إنْ وَجَدْتَ فِي قَلْبِك شَيْئًا فَلَا تَعْمَلْ بِهِ، وَيَبْعُدُ مِمَّنْ يُرِيدُ مُسَاوَاةَ غَيْرِهِ فِي النِّعْمَةِ فَيَعْجِزُ عَنْهَا سِيَّمَا إنْ كَانَ مِنْ أَقْرَانِهِ أَنْ يَنْفَكَّ عَنْ الْمَيْلِ إلَى زَوَالِهَا، فَهَذَا الْحَدُّ مِنْ الْمُنَافَسَةِ يُشْبِهُ الْحَسَدَ الْحَرَامَ فَيَنْبَغِي الِاحْتِيَاطُ التَّامُّ، فَإِنَّهُ مَتَى صَغِيَ إلَى مَحَبَّةِ نَفْسِهِ وَمَالَ بِاخْتِيَارِهِ إلَى مُسَاوَاتِهِ لِذِي النِّعْمَةِ بِمَحَبَّةِ زَوَالِهَا عَنْهُ فَهُوَ مُرْتَبِكٌ فِي الْحَسَدِ الْحَرَامِ وَلَا يَتَخَلَّصُ مِنْهُ إلَّا إنْ قَوِيَ إيمَانُهُ وَرَسَخَ قَدَمُهُ فِي التَّقْوَى، وَمَهْمَا حَرَّكَهُ خَوْفُ نَقْصِهِ عَنْ
غَيْرِهِ جَرَّهُ إلَى الْحَسَدِ الْمَحْظُورِ، وَإِلَى مَيْلِ الطَّبْعِ إلَى زَوَالِ نِعْمَةِ الْغَيْرِ حَتَّى يَنْزِلَ لِمُسَاوَاتِهِ، وَهُنَا لَا رُخْصَةَ فِيهِ بِوَجْهٍ، سَوَاءٌ أَكَانَ فِي مَقَاصِدِ الدِّينِ أَمْ الدُّنْيَا.
قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَلَكِنَّ ذَلِكَ يُعْفَى عَنْهُ مَا لَمْ يَعْمَلْ بِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَتَكُونُ كَرَاهَتُهُ لِذَلِكَ مِنْ نَفْسِهِ كَفَّارَةً لَهُ: وَمِنْهَا: قَدْ عَرَفْتَ مَاهِيَّةَ الْحَسَدِ وَأَحْكَامَهُ.
وَأَمَّا مَرَاتِبُهُ: فَهِيَ إمَّا مَحَبَّةُ زَوَالِ نِعْمَةِ الْغَيْرِ، وَإِنْ لَمْ تَنْتَقِلْ لِلْحَاسِدِ، وَهَذَا غَايَةُ الْحَسَدِ، أَوْ مَعَ انْتِقَالِهَا إلَيْهِ أَوْ انْتِقَالِ مِثْلِهَا إلَيْهِ، وَإِلَّا أَحَبَّ زَوَالَهَا لِئَلَّا يَتَمَيَّزَ عَلَيْهِ أَوْ لَا مَعَ مَحَبَّةِ زَوَالِهَا، وَهَذَا الْأَخِيرُ هُوَ الْمَعْفُوُّ عَنْهُ مِنْ الْحَسَدِ إنْ كَانَ فِي الدُّنْيَا، وَالْمَطْلُوبُ إنْ كَانَ فِي الدِّينِ كَمَا مَرَّ.
وَمِنْهَا: لَا شَكَّ أَنَّ الْحَسَدَ مِنْ أَمْرَاضِ الْقُلُوبِ الْعَظِيمَةِ، وَأَمْرَاضُ الْقُلُوبُ لَا تُدَاوَى إلَّا بِالْعِلْمِ، فَالْعِلْمُ النَّافِعُ لِمَرَضِ الْحَسَدِ أَنْ تَعْرِفَ أَنَّهُ يَضُرُّ دِينًا وَدُنْيَا وَلَا يَضُرُّ الْمَحْسُودَ لَا دِينًا وَلَا دُنْيَا، إذْ لَا تَزُولُ نِعْمَةٌ بِحَسَدٍ قَطُّ، وَإِلَّا لَمْ يَبْقَ لِلَّهِ نِعْمَةٌ عَلَى أَحَدٍ حَتَّى الْإِيمَانُ لِأَنَّ الْكُفَّارَ يُحِبُّونَ زَوَالَهُ عَنْ أَهْلِهِ، بَلْ الْمَحْسُودُ مُنْتَفِعٌ بِحَسَدِك دِينًا لِأَنَّهُ مَظْلُومٌ مِنْ جِهَتِك سِيَّمَا إنْ أَبْرَزْتَ حَسَدَك إلَى الْخَارِجِ بِالْغِيبَةِ وَهَتْكِ السِّتْرِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَنْوَاعِ الْإِيذَاءِ، فَهَذِهِ هَدَايَا تُهْدِي إلَيْهِ حَسَنَاتِك بِسَبَبِهَا حَتَّى تَلْقَى اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُفْلِسًا مَحْرُومًا مِنْ النِّعَمِ كَمَا حُرِمْتَ مِنْهَا فِي الدُّنْيَا وَدِينًا لِسَلَامَتِهِ مِنْ غَمِّك وَحُزْنِك وَغَيْرِهِمَا مِمَّا يَأْتِي، وَمَتَى انْكَشَفَ غِشَاءُ بَصِيرَتِك وَرَيْنُ قَلْبِك وَتَأَمَّلْتَ ذَلِكَ وَلَمْ تَكُنْ عَدُوَّ نَفْسِك وَلَا صَدِيقَ عَدُوِّك أَعْرَضْت عَنْ الْحَسَدِ أَصْلًا وَرَأْسًا حَذَرًا مِنْ أَنْ تَكُونَ قَدْ وَقَعْتَ بِهِ فِي وَرْطَةٍ عَظِيمَةٍ، وَهِيَ أَنَّك قَدْ سَخِطْتَ قَضَاءَ اللَّهِ وَكَرِهْتَ قِسْمَةَ اللَّهِ وَعَدْلَهُ، وَهَذِهِ جِنَايَةٌ أَيُّ جِنَايَةٍ عَلَى حَضْرَةِ التَّوْحِيدِ وَنَاهِيكَ بِهَا جِنَايَةً عَلَى الدِّينِ، وَكَيْفَ لَا وَأَنْتَ قَدْ فَارَقْتَ بِذَلِكَ الْأَنْبِيَاءَ وَالْأَوْلِيَاءَ وَالْعُلَمَاءَ الْعَامِلِينَ فِي حُبِّهِمْ وُصُولَ الْخَيْرِ لِعِبَادِ اللَّهِ وَشَارَكْت إبْلِيسَ وَالشَّيَاطِينَ فِي مَحَبَّتِهِمْ لِلْمُؤْمِنِينَ الْبَلَايَا وَزَوَالَ النِّعَمِ؟ وَهَذِهِ خَبَائِثُ فِي الْقَلْبِ تَأْكُلُ حَسَنَاتِك كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ، هَذَا مَعَ مَا يَنْضَمُّ لِذَلِكَ مِنْ ضَرَرِك الدُّنْيَوِيِّ بِتَوَالِي الْهَمِّ وَالْغَمِّ عَلَيْك كُلَّمَا رَأَيْتَ مَحْسُودَك يَتَزَايَدُ فِي النِّعَمِ وَأَنْتَ تَتَنَاقَصُ فِيهَا، فَإِنَّ هَذَا مِنْ جُمْلَةِ آفَاتِ حَسَدِك فَأَنْتَ دَائِمًا فِي غَايَةِ الْحُزْنِ وَالْغَمِّ وَضِيقِ الصَّدْرِ وَتَشَعُّبِ الْقَلْبِ، فَلَوْ فُرِضَ أَنَّك لَمْ تُؤْمِنْ بِبَعْثٍ وَلَا حِسَابٍ لَكَانَ مِنْ
الْحَزْمِ تَرْكُ الْحَسَدِ حَتَّى تَسْلَمَ مِنْ هَذِهِ الْعُقُوبَاتِ الدُّنْيَوِيَّةِ النَّاجِزَةِ قَبْلَ الْعُقُوبَاتِ الْأُخْرَوِيَّةِ، فَظَهَرَ أَنَّك عَدُوُّ نَفْسِك وَصَدِيقُ عَدُوِّك إذْ تَعَاطَيْتَ مَا تَضَرَّرْت بِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَانْتَفَعَ بِهِ عَدُوُّك فِيهِمَا، وَصِرْتَ مَذْمُومًا عِنْدَ الْخَلْقِ وَالْخَالِقِ شَقِيًّا حَالًا وَمَآلًا.
وَأَمَّا الْعَمَلُ النَّافِعُ لِذَلِكَ الْمَرَضِ؛ فَهُوَ أَنْ تُكَلِّفَ نَفْسَك أَنْ تَصْنَعَ بِالْمَحْسُودِ ضِدَّ مَا اقْتَضَاهُ حَسَدُك فَتُبَدِّلُ الذَّمَّ بِالْمَدْحِ، وَالتَّكَبُّرَ عَلَيْهِ بِالتَّوَاضُعِ لَهُ، وَمَنْعَ إدْخَالِ رِفْقٍ عَلَيْهِ بِزِيَادَةِ الْإِرْفَاقِ بِهِ وَهَكَذَا، فَبِهَذَا يَضْعُفُ دَاءُ الْحَسَدِ وَكُلَّمَا زِدْت مِنْ ذَلِكَ زَادَ تَنَاقُصُ الْحَسَدِ إلَى أَنْ يَنْعَدِمَ، فَافْهَمْ تَسْلَمْ وَامْتَثِلْ تَغْنَمْ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ.
وَمِنْهَا: لَا شَكَّ أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يُبْغِضُ مَنْ آذَاهُ طَبْعًا فَلَا يَسْتَوِي عِنْدَهُ حُسْنُ حَالِهِ وَسُوءُهُ غَالِبًا، وَبِهَذَا يُنَازِعُ الشَّيْطَانُ النَّفْسَ إلَى حَسَدِهِ فَإِنْ أَطَاعَتْهُ حَتَّى أَظْهَرَتْ الْحَسَدَ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ اخْتِيَارِيٍّ أَوْ أَبْطَنَتْهُ بِأَنْ أَحَبَّتْ زَوَالَ نِعْمَتِهِ فَهِيَ عَاصِيَةٌ بِحَسَدِهَا إذْ مَعْصِيَةُ الْحَسَدِ بِالْقَلْبِ فَحُسِبَتْ مَظْلِمَةً مُتَعَلِّقَةً بِالْخَلْقِ، فَلَا يُشْتَرَطُ فِي التَّوْبَةِ مِنْهَا اسْتِحْلَالُ الْمَحْسُودِ لِأَنَّهَا أَمْرٌ بَاطِنٌ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى، فَمَتَى كَفَفْت ظَاهِرَك وَأَلْزَمْت مَعَ ذَلِكَ قَلْبَك كَرَاهَةَ مَا يَتَرَسَّخُ فِيهِ بِالطَّبْعِ مِنْ حُبِّ زَوَالِ النِّعْمَةِ حَتَّى كَأَنَّك مَقَتَّ نَفْسَك عَلَى مَا فِي طَبْعِهَا كَانَتْ تِلْكَ الْكَرَاهَةُ مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ فِي مُقَابَلَةِ الْمَيْلِ مِنْ جِهَةِ الطَّبْعِ، وَحِينَئِذٍ تَكُونُ قَدْ أَدَّيْت الْوَاجِبَ وَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ اخْتِيَارِك غَالِبًا أَكْثَرُ مِنْ هَذَا، فَأَمَّا تَغْيِيرُ الطَّبْعِ إلَى أَنْ يَسْتَوِيَ عِنْدَهُ الْمُؤْذِي وَالْمُحْسِنُ وَيَكُونَ فَرَحُهُ بِنِعْمَتِهِمَا وَغَمِّهِ بِبَلِيَّتِهِمَا سَوَاءً، فَأَمْرٌ يَأْبَاهُ الطَّبْعُ مَا لَمْ يَسْتَغْرِقْ فِي مَحَبَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَيَشْتَغِلْ بِهَا إلَى أَنْ يَرَى الْخَلْقَ كُلَّهُمْ بِعَيْنٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ عَيْنُ الرَّحْمَةِ، وَبِتَقْدِيرِ حُصُولِ هَذِهِ الْحَالَةِ لَا تَدُومُ بَلْ تَكُونُ كَالْبَرْقِ، ثُمَّ يَعُودُ الْقَلْبُ إلَى طَبْعِهِ وَالشَّيْطَانُ إلَى مُنَازَعَتِهِ بِالْوَسْوَسَةِ، وَمَهْمَا قَابَلَ ذَلِكَ بِكَرَاهَتِهِ بِقَلْبِهِ فَقَدْ أَدَّى مَا كُلِّفَهُ.
وَقَدْ ذَهَبَ قَوْمٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَأْثَمُ مَا دَامَ الْحَسَدُ لَمْ يَظْهَرْ عَلَى جَوَارِحِهِ، لِخَبَرِ:«ثَلَاثٌ لَا يَخْلُو مِنْهُنَّ مُؤْمِنٌ وَلَهُ مِنْهُنَّ مَخْرَجٌ، فَمَخْرَجُهُ مِنْ الْحَسَدِ أَنْ لَا يَبْغِيَ» وَهَذَا ضَعِيفٌ أَوْ شَاذٌّ بَلْ الصَّوَابُ مَا مَرَّ مِنْ حُرْمَتِهِ مُطْلَقًا، وَيُحْمَلُ الْخَبَرُ إنْ صَحَّ عَلَى مَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّهُ يُكْرَهُ ذَلِكَ دِينًا وَعَقْلًا فِي مُقَابَلَةِ حُبِّ الطَّبْعِ لِزَوَالِ نِعْمَةِ الْعَدُوِّ، وَهَذِهِ