الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالطَّبَرَانِيُّ: «لَا يُقْبَلُ إيمَانٌ بِلَا عَمَلٍ، وَلَا عَمَلٌ بِلَا إيمَانٍ» .
وَأَبُو نُعَيْمٍ: «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُعَذِّبُ الْمُوَحِّدِينَ فِي جَهَنَّمَ بِقَدْرِ نُقْصَانِ أَعْمَالِهِمْ ثُمَّ يَرُدُّهُمْ إلَى الْجَنَّةِ خُلُودًا دَائِمًا أَبَدًا بِإِيمَانِهِمْ» .
وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُ: «طُوبَى لِمَنْ رَآنِي وَآمَنَ بِي مَرَّةً وَطُوبَى لِمَنْ لَمْ يَرَنِي وَآمَنَ بِي سَبْعَ مَرَّاتٍ. وَفِي رِوَايَةٍ لِلطَّيَالِسِيِّ: ثَلَاثَ مَرَّاتٍ» .
وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ: «أَفْلَحَ مَنْ هُدِيَ إلَى الْإِسْلَامِ وَكَانَ عَيْشُهُ كَفَافًا وَقَنِعَ بِهِ» .
[الْكَبِيرَةُ الثَّانِيَةُ الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ وَهُوَ الرِّيَاءُ]
(الْكَبِيرَةُ الثَّانِيَةُ: الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ وَهُوَ الرِّيَاءُ) قَدْ شَهِدَ بِتَحْرِيمِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَانْعَقَدَ عَلَيْهِ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ.
أَمَّا الْكِتَابُ: فَمِنْهُ قَوْلُهُ عَزَّ قَائِلًا: {الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ} [الماعون: 6] وَقَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} [فاطر: 10] قَالَ مُجَاهِدٌ: هُمْ أَهْلُ الرِّيَاءِ، وَقَالَ تَعَالَى:{وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110] أَيْ لَا يُرَائِي بِعَمَلِهِ وَمِنْ ثَمَّ نَزَلَتْ فِيمَنْ يَطْلُبُ الْأَجْرَ وَالْحَمْدَ بِعِبَادَاتِهِ وَأَعْمَالِهِ، وَقَالَ تَعَالَى:{إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا} [الإنسان: 9] .
وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمِنْهَا مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ: «إنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ
الرِّيَاءُ يَقُولُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إذَا جَزَى النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ: اذْهَبُوا إلَى الَّذِينَ كُنْتُمْ تُرَاءُونَ فِي الدُّنْيَا اُنْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ عِنْدَهُمْ جَزَاءً» .
وَالطَّبَرَانِيُّ: «إنَّ أَدْنَى الرِّيَاءِ وَأَحَبَّ الْعَبِيدِ إلَى اللَّهِ الْأَتْقِيَاءُ الْأَسْخِيَاءُ الْأَخْفِيَاءُ» أَيْ الْمُبَالِغُونَ فِي سَتْرِ عِبَادَاتِهِمْ وَتَنْزِيهِهَا عَنْ شَوَائِبِ الْأَغْرَاضِ الْفَانِيَةِ وَالْأَخْلَاقِ الدَّنِيئَةِ «الَّذِينَ إذَا غَابُوا لَمْ يُفْتَقَدُوا، وَإِذَا شَهِدُوا - أَيْ حَضَرُوا - لَمْ يُعْرَفُوا أُولَئِكَ أَئِمَّةُ الْهُدَى وَمَصَابِيحُ الدُّجَى» .
وَالطَّبَرَانِيُّ: «الشَّهْوَةُ الْخَفِيَّةُ وَالرِّيَاءُ شِرْكٌ» . وَابْنُ مَاجَهْ: «إنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ أَمَا إنِّي لَسْتُ أَقُولُ يَعْبُدُونَ شَمْسًا وَلَا قَمَرًا وَلَا وَثَنًا وَلَكِنْ أَعْمَالًا لِغَيْرِ اللَّهِ وَشَهْوَةً خَفِيَّةً» .
وَالتِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ: «الشِّرْكُ أَخْفَى فِي أُمَّتِي مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ عَلَى الصَّفَا» .
وَالْحَاكِمُ: «الشِّرْكُ الْخَفِيُّ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ لِمَكَانِ الرَّجُلِ» .
وَالتِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ وَالْحَاكِمُ وَأَبُو نُعَيْمٍ: «الشِّرْكُ أَخْفَى فِي أُمَّتِي مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ عَلَى الصَّفَا فِي اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاءِ وَأَدْنَاهُ أَنْ تُحِبَّ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْجَوْرِ أَوْ تُبْغِضَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْعَدْلِ وَهَلْ الدِّينُ إلَّا الْحُبُّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ؟ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31] » .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ «إنَّ اللَّهَ إذَا كَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَنْزِلُ إلَى الْعِبَادِ أَيْ يَتَجَلَّى لَهُمْ تَجَلِّيًا مُنَزَّهًا عَنْ الْحَرَكَةِ وَالِانْتِقَالِ وَسَائِرِ لَوَازِمِ الْجِهَاتِ وَالْأَجْسَامِ لِيَقْضِيَ بَيْنَهُمْ وَكُلُّ أُمَّةٍ جَاثِيَةٌ، فَأَوَّلُ مَنْ يُدْعَى بِهِ رَجُلٌ جَمَعَ الْقُرْآنَ، وَرَجُلٌ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَرَجُلٌ كَثِيرُ الْمَالِ، فَيَقُولُ اللَّهُ لِلْقَارِئِ: أَلَمْ أُعَلِّمْك مَا أَنْزَلْتُ عَلَى رَسُولِي؟ قَالَ: بَلَى يَا رَبِّ. قَالَ: فَمَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا عُلِّمْتَ؟ قَالَ: كُنْتُ أَقُومُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ، فَيَقُولُ اللَّهُ: لَهُ كَذَبْتَ بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ: فُلَانٌ قَارِئٌ فَقَدْ قِيلَ ذَلِكَ، وَيُؤْتَى بِصَاحِبِ الْمَالِ، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: أَلَمْ أُوَسِّعْ عَلَيْك حَتَّى لَمْ أَدَعْك تَحْتَاجُ إلَى أَحَدٍ؟ قَالَ: بَلَى يَا رَبِّ، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيمَا آتَيْتُك؟ قَالَ: كُنْتُ أَصِلُ الرَّحِمَ وَأَتَصَدَّقُ، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ: فُلَانٌ جَوَادٌ فَقَدْ قِيلَ ذَلِكَ، وَيُؤْتَى بِاَلَّذِي قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: فِي مَاذَا قُتِلْتَ؟ ، فَيَقُولُ: أُمِرْتُ بِالْجِهَادِ فِي سَبِيلِك فَقَاتَلْتُ حَتَّى قُتِلْتُ، فَيَقُولُ اللَّهُ: لَهُ كَذَبْتَ وَيَقُولُ اللَّهُ: لَهُ بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ فُلَانٌ جَرِيءٌ أَيْ شُجَاعٌ فَقَدْ قِيلَ ذَلِكَ، يَا أَبَا هُرَيْرَةَ
أُولَئِكَ الثَّلَاثَةُ أَوَّلُ خَلْقِ اللَّهِ تُسَعَّرُ بِهِمْ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .
وَالْحَاكِمُ: «ثَلَاثَةٌ مُهْلَكُونَ عِنْدَ الْحِسَابِ: جَوَّادٌ وَشُجَاعٌ وَعَالِمٌ» .
وَأَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ: «إذَا جَمَعَ اللَّهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ نَادَى مُنَادٍ مَنْ كَانَ أَشْرَكَ فِي عَمَلٍ عَمِلَهُ لِلَّهِ أَحَدًا فَلْيَطْلُبْ ثَوَابَهُ مِنْ عِنْدِهِ فَإِنَّ اللَّهَ أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ» .
وَالطَّيَالِسِيُّ وَأَحْمَدُ: " إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: «أَنَا خَيْرُ قَسِيمٍ لِمَنْ أَشْرَكَ بِي مَنْ أَشْرَكَ بِي شَيْئًا فَإِنَّ عَمَلَهُ قَلِيلَهُ وَكَثِيرَهُ لِشَرِيكِهِ الَّذِي أَشْرَكَ بِي، أَنَا عَنْهُ غَنِيٌّ» .
وَمُسْلِمٌ وَابْنُ مَاجَهْ: «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا
أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ، إذَا كَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أُتِيَ بِصُحُفٍ مُخْتَمَةٍ فَتُنْصَبُ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ تَعَالَى، فَيَقُولُ اللَّهُ لِمَلَائِكَتِهِ: اقْبَلُوا هَذَا وَأَلْقُوا هَذَا، فَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ: وَعِزَّتِك مَا رَأَيْنَا إلَّا خَيْرًا، فَيَقُولُ: نَعَمْ لَكِنْ كَانَ لِغَيْرِي وَلَا أَقْبَلُ الْيَوْمَ إلَّا مَا اُبْتُغِيَ بِهِ وَجْهِي» وَفِي رِوَايَةٍ: «إذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يُجَاءُ بِالْأَعْمَالِ فِي صُحُفٍ مُخْتَمَةٍ، فَيَقُولُ اللَّهُ عز وجل اقْبَلُوا هَذَا وَرُدُّوا هَذَا، فَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ وَعِزَّتِك مَا كَتَبْنَا إلَّا مَا عَمِلَ، فَيَقُولُ: إنَّ عَمَلَهُ كَانَ لِغَيْرِ وَجْهِي، وَإِنِّي لَا أَقْبَلُ الْيَوْمَ إلَّا مَا كَانَ لِوَجْهِي» . وَفِي أُخْرَى لِابْنِ عَسَاكِرَ وَالدَّارَقُطْنِيِّ: «يُجَاءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصُحُفٍ مَخْتُومَةٍ فَتُنْصَبُ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ عز وجل فَيَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ: أَلْقُوا هَذَا وَاقْبَلُوا هَذَا، فَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ وَعِزَّتِك مَا رَأَيْنَا إلَّا خَيْرًا، فَيَقُولُ - وَهُوَ أَعْلَمُ -: إنَّ هَذَا كَانَ لِغَيْرِي لَا أَقْبَلُ الْيَوْمَ مِنْ الْعَمَلِ إلَّا مَا كَانَ اُبْتُغِيَ بِهِ وَجْهِي» . وَفِي أُخْرَى مُرْسَلَةٍ لِابْنِ الْمُبَارَكِ: «إنَّ الْمَلَائِكَةَ يَرْفَعُونَ عَمَلَ الْعَبْدِ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ يَسْتَكْثِرُونَهُ حَتَّى يَبْلُغُوا بِهِ إلَى حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ مِنْ سُلْطَانِهِ فَيُوحِي اللَّهُ إلَيْهِمْ: إنَّكُمْ حَفَظَةٌ عَلَى عَمَلِ عَبْدِي وَأَنَا رَقِيبٌ عَلَى مَا فِي نَفْسِهِ، إنَّ عَبْدِي هَذَا لَمْ يُخْلِصْ لِي فِي عَمَلِهِ فَاجْعَلُوهُ فِي سِجِّينٍ، وَيَصْعَدُونَ بِعَمَلِ الْعَبْدِ يَسْتَقِلُّونَهُ وَيُحَقِّرُونَهُ حَتَّى يَبْلُغُوا بِهِ إلَى حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ مِنْ سُلْطَانِهِ فَيُوحِي إلَيْهِمْ إنَّكُمْ حَفَظَةٌ عَلَى عَمَلِ عَبْدِي وَأَنَا رَقِيبٌ عَلَى نَفْسِهِ، إنَّ عَبْدِي هَذَا أَخْلَصَ لِي عَمَلَهُ فَاجْعَلُوهُ فِي عِلِّيِّينَ» . وَابْنُ سَعْدٍ: «إذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ نَادَى مُنَادٍ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لِغَيْرِ اللَّهِ فَلْيَطْلُبْ ثَوَابَهُ مِمَّنْ عَمِلَ لَهُ» .
وَالْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ:«تَعَوَّذُوا بِاَللَّهِ مِنْ جُبِّ الْحَزَنِ وَادٍ فِي جَهَنَّمَ تَتَعَوَّذُ مِنْهُ جَهَنَّمُ كُلَّ يَوْمٍ أَرْبَعَمِائَةِ مَرَّةٍ يَدْخُلُهُ الْقُرَّاءُ الْمُرَاءُونَ بِأَعْمَالِهِمْ، وَإِنَّ أَبْغَضَ الْقُرَّاءِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى الَّذِينَ يَزُورُونَ الْأُمَرَاءَ» . وَفِي رِوَايَةٍ لِلطَّبَرَانِيِّ: «إنَّ فِي جَهَنَّمَ لَوَادِيًا تَسْتَعِيذُ جَهَنَّمُ مِنْ ذَلِكَ الْوَادِي فِي كُلِّ يَوْمٍ أَرْبَعَمِائَةِ مَرَّةٍ أُعِدَّ ذَلِكَ الْوَادِي لِلْمُرَائِينَ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ لِحَامِلِ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلِلْمُتَصَدِّقِ فِي غَيْرِ ذَاتِ اللَّهِ وَلِلْحَاجِّ إلَى بَيْتِ اللَّهِ وَلِلْخَارِجِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» ، وَأَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ:«مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ، وَمَنْ رَاءَى رَاءَى اللَّهُ بِهِ، وَمَنْ شَاقَّ شَقَّ اللَّهُ عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . وَالْعُقَيْلِيُّ وَالدَّيْلَمِيُّ: «أَبْغَضُ الْعِبَادِ إلَى اللَّهِ مَنْ كَانَ ثَوْبَاهُ خَيْرًا مِنْ عَمَلِهِ أَنْ تَكُونَ ثِيَابُهُ ثِيَابَ الْأَنْبِيَاءِ وَعَمَلُهُ عَمَلَ الْجَبَّارِينَ» .
وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ فِي سِتْرِ الصُّوفِيَّةِ، وَالدَّيْلَمِيُّ: «احْذَرُوا الشُّهْرَتَيْنِ: الصُّوفَ وَالْخَزَّ، أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا
يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ يَرَى النَّاسُ أَنَّ فِيهِ خَيْرًا وَلَا خَيْرَ فِيهِ» وَأَبُو نُعَيْمٍ وَالدَّيْلَمِيُّ: «إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْجَنَّةَ عَلَى كُلِّ مُرَاءٍ» . وَالدَّيْلَمِيُّ: «إنَّ الْأَرْضَ لَتَعِجُّ إلَى اللَّهِ مِنْ الَّذِينَ يَلْبَسُونَ الصُّوفَ رِيَاءً» . وَابْنُ مَاجَهْ: «رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إلَّا الْجُوعُ، وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إلَّا السَّهَرُ» . وَأَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ: «رُبَّ قَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ قِيَامِهِ السَّهَرُ، وَرُبَّ صَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ صِيَامِهِ الْجُوعُ وَالْعَطَشُ» .
وَالدَّيْلَمِيُّ. «رِيحُ الْجَنَّةِ يُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ وَلَا يَجِدُهُ مَنْ طَلَبَ الدُّنْيَا بِعَمَلِ الْآخِرَةِ» . وَالطَّبَرَانِيُّ وَأَبُو يَعْلَى وَالْبَيْهَقِيُّ: «مَنْ أَحْسَنَ الصَّلَاةَ حَيْثُ يَرَاهُ النَّاسُ ثُمَّ أَسَاءَهَا حَيْثُ يَخْلُو فَتِلْكَ اسْتِهَانَةٌ اسْتَهَانَ بِهَا رَبَّهُ» . وَالطَّبَرَانِيُّ: «مَنْ تَزَيَّنَ بِعَمَلِ الْآخِرَةِ وَهُوَ لَا يُرِيدُهَا وَلَا يَطْلُبُهَا لُعِنَ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ» . وَابْنُ عَدِيٍّ: «إذَا تَزَيَّنَ الْقَوْمُ بِالْآخِرَةِ وَتَجَمَّلُوا لِلدُّنْيَا فَالنَّارُ مَأْوَاهُمْ» . وَالطَّبَرَانِيُّ: «مَنْ رَاءَى بِاَللَّهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ بَرِئَ مِنْ اللَّهِ» .
وَالطَّبَرَانِيُّ: «مَنْ قَامَ مَقَامَ رِيَاءٍ وَسُمْعَةٍ فَإِنَّهُ فِي مَقْتِ اللَّهِ حَتَّى يَجْلِسَ» .
وَأَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ. «مَنْ يُرَاءِ يُرَاءِ اللَّهُ بِهِ وَمَنْ يُسَمِّعْ يُسَمِّعْ اللَّهُ بِهِ» . وَهُوَ بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ: أَيْ مَنْ يُظْهِرْ عَمَلَهُ لِلنَّاسِ رِيَاءً يُسَمِّعْ اللَّهُ بِهِ أَيْ يَفْضَحْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَعْنَى مَنْ رَاءَى رَاءَى اللَّهُ بِهِ أَيْ مَنْ أَظْهَرَ لِلنَّاسِ الْعَمَلَ الصَّالِحَ لِيَعْظُمَ عِنْدَهُمْ وَلَيْسَ هُوَ كَذَلِكَ رَاءَى اللَّهُ بِهِ: أَيْ أَظْهَرَ سَرِيرَتَهُ عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ. وَأَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُد: «الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ» . وَالْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ: «الشِّرْكُ فِي أُمَّتِي أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ عَلَى الصَّفَا» أَيْ عَلَى الْحَجَرِ الْأَمْلَسِ. وَأَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ: «أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا الشِّرْكَ فَإِنَّهُ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ، قَالُوا: وَكَيْفَ نَتَّقِيهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: قُولُوا: اللَّهُمَّ إنَّا نَعُوذُ بِك أَنْ نُشْرِكَ بِك شَيْئًا نَعْلَمُهُ وَنَسْتَغْفِرُك لِمَا لَا نَعْلَمُهُ» . وَفِي رِوَايَةٍ: «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه: الشِّرْكُ فِيكُمْ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ وَسَأَدُلُّك عَلَى شَيْءٍ إذَا فَعَلْتَهُ أَذْهَبَ عَنْك صِغَارَ الشِّرْكِ وَكِبَارَهُ تَقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك أَنْ أُشْرِكَ بِك وَأَنَا أَعْلَمُ وَأَسْتَغْفِرُك لِمَا لَا أَعْلَمُ، تَقُولُهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ» . وَفِي أُخْرَى عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ الْحَكِيمِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ بَلَاغًا: «يَا أَبَا بَكْرٍ الشِّرْكُ فِيكُمْ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ، إنَّ مِنْ الشِّرْكِ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ: مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْتَ، وَمِنْ النِّدِّ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ: لَوْلَا فُلَانٌ لَقَتَلَنِي فُلَانٌ، أَفَلَا أَدُلُّك عَلَى مَا يُذْهِبُ اللَّهُ بِهِ عَنْك صِغَارَ
الشِّرْكِ وَكِبَارَهُ؛ تَقُولُ كُلَّ يَوْمٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك أَنْ أُشْرِكَ بِك وَأَنَا أَعْلَمُ وَأَسْتَغْفِرُك لِمَا لَا أَعْلَمُ» .
وَأَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ وَأَبُو نُعَيْمٍ وَالْبَيْهَقِيُّ: «أَتَخَوَّفُ عَلَى أُمَّتِي الشِّرْكَ وَالشَّهْوَةَ الْخَفِيَّةَ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُشْرِكُ أُمَّتُك مِنْ بَعْدِك؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا إنَّهُمْ لَا يَعْبُدُونَ شَمْسًا وَلَا قَمَرًا وَلَا حَجَرًا وَلَا وَثَنًا وَلَكِنْ يُرَاءُونَ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ، وَالشَّهْوَةُ الْخَفِيَّةُ أَنْ يُصْبِحَ أَحَدُهُمْ صَائِمًا فَتَعْرِضَ لَهُ شَهْوَةٌ مِنْ شَهَوَاتِهِ فَيَتْرُكَ صَوْمَهُ» . وَفِي رِوَايَةٍ: «يُصْبِحُ الْعَبْدُ صَائِمًا فَتَعْرِضُ لَهُ شَهْوَةٌ مِنْ شَهَوَاتِهِ فَيُوَاقِعُهَا وَيَدَعُ صَوْمَهُ» .
وَالدَّيْلَمِيُّ: «إنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلًا سِرًّا فَيَكْتُبُهُ اللَّهُ عِنْدَهُ سِرًّا، فَلَا يَزَالُ بِهِ الشَّيْطَانُ حَتَّى يَتَكَلَّمَ بِهِ فَيُمْحَى مِنْ السِّرِّ وَيُكْتَبَ عَلَانِيَةً فَإِنْ عَادَ تَكَلَّمَ الثَّانِيَةَ مُحِيَ مِنْ السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ وَكُتِبَ رِيَاءً» . وَالْخَطِيبُ: «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: أَنَا خَيْرُ شَرِيكٍ فَمَنْ أَشْرَكَ مَعِي شَيْئًا فَهُوَ لِشَرِيكِي، يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَخْلِصُوا أَعْمَالَكُمْ لِلَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ مِنْ الْأَعْمَالِ إلَّا مَا أُخْلِصَ لَهُ وَلَا تَقُولُوا هَذَا لِلَّهِ وَلِلرَّحِمِ فَإِنَّهُ لِلرَّحِمِ وَلَيْسَ لِلَّهِ مِنْهُ شَيْءٌ» ، وَأَبُو دَاوُد بِسَنَدٍ صَحِيحٍ:«مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللَّهِ عز وجل لَا يَتَعَلَّمُهُ إلَّا لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضًا مِنْ الدُّنْيَا لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» أَيْ رِيحَهَا الطَّيِّبَ.
وَالطَّبَرَانِيُّ: «إنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ الرِّيَاءُ، يُقَالُ: لِمَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ إذَا جَاءَ النَّاسُ بِأَعْمَالِهِمْ اذْهَبُوا إلَى الَّذِينَ كُنْتُمْ تُرَاءُونَ فَاطْلُبُوا ذَلِكَ عِنْدَهُمْ» . وَأَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَا هُوَ أَخْوَفُ عَلَيْكُمْ عِنْدِي مِنْ الْمَسِيحِ، الشِّرْكُ الْخَفِيُّ أَنْ يَقُومَ الرَّجُلُ يَعْمَلُ لِمَكَانِ الرَّجُلِ» . وَالدَّيْلَمِيُّ: «إيَّاكُمْ أَنْ تَخْلِطُوا طَاعَةَ اللَّهِ تَعَالَى بِحُبِّ ثَنَاءِ الْعِبَادِ فَتَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ» . وَالْبَيْهَقِيُّ. «أَيُّهَا النَّاسُ إيَّاكُمْ وَشِرْكَ السَّرَائِرِ أَنْ يَقُومَ الرَّجُلُ فَيُصَلِّيَ فَيُزَيِّنَ صَلَاتَهُ جَاهِدًا لِمَا يَرَى مِنْ نَظَرِ النَّاسِ إلَيْهِ فَذَلِكَ شِرْكُ السَّرَائِرِ» . وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ: «إيَّاكُمْ وَشِرْكَ السَّرَائِرِ أَنْ يُتِمَّ رُكُوعَهَا وَسُجُودَهَا لِمَا يَلْحَظُهُ مِنْ الْحَدَقِ وَالنَّظَرِ فَذَلِكَ شِرْكُ السَّرَائِرِ» .
وَأَبُو نُعَيْمٍ: «الشِّرْكُ أَخْفَى فِي أُمَّتِي مِنْ دَبِيبِ الذَّرِّ عَلَى الصَّفَا وَلَيْسَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْكُفْرِ إلَّا تَرْكُ الصَّلَاةِ» وَابْنُ جَرِيرٍ وَالنَّسَائِيُّ: «قَالَ اللَّهُ عز وجل: مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ غَيْرِي فَهُوَ لَهُ كُلُّهُ وَأَنَا أَغْنَى عَنْ الشُّرَكَاءِ» .
وَالْبَيْهَقِيُّ: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُومُ فِي الدُّنْيَا مَقَامَ سُمْعَةٍ وَرِيَاءٍ إلَّا سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ عَلَى رُءُوسِ
الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ» أَيْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِأَنَّ فِيهِ الْجَمْعَ الْأَعْظَمَ. وَالدَّيْلَمِيُّ: «مَنْ تَزَيَّنَ لِلنَّاسِ بِمَا يَعْلَمُ اللَّهُ مِنْهُ غَيْرَ ذَلِكَ شَنَأَهُ اللَّهُ عز وجل» . وَالْحَاكِمُ: «مَنْ تَهَيَّأَ لِلنَّاسِ بِقَوْلِهِ وَلِبَاسِهِ وَخَالَفَ ذَلِكَ فِي أَعْمَالِهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» .
وَالطَّيَالِسِيُّ وَأَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ: «مَنْ صَلَّى وَهُوَ يُرَائِي فَقَدْ أَشْرَكَ وَمَنْ صَامَ وَهُوَ يُرَائِي فَقَدْ أَشْرَكَ وَمَنْ تَصَدَّقَ وَهُوَ يُرَائِي فَقَدْ أَشْرَكَ» . وَأَحْمَدُ وَابْنُ سَعْدٍ وَيَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ وَالْبَغَوِيُّ وَابْنُ السَّكَنِ وَالْبَاوَرْدِيُّ وَابْنُ مَنْدَهْ وَابْنُ نَافِعٍ وَالطَّبَرَانِيُّ وَأَبُو نُعَيْمٍ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ: «مَنْ قَامَ بِخُطْبَةٍ لَا يَلْتَمِسُ بِهَا إلَّا رِيَاءً وَسُمْعَةً أَوْقَفَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَوْقِفَ رِيَاءٍ وَسُمْعَةٍ» . وَالطَّبَرَانِيُّ وَأَبُو نُعَيْمٍ: «مَنْ يُسَمِّعْ يُسَمِّعْ اللَّهُ بِهِ، وَمَنْ يُرَاءِ يُرَاءِ اللَّهُ بِهِ: وَمَنْ كَانَ ذَا لِسَانَيْنِ فِي الدُّنْيَا جَعَلَ اللَّهُ لَهُ لِسَانَيْنِ مِنْ نَارٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . وَالطَّبَرَانِيُّ وَأَبُو نُعَيْمٍ وَالْبَيْهَقِيُّ وَابْنُ عَسَاكِرَ وَابْنُ النَّجَّارِ: «يُؤْمَرُ بِنَاسٍ» . وَفِي رِوَايَةٍ «بِفِئَةٍ» أَيْ جَمَاعَةٍ: «مِنْ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَى الْجَنَّةِ حَتَّى إذَا دَنَوْا مِنْهَا وَاسْتَنْشَقُوا رِيحَهَا وَنَظَرُوا إلَى قُصُورِهَا، وَإِلَى مَا أَعَدَّهُ اللَّهُ لِأَهْلِهَا فِيهَا نُودُوا أَنْ اصْرِفُوهُمْ عَنْهَا لَا نَصِيبَ لَهُمْ فِيهَا فَيَرْجِعُونَ بِحَسْرَةٍ مَا رَجَعَ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ بِمِثْلِهَا، فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا لَوْ أَدْخَلْتَنَا النَّارَ قَبْلَ أَنْ تُرِيَنَا مَا أَرَيْتَنَا مِنْ ثَوَابِك وَمَا أَعْدَدْتَ فِيهَا لِأَوْلِيَائِك كَانَ أَهْوَنَ عَلَيْنَا، قَالَ: ذَاكَ أَرَدْتُ بِكُمْ يَا أَشْقِيَاءُ كُنْتُمْ إذَا خَلَوْتُمْ بَارَزْتُمُونِي بِالْعَظَائِمِ، وَإِذَا لَقِيتُمْ النَّاسَ لَقِيتُمُونِي مُخْبِتِينَ، تُرَاءُونَ النَّاسَ بِأَعْمَالِكُمْ خِلَافَ مَا تُعْطُونِي مِنْ قُلُوبِكُمْ. هِبْتُمْ النَّاسَ وَلَمْ تَهَابُونِي وَأَجْلَلْتُمْ النَّاسَ وَلَمْ تُجِلُّونِي وَتَرَكْتُمْ لِلنَّاسِ وَلَمْ تَتْرُكُوا لِي فَالْيَوْمَ أُذِيقُكُمْ الْعَذَابَ مَعَ مَا حُرِمْتُمْ مِنْ الثَّوَابِ» . وَفِي رِوَايَةٍ: «فَالْيَوْمَ أُذِيقُكُمْ أَلِيمَ عَذَابِي مَعَ مَا حَرَمْتُكُمْ مِنْ جَزِيلِ ثَوَابِي» .
وَأَبُو نُعَيْمٍ: «لَا يَسْمَعُ اللَّهُ مِنْ مُسَمِّعٍ وَلَا مِنْ مُرَاءٍ وَلَا لَاهٍ وَلَا لَاعِبٍ» . وَالدَّيْلَمِيُّ: «إذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ نَادَى مُنَادٍ لِيَسْمَعَ أَهْلُ الْجَمْعِ: أَيْنَ الَّذِينَ يَعْبُدُونَ النَّاسَ قُومُوا وَخُذُوا أُجُورَكُمْ مِمَّنْ عَمِلْتُمْ لَهُ فَإِنِّي لَا أَقْبَلُ عَمَلًا خَالَطَهُ شَيْءٌ مِنْ الدُّنْيَا وَأَهْلِهَا» . وَالذَّهَبِيُّ: «سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: مَا النَّجَاةُ غَدًا؟ قَالَ صلى الله عليه وسلم: أَنْ لَا تُخَادِعَ اللَّهَ. قَالَ: وَكَيْفَ يُخَادَعُ اللَّهُ؟ قَالَ: أَنْ تَعْمَلَ بِمَا أَمَرَك اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَتُرِيدَ بِهِ غَيْرَ وَجْهِ اللَّهِ، فَاتَّقُوا الرِّيَاءَ فَإِنَّهُ الشِّرْكُ بِاَللَّهِ، وَإِنَّ الْمُرَائِيَ يُنَادَى عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ بِأَرْبَعَةِ أَسْمَاءَ: يَا كَافِرُ يَا فَاجِرُ يَا غَادِرُ يَا خَاسِرُ ضَلَّ عَمَلُك وَبَطَلَ أَجْرُك فَلَا خَلَاقَ» أَيْ نَصِيبَ «لَك الْيَوْمَ فَالْتَمِسْ أَجْرَك مِمَّنْ كُنْتَ لَهُ تَعْمَلُ يَا مُخَادِعُ» .
وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ: فَهُوَ وَاضِحٌ بَعْدَ أَنْ عَلِمْتَ مَا جَاءَ فِيهِ مِنْ تِلْكَ النُّصُوصِ الْقَطْعِيَّةِ وَالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ السَّنِيَّةِ، وَمِنْ ثَمَّ تَطَابَقَتْ كَلِمَاتُ الْأَئِمَّةِ عَلَى ذَمِّهِ وَأَطْبَقَتْ الْأُمَّةُ عَلَى تَحْرِيمِهِ وَتَعْظِيمِ إثْمِهِ، وَقَدْ قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه لِمَنْ رَآهُ يُطَأْطِئُ رَقَبَتَهُ: يَا صَاحِبَ الرَّقَبَةِ ارْفَعْ رَقَبَتَك، لَيْسَ الْخُشُوعُ فِي الرِّقَابِ وَإِنَّمَا الْخُشُوعُ فِي الْقَلْبِ.
وَرَأَى أَبُو أُمَامَةَ رَجُلًا يَبْكِي فِي الْمَسْجِدِ فِي سُجُودِهِ فَقَالَ: أَنْتَ أَنْتَ لَوْ كَانَ هَذَا فِي بَيْتِك.
وَقَالَ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: لِلْمُرَائِي ثَلَاثُ عَلَامَاتٍ: يَكْسَلُ إذَا كَانَ وَحْدَهُ، وَيَنْشَطُ إذَا كَانَ فِي النَّاسِ، وَيَزِيدُ فِي الْعَمَلِ إذَا أُثْنِيَ عَلَيْهِ وَيَنْقُصُ إذَا ذُمَّ. وَقَالَ: يُعْطَى الْعَبْدُ عَلَى نِيَّتِهِ مَا لَا يُعْطَى عَلَى عَمَلِهِ لِأَنَّ النِّيَّةَ لَا رِيَاءَ فِيهَا. «وَقَالَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ رضي الله عنه لِمَنْ قَالَ: أُقَاتِلُ بِسَيْفِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُرِيدُ وَجْهَ اللَّهِ وَمَحْمَدَةَ النَّاسِ: لَا شَيْءَ لَك، لَا شَيْءَ لَك، لَا شَيْءَ لَك، إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ» الْحَدِيثَ، وَقَدْ ذَمَّ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ السَّلَفِ مَنْ يَقُولُ: هَذِهِ لِوَجْهِ اللَّهِ وَوَجْهِ فُلَانٍ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا شَرِيكَ لَهُ، وَقَالَ قَتَادَةُ: إذَا رَاءَى الْعَبْدُ يَقُولُ اللَّهُ - تَعَالَى -: عَبْدِي يَسْتَهْزِئُ بِي.
وَقَالَ إبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ رضي الله عنه: مَا صَدَقَ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ أَرَادَ أَنْ يَشْتَهِرَ.
وَقَالَ الْفُضَيْلُ رضي الله عنه: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إلَى مُرَاءٍ فَلْيَنْظُرْ إلَيَّ، وَقَالَ أَيْضًا: تَرْكُ الْعَمَلِ لِأَجْلِ النَّاسِ رِيَاءٌ، وَالْعَمَلُ لِأَجْلِ النَّاسِ شِرْكٌ، وَالْإِخْلَاصُ أَنْ يُعَافِيَك اللَّهُ مِنْهُمَا.
وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: مَثَلُ مَنْ يَعْمَلُ رِيَاءً وَسُمْعَةً كَمَثَلِ مَنْ مَلَأَ كِيسَهُ حَصًى ثُمَّ دَخَلَ السُّوقَ لِيَشْتَرِيَ بِهِ، فَإِذَا فَتَحَهُ بَيْنَ يَدَيْ الْبَائِعِ افْتَضَحَ، وَضَرَبَ بِهِ وَجْهَهُ فَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ بِهِ مَنْفَعَةٌ سِوَى قَوْلِ النَّاسِ: مَا أَمْلَأَ كِيسَهُ وَلَا يُعْطَى بِهِ شَيْئًا، فَكَذَلِكَ مَنْ عَمِلَ لِلرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ لَا مَنْفَعَةَ لَهُ فِي عَمَلِهِ سِوَى مَقَالَةِ النَّاسِ وَلَا ثَوَابَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ. قَالَ تَعَالَى:{وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان: 23] أَيْ الْأَعْمَالُ الَّتِي قُصِدَ بِهَا غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى يَبْطُلُ ثَوَابُهَا صَارَتْ كَالْهَبَاءِ الْمَنْثُورِ، وَهُوَ الْغُبَارُ الَّذِي يُرَى فِي شُعَاعِ الشَّمْسِ.
(تَنْبِيهَاتٌ) مِنْهَا: الرِّيَاءُ مَأْخُوذٌ مِنْ الرُّؤْيَةِ وَالسُّمْعَةُ مِنْ السَّمَاعِ. وَحَدُّ الرِّيَاءِ الْمَذْمُومِ إرَادَةُ الْعَامِلِ بِعِبَادَتِهِ غَيْرَ وَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى كَأَنْ يَقْصِدَ اطِّلَاعَ النَّاسِ عَلَى عِبَادَتِهِ وَكَمَالِهِ حَتَّى يَحْصُلَ لَهُ مِنْهُمْ نَحْوُ مَالٍ أَوْ جَاهٍ أَوْ ثَنَاءٍ. إمَّا بِإِظْهَارِ نُحُولٍ وَصُفْرَةٍ، وَنَحْوِ تَشَعُّثِ شَعْرٍ، وَبَذَاذَةِ هَيْئَةٍ، وَخَفْضِ صَوْتٍ، وَغَمْضِ جَفْنٍ إيهَامًا لِشِدَّةِ اجْتِهَادِهِ فِي الْعِبَادَةِ
وَحُزْنِهِ وَقِلَّةِ أَكْلِهِ وَعَدَمِ مُبَالَاتِهِ بِأَمْرِ نَفْسِهِ لِاشْتِغَالِهِ عَنْهَا بِالْأَهَمِّ، وَتَوَالِي صَوْمِهِ وَسَهَرِهِ، وَإِعْرَاضِهِ عَنْ الدُّنْيَا وَأَهْلِهَا، وَمَا دَرَى الْمَخْذُولُ أَنَّهُ حِينَئِذٍ أَقْبَحُ مِنْ أَرَاذِلِهِمْ كَالْمَكَّاسِينَ وَقُطَّاعِ السَّبِيلِ. وَأَمْثَالِهِمْ، لِأَنَّهُمْ مُعْتَرِفُونَ بِذُنُوبِهِمْ لَا غُرُورَ لَهُمْ فِي الدِّينِ بِخِلَافِ ذَلِكَ الْمَخْذُولِ الْمَمْقُوتِ. وَإِمَّا بِإِظْهَارِ زِيِّ الصَّالِحِينَ كَإِطْرَاقِ الرَّأْسِ فِي الْمَشْيِ وَالْهُدُوءِ فِي الْحَرَكَةِ، وَإِبْقَاءِ أَثَرِ السُّجُودِ عَلَى الْوَجْهِ وَلُبْسِ الصُّوفِ وَخَشِنِ الثِّيَابِ وَتَقْصِيرِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ إيهَامًا أَنَّهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَالسَّادَةِ الصُّوفِيَّةِ - رَضِيَ اللَّهُ - عَنْ مُحِقِّيهِمْ وَخَذَلَ مُبْطِلِيهِمْ مَعَ الْإِفْلَاسِ عَنْ حَقِيقَةِ الْعِلْمِ وَالتَّصَوُّفِ بِبَاطِنِهِ، وَمَا دَرَى الْمُخَادِعُ أَنَّ كُلَّ مَا وَصَلَ إلَيْهِ لِأَجْلِ هَذَا التَّلْبِيسِ حَرَامٌ عَلَيْهِ قَبُولُهُ، فَإِنْ قَبِلَهُ كَانَ فَاسِقًا لِأَكْلِهِ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ. وَإِمَّا بِالْوَعْظِ وَالتَّذْكِيرِ، وَإِظْهَارِ حِفْظِ السُّنَنِ وَلِقَاءِ الْمَشَايِخِ وَإِتْقَانِ الْعُلُومِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الطُّرُقِ الْكَثِيرَةِ؛ إذْ الرِّيَاءُ بِالْقَوْلِ كَثِيرٌ وَأَنْوَاعُهُ لَا تَنْحَصِرُ. وَإِمَّا بِنَحْوِ تَطْوِيلِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَتَحْسِينِهَا، وَإِظْهَارِ التَّخَشُّعِ فِيهَا وَكَذَا الصَّوْمُ وَالْحَجُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْعِبَادَاتِ. وَأَنْوَاعُ الرِّيَاءِ بِالْأَعْمَالِ لَا تَنْحَصِرُ، وَرُبَّمَا أَنَّ الْمُرَائِيَ مِنْ شِدَّةِ حِرْصِهِ عَلَى إحْكَامِ الرِّيَاءِ، وَإِتْقَانِهِ يَتَأَلَّفُ ذَلِكَ بِفِعْلِهِ فِي خَلَوَاتِهِ لِيَكُونَ ذَلِكَ خُلُقًا لَهُ فِي الْمَلَإِ لَا لِلْخَوْفِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَالْحَيَاءِ مِنْهُ. وَإِمَّا بِالْأَصْحَابِ وَالزَّائِرِينَ وَالْمُخَالِطِينَ كَمَنْ يَطْلُبُ مِنْ عَالِمٍ أَوْ أَمِيرٍ أَوْ صَالِحٍ أَنْ يَأْتِيَ إلَيْهِ لِزِيَارَتِهِ إيهَامًا لِرِفْعَتِهِ وَتَبَرُّكِ الْأَكَابِرِ بِهِ، وَكَمَنْ يَذْكُرُ أَنَّهُ لَقِيَ شُيُوخًا كَثِيرِينَ افْتِخَارًا بِهِمْ وَتَرَفُّعًا بِذَلِكَ عَلَى غَيْرِهِ.
فَهَذِهِ مَجَامِعُ أَبْوَابِ الرِّيَاءِ الْحَامِلِ إيثَارُهَا عَلَى طَلَبِ نَحْوِ الْجَاهِ وَالْمَنْزِلَةِ وَاشْتِهَارِ الصِّيتِ حَتَّى تَنْطَلِقَ الْأَلْسُنُ بِالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، وَيُجْلَبَ الْحُطَامُ مِنْ سَائِرِ الْآفَاقِ إلَيْهِ.
وَمِنْهَا: حَيْثُ أُطْلِقَ الرِّيَاءُ عَلَى لِسَانِ حَمَلَةِ الشَّرْعِ فَالْمُرَادُ بِهِ الْمَذْمُومُ الَّذِي مَرَّ حَدُّهُ، ثُمَّ إنْ لَمْ يَقْصِدْ غَيْرَ الرِّيَاءِ فَعِبَادَتُهُ بَاطِلَةٌ، وَلَيْتَهُ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ مِنْ السُّوءِ غَيْرُ ذَلِكَ بَلْ عَلَيْهِ عَظِيمُ الْإِثْمِ وَقَبِيحُ الذَّمِّ، كَمَا عُلِمَ تَفْصِيلُ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ، وَالْمَعْنَى فِي تَحْرِيمِهِ وَكَوْنِهِ كَبِيرَةً وَشِرْكًا - مُقْتَضِيًا لِلَّعْنِ - أَنَّ فِيهِ اسْتِهْزَاءً بِالْحَقِّ تَعَالَى كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فِي الْأَحَادِيثِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ قَتَادَةُ كَمَا مَرَّ: إذَا رَاءَى الْعَبْدُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: اُنْظُرُوا إلَيْهِ كَيْفَ يَسْتَهْزِئُ بِي، وَيُوَضِّحُهُ أَنَّ أَحَدَ خُدَّامِ الْمَلِكِ الْقَائِمِينَ فِي خِدْمَتِهِ لَوْ كَانَ قَاصِدًا بِوُقُوفِهِ فِيهَا مُلَاحَظَةَ أَمَةٍ أَوْ أَمْرَدَ لِلْمَلِكِ كَانَ ذَلِكَ عِنْدَ كُلِّ مَنْ لَهُ أَدْنَى مُسْكَةٍ مِنْ عَقْلٍ اسْتِهْزَاءً بِذَلِكَ الْمَلِكِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ تَقَرُّبًا إلَيْهِ بِوَجْهٍ مَعَ إيهَامِهِ أَنَّهُ عَلَى غَايَةٍ مِنْ التَّقَرُّبِ، وَحِينَئِذٍ فَأَيُّ اسْتِحْقَارٍ وَاسْتِهْزَاءٍ
يَزِيدُ عَلَى قَصْدِك - بِعِبَادَةِ رَبِّك - مِثْلَك عَاجِزًا عَنْ نَفْسِهِ مِنْ سَائِرِ الْوُجُوهِ فَضْلًا عَنْك، وَمَعَ ذَلِكَ فَقَصْدُك إيَّاهُ مُتَبَرِّعًا بِعِبَادَتِك يُنْبِئُ عَنْ اعْتِقَادِك فِيهِ أَنَّهُ أَقْدَرُ عَلَى تَحْصِيلِ أَغْرَاضِك مِنْ اللَّهِ فَرَفَعْتَ الْعَبْدَ الضَّعِيفَ الْعَاجِزَ عَلَى مَوْلَاك الْقَوِيِّ الْقَادِرِ، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ الرِّيَاءُ مِنْ كَبَائِرِ الْكَبَائِرِ الْمُهْلِكَةِ، وَلِهَذَا سَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" الشِّرْكَ الْأَصْغَرَ ".
وَفِيهِ أَيْضًا تَلْبِيسٌ عَلَى الْخَلْقِ لِإِيهَامِهِ لَهُمْ أَنَّهُ مُخْلِصٌ مُطِيعٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَهُوَ بِخِلَافِ ذَلِكَ بَلْ التَّلْبِيسُ فِي الدُّنْيَا حَرَامٌ أَيْضًا حَتَّى لَوْ قَضَى دَيْنَ إنْسَانٍ لِيُخَيِّلَ إلَيْهِ أَوْ إلَى غَيْرِهِ أَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ حَتَّى يَعْتَقِدُوا سَخَاوَتَهُ أَثِمَ بِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّلْبِيسِ وَتَمَلُّكِ الْقُلُوبِ بِالْخِدَاعِ وَالْمَكْرِ.
فَإِنْ قُلْت: قَدْ تَقَرَّرَ وَجْهُ كَوْنِ الرِّيَاءِ الشِّرْكَ الْأَصْغَرَ، فَمَا وَجْهُ افْتِرَاقِهِ مِنْ الشِّرْكِ الْأَكْبَرِ؟ قُلْت: يَتَّضِحُ ذَلِكَ بِمِثَالٍ هُوَ أَنَّ الْمُصَلِّيَ حَتَّى يَقُولَ النَّاسُ: إنَّهُ صَالِحٌ مَثَلًا يَكُونُ رِيَاؤُهُ سَبَبًا بَاعِثًا لَهُ عَلَى الْعَمَلِ، لَكِنَّهُ فِي خِلَالِ ذَلِكَ الْعَمَلِ تَارَةً يَقْصِدُ بِهِ تَعْظِيمَ اللَّهِ تَعَالَى، وَتَارَةً لَا يَقْصِدُ بِهِ شَيْئًا، وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ مُكَفِّرٌ بِخِلَافِ الشِّرْكِ الْأَكْبَرِ، فَإِنَّهُ لَا يَحْصُلُ فِي هَذَا إلَّا إذَا قَصَدَ بِالسُّجُودِ مَثَلًا تَعْظِيمَ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى، فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَائِيَ إنَّمَا نَشَأَ لَهُ ذَلِكَ الشِّرْكُ بِوَاسِطَةِ أَنَّهُ عَظُمَ قَدْرُ الْمَخْلُوقِ عِنْدَهُ حَتَّى حَمَلَهُ ذَلِكَ التَّعْظِيمُ عَلَى أَنْ يَرْكَعَ وَيَسْجُدَ، فَكَانَ ذَلِكَ الْمَخْلُوقُ هُوَ الْمُعَظَّمُ بِالسُّجُودِ مِنْ وَجْهٍ وَهَذَا هُوَ عَيْنُ الشِّرْكِ الْخَفِيِّ لَا الْجَلِيِّ وَذَلِكَ غَايَةُ الْجَهْلِ، وَلَا يُقْدِمُ عَلَيْهِ إلَّا مَنْ خَدَعَهُ الشَّيْطَانُ وَأَوْهَمَ عِنْدَهُ أَنَّ الْعَبْدَ الضَّعِيفَ الْعَاجِزَ يَمْلِكُ مِنْ مَعَايِشِهِ وَمَنَافِعِهِ أَكْثَرَ مِمَّا يَمْلِكُهُ اللَّهُ تَعَالَى، فَلِذَلِكَ عَدَلَ بِوَجْهِهِ وَقَصْدِهِ إلَيْهِمْ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى، فَأَقْبَلَ يَسْتَمِيلُ قَلْبَهُمْ فَيَكِلُهُ - تَعَالَى - إلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ كَمَا مَرَّ فِي الْأَحَادِيثِ:«اذْهَبُوا إلَى الَّذِينَ كُنْتُمْ تُرَاءُونَ فَاطْلُبُوا ذَلِكَ عِنْدَهُمْ» ، وَهُمْ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ شَيْئًا سِيَّمَا فِي الْآخِرَةِ:{يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ} [الشعراء: 88]{إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: 89]{يَوْمًا لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [لقمان: 33] .
وَقَدْ يُطْلَقُ الرِّيَاءُ عَلَى أَمْرٍ مُبَاحٍ وَهُوَ طَلَبُ نَحْوِ الْجَاهِ وَالتَّوْقِيرِ بِغَيْرِ عِبَادَةٍ كَأَنْ يَقْصِدَ بِزِينَةِ لِبَاسِهِ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ بِالنَّظَافَةِ وَالْجَمَالَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ مَا أَشْبَهَهُ
مِنْ كُلِّ تَجَمُّلٍ وَتَزَيُّنٍ وَتَكَرُّمٍ لِأَجْلِ النَّاسِ. كَالْإِنْفَاقِ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ لَا فِي مَعْرِضِ الْعِبَادَةِ وَالصَّدَقَةِ بَلْ لِيُقَالَ: إنَّهُ سَخِيٌّ.
وَوَجْهُ عَدَمِ حَرَكَةِ هَذَا النَّوْعِ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا مَرَّ فِي الْمُحَرَّمِ مِنْ التَّلْبِيسِ بِالدِّينِ وَالِاسْتِهْزَاءِ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ، «وَقَدْ كَانَ صلى الله عليه وسلم: إذَا أَرَادَ الْخُرُوجَ سَوَّى عِمَامَتَهُ وَشَعْرَهُ وَنَظَرَ وَجْهَهُ فِي الْمِرْآةِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: أَوَتَفْعَلُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ مِنْ الْعَبْدِ أَنْ يَتَزَيَّنَ لِإِخْوَانِهِ إذَا خَرَجَ إلَيْهِمْ» . نَعَمْ هَذَا مِنْهُ صلى الله عليه وسلم عِبَادَةٌ مُتَأَكِّدَةٌ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِدَعْوَةِ الْخَلْقِ وَاسْتِمَالَةِ قُلُوبِهِمْ مَا أَمْكَنَهُ. إذْ لَوْ سَقَطَ مِنْ أَعْيُنِهِمْ لَأَعْرَضُوا عَنْهُ فَلَزِمَهُ أَنْ يُظْهِرَ لَهُمْ مَحَاسِنَ أَحْوَالِهِ لِئَلَّا يَزْدَرُوهُ فَيُعْرِضُوا عَنْهُ لِامْتِدَادِ أَعْيُنِ عَامَّةِ الْخَلْقِ إلَى الظَّوَاهِرِ دُونَ السَّرَائِرِ، فَهَذَا قَصْدُهُ صلى الله عليه وسلم وَفِيهِ قُرْبَةٌ أَيُّ قُرْبَةٍ، وَيَجْرِي ذَلِكَ فِي الْعُلَمَاءِ وَنَحْوِهِمْ إذَا قَصَدُوا بِتَحْسِينِ هَيْئَاتِهِمْ نَحْوَ ذَلِكَ.
وَمِنْهَا: اخْتَلَفَ الْغَزَالِيُّ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِيمَنْ قَصَدَ بِعَمَلِهِ الرِّيَاءَ وَالْعِبَادَةَ، فَقَالَ الْغَزَالِيُّ: إنْ غَلَبَ بَاعِثُ الدُّنْيَا فَلَا ثَوَابَ لَهُ، أَوْ بَاعِثُ الْآخِرَةِ فَلَهُ الثَّوَابُ وَإِنْ تَسَاوَيَا تَسَاقَطَا فَلَا ثَوَابَ أَيْضًا، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: لَا ثَوَابَ مُطْلَقًا لِلْأَخْبَارِ السَّابِقَةِ كَخَبَرِ: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ غَيْرِي فَأَنَا مِنْهُ بَرِيءٌ هُوَ لِلَّذِي أَشْرَكَ» . وَأَوَّلَ الْغَزَالِيُّ الْحَدِيثَ عَلَى مَا إذَا اسْتَوَى الْقَصْدَانِ أَوْ كَانَ قَصْدُ الرِّيَاءِ أَرْجَحَ، وَصَرِيحُ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ أَنَّ الرِّيَاءَ وَلَوْ مُحَرَّمًا لَا يَمْنَعُ أَصْلَ الثَّوَابِ عِنْدَهُ إذَا كَانَ بَاعِثُ الْعِبَادَةِ أَغْلَبَ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ: لَوْ كَانَ اطِّلَاعُ النَّاسِ مُرَجِّحًا وَمُقَوِّيًا نَشَاطَهُ، وَلَوْ فُقِدَ لَمْ يَتْرُكْ الْعِبَادَةَ، وَلَوْ انْفَرَدَ قَصْدُ الرِّيَاءِ لَمَا أَقْدَمَ، فَاَلَّذِي نَظُنُّهُ وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يُحْبِطُ أَصْلَ الثَّوَابِ، وَلَكِنَّهُ يُعَاقَبُ عَلَى مِقْدَارِ قَصْدِ الرِّيَاءِ وَيُثَابُ عَلَى مِقْدَارِ قَصْدِ الثَّوَابِ انْتَهَى، وَقَدْ يُنَافِيهِ قَوْلُهُ قَبْلَ ذَلِكَ: إذَا قَصَدَ الْأَجْرَ وَالْمَحْمَدَةَ جَمِيعًا فِي صَدَقَتِهِ وَصَلَاتِهِ فَهُوَ الشِّرْكُ الَّذِي يُنَاقِضُ الْإِخْلَاصَ، وَقَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَهُ فِي كِتَابِ الْإِخْلَاصِ، وَمَا نَقَلْنَاهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنهما يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا ثَوَابَ لَهُ أَصْلًا انْتَهَى، وَبِهَذَا يَتَرَجَّحُ كَلَامُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ.
وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الَّذِي يُتَّجَهُ تَرْجِيحُهُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ مَتَى كَانَ الْمُصَاحِبُ لِقَصْدِ الْعِبَادَةِ رِيَاءً مُبَاحًا لَمْ يَقْتَضِ إسْقَاطَ ثَوَابِهَا مِنْ أَصْلِهِ بَلْ يُثَابُ عَلَى مِقْدَارِ قَصْدِهِ الْعِبَادَةَ وَإِنْ ضَعُفَ، أَوْ مُحَرَّمًا اقْتَضَى سُقُوطَهُ مِنْ أَصْلِهِ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ الْكَثِيرَةُ
السَّابِقَةُ، قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] قَدْ لَا يُعَكِّرُ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ تَقْصِيرَهُ بِقَصْدِهِ الْمُحَرَّمَ أَوْجَبَ سُقُوطَ الْأَجْرِ فَلَمْ يَبْقَ لَهُ ذَرَّةٌ مِنْ خَيْرٍ فَلَمْ تَشْمَلْهُ الْآيَةُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا عَقَدَ عِبَادَتَهُ عَلَى الْإِخْلَاصِ ثُمَّ وَرَدَ عَلَيْهِ وَارِدُ الرِّيَاءِ، فَإِنْ كَانَ بَعْدَ تَمَامِ الْعَمَلِ لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ لِأَنَّهُ تَمَّ عَلَى الْإِخْلَاصِ فَلَا يَنْعَطِفُ عَلَيْهِ أَثَرُ مَا طَرَأَ إنْ لَمْ يَتَكَلَّفْ إظْهَارَهُ وَالتَّحَدُّثَ بِهِ. فَإِنْ تَكَلَّفَ ذَلِكَ قَصْدًا لِلرِّيَاءِ قَالَ الْغَزَالِيُّ: فَهَذَا مَخُوفٌ؛ وَفِي الْآثَارِ وَالْأَخْبَارِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُحْبِطُ الْعَمَلَ، وَسَاقَ ذَلِكَ ثُمَّ اسْتَبْعَدَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الطَّارِئُ مُبْطِلًا لِثَوَابِ الْعَمَلِ. قَالَ: بَلْ الْأَقْيَسُ أَنَّهُ مُثَابٌ عَلَى عَمَلِهِ الَّذِي انْقَضَى وَيُعَاقَبُ عَلَى مُرَاءَاتِهِ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَلَوْ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ تَغَيَّرَ عَقْدُهُ إلَى الرِّيَاءِ فِي أَثْنَائِهَا فَإِنَّهُ يُحْبِطُهَا بَلْ يُفْسِدُهَا إنْ تَمَحَّضَ قَصْدُ الرِّيَاءِ فَإِنْ لَمْ يَتَمَحَّضْ لَكِنَّهُ غَلَبَ حَتَّى انْغَمَرَ قَصْدُ الْقُرْبَةِ فِيهِ فَهَذَا يَتَرَدَّدُ فِي إفْسَادِهِ لِلْعِبَادَةِ، وَمَيْلُ الْحَارِثِ الْمُحَاسِبِيِّ إلَى إفْسَادِهِ. وَالْأَحْسَنُ عِنْدَنَا أَنَّ هَذَا الْقَدْرَ إذَا لَمْ يَظْهَرْ أَثَرُهُ فِي الْعَمَلِ بَلْ بَقِيَ الْعَمَلُ صَادِرًا عَنْ بَاعِثِ الدِّينِ، وَإِنَّمَا انْضَافَ إلَيْهِ سُرُورٌ بِاطِّلَاعٍ فَلَا يَفْسُدُ عَمَلُهُ لِبَقَاءِ أَصْلِ النِّيَّةِ الْبَاعِثَةِ عَلَيْهِ وَالْحَامِلَةِ عَلَى إتْمَامِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ عَرَضَ لَهُ مَا لَوْلَا النَّاسُ لَقَطَعَ صَلَاتَهُ مَثَلًا فَإِنَّهُ يُفْسِدُهَا فَيُعِيدُهَا، وَإِنْ كَانَتْ فَرْضًا.
وَالْأَخْبَارُ الْوَارِدَةُ فِي الرِّيَاءِ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُرِدْ بِالْعَمَلِ إلَّا الْخَلْقَ. وَأَمَّا مَا وَرَدَ فِي الشَّرِكَةِ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ قَصْدُ الرِّيَاءِ مُسَاوِيًا لِقَصْدِ الثَّوَابِ أَوْ أَغْلَبَ مِنْهُ، أَمَّا إذَا كَانَ ضَعِيفًا بِالْإِضَافَةِ إلَيْهِ فَلَا يُحْبِطُ بِالْكُلِّيَّةِ ثَوَابَ الْعَمَلِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَفْسُدَ الصَّلَاةُ، وَلَوْ قَارَنَ الرِّيَاءُ ابْتِدَاءَ عَقْدِ الصَّلَاةِ مَثَلًا وَاسْتَمَرَّ إلَى أَنْ سَلَّمَ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يَقْضِي وَلَا يَعْتَدُّ بِصَلَاتِهِ فَإِنْ نَدِمَ عَلَيْهِ أَثْنَاءَهَا وَاسْتَغْفَرَ، فَقَالَتْ فِرْقَةٌ: هِيَ لَمْ تَنْعَقِدْ، فَيَسْتَأْنِفُهَا، وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: يَلْغُو جَمِيعُ مَا فَعَلَهُ إلَّا التَّحْرِيمَ فَيُتِمُّ عَلَيْهِ، وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بَلْ يُتِمُّهَا لِأَنَّ النَّظَرَ إلَى الْخَوَاتِيمِ، كَمَا لَوْ ابْتَدَأَ بِالْإِخْلَاصِ وَخَتَمَ بِالرِّيَاءِ فَإِنَّ عَمَلَهُ يَفْسُدُ، وَالْقَوْلَانِ الْأَخِيرَانِ خَارِجَانِ عَنْ قِيَاسِ الْفِقْهِ جِدًّا خُصُوصًا أَوَّلَهُمَا، وَكَذَا الْقَوْلُ بِأَنَّهُ إذَا خَتَمَ بِالْإِخْلَاصِ صَحَّ لِأَنَّ الرِّيَاءَ يَقْدَحُ فِي النِّيَّةِ، وَاَلَّذِي يَسْتَقِيمُ عَلَى قِيَاسِ الْفِقْهِ أَنْ يُقَالَ: إنْ كَانَ بَاعِثُهُ هُوَ مُجَرَّدُ الرِّيَاءِ فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ دُونَ طَلَبِ الثَّوَابِ وَامْتِثَالِ الْأَمْرِ لَمْ يَنْعَقِدْ افْتِتَاحُهُ، وَلَمْ يَصِحَّ مَا بَعْدَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْزِمْ بِالنِّيَّةِ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَحْرُمُ لِأَجْلِ النَّاسِ، وَإِنْ كَانَ ثَوْبُهُ نَجِسًا وَلَوْ كَانَ وَحْدَهُ لَمْ يُصَلِّ أَصْلًا، فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ إنَّهُمْ
لَوْ فُقِدُوا صَلَّى أَيْضًا صَلَاةً صَحِيحَةً إلَّا أَنَّهُ ظَهَرَ لَهُ الرَّغْبَةُ فِي الْمَحْمَدَةِ أَيْضًا فَاجْتَمَعَ الْبَاعِثَانِ، فَإِنْ كَانَ فِي نَحْوِ صَدَقَةٍ فَقَدْ عَصَى بِإِجَابَةِ بَاعِثِ الرِّيَاءِ وَأَطَاعَ بِإِجَابَةِ بَاعِثِ الثَّوَابِ:{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7]{وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 8] فَلَهُ ثَوَابٌ بِقَدْرِ قَصْدِهِ الصَّحِيحِ، وَعِقَابٌ بِقَدْرِ قَصْدِهِ الْفَاسِدِ وَلَا يُحْبِطُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، وَصَلَاةُ النَّافِلَةِ كَالصَّدَقَةِ فِيمَا ذُكِرَ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: صَلَاتُهُ فَاسِدَةٌ وَلَا الِاقْتِدَاءُ بِهِ بَاطِلٌ، وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّ قَصْدَهُ الرِّيَاءُ وَإِظْهَارُ حُسْنِ قِرَاءَتِهِ تَحْسِينًا لِلظَّنِّ بِالْمُسْلِمِ أَنَّهُ يَقْصِدُ الثَّوَابَ أَيْضًا بِتَطَوُّعِهِ فَتَصِحُّ بِاعْتِبَارِ ذَلِكَ الْقَصْدِ صَلَاتُهُ وَالِاقْتِدَاءُ بِهِ.
وَإِنْ اقْتَرَنَ بِهِ قَصْدٌ آخَرُ هُوَ عَاصٍ بِهِ، فَإِنْ اجْتَمَعَ الْبَاعِثَانِ فِي فَرْضٍ، وَكُلٌّ لَا يَسْتَقِلُّ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ الِانْبِعَاثُ بِمَجْمُوعِهِمَا فَهَذَا لَا يُسْقِطُ الْوَاجِبَ عَنْهُ، فَإِنْ اسْتَقَلَّ كُلٌّ مِنْهُمَا بِحَيْثُ لَوْ عُدِمَ بَاعِثُ الرِّيَاءِ أَدَّى الْفَرْضَ وَلَوْ عُدِمَ بَاعِثُ الْفَرْضِ أَنْشَأَ صَلَاةً لِلرِّيَاءِ فَهَذَا مَحَلُّ النَّظَرِ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ جِدًّا، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: الْوَاجِبُ صَلَاةٌ خَالِصَةٌ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَمْ تُوجَدْ، وَأَنْ يُقَالَ: الْوَاجِبُ امْتِثَالُ الْأَمْرِ بِبَاعِثٍ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ وَقَدْ وُجِدَ فَاقْتِرَانُ غَيْرِهِ بِهِ لَا يُسِيغُ سُقُوطَ الْفَرْضِ عَنْهُ كَمَا لَوْ صَلَّى فِي دَارٍ مَغْصُوبَةٍ، وَلَوْ كَانَ الرِّيَاءُ فِي نَحْوِ الْمُبَادَرَةِ إلَى الصَّلَاةِ دُونَ ذَاتِهَا قُطِعَ بِصِحَّتِهَا لِأَنَّ بَاعِثَ أَصْلِ الصَّلَاةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا صَلَاةٌ لَمْ يُعَارِضْهُ غَيْرُهُ. هَذَا فِي رِيَاءٍ بَاعِثٍ عَلَى الْعَمَلِ. فَأَمَّا مُجَرَّدُ السُّرُورِ بِإِطْلَاعِ النَّاسِ إذَا لَمْ يَبْلُغْ أَثَرُهُ بِحَيْثُ يُؤَثِّرُ فِي الْعَمَلِ فَبَعِيدٌ أَنْ يُفْسِدَ الصَّلَاةَ فَهَذَا مَا تَرَاهُ لَائِقًا بِقَانُونِ الْفِقْهِ، وَالْمَسْأَلَةُ غَامِضَةٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْفُقَهَاءَ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهَا فِي الْفِقْهِ، وَاَلَّذِينَ خَاضُوا فِيهَا لَمْ يُلَاحِظُوا قَوَانِينَ الْفُقَهَاءِ بَلْ حَمَلَهُمْ الْحِرْصُ عَلَى تَصْفِيَةِ الْقُلُوبِ وَطَلَبِ الْإِخْلَاصِ عَلَى إفْسَادِ الْعِبَادَاتِ بِأَدْنَى الْخَوَاطِرِ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ هُوَ الْقَصْدُ فِيمَا نَرَاهُ وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ انْتَهَى. وَمَرَّ آنِفًا مَا يُعْلَمُ بِهِ مَا فِي بَعْضِهِ.
وَمِنْهَا: الرِّيَاءُ يَنْقَسِمُ إلَى دَرَجَاتٍ مُتَفَاوِتَةٍ فِي الْقُبْحِ، فَأَقْبَحُهَا الرِّيَاءُ فِي الْإِيمَانِ وَهُوَ شَأْنُ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ أَكْثَرَ اللَّهُ مِنْ ذَمِّهِمْ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ وَتَوَعَّدَهُمْ بِقَوْلِهِ - عَزَّ قَائِلًا -:{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} [النساء: 145] ، وَهَؤُلَاءِ قَلُّوا مِنْ بَعْدِ زَمَنِ الصَّحَابَةِ، نَعَمْ كَثُرَ مَنْ هُوَ مِثْلُهُمْ فِي الْقُبْحِ كَالْمُعْتَقِدِينَ لِلْبِدَعِ الْمُكَفِّرَةِ كَإِنْكَارِ الْحَشْرِ أَوْ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْجُزْئِيَّاتِ، وَاعْتِقَادِ الْإِبَاحَةِ الْمُطْلَقَةِ مَعَ إظْهَارِهِمْ خِلَافَ ذَلِكَ فَلَيْسَ وَرَاءَ قَبِيحِ أَحْوَالِ هَؤُلَاءِ شَيْءٌ، وَيَلِيهِمْ الْمُرَاءُونَ بِأُصُولِ الْعِبَادَاتِ الْوَاجِبَةِ كَأَنْ
يَعْتَادَ تَرْكَهَا فِي الْخَلْوَةِ وَيَفْعَلَهَا فِي الْمَلَأِ خَوْفَ الْمَذَمَّةِ، وَهَذَا أَيْضًا عَظِيمٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى لِإِنْبَائِهِ عَلَى غَايَةِ الْجَهْلِ وَأَدَائِهِ إلَى أَعْلَى أَنْوَاعِ الْمَقْتِ، وَيَلِيهِمْ الْمُرَاءُونَ بِالنَّوَافِلِ كَأَنْ يَعْتَادَ ذَلِكَ فِيهَا وَحْدَهَا خَوْفَ الِاسْتِنْقَاصِ بِعَدَمِ فِعْلِهَا فِي الْمَلَإِ، وَإِيثَارًا لِلْكَسَلِ وَعَدَمِ الرَّغْبَةِ فِي ثَوَابِهَا فِي الْخَلْوَةِ، وَيَلِيهِمْ الْمُرَاءُونَ بِأَوْصَافِ الْعِبَادَاتِ كَتَحْسِينِهَا وَإِطَالَةِ أَرْكَانِهَا، وَإِظْهَارِ التَّخَشُّعِ فِيهَا، وَاسْتِكْمَالِ سَائِرِ مُكَمِّلَاتِهَا فِي الْمَلَإِ، وَالِاقْتِصَارِ فِي الْخَلْوَةِ عَلَى أَدْنَى وَاجِبَاتِهَا خَوْفَ إيثَارِ مَا ذُكِرَ فِي النَّوَافِلِ، فَهَذَا مَحْظُورٌ أَيْضًا لِأَنَّ فِيهِ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ تَقْدِيمَ الْمَخْلُوقِ عَلَى الْخَالِقِ، وَقَدْ يَكِيدُ الشَّيْطَانُ فَاعِلَهُ فَيُزَيِّنُ لَهُ أَنَّهُ إنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ صِيَانَةً لَهُمْ عَنْ الْوُقُوعِ فِيهِ، وَلَوْ صَدَقَ لَصَانَ نَفْسَهُ عَنْ فَوَاتِ تِلْكَ الْكِمَالَاتِ بِمَا يَفْعَلُهُ فِي خَلَوَاتِهِ؛ فَدَلَّتْ قَرَائِنُ أَحْوَالِهِ عَلَى أَنَّ بَاعِثَ ذَلِكَ لَيْسَ إلَّا النَّظَرَ إلَى الْخَلْقِ رَجَاءَ مَحْمَدَتِهِمْ لَا صِيَانَتِهِمْ.
وَلِلْمُرَائِي لِأَجْلِهِ دَرَجَاتٌ أَيْضًا، فَأَقْبَحُهَا أَنْ يَقْصِدَ التَّمَكُّنَ مِنْ مَعْصِيَةٍ كَمَنْ يُظْهِرُ الْوَرَعَ وَالزُّهْدَ حَتَّى يُعْرَفَ بِهِ فَيُوَلَّى الْمَنَاصِبَ وَالْوَصَايَا، وَتُودَعَ عِنْدَهُ الْأَمْوَالُ، أَوْ يُفَوَّضَ إلَيْهِ تَفْرِقَةُ الصَّدَقَاتِ وَقَصْدُهُ بِكُلِّ ذَلِكَ الْخِيَانَةُ فِيهِ، وَكَمَنْ يُذَكِّرُ أَوْ يَعِظُ أَوْ يُعَلِّمُ أَوْ يَتَعَلَّمُ لِلظَّفَرِ بِامْرَأَةٍ أَوْ غُلَامٍ، ثَمَّ فَهَؤُلَاءِ أَقْبَحُ الْمُرَائِينَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا طَاعَةَ رَبِّهِمْ سُلَّمًا إلَى مَعْصِيَتِهِ وَوَصْلَةً إلَى فِسْقِهِمْ وَتَسُوءُ عَاقِبَتُهُمْ.
وَيَلِيهَا مَنْ يُتَّهَمُ بِمَعْصِيَةٍ أَوْ خِيَانَةٍ فَيُظْهِرُ الطَّاعَةَ وَالصَّدَقَةَ قَصْدًا لِدَفْعِ تِلْكَ التُّهْمَةِ.
وَيَلِيهَا أَنْ يَقْصِدَ نَيْلَ حَظٍّ مُبَاحٍ مِنْ نَحْوِ مَالٍ أَوْ نِكَاحٍ، أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ حُظُوظِ الدُّنْيَا.
وَيَلِيهَا أَنْ يَقْصِدَ بِإِظْهَارِ عِبَادَتِهِ وَوَرَعِهِ وَتَخَشُّعِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ أَنْ لَا يُحْتَقَرَ وَيُنْظَرَ إلَيْهِ بِعَيْنِ النَّقْصِ، أَوْ أَنْ يُعَدَّ مِنْ جُمْلَةِ الصَّالِحِينَ وَفِي الْخَلْوَةِ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يَتْرُكَ إظْهَارَ النَّظَرِ فِي يَوْمٍ يُسَنُّ صَوْمُهُ خَشْيَةَ أَنْ يُظَنَّ بِهِ أَنَّهُ لَا اعْتِنَاءَ لَهُ بِالنَّوَافِلِ، فَهَذِهِ أُصُولُ دَرَجَاتِ الرِّيَاءِ وَمَرَاتِبُ أَصْنَافِ الْمُرَائِينَ. قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَجَمِيعُهُمْ تَحْتَ مَقْتِ اللَّهِ تَعَالَى وَغَضَبِهِ وَهُوَ مِنْ أَشَدِّ الْمُهْلِكَاتِ.
وَمِنْهَا: مَرَّ فِي الْخَبَرِ «أَنَّ مِنْ الرِّيَاءِ مَا هُوَ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ» . وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَزِلُّ فِيهِ فُحُولُ الْعُلَمَاءِ فَضْلًا عَنْ الْعِبَادِ الْجُهَلَاءِ بِآفَاتِ النُّفُوسِ وَغَوَائِلِ الْقُلُوبِ.
وَبَيَانُهُ أَنَّ الرِّيَاءَ إمَّا جَلِيٌّ وَهُوَ مَا يَحْمِلُ عَلَى الْعَمَلِ وَيَبْعَثُ عَلَيْهِ.
وَإِمَّا خَفِيٌّ وَهُوَ مَا لَا يَحْمِلُ عَلَيْهِ لَكِنَّهُ يُخَفِّفُ مَشَقَّتَهُ كَمَنْ يَعْتَادُ التَّهَجُّدَ كُلَّ لَيْلَةٍ وَيَثْقُلُ عَلَيْهِ، لَكِنَّهُ إذَا نَزَلَ بِهِ ضَيْفٌ أَوْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ أَحَدٌ نَشِطَ لَهُ وَخُفِّفَ عَلَيْهِ وَمَعَ ذَلِكَ هُوَ إنَّمَا يَعْمَلُ لِلَّهِ، وَلَوْلَا
رَجَاءُ الثَّوَابِ لَمَا صَلَّى. وَأَمَارَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ يَتَهَجَّدُ، وَإِنْ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ أَحَدٌ؛ وَأَخْفَى مِنْ هَذَا مَا لَا يَحْمِلُ عَلَى تَسْهِيلٍ، وَتَخْفِيفٍ، وَمَعَ ذَلِكَ عِنْدَهُ رِيَاءٌ كَامِنٌ فِي قَلْبِهِ كَكُمُونِ النَّارِ فِي الْحَجَرِ لَا يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ إلَّا بِالْعَلَامَاتِ، وَأَجْلَى عَلَامَاتِهِ أَنَّهُ يَسُرُّهُ اطِّلَاعُ النَّاسِ عَلَى طَاعَتِهِ وَعِبَادَتِهِ، فَرُبَّ عَبْدٍ مُخْلِصٍ فِي عَمَلِهِ يَكْرَهُ الرِّيَاءَ وَيَذُمُّهُ فَلَا يَكُونُ عِنْدَهُ مِنْهُ شَيْءٌ يَحْمِلُ عَلَى الْعَمَلِ ابْتِدَاءً وَلَا دَوَامًا، وَلَكِنَّهُ إذَا اطَّلَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ سَرَّهُ ذَلِكَ وَارْتَاحَ لَهُ وَرَوَّحَ ذَلِكَ عَنْ قَلْبِهِ شِدَّةَ الْعِبَادَةِ عَلَيْهِ، وَهَذَا السُّرُورُ يَدُلُّ عَلَى رِيَاءٍ خَفِيٍّ إذْ لَوْلَا الْتِفَاتُ الْقَلْبِ لِلنَّاسِ لَمَا ظَهَرَ سُرُورُهُ عِنْدَ اطِّلَاعِهِمْ، فَاطِّلَاعُهُمْ مَعَ عَدَمِ كَرَاهَتِهِ لَهُ حَرَّكَ مَا كَانَ سَاكِنًا، وَصَارَ غِذَاءً لِلْعِرْقِ الْخَفِيِّ مِنْ الرِّيَاءِ، وَحِينَئِذٍ يَحْمِلُ عَلَى تَكَلُّفِ سَبَبِ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ وَلَوْ بِالتَّعْرِيضِ أَوْ نَحْوِهِ كَإِظْهَارِ النُّحُولِ وَخَفْضِ الصَّوْتِ وَيُبْسِ الشَّفَتَيْنِ وَغَلَبَةِ النُّعَاسِ الدَّالِّ عَلَى طُولِ التَّهَجُّدِ.
وَأَخْفَى مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَخْتَفِيَ بِحَيْثُ لَا يُرِيدُ الِاطِّلَاعَ عَلَيْهِ وَلَا يَسُرُّهُ، وَلَكِنَّهُ يُحِبُّ أَنْ يُبْدَأَ بِالسَّلَامِ وَالتَّعْظِيمِ وَأَنْ يُقَابَلَ بِمَزِيدِ الثَّنَاءِ وَالْمُبَادَرَةِ إلَى حَوَائِجِهِ وَأَنْ يُسَامَحَ فِي مُعَامَلَتِهِ، وَأَنْ يُوَسَّعَ لَهُ الْمَكَانُ إذَا أَقْبَلَ، وَمَتَى قَصَّرَ أَحَدٌ فِي ذَلِكَ ثَقُلَ عَلَى قَلْبِهِ لِعَظَمَةِ طَاعَتِهِ الَّتِي أَخْفَاهَا عِنْدَ نَفْسِهِ فَكَأَنَّ نَفْسَهُ تَطْلُبُ أَنْ يُحْتَرَمَ فِي مُقَابَلَتِهَا، حَتَّى لَوْ فُرِضَ أَنَّهَا لَمْ تَفْعَلْ تِلْكَ الطَّاعَاتِ لَمَا كَانَتْ تَطْلُبُ ذَلِكَ الِاحْتِرَامَ، وَمَهْمَا لَمْ يَكُنْ وُجُودُ الطَّاعَةِ كَعَدَمِهَا فِي كُلِّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْخَلْقِ لَمْ يَكُنْ قَدْ قَنِعَ بِعِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَمْ يَكُنْ خَالِيًا عَنْ شَوْبٍ خَفِيٍّ مِنْ الرِّيَاءِ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ.
قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَكُلُّ ذَلِكَ يُوشِكُ أَنْ يُحْبِطَ الْأَجْرَ وَلَا يَسْلَمُ مِنْهُ إلَّا الصِّدِّيقُونَ.
وَعَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ أَنَّهُ قَالَ: إنَّ اللَّهَ عز وجل يَقُولُ لِلْقُرَّاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أَلَمْ يَكُنْ يُرَخَّصُ عَلَيْكُمْ السِّعْرُ أَلَمْ تَكُونُوا تُبْدَءُونَ بِالسَّلَامِ أَلَمْ تَكُنْ تُقْضَى لَكُمْ الْحَوَائِجُ؟ وَفِي الْحَدِيثِ: «لَا أَجْرَ لَكُمْ قَدْ اسْتَوْفَيْتُمْ أُجُورَكُمْ» وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَزَلْ الْمُخْلِصُونَ خَائِفِينَ مِنْ الرِّيَاءِ الْخَفِيِّ يَشْهَدُونَ ذَلِكَ فِي مُخَادَعَةِ النَّاسِ عَنْ أَعْمَالِهِمْ الصَّالِحَةِ يَحْرِصُونَ عَلَى إخْفَائِهَا أَعْظَمَ مَا يَحْرِصُ النَّاسُ عَلَى إخْفَاءِ فَوَاحِشِهِمْ. كُلُّ ذَلِكَ رَجَاءُ أَنْ يَخْلُصَ عَمَلُهُمْ فَيُجَازِيَهُمْ اللَّهُ فِي الْقِيَامَةِ عَلَى مَلَإٍ مِنْ الْخَلَائِقِ إذْ عَلِمُوا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَقْبَلُ فِي الْقِيَامَةِ إلَّا الْخَالِصَ، وَعَلِمُوا شِدَّةَ حَاجَتِهِمْ وَفَاقَتِهِمْ فِي الْقِيَامَةِ وَأَنْ لَا يَنْفَعَ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ، وَلَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ عَنْ وَالِدِهِ، وَيَشْتَغِلُ الصِّدِّيقُونَ بِأَنْفُسِهِمْ، فَيَقُولُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ: نَفْسِي نَفْسِي، فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِمْ،
وَكُلُّ مَنْ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ فَرْقًا بَيْنَ اطِّلَاعِ الصِّغَارِ وَالْمَجَانِينِ وَاطِّلَاعِ غَيْرِهِمْ عَلَى عِبَادَاتِهِ فَعِنْدَهُ شَوْبٌ مِنْ الرِّيَاءِ.
إذْ لَوْ عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ النَّافِعُ الضَّارُّ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَغَيْرَهُ هُوَ الْعَاجِزُ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ لَاسْتَوَى عِنْدَهُ الصِّغَارُ وَغَيْرُهُمْ، وَلَمْ تَتَأَثَّرْ نَفْسُهُ بِحُضُورِ كَبِيرِهِمْ وَلَا صَغِيرِهِمْ، وَلَيْسَ كُلُّ شَوْبٍ مِنْ الرِّيَاءِ مُفْسِدًا لِلْعَمَلِ وَمُحْبِطًا لَهُ، بَلْ السُّرُورُ إمَّا مَحْمُودٌ بِأَنْ يَشْهَدَ أَنَّ اللَّهَ أَطْلَعَهُمْ عَلَيْهِ إظْهَارًا لِجَمِيلِ أَحْوَالِهِ وَلُطْفِهِ بِهِ، فَإِنَّهُ فِي نَفْسِهِ يَسْتُرُ طَاعَتَهُ وَمَعْصِيَتَهُ، ثُمَّ اللَّهُ تَعَالَى يَسْتُرُ مَعْصِيَتَهُ وَيُظْهِرُ طَاعَتَهُ وَلَا لُطْفَ أَعْظَمَ مِنْ سَتْرِ الْقَبِيحِ، وَإِظْهَارِ الْجَمِيلِ فَيَكُونُ فَرَحُهُ بِجَمِيلِ نَظَرِ اللَّهِ وَلُطْفِهِ بِهِ لَا بِحَمْدِ النَّاسِ وَقِيَامِ الْمَنْزِلَةِ فِي قُلُوبِهِمْ:{قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} [يونس: 58] . أَوْ يَشْهَدَ أَنَّهُ لَمَّا سَتَرَ قَبِيحَهُ وَأَظْهَرَ جَمِيلَهُ فِي الدُّنْيَا فَكَذَلِكَ يَفْعَلُ مَعَهُ فِي الْآخِرَةِ. لِخَبَرِ: «مَا سَتَرَ اللَّهُ عَلَى عَبْدٍ ذَنْبًا فِي الدُّنْيَا إلَّا سَتَرَهُ عَلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ» أَوْ بِأَنْ يَظُنَّ رَغْبَةَ الْمُطَّلِعِينَ عَلَى الِاقْتِدَاءِ بِهِ فِي الطَّاعَةِ فَيَتَضَاعَفَ بِذَلِكَ أَجْرُهُ فَيَكُونَ لَهُ أَجْرُ الْعَلَانِيَةِ بِمَا ظَهَرَ آخِرًا وَأَجْرُ السِّرِّ بِمَا قَصَدَهُ أَوَّلًا، إذْ مَنْ اُقْتُدِيَ بِهِ فِي طَاعَةٍ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ الْمُقْتَدِينَ بِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَتَوَقُّعُ ذَلِكَ جَدِيرٌ بِأَنْ يَنْشَأَ عَنْهُ السُّرُورُ، فَإِنَّ ظُهُورَ مَخَايِلِ الرِّبْحِ لَذِيذٌ يُوجِبُ السُّرُورَ لَا مَحَالَةَ، أَوْ بِأَنْ يَفْرَحَ بِكَوْنِهِ - تَعَالَى - وَفَّقَهُ إلَى سَبَبٍ يَحْمَدُونَهُ عَلَيْهِ وَيُحِبُّونَهُ لِأَجْلِهِ وَلَمْ يَجْعَلْهُمْ كَجَمَاعَةٍ آخَرِينَ مُذْنِبِينَ يَهْزَئُونَ بِالْمُطِيعِينَ وَيُؤْذُونَهُمْ، وَعَلَامَةُ هَذَا الْفَرَحِ أَنْ يَكُونَ فَرَحُهُ بِحَمْدِهِمْ غَيْرَهُ كَفَرَحِهِ بِحَمْدِهِمْ لَهُ.
وَإِمَّا مَذْمُومٌ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ فَرَحُهُ لِقِيَامِ مَنْزِلَتِهِ فِي قُلُوبِهِمْ حَتَّى يُعَظِّمُوهُ وَيُكْرِمُوهُ وَيَقُومُوا لَهُ بِقَضَاءِ حَوَائِجِهِ وَهَذَا مَكْرُوهٌ، وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ فِي كَتْمِ الْعَمَلِ فَائِدَةَ الْإِخْلَاصِ وَالنَّجَاةَ مِنْ الرِّيَاءِ وَفِي إظْهَارِهِ فَائِدَةَ الِاقْتِدَاءِ وَتَرْغِيبَ النَّاسِ فِي الْخَيْرِ وَلَكِنْ فِيهِ آفَةُ الرِّيَاءِ، وَقَدْ أَثْنَى اللَّهُ عَلَى الْقِسْمَيْنِ فَقَالَ - عَزَّ قَائِلًا -:{إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 271] لَكِنَّهُ مَدَحَ الْإِسْرَارَ لِسَلَامَتِهِ مِنْ تِلْكَ الْآفَةِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي قَلَّ مَنْ يَسْلَمُ مِنْهَا.
وَقَدْ يُمْدَحُ الْإِظْهَارُ فِيمَا يَتَعَذَّرُ الْإِسْرَارُ فِيهِ كَالْغَزْوِ وَالْحَجِّ وَالْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ، فَالْإِظْهَارُ الْمُبَادَرَةُ إلَيْهِ، وَإِظْهَارُ الرَّغْبَةِ فِيهِ لِلتَّحْرِيضِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ شَائِبَةُ رِيَاءٍ.
وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ مَتَى خَلَصَ الْعَمَلُ مِنْ تِلْكَ الشَّوَائِبِ وَلَمْ يَكُنْ فِي إظْهَارِهِ إيذَاءٌ لِأَحَدٍ فَإِنْ كَانَ فِيهِ حَمْلٌ لِلنَّاسِ عَلَى الِاقْتِدَاءِ وَالتَّأَسِّي بِهِ فِي فِعْلِهِ ذَلِكَ الْخَيْرَ وَالْمُبَادَرَةِ إلَيْهِ لِكَوْنِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَوْ الصُّلَحَاءِ الَّذِينَ تُبَادِرُ الْكَافَّةُ إلَى الِاقْتِدَاءِ بِهِمْ، فَالْإِظْهَارُ
أَفْضَلُ لِأَنَّهُ مَقَامُ الْأَنْبِيَاءِ وَوُرَّاثِهِمْ وَلَا يُخَصُّونَ إلَّا بِالْأَكْمَلِ، وَلِأَنَّ نَفْعَهُ مُتَعَدٍّ وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ يَعْمَلُ بِهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» ، وَإِنْ اخْتَلَّ شَرْطٌ مِنْ ذَلِكَ فَالْإِسْرَارُ أَفْضَلُ.
وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ يُحْمَلُ إطْلَاقُ مَنْ أَطْلَقَ أَفْضَلِيَّةَ الْإِسْرَارِ.
نَعَمْ مَرْتَبَةُ الْإِظْهَارِ الْفَاضِلِ مَزَلَّةُ قَدَمٍ لِلْعِبَادِ وَالْعُلَمَاءِ فَإِنَّهُمْ يَتَشَبَّهُونَ بِالْأَقْوِيَاءِ فِي الْإِظْهَارِ وَلَا تَقْوَى قُلُوبُهُمْ عَلَى الْإِخْلَاصِ فَتَحْبَطُ أُجُورُهُمْ بِالرِّيَاءِ، وَالتَّفَطُّنُ لِذَلِكَ غَامِضٌ وَعَلَامَةُ الْحَقِّ فِيهِ أَنَّ مَنْ قَامَ بِهِ مَعَ عِلْمِهِ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّ غَيْرَهُ لَوْ قَامَ بِهِ مِثْلُهُ مِنْ أَقْرَانِهِ لَمْ يَتَأَثَّرْ بِهِ كَانَ مُخْلِصًا، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ مِنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ كَانَ مُرَائِيًا، إذْ لَوْلَا مُلَاحَظَةُ نَظَرِهِ لِلْخَلْقِ لَمَا آثَرَ نَفْسَهُ عَلَى غَيْرِهِ مَعَ عِلْمِهِ بِكِفَايَةِ غَيْرِهِ، فَلْيَحْذَرْ الْعَبْدُ خُدَعَ النَّفْسِ فَإِنَّهَا خَدُوعٌ، وَالشَّيْطَانُ مُتَرَصِّدٌ، وَحُبُّ الْجَاهِ عَلَى الْقَلْبِ غَالِبٌ وَقَلَّمَا تَسْلَمُ الْأَعْمَالُ الظَّاهِرَةُ عَنْ الْآفَاتِ وَالْأَخْطَارِ.
فَالسَّلَامَةُ الْإِخْفَاءُ، وَمِنْ الْإِظْهَارِ التَّحَدُّثُ بِالْعَمَلِ بَعْدَ فَرَاغِهِ، بَلْ هَذَا أَشَدُّ خَطَرًا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ قَدْ يَجْرِي عَلَى اللِّسَانِ زِيَادَةٌ أَوْ مُبَالَغَةٌ وَلِلنَّفْسِ لَذَّةٌ فِي إظْهَارِ الدَّعَاوَى، وَأَهْوَنُ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الرِّيَاءَ بِهِ لَا يُحْبِطُ مَا مَضَى خَالِصًا.
وَاعْلَمْ أَنَّ كَثِيرِينَ رُبَّمَا يَتْرُكُونَ الطَّاعَاتِ خَوْفَ الرِّيَاءِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَحْمُودٍ مُطْلَقًا، فَإِنَّ الْأَعْمَالَ إمَّا لَازِمَةٌ لِلْبَدَنِ لَا تَتَعَلَّقُ بِالْغَيْرِ وَلَا لَذَّةَ فِي عَيْنِهَا كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ، فَإِنْ كَانَ بَاعِثُ الِابْتِدَاءِ فِيهَا رُؤْيَةَ النَّاسِ وَحْدَهَا فَهَذَا مَحْضُ مَعْصِيَةٍ فَيَجِبُ تَرْكُهُ وَلَا رُخْصَةَ فِيهَا عَلَى هَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ الْبَاعِثُ نِيَّةَ التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى؛ لَكِنْ عَرَضَ الرِّيَاءُ عِنْدَ عَقْدِهَا شَرَعَ فِيهَا وَجَاهَدَ نَفْسَهُ فِي دَفْعِ ذَلِكَ الْعَارِضِ، وَكَذَا لَوْ عَرَضَ فِي أَثْنَائِهَا فَيَرُدُّ نَفْسَهُ لِلْإِخْلَاصِ قَهْرًا حَتَّى يُتِمَّهَا فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْعُوك أَوَّلًا إلَى التَّرْكِ، فَإِذَا عَصَيْتَهُ وَعَزَمْتَ وَشَرَعْتَ دَعَاك لِلرِّيَاءِ، فَإِذَا أَعْرَضْتَ عَنْهُ وَجَاهَدْتَهُ إلَى أَنْ فَرَغْتَ نَدَمَكَ حِينَئِذٍ، وَقَالَ: لَك أَنْتَ مُرَاءٍ، وَلَا يَنْفَعُك اللَّهُ بِهَذَا الْعَمَلِ شَيْئًا حَتَّى تَتْرُكَ الْعَوْدَ إلَى مِثْلِ ذَلِكَ الْعَمَلِ فَيَحْصُلَ غَرَضُهُ مِنْك فَكُنْ مِنْهُ عَلَى حَذَرٍ فَإِنَّهُ لَا أَمْكَرَ مِنْهُ، وَأَلْزِمْ قَلْبَك الْحَيَاءَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى إذْ أَوْجَدَ فِيك بَاعِثًا دِينِيًّا عَلَى الْعَمَلِ فَلَمْ تَتْرُكْهُ بَلْ جَاهَدْتَ نَفْسَك فِي الْإِخْلَاصِ فِيهِ وَلَمْ تَغْتَرَّ بِمَكَائِدِ عَدُوِّك وَعَدُوِّ أَبِيك آدَمَ صلى الله عليه وسلم.
وَإِمَّا مُتَعَلِّقَةٌ بِالْخَلْقِ وَهَذِهِ تَعْظُمُ فِيهَا الْآفَاتُ وَالْأَخْطَارُ فَأَعْظَمُهَا الْخِلَافَةُ، ثُمَّ الْقَضَاءُ، ثُمَّ التَّذْكِيرُ وَالتَّدْرِيسُ وَالْإِفْتَاءُ، ثُمَّ إنْفَاقُ الْمَالِ فَمَنْ لَا تَسْتَمِيلُهُ الدُّنْيَا وَلَا يَسْتَفِزُّهُ الطَّمَعُ وَلَا تَأْخُذُهُ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ وَأَعْرَضَ عَنْ الدُّنْيَا وَأَهْلِهَا جُمْلَةً وَلَا يَتَحَرَّكُ إلَّا لِلْحَقِّ وَلَا يَسْكُنُ إلَّا لَهُ
هُوَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَاتِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالْأُخْرَوِيَّةِ، وَمَنْ فُقِدَ فِيهِ شَرْطٌ مِنْ ذَلِكَ فَالْوِلَايَاتُ بِأَقْسَامِهَا الْمَذْكُورَةِ عَلَيْهِ ضَرَرٌ أَيُّ ضَرَرٍ فَلْيُمْسِكْ عَنْهَا وَلَا يَغْتَرَّ، فَإِنَّ نَفْسَهُ تُسَوِّلُ لَهُ الْعَدْلَ فِيهَا وَالْقِيَامَ بِحُقُوقِهَا وَعَدَمَ الْمَيْلِ إلَى شَوَائِبِ الرِّيَاءِ وَالطَّمَعِ فَإِنَّهَا كَاذِبَةٌ فِي ذَلِكَ فَلْيَحْذَرْ مِنْهَا فَإِنَّهُ لَا أَلَذَّ عِنْدَهَا مِنْ الْجَاهِ وَالْوِلَايَاتِ فَرُبَّمَا حَمَلَتْهَا مَحَبَّةُ ذَلِكَ عَلَى هَلَاكِهَا.
وَمِنْ ثَمَّ اسْتَأْذَنَ رَجُلٌ عُمَرَ رضي الله عنه أَنْ يَعِظَ النَّاسَ إذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ فَمَنَعَهُ، فَقَالَ: تَمْنَعُنِي مِنْ نُصْحِ النَّاسِ؟ فَقَالَ: أَخْشَى أَنْ نَنْتَفِخَ حَتَّى تَبْلُغَ الثُّرَيَّا، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَغْتَرَّ الْإِنْسَانُ بِمَا جَاءَ فِي فَضَائِلِ التَّذْكِيرِ بِاَللَّهِ وَالْعِلْمِ لِأَنَّ خَطَرَهُ عَظِيمٌ، وَلَسْنَا نَأْمُرُ أَحَدًا بِتَرْكِهِ إذْ لَيْسَ فِيهِ نَفْسِهِ آفَةٌ إنَّمَا الْآفَةُ فِي إظْهَارِهِ بِالتَّصَدِّي لَهُ وَعْظًا، وَإِقْرَاءً وَإِفْتَاءً وَرِوَايَةً، وَلَا يَتْرُكُ التَّصَدِّي لَهُ مَا دَامَ يَجِدُ فِي نَفْسِهِ بَاعِثًا دِينِيًّا، وَإِنْ مُزِجَ بِشَيْءٍ مِنْ رِيَاءٍ بَلْ نَأْمُرُهُ بِهِ مَعَ مُجَاهَدَةِ نَفْسِهِ عَلَى الْإِخْلَاصِ وَالتَّنَزُّهِ عَنْ خَطَرَاتِ الرِّيَاءِ فَضْلًا عَنْ شَوَائِبِهِ. فَالْأُمُورُ ثَلَاثَةٌ: الْوِلَايَاتُ وَهِيَ أَعْظَمُهَا آفَةً فَلْيَتْرُكْهَا الضُّعَفَاءُ رَأْسًا، وَالصَّلَوَاتُ وَنَحْوُهَا فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتْرُكَهَا الضُّعَفَاءُ وَلَا الْأَقْوِيَاءُ، وَلَكِنْ يُجَاهِدُونَ فِي دَفْعِ شَوَائِبِ الرِّيَاءِ عَنْهَا، وَالتَّصَدِّي لِلْعُلُومِ، وَهِيَ مَرْتَبَةٌ وُسْطَى بَيْنَ تَيْنِكَ الْمَرْتَبَتَيْنِ لَكِنَّهَا بِالْوِلَايَاتِ أَشْبَهُ، وَإِلَى الْآفَاتِ أَقْرَبُ فَالْحَذَرُ مِنْهَا فِي حَقِّ الضَّعِيفِ أَسْلَمُ.
وَبَقِيَتْ مَرْتَبَةٌ رَابِعَةٌ وَهِيَ جَمْعُ الْمَالِ، وَإِنْفَاقُهُ، فَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ فَضَّلَهُ عَلَى الِاشْتِغَالِ بِالذِّكْرِ وَالنَّوَافِلِ، وَمِنْهُمْ مَنْ عَكَسَ؛ وَالْحَقُّ أَنَّ فِيهِ آفَاتٍ عَظِيمَةً كَطَلَبِ الثَّنَاءِ، وَاسْتِجْلَابِ الْقُلُوبِ وَتَمَيُّزِ النَّفْسِ بِالْإِعْطَاءِ، فَمَنْ خَلَصَ مِنْ تِلْكَ الْآفَاتِ فَالْجَمْعُ وَالْإِنْفَاقُ لَهُ أَفْضَلُ لِمَا فِيهِ مِنْ وَصْلِ الْمُنْقَطِعِينَ وَكِفَايَةِ الْمُسْتَحِقِّينَ وَالتَّقَرُّبِ بِبِرِّهِمْ إلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَمَنْ لَمْ يَخْلُصْ مِنْهَا فَالْأَوْلَى لَهُ مُلَازَمَةُ الْعِبَادَاتِ، وَاسْتِفْرَاغُ الْوُسْعِ فِيمَا لَهَا مِنْ الْأَدَبِ وَالْمُكَمِّلَاتِ.
وَمِنْ عَلَامَاتِ إخْلَاصِ الْعَالِمِ فِي عِلْمِهِ أَنَّهُ لَوْ ظَهَرَ مَنْ هُوَ أَحْسَنُ مِنْهُ وَعْظًا وَأَغْزَرُ مِنْهُ عِلْمًا وَالنَّاسُ لَهُ أَشَدُّ قَبُولًا فَرِحَ بِهِ وَلَمْ يَحْسُدْهُ، نَعَمْ لَا بَأْسَ بِالْغِبْطَةِ وَهُوَ أَنْ يَتَمَنَّى لِنَفْسِهِ مِثْلَ عِلْمِهِ؛ وَأَنَّهُ لَوْ حَضَرَ الْأَكَابِرُ مَجْلِسَهُ لَمْ يَتَغَيَّرْ كَلَامُهُ بَلْ يَكُونُ نَاظِرًا لِلْخَلْقِ كُلِّهِمْ بِعَيْنٍ وَاحِدَةٍ وَأَنْ لَا يُحِبَّ اتِّبَاعَ النَّاسِ لَهُ فِي الطُّرُقَاتِ.
وَمِنْهَا: قَدْ بَانَ لَك بِمَا سَبَقَ مِنْ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ وَكَلَامِ الْأَئِمَّةِ أَنَّ الرِّيَاءَ مُحْبِطٌ لِلْأَعْمَالِ، وَسَبَبٌ لِلْمَقْتِ عِنْدَ اللَّهِ، وَاللَّعْنِ وَالطَّرْدِ وَأَنَّهُ مِنْ كَبَائِرِ الْمُهْلِكَاتِ.
وَمَا هَذَا
وَصْفُهُ فَجَدِيرٌ بِأَنْ يُشَمِّرَ كُلُّ مُوَفَّقٍ عَنْ سَاقِ الْجِدِّ فِي إزَالَتِهِ بِالْمُجَاهَدَةِ وَتَحَمُّلِ الْمَشَاقِّ الشَّدِيدَةِ وَالْمُكَابَدَةِ لِقُوَّةِ الشَّهَوَاتِ، إذْ لَا يَنْفَكُّ أَحَدٌ عَنْ الِاحْتِيَاجِ لِذَلِكَ إلَّا مَنْ رُزِقَ قَلْبًا سَلِيمًا نَقِيًّا خَالِصًا عَنْ شَوَائِبِ مُلَاحَظَةِ الْأَغْرَاضِ وَالْمَخْلُوقِينَ، وَمُسْتَغْرِقًا دَائِمًا فِي شُهُودِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَقَلِيلٌ مَا هُمْ. وَإِلَّا فَغَالِبُ الْخَلْقِ إنَّمَا طُبِعَ عَلَيْهِ، إذْ الصَّبِيُّ يُخْلَقُ ضَعِيفَ الْعَقْلِ، مُمْتَدَّ الْعَيْنِ لِلْخَلْقِ، كَثِيرَ الطَّمَعِ فِيهِمْ، فَيَرَى بَعْضَهُمْ يَتَصَنَّعُ لِبَعْضٍ فَيَغْلِبُ عَلَيْهِ حُبُّ التَّصَنُّعِ بِالضَّرُورَةِ وَيَتَرَسَّخُ ذَلِكَ فِي نَفْسِهِ؛ فَإِذَا كَمُلَ عَقْلُهُ وَوُفِّقَ لِاتِّبَاعِ الْحَقِّ رَأَى ذَلِكَ مَرَضًا مُهْلِكًا فَاحْتَاجَ إلَى دَوَاءٍ يُزِيلُهُ وَيَقْطَعُ عُرُوقَهُ بِاسْتِئْصَالِ أُصُولِهِ مِنْ حُبِّ لَذَّةِ الْمَحْمَدَةِ وَالْجَاهِ وَالطَّمَعِ فِيمَا بِأَيْدِي النَّاسِ، وَذَلِكَ الدَّوَاءُ النَّافِعُ هُوَ أَنْ يُعْرِضَ عَنْ رَغْبَتِهِ فِي كُلِّ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَضَرَّةِ، وَفَوَاتِ صَلَاحِ الْقَلْبِ، وَحِرْمَانِ التَّوْفِيقِ فِي الْحَالِ وَالْمَنْزِلَةِ الرَّفِيعَةِ فِي الْآخِرَةِ، وَالْعِقَابِ الْعَظِيمِ وَالْمَقْتِ الشَّدِيدِ وَالْخِزْيِ الظَّاهِرِ، حَيْثُ يُنَادَى عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ وَيُقَالُ لِلْمُرَائِي: يَا فَاجِرُ، يَا غَادِرُ، يَا مُرَائِي أَمَا اسْتَحْيَيْتَ إذَا اشْتَرَيْتَ بِطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، رَاقَبْتَ قُلُوبَ الْعِبَادِ وَاسْتَهْزَأْتَ بِنَظَرِ اللَّهِ تَعَالَى وَطَاعَتِهِ، وَتَحَبَّبْتَ إلَى الْعِبَادِ بِالتَّبْغِيضِ إلَى اللَّهِ - تَعَالَى -، وَتَزَيَّنْتَ لَهُمْ بِالشَّيْنِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، وَتَقَرَّبْتَ إلَيْهِمْ بِالْبُعْدِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى.
وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الرِّيَاءِ إلَّا إحْبَاطُ عِبَادَةٍ وَاحِدَةٍ لَكَفَى فِي شُؤْمِهِ وَضَرَرِهِ، فَقَدْ يَحْتَاجُ الْإِنْسَانُ فِي الْآخِرَةِ إلَى عِبَادَةٍ تَرْجَحُ بِهَا كِفَّةُ حَسَنَاتِهِ، وَإِلَّا ذُهِبَ بِهِ إلَى النَّارِ، وَمَنْ طَلَبَ رِضَا الْخَلْقِ فِي سَخَطِ اللَّهِ تَعَالَى سَخِطَ عَلَيْهِ وَأَسْخَطَهُمْ عَلَيْهِ أَيْضًا عَلَى أَنَّ رِضَاهُمْ غَايَةٌ لَا تُدْرَكُ وَمَا أَرْضَى قَوْمًا إلَّا أَغْضَبَ آخَرِينَ، ثُمَّ أَيُّ غَرَضٍ لَهُ فِي مَدْحِهِمْ وَإِيثَارِهِ عَلَى ذَمِّ اللَّهِ وَغَضَبِهِ مَعَ أَنَّ مَدْحَهُمْ لَا يُفِيدُهُ نَفْعًا وَلَا يَدْفَعُ عَنْهُ ضُرًّا، وَإِنَّمَا ذَلِكَ اللَّهُ وَحْدَهُ فَهُوَ الْمُسْتَحِقُّ لَأَنْ يُقْصَدَ وَحْدَهُ إذْ هُوَ الْمُسَخِّرُ لِلْقُلُوبِ بِالْمَنْعِ وَالْإِعْطَاءِ فَلَا رَازِقَ وَلَا مُعْطِيَ وَلَا ضَارَّ وَلَا نَافِعَ إلَّا هُوَ عز وجل، وَلَا يَخْلُو الطَّامِعُ فِي الْخَلْقِ مِنْ الذُّلِّ وَالْخَيْبَةِ أَوْ مِنْ الْمِنَّةِ وَالْمَهَانَةِ، فَكَيْفَ يَتْرُكُ مَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى بِرَجَاءٍ كَاذِبٍ وَوَهْمٍ فَاسِدٍ قَدْ يُصِيبُ وَقَدْ يُخْطِئُ، عَلَى أَنَّهُمْ لَوْ اطَّلَعُوا عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ مِنْ الرِّيَاءِ لَطَرَدُوهُ وَمَقَتُوهُ وَذَمُّوهُ وَأَحْرَمُوهُ، وَمَنْ نَظَرَ لِذَلِكَ بِعَيْنِ الْبَصِيرَةِ فَتَرَتْ رَغْبَتُهُ فِي الْخَلْقِ وَأَقْبَلَ عَلَى الصِّدْقِ، فَهَذَا دَوَاءٌ عِلْمِيٌّ وَثَمَّ دَوَاءٌ عَمَلِيٌّ وَهُوَ أَنْ يَتَعَوَّدَ إخْفَاءَ الْعِبَادَاتِ كَإِخْفَاءِ الْفَوَاحِشِ حَتَّى يَقْنَعَ قَلْبُهُ بِعِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَاطِّلَاعِهِ عَلَيْهِ وَلَا تُنَازِعَهُ نَفْسُهُ إلَى طَلَبِ عِلْمِ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ.
وَيُكَلَّفُ الْإِخْفَاءَ كَذَلِكَ، وَإِنْ شَقَّ ابْتِدَاءً، لَكِنْ مَنْ صَبَرَ عَلَيْهِ مُدَّةً بِالتَّكَلُّفِ سَقَطَ