الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيُخْرِجُهُ عَنْ حَيِّزِ الِاعْتِدَالِ وَيُوقِعُهُ فِي أَشَرِّ السَّبِّ وَالشَّتْمِ وَغَيْرِهِمَا وَهَذَا أَذًى شَدِيدٌ وَخُلُقٌ قَبِيحٌ، وَمَعَاصٍ مُتَعَدِّدَةٌ جَرَّ إلَيْهَا الْإِلْحَاحُ وَحَمَلَ عَلَيْهَا وَكَانَ سَبَبًا فِيهَا، فَظَهَرَ مَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّهُ حِينَئِذٍ كَبِيرَةٌ.
خَاتِمَةٌ: أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: «كَانَ صلى الله عليه وسلم يُعْطِينِي الْعَطَاءَ فَأَقُولُ أَعْطِهِ مَنْ هُوَ أَفْقَرُ إلَيْهِ مِنِّي، قَالَ فَقَالَ خُذْهُ؛ إذَا جَاءَك مِنْ هَذَا الْمَالِ شَيْءٌ وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ وَلَا سَائِلٍ فَخُذْهُ فَتَمَوَّلْهُ، فَإِنْ شِئْت كُلْهُ وَإِنْ شِئْت تَصَدَّقْ بِهِ وَمَا لَا لَا تُتْبِعْهُ نَفْسَك» . قَالَ وَلَدُهُ سَالِمٌ فَلِأَجْلِ ذَلِكَ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ لَا يَسْأَلُ أَحَدًا شَيْئًا وَلَا يَرُدُّ شَيْئًا أُعْطِيَهُ.
وَرَوَى مَالِكٌ مُرْسَلًا وَالْبَيْهَقِيُّ مَوْصُولًا: أَنَّ «عُمَرَ أَرْسَلَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِعَطَاءٍ فَرَدَّهُ، فَقَالَ لَهُ: لِمَ رَدَدْته؟ فَقَالَ أَلَيْسَ أَخْبَرْتنَا أَنَّ خَيْرًا لِأَحَدٍ أَنْ لَا يَأْخُذَ مِنْ أَحَدٍ شَيْئًا؟ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: إنَّمَا ذَلِكَ عَنْ الْمَسْأَلَةِ، وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ فَإِنَّمَا ذَلِكَ رِزْقٌ يَرْزُقُهُ اللَّهُ، فَقَالَ عُمَرُ: أَمَا وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا أَسْأَلُ أَحَدًا شَيْئًا وَلَا يَأْتِينِي بِشَيْءٍ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ إلَّا أَخَذْته» .
وَصَحَّ: «مَنْ بَلَغَهُ عَنْ أَخِيهِ مَعْرُوفٌ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ وَلَا إشْرَافِ نَفْسٍ فَلْيَقْبَلْهُ وَلَا يَرُدَّهُ فَإِنَّمَا هُوَ رِزْقُهُ سَاقَهُ اللَّهُ عز وجل إلَيْهِ.» وَصَحَّ أَيْضًا «مَنْ آتَاهُ اللَّهُ شَيْئًا مِنْ هَذَا الْمَالِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْأَلَهُ فَلْيَقْبَلْهُ فَإِنَّمَا هُوَ رِزْقُهُ سَاقَهُ اللَّهُ إلَيْهِ» . وَصَحَّ أَيْضًا: «مَنْ عُرِضَ لَهُ مِنْ هَذَا الرِّزْقِ شَيْءٌ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ وَإِشْرَافِ نَفْسٍ فَلْيَتَوَسَّعْ بِهِ فِي رِزْقِهِ، فَإِنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيُوَجِّهْهُ إلَى مَنْ هُوَ أَحْوَجُ إلَيْهِ مِنْهُ» . وَسَأَلَ عَبْدُ اللَّهِ أَبَاهُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَنْ الْإِشْرَافِ فَقَالَ: " تَقُولُ فِي نَفْسِك سَيَبْعَثُ إلَيَّ فُلَانٌ سَيَصِلُنِي فُلَانٌ " وَوَرَدَ: «مَا الَّذِي يُعْطِي بِسَعَةٍ بِأَفْضَلَ مِنْ الَّذِي يَقْبَلُ إذَا كَانَ مُحْتَاجًا» .
[الْكَبِيرَةُ الرَّابِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ مَنْعُ الْإِنْسَانِ لِقَرِيبِهِ مِمَّا سَأَلَهُ]
مَنْعُ الْإِنْسَانِ لِقَرِيبِهِ أَوْ مَوْلَاهُ مِمَّا سَأَلَهُ فِيهِ لِاضْطِرَارِهِ إلَيْهِ مَعَ قُدْرَةِ الْمَانِعِ عَلَيْهِ وَعَدَمِ عُذْرٍ لَهُ فِي الْمَنْعِ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَالْكَبِيرِ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ ذِي رَحِمٍ يَأْتِي ذُو رَحِمِهِ فَيَسْأَلُهُ فَضْلًا أَعْطَاهُ اللَّهُ إيَّاهُ فَيَبْخَلُ عَلَيْهِ إلَّا أَخْرَجَ اللَّهُ مِنْ جَهَنَّمَ حَيَّةً يُقَالُ لَهَا شُجَاعٌ يَتَلَمَّظُ فَيُطَوَّقُ
بِهِ» وَالتَّلَمُّظُ تَطَعُّمُ مَا يَبْقَى فِي الْفَمِ مِنْ آثَارِ الطَّعَامِ.
وَأَبُو دَاوُد وَاللَّفْظُ لَهُ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ، عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ:«قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ: مَنْ أَبَرُّ؟ قَالَ أُمَّك ثُمَّ أُمَّك ثُمَّ أَبَاك ثُمَّ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ» .
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَسْأَلُ رَجُلٌ مَوْلَاهُ مِنْ فَضْلِ مَا هُوَ عِنْدَهُ فَيَمْنَعُهُ إيَّاهُ إلَّا دَعَا لَهُ فَضْلُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِي مَنَعَهُ شُجَاعًا أَقْرَعَ» .
قَالَ أَبُو دَاوُد: الْأَقْرَعُ الَّذِي ذَهَبَ شَعَرُ رَأْسِهِ مِنْ السُّمِّ.
وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الصَّغِيرِ وَالْأَوْسَطِ وَهُوَ غَرِيبٌ: «أَيُّمَا رَجُلٍ أَتَاهُ ابْنُ عَمِّهِ يَسْأَلُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَمَنَعَهُ مَنَعَهُ اللَّهُ فَضْلَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» الْحَدِيثَ.
تَنْبِيهٌ: عَدُّ مَا ذَكَرْته فِي التَّرْجَمَةِ بِشُرُوطِهِ مِنْ الْكَبَائِرِ وَاضِحٌ جَلِيٌّ وَعَلَيْهِ تُجْرَى هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الْمُتَضَمِّنَةُ لِذَلِكَ الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ إذْ لَا تُعْلِمُ أَحَدًا، قَالَ بِظَاهِرِهَا عَلَى إطْلَاقِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ الَّتِي لَا تُطَاقُ، بَلْ تَكُونُ الصَّدَقَةُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ أَفْضَلَ مِنْهَا عَلَى الْقَرِيبِ لِصَلَاحِ الْأَجْنَبِيِّ وَفِسْقِ الْقَرِيبِ وَلِتَحَقُّقِ أَنَّ ذَاكَ يَصْرِفُهَا فِي طَاعَةٍ وَهَذَا يَصْرِفُهَا فِي مَعْصِيَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ.
فَإِنْ قُلْت: إذَا فَرَضْت الْمَنْعَ لِمُضْطَرٍّ فَلَا فَرْقَ فِي كَوْنِهِ كَبِيرَةً بَيْنَ الْمَوْلَى وَالْقَرِيبِ وَغَيْرِهِمَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ؟ قُلْت: هُوَ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ وَجْهُ الْفَرْقِ مَا هُوَ مَعْلُومٌ مِمَّا مَرَّ أَنَّ الْكَبَائِرَ بَعْضُهَا أَقْبَحُ مِنْ بَعْضٍ، فَالْمَنْعُ لِلْمُضْطَرِّ وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ كَبِيرَةٌ إلَّا أَنَّ لِمَوْلَاهُ وَقَرِيبِهِ الَّذِي تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ أَشَدُّ وَأَقْبَحُ مِنْ مُطْلَقِ الْقَرِيبِ، وَهُوَ مِنْ سَائِرِ الْأَجَانِبِ لِأُمُورٍ: مِنْهَا: وُجُوبُ نَفَقَتِهِ عَلَيْهِ، وَمِنْهَا: شِدَّةُ تَعَلُّقِهِ بِهِ، وَمِنْهَا: قَطْعُهُ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ