الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ» مَعْنَاهُ أَنَّهُمَا لَمْ يُعَذَّبَا فِي أَمْرٍ كَانَ يَكْبُرُ عَلَيْهِمَا، أَوْ يَشُقُّ فِعْلُهُ لَوْ أَرَادَا أَنْ يَفْعَلَاهُ وَهُوَ التَّنَزُّهُ مِنْ الْبَوْلِ وَتَرْكُ النَّمِيمَةِ، وَلَمْ يُرِدْ أَنَّ الْمَعْصِيَةَ فِي هَاتَيْنِ الْخَصْلَتَيْنِ لَيْسَتْ بِكَبِيرَةٍ فِي حَقِّ الدِّينِ وَأَنَّ الذَّنْبَ فِيهِمَا هَيِّنٌ سَهْلٌ.
قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ: وَلِخَوْفِ تَوَهُّمِ مِثْلِ هَذَا اسْتَدْرَكَ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ بَلَى إنَّهُ كَبِيرٌ. وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ لِقَوْلِ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ بِأَنْ يَمْشِيَ خُطُوَاتٍ أَوْ يَنْتُرَ ذَكَرَهُ أَوْ يَتَنَحْنَحَ، وَقَدْ جَرَتْ لِكُلِّ إنْسَانٍ عَادَةٌ فِي الِاسْتِبْرَاءِ لَا تَخْرُجُ فَضَلَاتُ بَوْلِهِ إلَّا بِهَا، فَلْيَفْعَلْ كُلُّ إنْسَانٍ عَادَتَهُ لَكِنْ لَا يَنْبَغِي لَهُ الِاسْتِقْصَاءُ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُورِثْ الْوَسْوَاسَ وَيَضُرُّ بِهِ سِيَّمَا بِالذَّكَرِ إذَا أَكْثَرَ مِنْ جَذْبِهِ، وَكَذَلِكَ يَتَعَيَّنُ عَلَى الْإِنْسَانِ فِي غَائِطِهِ أَنْ يُبَالِغَ فِي غَسْلِ مَحَلِّهِ وَأَنْ يَسْتَرْخِيَ قَلِيلًا حَتَّى يَغْسِلَ مَا فِي تَضَاعِيفِ شَرْجِ حَلْقَةِ دُبُرِهِ، فَإِنَّ كَثِيرِينَ مِمَّنْ لَا يَسْتَرْخُونَ وَلَا يُبَالِغُونَ فِي غَسْلِ ذَلِكَ الْمَحَلِّ يُصَلُّونَ بِالنَّجَاسَةِ فَيَحْصُلُ لَهُمْ ذَلِكَ الْوَعِيدُ الشَّدِيدُ الْمَذْكُورُ فِي تِلْكَ الْأَحَادِيثِ، لِأَنَّهُ إذَا تَرَتَّبَ عَلَى الْبَوْلِ فَلَأَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَى الْغَائِطِ مِنْ بَابِ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَقْذَرُ وَأَفْحَشُ.
وَقَدْ حَكَى الْأَئِمَّةُ أَنَّ ابْنَ أَبِي زَيْدٍ الْمَالِكِيَّ رُئِيَ فِي النَّوْمِ فَقِيلَ لَهُ مَا فَعَلَ اللَّهُ بِك؟ قَالَ: غَفَرَ لِي، قِيلَ: بِمَاذَا؟ قَالَ: بِقَوْلِي فِي الرِّسَالَةِ فِي بَابِ الِاسْتِنْجَاءِ وَأَنْ يَسْتَرْخِيَ قَلِيلًا وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ قَالَهَا، أَيْ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا أَرْخَى مَقْعَدَتَهُ قَلِيلًا ظَهَرَتْ تِلْكَ التَّضَاعِيفُ وَالتَّثَنِّي الَّذِي فِي فَمِ الدُّبُرِ فَيَصِلُهُ الْمَاءُ وَيُنَقِّي مَا فِيهِ بِخِلَافِ مَا إذَا غَسَلَهُ بِدُونِ ذَلِكَ، وَالْوَاجِبُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَغْسِلَ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ زَوَالُ عَيْنِ النَّجَاسَةِ وَآثَارِهَا عَنْ جَمِيعِ حَدِّ الظَّاهِرِ، وَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ زَوَالُ ذَلِكَ ثُمَّ شَمَّ فِي يَدِهِ رِيحَ النَّجَاسَةِ فَإِنْ كَانَ فِي جِرْمِ الْيَدِ الْمُبَاشِرِ لَلْمَحَلِّ وَجَبَ غَسْلُهُ لِأَنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى نَجَاسَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَشُمَّهَا مِنْ ذَلِكَ كَأَنْ شَمَّهَا مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ أَوْ شَكَّ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا غَسْلُ يَدِهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الرِّيحَ فِي الْمَحَلِّ الَّذِي لَمْ يُبَاشِرْ الدُّبُرَ.
[بَابُ الْوُضُوءِ]
[الْكَبِيرَةُ الثَّانِيَةُ وَالسَّبْعُونَ تَرْكُ شَيْءٍ مِنْ وَاجِبَاتِ الْوُضُوءِ]
بَابُ الْوُضُوءِ (الْكَبِيرَةُ الثَّانِيَةُ وَالسَّبْعُونَ: تَرْكُ شَيْءٍ مِنْ وَاجِبَاتِ الْوُضُوءِ) أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ لَمْ يُخَلِّلْ أَصَابِعَهُ بِالْمَاءِ خَلَّلَهَا اللَّهُ بِالنَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَرَوَاهُ فِي الْأَوْسَطِ مَرْفُوعًا وَفِي الْكَبِيرِ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ بِإِسْنَادٍ
حَسَنٍ بِلَفْظِ: «لَتَنْهَكُنَّ الْأَصَابِعَ بِالطَّهُورِ أَوْ لَتَنْهَكُنَّهَا النَّارُ» النَّهْكُ: الْمُبَالَغَةُ: أَيْ لَتُبَالِغُنَّ فِي غَسْلِهَا أَوْ لَتُبَالِغَنَّ النَّارُ فِي إحْرَاقِهَا، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ فِي الْكَبِيرِ مَوْقُوفًا:«خَلِّلُوا الْأَصَابِعَ الْخَمْسَ لَا يَحْشُوهَا اللَّهُ نَارًا» .
وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ «صلى الله عليه وسلم رَأَى رَجُلًا لَمْ يَغْسِلْ عَقِبَيْهِ فَقَالَ: وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ» ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا: أَنَّهُ رَأَى قَوْمًا يَتَوَضَّئُونَ مِنْ الْمِطْهَرَةِ فَقَالَ: أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ فَإِنِّي سَمِعْت أَبَا الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ، أَوْ وَيْلٌ لِلْعَرَاقِيبِ مِنْ النَّارِ» . وَفِي رِوَايَةٍ مَوْقُوفَةٍ لِأَحْمَدَ وَمَرْفُوعَةٍ لِلطَّبَرَانِيِّ فِي الْكَبِيرِ وَابْنِ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ: «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ وَبُطُونِ الْأَقْدَامِ مِنْ النَّارِ» . وَفِي أُخْرَى لِلطَّبَرَانِيِّ فِي سَنَدِهَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ «أَبِي الْهَيْثَمِ رضي الله عنه قَالَ: رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَتَوَضَّأُ فَقَالَ بَطْنَ الْقَدَمِ يَا أَبَا الْهَيْثَمِ» . وَرَوَى مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَاللَّفْظُ لَهُ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَكَذَا الْبُخَارِيُّ بِنَحْوِهِ: أَنَّهُ «صلى الله عليه وسلم رَأَى قَوْمًا وَأَعْقَابُهُمْ تَلُوحُ فَقَالَ: وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ» .
وَرَوَى أَحْمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ فِي صَلَاتِهِ بِسُورَةِ الرُّومِ فَلَبَسَ بَعْضُهَا فَقَالَ: إنَّمَا لَبَسَ عَلَيْنَا الشَّيْطَانُ الْقِرَاءَةَ مِنْ أَجْلِ أَقْوَامٍ يَأْتُونَ الصَّلَاةَ بِغَيْرِ وُضُوءٍ، فَإِذَا أَتَيْتُمْ الصَّلَاةَ فَأَحْسِنُوا الْوُضُوءَ» . وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ صَحِيحَةٍ أَيْضًا «فَتَرَدَّدَ فِي آيَةٍ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: إنَّهُ لَبَّسَ عَلَيْنَا الْقِرَاءَةَ أَنَّ أَقْوَامًا مِنْكُمْ يُصَلُّونَ مَعَنَا لَا يُحْسِنُونَ الْوُضُوءَ، فَمَنْ شَهِدَ الصَّلَاةَ مَعَنَا فَلْيُحْسِنْ الْوُضُوءَ» .
وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَتِمُّ صَلَاةٌ لِأَحَدٍ حَتَّى يُسْبِغَ الْوُضُوءَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِغَسْلِ وَجْهِهِ وَيَدَيْهِ إلَى الْمَرْفِقَيْنِ وَيَمْسَحُ رَأْسَهُ وَرِجْلَيْهِ إلَى الْكَعْبَيْنِ» .
وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ لَا بَأْسَ بِهِ: «خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: حَبَّذَا الْمُتَخَلِّلُونَ مِنْ أُمَّتِي، قَالُوا: وَمَا الْمُتَخَلِّلُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الْمُتَخَلِّلُونَ بِالْوُضُوءِ وَالْمُتَخَلَّلُونَ مِنْ الطَّعَامِ» . أَمَّا تَخْلِيلُ الْوُضُوءِ: فَالْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ وَبَيْنَ الْأَصَابِعِ. وَأَمَّا تَخْلِيلُ الطَّعَامِ: فَمِنْ الطَّعَامِ أَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ أَشَدَّ عَلَى الْمَلَكَيْنِ مِنْ أَنْ يَرَيَا بَيْنَ أَسْنَانِ صَاحِبِهِمَا طَعَامًا وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي.