الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذَلِكَ مِنْ أَنْ يَصْنَعُوا كَصُنْعِ أُولَئِكَ فَيُلْعَنُوا كَمَا لُعِنُوا؛ وَاِتِّخَاذُ الْقَبْرِ مَسْجِدًا مَعْنَاهُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ أَوْ إلَيْهِ، وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُهُ " وَالصَّلَاةُ إلَيْهَا " مُكَرَّرٌ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِاِتِّخَاذِهَا مَسَاجِدَ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا فَقَطْ، نَعَمْ إنَّمَا يُتَّجَهُ هَذَا الْأَخْذُ إنْ كَانَ الْقَبْرُ قَبْرَ مُعَظَّمٍ مِنْ نَبِيٍّ أَوْ وَلِيٍّ كَمَا أَشَارَتْ إلَيْهِ رِوَايَةُ:«إذَا كَانَ فِيهِمْ الرَّجُلُ الصَّالِحُ» وَمِنْ ثَمَّ قَالَ أَصْحَابُنَا: «تَحْرُمُ الصَّلَاةُ إلَى قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ تَبَرُّكًا وَإِعْظَامًا» فَاشْتَرَطُوا شَيْئَيْنِ أَنْ يَكُونَ قَبْرَ مُعَظَّمٍ وَأَنْ يَقْصِدَ بِالصَّلَاةِ إلَيْهِ - وَمِثْلُهَا الصَّلَاةُ - عَلَيْهِ التَّبَرُّكَ وَالْإِعْظَامَ، وَكَوْنُ هَذَا الْفِعْلِ كَبِيرَةً ظَاهِرٌ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ لِمَا عَلِمْت، وَكَأَنَّهُ قَاسَ عَلَى ذَلِكَ كُلَّ تَعْظِيمٍ لِلْقَبْرِ كَإِيقَادِ السُّرُجِ عَلَيْهِ تَعْظِيمًا لَهُ وَتَبَرُّكًا بِهِ، وَالطَّوَافُ بِهِ كَذَلِكَ وَهُوَ أَخْذٌ غَيْرُ بَعِيدٍ، سِيَّمَا وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ آنِفًا بِلَعْنِ مَنْ اتَّخَذَ عَلَى الْقَبْرِ سُرُجًا، فَيُحْمَلُ قَوْلُ أَصْحَابِنَا بِكَرَاهَةِ ذَلِكَ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ بِهِ تَعْظِيمًا وَتَبَرُّكًا بِذِي الْقَبْرِ.
وَأَمَّا اتِّخَاذُهَا أَوْثَانًا فَجَاءَ النَّهْيُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَتَّخِذُوا قَبْرِي وَثَنًا يُعْبَدُ بَعْدِي» أَيْ لَا تُعَظِّمُوهُ تَعْظِيمَ غَيْرِكُمْ لِأَوْثَانِهِمْ بِالسُّجُودِ لَهُ أَوْ نَحْوِهِ، فَإِنْ أَرَادَ ذَلِكَ الْإِمَامُ بِقَوْلِهِ:«وَاِتِّخَاذُهَا أَوْثَانًا» هَذَا الْمَعْنَى اُتُّجِهَ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ كَبِيرَةٌ بَلْ كُفْرٌ بِشَرْطِهِ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ مُطْلَقَ التَّعْظِيمِ الَّذِي لَمْ يُؤْذَنْ فِيهِ كَبِيرَةٌ فَفِيهِ بُعْدٌ، نَعَمْ قَالَ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ: قَصْدُ الرَّجُلِ الصَّلَاةَ عِنْدَ الْقَبْرِ مُتَبَرِّكًا بِهَا عَيْنُ الْمُحَادَّةِ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، وَإِبْدَاعُ دِينٍ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ لِلنَّهْيِ عَنْهَا ثُمَّ إجْمَاعًا، فَإِنَّ أَعْظَمَ الْمُحَرَّمَاتِ وَأَسْبَابِ الشِّرْكِ الصَّلَاةُ عِنْدَهَا وَاِتِّخَاذُهَا مَسَاجِدَ أَوْ بِنَاؤُهَا عَلَيْهَا.
وَالْقَوْلُ بِالْكَرَاهَةِ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ إذْ لَا يُظَنُّ بِالْعُلَمَاءِ تَجْوِيزُ فِعْلٍ تَوَاتَرَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَعْنُ فَاعِلِهِ، وَتَجِبُ الْمُبَادَرَةُ لِهَدْمِهَا وَهَدْمِ الْقِبَابِ الَّتِي عَلَى الْقُبُورِ إذْ هِيَ أَضَرُّ مِنْ مَسْجِدِ الضِّرَارِ لِأَنَّهَا أُسِّسَتْ عَلَى مَعْصِيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِأَنَّهُ نَهَى عَنْ ذَلِكَ وَأَمَرَ صلى الله عليه وسلم بِهَدْمِ الْقُبُورِ الْمُشْرِفَةِ، وَتَجِبُ إزَالَةُ كُلِّ قِنْدِيلٍ أَوْ سِرَاجٍ عَلَى قَبْرٍ وَلَا يَصِحُّ وَقْفُهُ وَنَذْرُهُ انْتَهَى.
[بَابُ السَّفَرِ]
[الْكَبِيرَةُ التَّاسِعَةُ وَالتِّسْعُونَ سَفَرُ الْإِنْسَانِ وَحْدَهُ]
(الْكَبِيرَةُ التَّاسِعَةُ وَالتِّسْعُونَ: سَفَرُ الْإِنْسَانِ وَحْدَهُ) أَخْرَجَ أَحْمَدُ مِنْ رِوَايَةِ الطَّيِّبِ بْنِ مُحَمَّدٍ - وَبَقِيَّةُ رُوَاتِهِ رُوَاةُ الصَّحِيحِ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُخَنَّثِي الرِّجَالِ الَّذِينَ يَتَشَبَّهُونَ بِالنِّسَاءِ