الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَأْتُونَ مِنْ بَعْدِي يَرْوُونَ أَحَادِيثِي وَيُعَلِّمُونَهَا النَّاسَ» وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ وَاثِلَةَ: «إنَّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ» .
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ وَأَمْثَالِهِ كَحَدِيثِ مُسْلِمٍ: «إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ - أَيْ وَهِيَ الْوَقْفُ - أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ - أَيْ مُسْلِمٍ - يَدْعُو لَهُ» . وَكَالْأَحَادِيثِ فِيمَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً أَوْ سَيِّئَةً بُشْرَى عَظِيمَةٌ لِمَنْ نَسَخَ عِلْمًا نَافِعًا، وَهِيَ أَنَّهُ يَكُونُ لَهُ أَجْرُهُ وَأَجْرُ مَنْ قَرَأَهُ أَوْ نَسَخَهُ أَوْ عَمِلَ بِهِ مِنْ بَعْدِهِ مَا بَقِيَ خَطُّهُ وَالْعَمَلُ بِهِ، وَإِنْذَارٌ عَظِيمٌ لِمَنْ نَسَخَ عِلْمًا فِيهِ إثْمٌ وَهُوَ أَنَّ عَلَيْهِ وِزْرَهُ وَوِزْرَ مَنْ قَرَأَهُ أَوْ نَسَخَهُ أَوْ عَمِلَ بِهِ بَعْدَهُ مَا بَقِيَ خَطُّهُ وَالْعَمَلُ بِهِ. تَنْبِيهٌ: عَدُّ هَذَيْنِ كَبِيرَتَيْنِ هُوَ مَا صَرَّحُوا بِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، بَلْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ: إنَّ الْكَذِبَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كُفْرٌ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: وَقَدْ ذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ إلَى أَنَّ الْكَذِبَ عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ كُفْرٌ يُخْرِجُ عَنْ الْمِلَّةِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ تَعَمُّدَ الْكَذِبِ عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فِي تَحْلِيلِ حَرَامٍ أَوْ تَحْرِيمِ حَلَالٍ كُفْرٌ مَحْضٌ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي الْكَذِبِ عَلَيْهِمَا فِيمَا سِوَى ذَلِكَ. وَقَالَ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ: جَاءَ الْوَعِيدُ فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ بِأَنَّ مَنْ كَذَبَ عَلَيْهِ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ. وَقَالَ الْعُلَمَاءُ: إنَّهَا بَلَغَتْ حَدَّ التَّوَاتُرِ: قَالَ الْبَزَّارُ: رَوَاهُ مَرْفُوعًا نَحْوُ أَرْبَعِينَ صَحَابِيًّا. وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: إنَّهُ حَدِيثٌ بَلَغَ حَدَّ التَّوَاتُرِ، رَوَاهُ الْجَمُّ الْكَثِيرُ مِنْ الصَّحَابَةِ، قِيلَ إنَّهُمْ يَبْلُغُونَ ثَمَانِينَ نَفْسًا، وَجَمَعَ الْحَافِظُ طُرُقَهُ فِي جُزْءٍ ضَخْمٍ، قِيلَ: رُوَاتُهُ فَوْقَ سَبْعِينَ صَحَابِيًّا، وَذَكَرَ أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ رَوَاهُ الْعَشَرَةَ إلَّا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، وَبَلَغَ بِهِمْ الطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ مَنْدَهْ سَبْعَةً وَثَمَانِينَ مِنْهُمْ الْعَشَرَةُ.
[الْكَبِيرَةُ الْخَمْسُونَ مَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً]
أَخْرَجَ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ عَنْ جَرِيرٍ رضي الله عنه قَالَ: «كُنَّا فِي صَدْرِ النَّهَارِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَجَاءَ قَوْمٌ عُرَاةٌ مُجْتَابِي النِّمَارِ - أَيْ لَابِسِيهَا - قَدْ خَرَقُوهَا فِي
رُءُوسِهِمْ مِنْ الْجَوْبِ وَهُوَ الْقَطْعُ - جَمْعُ نَمِرَةٍ وَهِيَ كِسَاءٌ مِنْ صُوفٍ مُخَطَّطٍ - أَوْ الْعَبَاءِ مُقَلِّدِي السُّيُوفِ، عَامَّتُهُمْ مِنْ مُضَرَ بَلْ كُلُّهُمْ مِنْ مُضَرَ فَتَمَعَّرَ - أَيْ بِتَشْدِيدِ الْمُهْمَلَةِ - تَغَيَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا رَأَى مَا بِهِمْ مِنْ الْفَاقَةِ فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ وَأَقَامَ فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1] وَالْآيَةَ الَّتِي فِي سُورَةِ الْحَشْرِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} [الحشر: 18] تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ مِنْ دِرْهَمِهِ مِنْ ثَوْبِهِ مِنْ صَاعِ بُرِّهِ مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ حَتَّى قَالَ: وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ. فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا بَلْ قَدْ عَجَزَتْ ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ حَتَّى رَأَيْتُ كَوْمَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَثِيَابٍ حَتَّى رَأَيْت وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَهَلَّلَ كَأَنَّهُ مُدْهُنَةٌ - أَيْ بِالْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ وَضَمِّ الْهَاءِ، أَوْ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ الْهَاءِ وَهُوَ الْأَشْهَرُ: أَيْ كَأَنَّهُ وَرَقَةٌ مَطْلِيَّةٌ بِذَهَبٍ، وَكِلَاهُمَا كِنَايَةٌ عَنْ ظُهُورِ الْبِشْرِ وَالْإِشْرَاقِ مِنْ شِدَّةِ السُّرُورِ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ» . وَصَحَّ أَيْضًا:«مَنْ سَنَّ خَيْرًا فَاسْتُنَّ بِهِ كَانَ لَهُ أَجْرُهُ وَمِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ غَيْرَ مُتَنَقِّصٍ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ سَنَّ شَرًّا فَاسْتُنَّ بِهِ كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهُ وَمِثْلُ مَنْ تَبِعَهُ غَيْرَ مُتَنَقِّصٍ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئًا» . وَفِي رِوَايَةٍ سَنَدُهَا لَا بَأْسَ بِهِ: «مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا مَا عُمِلَ بِهَا فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَمَاتِهِ حَتَّى تُتْرَكَ. وَمَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعَلَيْهِ إثْمُهَا حَتَّى تُتْرَكَ، وَمَنْ مَاتَ مُرَابِطًا جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُ الْمُرَابِطِ حَتَّى يُبْعَثَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . فِي أُخْرَى سَنَدُهَا حَسَنٌ عَنْ التِّرْمِذِيِّ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ فِيهِ وَاهِيًا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ لَهُ شَوَاهِدَ: «مَنْ أَحْيَا سُنَّةً مِنْ سُنَّتِي قَدْ أُمِيتَتْ بَعْدِي كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ ابْتَدَعَ بِدْعَةَ ضَلَالَةٍ لَا يَرْضَاهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ كَانَ عَلَيْهِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ عَمِلَ بِهَا لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أَوْزَارِ النَّاسِ شَيْئًا» .
وَصَحَّ: «مَا