الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَنْبِيهٌ: فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا دَلِيلٌ لِمَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْجَمَاعَةَ فَرْضُ عَيْنٍ، وَبِهِ يَظْهَرُ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ أَيْضًا مِنْ أَنَّ تَرْكَ الْجَمَاعَةِ بِالْقُيُودِ الَّتِي قَدَّمْتهَا كَبِيرَةٌ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ، بَلْ الظَّاهِرُ مِنْ الْأَحَادِيثِ أَيْضًا أَنَّ تَرْكَهَا بِالْقُيُودِ الَّتِي قَدَّمْتهَا كَبِيرَةٌ، وَإِنْ قُلْنَا بِالرَّاجِحِ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ الْإِمَامَ يُقَاتِلُهُمْ عَلَى تَرْكِهَا؛ وَأَمَّا مَا رَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ مِنْ أَنَّهَا سُنَّةٌ وَأَنَّهُمْ لَا يُقَاتَلُونَ عَلَى تَرْكِهَا فَلَا يَقْتَضِي أَنَّا عَلَى الْمُعْتَمَدِ لَا نَجْعَلُهُ كَبِيرَةً، لِأَنَّهُ يُؤَوِّلُ الْأَحَادِيثَ بِحَمْلِهَا عَلَى الْمُنَافِقِينَ، فَهِيَ وَارِدَةٌ فِي قَوْمٍ كُفَّارٍ مُنَافِقِينَ فَلَا حُجَّةَ فِيهَا فَهُوَ وَإِنْ سَلِمَ لَهُ فِيمَنْ عَزَمَ عَلَى حَرْقِهِمْ فَلَا يَسْلَمُ لَهُ فِي الْمَلْعُونِينَ وَنَحْوِهِمْ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّ اللَّعْنَ مِنْ أَمَارَاتِ الْكَبِيرَةِ، فَظَهَرَ أَنَّ تَرْكَهَا كَبِيرَةٌ فَيُفَسَّقُ أَهْلُ الْبَلَدِ مَثَلًا إذْ تَوَاطَئُوا عَلَيْهِ وَلَوْ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ كَمَا مَرَّ لِأَنَّهُ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى تَهَاوُنِهِمْ بِالدِّينِ فَهُوَ جَرِيمَةٌ تُؤْذِنُ بِقِلَّةِ اكْتِرَاثِ مُرْتَكِبِهَا بِالدِّينِ وَرِقَّةِ الدِّيَانَةِ.
ثُمَّ رَأَيْت الذَّهَبِيَّ ذَكَرَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْكَبَائِرِ، لَكِنْ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْته فَإِنَّهُ قَالَ: الْكَبِيرَةُ السَّادِسَةُ وَالسِّتُّونَ الْإِصْرَارُ عَلَى تَرْكِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِبَعْضِ مَا سَبَقَ، وَمَا ذَكَرَهُ لَا يَتَمَشَّى إلَّا عَلَى مَذْهَبِ أَحْمَدَ الْقَائِلِ بِأَنَّهَا فَرْضُ عَيْنٍ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ لَا عَلَى مَذْهَبِنَا، لِأَنَّهَا إمَّا فَرْضُ كِفَايَةٍ أَوْ سُنَّةٌ، وَكُلٌّ مِنْ فَرْضِ الْكِفَايَةِ - إذَا قَامَ بِهِ غَيْرُهُ - وَمِنْ السُّنَّةِ لَا إثْمَ بِتَرْكِهِ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ كَبِيرَةً.
[الْكَبِيرَةُ السَّادِسَةُ وَالثَّمَانُونَ إمَامَةُ الْإِنْسَانِ لِقَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ]
(الْكَبِيرَةُ السَّادِسَةُ وَالثَّمَانُونَ: إمَامَةُ الْإِنْسَانِ لِقَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ) أَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ: «ثَلَاثَةٌ لَعَنَهُمْ اللَّهُ: مَنْ تَقَدَّمَ قَوْمًا وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ، وَامْرَأَةٌ بَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَلَيْهَا سَاخِطٌ، وَرَجُلٌ سَمِعَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ فَلَمْ يُجِبْ» .
وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ: «ثَلَاثَةٌ لَا تُجَاوِزُ صَلَاتُهُمْ آذَانَهُمْ: الْعَبْدُ الْآبِقُ حَتَّى يَرْجِعَ، وَامْرَأَةٌ بَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَلَيْهَا سَاخِطٌ، وَإِمَامُ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ» .
وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ: «ثَلَاثَةٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُمْ صَلَاةً: مَنْ تَقَدَّمَ قَوْمًا وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ، وَرَجُلٌ يَأْتِي الصَّلَاةَ دِبَارًا - وَالدِّبَارُ أَنْ يَأْتِيَهَا بَعْدَ أَنْ تَفُوتَهُ - وَرَجُلٌ اعْتَبَدَ حُرًّا» أَيْ جَعَلَهُ عَبْدًا.
وَالطَّبَرَانِيُّ - بِسَنَدٍ قِيلَ فِي بَعْضِ رِجَالِهِ: إنَّ لَهُ مَنَاكِيرَ -: أَنَّ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ رضي الله عنه صَلَّى بِقَوْمٍ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: إنِّي نَسِيت أَنْ أَسْتَأْمِرَكُمْ قَبْلَ أَنْ أَتَقَدَّمَ أَرَضِيتُمْ بِصَلَاتِي؟ قَالُوا: نَعَمْ وَمَنْ يَكْرَهُ ذَلِكَ يَا حَوَارِيَّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: إنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «أَيُّمَا رَجُلٍ أَمَّ قَوْمًا وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ لَمْ تُجَاوِزْ صَلَاتُهُ أُذُنَيْهِ» .
وَابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ مُرْسَلًا وَمَرْفُوعًا: «ثَلَاثَةٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُمْ صَلَاةً، لَا تَصْعَدُ إلَى السَّمَاءِ وَلَا تُجَاوِزُ رُءُوسَهُمْ: رَجُلٌ أَمَّ قَوْمًا وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ، وَرَجُلٌ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ وَلَمْ يُؤَمَّرْ، وَامْرَأَةٌ دَعَاهَا زَوْجُهَا مِنْ اللَّيْلِ فَأَبَتْ عَلَيْهِ» .
وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ: «ثَلَاثَةٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ لَهُمْ صَلَاةً: إمَامُ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ، وَامْرَأَةٌ بَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَلَيْهَا غَضْبَانُ، وَأَخَوَانِ مُتَصَارِمَانِ» . تَنْبِيهٌ: عَدُّ هَذَا مِنْ الْكَبَائِرِ مَعَ الْجَزْمِ بِهِ وَقَعَ لِبَعْضِ أَئِمَّتِنَا وَكَأَنَّهُ نَظَرَ إلَى مَا فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ، وَهُوَ عَجِيبٌ مِنْهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ عِنْدَنَا إنْ كَرِهَهُ أَكْثَرُ الْقَوْمِ لِأَمْرٍ مَذْمُومٍ فِيهِ شَرْعًا مِمَّا لَا يَقْدَحُ فِي عَدَالَتِهِ وَنَحْوِهَا مِمَّا تُكْرَهُ الْإِمَامَةُ وَالِاقْتِدَاءُ مَعَهُ وَلَيْسَ الِاقْتِدَاءُ بِهِ مَكْرُوهًا مُطْلَقًا، وَلَا إمَامَتُهُ بِمُحَرَّمَةٍ مُطْلَقًا. فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ كَبِيرَةً، لِأَنَّ الْإِمَامَ لَيْسَ بِمُجْبِرٍ لِأَحَدٍ عَلَى الِاقْتِدَاءِ بِهِ إذْ هُمْ بِسَبِيلٍ مِنْ أَنْ لَا يُصَلُّوا وَرَاءَهُ فَهُمْ الْمُقَصِّرُونَ دُونَهُ، نَعَمْ. إنْ حُمِلَتْ تِلْكَ الْأَحَادِيثُ عَلَى مَنْ تَعَدَّى عَلَى وَظِيفَةِ إمَامٍ رَاتِبٍ فَصَلَّى فِيهَا قَهْرًا عَلَى صَاحِبِهَا وَعَلَى الْمَأْمُومِينَ أَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ حِينَئِذٍ: إنَّ ذَلِكَ كَبِيرَةٌ، لِأَنَّ غَصْبَ الْمَنَاصِبِ أَوْلَى بِالْكَبِيرَةِ مِنْ غَصْبِ الْأَمْوَالِ الْمُصَرَّحِ فِيهِ بِأَنَّهُ كَبِيرَةٌ.
خَاتِمَةٌ: صَحَّ عِنْدَ ابْنَيْ خُزَيْمَةَ وَحِبَّانَ: «مَنْ أَمَّ النَّاسَ فَأَصَابَ الْوَقْتَ وَأَتَمَّ الصَّلَاةَ فَلَهُ وَلَهُمْ وَمَنْ انْتَقَصَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعَلَيْهِ وَلَا عَلَيْهِمْ» .
وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ: «مَنْ أَمَّ قَوْمًا فَلْيَتَّقِ اللَّهَ وَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ ضَامِنٌ مَسْئُولٌ لِمَا ضَمِنَ، وَإِنْ أَحْسَنَ كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ صَلَّى خَلْفَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا وَمَا كَانَ مِنْ نَقْصٍ فَهُوَ عَلَيْهِ» .
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ: «يُصَلُّونَ لَكُمْ فَإِذَا أَصَابُوا فَلَكُمْ وَإِنْ أَخْطَئُوا فَلَكُمْ