الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رسول الله صلى الله عليه وسلم، من غير أن [قدموا] منه شيئا، أو أخروا، أو وضعوا له ترتيبا لم يأخذوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقن أصحابه ما أنزل عليه من القرآن على الترتيب الذي هو الآن في مصاحفنا بتوقيف جبريل إياه على ذلك، وإعلامه عند نزول كل آية، أن هذه الآية تكتب عقيب آية كذا في سورة كذا.
فثبت أن سعي الصحابة رضي الله عنهم كان في جمعه في موضع واحد لا في ترتيبه، فإن القرآن مكتوب في اللوح المحفوظ على هذا الترتيب، أنزله الله- جل شأنه- جملة إلى السماء الدنيا، ثم كان ينزله مفرقا عند الحاجة، وترتيب النزول غير ترتيب التلاوة. انتهى.
وأما ترتيب السور:
فاختلفوا فيه، هل هو توقيفي؟ أو باجتهاد؟ فذهب إلى الأول جمع، وإلى الثاني جمع، والأول أوجه.
قال الزركشي في "البرهان": والخلاف بين الفريقين لفظي؛ لأن القائل بالثاني يقول إنه رمز إليهم بذلك، لعلمهم بأسباب نزوله، ومواقع كلماته؛ ولهذا قال مالك: إنما ألفوا القرآن على ما كانوا يسمعون من
النبي صلى الله عليه وسلم، مع قوله بأن ترتيب السور باجتهاد منهم، فآل الخلاف إلى أنه: هل هو بتوقيف قولي، أو مجرد إسناد فعلي؟ بحيث بقي لهم فيه مجال للنظر. وسبقه إلى ذلك أبو جعفر بن الزبير. انتهى.
فعلى هذا يكون مآل القول الثاني إلى القول الأول، وهو الأوجه، فإن القرآن على هذا الترتيب آياته وسوره هكذا، أنزل من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا، ورتبه النبي صلى الله عليه وسلم، بإشارة جبريل على وفق ما هو باللوح المحفوظ، وحفظته الصحابة رضي الله عنهم على هذا الترتيب.
روى الإمام أحمد، وأبو داود، عن أوس بن أبي أوس حذيفة الثقفي، قال: كنت في الوفد الذين أسلموا من ثقيف
…
الحديث، وفيه: فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "طرأ عليَّ حزبي من القرآن، فأردت أن لا أخرج حتى أقضيه"، فسألنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: كيف تحزبون القرآن؟ قالوا: نحزبه ثلاث سور، وخمس سور، وسبع سور، وتسع سور، وإحدى عشرة، وثلاث عشرة، وحزب المفصل من (ق) حتى نختم". فهذا صريح
في أن ترتيب السور على ما هو الآن في المصاحف ثبت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال الحافظ السيوطي: والذي ينشرح له المصدر، ما ذهب إليه البيهقي وهو: أن جميع السور ترتيبها توقيفي إلا (براءة) و (والأنفال). انتهى.
وقد روي عن سيدنا عثمان رضي الله عنه: أن وضع سورة (براءة) بعد (الأنفال) وقرنها بها من غير بسملة كان باجتهاد منه، وغايته الاجتهاد برأيه في (براءة) فقط، أما (الأنفال) فهو من السبع الطوال، المعروفة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
فقد روى/ ابن أبي شيبة في "المصنف" عن سعيد بن خالد: صلى النبي صلى الله عليه وسلم بالسبع الطوال في ركعة.
وقد قال جماعة: أن السبع الطوال آخرها (براءة). وهذا على جعلهما سورة واحدة، وقد قيل غير ذلك.
أخرج الحاكم في "مستدركه" بسنده إلى يزيد الفارسي قال: قال لنا ابن عباس: قلت لعثمان بن عفان: ما حملكم على أن عمدتم إلى (الأنفال)
وهي من المثاني، وإلى (براءة) وهي من المئين فقرنتم بينهما ولم تكتبوا بينهما ولم تكتبوا بينهما سطر {بسم الله الرحمن الرحيم} ووضعتموها في السبع الطوال، ما حملكم على ذلك؟
فقال عثمان: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأتي عليه الزمان، تنزل عليه السور ذوات عدد، فكان إذا أنزل عليه شيء دعا بعض من كان يكتبه، فيقول:"ضعوا هذه في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا"، وينزل عليه فيقول: "ضعوا هذه في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا. فكانت (الأنفال) من أوائل ما نزل بالمدينة، و (براءة) من آخر القرآن، وكانت قصتها شبيهة بقصتها، وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يبين لنا أنها منها فظننا أنها منها، فمن ثم قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطر {بسم الله الرحمن الرحيم} . انتهى.