الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقلت: يا رسول الله فمن فعل هذا الدعاء وعمل به ولم ير مثل الذي رأيت في منامي، هل يعطى شيئا مما أعطيته؟
فقال: والذي بعثني بالحق نبيا، إنه ليعطى العامل بهذا وإن لم [يرني ولم] ير الجنة، إنه ليغفر له جميع ذنوبه الكبائر التي عملها، ويرفع غضبه عنه ومقته، ويأمر صاحب الشمال أن لا يكتب عليه سيئة من السيئات إلى سنة، والذي بعثني بالحق نبيا ما يعمل بهذا إلا من خلقه الله سعيدا، ولا يتركه إلا من خلقه شقيا.
وكان إبراهيم التيمي مكث أربعة أشهر لم يطعم ولم يشرب، ولعله كان بعد هذه الرؤيا.
فصل في الآثار الواردة في فضل القرآن:
عن أبي محمد الجريري - رحمه الله تعالى - أنه قال: من رضي
بالدرجات العلى في الجنة نظير قراءة القرآن فقد رضي بالقليل بدلا عن الكثير، لأن الجنة مخلوقة، والقرآن غير مخلوق، ومعظم الفائدة في قراءة القرآن إنما هي مجالسة الله تعالى، وفهم مخاطبته.
وكان أبو معاوية الأسود - رحمه الله تعالى - يقرأ في المصحف فذهب بصره، فكان إذا جاء وقت القراءة ونشر المصحف رد عليه بصره.
ونقل الطبري في كتاب "كرامات الأولياء" بالسند إلى المعلى الوراق قال: كنا إذا دخلنا على حبيب العجمي - رحمه الله تعالى - قال: افتح جونة المسك وهات الترياق المجرب.
قال: جونة المسك: القرآن. والترياق: الدعاء.
وقال سلم بن ميمون الخواص - رحمه الله تعالى -: شكوت إلى شيخي عدم وجود حلاوة القرآن فقال: مثل لنفسك كأنك تقرأه على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فوجدت حلاوة، فقلت له، فقال: مثل كأنك تقرأه على جبريل. ففعلت فازددت حلاوة. فقلت له، فقال: مثل كأنك تقرأه على الله تعالى. ففعلت، فجاءت الحلاوة كلها".
وروى: أن الإمام أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - ختم القرآن في المحل الذي مات فيه سبعة آلاف مرة.
وكان الإمام مالك - رحمه الله تعالى - إذا دخل في بيته شغله قراءة القرآن
في المصحف.
وعن الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله تعالى - قال: رأيت رب العزة في المنام فقلت: يا رب بما يتقرب إليك المتقربون؟ فقال: بكلامي. فقلت: بفهم وبغير فهم؟ قال: بفهم وبغير فهم.
وقال عمرو بن ميمون رحمه الله: من نشر مصحفا فقرأ منه مائة آية حين يصبح، رفع الله له مثل عمل جميع أهل الدنيا.
وقال بعض العارفين: لي في كل شهر ختمة، وفي كل سنة ختمة، ولي ختمة منذ ثلاثين سنة/ وذلك بحسب درجات التدبر.
وقال وهيب بن الورد: نظرنا ما في المواعظ فلم نجد أرد للقلوب من قراءة القرآن وتفهمه، وتالي القرآن المعوض عنه بالقلب جدير بأن يقال له حين يحشر أعمى:{قال رب لم حشرتنى أعمى وقد كنت بصيرا (125)} [طه: 125].
وذكر الشيخ محيي الدين رضي الله عنه في "الفتوحات": أنه روي عن بعض المعلمين من الصالحين: أن شابا صغيرا كان يقرأ عليه القرآن، فرآه مصفر اللون، فسأل عن حاله فقيل له: إنه يقوم الليل بالقرآن [كله].
فقال له: يا ولدي أخبرت أنك تقوم الليل بالقرآن كله؟
فقال: هو ما قيل لك.
قال: يا ولدي إذا كان الليلة فأحضرني في قلبك، واقرأ القرآن علي ولا تغفل عني.
فقال الشاب: نعم.
فلما أصبح، قال له: هل فعلت ما أمرتك به؟ قال: نعم. قال: وهل ختمت القرآن البارحة؟ قال: لا، وما قدرت على أكثر من النصف.
قال: يا ولدي هذا أحسن، إذا كان هذه الليلة فاجعل من شئت من الصحابة أمامك، الذين سمعوا القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم واقرأ عليه، واحذر فإنه سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا تزل في تلاوتك. فقال: إن شاء الله.
فلما أصبح، سأله عن ليلته فقال: ما قدرت على أكثر من ربع القرآن.
فقال: يا ولدي اتل هذه الليلة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: نعم.
فلما أصبح سأله، فقال: ما قدرت طول ليلتي إلا على جزء من القرآن، أو ما يقاربه.
فقال: إذا كان الليلة فاقرأه على جبريل الذي نزل به على قلب محمد صلى الله عليه وسلم.
فلما أصبح قال: ما قدرت إلا على أكثر من كذا سورة قليلة. فقال: إذا كان هذه الليلة تب إلى الله/ وتأهب، واعلم أن المصلي يناجي ربه، وأنك واقف بين يديه، تتلو عليه كلامه، فانظر حظك من القرآن وحظه، وتدبر ما تقرأه، فليس المقصود جمع الأحرف وتأليفها ولا حكاية الأقوال، وإنما المراد بالقراءة التدبر لمعاني ما تتلو، فلا تكن جاهلا؟
فلما أصبح انتظر الأستاذ الشاب فلم يجيء إليه، فبعث من يسأل عن شأنه، فقيل له: أنه أصبح مريضا يعاد.
?
فجاء إليه، فلما أبصر الأستاذ بكى، وقال: يا أستاذ جزاك الله عني خيرا، ما عرفت أني كاذب إلا البارحة، لما قمت في مصلاي، وأحضرت الحق وأنا بين يديه، وتلوت عليه، فلما استفتحت الفاتحة ووصلت إلى قوله تعالى:{إياك نعبد} [الفاتحة: 5 [؛ فنظرت إلى نفسي فلم أرها تصدق في قولها، فاستحييت أن أقول بين يديه {إياك نعبد} وهو يعلم أني كاذب في مقالتي، فإني رأيت نفسي لاهية في خواطرها عن عبادته، فبقيت أردد الفاتحة {إياك نعبد} ولا أقدر أقولها لأنها ما خلصت لي، فبقيت أستحيي أن أكذب بين يديه فيمقتني فما ركعت حتى طلع الفجر، وقد رضت كبدي، ولا أنا إلا راحل إليه على حالة لا أرضاها من نفسي.
فما انقضت ثلاثة أيام حتى مات الشاب، فلما دفن جاء الأستاذ إلى قبره، فسأله عن حاله فسمع صوت الشاب وهو يقول:
أنا حي عند حي
…
لم يحاسبني بشيء
فرجع الأستاذ بيته مريضا، فلزم فراشه مما أثر فيه من حال الشاب حتى لحق به - رحمهما الله تعالى -.
فهكذا المطلوب أن تكون القراءة، وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى.
ويحكى عن حمزة بن حبيب الزيات - رحمه الله تعالى - أنه دخل عليه مجاعة بن الزبير وهو يبكي، فقال له: ما يبكيك؟ فقال: وكيف لا أبكي،
رأيت في منامي كأني/ قد عرضت على الله جل ثناؤه فقال: يا حمزة اقرأ علي القرآن كما علمتك، فوثبت قائما، فقال لي: اجلس، فإني أحب أهل القرآن. فقرأت حتى بلغت سورة (طه) فقلت؛ "طوى" فقال لي: تبين. فتبينت "طوى وأنا اخترناك"[طه: 13]. ثم قرأت حتى بلغت (يس) فأردت أن أعطف فقلت: {تنزيل العزيز الرحيم} [يس: 5]. فقال لي: قل {تنزيل العزيز الرحيم} ، هكذا أقرأت حملة العرش، وهكذا يقرأ المقربون. ثم دعا بسوار فسورني فقال: هذا بصومك النهار. ثم دعا بتاج فتوجني ثم قال: هذا بإقرائك الناس يا حمزة، ولا تدع "تنزيل"، فإني نزلته تنزيلا.
وقد روي عنه رواية أخرى طويلة، في آخرها: يا حمزة، وحق القرآن لأكرمن أهل القرآن سيما إذا عملوا بالقرآن يا حمزة. ثم ضمخني بالغالية وقال: ليس أفعل هذا بك وحدك، قد فعلت ذلك بنظرائك ومن فوقك ومن دونك، ومن أقرأ القرآن كما أقرأته لم يرد به غيري، وما خبأت لك يا
حمزة عندي أكثر.
وعن بعض الصالحين أنه قال: رأيت رب العزة في المنام، فقرأت عليه القرآن حتى ختمت، وأعدت أول سورة (البقرة) إلى قوله:{سيقول السفهاء} [البقرة: 142] ثم أنشدت:
يرى جمالك قلبٌ أنت تغمره
…
بفضل جودك لا بالكد والعمل
وقال الشيخ أبو الربيع المالقي رضي الله عنه: كنت ليلة في المسجد مع الشيخ أبي محمد سيد بن علي الفخار رضي الله عنه، وكان من أدبي معه أني لا أقوم لوردي حتى يقوم، فقال ليلة وتوضأ وأنا مستيقظ في مضجعي، ثم استقبل القبلة وقال: بسم الله الرحمن الرحيم. ثم أخذ في ورده، فرأيت الحائط قد انشق، وخرج شخص بيده زبدية بيضاء فيها شهد أبيض، فكلما فتح فمه ألقمه ذلك الشخص لقمة من ذلك الشهد، فتعجبت مما رأيت فانشغلت به عن وردي، فلما أصبحت قلت له: يا سيدي رأيت كذا وكذا، فنزلت عيناه وقال لي: ذاك طيب القرآن يا سليمان.
ويحكى عن بعض الصالحين قال: كنت في مسجد مغلق علي الباب، فما شعرت وأنا أقرأ إلا وثلاثة عليهم ثياب بيض [عندي]. وذكر أنه لم يزالوا عنده إلى أن سكت، ثم غابوا عن بصره.
ونقل الشيخ عبد الله بن أسعد اليافعي - رحمه الله تعالى - في كتاب "التطريز في فضل ذكر الله وتلاوة كتابه العزيز" قال: أخبرني بعض الإخوان أنه مات بعض الناس في بلاد اليمن، فلما فرغوا من دفنه، وافترق الناس، بقي هناك شيخ من الأولياء يقال له العائدي رضي الله عنه ونفع به - فقعد يصلي المغرب في مسجد هناك، ثم سمع ضربا في القبر، ودقا عنيفا، ثم رأى كلبا خرج من القبر فقال له الشيخ: ويحك أيش أنت؟ فقال: أنا عمل الميت. قال: وأيش هذا الضرب الذي سمعته فيك أو فيه؟ قال: بل في، وجدت عنده سورة (يس) وأخواتها، وحيل بيني وبينه وطردت.
وكذلك سمعت الحكاية المستفاضة المشهورة: أن الشيخ محمد بن زاكي
المقرئ في "حراز" من بلاد اليمن رضي الله عنه ونفع به - قرأ عليه بعض المبتدعين القراءات السبع، وحفظها، واجتمع له الإتقان وحسن الصوت.
فلما رجع إلى بلاده أعجب أصحابه تحقيقه وحسن صوته، وقالوا: ما أحسن هذا لو كان شيخك منا. فقال: وما علي من ذاك، أخذت العسيلة وتركت الظرف! .
فبلغ الشيخ محمد بن زاكي المذكور، فجمع وأصحابه وقال: اقرؤوا [63 أ/هـ] سورة/ (يس) حتى ترجع إلينا عسيلتنا. فقرؤوا؛ فذهب حفظ ذلك الشخص، وبقي لا يعرف شيئا من القرآن أصلا، فعرف من أين أتي، ثم جاء إلى الشيخ المذكور مستغفرا تائبا من مذهبه، ودخل في مذهب الشيخ صالح المذكور، وهو شافعي المذهب، ثم ابتدأ يتعلم القرآن كما يتعلم المبتدئ، وبلغ إلى/ [42 ب/ ح] خمس روايات ثم مات - رحمه الله تعالى -.
ونقل أيضا رضي الله عنه في كتابه المذكور: أنه كان بعض الشيوخ في بلاد الهند، وكان السلطان يعظمه، فحسده بعض الكفار البراهمة هناك، وقال للسلطان: هذا ما هو على شيء؛ فاجمع بيني وبينه، حتى أبين لك حاله. فعقد لهم مجلسا، فلما اجتمعوا واجتمع الناس، قال الحكيم البرهمي للشيخ المسلم المذكور: إن كنت صادقا فطر مثلي. ثم ارتفع في الهواء، وبقي يعنف الشيخ
ويعيبه ويستهزء به، فأخذ الشيخ يقرأ ويقول: اللهم انصر دينك. فانقلب البرهمي على رأسه منكسا يصرخ ويستغيث، وربما خرج منه الحدث، فافتضح، وأعز الله دينه.