الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النوع الرابع والأربعون
علم
الاقتباس
من القرآن الكريم
وهذا النوع لم يفرده الحافظ السيوطي في "الإتقان" بل ذكره في علم آداب القرآن.
الاقتباس: تضمين الكلام بقول سابق يدرجه القائل في كلامه، نثرا أو شعرا.
وقد اختلف الناس في تضمين القرآن والاقتباس منه، فمنعه قوم مطلقا، وأجازه آخرون في الخطل والمواعظ، والثناء على الله تعالى ومدح الرسول صلى الله عليه وسلم، وما كان على غير ذلك فهو حرام، بل يخشى على قائله الكفر.
قال في "الفتاوى البزازية": من باب ألفاظ الكفر: جاء بالقدح الممتلئ وقال: {وكأسا دهاقا (34)} [النبأ: 34] أو قال: فكانت شرابا، بالمزاح.
وعند الوزن والكيل {وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون (3)} [المطففين: 3].
أو قال لغيره: دستار {ألم نشرح} بسته، أو جمع الذيب والغنم، أو جمع الجماعة في موضع ثم قال:{فجمعناهم جمعا} [الكهف: 99]، أو قال:{وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا} [الكهف: 47].
أو قال لغيره: كيف تقرأ: {والنازعات نزعا} . وأراد به الطنز، كفر. أو دعي إلى الصلاة بالجماعة فقال: أنا أصلي وحدي، قال الله تعالى:{إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} [العنكبوت: 45].
أو قال لغيره: كل الفشل فإنه يذهب بالريح، قال الله تعالى:{ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم} [الأنفال: 46].
أو قال: يا كردم أت جون {والسماء والطارق (1)} [الطارق: 1]، قيل: يكفر في الكل.
وقال الإمام أبو بكر محمد بن إسحاق الكلاباذي: يكفر العالم دون الجاهل، ولو قال لما في القدور والأطباق:{والباقيات الصالحات} [الكهف: 46، ومريم: 76] يكفر.
وينبغي أن يكون كما قال الإمام الكلاباذي على التفصيل، ونص في فتاوي سمرقند فيه. انتهى ما في "البزازية".
وذكر الشيخ تاج الدين السبكي في طبقاته، في ترجمة الإمام أبي منصور عبد القاهر بن طاهر التميمي البغدادي من كبار الشافعية وأجلائهم، أن من شعره قوله:
يا من عدى ثم اعتدى ثم اقترف ثم انتهى ثم ارعوى ثم اعترف
أبشر بقول الله في آياته
…
إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلفت
وقال: استعمال مثل الأستاذ أبي منصور مثل هذا الاقتباس في شعره فائدة جليلة القدر، والناس ينهون عن هذا، وربما أدى بحث بعضهم إلى أنه لا يجور.
وقيل: إن ذلك إنما يفعله من الشعراء الذين هو في كل واد يهيمون، ويثبون على الألفاظ وثبة من لا يبالى، وهذا الأستاذ أبو منصور من أئمة الدين وقد فعل هذا، وأسند عنه هذين البيتين الأستاذ أبو القاسم بن عساكر.
قال الإمام الحافظ السيوطي- رحمه الله تعالى- في (الإتقان): ليس هذان البيتان من الاقتباس، لتصريحه بقوله:(الله)، وقد قدمنا بأن ذلك خارج عنه.
وأما أخوه الشيخ بهاء الدين، فقد قال في "عروس الأفراح": الورع اجتناب ذلك كله، وأن ينزه عن مثله كلام الله ورسوله.
ثم قال- رحمه الله تعالى- /: رأيت استعمال الاقتباس لأئمة أجلاء منهم الإمام أبو القاسم الرافعي، فقال: وأنشده في "أماليه"، ورواه عنه أئمة كبار:
الملك لله الذي عنت الوجوه
…
له وذلت عنده الأرباب
متفرد بالملك والسلطان قد
…
خسر الذين تجاذبوه وخابوا
دعهم وزعم الملك يوم غرورهم
…
فسيعلمون غدا من الكذاب
وروى البيهقي في "شعب الإيمان" عن شيخه أبي عبد الرحمن السلمي قال: أنشدنا أحمد بن محمد بن يزيد لنفسه:
سل الله من فضله واتقه
…
فإن التقى خير ما تكتسب
ومن يتق الله يصنع له
…
ويرزقه من حيث لا يحتسب
ويقرب من الاقتباس شيئان:
أحدهما: قراءة القرآن يراد بها الكلام. قال النووي في "التبيان": ذكر ابن أبى داود في هذا اختلافا، فروى عن النخعي: أنه كان يكره أن يتناول القرآن لشيء يعرض من أمر الدنيا.
وأخرج عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أنه قرأ في صلاة المغرب بمكة: {والتين والزيتون (1) وطور سينين (2)} ، ثم رفع صوته فقال:{وهذا البلد الأمين} [التين: 1 - 3].
وأخرج عن حكيم بن سعد: أن رجلا من المحكمة أتى عليا- كرم الله وجهه- وهو في صلاة الصبح، فقال:{لئن أشركت ليحبطن عملك} [الزمر: 65]. فأجابه في الصلاة: {فأصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون} [الروم: 60]. انتهى.
وقال غيره: يكره ضرب الأمثال من القرآن، صرح به النيهي تلميذ
البغوي، كما نقله ابن الصلاح في فوائد رحلته.
الثاني: التوجيه بالألفاظ القرآنية في الشعر وغيره، وهو جائز بلا شك، وروينا عن الشريف تقي الدين الحسيني. أنه لما نظم:
مجاز حقيقتها فاعبروا
…
ولا تعمروا هونوها تهن
وما حسن بيت له زخرف
…
تراه إذا زلزلت لم يكن!
خشي أن يكون ارتكب حراما لاستعماله هذه الألفاظ القرآنية في الشعر، فجاء إلى شيخ الإسلام تقي الدين ابن دقيق العيد ليسأله عن ذلك، فأنشده إياهما فقال له: قل: "وما حسن كهف". فقال: يا سيدي أفدتني وأفتيتني.