الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النوع الثاني والأربعون
علم آداب القرآن وآداب تاليه
النوع الثاني والأربعون
علم آداب القرآن وآداب تاليه
يستحب الإكثار من قراءة القرآن وتلاوته. قال جل شأنه مثنيا على من كان ذلك دأبه:
{يتلون ءايت الله ءاناء اليل} [آل عمران: 113].
وفي "الصحيحين" من حديث ابن عمر رضي الله عنه: "لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار".
وأخرج البيهقي من حديث سمرة بن جندب: "كل مؤدب يحب أن يؤتى أدبه، وأدب الله القرآن فلا تهجروه".
وأخرج من حديث عبيدة المليكي مرفوعا وموقوفا: "يا أهل القرآن، لا
توسدوا القرآن، واتلوه حق تلاوته، آناء الليل والنهار، وأفشوه وتدبروا ما فيه لعلكم تفلحون".
ويستحب الوضوء لقراءة القرآن؛ لأنه أفضل الأذكار، وقد كان صلى الله عليه وسلم يكره أن يذكر الله تعالى إلا على طهر، كما ثبت في الحديث.
وإذا كان يقرأ عن ظهر قلب فتجوز قراءته للمحدث عند أبي حنيفة وأصحابه، والأفضل أن يتوضأ أو يتيمم ولو مع وجود الماء.
وقال إمام الحرمين: ولا تكره القراءة للمحدث لأنه صح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ مع الحدث.
قال في شرح المهذب: وإذا كان يقرأ فعرضت له ريح، أمسك حتى يستتم خروجها.
وأما الجنب والحائض فتحرم عليهما القراءة، نعم يجوز لهما النظر في المصحف، وإمراره على القلب، وأما متنجس الفم فتكره له القراءة.
وقيل: يحرم لمس المصحف باليد النجسة.
وتسن القراءة في مكان نظيف، وأفضله المسجد.
وفي "الإتقان": وكره قوم القراءة في الحمام والطريق، قال النووي: ومذهبنا لا تكره فيهما، وكرهها الشعبي في الحش وبيت الرحى وهي
تدور. قال: وهو مقتضى مذهبنا.
ويستحب أن يجلس مستقبلا متخشعا بسكينة ووقار، مطرقا رأسه، واقفا على هيئة الآداب، إما قائما وإما جالسا، مطرقا رأسه، غير متربع ولا متكئ ولا جالس على هيئة التكبر، ويكون جلوسه وحده كجلوسه بين يدي أستاذه.
وأفضل الأحوال أن يقرأه في الصلاة قائما وأن يكون في المسجد، فذلك من أفضل الأعمال، فإن قرأ مضطجعا على الفراش، أو كان/ على غير وضوء فله أيضا فضل، ولكنه دون ذلك، قال الله تعالى:{الذين يذكرون الله قيما وقعودا وعلى جنوبهم} [آل عمران: 191] فأثنى على الكل؛ ولكن قدم القيام في الذكر ثم القعود ثم الذكر مضطجعا.
وفي "المحيط": لابأس أن يقرأ إذا وضع جنبه.
وقال علي رضي الله عنه: من قرأ القرآن وهو قائم في الصلاة كان له بكل حرف مائة حسنة، ومن قرأ وهو جالس في صلاة فله بكل حرف خمسين حسنة، ومن قرأ في غير صلاة وهو على وضوء فخمس وعشرون حسنة، ومن قرأ على غير وضوء فعشر حسنات.
وما كان من القيام بالليل فهو أفضل؛ لأنه أفرغ للقلب، قال أبو ذر الغفاري: إن كثرة السجود بالنهار، وإن طول القيام بالليل.
وقد كان للسلف في قدر القراءة عادات، فأكثر ما ورد في كثرة القراءة من كان يختم في اليوم والليلة ثماني ختمات: أربعا في الليل وأربعا في النهار، ويليه في الكثرة من كان يختم في اليوم والليلة أربعا، ويليه ثلاثا، ويليه ختمتين، ويليه ختمة.
وأولى ما يرجع إليه في التقديرات قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قرأ القرآن في أقل من ثلاث لم يفقهه".
وذلك لأن الزيادة تمنع الترتيل/؛ فقد قالت عائشة رضي الله عنها لما سمعت رجلا يهذ القرآن هذا: إن هذا ما قرأ القرآن، ولا سكت.
وأخرجه ابن أبي داود عن مسلم بن مخراق قال: قلت لعائشة: إن رجالا يقرأ أحدهم القرآن في ليلة مرتين أو ثلاثة. فقالت: قرؤوا ولم يقرؤوا، كنت أقوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة التمام فيقرأ بالبقرة، وآل عمران، والنساء، فلا يمر بآية فيها استبشار إلا دعا ورغب، ولا بآية فيها تخويف إلا دعا واستعاذ.
ويلي ذلك من كان يختم في ليلتين، ويليه من كان يختم في كل ثلاث وهو حسن. وكره جماعات الختم في أقل من ثلاثة؛ لما روى أبو داود
والترمذي وصححه من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعا: "لا يفقه م قرأ القرآن في أقل من ثلاث".
وأخرج ابن أبي داود وسعيد بن منصور عن ابن مسعود رضي الله عنه موقوفا، قال:"لا تقرؤوا القرآن في أقل من ثلاث".
وأخرج أحمد وأبو عبيد عن سعد بن المنذر، - وليس له غيره- قال: قلت: يا رسول الله أقرأ القرآن في ثلاث؟ قال: "نعم إن استطعت".
ويليه من ختم في أربع، ثم في خمس، ثم في ست، ثم في سبع، وهذا أوسط الأمور وأحسنها، وهو فعل الأكثر من الصحابة رضي الله عنهم وغيرهم، وكان
جماعة من الصحابة يختمون القرآن في كل جمعة، كعثمان، وزيد بن ثابت، وابن مسعود، وأبي بن كعب.
وأخرج الشيخان عن عبد الله بن عمرو قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقرأ القرآن في شهر". قلت: إني أجد قوة. قال: "اقرأه في عشر". قلت: إني أجد قوة. قال: "اقرأه في سبع، ولا تزد على ذلك".
وأخرج أبو عبيد وغيره من طريق واسع بن حبان، عن قيس بن أبي صعصعة وليس له غيره- أنه قال: يا رسول الله في كم أقرأ القرآن؟ قال: "في خمسة عشر". قلت: إني أجدني أقوى من ذلك. قال: "اقرأه في جمعة".
ويلي ذلك من ختم في ثمان، ثم في عشر، ثم في شهرين.
أخرج ابن أبي داود عن مكحول قال: كان أقوياء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقرأون القرآن في سبع، ويعضهم في شهر، وبعضهم في شهرين، وبعضهم في أكثر من ذلك.
وفي المحيط البرهاني: رجل يقرأ القرآن كله في يوم واحد، ورجل آخر يقرأ سورة (الإخلاص) في يوم واحد خمسة آلاف مرة، فإن كان الرجل قارئا فقراءة القرآن أفضل؛ لأنه جاء في الختم في ما لم يجئ في غيره.
انتهى.
وقال أبو الليث رحمه الله في "البستان": ينبغي للقارئ أن يختم في السنة مرتين إن لم يقدر على الزيادة، وقد روى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة-
رحمه الله تعالى- أنه قال: "من قرأ القرآن في كل سنة مرتين فقد أدى حقه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم عرض على جبريل في السنة التي قبض فيها مرتين.
وقال غيره: يكره تأخير ختمة أكثر من أربعين يوما بلا عذر- نص عليه أحمد-؛ لأن عبد الله بن عمر سأل النبي صلى الله عليه وسلم: في كم نختم القرآن، ؟ قال:"في أربعين يوما"، رواه أبو داود.
وقال في الإحياء: ففي الختم أربع درجات:
الختم في يوم وليلة، وقد كرهه جماعة.
والختم في شهر كل يوم جزءا من ثلاثين- وكأنه مبالغة في الاقتصار كما أن الأول مبالغة في الاستكثار.
وبينهما درجتان معتدلتان: أحدهما في الأسبوع مرة/.
والثاني في الأسبوع مرتين تقريبا من الثلاث.
والأحب- أي لهذا- أن يختم ختمة بالليل وختمة بالنهار، ويجعل ختمة النهر يوم الاثنين في ركعتي الفجر أو بعدهما، ويختم ختمة الليل ليلة الجمعة في ركعتي المغرب أو بعدهما؛ ليستقبل بختمتيه أول النهار وأول الليل، فإن الملائكة تصلي عليه إن ختمه ليلا حتى يصبح، وإن كان نهارا حتى يمسي، فتشمل بركعتهما جميع النهار والليل.
والتفصيل في مقدار القراءة: إن كان من العابدين السالكين بطريق العمل فلا ينبغي أن ينقص عن ختمتين في الأسبوع، وإن كان من السالكين بأعمال القلب وضروب الفكر، أو من المشغولين بنشر العلم فلا بأس أن يقتصر في الأسبوع على مرة، وإن كان نافذ الفكر في معاني القرآن فقد يكتفي في الشهر بمرة؛ لحاجته إلى كثرة الترديد والتأمل. انتهى ما في الإحياء.
وقال النووي في الأذكار: المختار أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص، فمن كان يظهر له بيقين الفكر لطائف ومعارف، فليقتصر على قدر يحصل له معه كمال فهم. وكذلك من كان/ مشغولا بنشر العلم، أو فصل الحكومات، أو غير ذلك من مهمات الدين والمصالح العامة، فليقتصر على قدر لا يحصل بسببه اختلال مما هو مرصد له، ولا فوات كماله. وإن لم يكن من هؤلاء المذكورين، فليستكثر ما أمكنه من غير خروج إلى حد
الملل أو الهذرمة في القراءة.
وأما من ختم القرآن في أسبوع، فليقسم القرآن سبعة أحزاب، فقد حزبت الصحابة القرآن أحزابا، فروي أن عثمان رضي الله عنه كان يفتتح ليلة الجمعة (بالبقرة) إلى (المائدة)، وليلة السبت (بالأنعام) إلى (هود)، وليلة الأحد ب (يوسف) إلى (مريم) وليلة الاثنين ب (طه) إلى (طسم) موسى وفرعون، وليلة الثلاثاء (بالعنكبوت) إلى (ص) وليلة الأربعاء ب (تنزيل) إلى (الرحمن)، ويختم ليلة الخميس.
وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقسمه سبعة أقسام لا على هذا الترتيب.
وقيل: الحزب الأول ثلاث سور، والثاني خمس سور، والحزب الثالث سبه سور، والرابع تسع سور، والخامس أحد عشر سورة، والسادس ثلاث عشرة سور، والسابع المفصل من (ق).
فهكذا أحزبه الصحابة- رضي الله عنهم أجمعين-، وكانوا يقرأونه كذلك، وفيه خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا قبل عمل الأخماس والأعشار والأجزاء وما سوى هذا محدث.
ويسن أن يستاك تعظيما وتطهيرا. وقد روى ابن ماجه عن علي- كرم الله
وجهه- موقوفا والبزار بسند جيد عنه مرفوعا: "إن أفواهكم طرق للقرآن فطيبوها بالسواك".
قال في "الإتقان": ولو قطع القراءة وعاد عن قرب فمقتضى استحباب التعوذ استحباب إعادة السواك أيضا.
ويسن التعوذ قبل القراءة قال تعالى: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطن الرجيم}
[النحل: 98]، أي: أردت قرأته.
وذهب قوم إلى أنه يتعوذ بعد القراءة؛ لظاهر الآية، وقوم إلى وجوبها لظاهر الآية.
وفي المحيط: إذا قال: بسم الله الرحمن الرحيم"، وأراد به قراءة القرآن يتعوذ قبله. وإذا أراد به. افتتاح القراءة كما يقرأ التلميذ على الأستاذ لا يتعوذ. انتهى.
قال النووي- رحمه الله تعالى-: فلو مر/ على قوم سلم عليهم وعاد إلى القراءة، فإن أعاد التعوذ كان حسنا.
وصفته المختارة: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم"، وكان جماعة من السلف يزيدون "السميع العليم". انتهى.
وعن حمزة: "أستعيذ"، "ونستعيذ" و"استعذت"، واختاره صاحب "الهداية" من الحنفية؛ لمطابقة لفظ القرآن.
وعن حميد بن قيس: أعوذ بالله القادر من الشيطان الغادر.
وعن ابن السماك: أعوذ بالله القوي من الشيطان الغوي.
وعن قوم: أعوذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم.
وعن آخرين: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، إن الله هو السميع العليم.
وفيها ألفاظ آخر.
قال الحلواني في "جامعه": ليس للاستعاذة حد تنتهي إليه، من شاء زاد ومن شاء نقص.
وفي "النشر" لابن الجزري: المختار من أئمة القراءة الجهر بها، وقيل: يسر مطلقا، وقيل: فيما عدا الفاتحة.
قال: وأطلقوا اختيار الجهر. وقيده أبو شامة بقيد لابد منه، وهو: أن يكون بحضرة من يسمعه. قال: لأن الجهر بالتعوذ إظهار شعائر القراءة كالجهر بالتلبية وتكبيرات العيدين.
ومن فوائده؛ أن السامع ينصت للقراءة من أولها لا يفوته منها شيء، وإذا أخفى التعوذ لم يعلم السامع لها إلا بعد أن فاته من المقروء شيء، وهذا المعنى هو الفارق بين الصلاة وخارجها.
قال: واختلف المتأخرون في المراد بإخفائها، فالجمهور على أن المراد به الإسرار، فلا بد من التلفظ وإسماع نفسه، وقيل: الكتمان، بأن يذكرها بقلبه بلا تلفظ.
قال: وإذا قطع القراءة إعراضا، أو بكلام أجنبي- ولو رد السلام- استأنفها أو يتعلق بالقراءة فلا.
قال: وهل هي سنة كفاية أو عين، حتى لو قرأ جماعة جملة، فهل يكفي استعاذة واحد منهم كالتسمية على الأكل، أم لا؟ لم أر فيه نصا، والظاهر الثاني؛ لأن المقصود اعتصام القارئ والنجاة بالله من شر الشيطان، فلا يكون تعوذ واحد كافيا عن آخر، انتهى كلام ابن الجزري.
وسنذكر بعد ذلك صفة الاستعاذة، واختلاف القراء في ذلك في نوع مفرد، وكذلك البسملة واختلاف القراء فيها بنوع خاص أيضا.
وليحافظ على قراءة البسملة أول كل سورة غير (براءة).
وفي "المحيط": فإن استعاذ لسورة (الأنفال) وسمى ومر في قراءته إلى
سورة (التوبة) وقرأها كفاه ما تقدم من الاستعاذة والتسمية، ولا ينبغي له أن يخالف الذين اتقوا وكتبوا المصاحف التي في أيدي الناس، فإن اقتصر على ختم سورة (الأنفال) فقطع القراءة ثم أراد أن يبتدئ بسورة (التوبة) كان كإرادته ابتداء قراءته من (الأنفال)، فيستعيذ ويسمي، وكذلك في سائر السور.
وفي "الكنز": وهي آية من القرآن، أنزلت للفصل، ليست من الفاتحة، ولا من كل سورة. انتهى. فيأتي بها عند الشروع في السورة، لا على أنها منها.
وعند الإمام الشافعي- رحمه الله تعالى-، أنها من الفاتحة، فلا تصح الصلاة بدونها عنده، فإن قرأ من أثناء السورة استحب له أيضا، نص عليه الإمام الشافعي- رحمه الله تعالى- فيما نقله العبادي.
قال القراء: ويتأكد عند قراءة نحو {إليه يرد علم الساعة} [فصلت: 47 [/
{وهو الذى أنشأ جنت} [الأنعام: 141] لما في ذكر ذلك بعد الاستعاذة من البشاعة وإيهام رجوع الضمير إلى الشيطان.
قال ابن الجزري: والابتداء بالآي وسط (براءة) قل من تعرض له، وقد صرح بالبسملة فيه أبو الحسن السخاوي، ورد عليه الجعبري.
ولا يحتاج قراءة القرآن إلى نية، كسائر الأذكار، إلا إذا نذرها خارج الصلاة فلا بد من نية النذر أو الغرض ولو عين الزمان، فلو تركها لم تجز.
نقله القمولي من الشافعية في "جواهره". انتهى.
ويسن الترتيل في قراءة القرآن، قال تعالى شأنه:{ورتل القرءان ترتيلا} {المزمل: 4].
وروى أبو داود وغيره: عن أم سلمة رضي الله عنها: أنها نعتت قراءة
النبي صلى الله عليه وسلم قراءة مفسرة حرفا حرفا.
وفي البخاري عن أنس رضي الله: أنه سئل عن قراءة/ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كانت مدا، ثم قرأ:{بسم الله الرحمن الرحيم} يمد {الله} ويمد {الرحمن} ويمد {الرحيم} .
وفي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه: أن رجلا قال له: إني أقرأ المفصل في ركعة واحدة، فقال: هذا كهذ الشعر، إن قوما يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، ولكن إذا وقع في القلب فرسخ فيه نفع.
وأخرج الآجري في. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
"حملة القرآن" عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: لا تنثروه نثر الدقل، ولا تهذوه هذ الشعر، قفوا عند عجائبه وحركوا به القلوب، ولا يكون هم أحدكم آخر السورة.
وأخرج من حديث ابن عمرو مرفوعا: يقال لصاحب القرآن يوم القيامة: اقرأ وارق في الدرجات، ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية كنت تقرؤها.
قال في "شرح المهذب": واتفقوا على كراهة الإفراط في الإسراع.
قالوا: وقراءة جزء بترتيل أفضل من قراءة جزئين في قدر ذلك الزمان بلا ترتيل. قالوا: واستحباب الترتيل للتدبر، ولأنه أقرب إلى الإجلال والتوقير، وأشد تأثيرا في القلب؛ ولهذا يستحب للأعجمي الذي لا يفهم معناه. انتهى.
وقال في "الإحياء": إن المقصود من القراءة التدبر، والترتيل يعين عليه، وكذلك نعتت أم سلمة قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإذا هي تنعت قراءة مفسرة حرفا حرفا.
وقال ابن عباس رضي الله عنه: لأن أقرأ (البقرة) و (آل عمران) أرتلهما وأتدبرهما أحب إلي من أن أقرأ القرآن كله هذرمة.
وقال أيضا: لأن أقرأ: {إذا زلزلت} و {القارعة} أتدبرهما أحب إلي من أن أقرأ (البقرة) و (آل عمران) تهذيرا.
وسئل مجاهد- رحمه الله تعالى- عن رجلين دخلا في الصلاة وكان قيامهما واحد إلا أن أحدهما قرأ (البقرة) فقط، وقرأ الآخر القرآن كله، فقال: هما في الأجر سواء.
واعلم أن الترتيل مستحب لا لمجرد التدبر، فإن العجمي الذي لا يفهم معنى القرآن يستحب له أيضا الترتيل والتؤدة؛ لأن ذلك أقرب إلى التوقير والاحترام وأشد تأثيرا في القلب من الهذر به، والاستعجال.
وفي "النشر": اختلف، هل الأفضل الترتيل وقلة القراءة، أو السرعة مع كثرتها؟ وأحسن بعض أئمتنا فقال: إن ثواب قراءة الترتيل أجل قدرا، وثواب الكثرة أكثر عددا؛ لأن بكل حرف عشر حسنات.
وفي "البرهان" للزركشي: كمال الترتيل تفخيم ألفاظه، والإبانة عن حروفه، وألا يدغم حرف في حرف، وقيل: هذا أقله، وأكمله أن يقرأه على منازله، فإن قرأ تهديدا لفظ به لفظ المتهدد، أو تعظيما به على
التعظيم.
وتسن القراءة بالتدبر والتفهم، فهو المقصود الأعظم، والمطلوب الأهم، وبه تنشرح الصدور، وتستنير القلوب/ قال تعالى:{كتب أنزلنه إليك مبرك ليدبروا ءايته} [ص: 29] وقال: {أفلا يتدبرون القرءان} [النساء: 82]، وصفة ذلك أن يشغل قلبه بالتفكير في معنى ما تلفظ به فيعرف معنى كل آية، ويتأمل الأوامر والنواهي، ويعتقد قبول ذلك، فإن كان مما قصر عنه فيما مضى اعتذر واستغفر، وإذا مر بآية رحمة استبشر وسأل، أو عذاب أشفق وتعوذ، أو تنزيه نزه وعظم، أو دعا تضرع وطلب.
أخرج مسلم عن حذيفة رضي الله عنه قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح (البقرة) فقرأها، ثم (النساء) فقرأها، ثم (آل عمران) فقرأها، يقرأ مترسلا، إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ.
وروى أبو داود والنسائي وغيرهما عن عوف بن مالك قال: قمت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة، فقام فقرأ سورة (البقرة) لا يمر بآية رحمة إلا وقف وسأل، ولا يمر بآية عذاب إلا وقف وتعوذ.
وروى أبو داود والترمذي حديث: "من قرأ: {والتين والزيتون} [التين: 1] وانتهى إلى آخرها:
{أليس الله بأحكم الحاكمين} [التين: 8]. فليقل بلى وأنا
على ذلك من الشاهدين، ومن قرأ:{لا أقسم بيوم القيمة 1} [القيامة: 1] فانتهى إلى آخرها:
{أليس بقدر على أن يحى الموتى 40} [القيامة: 40] فليقل: بلى. ومن قرأ (المرسلات) فبلغ:
{فبأى حديث بعده يؤمنون} [50] فليقل: آمنا بالله.
وأخرج أحمد وأبو داود عن ابن عباس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ:
{سبح اسم ربك الأعلى 1} قال: سبحان ربي الأعلى.
وأخرج الترمذي والحاكم عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه فقرأ عليهم سورة (الرحمن) من أولها إلى آخرها، فسكتوا، فقال: لقد قرأتها على الجن فكانوا أحسن مردودا منكم، كنت كلما أتيت على قوله:{فبأى ءالاء ربكما تكذبان} [الآيات: 13، 16، 18، 21، 23، 25، 28، 30، 32، 34، 36، 38، 40، 42، 45، 47، 49، 51، 53، 55، 57، 59، 61، 63، 65، 67، 69، 71، 73، 65، 77] قالوا: ولا بشيء من نعمك ربنا نكذب، فلك الحمد.
وأخرج ابن مردويه والديلمي وابن أبي الدنيا في "الدعاء" وغيرهم بسند ضعيف جدا عن جابر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ {وإذا سألك عبادى عنى فإنى قريب} الآية [البقرة: 186]، فقال:"اللهم أمرت بالدعاء وتكفلت بالإجابة، لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك، أشهد أنك فرد أحد (صمد) لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، وأشهد أن وعدك حق، ولقاءك حق، والجنة حق، والنار حق، والساعة آتية لا ريب فيها، وأنك تبعث من في القبور".
وأخرج أبو داود وغيره عن وائل بن حجر رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم
قرا: {ولا الضالين} فقال: "آمين" يمد بصوته.
أخرج الطبراني بلفظ: قال: "آمين"، ثلاث مرات.
وأخرجه البيهقي بلفظ: قال: "رب اغفر لي آمين".
وأخرج أبو عبيد عن أبي ميسرة رضي الله عنه: أن جبريل لقن رسول الله صلى الله عليه وسلم عند خاتمة البقرة، آمين.
وأخرج/ عن معاذ- رضي الله تعالى عنه-: أنه كان إذا ختم سورة البقرة قال: "آمين".
قال النووي: وفي الآداب: إذا قرأ نحو: {وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم} [المائدة: 46] أن يخفض صوته، كذا كان النخعي يفعل.
ولا بأس بتكرير الآية، وترديدها، وروى النسائي وغيره عن أبي ذر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قام بآية يرددها حتى أصبح: {إن تعذبهم فإنهم عبادك} الآية [المائدة: 118].
ويستحب البكاء عند قراءة القرآن والتباكي/ لمن لا يقدر عليه، والحزن والخشوع، قال تعالى:
{ويخرون للأذقان يبكون} [الإسراء: 109].
وقال ابن عباس رضي الله عنه: إذا قرأتم سجدة (سبحانه) فلا تعجلوا بالسجود حتى تبكوا، فإن لم تبك عين أحدكم فليبك قلبك.
وفي "الصحيحين" حديث قراءة ابن مسعود على النبي صلى الله عليه وسلم وفيه: فإذا عيناه تذرفان.
وفي "الشعب" للبيهقي عن سعد بن مالك مرفوعا: "إن هذا القرآن نزل بحزن وكآبة، فإذا قرأتموه فابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا".
وفيه من مرسل عبد الملك بن عمير: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إني قارئ عليكم سورة فمن بكى فله الجنة، فإن لم تبكوا فتباكوا".
وفي مسند أبي يعلى: "اقرأوا القرآن بالحزن، فإنه نزل بالحزن". وفي غيره بلفظ: إن القرآن تنزل بحزن، فإذا قرأتموه فتحازنوا".
وعند الطبراني: "أحسن الناس قراءة من إذا قرأ القرآن يتحزن به".
وقال صالح المري: قرأت القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقال
لي: "يا صالح، هذه القراءة، فأين البكاء؟ ! ".
قال في "شرح المذهب": وطريقه في تحصيل البكاء أن يتأمل ما يقرأ: من التهديد والوعيد الشديد والمواثيق والعهود، ثم يفكر في تقصيره فيها، فإن لم يحضره عند ذلك حزن وبكاء فليبك على فقد ذلك، فإنه من المصائب.
وقال في "الإحياء": وإنما طريق تكلف البكاء أن يحضر قلبه الحزن، فمن الحزن ينشأ البكاء، ووجه إحضار الحزن أن يتأمل ما فيه من التهديد والوعيد والوثائق والعهود، ثم يتأمل تقصيره في أوامره وزواجره، فيحزن له لا محالة ويبكي، فإن لم يحضره حزن وبكاء كما يحضر أرباب القلوب الصافية، فليبك على فقدان الحزن والبكاء، فإن ذلك أعظم المصائب.
ويسن تحسين الصوت بالقراءة وتزيينها؛ لحديث ابن حبان وغيره: "زينوا القرآن بأصواتكم"؛ وفي لفظ عند الدرامي: "حسنوا القرآن بأصواتكم، فإن
الصوت الحسن يزيد القرآن حسنا".
وأخرج البزار وغيره حديث: "حسن الصوت زينة القرآن"، وقال صلى الله عليه وسلم:"ليس منا من لم يتغن بالقرآن".
فإن لم يكن حسن الصوت؛ حسنه ما استطاع، بحيث لا يخرج إلى حد التمطيط.
رأى هيثم القارئ النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقال: قال لي: "أنت هيثم الذي تزين القرآن بصوتك؟ "، قلت: نعم. قال: "جزاك الله خيرا".
وأما القراءة بالألحان، قال في "المحيط البرهاني": هذا على وجهين: إن كان لا يغير الكلمة عن وضعها ولا يؤدي التغني بها إلى تطويل، حتى لا يصير الحرف حرفين، بل تحسين الصوت وتزيين القراءة فذلك مستحب عندنا في الصلاة وخارج الصلاة.
وإن كان يغير الكلمة عن وضعها يوجب فساد الصلاة، وإنما يجوز إدخال
المد في حروف المد واللين، ،هي الهوائية المعتلة بالألف والواو والياء.
انتهى هذا عندنا.
ونص الإمام الشافعي- رحمه الله تعالى- في "المختصر": أنه لا بأس بها.
وعن رواية الربيع الجيزي: أنها مكروهة.
قال الرافعي: فقال الجمهور: ليست على قولين، بل المكروه أن يفرط في المد وفي إشباع الحركات حتى تتولد من الفتحة ألف، ومن الضمة واو، ومن الكسرة ياء، أو يدغم موضع الإدغام، فإن لم ينته إلى هذا الحد فلا كراهة.
قال في "زوائد الروضة": والصحيح أن الإفراط على الوجه المذكور حرام، يفسق به القارئ ويأثم المستمع؛ لأنه عدل به عن نهجه القويم، قال: وهذا مراد الشافعي بالكراهة.
[قال الحافظ السيوطي- رحمه الله تعالى-/: قلت]: وفيه حديث: "اقرأوا القرآن بلحون العرب وأصواتها، وإياكم ولحون أهل الكتابين وأهل الفسق، فإنه سيجيء أقوام يرجعون بالقرآن ترجيع الغناء والرهبانية، لا يجاوز حناجرهم، مفتونة قلوبهم وقلوب من يعجبه شأنهم". أخرجه الطبراني والبيهقي.
قال النووي: يستحب طلب القراءة من حسن الصوت والإصغاء إليها، للحديث الصحيح، ولا بأس باجتماع الجماعة في القراءة ولا بإدارتها، وهي أن يقرأ بعض الجماعة قطعة ثم البعض قطعة بعدها. انتهى.
وورد: "ما أذن الله لشيء إذنه لحسن الصوت بالقرآن".
وروي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينتظر عائشة رضي الله عنها فأبطأت عليه فقال: "ما حبسك؟ "، فقالت: يا رسول الله، كنت أستمع قراءة رجل ما سمعت صوتا أحسن منه، فقام النبي صلى الله عليه وسلم حتى استمع إليه طويلا ثم رجع فقال:"هذا سالم مولى أبي حذيفة، الحمد لله الذي جعل في أمتي مثله".
واستمع أيضا ذات ليلة إلى عبد الله بن مسعود، ومعه أبو بكر وعمر رضي الله عنهم فوقفوا طويلا ثم قال:"من أراد أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد".
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم [لابن مسعود: "اقرأ علي القرآن". فقال: يا رسول الله] أقرأ وعليك أنزل! فقال: "إني أحب أن أسمعه من غيري"، فكان/ يقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وعيناه تفيضان.
واستمع صلى الله عليه وسلم إلى قراءة أبي موسى فقال: "لقد أوتي هذا من مزامير آل داود". فبلغ ذلك أبا موسى فقال: يا رسول الله لو أعلم أنك كنت تسمع لحبرته لك تحبيرا.
وفي الخبر: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اجتمعوا أمروا أحدهم أن يقرأ سورة من القرآن.
وقد كان عمر رضي الله عنه يقول لأبي موسى: ذكرنا ربنا. فيقرأ عنده حتى يكاد وقت الصلاة أن يتوسط، فيقال: يا أمير المؤمنين الصلاة الصلاة. فيقول: أولسنا في الصلاة.
إشارة إلى قوله تعالى: {ولذكر الله أكير} [العنكبوت: 45].
وقال صلى الله عليه وسلم: "من استمع إلى آية من كتاب الله تعالى كانت له نورا يوم القيامة". وفي خبر: "كتبت له عشر حسنات".
ومهما عظم أجر الاستماع وكان التالي هو السبب كان شريكا في الأجر، إلا أن يكون قصده الرياء والتصنع.
ويستحب قراءته بالتفخيم؛ لحديث الحاكم: نزل القرآن بالتفخيم.
قال الحليمي: معناه أن يقرأه على قراءة الرجال ولا يخفض الصوت فيه ككلام النساء.
قال: ولا يدخل في هذا كراهة الإمالة التي هي اختيار بعض القراء، وقد يجوز أن يكون القرآن نزل بالتفخيم فرخص مع ذلك في إمالة ما
يحسن إمالته.
وأما الجهر والإسرار به، فقد وردت أحاديث تقتضي استحباب رفع الصوت بالقراءة، وأحاديث تقتضي الإسرار وخفض الصوت. فمن الأول: حديث الصحيحين: "ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت أن يتغنى بالقرآن ويجهر به".
وقال صلى الله عليه وسلم: "إذا قام أحدكم من الليل يصلي فليجهر بقراءته، فإن الملائكة وعمار الدار يستمعون إلى قراءته، ويصلون بصلاته".
ومن الثاني: حديث أبي داود والنسائي والترمذي: "الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة"، والمسر بالقرآن كالمسر بالصدقة". وفي لفظ:"فضل قراءة السر على قراءة العلانية كفضل صدقة السر على صدقة العلانية".
وفي الخبر العام: "يفضل عمل السر على العلانية سبعين ضعفا".
وكذلك قوله: "خير الرزق ما يكفي/ وخير الذكر الخفي".
وفي الخبر: "لا يجهر بعضكم على بعض في القراءة بين المغرب والعشاء".
وسمع سعيد بن المسيب ذات ليلة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم عمر بن عبد العزيز
يجهر بالقراءة في صلاته- وكان حسن الصوت- فقال لغلامه: اذهب إلى هذا المصلي فمره أن يخفض من صوته، فقال الغلام: إن المسجد ليس لنا وللرجل فيه نصيب، فرفع سعيد صوته وقال: يا أيها المصلي، إن كنت تريد الله تعالى بصلاتك فاخفض صوتك، وإن كنت تريد الناس فإنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا. فسكت عمر وخفف ركعته، فلما سلم أخذ نعليه وانصرف، وهو يومئذ أمير المدينة.
ومما يدل على استحباب الجهر، ما روي: أنه- عليه الصلاة والسلام سمع جماعة من أصحابه يجهرون في صلاة الليل، فصوب ذلك.
قال النووي- رحمه الله تعالى-: والجمع بينهما أن الإخفاء أفضل حيث خاف الرياء، أو تأذى المصلين أو نيام بجهره، والجهر أفضل في غير ذلك؛ لأن العمل فيه أكثر، ولأن فائدته تتعدى إلى السامعين، ولأنه يوقظ قلب القارئ ويجمع معه إلى الفكر، ويصرف سمعه إليه، ويطرد النوم، ويزيد في النشاط.
وقال في: الإحياء": فالوجه في الجمع بين هذه الأحاديث: أن الإسرار أبعد عن الرياء والتصنع فهو أفضل في حق من يخاف ذلك على نفسه، فإن لم يخف ولم يكن في الجهر ما يشوش الوقت على مصل آخر فالجهر أفضل؛ لأن العمل فيه أكثر، ولأن فائدته أيضا تتعلق بغيره، والخير المتعدي أفضل من اللازم، ولأنه يوقظ قلب القارئ ويجمع همه إلى الفكر، ويصرف إليه سمعه، ولأنه يطرد النوم برفع الصوت، ولأنه يزيد في نشاطه في القراءة، ويقلل من كسله، ولأنه يرجو بجهره تيقظ نائم فيكون سبب إحيائه، ولأنه قد يراه باطل غافل فينشط بسبب نشاطه، ويشتاق إلى الخدمة، فمتى حضره شيء من هذه النيات فالجهر أفضل، وإن اجتمعت هذه النيات تضاعف الأجر، وبكثرة النيات يزكو عمل الأبرار، فإن كان في العمل الواحد عشر نيات كان فيه عشر أجور.
ويدل لهذا الجمع حديث أبي داود وبسند صحيح: عن أبي سعيد- رضي الله تعالى عنه- قال: اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة، فكشف الستر وقال: "ألا إن كلكم مناج لربه، فلا يؤذي
بعضكم بعضا، ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة".
وحديث: أنه صلى الله عليه وسلم مر على على ثلاثة من أصحابه مختلفي الأحوال، فمر على أبي بكر وهو يخافت فسأله عن ذلك فقال: إن الذي أناجيه هو يسمعني.
ومر على عمر وهو يجهر: فساله عن ذلك فقال: أوقظ الوسنان وأزجر الشيطان. ومر على بلال وهو يقرأ آيا من هذه السورة، وآيا من هذه، فسأله عن ذلك فقال: أخلط الطيب. فقال:
"كلكم قد أحسن وأصاب".
وفي "المحيط البرهاني": أنه قال لأبي بكر رضي الله عنه: "ارفع من صوتك قليلا"، وقال لعمر رضي الله عنه:"اخفض من صوتك قليلا"، وقال لبلال رضي الله عنه:"إذا افتتحت السورة فلا تنتقل عنها إلى غيرها حتى ترعى حقها". وفيه:
"الأفضل في نوافل الليل أن يكون بين الجهر والإخفاء". واستدل له بما سبق من قوله عليه السلام لأبي بكر: "ارفع من صوتك".
وقال بعضهم: يستحب الجهر ببعض القراءة والإسرار ببعضها؛ لأن المسر قد يمل فيأنس بالجهر، والجاهر قد يكل فيستريح بالإسرار.
واعلم أن القراءة من/ المصحف أفضل من القراءة من الحفظ؛ لأن النظر فيه عبادة مطلوبة.
قال النووي- رحمه الله تعالى-: هكذا قاله أصحابنا والسلف أيضا ولم أر فيه خلافا.
قال: ولو قيل: إنه يختلف باختلاف الأشخاص، فيختار القراءة فيه لمن
استوى خشوعه وتدبره في حالتي القراءة فيه ومن الحفظ، ويختار القراءة من الحفظ لمن يكمل خشوعه بذلك، ويزيد على خشوعه وتدبره لو قرأ من المصحف؛ لكان/ هذا قولا حسنا.
قال الحافظ السيوطي: قلت: ومن أدلة القراءة في المصحف ما أخرجه الطبراني والبيهقي في الشعب من حديث أوس الثقفي مرفوعا: "قراءة الرجل في غير المصحف ألف درجة، وقراءته في المصحف تضاعف ألفي درجة".
وأخرج أبو عبيد بسند ضعيف: "فضل قراءة القرآن نظرا على من يقرأه ظاهرا كفضل الفريضة على النافلة".
وأخرج البيهقي عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- مرفوعا: "من سره أن يحب الله ورسوله فليقرأ في المصحف"، وقال: إنه حديث منكر.
وأخرج بسند حسن عنه موقوفا: "أديموا النظر في المصحف".
وقال في "الإحياء": قراءة القرآن في المصحف أفضل إذ يزيد عمل البصر وتأمل المصحف وحمله، فيزيد الأجر بسببه، وقد قيل: الختمة من المصحف
بسبع؛ لأن النظر في المصحف أيضا عبادة. وقد خرق عثمان- رضي الله تعالى عنه- مصحفين، لكثرة قراءته فيهما.
وكان كثير من الصحابة- رضي الله تعالى عنهم- يقرأون من المصحف، ويكرهون أن يخرج يوم ولم ينظروا في المصحف.
ودخل فقهاء مصر على الإمام الشافعي- رحمه الله تعالى- في السحر وبين يديه المصحف، فقال: شغلكم الفقه عن القرآن، إني لأصلي العتمة وأضع المصحف بين يدي فما أطبقه حتى أصبح.
وحكى الزركشي في "البرهان" ما بحثه النووي أنه قول، وحكى معه قولا ثالثا، أن القراءة من الحفظ أفضل مطلقا، وأن ابن عبد السلام اختاره؛ لأن فيه من التدبر ما لا يحصل بالقراءة من المصحف.
وفي "المحيط البرهاني "عن "شرح الطحاوي" قراءة القرآن من الأسباع جائزة، والقراءة من المصحف أحب، لأن الأسباع محدثة والصحابة كانوا
يقرؤون من المصاحف. انتهى.
ويسن الاستماع لقراءة القرآن وترك اللغط والحديث بحضور القراءة، قال تعالى:
{وإذا قراء القرءان فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون 104} [الأعراف: 204].
ويسن السجود عند قراءة آية السجدة، وهي أربع عشرة: في (الأعراف) و (الرعد) و (النحل) و (الإسراء) ومريم وفي "الحج) عندنا سجدة واحدة في أولها، وعند الشافعي- رحمه الله
تعالى- فيها سجدتان. وفي (الفرقان) و (النمل) و (الم تنزيل) و (فصلت) و (النجم)
و{إذا السماء انشقت 1} و {اقرأ باسم ربك} ، وأما (ص) فهي عندنا من عزائم السجود أيضا، وعند الشافعي مستحبة، ليست من عزائم السجود، أي متأكداته.
وزاد بعضهم آخر (الحجر) نقله ابن الفرس في أحكامه.
وعند مالك- رحمه الله تعالى- ليس في المفصل سجدة. فسجدات القرآن عنده إحدى عشرة سجدة.
ويستحب عندنا أن ينتصب قائما ثم يهوي للسجود لها من غير تشهد وسلام، وعند الشافعي رضي الله عنه يكبر رافعا يديه للتحريمة، ثم يكبر للارتفاع ثم يسلم، وتجب عندنا على التالي والسامع، فإن لم يسجد التالي سجدها السامع. ويجب لها الطهارة والاستقبال وستر
العورة، وإذا قرأها في وقت الكراهة سيجدها لأنها وجبت كذلك. ثم أن يحسن الأدب مع القرآن في الأحوال كلها.
قال في "التبيان": إذا/ ارتج على القارئ فلم يدر ما بعد الموضع الذي انتهى إليه فسأل عنه غيره فينبغي أن يتأدب بما جاء عن ابن مسعود رضي الله عنه والنخعي وبشير بن أبي مسعود قالوا: إذا سأل أحدكم أخاه عن آية فليقرأ ما قبلها ثم يسكت، ولا يقول كيف كذا، فإنه يلبس عليه. انتهى.
وقال ابن مجاهد: إذا شك القارئ في حرف هل هو بالياء أو بالتاء
فليقرأه بالياء فإن القرآن مذكر، وإن شك في حرف هل هو مهموز أو غير مهموز، فليترك الهمز، وإن شك في حرف هل هو ممدود أو مقصور فليقرأه بالقصر، وإن شك في حرف هل هو مفتوح أو مكسور فليقرأه بالفتح؛ لأن الأول غير لحن في موضع، الثاني لحن في بعض المواضع.
قال الحافظ السيوطي- رحمه الله تعالى-: قلت: أخرج عبد الرزاق عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: إذا اختلفتم في ياء وتاء فاجعلوها ياء، ذكروا القرآن. ففهم منه ثعلب أن ما احتمل تذكيره وتأنيثه كان تذكيره أجود.
ورد: بأنه يمتنع إرادة تذكير غير الحقيقي التأنيث لكثرة ما في القرآن منه بالتأنيث نحو: {النار وعدها الله} [الحج: 73]{والتفت الساق بالساق (29)} [القيامة: 29 [{قالت لهم رسلهم} [إبراهيم: 11]، وإذا امتنع إرادة غير
الحقيقي فالحقيقي أولى.
قالوا: ولا يستقيم إرادة أن ما احتمل التذكير والتأنيث غلب فيه التذكير؛ كقوله: {أعجاز نخل خاوية} [الحاقة: 7] فأنث مع جواز التذكير، قال تعالى:{أعجاز نخل منقعر} [القمر: 20](من الشجر الأخضر)[يس: 80].
قالوا: فليس المراد ما فهم، بل المراد بـ "ذكروا": الموعظة والدعاء كما قال تعالى: {فذكر بالقرءان} [ق: 45] إلا أنه حذف الجار، والمقصود: ذكروا الناس بالقرآن، أي: ابعثوهم على حفظه كيلا ينسوه.
قال الحافظ السيوطي- رحمه الله تعالى-: أول الأثر يأبى هذا الحمل.
قال الواحدي: الأمر ما ذهب إليه ثعلب، والمراد إذا احتمل اللفظ التذكير والتأنيث ولم يحتج في التذكير إلى مخالفة المصحف ذكر، نحو {ولا يقبل منها شفعة} [البقرة: 48]. قال: ويدل على إرادته هذا، فقرأوا اما كان من هذا القبيل بالتذكير، نحو:{يوم تشهد عليهم ألسنتهم} [النور: 24]. وهذا في غير الحقيقي.
ويكره قطع القراءة لمكالمة أحد، قال الحليمي: كلام الله تعالى لا ينبغي أن يؤثر عليه كلام غيره. وأيده البيهقي بما في الصحيح: كان ابن عمر رضي الله عنهما إذا قراء القرآن لم يتكلم حتى يفرغ منه.
ويكره أيضا الضحك والعبث والنظر إلى ما يلهي.
والقراءة بالفارسية في الصلاة جائزة عند أبي حنيفة- رحمه الله تعالى-، سواء كان يحسن العربية أم لا، غير أنه إذا كان يحسن العربية يكره له ذلك.
وقال أبو يوسف ومحمد: إن كان يحسن العربية لا يجوز، وإن كان لا يحسن يجوز.
وذكر شيخ الإسلام في "شرح كتاب الصلاة"، وشمس الأئمة
السرخسي في "شرح الجامع الصغير" رجوع أبي حنيفة- رضي الله تعالى عنه- إلى قولهما.
وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه: لا يجوز قراءته على كل حال.
وأجمعوا على أنه تفسد صلاته بالقراءة الفارسية، إنما الخلاف/ في الجواز، ذكر هذا كله في "المحيط البرهاني".
ووجه المنع أن يذهب إعجازه المقصود منه.
وعن القفال من الشافعية: إن القراءة بالفارسية لا تتصور، قيل له: فإذا لا يقدر أحد أن يفسر القرآن؟ قال: ليس كذلك؛ لأن هناك يجوز أن يأتي ببعض مراد تعالى ويعجز عن البعض، وأما إذا أراد أن يقرأه بالفارسية فلا يمكن أن يأتي بجميع مراد الله، لأن الترجمة إبدال لفظة بلفظة تقوم مقامها، وذلك غير ممكن بخلاف التفسير/.
وأما القراءة بالشاذ، فقال الإمام السيوطي رحمه الله تعالى- في (الإتقان):
لا تجوز القراءة بالشاذ، نقل ابن عبد البر الإجماع على ذلك، لكنت ذكر موهوب الجزري جوازها في غير الصلاة، قياسا على رواية الحديث بالمعنى.
وفي "المحيط البرهاني" قال- بعد إطالة-: والصحيح في الجواب في هذا، أنه قرأ بما في مصحف ابن مسعود أو غيره لا يعتد به من قراءة الصلاة، ولا تفسد صلاته؛ لأنه إن لم يثبت ذلك قرآنا ثبت قراءة شاذة، والمقروء في الصلاة إذا كان قراءة شاذة لا يوجب فساد الصلاة، وما روينا في أول هذا الفضل عن أبي يوسف ومحمد وعصام بن يوسف- رحمهم الله تعالى-: أن المصلي إذا قرأ بغير ما في المصحف فصلاته فاسدة. فتأويله: إذا قرأ هذا ولم يقرأ معها شيئا مما في مصحف العامة تفسد صلاته لتركه قراءة ما في المصحف العامة، لا لقراءته ما في المصحف ابن مسعود حتى لو قرأ مع ذلك شيئا مما في مصحف العامة مقدار ما يجوز به الصلاة يجوز صلاته.
ثم الأولى أن يقرأه على ترتيب المصحف في الصلاة وغيرها، إلا إذا كان وارداً عن النبي صلى الله عليه وسلم فيفعل ذلك في النوافل؛ لأنه يتوسع بها نحو ما جاء في الصلاة لحفظ القرآن من أنه من يقرأ في الأولى بـ (ألم السجدة) وفي الثانية بـ (حم الدخان) وفي الثالثة بـ (ياسين) وفي الرابعة بـ (تبارك).
وأما بين الآيات، فقال في "المحيط": يجب أن تعلم بأن المتأخرين اختلفوا في هذا الفصل، منهم من قال: يجوز على كل حال؛ لأنه قارئ بالآيتين جميعا، والآية منفصلة عن الآية بخلاف الكلمة.
ومنهم من فصله تفصيلا، فقال: إن وقف على الآية وقفا تاماً، ثم ابتداء بآية أخرى لا تفسد صلاته، وإن تغير المعنى نحو أن يقرأ:{والتين والزيتون (1) وطور سنين (2) وهذا البلد الأمين (3)} [التين: 1 - 3] ووقف تاما ثم قرأ: {لقد خلقنا الإنسن فى كبد (4)} [البلد: 4]، لأن هذا انتقال من سورة إلى سورة، والكل قرآن، وإما لم يقف ووصل الآية بالآية، إن كان لا يتغير به المعنى نحو أن يقرأ؟ :{ووجوه يومئذ عليها غبرة (40) ترهقها قترة (41)} [عبس: 40 -
41]، [ثم قراء بدون الوقف]:{أولئك هم الكفرون حقا} أو قرأ {إن الذين} [{امنوا وعملوا الصلحت لهم}][لقمان: 8 وفصلت: 8 والبروج: 11]{جزاء الحسنى} [الكهف: 88] [فلا تفسد به صلاته.
أما] إذا تغير المعنى بأن [قرأ: {وجوه يؤميذ}](عليها غبرة)[{ترهقها قترة} [عبس: 40 - 41]{أولئك} ] [{هم المؤمنون حقا} [الأنفال: 74] قال عامة أصحابنا: يفسد صلاته لأن [هذا ليس بقرآن، لأنه إخبار بخلاف ما أخبر الله تعالى وليس بذكر، وبعض أصحابنا قالوا: لا تفسد صلاته لأنه] في هذا بلوى العامة فلا يحكم بالفساد، ويجعل كأنه وقف على الآية الأولى، ثم انتقل إلى الأخرى. انتهى.
وفي (الإتقان): الأولى أن يقرأ على ترتيب المصحف، قال في "شرح المهذب": لأن ترتيبه لحكمة، فلا يتركها إلا فيما ورد الشرع، كصلاة صبح الجمعة بـ (الم) و (هل أتى)، ونظائره، فلو فرق السور أو عكس جاز وترك الأفضل.
وأما قراءة السورة من آخرها إلى أولها فمتفق على منعه؛ لأنه يذهب بعض
نوع الاعجاز، ويزيل حكمة الترتيب.
قال الحافظ السيوطي- رحمه الله تعالى-: قلت: وفيه أثر، أخرج الطبراني بسند جيد عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه سئل عن رجل يقرأ القرآن منكوسا، قال: منكوس القلب.
وأما خلط سورة بسورة، فعد الحليمي تركه من الآداب، لما أخرجه أبو عبيد عن سعيد بن المسيب- رحمه الله تعالى-: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر ببلال وهو يقرأ من هذه السورة ومن هذه السورة" قال: "أخلط الطيب بالطيب"، فقال: "اقرأ السورة على وجهها"، أو قال: "على نحوها". مرسل صحيح، وهو
عند أبي داود موصول عن أبي هريرة، بدون آخره.
وأخرجه أبو عبيد من وجه آخر عن عمر مولى غفرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال: / "إذا قرأت السورة فأنفذها".
وقال: أنبأنا معاذ عن ابن عون قال: سألت ابن سيرين عن الرجل يقرأ من السورة آيتين ثم يدعها ويأخذ في غيرها؟ قال: ليتق أحدكم أن يأثم إثما كبيرا وهو لا يشعر.
وأخرج عن ابن مسعود قال: إذا ابتدأت في سورة فأردت أن تتحول منها إلى غيرها فتحوا إلى {قل هو الله أحد (1)} ، فإذا ابتدأت فلا تتحول منها حتى تختمها.
وأخرج عن ابن أبى الهذيل قال: كانوا يكرهون أن يقرأوا بعض الآية ويدعوا بعضها.
قال أبو عبيد: الأمر عندنا على كراهة قراءة الآيات المختلفة كما أنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم على بلال، وكما كرهه ابن سيرين، وأما حديث عبد الله فوجهه عندي أن يبتدئ الرجل في السورة يريد إتمامها ثم يبدو له في أخرى، أما
من ابتدأ القراءة وهو يريد التنقل من آية إلى آية، وترك التأليف لآي القرآن؛ فإنما يفعله من لا علم له، لأن الله تعالى لو شاء أنزله على ذلك.
وقد نقل القاضي أبو بكر الإجماع على عدم جواز قراءة آية آية من كل سورة، قال البيهقي: وأحسن ما يحتج به أن يقال: إن هذا التأليف لكتابه الله تعالى مأخوذ من جهة النبي صلى الله عليه وسلم، وأخذه عن جبريل، فالأولى بالقارئ أن يقرأه على التأليف المنقول، وقد قال ابن سيرين/: تأليف الله خير من تأليفكم.
قال الحليمي: ويسن استيفاء كل حرف أثبته قارئ؛ ليكون قد أتى على جميع ما هو قرآن.
قال ابن الصلاح والنووي: إذا ابتدأ بقراءة أحد من القراء فينبغي أن لا يزال على تلك القراءة مادام الكلام مرتبطاً، فإذا انقضي ارتباطه فله أن يقرأ بقراءة أخرى، والأولى دوامة على الأول في هذا المجلس. وقال غيرهما بالمنع مطلقا.
قال ابن الجزري: والصواب أن يقال: إن كانت إحدى القراءتين مترتبة على الأخرى منع ذلك منع تحريم، كمن يقرأ:{فتلقى ءادم من ربه كلمت} [البقرة: 37] برفعهما أو نصبها آخذا رفع (آدم) من قراءة غير ابن كثير، ورفع "كلمات" من قراءته ونحو ذلك ما لا يجوز في العربية واللغة، وما لم يكن
كذلك فرق فيه بين مقام الرواية وغيرها، فإن كان على سبيل الرواية حرم أيضا؛ لأنه كذب في الرواية وتخليط، وإن كان على سبيل التلاوة جاز.
وينبغي للقارئ أن يتحرى للقراءة أفضل الأوقات، قال النووي: الأوقات المختارة للقراءة أفضلها ما كان في الصلاة ثم الليل ثم نصفه الأخير وهي بين المغرب والعشاء محبوبة، وأفضل النهار بعد الصبح، ولا تكره في شيء من الأوقات لمعنى فيه، وأما ما رواه ابن أبي داود عن معاذ بن رفاعة عن مشايخه أنهم كرهوا القراءة بعد العصر، وقالوا: هو دراسة يهود؛ فغير مقبول، ولا أصل له.
ويختار من الأيام يوم عرفة، ثم يوم الجمعة، ثم الاثنين والخميس، ومن الأعشار العشر الأخيرة من رمضان، والأول من ذي الحجة، ومن الشهور رمضان، ويختار الابتداء به ليلة الجمعة.
ويختمه ليلة الخميس، فقد روى ابن أبي داود عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه كان يفعل ذلك. والأفضل الختم أول النهار وأول الليل؛ لما رواه الدرامي بسند حسن عن سعد ابن أبي وقاص، قال: إذا وافق ختم القرآن أول الليل صلت عليه الملائكة حتى يصبح، وإن وافق ختمه أخر الليل صلت عليه الملائكة حتى يمسي.
وتقدم عن "الإحياء": أن يكون الختم أول النهار في ركعتي الفجر، وأول الليل في ركعتي سنة المغرب.
وعن ابن المبارك يستحب الختم في الشتاء أول الليل، وفي الصيف أول النهار.
ويسن صوم يوم الختم، أخرجه ابن أبي داود/ عن جماعة من التابعين. وأن يحض ره أهله وأصدقاءه، أخرج الطبراني عن أنس رضي الله عنه أنه كان إذا ختم القرآن جمع أهله ودعا.
وأخرج ابن أبي داود عن الحكم بن عتيبة قال: أرسل إلى مجاهد
وعبدة ابن أبي لبابة: وقالا: إنا أرسلنا إليك لأنا أردنا أن نختم القرآن والدعاء يستجاب عند ختم القرآن.
وأخرج عن مجاهد قال: كانوا يجتمعون عند ختم القرآن ويقولون: عنده تتنزل الرحمة.
ويستحب التكبير من (الضحى) إلى آخره القرآن، وهي قراءة المكيين.
أخرج البيهقي في "الشعب" وابن خزيمة من طريق ابن أبي بزة: سمعت عكرمة بن سليمان قال: قرأت على إسماعيل بن عبد الله المكي،
فلما بلغت (الضحى) قال لي: كبر حتى تختم، فإني قرأت على عبد الله بن كثير فأمرني بذلك وقال: قرأت على مجاهد فأمرني بذلك، وأخبرني مجاهد أنه قرأ على ابن عباس فأمره بذلك، وأخبر ابن عباس رضي الله عنهما أنه قرأ على أبي بن كعب فأمره بذلك. كذا أخرجاه موقوفا. ثم أخرج البيهقي من وجه آخر عن ابن أبي بزة مرفوعا، وأخرجه من هذا الوجه- يعني المرفوع- الحاكم في مستدركه وصححه، وله طرق كثيرة عن البزي. وعن موسى بن هارون قال:[قال لي البزي: قال: ] قال لي محمد بن إدريس الشافعي: إن تركت التكبير فقد تركت سنة من سنن نبيك.
قال الحافظ عماد الدين بن كثير: وهذا يقتضي تصحيحه للحديث.
روى أبو العلاء الهمذاني: عن البزي: أن الأصل في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم انقطع عنه الوحي فقال المشركون: قلى محمدا ربه. فنزلت سورة (الضحى)، فكبر النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن كثير: ولم يرد بذلك إسناد يحكم عليه بصحة ولا ضعف.
وسيأتي إن شاء الله تعالى في علوم القراءة ذكر التكبير مفردا بنوع نستقضي فيلك صفة التكبير، وسببه، إلى غير ذلك.
وقال الحليمي: نكتة التكبير التشبيه للقراءة بصوم رمضان إذا أكمل عدته يكبر، فكذا هنا يكبر إذا أكمل عدة السورة.
قال: وصفته أن تقف بعد كل سورة وقفة وتقول: الله أكبر.
وكذا قال سليم الرازي في تفسيره: يكبر بين كل سورتين تكبيرة، ولا يصل آخر السورة بالتكبير، بل يفصل بينهما بسكتة.
قال: ومن لا يكبر من القراء حجتهم في ذلك أن في ذلك ذريعة إلى الزيادة في القرآن بأن يداوم عبه فيتوهم أنه منه.
وفي "النشر": اختلف القراء في ابتدائه، وهل هو من أول (الضحى) أو من أخرها؟ .
وفي انتهائه: هل هو أول سورة (الناس) أو آخرها؟ وفي وصله بأولها أو وقطعه، والخلاف في الكل مبني على أصل وهو أنه: هل هو لأول السورة أو لآخرها.
وفي لفظه: فقيل: الله أكبر.
وقيل لا إله إلا الله والله أكبر.
وسواء في التكبير الصلاة وخارجها. صرح به السخاوي وأبو شامة.
ويسن الدعاء عقب الختم لحديث الطبراني وغيره عن العرباض بن
سارية- رضي الله تعالى عنه- مرفوعا: "من ختم القرآن فبه دعوة مستجابة".
وفي "الشعب" من حديث أنس- رضي الله تعالى عنه- مرفوعا: "من ختم القرآن فله دعوة مستجابة".
وفي "الشعب" من حديث- رضي الله تعالى عنه- مرفوعا: "مع كل ختمة دعوة مستجابة".
وفي "الشعب" من حديث أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- مرفوعا: "من قرأ القرآن وحمد الرب وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم واستغفر ربه فقد طلب الخير من مظانه". أي: مكانه.
ويسن إذا فرغ من الختمة أن يشرع في أخرى عقيب الختم/؛ لحديث الترمذي وغيره: أحب الأعمال إلى الله تعالى الحال المرتحل الذي يضرب من أول القرآن إلى أخره، كلما حل ارتحل/.
وأخرج الدرامي بسند حسن عن ابن عباس رضي الله عنهما عن أبي بن كعب- رضي الله تعالى عنه-: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ: {أعوذ برب الناس} افتتح من {الحمد} ، ثم قرأ من (البقرة) إلى:{أولئك هم المفلحون} [5]، ثم دعا بدعاء الختمة، ثم قام.
ومنع الإمام أحمد من تكرير سورة (الإخلاص) عند الختم، لكن عمل الناس على خلافه.
قال: بعضهم: والحكمة فيه ما ورد أنها تعدل ثلث القرآن فيحصل بذلك ختمة.
فإن قيل: ينبغي أن تقرأ أربعا ليحصل له ختمتان.
أجيب: إن المقصود أن يكون على يقين من حصول ختمة، إما التي قرأها وإما التي حصل ثوابها بتكرير السورة. انتهى.
قال الحافظ السيوطي- رحمه الله تعالى-: وحاصل ذلك يرجع إلى جبر ما لعله حصل في القراءة من خلل. وكما قاس الحليمي التكبير عند الختم على التكبير عند إكمال رمضان. فينبغي أن يقاس تكرار سورة الإخلاص على اتباع رمضان بست من شوال. انتهى.
ويكره اخاذ القرآن معيشة يكتسب بها.
أخرج الآجري من حديث عمران بن حصين- رضي الله تعالى عنه- مرفوعا: "من قرأ القرآن فليسأل الله به فإنه سيأتي قوم يقرأون القرآن يسألون الناس".
وروى البخاري في "تاريخه الكبير" بسند صالح حديث: "من قرأ القرآن عند ظالم ليرفع منه لعن بكل حرف عشر لعنات".
ويكره أن يقول: نسيت آية كذا، بل أنسيتها؛ لحديث الصحيحين في النهي عن ذلك.