الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يعلم أن معنى قول القائل: هذا الكلام أبلغ من هذا الكلام. أن هذا موضعه له حسن ولطف، وذاك في موضعه له حسن ولطف، وهذا الحسن في موضعه أكمل من ذلك في موضعه.
فإن من قال: {قل هو الله أحد} [الإخلاص] أبلغ من {تبت يدا أبي لهب} [المسد] يجعل المقابلة بين ذكر الله وذكر أبي لهب وبين التوحيد والدعاء على الكافر، وذلك غير صحيح، بل ينبغي أن يقال:{تبت يدا أبي لهب} دعاء عليه بالخسران، فهل توجد عبارة للدعاء بالخسران أحسن من هذه؟ . وكذلك في {قل هو الله أحد} لا توجد عبارة تدل على الوحدانية أبلغ منها؛ فالعالم إذا نظر إلى {تبت يدا أبي لهب} في باب الدعاء بالخسران، ونظر إلى {قل هو الله أحد} في باب التوحيد، لا يمكنه أن يقول أحدهما أبلغ من الأخرى. انتهى.
وقال غيره: اختلف القائلون بالتفضيل، فقال بعضهم: الفضل راجع إلى عظم الأجر ومضاعفة الثواب بحسب انفعالات النفس، وخشيتها، وتدبرها، وتفكرها عند ورود أوصاف العلا.
وقيل: بل يرجع لذات اللفظ، وأن ما تضمنه قوله تعالى {وإلهكم إلهٌ واحد} الآية [البقرة: 163]، و (آية الكرسي)، وآخر سورة (الحشر)، وسورة (الإخلاص)، من الدلالات على وحدانيته وصفاته، ليس موجودا مثلا في مثل {تبت يدا أبي لهب} وما كان مثلها، فالتفضيل إنما هو بالمعاني العجيبة وكثرتها.
وقال الحليمي ونقله عنه البيهقي:
معنى التفضيل يرجع إلى أشياء:
أحدها: أن يكون العمل بآية أولى من العمل بأخرى وأعود على الناس،
وعلى هذا يقال: آيات الأمر والنهي، والوعد والوعيد، خير من آيات القصص؛ لأنها إنما أريد بها تأكيد الأمر والنهي، والوعد والوعيد، والإنذار والتبشير، ولا غناء للناس عن هذه الأمور، وقد يستغنون عن القصص، فكان ما هو أعود عليهم وأنفع لهم [مما] يجري مجرى الأصول خيرا لهم، مما يجعل تبعا لما لا بد منه.
الثاني: أن يقال الآيات التي تشتمل على تعديد أسماء الله وبيان صفاته، والدلالة على عظمته أفضل، بمعنى أن مخبراتها أسنى وأجل قدرا.
الثالث: أن يقال سورة خير من سورة، وآية خير من آية، بمعنى أن القارئ يتعجل له بقراءتها فائدة سوى الثواب الآجل، ويتأدى منه بتلاوتها عبادة، كقراءة آية (الكرسي) و (الإخلاص) و (المعوذتين)، فإن قارئها يتعجل بقراءتها الاحتراز مما يخشى والاعتصام بالله، ويتأدى بتلاوتها عبادة الله؛ لما فيها من ذكره سبحانه بالصفات العلا/ على سبيل الاعتقاد لها، وسكون النفس إلى فضل ذلك الذكر وبركته، وأما آيات الحكم فلا يقع بنفس تلاوتها إقامة حكم، وإنما يقع بها علم.
ثم لو قيل في الجملة: إن القرآن خير من "التوراة" و"الإنجيل" و"الزبور"، بمعنى أن التعبد بالتلاوة والعمل واقع به دونها، والثواب بحسب قراءته لا بقراءتها، وأنه من حيث الإعجاز حجة النبي المبعوث، وتلك الكتب لم
تكن معجزة ولا كانت حجج أولئك الأنبياء، بل كانت دعوتهم، والحج غيرها، لكان ذلك أيضا نظير ما مضى.
وقد يقال: إن سورة أفضل من سورة؛ لأن الله جل شأنه جعل قراءتها كقراءة أضعافها مما سواها، وأوجب بها من الثواب ما لم يوجب بغيرها، وإن كان المعنى الذي لأجله بلغ بها هذا المقدار لا يظهر لنا، كما يقال/ إن يوما أفضل من يوم، وشهرا أفضل من شهر، بمعنى أن العبادة فيه تفضل عن العبادة في غيره، والذنب فيه أعظم منه في غيره. وكما يقال: إن الحرم أفضل من الحل، لأنه يتأدى فيه من المناسك ما لا يتأدى في غيره، والصلاة فيه تكون كصلاة مضاعفة مما تقام في غيره. انتهى كلام الحليمي.
وقال ابن التين - وهو شارح البخاري - في حديث البخاري: "لأعلمنك سورة هي أعظم السور: معناه: أن ثوابها أعظم من غيرها.
وقال غيره: إنما كانت أعظم السور لأنها جمعت جميع مقاصد "القرآن"، ولذلك سميت (أم القرآن).
وقال الحسن البصري: إن الله أودع علوم الكتب السابقة في "القرآن" ثم أودع علوم القرآن في (الفاتحة)، فمن علم تفسيرها كان كمن علم تفسير جميع
الكتب المنزلة. أخرجه البيهقي.
وبيان اشتمالها على علوم القرآن قرر الزمخشري باشتمالها على الثناء على الله بما هو أهله، وعلى التعبد بالأمر والنهي، وعلى الوعد والوعيد. انتهى.
وآيات "القرآن" لا تخلو عن أحد هذه الأمور.
وقال الإمام فخر الدين الرازي: المقصود من "القرآن" كله تقرير أمور أربعة: الإلهيات، والمعاد، والنبوات، وإثبات القضاء والقدر لله تعالى، فقوله:{الحمد لله رب العالمين} يدل على الإلهيات. وقوله: {مالك يوم الدين} يدل على المعاد. وقوله {إياك نعبد وإياك نستعين} يدل على نفي الجبر وعلى إثبات أن الكل بقضاء الله وقدره. وقوله: {اهدنا الصراط المستقيم} إلى آخر السورة، يدل على إثبات قضاء الله، وعلى النبوات.
فلما كان المقصد الأعظم من القرآن هذه المطالب الأربعة، وهذه السورة مشتملة عليها سميت (أم القرآن).
وقال البيضاوي: هي مشتملة على الأحكام النظرية والأحكام العملية
التي هي سلوك الطريق المستقيم، والإطلاع على مراتب السعداء ومنازل الأشقياء.
وقال الطيبي: هي مشتملة على أربعة أنواع من العلوم التي هي مناط الدين:
أحدها: علم الأصول، ومعاقده: معرفة الله وصفاته، وإليها الإشارة بقوله:{رب العالمين (2) الرحمن الرحيم} . ومعرفة النبوات، وهي المرادة بقوله تعالى:{أنعمت عليهم} . ومعرفة المعاد، وهي المومى إليها بقوله:{مالك يوم الدين} .
وثانيها: علم الفروع واسمه العبادات، وهو المراد بقوله تعالى:{إياك نعبد} .
وثالثها: علم ما يحصل به الكمال، وهو علم الأخلاق، وأجله الوصول إلى الحضرة الصمدانية، والالتجاء إلى جناب الفردانية، والسلوك لطريقه، والاستقامة فيها، وإليه الإشارة بقوله:{وإياك نستعين اهدنا الصراط المستقيم} .
ورابعها: علم القصص والأخبار عن الأمم السالفة والقرون الخالية، السعداء منهم والأشقياء وما يتصل بها من وعد محسنهم، ووعيد مسيئهم، وهو المراد بقوله:{أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين} .
وقال الغزالي: مقاصد القرآن ستة، ثلاثة مهمة، وثلاثة متمة:
الأولى: تعريف المدعو إليه كما أشير إليه بصدرها. وتعريف الصراط المستقيم، وقد صرح به فيها، وتعريف الحال عند الرجوع إليه تعالى، وهو الآخرة كما أشير إليه بـ {مالك يوم الدين} .
والأخرى: تعريف أحوال المطيعين، كما يشير إليه بقوله {الذين أنعمت عليهم} ، وحكاية أقوال الجاحدين، وقد أشير إليها بـ {المغضوب عليهم ولا الضالين} . وتعريف منازل الطريق، كما أشير إليه بقوله:{إياك نعبد وإياك نستعين} انتهى.
ولا ينافي هذا وصفها في الحديث الآخر بكونها ثلثي القرآن، لأن بعضهم وجهه/ بأن دلالات القرآن الكريم إما أن تكون بالمطابقة أو بالتضمن أو بالالتزام، وهذه السورة تدل على جميع مقاصد القرآن بالتضمين والالتزام دون المطابقة والاثنان من الثلاثة ثلثان، ذكره الزركشي في "شرح التنبيه" وناصر الدين بن الميلق.
قال: وأيضا الحقوق ثلاثة، حق الله على عباده، وحق العباد على الله، وحق بعض العباد على بعض، وقد اشتملت الفاتحة صريحا على الحقين الأولين، فناسب كونها بصريحها ثلثي القرآن. وحديث:"قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين" شاهد لذلك.
قال الحافظ السيوطي - رحمه الله تعالى -: قلت: ولا تنافي أيضا بين كون الفاتحة أعظم السور، وبين الحديث الآخر أن (البقرة) أعظم السور؛ لأن المراد به ما عدا (الفاتحة) من السور التي فصلت فيها الأحكام وضربت الأمثال، وأقيمت الحجج، إذ لم تشتمل سورة على ما اشتملت عليه، ولذلك سميت: فسطاط القرآن.
قال ابن العربي في أحكامه: سمعت بعض أشياخي يقول: اشتملت سورة (البقرة) على ألف أمر، وألف نهي، وألف حكم، وألف خبر، ولعظيم فقهها أقام ابن عمر ثماني سنين على تعليمها. أخرجه مالك في "الموطأ".
قال ابن العربي أيضا: وإنما صارت (آية الكرسي) أعظم الآيات لعظم مقتضاها؛ فإن الشيء إنما شرف بشرف ذاته ومقتضاه ومتعلقاته.
وهي في آي القرآن كسورة (الإخلاص) في سور القرآن، إلا أن سورة (الإخلاص) تفضلها بوجهين:
أحدهما: / أنها سورة وهذه آية، والسورة أعظم؛ لأنه وقع التحدي بها، فهي أفضل من الآيات التي لم يتحد بها.
والثاني: أن سورة (الإخلاص) اقتضت التوحيد في خمسة عشر حرفا، و (آية الكرسي) اقتضت التوحيد في خمسين حرفا؛ فظهرت القدرة في الإعجاز بوضع معين معبرا عنه بخمسين حرفا ثم يعبر عنه بخمسة عشر، وذلك بيان لعظيم القدرة، والانفراد بالوحدانية.
وقال ابن المنير: اشتملت (آية الكرسي) على ما لم تشتمل عليه آية من أسماء الله تعالى، وذلك أنها مشتملة على سبعة عشر موضعا فيها اسم الله تعالى ظاهرا في بعضها، ومستكنا في بعض، وهي {الله لا إله إلا هو الحي القيوم} [البقرة: 255] ضمير {لا تأخذه} ، {وله} ، و {عنده} ، و {بإذنه} ، و {يعلم} ، و {علمه} و {شاء} ، و {كرسيه} ، و {يؤوده} ، وضمير {حفظهما} المستتر الذي هو فاعل المصدر {وهو العلي العظيم} .
وإن عددت الضمائر المتحملة في {الحي القيوم} ، {العلي العظيم} ، والضمير المقدر قبل {الحي} على أحد الأعاريب، صارت اثنتين وعشرين.
قال الغزالي رضي الله عنه: إنما كانت (آية الكرسي) سيدة الآيات؛ لأنها اشتملت
على ذات الله وصفاته وأفعاله فقط ليس فيها غير ذلك، ومعرفة ذلك هي المقصد الأقصى في العلوم وما عداه تابع له، والسيد اسم للمتبوع المقدم.
فقوله: {الله} : إشارة إلى الذات.
{لا إله إلا هو} : إشارة إلى توحيد الذات.
{الحي القيوم} : إشارة إلى صفة الذات وجلاله، فإن معنى القيوم؛ الذي يقوم بنفسه ويقوم به غيه، وذلك غاية الجلال والعظمة.
{لا تأخذه سنةٌ ولا نومٌ} : تنزيه وتقديس له عما يستحيل عليه من أوصاف الحوادث، والتقديس عما يستحيل أحد أقسام المعرفة.
{له ما في السماوات وما في الأرض} : إشارة إلى الأفعال كلها، وأن جميعها منه وإليه.
{من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه} : إشارة إلى انفراده بالملك والحكم والأمر، وأن من يملك الشفاعة إنما يملكها بتشريفه إياه والإذن فيها، وهذا نفي الشركة عنه في الملك/ والأمر.
{يعلم ما بين أيديهم} إلى قوله: {شاء} : إشارة إلى صفة العلم وتفضيل بعض المعلومات، والانفراد بالعلم حتى لا علم لغيره إلا ما أعطاه ووهبه، على قدر مشيئته وإرادته.
{وسع كرسيه السماوات والأرض} : إشارة إلى عظمة ملكه، وكمال قدرته.
{ولا يؤوده حفظهما} : إشارة إلى صفة القدرة وكمالها وتنزيهها عن الضعف والنقصان.
{وهو العلي العظيم} : إشارة إلى أصلين عظيمين في الصفات.
فإذا تأملت هذه المعاني ثم تلوت جميع آي القرآن، لم تجد جملتها مجموعة في آية واحدة، فإن {شهد الله} ليس فيها إلا التوحيد، وسورة
?
(الإخلاص) ليس فيها إلا التوحيد والتقديس، و {قل اللهم مالك الملك} ليس فيها إلا الأفعال، و (الفاتحة) فيها الثلاثة لكن غير مشروحة بل مرموزة، والثلاثة مجموعة مشروحة في (آية الكرسي). والذي يقرب منها في جميعها آخر سورة (الحشر) وأول (الحديد) ولكنها آيات لا آية واحدة.
فإذا قابلت (آية الكرسي) بأحد تلك الآيات وجدتها أجمع للمقاصد، فلذلك استحقت السيادة على الآي، كيف [لا] وفيها الحي القيوم وهو الاسم الأعظم، كما ورد به الخبر. انتهى كلام الغزالي.
ثم قال: إنما قال صلى الله عليه وسلم في (الفاتحة) أفضل، وفي (آية الكرسي) سيدة؛ لسر، وهو أن الجامع بين فنون الفضل وأنواعها الكثيرة يسمى أفضل؛ فإن الفضل هو الزيادة، والأفضل هو الأزيد، وأما السؤود فهو رسوخ في معنى الشرف الذي يقتضي الاستتباع ويأبى التبعية، و (الفاتحة) تتضمن التنبيه على معان كثيرة، ومعارف مختلفة، فكانت أفضل و (آية الكرسي) تشتمل على المعرفة العظمى؛ التي هي المقصودة المتبوعة التي يتبعها سائر المعارف، فكان اسم السيد بها أليق. انتهى.
ثم قال في حديث "قلب القرآن (يس) ": إن ذلك لأن الإيمان صحته
بالاعتراف بالحشر والنشر، وهو مقرر في هذه السورة بأبلغ وجه، فجعلت قلب القرآن لذلك واستحسنه الإمام فخر الدين الرازي.
وقال النسفي: يمكن أن يقال: هذه السورة ليس فيها إلا تقرير الأصول الثلاثة: الوحدانية، والرسالة، والحشر، وهو القدر الذي يتعلق بالقلب والجنان، وأما الذي باللسان والأركان ففي غير هذه السورة، فلما كان فيها أعمال القلب لا غير؛ سماها قلبا، ولهذا أمر بقراءتها عند المحتضر؛ لأن في ذلك الوقت يكون اللسان ضعيف القوة، والأعضاء ساقطة، لكن القلب قد أقبل على الله ورجع عما سواه، فيقرأ عنده ما يزداد به قوة في قلبه ويشتد في تصديقه بالأصول الثلاثة. انتهى.
واختلف الناس في معنى كون سورة (الإخلاص) تعدل ثلث القرآن:
فقيل: كأنه سمع شخصا يكررها تكرار من يقرأ ثلث القرآن، فخرج الجواب على هذا. وفيه بعد عن ظاهر الحديث وسائر طرق الحديث ترده.
وقيل: لأن القرآن يشتمل على قصص وشرائع وصفات وسورة (الإخلاص) كلها صفات، فكانت ثلثا بهذا الاعتبار.
وقال الإمام الغزالي - رحمه الله تعالى - في "الجواهر": معارف القرآن المهمة ثلاثة: معرفة التوحيد، والصراط المستقيم، والآخرة، وهي مشتملة على الأول، فكانت ثلثا.
وقال أيضا، فيما نقله الإمام الرازي: القرآن مشتمل على البراهين القاطعة على وجود الله ووحدانيته وصفاته، إما صفات الحقيقة، وإما صفات الفعل، وإما صفات الحكم، فهذه ثلاثة أمور، وهذه السورة تشتمل على صفات الحقيقة، فهي ثلث.
وقال الخويي: المطالب التي في القرآن معظمها الأصول/ الثلاثة التي بها يصح الإسلام ويحصل الإيمان، وهي: معرفة الله، والاعتراف بصدق رسوله، واعتقاد القيام بين يدي الله؛ فإن من عرف أن الله واحد، وأن النبي صادق، وأن الدين واقع؛ صار مؤمنا حقا، ومن أنكر شيئا منها: كفر قطعا، وهذه السورة تفيد الأصل الأول، / فهي ثلث القرآن من هذا الوجد.
وقال غيره: القرآن قسمان: خبر وإنشاء. والخبر قسمان: خبر عن الخالق، وخبر عن المخلوق. فهذه ثلاثة أثلاث. وسورة (الإخلاص) أخلصت الخبر عن الخالق، فهي بهذا الاعتار ثلث.
وقيل: تعدل في الثواب، وهو الذي يشهد له ظاهر الحديث، والأحاديث
الواردة في سورة (الزلزلة) و (النصر) و (الكافرين)، لكن ضعف ابن عقيل ذلك وقال: لا يجوز أن يكون المعنى فله أجر ثلث القرآن، لقوله:"من قرأ القرآن فله بكل حرف عشر حسنات".
وقال ابن عبد البر: السكوت في مثل هذه المسألة أفضل من الكلام فيها وأسلم. ثم أسند إلى إسحاق بن منصور؛ قلت لأحمد بن حنبل: قوله صلى الله عليه وسلم: "قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن"، ما وجهه؟ فلم يقم لي فيها على أمر.
وقال إسحاق بن راهويه: معناه أن الله لما فضل كلامه على سائر الكلام جعل لبعضه أيضا فضلا في الثواب لمن قرأه، تحريضا على تعليمه، لا أن من قرأ {قل هو الله أحد} ثلاث مرات كان كمن قرأ القرآن جميعه؛ هذا لا يستقيم، ولو قرأها مائتي مرة.
قال ابن عبد البر: فهذان إمامان بالسنة ما قاما ولا قعدا في هذه المسألة.
وقال ابن الميلق في حديث: "إن الزلزلة نصف القرآن": لأن أحكام القرآن تنقسم إلى أحكام الدنيا، وأحكام الآخرة، وهذه السورة تشتمل على أحكام الآخرة كلها إجمالا، وزادت على (القارعة) بإخراج الأثقال، وبحديث الأخبار.
وأما تسميتها في الحديث الآخر ربعا؛ فلأن الإيمان بالبعث ربع الإيمان في الحديث الذي رواه الترمذي: "لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربع: يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، بعثني بالحق، ويؤمن بالموت، ويؤمن بالبعث بعد الموت، ويؤمن بالقدر".
فاقتضى هذا الحديث أن الإيمان بالبعث الذي حوته، هذه السورة ربع
الإيمان الكامل الذي دعا إليه القرآن.
وقال أيضا في سر كون (ألهاكم) تعدل ألف آية: أن القرآن ستة آلاف آية ومائتا آية وكسر، فإذا تركنا الكسر كان الألف سدس القرآن، وهذه السورة تشتمل على سدس مقاصد القرآن، فإنها فيما ذكره الغزالي ستة: ثلاثة مهمة، وثلاثة متمة - وتقدمت - وأحدها معرفة الآخرة المشتمل عليه السورة، والتعبير عن هذا المعنى بألف آية أفخم وأجل وأضخم من التعبير بالسدس.
وقال أيضا في سر كون سورة (الكافرين) ربعا وسورة (الإخلاص) ثلثا، مع أن كلا منهما يسمى الإخلاص: أن سورة (الإخلاص) اشتملت من صفات الله على ما لم تشتمل عليه (الكافرون).
وأيضا: فالتوحيد إثبات إلهية المعبود وتقديسه [ونفي إلهية ما سواه، وقد صرحت (الإخلاص) بالإثبات والتقديس]، ولوحت إلى نفي عبادة غيره، و (الكافرون) صرح بالنفي ولوحت بالإثبات والتقديس؛ فكان بين الرتبتين من التصريحين والتلويحين ما بين الثلث والربع. انتهى.