الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب
جواهر الدّرر في مناقب ابن حجر
تصنيف الشّيخ أبي بكر بن محمّد بن عبد الله الشّافعيّ
تحقيق أبي الفوارس أحمد بن فريد المزيدي
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه تعالى نستعين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وعلى صحبه أجمعين.
مقدمة:
مناقب الهمام الأجل والحبر الأكمل فريد عصره وأوانه، والمقدم على أقرانه فى زمانه العلامة شهاب الدين أحمد بن حجر الهيتمى. . . نفعنا الله تعالى به والمسلمين أجمعين. . . آمين.
الشيخ الإمام العلامة شهاب الدين أحمد بن محمد بن محمد بن على بن حجر الهيتمى، نسبة إلى محلة أبى الهيتم من أقاليم مصر، السّعدى نسبة إلى بنى سعد الموجودين الآن فى مصر، الأنصارى باعتبار المشهور فى بنى سعد المذكورين أنهم من الأنصار، وروى بخطه فى سبب شهرته بابن حجر، أن جدّه لما كان ملازما للصمت فى جميع أحواله لا ينطق إلا لضرورة سمى حجرا!.
وكان إمام زمانه وواحد عصره وأوانه يعضد بالفتاوى الدّينية من كل فجّ عميق، وتأتيه المشكلات محفلة فتعود بفتح مبين ووجه طليق. أكرم به من عالم عمّ نفعه، وأصبح أبهى الناس، مرتفع الذكر، فمصنفاته جديرة بأن تكتب بماء العيون، وأن يبذل فى تحصيلها المال والأهل والبنون، ولقد أجاد من قال:
إمام إذا عدّ الأكابر خلة
…
إذا حقق التحقيق واسطة العقد (1)
يشار إليه بالأصابع هيبة
…
ويذكر فى أهل العلا أول العدّ
ولد-رضى الله عنه-كما شق هو بخطه بمحلة أبى الهيتم بعد انتقال أهله عن بلدهم الأصلية «سلمنت» أواخر سنة تسع وتسعمائة، ومات أبوه وهو صغير فكفله شيخا أبيه الإمامان الكاملان، الشمس ابن أبى الحمائل، وتلميذه الشمس الشنّاوى (2)، ثم إن
(1) واسطة العقد: هى الدّرّة التى فى وسط العقد وهى أنفس خرزها أو هى الجوهر الذى هو فى وسط القلادة وهو أجودها:
(2)
الشناوى: هو أحمد بن على بن عبد القدوس بن محمد المصرى ثم المدنى، المعروف بالشناوى =
الشناوى نقله إلى الجامع الأزهر أول سنة أربع وعشرين وتسعمائة، وجمعه بعلمائه، فحفظ المنهاج، وقرأ على جماعة أعلام فى الحديث، كالإمام الزّينى عبد الحق السنباطى (1) واجتمع مع شيخ الإسلام القاضى (2) زكريا وحدثه بالمسلسل بالأوليّة، وأجازه به وبسائر مروياته، ولم يجتمع به قط إلا وقال له: أسأل الله أن يفقهك فى الدّين، وقرأ فى الفقه على جماعة كالنّاصر الطبلاوى، وتاج العارفين أبو الحسن البكرى وفى بقية العلوم على جماعة من المحققين: كالنّاصر اللقانى (3)، والشنشورى (4)، وابن
= (أبو المواهب)، عالم أديب. ولد فى شوال فى محلة روح من غربية مصر، وتوفى بالمدينة فى 8 ذى الحجة. من تصانيفه: الإرشاد إلى سبيل الرشاد، خلاصة الاختصاص وما للكل من الخواص، إفاضة الجود فى وحدة الوجود: الإقليد فى تجريد التوحيد، وفواتح الصلوات الأحمدية فى لوائح مدائح الذات المحمدية، التأصيل والتفصيل، وله شعر. هدية العارفين للبغدادى (1/ 154،155). معجم المؤلفين لعمر رضا كحالة (1/ 205).
(1)
السنباطى: هو أحمد بن أحمد بن عبد الحق السنباطى، المصرى، الشافعى (شهاب الدين)، عالم مشارك فى أنواع من العلوم. من تصانيفه: توضيح على رسالة الماردينى فى العمل بالربع المجيب، شرح البسملة لزكريا الأنصارى: روضة الفهوم بنظم نقاية العلوم للسيوطى، ثم شرحه وسماه فتح الحى القيوم بشرح روضة الفهوم والنقاية، إظهار الأسرار الخطية فى حل الرسالة الجيبية، وشرح القصيدة الهمزية فى المدائح النبوية. وتوفى (995 هـ-1586 م). كشف الظنون لحاجى خليفة. معجم المؤلفين لعمر رضا كحالة (1/ 95).
(2)
شيخ الإسلام القاضى زكريا (826 - 926 هـ/1423 - 1520 م) هو زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا الأنصارى، السنيكى (نسبة إلى سنيكة بليدة من شرقية مصر)، القاهرى الأزهرى الشافعى (زين الدين، أبو يحيى) عالم مشارك فى الفقه والفرائض والتفسير والقراءات والتجويد والحديث والتصوف والنحو والتصريف والمنطق والجدل. ولد بسنيكة، ونشأ بها. ثم تحول إلى القاهرة وتولى القضاء وتوفى بها فى 4 من ذى الحجة من تصانيفه: شرح مختصر المزنى فى فروع الفقه الشافعى، حاشية على تفسير البيضاوى. الدقائق المحكمة فى التجويد: فتح الرحمن فى كشف ما يلتبس فى القرآن.
(3)
ناصر اللقانى: (توفى 958 هـ-1551 م): محمد اللقانى، المالكى (ناصر الدين، أبو عبد الله) فقيه، أصولى، صرفى، من آثاره حاشية على شرح جمع الجوامع فى أصول الفقه، وحاشية على شرح التصريف للزنجانى. كشف الظنون لحاجى خليفة.
(4)
محمد الشنشورى (888 - 983 هـ/1483 - 1575 م). محمد بن عبد الله بن على الشنشورى المصرى، الشافعى (أبو عبد الله، شمس الدين) فرضى، نسبته إلى شنشور من قرى المنوفية بمصر: وكانت إقامته بالقاهرة. له مؤلفات فى الفرائض وغيرها. شذرات الذهب لابن العماد (8/ 395).
الطحان والشهاب النبطوى، والسيد الخطابى، والشمس المناهلى، والدلجى (1)، وابن الصانع، والعبادى (2) وغيرهم، حتى أجازوه أواخر سنة تسع وعشرين وتسعمائة بالإفتاء والتدريس والتأليف من غير سؤال منه لذلك.
ثم حجّ سنة ثلاث وثلاثين وخطر له أن يؤلف فتوقف حتى رأى الحارث المحاسبى وهو يأمره بالتأليف، ورأى امرأة فى غاية الجمال كشفت له عن أسفل بطنها وقالت:
اكتب شرعا ومتنا فكتب سطرا بالأحمر وسطرا بالأسود. فقيل له فى تعبيره: ستظهر مؤلفاتك فاستبشر وشرع فى شرحه الكبير على الإرشاد. ورأى القاضى زكريا بعد وفاته وقد نزع عمامته وألبسه إيّاها قال: فعلمت أن الله يلحقنى به.
ثم عاد إلى مصر واختصر الروض وشرحه شرحا استوفى ما فى الجواهر والأسنى، وأكثر شروح المنهاج ثم حجّ سنة سبع وثلاثين وجاوز سنة ثمان، وألحق فى هذا الشرح كثيرا من العباب والتجريد، فشفق به بعض علماء بنى الصديق ابن أخى الجلال الدّوانى.
ثم سافر شيخنا الإمام إلى مصر فأرسل البعض المذكور دراهم لتحصيل الشرح المذكور بمصر فسمع بعض الحسّاد له بذلك فاغتنم فرصة وسرقه، وأتلفه ولم نعلم لذلك كيفية وسمع وهو يقول فى حقه: حلله الله وعفا عنه ثم شرع فى تجديد المتن بسائره بالشرح حتى وصل صلاة المسافر وتركه.
(1) محمد الدّلجى (860 - 947 هـ/1456 - 1540 م). محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الدلجى العثمانى، الشافعى (شمس الدين، أبو عبد الله) محدث مؤرخ، عروضى. ولد بدلجة سنة 860 هـ تقريبا وحفظ القرآن ورحل إلى القاهرة، وقرأ على بعض علمائها ثم رحل إلى دمشق، وأقام بها نحو ثلاثين سنة، وأخذ عن البرهان البقاعى، وبرهان الدين الناجحى والقطب الخيضرى، وناصر الدين بن زريق الحنبلى، وشمس الدين السخاوى، وسافر إلى بلاد الروم واجتمع بسلطانها أبى يزيد، وحج وعاد إلى القاهرة وأخذ عنه جماعة منهم، النجم الغيطى وتوفى بالقاهرة ومن تصانيفه: شرح الرامزة على علمى العروض والقافية لعبد الله الخزرجى، شرح الأربعين النواوية، واختصر المناهج والمقاصد وسماه مقاصد المقاصد وشرحه وتفسير المعوذتين. الكواكب السائرة للغزى.
(2)
العبادى: هو أحمد بن قاسم الصباغ العبادى القاهرى الشافعى الأزهرى يلقب بشهاب الدين ويكنى بأبى العباس، درس بالأزهر وبرع فى علوم العربية والبلاغة، والتفسير، والفقه، والأصول وأهم تصانيفه الشرح الكبير على الورقات.
ثم رجع لمكة، ونوى الاستيطان بها وأتم شرحه على الإرشاد وشرع فى شرح العباب وعوضه الله بتلك المصيبة كتبا تغنى رؤيتها عن الإطناب فى وضعها.
ولقد أجاد بعض تلاميذه، حيث قال فى شرح الإرشاد الصغير المسمى (بفتح الجواد):
أيا قارئ الإرشاد إن رمت حله
…
وفهم معانيه وفحوى رموزه
فبادر إلى فتح الجوّاد الذى
…
اعتنى بكشف خباياه وفتح كنوزه
ومن مؤلفاته المشهورة: (تحفة المحتاج بشرح المنهاج) المشتمل على ما فى أكثر شروح المنهاج مع أبحاث له لم يسبق إليها وتوجيهات لعبارات المتن يتعيّن الوقوف عليها، وقد حصل له البشارة بقبوله، وذلك أنه أرسله إلى «تريم» بلدة بحضرموت اليمن ففى ليلة اليوم الذى وصلهم الشرح فيه رأى جماعة منهم علماء صالحون، كالسيّد العالم العارف محمد بن حسن بن على العلوى الحسينى، أن الشيخ دخل بلدهم تريم وكان الناس يهرعون إليه وهو يدرس فى جامعهم وهم فرحون بذلك فأصبح الشرح المذكور عندهم فكتبوا بذلك إليه فسرّ به، ووقف تلك النسخة عليهم.
ومن مؤلفاته: «قرة العين بأن التبرع لا يبطله الدّين» وذيله «بكشف الغين» ألفه لما تفاقم الأمر بينه وبين الشيخ عبد الرحمن بن عبد الكريم بن زياد فى المسألة لأجلها، وقرة العين له و «بغية المسترشدين» لابن زياد المذكور ولكن نصر الشيخ أئمة أعلاما من علماء اليمن، والقاهرة، والبلد الحرام، وصرّحوا بأن قوله هو الصواب الحق الواضح بلا ارتياب، ونظم حينئذ الشيخ الإمام عزّ الدّين عبد العزيز بن على بن عبد العزيز الزمر فى قصيدة يمدحه بها وهى هذه:
جوزيت عن ملّة المختار من مضر (1)
…
خير المجازاة فى الأولى وفى الأخر
يا عالم العصر يا خير الزمان ومن
…
به ازدهى عصرنا هذا على العصر
منك المعارف فاضت عذبة ولكم
…
عذبا زلالا (2) معينا فاض من حجر
شيّدت أركان دين الله أنت إذا
…
أولى بتحريره من سائر البشر
(1) مضر: قبيلة عربية معروفة.
(2)
الماء الزلال، البارد، وقيل عذب أو صافى خالص، والمراد: أن المعارف تفيض منه متدفقة كما يتدفق الماء البارد العذب من الحجر.
حفطته بشهاب منك متقد (1)
…
يرمى الشياطين دون الحطب بالشرر
فى مصر فى الشام فى هند وفى يمن
…
سارت فتاويك سير الشمس والقمر
فمن يساويك فى علم وفى ورع؟!
…
ومن سواك غبى قاصر النظر
لك التصانيف فى الآفاق تنشر بها
…
رواتها وسواء بها غير منتشر
على فوائدها الطلاب قد عكفت
…
لما حلّت وحوت صفوا بلا كدر
حلت لديهم فصارت عندما انتفعوا
…
بها أعزّ من الأسماع والبصر
منها استفدنا علوما عنك قد صدرت
…
يا حسن موقعها فى الورد والصّدر
وأنت مرجعنا فى كل مشكلة
…
عنها الجواب إذا رمناه لم تحر
قدّرت فى قرّة العين المنقّح (2) ما
…
قرّت (3) به العين من ألفاظك الدّرر
كشفت عن أوجه الحق النقاب (4) وقد
…
أسفرت فى غرّة كزهو (5) وفى طرر (6)
لقد قضت علماء مصر بصحته
…
ووافقوك على ما فيه من غرر
وقرّضوك (7) بمدح طوّقوك بما
…
أبدوه من درر فيه ومن شذر (8)
فكنت أولهم فتيا وآخرهم
…
ثنا عليك بمنظوم (9) ومنتثر
فجمّل الله ذو الجلال بلدتنا
…
بنشر علمك فى الآصيال والبكر
ودمت فى رفعة دهرا وفى دعة
…
وصحّة منتهاها العمر
(1) المتّقد: المتوقد، أى: المتوهج دليل على شدة وقوة ناره وبالغ الأثر الذى سيحدثه.
(2)
المنقح: التنقيح: التهذيب والإصلاح، والمراد: أن كتاب الشيخ له من المكانة العالية التى استطاع بها تهذيب وإصلاح العلة وأن ينحّى عنه كل الخرافات والشوائب.
(3)
النقاب: القناع على مارن الأنف والمقصود الساتر الذى يحجب الحقيقة.
(4)
قرت به العين: أى تقرّ العين من السكون والثبوت دليل السكينة والطمأنينة.
(5)
الزهو: الكبر والتيه والفخر والعظمة.
(6)
الطّرر: الهيئة الحسنة والجمال.
(7)
قرّضوك: يجازوك بالمدح ويمدحوك.
(8)
شذر: الشّذر: قطع من الذهب يلقط من المعدن من غير إذابة الحجارة.
(9)
منظوم: أى الكلام المنظوم وهو الشعر.
وللشيخ عبد القادر بن أحمد الفاكهى قصيدة يمدحه بها منها قوله:
لا زلت فينا شهاب الدين نجم يهدى
…
ترمى الشياطين عن فهم وعن فكر
قرّت بك العين إذا قرّرت بهجتها
…
فى قرّة العين ما يغنى عن الخبر
ومن مؤلفاته رضى الله تعالى عنه: «كفّ الرعاع عن محرمات اللهو والسماع» وروى بخطه على ظهر مسودته ما صورته، قال بعض الصوفية: نأخذ من التعبير بالرعاع، أن العارفين لا حكم لنا عليهم وإن سمعوا، ثم كتب تحته «وهو أخذ مقبول» ، لأن من تحلى بحقيقة المعرفة يكون مجتهدا فلا يعترض عليه لأن لم يسمع بشهوة تدعوه لمذموم أصلا، وقطعا بخلاف غيره.
ومن مؤلفاته رضى الله عنه: «كشف الغين عن أحكام الطاعون وأنه لا يدخل البلدين» ألفّه مستهل رجب سنة ثنتين وسبعين وتسعمائة لمّا سئل أيدخل الطاعون مكة، وسبب ذلك أنه جاءت سفينة من قرب مصر فيها جماعة مطعونون فلما وصلت جدّة طعن كثير من المقيمين بها ثم وصل إليها مكى لأخذ تركة أخيه الميت فى السفينة بالطعن فطعن ومات فذهب أخوه لأخذ تركة أخويه فطعن ومات أيضا.
ومن مؤلفاته: منظومة فى أصول الدين، ومنظومة الأجرومية، لكنها لم تتم ولم ير له نظم سواها غير تقريض لبعض تلاميذه على نظمه نقاية السيوطى.
وله ثلاثة أبيات فى معنى حديث «الراحمون يرحمهم الرحمن» الأول منها:
ارحم هديت جميع الخلق إنك ما
…
رحمت يرحمك الرحمن فاغتنما
والآخران هما:
ارحم عباد الله يرحمك الذى
…
عمّ الخلائق جوده ونواله
فالراحمون لهم نصيب وافر
…
من رحمة الله جل جلاله
وفتاويه فى خمسة مجلدات أضخمها مجلد «الجامع» المشتمل على علوم عديدة ونفائس فريدة ووجد بخطه ما صورته وكابدت فى أربع سنين بالجامع الأزهر ما لا يطيق الغير مكابدته فى عشرين سنة.
ووقعت له وقائع مع معاصريه تعلم من ديباجات بعض مؤلفاته ثم أفضى به الحال معهم إلى الانفراد المطلق بحيث ينشد عند فتواه إذا قالت حزام فصدقوها البيت،
واعترف بكماله وتقدمه المحققون الأعلام مع ما يشاهدونه من أخلاقه الحسنة وتواضعه الكلّى، لا سيما لآل النبى صلى الله عليه وسلم مع الدأب فى التصنيف والإقراء والإفتاء ليلا ونهارا، وكان ابتداء مرضه الذى انتقل فيه فى شهر رجب فترك التدريس نيفا وعشرين يوما ووصى يوم السبت الحادى والعشرين من الشهر المذكور وتوفى ضحى يوم الإثنين الثالث والعشرين منه سنة أربع وسبعين وتسعمائة وحصل للناس من الأسف عليه ما لا يوصف وازدحموا على جنازته يتبركون بحملها حتى كاد يطأ بعضهم بعضا.
ورؤى فى أثناء الطريق من نعالهم التى تقطعت حال الازدحام وتركوها شيئا كثيرا ودفن فى المصلاة بالقرب من مصلب ابن الزبير وجعل عليه تابوت من خشب.
ورثاه الشيخ عبد القادر الفاكهى بمرثيتين كبرى وصغرى فمن الكبرى قوله:
فيالك شيخا لا يضاهى مصابه
…
وقد كان بحرا تستقى غيثه السّحب
به أقلت شمس العلوم بمكة
…
ويا عجبا شمس يحيط به الترب
وقد جرّ ذيل العلم قبل مماته
…
على جهة العلياء إذ يشرق السّحب
ومنها قوله:
ويا عجبا للطّيّب وهو مطيّب
…
بطيب تصانيف تسير بها النّجب
تصانيف علم زاد فى الكمّ عدّها
…
على السّبع والسّبعين حرّرها الحسب
وكيف وطلاب العلوم بها غدت
…
شفاف (1) كعيس (2) ساقها الشوق والخصب
فمن لدروس العلم بعد ندارسه
…
وتقرير أبحاث تضمنها الكتب
ومن لفتاوى فى الأقاليم سيرها
…
تحث لها نجب ويجليها جلب
ومن لعباب (3) العلم بعد مغاضن (4)
…
على در فى الشرح يسعى لها العرب
(1) شفافا: الشفوف: نحول الجسم من الهم والوجد.
(2)
العيس: الإبل والمراد أن طلاب العلم لن يجدوا من يعلمهم فيصيبهم الهم والنحول شوقا إلى العلم، كما يصيب الإبل الهم والنحول عندما يزيد عليها الشوق.
(3)
العباب: أول الشىء أو معظمه، والمقصود معظم العلم.
(4)
مغاضن: الغضون هو كل تثنّ فى ثوب أو جلد والمغاضن هو الذى ينحنى وينثنى حتى يصل إلى النهاية أو الذى يقوّم الغضون والتثنى، والمراد: أن الممدوح يحاول اختراق أصعب المسائل للوصول إلى حلها.
ومن لحديث المصطفى بعد شرحه
…
أحاديث مشكات لفانوسها تصبو
فيبكيه أحجار الحطيم وزمزم
…
ويبكيه بيت الله يحمه الركب
ويفقده المقرئ لإرشاد غيّه (1)
…
ومنهاج محيى الدين يوحشه النّدب
ولو جاز أن يبقى كريما مخلدا
…
لكان رسول الله والسادة الصّحب
فيا معشر الإخوان عصبة شيخنا
…
تأسوا فإن البعد سهلة القرب
ومن الصغرى قوله:
الله أكبر شن الموت غارته
…
وخط خطى عسالاته الذبل
وسل صارمه الهندى من غمد
…
وجال فينا مجال الفارس البطل
وأرسل السّهم فى الأحشاء منحدرا
…
إلى القلوب فأدناها إلى الأجل
وصال بالنفع فى حضر الجياد على
…
فريد أهل التقى والعلم والعمل
فهدّ ركنا مشيّدا لا نظير له
…
بأرض مكة فى الفتوى بلا بدل
وصير الناس فوضى لا شهاب لهم
…
هذا يقول من المفتى علىّ ولى
بموت رب الهدى والعلم أحمد من
…
سارت فتاويه سير الشمس فى الحمل
وحلّ تصنيفه فى النّفع مثل ضيا
…
شمس الظهيرة فى داج من السّبل
يا نعم شرح عباب فاض كوثره
…
للواردين كفيض البحر لا الوشل
ونعم شرح لمنهاج به شففت
…
نفس الأفاضل فى حل ومرتحل
رؤى له بعد موته منامات دلت على عظم منزلته وعلوّ درجته، منها: رؤى عن بعض تلاميذه قال: رأيته جالسا فى المسجد الحرام يدرّس كعادته ونحن حوله فاستشعرت أنه قد مات فكيف يدرس وهو ميت فرفع رأسه إلىّ قائلا: هذه عادتنا ما ننساكم.
ورآه بعض جماعاته فسأله عن حاله فقال: نحن فى عليين، وكفى بأبحاثه الجمة وتوليدات أفكاره المهمة كرامات وخوارق عادات.
وقد صرح الإمام البلقينى بأنها تعظم من كرامات الصوفى لأنها تدوم ويتعدد نفعها
(1) غيه: الضلال.
بخلاف تلك. انتهى.
ملخصات من ترجمته لتلميذه الشيخ أبى بكر بن محمد بن عبد الله أبا عمرو رحمه الله تعالى والحمد لله رب العالمين.
تمت المناقب (1)
وكتبه أحمد فريد أحمد المزيدى الشافعى السلفى ليسانس الحديث جامعة الأزهر
(1) والكتاب من محفوظات دار الكتب المصرية، تحت رقم (274) تاريخ تيمور، ميكرو فيلم (28217)، وعدد صفحاته 10 صفحات، بخط نسخ واضح.
أشرف الوسائل إلى فهم الشّمائل
تصنيف العالم العلاّمة شهاب الدّين أحمد بن حجر الهيتميّ المتوفّى سنة 974 هـ