الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
8 - باب: ما جاء فى لباس رسول الله صلى الله عليه وسلم
53 -
حدثنا محمد بن حميد الرازى، حدثنا الفضل بن موسى، وأبو تميلة، وزيد بن حباب، عن عبد المؤمن بن خالد، عن عبد الله بن بريدة، عن أم سلمة، قالت:
«كان أحبّ الثياب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم القميص» .
ــ
(باب ما جاء فى لباس رسول الله صلى الله عليه وسلم
53 -
(تميلة) بفوقية مضمومة ففتح فسكون ففتح. (حباب) بضم الحاء المهملة وتخفيف الموحدة (أحبّ) اسم كان كما هو المشهور وروى بنصبه خبرا لها، ورجح بأنه وصف فهو أولى بكونه حكما، وإما بترجيحه بأنه أنسب بالباب المنعقد، لإثبات أقوال البابين، فكان جعل القميص موضوعا وإثبات الحال له أولى من عكسه سهو، لأن ذلك إنما يقال لو كان المبوب هو الناطق كان ومعمولها، أما إذا كان الناطق بذلك أم سلمة، فلا يتأتى هذا التوجيه.
53 - صحيح: رواه المصنف فى اللباس (4025)، بسنده ومتنه سواء، ورواه ابن ماجه فى اللباس (3575)، والمصنف أيضا (1763)، والإمام أحمد فى المسند (6/ 317)، والحاكم فى المستدرك (4/ 192)، وأبو الشيخ فى أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم (ص 104)، كلهم من طريق أبى تميلة به نحوه. ورواه أبو داود فى اللباس (4025) من طريق عبد المؤمن بن خالد به نحوه. وقال المصنف: هذا حديث حسن غريب، إنما نعرفه من حديث عبد المؤمن بن خالد تفرد به وهو مروزى. وروى بعضهم هذا الحديث عن أبى تميلة عن عبد المؤمن بن خالد عن عبد الله ابن بريدة عن أمه عن أم سلمة، وقال أيضا: سمعت محمد بن إسماعيل-يعنى الإمام البخارى-يقول: حديث عبد الله بن بريدة عن أمه عن أم سلمة أصح، وإنما يذكر فيه أبو تميلة عن أمه اهـ. وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبى تنبيه: صحفت أبو تميلة إلى أبى ثميلة، بالثاء عند الترمذى فى السنن وهو خطأ والصواب: بالتاء المثناة من فوق مصغرا، وهو يحيى بن واضح الأنصارى المروزى. وثقه ابن سعد والنسائى والحافظ، انظر: تهذيب الكمال (32/ 25)، التقريب (7663).
54 -
حدثنا على بن حجر، حدثنا الفضل بن موسى، عن عبد المؤمن بن خالد، عن عبد الله بن بريدة، عن أم سلمة، قالت:
«كان أحبّ الثياب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم القميص» .
55 -
حدثنا زياد بن أيوب البغدادى، حدثنا أبو تميلة، عن عبد المؤمن بن خالد، عن عبد الله بن بريدة، عن أمه، عن أم سلمة، قالت:
«كان أحبّ الثياب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لبس القميص» .
ــ
55 -
يلبسه حال من الإشعار لأجله يحب أى يحبه المشبه له لا لنحو إهدائه (القميص) لأنه أستر للبدن من الإزار والرداء فهو أحبها إليه لسياق «الحبرة أحبها إليه» كما يأتى، أى رداء، فلا تنافى بين الحديثين، إذ ذاك لوصفه وهيئته، وهذه لجنسها ولطافتها، إذ ذاك أحب المخيط، وهذا أحب غيره، وأخرج الدمياطى «كان قميص رسول الله صلى الله عليه وسلم قطنا قصير الطول والكمين» (1) وفى القاموس: القميص معلوم، وقد يؤنث، ولا يكون إلا من القطن، وأما من الصوف فلا (2)، وكأن حصره المذكور للغالب، وبه يعلم أن القميص الذى كان الأحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المتخذ من القطن لا الصوف، لأنه هو الذى يؤذى البدن، ويدر العرق، ورائحته يتأذى بها، وهو أصح حاصل ما أشار إليه الترمذى أى فغير واحد روى عن عبد المؤمن، فإنه روى هذا الحديث، عن أبى بريدة عن أمه بريدة، عن أم سلمة، وأن هذه الرواية التى فيها زيادة أمه أصح من رواية إسقاطها، واحتاج الترمذى لقوله هكذا قال، زيادة آه مبالغة فى الإيضاح والبيان لكون تلك الزيادة مقصودة. قال فى جامعه بعد رواية هذا الحديث: إنه حسن غريب تفرد به عبد المؤمن.
54 - صحيح: تقدم فى سابقه.
55 -
صحيح: وتقدم تخريجه برقم (53) وهو كسابقه.
(1)
رواه ابن سعد فى الطبقات (1/ 355)، وذكره الزبيدى فى الإتحاف (3/ 91)، وعزاه للحافظ الدمياطى بسنده وأورده العالم العلامة شيخ الإسلام الحبر الفهامة ابن قيم الجوزية رحمه الله وقدس الله سره وروحه فى كتاب زاد المعاد (1/ 140)«وكان قميصه من قطن، وكان قصير الطول، قصير الكمين» .
(2)
انظر: ترتيب القاموس المحيط (3/ 689).
56 -
حدثنا عبد الله بن محمد بن الحجاج، حدثنا معاذ بن هشام، حدثنى أبى عن بديل-يعنى: ابن ميسرة-العقيلى، عن شهر بن حوشب، عن أسماء بنت يزيد، قالت:
«كان كمّ قميص رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرّسغ» .
ــ
56 -
(معاذ) بضم الميم. (بديل) بضم الموحدة وفتح المهملة وسكون التحتية-يعنى ابن صليب-، ردّ به على من زعم أنه ابن ميسرة بفتح فسكون التحتية ففتح المهملة، لكن انتصر بعضهم لهذا الزاعم، بأن ما قاله هو الصواب (1). (العقيلى) بضم العين.
(إلى الرسغ) بالصاد عند أبى داود والمصنف وبالسين عند غيرهما وهما لغتان صحيحتان وهو منتهى الكفّ عند المفصل وحكمة الاقتصار عليه أنه متى جاوز إليه شق على لابسه ومنعه سرعة الحركة والبطش، ومتى قصر على الرسغ، تأذى الساعد ببروزه للحر والبرد، فكان جعله إلى الرسغ أمرا وسط، وخير الأمور أوساطها، ومن ثمة كان الأولى لنا نجرى ذلك فى أكمامنا ولا ينافى هذه الرواية أسفل من الرسغ، لاحتمال أن يكون له قمصان أحدهما: إلى الرسغ، والآخر أنزل منه، والمراد بذلك التقريب لا التحديد.
56 - إسناده ضعيف: فيه شهر بن حوشب: صدوق كثير الإرسال والأوهام (التقريب 2830)، ورواه الترمذى فى اللباس (4027) بسنده ومتنه سواء ورواه أبو داود فى اللباس (4027)، والنسائى فى الكبرى (5/ 481)، وأبو الشيخ فى أخلاق النبى (ص 106)، من طريق شهر بن حوشب به نحوه. ورواه النسائى فى الكبرى (5/ 482)، عن بديل العقيلى مرسلا فذكره.
(1)
هكذا فى الأصل ونسخة الشارح وكثير من النسخ، وفى بعض النسخ (يعنى ابن ميسرة) وهى كذلك عند الملا على القارئ فى جمع الوسائل. وقال: قال ابن العصام: فسره ردا على من قال: هو ابن ميسرة بالفتح، وسكون التحتانية، وفتح المهملتين، ويرجح هذا فى الشرح اه. قلت: -أى العصام-قال ميرك: هكذا وقع فى بعض نسخ الشمائل، وفى بعضها بديل بن ميسرة، وهو الصواب كما حققه المحققون من أسماء الرجال كالمزنى والذهبى والعسقلانى. وقال المناوى: وفى نسخ (ابن صليب) ونوزع بأنه لم يثبت ابن صليب، قال القسطلانى وغيره: الصواب ابن ميسرة. اه، انظر: جمع الوسائل مع شرح المناوى (1/ 134).
57 -
حدثنا أبو عمار-الحسين بن حريث-حدثنا أبو نعيم، حدثنا زهير، عن عروة بن عبد الله بن قشير، عن معاوية بن قرّة، عن أبيه، قال:
ــ
57 -
(قرة) بضم القاف وفتح الراء المشددة. (فى) بمعنى مع كقوله تعالى: اُدْخُلُوا فِي أُمَمٍ. (رهط) بسكون الهاء وقد تحرك اسم جمع لا واحد له من لفظه وهم عشيرة الرجل وأهله ومن الرجال ما دون العشرة وقيل: إلى أربعين، وفى القاموس من ثلاثة إلى عشرة أو ما دون العشرة ولا ينافى التعبير بالرهط رواية أنهم أربعمائة، لاحتمال أن الأربعمائة تفرقوا جماعات وأن قرة كان فى جماعة قليلة منهم. (مزينة) قبيلة وأصله اسم امرأة (1). (قميصه) قيل: على حذف مضاف للتصريح به من الكلمة الأخرى الآتية انتهى، ولا يحتاج لذلك، بل يقال: قميص مطلق أى: غير مزرورة أزراره (مطلق) أى غير مزرورة (أو) للشك من مغايرة (2)، فيه: حل لبس القميص، وحل الزر فيه، وحل إطلاقه وسعة الجيب بحيث تدخل اليد وأن طرفه كان مفتوحا بالطول، لأنه الذى تتخذ له الأزرار عادة، وإدخال اليد من حق الغير لمس بدنه تبركا وكمال شفقته ورأفته وتواضعه صلى الله عليه وسلم (فمسست) بكسر السين الأولى وفتحها، وحكى كخلت (الخاتم) أى خاتم النبوة، والظاهر أن قرة كان يعلم الخاتم، وأنه إنما قصد بذلك زيادة التبرك به، فلأجل ذلك اغتفر صلى الله عليه وسلم له هذا الفعل، الذى تقتضى العادة بالانفكاك عنه فى الكبير بحضرة الناس.
57 - صحيح: رواه أبو داود فى اللباس (4082) وكذا ابن ماجه (3578)، والإمام أحمد فى المسند (3/ 434)، (4/ 19)، (5/ 135)، والطيالسى (1072)، وابن أبى شيبة فى المصنف (8/ 385)، والطبرانى فى المعجم الكبير (41)، وابن حبان (5452)، كلهم من طرق عن زهير بن معاوية به نحوه. ورواه الإمام أحمد فى «مسنده» (3/ 434)، (5/ 35)، وكذا أبو داود الطيالسى فى «مسنده» (1071)، والطبرانى فى الكبير (49)، (50)، (64)، وأبو الشيخ الأصبهانى فى أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم (ص 103)، كلهم من طرق عن معاوية بن قرة به نحوه.
(1)
وهى قبيلة من مضر.
(2)
قال القسطلانى، وميرك شاه: بأن الشك من شيخ الترمذى [جمع الوسائل (1/ 135)].
58 -
حدثنا عبد بن حميد، حدثنا محمد بن الفضل، حدثنا حماد بن سلمة، عن حبيب بن الشهيد، عن الحسن، عن أنس بن مالك، قال:
«إن النّبىّ صلى الله عليه وسلم خرج وهو يتّكئ على أسامة بن زيد، عليه ثوب قطرى قد توشّح به، فصلى بهم» .
قال عبد بن حميد، قال محمد بن الفضل: سألنى يحيى بن معين عن هذا الحديث أول ما جلس إلىّ، فقلت: حدثنا حمّاد بن سلمة، فقال: لو كان من كتابك، فقمت لأخرج كتابى، فقبض علىّ ثوبى ثم قال: أمله علىّ فإنى أخاف أن لا ألقاك، قال: فأمليته عليه ثم أخرجت كتابى فقرأت عليه.
ــ
58 -
(يتكئ) أى لكونه متكئا. (عليه ثوب) جملة حالية من ضمير خرج أو يتكئ بناء على ما ذهب إليه جماعة من النحاة أنه يكنى فى الجملة الاسمية الواقعة، ولا ضمير فيها يرجع لصاحب الحال، وهذا الحديث يؤيدهم وكأن الجمهور لم يطلعوا عليه وجعلوا من تغيير بعض الرواة لكن هذا لا يصار إليه، وإلا لارتفعت الثقة بسائر الروايات، ولم الاستدلال بحديث نظرا لذلك الاحتمال. (قطرى) بكسر القاف فسكون ضرب من البرود فيه حمرة وأعلام مع خشونة، وقيل: من حلل جياد يحمل من البحرين، إذ فيها بلد اسمها قطر بالتحريك فكسر (1)، والياء للنسبة، وسكنوه على خلاف القياس. (توشح به) أى تغشى به بوضعه على عاتقه، وقيل: المراد أنه جعله على عاتقه الأيمن وألقى طرفيه على الأيسر كما يضطبع المحرم، وقيل: خالف بين طرفيه وربطهما بعنقه، ويرد الثانى: تصريح الأئمة بكراهة الصلاة مع الاضطباع، لأنه دأب أهل الشطارة، فلا يناسب الصلاة المقصود منها التواضع. (أول ما جلس) أى أول زمان جلوسه. (أو) للتمنى أو للشرط، وجوابها محذوف أى كان أحسن لما فيه من زيادة التثبت والاحتياط (فقبض علىّ ثوبى) أى لشدة حرصه على الفائدة فتوهم فواتها.
(أمله) بتضعيف اللام وتخفيفها من أمللت الكتاب وأمليته بإبدال اللام ياء إذا ألقيته على الكاتب ليكتب، ويقال: مللته أيضا، فيه كمال التحريض على تحصيل العلم والتنفير من
58 - صحيح: رواه الإمام أحمد فى مسنده (3/ 239،257،262،281)، وابن حبان (2335 إحسان)، وأبو الشيخ فى «أخلاق النبى» (ص 120)، ثلاثتهم من طرق عن حماد بن سلمة، عن حميد عن الحسن، وحبيب بن الشهيد، والحسن عن أنس رضى الله عنه به فذكره.
(1)
انظر: معجم البلدان (4/ 423).
59 -
حدثنا سويد بن نصر، حدثنا عبد الله بن المبارك، عن سعيد بن إياس الجريرى، عن أبى نضرة، عن أبى سعيد الخدرى، قال:
«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استجدّ ثوبا سمّاه باسمه. عمامة أو قميصا أو رداء.
ثمّ يقول: اللهمّ لك الحمد كما كسوتنيه، أسألك خيره، وخير ما صنع له، وأعوذ بك من شره وشرّ ما صنع له».
(59_) م-حدثنا هشام بن يونس الكوفى، أخبرنا القاسم بن مالك المزنى، عن الجريرى، عن أبى نضرة، عن أبى سعيد الخدرى، عن النبى صلى الله عليه وسلم. نحوه.
ــ
طول الأمل، سيما فى الاستباق إلى الخيرات.
59 -
(الجريرى) بضم الجيم وبراءين نسبة لجرير مصغرا أحد آبائه. (استجد ثوبا) أصله صيره جديدا والمراد هاهنا لبس ثوبا جديدا. (سماه) يؤخذ من هذا أن تسمية ذلك ونحوه باسم خاص سنة، وهو ظاهر، ولم أر لأصحابنا فيه كلاما، وعجيب قول بعضهم المراد بسماه أن يقول: هذا ثوب هذه عمامة مثلا، ثم يقول بعد التسمية وهو سنة عند اللبس:(كما) وينبغى أن تكون الكاف هنا بمعنى على، أو للتعليق، أو ما مصدرية أى (لك الحمد) على كسوتك لى إياه، وهذا لكون الحمد على النعم أفضل منه، لا فى مقابلة شىء، لأن الأول واجب، والثانى مندوب كما مر جوابه، أنسب بالسياق والمعنى، ومن جعلها بمعنى مثل فى محل رفع على الابتداء أو (أسألك خيره) أى مثل ما كسوتنيه من غير حول منى ولا قوة، أوصل إلىّ خيره وقنى شره وقيل:
المراد تشبيه الحمد بالنعمة فى المقدار، وفيه نظر، وقيل: للاختصاص أى لك الحمد
59 - إسناده صحيح: رواه المصنف فى اللباس (1767)، بسنده ومتنه سواء، ورواه أبو داود فى اللباس (4020)، وأحمد فى المسند (3/ 30،50)، والبغوى فى شرح السنة (3111)، وابن سعد فى الطبقات (1/ 460)، والحاكم فى المستدرك (4/ 192)، وأبو الشيخ فى «أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم» (ص 103)، وابن حبان فى صحيحه (5420)، كلهم من طرق عن سعيد الجريرى به فذكره نحوه، ورواه النسائى فى السنن الكبرى (6/ 85)، (10142) من طريق حماد عن الجريرى عن أبى العلاء ابن عبد الله الشخير مرفوعا فذكره نحوه. وقال النسائى: حماد بن سلمة فى الجريرى أثبت من عيسى بن يونس لأن الجريرى كان قد اختلط، وسماع حماد بن سلمة منه قديم قبل أن يختلط. وقال يحيى بن سعيد القطان: قال كهمس: أنكرنا الجريرى أيام الطاعون. وحديث عيسى وابن المبارك. وبالله التوفيق.
60 -
حدثنا محمد بن بشار، حدثنا معاذ بن هشام، حدثنى أبى، عن قتادة، عن أنس بن مالك، قال:
«كان أحبّ الثياب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبسه الحبرة» .
ــ
مختصا بك مثل تخصيصك إياى بالكسوة، وفيه تكلف ثم رأيت بعضهم ذكر نحو ما ذكرت وزيادة، فقال: الكاف للتعليل كما جوزه صاحب المغنى، أو لتشبيه الحمد بالنعمة، أى: لك الحمد على قدر إنعامك بالكسوة، أو اختصاص الحمد لك كاختصاص الكسوة إبقاء، ولك الحمد منّا على الكسوة منك لنا يعنى: أنك كسوتنا لا لغرض، بل لفقرنا وحاجتنا فحمدك لا لغرض، بل لاستحقاقك ذلك منا لغناك، أو للمبادرة كما فى قولهم سلم، كما تدخل على ما فى المغنى، أو كما بمعنى الظرفية الزمانية كأنا على ما نقل عن الإمام الغزالى، ويحتمل أن تتعلق كما بقوله أسألك. (ما صنع له) أى لأجله من خير كجبلة وصلاح نية صانعه، أو شر لضد ذلك والخير فى المقدمات يستدعى الخير فى المقاصد، وكذلك الشر وشراء هذه، وإنما يلبس علينا صلواتنا قوم لا يحسنون الطهور، ونظير اللام هنا اللام فى حديث وخير ما بنيت له إذا أشرف إنسان على بلد، فزعم أن اللام هنا للعاقبة أى لخير ما يترتب على خلقه من العبادة به، وشر ما يترتب عليه من نحو التكبر والخيلاء به تكلف غير محتاج إليه، نعم قرب ذلك بعضهم بقوله:
المعنى أسألك ما يترتب على خلقه من العبادة به، وصرفه فيما فيه رضاك، وأعوذ بك من شر ما يترتب عليه مما لا ترضى به من الكبر والخيلاء، وكونى أعاقب عليه لحرمته.
(نحوه) من الفرق بينه وبين مثله.
60 -
(يلبسه) خرج به نحو ما يفرشه ونحوه، وهو حال. (الحبرة) بكسر ففتح ثياب من كتان أو قطن محبرة أى مزينة محسنة، وثوب حبرة بتنوينها وصفا، وبحذفه على الإضافة، وهو الأكثر، وفيه: حل لبس الحبرة بل ندبه وإن كان مخططا، نعم لبس المخطط فى الصلاة مكروه، فلبسه له فيها أن يثبته لبيان الجواز، وقيل: الحبرة ما كان موشيا مخططا، وهو برد يمان يصنع من قطن، وكان أشرف الثياب عندهم، قيل: ولونه أخضر، لأنه لباس أهل الجنة ويردّه تفسير جمع للحبرة بأنها ضرب من البرود فيه حمرة.
60 - إسناده صحيح: رواه المصنف فى اللباس (1787)، بسنده ومتنه سواء. ورواه البخارى (5812)، ومسلم (2079)، وأبو داود (4060)، والنسائى فى الزينة (8/ 203)، وفى الكبرى (9646)، وأبو الشيخ فى أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم (ص 105)، كلهم من طريق قتادة به نحوه.
61 -
حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا عبد الرزاق، حدثنا سفيان، عن عون بن أبى جحيفة، عن أبيه، قال:
«رأيت النّبىّ صلى الله عليه وسلم وعليه حلّة حمراء، كأنّى أنظر إلى بريق ساقيه»
قال سفيان: «أراها حبرة» .
ــ
61 -
(بريق ساقيه) بياضهما ولمعانهما وبريق مصدر، خلافا لمن وهم فيه، وفيه:
ندب تقصير الثياب، ولبسهما إلى أنصاف الساقين، وقد أخرج المصنف أنه صلى الله عليه وسلم قال لبعض أصحابه:«ارفع إزارك، فإنه أنقى وأتقى» قال: يا رسول الله إنها بردة، فقال:
«أما لك فىّ أسوة؟» (1) وإزاره إلى نصف ساقيه. وللطبرانى: «كل شىء لمس الأرض من الثياب فى النار» (2) وللبخارى: «ما أسفل الكعبين من الإزار فى النار» (3) أى: محله فيها فيجوز به عنه للمجاورة وللطبرانى: «إزرة المؤمن-أى بالكسر: اسم للهيئة-إلى أنصاف الساقين، وليس عليه حرج فيما بينه وبين الكعبين، وما انفصل من ذلك ففى النار» (4) وهذا محله إن قصد به الخيلاء للتصريح بذلك فى روايات أخر كخبر أصحاب السنن وغيرهم: «الإسبال فى الإزار والقميص والعمامة من جرّ منهما شيئا خيلاء» (5).
الحديث، ولخبر البخارى: «بينما رجل يمشى فى حلة تعجبه، مرجل جمته، إذ خسف
61 - إسناده صحيح: رواه المصنف فى الصلاة (197) وقال: حسن صحيح، رواه البخارى فى المناقب (3566)، ومسلم فى الصلاة (503)، وأبو نعيم فى مستخرجه على مسلم (112)، والإمام أحمد فى المسند (4/ 307،308)، وأبو الشيخ فى أخلاق النبى (ص 120) كلهم من طريق عون بن أبى جحيفة به نحوه.
(1)
هو فى «الشمائل» هنا برقم (115) وسيأتى تخريجه.
(2)
انظر: مجمع الزوائد للهيثمى (5/ 124).
(3)
رواه البخارى فى اللباس (5787)، والنسائى فى الزينة (8/ 208)، وابن ماجه (3573)، والإمام أحمد فى المسند (2/ 461)، (5/ 9)، وابن أبى شيبة فى المصنف (8/ 204) من حديث أبى هريرة مرفوعا فذكره.
(4)
أورده الهيثمى فى مجمع الزوائد (5/ 126) وعزاه للطبرانى، وقال: فيه الحكم بن عبد الملك القرشى وهو ضعيف.
(5)
رواه أبو داود (4094)، والنسائى فى الكبرى (9707)، (5/ 489)، وابن ماجه (3576) وقال: قال أبو بكر بن أبى شيبة: ما أغربه!.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
به فهو يتجلجل إلى يوم القيامة» (1).
والحاصل: أنه يندب للرجل إلى نصف ساقيه، ويجوز إلى كعبيّه، وما زاد إن قصد به خيلاء حرم، وإلا كره، ويندب للمرأة ما يسترها، ويجوز لها تطويله ذراعا بذراع الآدمى، وابتداؤه من أول ما يمس الأرض على الأوجه لخبر أم سلمة الظاهر فى أن لها أن تجر على الأرض ذراعا، ومتى قصدت به خيلاء أثمت كالرجل، وإسبال القميص، والأكمام، والعمامة بأن يطول عذبتها، فيه: هذا التفصيل، نعم حدث للناس اصطلاح بتطويلها فصار لكل قوم شعار مخصوص بها لا يعرفون بغيره ح، لا كراهة فى التطويل بقصد ذلك، أما مع الخيلاء، فحرام مطلقا اتفاقا، (أراها) وفى نسخة نراه بتأويلها بالثوب. (حبرة) أى أظنها مخططة وهذا الظن لا يفيد حرمة الأحمر ألبتة، لأنه لم يبين له مستندا يصح الاستدلال به وتقييدها فى بعض الروايات بالحبرة، لا يقتضى أنها كذلك دائما، وأما قول ابن القيم: غلط من ظن أنها حمراء بحيث لا يخالطها غيرها، وإنما الحلة الحمراء بردان يمانيان منسوجان بخطوط حمر مع الأسود، كسائر البرود اليمنية، وهى معروفة بهذا الاسم باعتبار ما فيها من الخطوط، وإلا فالأحمر البحت منهى عنه أشد النهى ففى البخارى «النهى عن المآزر الحمر» وفى مسلم:«إن هذين الثوبين معصفرين لباس أهل النار فلا تلبسهما» (2) ومعلوم أنه إنما يصبغ صباغا أحمر، وفى جواز لبس الأحمر من الثياب والجوخ وغيرهما نظر، وأما كراهتهما فشديدة، فكيف يظن به صلى الله عليه وسلم أنه لبس الأحمر القانى؟ وإنما وقعت الشبهة فى لفظة الحلة الحمراء. انتهى، كلام ابن القيم هو الغلط، لأن حمل الحلة على ما ذكره، لا يشهد له لغة ولا شرعا، فإن زعم أنه عرف ذلك الزمن، قلنا له: أين دليلك على ذلك من كلام أنه جواز وليس عام؟ وليس النهى عن المعصفر لمجرد الحمرة بل لما فيه من التشبيه بالنساء لأنه من زينتهن وحليهن، وليس فى لبسه صلى الله عليه وسلم الأسمر القانى محذور، لأنه لبيان الجواز، فهو واجب عليه، وإن نهى عنه، وقد قال النووى: أباح المعصفر جميع العلماء، ومنهم من كرهه
(1) رواه البخارى فى أحاديث الأنبياء (3485)، وفى اللباس (5790)، ومسلم فى اللباس (2088).
(2)
رواه مسلم فى اللباس والزينة (2077)، والنسائى فى الزينة (8/ 203)، وأحمد فى مسنده (2/ 162،164،193،207،211).
62 -
حدثنا على بن خشرم، حدثنا عيسى بن يونس، عن إسرائيل، عن أبى إسحاق، عن البراء بن عازب قال:
ــ
تنزيها، وحمل النهى عليه، لكن أشار البيهقى إلى أن مذهب الشافعى حرمته كالمزعفر وصح. «أنه صلى الله عليه وسلم أمر بحرق المعصفر» لكن روى أبو داود «أنه صلى الله عليه وسلم كان يصبغ بالورس والزعفران ثيابه حتى عمامته» (1) لكن يعارضه ما فى الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم:«نهى عن المزعفر» كذا قيل وفيه نظر، بل قضية ما مر فى الأحمر، حمل النهى على التنزيه، وفعله صلى الله عليه وسلم على بيان الجواز، اللهم إلا أن يجاب: بأن أحاديث لبسه الأحمر مقاومة فى الصحة لأحاديث نهيه عنه، فحمل على كل حالة، وليس حديث لبس المزعفر مقاوما لحديث النهى عنه، على أن الذى لبسه لم يكن فيه إلا لمجرد أثر، فهو لا يسمى مزعفرا، إلا باعتبار ما كان، كما يعلم مما يأتى قريبا، فقدم حديث النهى عليه، وأبقى النهى فيه على حقيقته من أنه للتحريم، وروى الدمياطى «كان صلى الله عليه وسلم يلبس برده الأحمر فى العيدين والجمعة» (2) ولعله فعل ذلك فى الجمعة فى بعض الأحيان، لبيان الجواز فيها، وإن لبس البياض فيها أفضل، لا واجب.
62 -
(ما رأيت) الحديث تقدم شرحه، ومنه أنه أحسن ليس المراد منه ظاهره وفى (حلة حمراء) لبيان الواقع لا للتقييد، وفى الصحيحين:«رأيته صلى الله عليه وسلم فى حلة حمراء لم أر شيئا قط أحسن منه» .
62 - إسناده صحيح: رواه البخارى فى اللباس (5901)، ومسلم فى الفضائل (2337)، والنسائى فى الزينة (8/ 133)، وفى الكبرى (9326)، وأبو داود فى الترجل (4183)، والترمذى فى اللباس (1724)، وقال: حسن صحيح، والإمام أحمد فى المسند (4/ 295)، وأبو الشيخ فى أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم (ص 120) كلهم من طرق عن أبى إسحاق به نحوه.
(1)
رواه النسائى فى الزينة (8/ 150) وأحمد فى مسنده (2/ 97،126).
(2)
رواه ابن أبى شيبة فى المصنف (2/ 156)، وابن سعد فى الطبقات (1/ 348)، والبيهقى فى السنن (3/ 247،280) ثلاثتهم من طريق أبى جعفر عن جابر بن عبد الله مرفوعا فذكره نحوه.
63 -
حدثنا محمد بن بشار، حدثنا عبد الرحمن بن مهدى، حدثنا عبيد الله بن إياد، عن أبيه، عن أبى رمثة، قال:
«رأيت النّبىّ صلى الله عليه وسلم وعليه بردان أخضران» .
64 -
حدثنا عبد بن حميد، حدثنا عفان بن مسلم، قال: حدثنا عبد الله بن حسان العنبرى، عن جدتيه: دحيبة وعليبة، عن قيلة بنت مخرمة، قالت:
«رأيت النّبىّ صلى الله عليه وسلم وعليه أسمال مليّتين كانتا بزعفران، وقد نفضته» وفى الحديث قصة طويلة.
ــ
63 -
(بردان) البرد نوع من الثياب مخطط معروف، والبردة: الشملة المخططة، وقيل: كساء أسود مربع صغير. (أخضران) قيل: ذو خطوط خضر، وفيه نظر، لأن فيه إخراج اللفظ عن ظاهره، فلا بد له من دليل نظير ما مر فى حلة حمراء، وروى أبو داود:«رأيته صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت مضطبعا ببرد أخضر» (1).
64 -
(دحيبة) بضم أوله وفتح ثانيه المهملتين فتحتية فموحدة. (وعليبة) هو كذلك، واعترض بأن صوب هاتين: دحيبة وصفية بنتى عليبة، ويرد بأن هذا لا ينافى أن دحيبة جدته، وأن أمها عليبة جدته، وأنه رواه عنها فصح ما قاله الترمذى، وكون دحيبة لها أخت اسمها صفية ليس الكلام فيه بوجه. (أسمال) جمع سمل بسين مهملة وميم مفتوحة وهو الثوب الخلق والمراد بالجمع ما فوق الواحد على أن الثوب الواحد قد يطلق عليه أسمال باعتبار اشتماله على أجزاء وحينئذ فلا إشكال فى إضافته إضافة
63 - صحيح: رواه المصنف فى الأدب (2812)، والنسائى فى العيدين (3/ 185)، وكذا فى الزينة (8/ 203)، وفى الكبرى (1781)، والإمام أحمد فى المسند (2/ 228)، كلهم من طرق عن عبد الله بن إياد عن أبيه، عن أبى رمثة به نحوه.
64 -
إسناده ضعيف وهو حسن: رواه المصنف فى الأدب (4/ 228) بسنده ومتنه سواء. وقال أبو عيسى: حديث قيلة لا نعرفه إلا من حديث عبد الله بن حسان. قلت: وعبد الله بن حسان: قال فيه الحافظ: مقبول (التقريب 3273)، أى: عند المتابعة.
(1)
رواه أبو داود فى المناسك (1883) وابن ماجه (2954) والدارمى فى المناسك (4322)، وأحمد فى مسنده (4/ 223،224).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بيانية. (مليتين) تصغير ملاة بالضم والمد لكن بعد حذف ألف اللام يقال ملئة، وهو كما فى القاموس: كل ثوب لم يضم بعضه لبعض بخيط من نسيج واحد، وفى النهاية: هى الأزرار، وفى الصحاح: هى الملحفة، فلا تنافى لصدقها على التعريف الأول لكل من هذين. (كانتا بزعفران) أى مصبوغين. (وقد نفضته) بالفاء أى الأسمال لون الزعفران أى لبسه حتى لم يبق من لون الأصفر إلا الأثر الذى لا يؤثر، فلا ينافى لبسه لهذين ما مر من صحة نهيه صلى الله عليه وسلم عن لبس المزعفر، وأصل النفض بالتحريك لينتفض الغبار. كنى به هنا عن اللبس المذهب للون الزعفران؛ لأنه من لوازمه، فربما أنه الظاهر، وقد نفض أى: ذهب بعض لونه غفلة مما قررته، وفى القاموس: نفض اللون: أى ذهب دون غيره، ونفض الثوب صبغه: زال معظم صبغه، وفى بعض النسخ:«وقد نفضتا» بالبناء للمجهول. (قصة طويلة) رواها الطبرانى بسند لا بأس به، وتركها لعدم مناسبتها لما هو فيه، وهى:«أن رجلا جاء فقال: السلام عليك يا رسول الله، فقال: «السلام عليك ورحمة الله وبركاته» (1) وعليه أسمال مليتين قد كانتا بزعفران فنفضتا، وبيده عسيب نخلة قاعد القرفصاء، فلما رأيته أرعدت من الغرقد فنظر إلىّ، فقال:«وعليك السكينة» فذهب عنى ما أجد من الرعب» ولا ينافى ما تقرر من إيثاره بذاذة الهيئة، ورثاثة الملابس، وتبعه على ذلك السلف الصالح على ما اختاره جماعة من متأخرى الصوفية وغيرهم، لأن السلف لما رأوا أهل اللهو يتفاخرون بالزينة والملابس، أظهروا لهم برثاثة ملابسهم، حقارة ما حقره الحق مما عظمه الغافلون، والآن قد قست القلوب، ونسى ذلك المعنى، فاتخذ الغافلون رثاثة الهيئة حيلة على جلب الدنيا فانعكس الأمر وصار مخالفهم فى ذلك يعد متبعا للسلف، ومن ثمة قال العارف بالله: أبو الحسن الشاذلى قدس الله سره لذى رثاثة أنكر عليه جمال هيئته: يا هذا، هيئتى هذه تقول: الحمد لله، وهيئتك هذه تقول: أعطونى من دنياكم، ويؤيد ذلك ما صح أنه صلى الله عليه وسلم قال:«إن الله جميل يحبّ الجمال» (2)، وفى رواية «نظيف يحب النظافة» وروى أصحاب السنن:
(1) رواه الدارمى فى الاستئذان (2/ 278).
(2)
رواه مسلم فى الإيمان (91)، وأحمد فى مسنده (4/ 133،134،151،241)، والبغوى فى شرح السنة (3587)، والطبرانى فى الكبير (7822،7962،10533،936)، والحاكم فى المستدرك (26)(1/ 78) وابن عدى فى الكامل (5/ 292) وذكره ابن حجر فى المطالب العالية (2170)، وذكره العجلونى فى كشف الخفاء (687) وقال: رواه أحمد عن أبى ريحانة، ومسلم والترمذى عن ابن مسعود، وأبو يعلى عن أبى سعيد، والطبرانى عن أبى أمامه وابن عمر وجابر رضى الله عنهم (1/ 224)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
«رآنى النبى صلى الله عليه وسلم وعلىّ أطمار» (1)، ورواية النسائى:«ثوب درن» فقال: «هل لك من مال؟» قلت: نعم قال: «من أىّ المال؟» قلت: من كل ما آتى الله من الإبل والشاة، قال:«فكثر نعمته وكرامته عليك» وفى السنن أيضا: «إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده» (2) أى لإنبائه عن الجمال الباطن وهو الشكر على النعمة، ومن ثمة قال تعالى: ذلِكَ خَيْرٌ إشارة إلى لباس التقوى، وكما أن الله يحب الجمال فى القول والفعل والهيئة، يبغض القبيح فى ذلك، وقد ضل فى هذا المقام فريقان: قوم ذهبوا إلى أن الله يحب كل مخلوق، وأنهم كذلك، نظرا لأنه تعالى الخالق لها، ولقوله تعالى: أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (3) وهؤلاء قد عدموا الغيرة لله وعطلوا أحكاما كثيرة، كإنكار المنكر، وإقامة الحدود، وقوم قالوا: ذم الله جمال الصورة بقوله فى المنافقين:
وَإِذارَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ (4) وفى مسلم: «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» (5) وحرم الله الحرير والذهب، وهما من أعظم جمال الدنيا، وفى الحديث «البذاذة من الإيمان» وذم تعالى السرف، وهو كما يكون فى المطعوم يكون فى الملبوس وفصل النزاع أنه الجمال فى الهيئة، إما محمود، وهو ما أعان على طاعة، ومن ثمة كان صلى الله عليه وسلم يتجمل للوفود، فهو نظير لبس آلة الحرب للقتال، والحرير والخيلاء فى الحرب، فإن ذلك محمود لمصلحة نصر الدين وإهانة أعدائه، وإما مذموم، وهو ما كان للدنيا والخيلاء وإما متجرد عن الأمرين، وهو ما خلا عن هذين القصدين، والمقصود من هذا الحديث: أن الله يحب من عبده، أن يجمّل
(1) رواه أحمد فى مسنده (3،473).
(2)
رواه أبو داود فى اللباس (4063)، والنسائى فى الزينة (8/ 180،181،196)، وأحمد فى مسنده (3/ 473)، (4/ 137)، والطبرانى فى الكبير (19/ 607،609،610،621،623، 624)، والحميدى فى مسنده (883)، والطيالسى (1303،1304).
(3)
سورة السجدة: آية رقم (7).
(4)
سورة المنافقين: آية رقم (4).
(5)
رواه مسلم فى البر والصلة (2564)، وابن ماجه فى الزهد، (4143)، وأحمد فى مسنده (2/ 284،285،539)، والبغوى فى شرح السنة (4150)، وابن حبان فى صحيحه (394)، وأبو نعيم فى الحلية (4/ 98)، (7/ 124).
(65)
-حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا بشر بن المفضل، عن عبد الله بن عثمان بن خيثم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«عليكم بالبياض من الثّياب، ليلبسها أحياؤكم، وكفّنوا فيها موتاكم، فإنها من خيار ثيابكم» .
ــ
لسانه بالصدق، وقلبه بالإخلاص والمحبة، وجوارحه بالطاعة، وبدنه بإظهار النعمة عليه فى لباسه وذاته، بفعل جميع خصال الفطرة.
65 -
(عليكم) معشر الأمة. (بالبياض) أى بالبياض البالغ فى البياض حتى كأنه عين البياض، يرشد إليه بيانه بقوله (من الثياب) وهو المراد أيضا فى قوله الآتى:«البسوا البياض» (من خيار ثيابكم) سيأتى فى الحديث بعده تعليل خيريتها بأنها أطهر أى: لأنها تحكى ما يصل إليها من النجاسة عينا وأثرا وإن قل بخلاف غيرها، فإنه لا يحكى كل ما يصل إليه، فكانت تلك أطهر وأطيب أى لدلالتها غالبا على عدم الكبر والخيلاء، وعلى التواضع والتخشع، ولهذه الأطيبية التى فيها ندب إيثارها على غيرها فى المحافل كحضور الجمعة، وعند دخول المسجد، ولقاء الملائكة، ومن ثمة كانت الأفضل فى الكفن، لأن الميت بصدد مواجهتهم، ولذلك تأكد إكثار الطيب، والبخور فيه، وبما قررته فى معنى أطهر وأطيب اندفع قول بعضهم: أنه من عطف أحد المترادفين على الآخر مبالغة، وقول آخر: أطهر لأنه لم يخالطها لون يحتمل النجاسة، وأطيب أى:
أحسن من الطيب وهو الحسن ووجه اندفاعه: أنه إن نظر لاحتمال النجاسة، فهو موجود فى الأبيض كغيره، على أن ذلك لا ينظر إليه، فقد صرح أئمتنا بأن من البدع المذمومة غسل الثوب الجديد قبل لبسه، فلا نظر لذلك الاحتمال، وحمل أطيب على ما ذكره فى غاية الركاكة، ويلزمه أن غير الأبيض خلقه كالأبيض فى الأطهرية، وهو مخالف لسياق الحديث، وقول آخر أطهر أو لأنها تغسل من غير مخافة على ذهاب لونها.
(65) -صحيح: رواه الترمذى فى الجنائز (994) بسنده ومتنه سواء، وأبو داود فى اللباس (4061)، وابن ماجه (3566)، والإمام أحمد فى مسنده (1/ 329)، كلهم من طرق عن عبد الله بن عثمان به نحوه.
66 -
حدثنا محمد بن بشار، حدثنا عبد الرحمن بن مهدى، حدثنا سفيان، عن حبيب بن أبى ثابت، عن ميمون بن أبى شبيب، عن سمرة بن جندب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«البسوا البياض، فإنّها أطهر وأطيب، وكفّنوا فيها موتاكم» .
67 -
حدثنا أحمد بن منيع، حدثنا يحيى بن زكريا بن أبى زائدة، ثنا أبى، عن مصعب بن شيبة، عن صفية بنت شيبة، عن عائشة، قالت:
«خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداة وعليه مرط من شعر أسود» .
ــ
66 -
(أطيب) أى ألذّ لأن لذة المؤمن فى طهارة ثوبه، وفيه من الركاكة ما لا يخفى، وإنما كان الأفضل فى يوم العيد لبس الأرفع قيمة، وإن كان غير أبيض، لأن القصد فى ذلك اليوم إظهار مزيد الزينة وإيثار النعمة، وهما بالأرفع قيمة أليق، وقول بعضهم: لم يقل: خير ثيابكم لئلا يلزم تفضيله الأصفر، وقد علمت أن فضله، غلط فاحش، لأن الأصفر لا فضل له ألبتة بل المزعفر والمعصفر حرام، كما مر مبسوطا، وقد جاء عن ابن عمر: أن الأصفر كانت أحبّ الثياب عنده، لا دليل فيه كما زعمه، لأن هذا بفرض محبته مذهب صحابى، وليس بحجة عندنا.
67 -
(زكريا) بالمد والقصر وفيه زكرى بتشديد الياء وتخفيفها. (ذات غداة) لفظ ذات مزيد للتأكيد. (مرط) بكسر فسكون أى كساء. (من شعر) وفى نسخة: «شعر»
66 - صحيح لغيره: رواه المصنف فى الأدب (2810)، بسنده ومتنه سواء، ورواه النسائى فى الزينة (8/ 205)، وفى الكبرى (5642)، وابن ماجه فى اللباس (3567)، والطيالسى فى مسنده (894)، والبيهقى فى السنن (3/ 402،403)، والحاكم فى المستدرك (1/ 354،355)، (4/ 185)، كلهم من طرق عن ميمون بن أبى شبيب، به نحوه. قال المصنف: حسن صحيح. وقال الحاكم: صحيح ولم يخرجاه، ووافقه الذهبى.
67 -
إسناده صحيح: رواه المصنف فى الأدب (2813) بسنده ومتنه سواء، رواه مسلم فى اللباس (2081)، وفى فضائل الصحابة (2421)، وأبو داود فى اللباس (4032)، والإمام أحمد فى مسنده (6/ 162)، وأبو الشيخ فى أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم (ص 112)، كلهم من طريق مصعب بن شيبة به نحوه.
68 -
حدثنا يوسف بن عيسى، حدثنا وكيع، حدثنا يونس بن أبى إسحاق، عن أبيه، عن الشعبى، عن عروة بن المغيرة بن شعبة، عن أبيه.
«أنّ النّبىّ صلى الله عليه وسلم لبس جبّة روميّة ضيّقة الكمّين» .
ــ
بالإضافة، واستعماله فى الشعر مجاز، إذ صريح كلام القاموس: أنه حقيقة فيما نسج من صوف، أو خز، والصوف والوبر خلاف الشعر، كما فيه أيضا، وقضية تفسيره المرط بالكساء حقيقة فى الرداء فمعنى كونه عليه أنه تردى به، وقضية كلام غيره أنه خاص بالإزار وخمار المرأة فعليه استعماله فى الرداء مجاز، وعلى كل من القولين فليس فى الحديث أنه اشتمل به اشتمال الصماء خلافا لمن وهم فيه. وروى الشيخان: كان له صلى الله عليه وسلم كساء ملبد يلبسه، ويقول:«إنما أنا عبد، ألبس كما يلبس العبيد» (1). وكان صلى الله عليه وسلم يلبس الصوف وسبب ذلك: أنه لم يكن يقتصر من اللباس على صنف بعينه، ولم تطلب نفسه الشريفة الغالى منه، لأن المباهاة فى الملابس والتزين بها، إنما هى من سمات النساء والمحمود للرجل: نقاوة الثوب، والتوسط فى جنسه وعدم إسقاطه لمروءة لابسه، ومن ثمة: اقتصر صلى الله عليه وسلم على ذلك مما تدعو ضرورته إليه، ورغّب عما سواه، فكان يلبس غالبا الشملة والكساء الخشن والأردية والأزر، ويقسم أقبية الديباج المخصوفة والمخوصة بالذّهب فى أصحابه. وأخرج أبو نعيم:«من كرامة المؤمن على ربه عز وجل، نقاوة ثوبه، ورضاه له باليسير» ، وله أيضا: أنه صلى الله عليه وسلم رأى رجلا وسخة ثيابه فقال: «أما وجد هذا شيئا ينقى به ثيابه» .
68 -
(لبس) أى فى بعض أسفاره (جبة) قيل: هى ثوبان بينهما قطن، إلا أن تكون
68 - صحيح: رواه الترمذى فى اللباس (1768) بسنده ومتنه سواء. وأصل الحديث فى الصحيحين وغيرهما من طرق كثيرة بألفاظ متقاربة عن المغيرة بن شعبة مرفوعا. رواه البخارى فى الصلاة (363)، وفى اللباس (5799)، ومسلم فى الطهارة (274)، وأبو داود (151)، والنسائى (1/ 82)، وفى الكبرى (122)، والإمام أحمد فى المسند (1/ 29،44)، وأبو نعيم فى المسند المستخرج على مسلم (630،632) وأبو الشيخ فى أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم (ص 110) كلهم من طرق عن المغيرة بن شعبة مرفوعا. قلت: ولفظ: «جبة رومية» تفرد به المصنف وأبو الشيخ.
(1)
ذكره الزبيدى فى إتحاف السادة المتقين (7/ 128)، وقال: رواه البخارى من حديث عمر «إنما أنا عبد» . ولعبد الرزاق فى المصنف من رواية أيوب السختيانى مرفوعا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
من صوف، فقد تكون واحدة غير محشوة. (ضيقة الكمين) أى بحيث أنه أراد أن يخرج ذراعيه الشريفين منهما لغسلهما فعسر عليه، فأخرجهما من ذيلهما، وغسلهما، قيل: فيه ندب اتخاذ ضيق الكم فى السفر، لا فى الحضر، لأن أكمام الصحابة كانت بطاحا واسعة انتهى. وإنما يتم ذلك إن ثبت أنه تحراها للسفر، وإلا فيحتمل أنه لبسها ليدفأ بها من البرد، أو لبيان حل ما نسجه الكفار، أو لغير ذلك وما نقل من الصحابة من اتساع الكمين، مبنى على توهم أن أكمام جمع كم، وليس كذلك، بل جمع كمة، وهى ما يجعل على الرأس كالقلنسوة وكأن قائل ذلك، لم يسمع قول الأئمة: من البدع المذمومة اتساع الكمين.
***