المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌37 - باب: ما جاء فى صفة كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم «فى الشعر» - أشرف الوسائل إلى فهم الشمائل

[ابن حجر الهيتمي]

فهرس الكتاب

- ‌تصدير

- ‌مقدمة التحقيق

- ‌وقد اعتمدت فى شرح الكتاب على النسخ الآتية:

- ‌1 - النسخة الأصل:

- ‌2 - النسخة الثانية:

- ‌3 - النسخة الثالثة:

- ‌منهج التحقيق

- ‌ترجمة المصنف

- ‌ اسمه ونسبه:

- ‌ مولده:

- ‌ نشأته العلمية ورحلاته:

- ‌ مشايخه

- ‌ تلامذته:

- ‌ مؤلفاته:

- ‌فالمطبوع منها حسب علمنا الكتب التالية:

- ‌أما المخطوطات:

- ‌ عقيدته:

- ‌ مكانته العلمية وثناء العلماء عليه:

- ‌ وفاته:

- ‌ترجمة موجزة لمصنف الشمائل

- ‌ جواهر الدّرر في مناقب ابن حجر

- ‌تنبيهبيان المقصود بالرموز الواردة بالشرح

- ‌1 - باب: ما جاء فى خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌2 - باب: ما جاء فى خاتم النبوة

- ‌3 - باب: ما جاء فى شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌4 - باب: ما جاء فى ترجّل رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌5 - باب: ما جاء فى شيب رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌6 - باب: ما جاء فى خضاب رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌7 - باب: ما جاء فى كحل رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌8 - باب: ما جاء فى لباس رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌9 - باب: ما جاء فى عيش رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌10 - باب: ما جاء فى خف رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌11 - باب: ما جاء فى نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌12 - باب: ما جاء فى ذكر خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌13 - باب: ما جاء فى تختم رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌14 - باب: ما جاء فى صفة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌15 - باب: ما جاء فى صفة درع رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌16 - باب: ما جاء فى صفة مغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌17 - باب: ما جاء فى عمامة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌18 - باب: ما جاء فى صفة إزار رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌19 - باب: ما جاء فى مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌20 - باب: ما جاء فى تقنع رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌21 - باب: ما جاء فى جلسته صلى الله عليه وسلم

- ‌22 - باب: ما جاء فى تكأة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌23 - باب: ما جاء فى اتكاء رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌24 - باب: ما جاء فى أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌25 - باب: ما جاء فى صفة خبز رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌26 - باب: ما جاء فى إدام رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌27 - باب: ما جاء فى صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الطعام

- ‌28 - باب: ما جاء فى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الطعام، وبعد الفراغ منه

- ‌29 - باب: ما جاء فى قدح رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌30 - باب: ما جاء فى صفة فاكهة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌31 - باب: ما جاء فى صفة شراب رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌32 - باب: ما جاء فى شرب رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌33 - باب: ما جاء فى تعطر رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌34 - باب: كيف كان كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌35 - باب: ما جاء فى ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌36 - باب: ما جاء فى صفة مزاح رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌37 - باب: ما جاء فى صفة كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم «فى الشعر»

- ‌38 - باب: ما جاء فى كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم «فى السّمر»

- ‌39 - باب: ما جاء فى صفة نوم رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌40 - باب: ما جاء فى عبادة النبى صلى الله عليه وسلم

- ‌41 - باب: صلاة الضحى

- ‌42 - باب: صلاة التطوع فى البيت

- ‌43 - باب: ما جاء فى صوم رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌44 - باب: ما جاء فى قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌45 - باب: ما جاء فى بكاء رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌46 - باب: ما جاء فى فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌47 - باب: ما جاء فى تواضع رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌48 - باب: ما جاء فى خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌49 - باب: ما جاء فى حياء رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌50 - باب: ما جاء فى حجامة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌51 - باب: ما جاء فى أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌52 - باب: ما جاء فى عيش رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌53 - باب: ما جاء فى سن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌54 - باب: ما جاء فى وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌55 - باب: ما جاء فى ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌56 - باب: ما جاء فى رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم

الفصل: ‌37 - باب: ما جاء فى صفة كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم «فى الشعر»

‌37 - باب: ما جاء فى صفة كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم «فى الشعر»

233 -

حدثنا على بن حجر، حدثنا شريك، عن المقدام بن شريح، عن أبيه، عن عائشة:

«قال: قيل لها: هل كان النبىّ صلى الله عليه وسلم يتمثّل بشىء من الشّعر؟ قالت: كان بشعر ابن رواحة. ويتمثل، ويقول: ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد» .

ــ

(باب ما جاء فى صفة كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الشعر)

أصله من شعرت، أى أصبت، أو علمت علما دقيقا كدقة الشعر لفطنته ودقة معرفته فى الشعر، وليت شعرى: أى علمى، وأما فى التعارف فصار الشعر اسما للكلام الموزون المقفى، والشاعر: علم على المختص بإيجاد ذلك الموزون، وفى القاموس:

الشعر العلم، وشاع فى الموزون لشرفه بالوزن القافية.

233 -

(قالت كان يتمثل) فى رواية: «قالت: كان أبغض الحديث إليه الشعر، غير أنه يتمثل مرة ببيت أخى قيس بن طرفة فيجعل آخره أوله، ويقول: ويأتيك بالأخبار من لم تزود، فقال أبو بكر: ليس هكذا يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم ما أنا بشاعر» (1) وح فالمراد بالتمثيل فى هذه الرواية الإتيان بمادة البيت، أو المصراع، وجوهر لفظه دون ترتيبه الموزون وفى القاموس: تمثل: أنشد بيتا ثم آخر ثم آخر، وتمثل بشىء ضربه مثلا، وظاهر قوله ثم آخر ثم آخر: أنه لا يسمى تمثيلا، إلا إن أنشد ثلاثة أبيات، ويرده: هذا

233 - إسناده ضعيف وهو صحيح: فيه: شريك القاضى وهو سيئ الحفظ. رواه الترمذى فى الأدب (2848)، بسنده ومتنه سواء، ورواه أحمد فى المسند (6/ 138،156، 222)، ورواه البخارى فى الأدب المفرد (867)، كلاهما من طريق شريك به فذكره، ورواه أحمد فى المسند (6/ 31،146)، وأبو نعيم فى الحلية (7/ 264)، وفى إسنادهما ضعف، وصححه الألبانى فى السلسلة الصحيحة (2057).

(1)

ذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (8/ 128)، وقال: قلت: رواه الترمذى غير أنه جعل مكان طرفه عبد الله بن رواحة-ورواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. وذكره العجلونى فى كشف الخفاء (2928)، وقال: رواه أحمد عن عائشة رضى الله عنها، وتقدم فى: ستبدى لك الأيام ما كنت جاهلا (2/ 341).

ص: 337

234 -

حدثنا محمد بن بشار، حدثنا عبد الرحمن بن مهدى، حدثنا الثورى، عن عبد الملك بن عمير، حدثنا أبو سلمة، عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

«إنّ أصدق كلمة قالها الشّاعر، كلمة لبيد: ألا كلّ شىء ما خلا الله باطل.

وكاد أميّة بن أبى الصّلت أن يسلم».

ــ

الحديث، فإن عائشة من أفصح العرب، وقد أنطقت التمثيل على إنشاء شطر بيت (بشعر) عبد الله (ابن رواحة) الخزرجى الأنصارى وكان ممن يذب عن الإسلام ككعب ابن مالك وحسان وهذان أشد شعرائه صلى الله عليه وسلم وكان ابن رواحة يحدو بين يدى النبى صلى الله عليه وسلم (ويتمثل، ويقول: ويأتيك بالأخبار من لم تزود) والمصراع الذى قبله: ستبدى لك الأيام ما كنت جاهلا، ونسخة:«يقول» أوفى من نسخة «بقوله» : لإيهامها أن هذا من شعر ابن رواحة، وليس كذلك كما تقرر عن عائشة: أنه من شعر أخى قيس بن طرفة وإنما قلت: لإيهامها لاحتمال أنها أعادت الضمير فى قوله على غير مذكور لشهرة قائله والعلم به عندهم.

234 -

(كلمة) تطلق لغة على الجملة، والجمل المفيدة، ومنه ما هنا، وقوله تعالى:

كَلاّ إِنَّهاكَلِمَةٌ (1) أى قول: رَبِّ اِرْجِعُونِ (2). (لبيد) أى ابن أبى ربيعة الصحابى، ورواية مسلم:«أشعر كلمة تكلمت بها العرب: كلمة لبيد» (3) وفى رواية:

234 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى الأدب (2849)، ورواه البخارى فى الأدب (6147)، ومسلم (2256)، وابن ماجه فى الأدب (3757)، وأحمد فى المسند (2/ 248،391،393،444،458،470، 480،481)، والبخارى فى التاريخ (7/ 249)، كلهم من طرق عن سفيان الثورى به فذكره.

(1)

سورة المؤمنون: آية رقم (100).

(2)

سورة المؤمنون: آية رقم (99).

(3)

رواه مسلم فى الشعر (2256)، والبخارى فى الرقاق (6489)، والترمذى فى الأدب (2849)، وفى الشمائل (247)، وابن ماجه فى الأدب (3757)، وأحمد فى مسنده (2/ 391،444، 480،481)، وابن حبان فى صحيحه (5783،5784)، والبيهقى فى السنن (10/ 237)، وابن أبى شيبة فى مصنفه (8/ 694،695)، والمقدسى فى أحاديث الشعر (1) وأبو نعيم فى الحلية (7/ 201)، وفى أخبار أصبهان (1/ 269،270).

ص: 338

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«إن أصدق بيت قالته الشعراء» وذلك لأنه أوفق لأصدق الكلام كُلُّ مَنْ عَلَيْهافانٍ (1)، كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاّ وَجْهَهُ (2). (ألا كل شىء ما خلا الله باطل)، «وكل نعيم لا محالة زائل» قال شارح: باطل يعنى: آيل إلى البطلان وكان باطلا لكونه بين العدمين وحينئذ يشكل بصفات الله لو كان من القائلين بوجود الصفات، لكن الظاهر أن يكون منهم، لأن الرجاء أن يكون الحق مع أهل السنة، فلا يمكن أن يرضى بأن تكون شهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم لغيرهم فالمعنى بالبطلان كونه فى معرضه، لكونه من أنباء الإمكان، ولأهل التوحيد تمسك به لكونه ظاهرا فى مذهبهم انتهى، وهو مع طوله لا تحقيق فيه لما فيه من التدافع، لأن قوله:«باطل» مساو لقوله تعالى: هالِكٌ إِلاّ وَجْهَهُ. والمراد: قبوله للبطلان والهلاك إذ المتعقل إما واجب لعدم فهو المراد بالبطلان والهلاك ما بالفعل، فينعدم كل مخلوق ساعة لتصدق تلك الكلية ثم توجدا. كالمجال الذاتى، أو البقاء، كذات الله وصفاته، أو محتمل لهما كالعالم، وإنما لم يذكر فى الآية والبيت، الصفات، لأنها معلومة من ذكر الذات لما هو مقرر عند الأشعرى: أنها ليست غير قابلة، أى بالنسبة لجواز الانفكاك، كما أنها ليست عينا، أى باعتبار المفهوم فلكونها غير قابلة للانفكاك، كان المتبادر من ذكره ذكرها، وهذه نكتة بديعة تدفع تعلق المبتدعة بالبيت. والآية، وتعلم بأنهم، أهل التعطيل، لا أهل التوحيد الذى زعمه هذا الشارح موهما به حقيقة مذهبهم، لا سيما مع قوله: غفلة عما قررته ظاهر الآية يؤيدهم، ولم يتعقبه ولا قوله أهل التوحيد، وكان الواجب أن يقول عقب هذا فى زعمهم، فإذا حذفه أوهم ذلك قصورا عن أن يأتى بمطابق عقيدته الموافقة لأهل السنة (أمية بن الصلت) بن ربيعة الثقفى أدرك الإسلام ولم يوفق له مع أنه كان فى الشعر ينطق بالحقائق، وفوض فى المعانى البديعة ولذلك استشهد صلى الله عليه وسلم بشعره وقال فى حقه: أنه كاد يسلم، لا سيما وقد سمع مدحه صلى الله عليه وسلم للبيد بسبب الشعر الذى افتخر به إلخ لا يشكل هذا وأمثاله الصادرة منه صلى الله عليه وسلم على ما فى القرآن فى غير آية، من نفى الشعر عنه، ومن ثمة قال الأئمة: إنه كان يحرم عليه إنشاؤه، بل قال الماوردى من أئمتنا: يحرم عليه روايته، إما لأن ذلك من باب الرجز، وليس بشعر عند الأخفش، ورد به قول الخليل: أنه شعر، إذ

(1) سورة الرحمن: آية رقم (26).

(2)

سورة القصص: آية رقم (88).

ص: 339

235 -

حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن الأسود بن قيس، عن جندب بن سفيان البجلى قال:

«أصاب حجر إصبع رسول الله صلى الله عليه وسلم فدميت. فقال: هل أنت إلا إصبع دميت وفى سبيل الله ما لقيت» .

ــ

لو كان شعر لم يقع منه صلى الله عليه وسلم لتحريمه عليه كما يأتى، وأما لأن معنى وَماعَلَّمْناهُ اَلشِّعْرَ (1)، وَماهُوَ بشاعر (2) ولا يقال لمن يتمثل ببيت شاعر، وأما لأن شرط تسميته شعرا، كما صرح به العروضيون أن يؤتى به بقصد رفعته ونفعيته وهو صلى الله عليه وسلم لم يقصد ذلك بدليل أنه كان ربما كثيرا غيره، وأخرجه عن النظم كما مر، وقد وقع الموزون الذى لم يقصد به ذلك حتى فى القرآن ك لَنْ تَنالُوا اَلْبِرَّ (3)، نَصْرٌ مِنَ اَللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ (4) وهذا لا يسميه أحد من العرب شعرا لفقد القصد فيه، ولا يشكل أيضا ما قاله الماوردى على تمثله بأبيات لغيره، لأنه لا يسمى رواية، إلا إن قال: قال فلان كذا وأما مجرد التمثيل والحكم بالأصدقية على شعر مخصوص، فلا يسمى رواية، وكان الفرق أن قوله: قال فلان فيه رفعة للقائل بسبب قوله وهذا يتضمن لرفعة شأن الشعر، والثناء عليه من حيث كونه شعرا، والمطلوب منه صلى الله عليه وسلم الإعراض عن الشعر، وذمه من تلك الحيثية، لأن قلة الرفيع يأباه ويسفهه.

235 -

(هل) بمعنى ما. (إلا) مستثنى من محذوف عام أى: ما أنت. (إصبع) موصوفة بشىء إلا بأن. (دميت) بفتح فكسر وبخطاب المؤنث ولتوجعها خاطبها حقيقة معجزة له، أو على سبيل الاستعارة تسلية لها وتخفيفا لما أصابها، إذ لم تبتل بقطع ونحوه مع أن ما ابتليت به لم يكن فى سبيل الله ورضاه، لأن ذلك كان فى غزوة أحد

235 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى التفسير (3345)، بسنده ومتنه سواء، ورواه البخارى فى الأدب (6146)، ومسلم فى الجهاد (1796)، والإمام أحمد فى المسند (4/ 313)، كلهم من طريق محمد بن جعفر به فذكره.

(1)

سورة يس: آية رقم (69).

(2)

سورة الحاقة: آية رقم (41).

(3)

سورة آل عمران: آية رقم (92).

(4)

سورة الصف: آية رقم (13).

ص: 340

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

على ما قيل، وقيل: كان قبل الهجرة، قال شارح: ويؤيده ما فى البخارى: «بينما النبى صلى الله عليه وسلم يمشى إذ أصابه حجر فعثر فدميت إصبعه، فقال: هل أنت. . .» (1) الحديث هكذا حكاه شارح، وهو عجيب، إذ لا تأييد فيه لهذا القول ولا لقائله، لأنه لا تصريح فيه، بل ولا اقتضاه أن ذلك كان قبل الهجرة أو بعدها، وهذا أولى بل أصوب من قول شارح آخر اعتراضا منه على الأول، ولا يخفى أن سوق كلام البخارى: أنه دميت إصبعه من العثار لا من إصابة الحجر، وإنما العثار من إصابة الحجر انتهى، وليس فى محله، لأنه قصد به رد ذلك التأييد، وليس فيه رد له بوجه على أنه كلام ساقط، والصواب أن يروى رواية البخارى والشمائل واحد، بناء على اتحاد الواقعة فيهما، وغاية الأمر أن راوى البخارى ذكر السبب الأول لظهور الدم، وهو إصابة الحجر والثانى وهو العثار بذلك الحجر الذى أصابه، فالدم هنا من إصابة الحجر قطعا، وهو ما فى رواية الترمذى، وأما قوله: وإنما. . . إلخ فغير متعقل، إذ العثار لا يحصل دما، وإنما الذى يحصله المعثور به، وهو الحجر الذى أصابه كما تقرر، وإن فهم هذا لم يقع منه هذه العبارة التى لا تليق ممن له أدنى مسكة من تدبر، وقيل بضمير الغائبة فى «دميت ولقيت» وعليه فهو ليس بشعر أصلا، لكن المشهور بل الصواب الرواية الأولى. (ما) موصولة أى الذى لقيه فى سبيل الله ما ترجى بذلك، أو نافيه أى: لم يقل فى سبيل الله شيئا، بل غيره فتمنى أن مثل ذلك، لو وقع لك يكون فى سبيل الله، وهذا إنما يأتى على القول بأنه كان قبل الهجرة، أو استفهامية، أى أىّ شىء لقيته فى سبيل الله؟ ورد: بأن الاستفهام له صدر الكلام، ويرد: بأن أصله؛ وما لقيتى فى سبيل الله.

(1) رواه البخارى فى الجهاد (2802)، من ينكب فى سبيل الله، (6/ 23)، وفى الأدب (6146)، ما يجوز من الشعر، ومسلم فى الجهاد (1796)، باب: ما لقى النبى صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين والمنافقين (3/ 1421)، والترمذى فى التفسير (3345)، وابن حبان فى صحيحه (6577)، وأحمد فى مسنده (4/ 312،313)، والحميدى فى مسنده (776)، والبيهقى فى دلائل النبوة (7/ 43،44)، والبغوى (3401)، والطبرانى فى الكبير (1708)، والطحاوى فى مشكل الآثار (4/ 299).

ص: 341

236 -

حدثنا محمد بن بشار، حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا سفيان، حدثنا أبو إسحاق، عن البراء بن عازب قال:

قال له رجل: أفررتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا عمارة؟ فقال: لا، والله ما ولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن ولّى سرعان النّاس، تلقّتهم هوازن بالنّبل، ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته، وأبو سفيان بن عبد المطّلب آخذ بلجامها. ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أنا النّبىّ لا كذب. أنا ابن عبد المطّلب».

ــ

236 -

(رجل) جاء أنه من قيس لكن لم يعرف اسمه. (لا) أى لم نفر جميعا، بل فر بعضنا، وبقى بعضنا، ثم أكد بقاء البعض بقوله: (ما ولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويلزم من بقائه بقاء طائفة معه، لما جبلوا عليه من إيثارهم نفسه الكريم على نفوسهم، وهذا من بديع أدب البراء رضى الله عنه، وبلاغته لأن الاستفهام ربما يتوهم منه، وإن دفع ذلك التوهم بتعبير السائل يعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه هو معهم، وزاد فى التأدب بنفى التولى دون الفرار نزاهة لمقامه الرفيع عن أن يستعمل فيه لفظ الفرار فى النفى، فضلا عن الإثبات لأنه أشنع من لفظ التولى، إذ هو يكون لتميز أو تحرف بخلاف الفرار، فإنه لا يكون إلا للخوف والجبن غالبا وإلا ففرار الصحابة هنا لم يتمحض لذلك قطعا، ومن ثمة قال الطبرانى هنا: الانهزام المنهى عنه هو ما وقع على غير نية العود، وأما الاستطراد للكثرة فهو كالمتحيز إلى فئة، ويحتمل أن البراء أشار إلى قيام الحجة الواضحة والبينة الظاهرة على عدم فرار أكابر الصحابة بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لم يقع منه تولّ فهم كذلك لمثابرتهم على بذلهم نفوسهم وعلمهم بأن الله تعالى لا يخذله، وأنه يعصمه من الناس، ولا ينافى ذلك ما فى مسلم عن سلمة بن الأكوع، «من قوله: فارجع منهزما. . . إلى قوله: مررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم منهزما فقال: لقد رأى ابن الأكوع

236 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى الجهاد (1688)، بسنده ومتنه سواء، ورواه البخارى فى المغازى (4315)، (4317)، ومسلم فى الجهاد (1776)، وأحمد فى المسند (4/ 289)، والبغوى فى شرح السنة (12/ 372)، والطبرانى فى الكبير (6/ 43)، وابن الجارود فى المنتقى (1066)، والبيهقى فى السنن (9/ 155)، وأبو نعيم فى الحلية (7/ 132)، كلهم من طريق أبى إسحاق عن البراء به فذكره نحوه.

ص: 342

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فزعا» فقال العلماء: قوله: منهزما حال من ابن الأكوع كما صرح به أولا بانهزامه، ولم يرد أنه صلى الله عليه وسلم انهزم، وقد قالت الصحابة كلهم: ما انهزم، ولم يقل أحد قط أنه انهزم فى موطن من المواطن، ومن ثمة أجمع المسلمون على أنه لا يجوز عليه الانهزام فمن زعم أنه انهزم فى موطن من مواطن الحرب، أدب تأديبا عظيما لائقا لعظم حرمته، إلا أن يقوله على جهة التنقيص، فإنه يكفر فيقتل ما لم يتب على الأصح عندنا، ومطلقا عند مالك وجماعة من أصحابنا، وبالغ بعضهم فنقل عليه الإجماع، بل وأطلق ذلك قتل عندهم على ما أشار إليه بعض محققيهم. (سرعان الناس) بفتح الراء، ويجوز إسكانها أى: أوائلهم الذين يسارعون إلى الشىء غفلة من خطرة وفيه تصريح بأن الفرار لم يكن من جميعهم، وإنما كان أولا ممن فى قلبه مرض من مسلمة الفتح ومؤلفتهم (1)، وأخلاطهم الذين لم يتمكن الإسلام من قلوبهم، بل كان فيهم من يتربص بالمسلمين الدوائر ونساء وصبيان خرجوا للقيه، فلما انكشفوا عن العدو، ظن من فرّ من الصحابة، أنه لم يبق فيهم غناء فكدّوا ليعرفوا الخبر، فأطلق على فعلهم الفرار أخذا بالظاهر. و (تلقتهم هوازن) قبيلة بحنين، ولد وراء عرنة، ودون الطائف، قيل: بينه وبين مكة ثلاث ليالى، وكان مسيره صلى الله عليه وسلم إليها يوم السبت لست ليال خلون من شوال، لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من فتح مكة وتمهيدها، وأسلم عامة أهلها، واجتمعت أشراف هوازن وثقيف وقصدوا حرب المسلمين، فسار صلى الله عليه وسلم إليهم فى اثنى عشر ألفا عشرة من أهل المدينة، وألفان من مسلمة الفتح، وهم الطلقاء أى عن الاسترقاق، وخرج معهم ثمانون مشركا منهم: صفوان بن أمية، وكان صلى الله عليه وسلم استعار منه مائة درع بأداتها، وورد بسند حسن:«أنه رجلا اطلع على جبل، فأخبر النبى صلى الله عليه وسلم بأن هوازن عن بكرة أبيهم بظعنهم، وبغنمهم، ونسائهم اجتمعوا إلى حنين، فتبسم صلى الله عليه وسلم وقال: تلك غنيمة المسلمين غدا إن شاء الله» (2) وقوله: «عن بكرة أبيهم» يريدون به الكثرة لا أن هناك بكرة حقيقية ويستقى عليه الماء، والظعن: النساء واحدتها ظعينة، ولكثرة المسلمين قال رجل من الأنصار-وزعم أنه الصديق رضى الله عنه من كذب من المبتدعة-: والله لن

(1) فى (أ): [موافقيهم].

(2)

رواه البيهقى فى السنن الكبرى (9/ 149)، وفى دلائل النبوة (5/ 126)، والطبرانى فى الكبير (6/ 116)، والحاكم فى المستدرك (2/ 84).

ص: 343

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

نغلب اليوم من قلة، فشق ذلك على النبى صلى الله عليه وسلم ثم ركب بغلته البيضاء، ولبس درعين والمغفر والبيضة، واستقبلهم من هوازن لم يروا مثله قط من السواد والكثرة، وذلك فى غلس الصبح وخرجت الكتائب من مضيق الوادى، فحملوا حملة واحدة فانكشفت خيل بنى سليم مولية، وتبعهم أهل مكة والناس، ولم يثبت معه صلى الله عليه وسلم يومئذ إلا عمه العباس، وأبو سفيان ابن عمه الحارث، وأبو بكر، وأمامة فى أناس من أهل بيته وأصحابه، قال العباس: وأنا آخذ بلجام بغلته أكفها مخافة إلى أن يصل إلى العدو، لأنه كان يتقدم إلى العدو وأبو سفيان آخذ بركابه، وجعل يأمر العباس بمناداة الأنصار وأصحاب الشجرة، أى شجرة بيعة الرضوان فناداهم، وكان صيتا يسمع صوته من ثمانية أميال، فلما سمعوه، أقبلوا كأنهم الإبل حنت إلى أولادها يقولون: يا لبيك يا لبيك، فتراجعوا حتى أن من لم يطاوعه بعيره نزل عنه ورجع ماشيا، فأمرهم صلى الله عليه وسلم أن يصدقوا الحلة واقتتلوا مع الكفار، ولما نظر إلى قتالهم قال: الآن حمى الوطيس، وهى تنور الخبز ضربه مثلا، إذ لم يسمع من أحد قبله لشدة الحرب التى شبه حرها حره وتناول حصيات من الأرض ثم قال: شاهت الوجوه» (1) أى: قبحت «ثم رمى بها فامتلأت عين كل مشرك منها» ، وفى رواية مسلم:«من تراب الأرض» فأحداهما مجازا، ورمى بكل أو خلطهما ورمى بهما، وفى رواية عند أحمد وأبى داود والدارمى:«أن المسلمين لما ولوا نزل صلى الله عليه وسلم عن فرسه وضرب وجوههم بكف من تراب فحدث أبناؤهم عنهم أنهم قالوا: لم يبق منا أحد، إلا امتلأت عيناه وفيه ترابا سمعنا صلصلة رمى السماء كإمرار الحديد على الطشت الجديد» (2) بالجيم، ولأحمد والحاكم عن ابن مسعود «أن سرج بغلته مال، فقال: ارتفع يرحمك الله، فقال: ناولنى كفا من تراب فضرب وجوههم، وامتلأت أعينهم ترابا، وجاء المهاجرون والأنصار بسيوفهم بأيمانهم كأنهم الشهب فولى المشركون الأدبار» (3)، وفى رواية: «عن رجل كان منهم لما

(1) رواه مسلم فى الجهاد (1777)، وأحمد فى مسنده (1/ 303،368)، وابن حبان فى صحيحه (6502،6520)، والبيهقى فى دلائل النبوة (5/ 140،6/ 240)، والحاكم فى المستدرك (3/ 157)، وأبو نعيم فى دلائل النبوة (139)، وذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (8/ 228) وقال: رواه أحمد بإسنادين ورجال أحدهما رجال الصحيح قلت: بل رجال الإسنادين رجال الصحيح.

(2)

رواه الدارمى فى السير (2/ 220)، وأحمد فى مسنده (1/ 453)(5/ 286).

(3)

سبق تخريجه فى الذى قبله.

ص: 344

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لقيناهم لم يقدموا (1) لنا حلب شاة فجعلنا نسوقهم حتى انتهينا إلى صاحب البغلة البيضاء، فإذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلقانا عدة رجال بيض الوجوه حسان، فقالوا لنا:

شاهت الوجوه، ارجعوا فانهزمنا وركبوا أكتافنا» (2)، وفى سيرة الدمياطى:«كان سيماء الملائكة يوم حنين عمائم حمرا رخوها بين أكتافهم، وأمر صلى الله عليه وسلم أن يقتل من قدر عليه، فأفضوا إلى الذرية، فنهاهم عنه وقال: من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه» (3)، واستلب أبو طلحة وحده ذلك اليوم عشرين رجلا، وكان فى إمساكه لقلوب هوازن عن الدخول فى الإسلام بعد الفتح المجعول علامة على دخول الناس فى دين الله أفواجا، إتماما لإقرار رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومزيد النصرة بقهر هذه الشوكة العظيمة التى لم يلقوا قبلها مثلها، وأذيقوا أولا مرارة الهزيمة لتتواضع رءوس رفعت بالفتح، ولم يدخل بلده وحرمه على هيئة تواضع رسول الله صلى الله عليه وسلم وليقين من قال: لن نغلب اليوم من قلة، أن النصر إنما هو من عند الله، وأنه المتولى بنصرة دينه ورسوله دون كثرتهم التى أعجبتهم بأنها لم تغن عنهم شيئا فولوا مدبرين، فلما انكسرت قلوبهم أنزل الله على رسوله وعليهم، وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها (4) ولم يقاتل الملائكة معه إلا هنا وفى بدر، واختصتا أيضا برميه وجوه المشركين بالحصى، وأمر صلى الله عليه وسلم بطلب العدو، فانتهى بعضهم إلى الطائف، وبعضهم نحو بجيلة، وقوم منهم فروا إلى أعلى، واستشهد من المسلمين أربعة، وقتل من المشركين أكثر من سبعين قتيلا (بالنبل) بالفتح السهام الأولى له من لفظه، أو جمع نبلة، ويجمع على نبال بالكسر، وأنبال وحين أرشقوهم بها ولى أولاهم على أخراهم من العمل، قول بعضهم: لن نغلب اليوم من قلة لما مر، ومن ثمة لما بلغ ذلك النبى صلى الله عليه وسلم شق عليه حتى أنزل الله سكينته على المؤمنين، وأنزل جنودا لم

(1) فى (أ): [يقضوا].

(2)

سبق تخريجه فى الحديث الأول.

(3)

رواه البخارى فى البيوع (2100)، وفى فرض الخمس (3142)، وفى المغازى (4321، 4322)، ومسلم فى الجهاد (1751)، وأبو داود فى الجهاد (2717)، والترمذى فى السير (1562)، وابن ماجه فى الجهاد (2837)، والبغوى (2724)، وابن حبان فى صحيحه (4805،4836،4837)، وأحمد فى مسنده (5/ 295،306)، والبيهقى فى السنن (6/ 306)، وابن الجارود فى مسنده (1076)، وعبد الرزاق فى مصنفه (9476).

(4)

سورة التوبة: آية رقم (26).

ص: 345

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تروها من جنود الملائكة ما كان سببا للنصرة والطفر (على بغلته) زاد مسلم البيضاء، وهى دلدل وركوبه لها مع عدم صلاحيتها للحرب كر، أو فر، ومن ثمة لم يسهم لها، ومع أنها فى العادة إنما هى من راكب الطمأنينة، وأن الملائكة الذين قاتلوا معه فى ذلك اليوم لم يكونوا إلا على الخيل لا غير، ومع أنه كان له أفراس متعددة فى مواطن الحرب، سيما عند اشتعال نارها كهذا الاشتعال الذى هو النهاية المقصودة فى الشجاعة والثبات، إعلاما بأن سبب نصرته، وظفره، ومدده السماوى، وتأييده الإلهى الخارق للعادة وبأنه ظاهر الزمان والمكان، ليرجع إليه المسلمون، وتطمئن قلوبهم بمشاهدة جمال ذاته وجليل آياته كركضه بها فى نحر العدو مع فرار الناس عنه، ولم يبق معه إلا أكابر الصحابة، وأهل بيته، وكنزوله عنها إلى الأرض مبالغة فى الثبات والشجاعة، أو مواساة فى مثل هذا المقام للماضين معه من أصحابه. (بلجامها) ليكفها عن أن تقع به فى نحر العدو وتارة بركابها، والعباس بلجامها (أنا النبى لا كذب) أى: حتما فلا أفر ولا أزول، إذ صفة النبى يستحيل معها الكذب، فكأنه قال: أنا النبى والنبى لا يكذب، فلست بكاذب فيما أقول حتى أنهزم، بل أنا متيقن أن ما وعدنى الله من النصر حق، فلا يجوز علىّ الفرار، ومن الشاهد هنا أيضا ما قيل: من فتح باء كذب وكسر الباء من المطلب. (أنا ابن عبد المطلب) فيه دليل لجواز قول الإنسان فى الحرب أنا فلان ابن فلان، ومنه قول على رضى الله عنه «أنا الذى سمتنى أمى حيدره» أى: أسد وقول سلمة أنا ابن الأكوع، والمنهى عنه قول ذلك على وجه الافتخار، كما كانت الجاهلية تفعله، وانتسب لجده عبد المطلب دون أبيه عبد الله، لأنه توفى شابا فى حياة أبيه، فلم يشتهر كاشتهار أبيه، إذ كانت شهرته ظاهرة شائعة، ومن ثم نسب إليه فى نحو قول ضمام: أيكم ابن عبد المطلب؟ وأيضا، فاشتهر عندهم أنه بشر بأن النبى صلى الله عليه وسلم سيظهر، ويكون له شأن عظيم لما أخبر به سيف بن ذى يزن، وأنه رأى رؤيان لعلى ظهوره، فأراد النبى صلى الله عليه وسلم يذكرهم بجميع ذلك بأنه لا بد من ظهوره على الأعداء ليقوى نفوس المؤلفة ونحوهم.

ص: 346

237 -

حدثنا إسحاق بن منصور، حدثنا عبد الرزاق، أنبأنا جعفر بن سليمان، حدثنا ثابت، عن أنس:

أنّ النّبىّ صلى الله عليه وسلم دخل مكة فى عمرة القضاء وابن رواحة يمشى بين يديه وهو يقول:

خلّوا بنى الكفار عن سبيله

اليوم نضربكم على تنزيله

ضربا يزيل الهام من مقيله

ويذهل الخليل عن خليله

فقال له عمر: يا ابن رواحة، بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفى حرم الله تقول شعرا؟

فقال النبى صلى الله عليه وسلم: «خلّ عنه يا عمر، فلهى أسرع فيهم من نضح النّبل» .

ــ

237 -

(القضاء) المراد به القضية أى المقاضات والمصالحة، لا القضاء الشرعى، لأن عمرتهم التى تحللوا فيها بالحديبية لم يلزمهم قضاؤها، كما هو شأن المحصر عندنا.

(خلوا) أى دوموا على التخلية، لأنهم يومئذ تركوا مكة للنبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه.

(نضربكم) بسكون الباء لضرورة النظم. (تنزيله) أى القرآن، وإن لم يتقدم له ذكر، لأنه ذكر ما يفهمه نحو توارت بالحجاب أو النبى صلى الله عليه وسلم أى إرسال الله إليكم، فهو كالأمر النازل من السماء أى على عدم الإيمان بذلك. (الهام) جمع هامة، وهى الرأس.

(مقيله) هو مكان القيلولة، وهو محل راحة الإنسان، وكأنه شبه به العنق بجامع محل الرأس، وبقاءه، ويزيل الرأس عن العنق، وأراد بالمقيل: النوم لما علمت أنه محل الاستراحة، وهى موجودة فى النوم أى يمنع الرأس عن النوم، والاستراحة به لشدة ما يقاسيه من ألم الضرب، وفوات المراد، وروى هذا عبد الرزاق أيضا من وجهين، لكنه أبدل عجز الأول بقوله:«قد أنزل الرحمن فى تنزيله» ، وزاد فى آخره «بأن خير القتل فى سبيله. نحن قتلناكم على تأويله. كما قتلناكم على تنزيله» ، وأخرج الطبرانى والبيهقى بلفظ المصنف لكنه ابتدأ بعجز الأول، وجعل عجز الثانى «يا رب إنى مؤمن بقيله» ، وزاد ابن إسحاق على هذا:«إنى رأيت الحق فى قبوله» . (ويذهل الخليل عن

237 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى الأدب (2847) بسنده ومتنه سواء، ورواه النسائى فى الحج (5/ 203)، وفى الكبرى (3856)، من طريق عبد الرزاق به فذكره نحوه.

ص: 347

238 -

حدثنا على بن حجر، حدثنا شريك، عن سماك بن حرب، عن جابر ابن سمرة، قال:

«جالست النبىّ صلى الله عليه وسلم أكثر من مائة مرة، وكان أصحابه يتناشدون الشّعر، ويتذاكرون أشياء من أمر الجاهلية، وهو ساكت، وربّما تبسّم معهم» .

239 -

حدثنا على بن حجر، أخبرنا شريك، عن عبد الملك بن عمير، عن أبى سلمة، عن أبى هريرة، عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال:

ــ

خليله) أى يمنع من أن يتفقده، ويسأل عنه لشغله عنه بما هو أهم من ذلك، وهو خشية فوات نفسه وذهاب نفسه. (فلهى) أى هذه الأبيات أو الكلمات. (فيهم) أى فى إيذائهم، ونكايتهم. (أسرع) وصولا، وأبلغ نكاية. (من نضح النبل) رمى السهام، وفيه دليل لجواز، بل ندب استماع، وإنشاد الشعر الذى فيه مدح الإسلام، ومكارم الأخلاق، والحث على صدق اللقاء، ومبايعة النفس لله، وعدم المبالاة بأعدائه.

238 -

(وهو ساكت) فيه حل استماع وإنشاد الشعر الذى لا فحش فيه ولا خفاء فيه، وإن كان مشتملا على ذكر شىء من أيام الجاهلية، ووقائعهم فى حروبهم، ومكارمهم ونحو ذلك، ويحتمل أن أشعارهم التى كانوا يتناشدونها فيها الحث على الطاعة، وذكر أمور الجاهلية للندم على فعلها، فيكون من القسم الأول الذى هو سنة لا مباح فقط، لكن قاعدة أن التأسيس خير من التأكيد، يريد أن المراد هنا الإباحة، وثم السنة كما قررته خلافا لشارح.

239 -

(أشعر كلمة) أى أحسنها وأجودها وأدقها، فهو أبلغ من قولهم شعر شاعر

238 - إسناده ضعيف: رواه الترمذى فى الأدب (2850)، بسنده ومتنه سواء، والنسائى فى السهو (3/ 81)، وفى الكبرى (1281)، من طريق زهير عن آخر عن سماك بن حرب به فذكره. قلت: الآخر هو شريك القاضى، وهو سيئ الحفظ.

239 -

إسناده ضعيف وهو صحيح: فيه شريك بن عبد الله القاضى، وهو سيئ الحفظ. وقد تقدم برقم (134)، وهو من حديث أبى هريرة أيضا فى الصحيحين عند البخارى ومسلم بنحوه.

ص: 348

«أشعر كلمة تكلمت بها العرب، كلمة لبيد: ألا كلّ شىء ما خلا الله باطل» .

240 -

حدثنا أحمد بن منيع، حدثنا مروان بعد معاوية، عن عبد الله بن عبد الرحمن الطائفى، عن عمرو بن الشريد، عن أبيه، قال:

«كنت ردف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنشدته مائة قافية من قول أميّة بن الصّلت، كلما أنشدته بيتا قال لى النبىّ صلى الله عليه وسلم: هيه. حتى أنشدته مائة-يعنى بيتا-فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم: كاد ليسلم» .

ــ

ومما ذكره بعد ذلك، وكل نعيم لا محالة زائل، ولما سمع هذا عثمان قال: كذب لبيد، نعيم الجنة لا يزول، فلما عقب لبيد ذلك مبينا لمراده وهو نعيم الدنيا بقوله: نعيمك فى الدنيا غرور وحسرة، فسمعه عثمان قال: صدق لبيد قافية أى بيت كما فى رواية مسلم، والرواية الآتية، والأول فيه إطلاق الجزء على الكل.

240 -

(قال) رواه البخارى فى المفرد أيضا. (هيه) بكسر فسكون من غير تنوين وأصله أن يستعمل بلا استزادة من حديث، أو عمل معهود، فإن نونت لاتصالها بغيرها كأيه حديثا كانت للاستزادة من غير معهود، وكان تنوينها للتنكير وفى استحسانه صلى الله عليه وسلم لشعر أمية، وأمره بالاستزادة، دليل لما قدمناه من الندب بشرطه الموجود هنا لاشتمال شعره على الإقرار بالوحدانية وعلى الحكم الدقيقة والمعانى العويصة، وأنه لا فرق فى الشعر حيث سلم من الخناء والفحش بين شعر الجاهلية وغيرهم والمذموم مما سلم من ذلك، إنما هو الإكثار والغلبة على قائله (يعنى بيتا) مراده يعنى مائة بيت، وفى نسخة:

«بيت» بالجر على الحكاية تفسير المضاف إليه مائة للمحذوف إن مخففة من الثقيلة واسمها إن عملت ضمير الشأن، فزعم أن من قال التقدير أنه كاد لا يعرف شيئا من النحو، ليس فى محله إذ مراده إذا عملت كما ذكرته، ومجرد حذف هذا القيد لا بخبر أن يقال فى حق من حذفه لا يعرف شيئا من النحو، (كاد) قرب. (يسلم) من سبب ذلك.

240 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى الأدب (2846)، بسنده ومتنه سواء، ومسلم فى الشعر (2255)، وابن ماجه فى الأدب (2846)، وأحمد فى المسند (4/ 389،390)، وأبو بكر بن أبى شيبة فى المسند (910)، (913)، بتحقيقنا، كلهم من حديث الشريد بن سويد به فذكره.

ص: 349

241 -

حدثنا إسماعيل بن موسى الفزارى، وعلى بن حجر-والمعنى واحد- قالا: حدثنا عبد الرحمن بن أبى الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت:

«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع لحسان بن ثابت منبرا فى المسجد يقوم عليه قائما، يفاخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم-أو قال: ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم-ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنّ الله يؤيّد حسان بروح القدس ما ينافح أو يفاخر-عن رسول الله صلى الله عليه وسلم» .

ــ

241 -

(كان صلى الله عليه وسلم يضع لحسان. . .) إلخ، فيه حل إنشاد الشعر فى المسجد، بل ندب إذا اشتمل على مدح الإسلام وأهله وإهجاء الكفار وتحقيرهم والتحريض على قتالهم، وندب الدعاء إن قال شعرا كذلك (يفاخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الظاهر من هذه العبارة عند من له ذوق سليم أنه يذكر مفاخر رسول الله صلى الله عليه وسلم ومثالب أعدائه ورد لقولهم فى حقه، وما قيل بنسب نفسه إلى الشرف والكبر والعظمة لكونه من أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم الممتاز بالفضل على الخلائق من كل وجه فهو بعيد متكلف، وليته لم يذكر الكبر بأن ذكره فى هذا المقام فيه ما فيه. (ينافح) بالحاء المهملة أى: يدافع ويناضل ويتناول المشركين لهجائهم ومجاوبتهم. (بروح القدس) بضم الدال وسكونها وهو جبريل سمى بذلك، لأنه يأتى الأنبياء بما فيه الحياة الأبدية والطهارة الكاملة ومعنى تأييده، لأن يلقى فى روعه أفصح الشعر وأبلغه وأليقه بالمقام. (ما ينافح) بالحاء المهملة أى يدافع ويهجو المشركين ومجاوبتهم على أشعارهم، أى ما دام كذلك وفى رواية:«إن جبريل مع حسان ما نافح عنى» (1) قيل: ولما دعى له صلى الله عليه وسلم أعانه جبريل بسبعين بيتا، وهو حسان بن ثابت بن المنذر ابن عمرو بن حزام الأنصارى عاش مائة وعشرين سنة، نصفها فى الإسلام، وكذا عاش أبوه وجده وجد أبيه المذكورون، وتوفى سنة أربع وخمسين، ولما جاء صلى الله عليه وسلم وفد بنى تميم

241 - صحيح: رواه الترمذى فى الأدب (2846) بسنده ومتنه سواء، ورواه أبو داود فى الأدب (5015)، وأحمد فى المسند (6/ 72)، والحاكم فى المستدرك (3/ 487)، من طريق عبد الرحمن بن أبى الزناد به فذكره نحوه، وقال أبو عيسى: حسن صحيح غريب، وقال أبو عبد الله الحاكم: صحيح ووافقه الذهبى.

(1)

رواه أبو داود فى الأدب (5015)، ما جاء فى الشعر (4/ 305).

ص: 350

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وشاعرهم الأقرع بن حابس فنادوه: يا محمد اخرج إلينا نفاخرك ونشاعرك، فإن مدحنا زين، وذمنا شين، فلم يزل النبى صلى الله عليه وسلم إلى أن قال:«ذلك الله إذا مدح زان، وإذا ذم شان، إنى لم أبعث بالشعر ولم أؤمر بالفجر، ولكن هاتوا فأمر صلى الله عليه وسلم ثابت بن قيس أن يجيب خطيبهم فخطب فغلبهم» ، فقام الأقرع بن حابس فقال:

أتيناك كيما تعرف الناس فضلنا

إذا خالفونا عند ذكر المكارم

وأنا رءوس الناس من معشر

وأن ليس فى أرض الحجاز كدارم

فأمر صلى الله عليه وسلم حسان يجيبهم، فقال:

بنى دارم لا تفخروا إن فخركم

يعود وبالا عند ذكر المكارم

هبلتم علينا تفخرون وأنتم

لنا خول ما بين قن وخادم

وكان أول من أسلم شاعرهم المذكور، وثابت خطيبه صلى الله عليه وسلم وخطيب الأنصار وهو خزرجى شهد صلى الله عليه وسلم له بالجنة واستشهد باليمامة سنة اثنتى عشرة.

تتمة: فيها تأييد لما قررته وزيادة عليه، روى أبو داود سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

«إن من البيان لسحرا، وإن من العلم لجهلا، وإن من الشعر لحكما» (1). قال بعض

(1) رواه أبو داود (5010)، و (5011)، والبخارى (6145)، (6146،5767)، والترمذى (2847،2848)، وابن ماجه (3755)، وأحمد فى المسند (1/ 457)، (5/ 125)، والدارمى فى سننه (2/ 296،297)، والبخارى فى الأدب المفرد (864)، والشافعى فى مسنده (2/ 670)، وأبو بكر بن أبى شيبة فى المصنف (8/ 691،692)، وفى المسند بتحقيقنا (392)، (413)، (445)، والطيالسى فى مسنده (2220)، وعبد الرزاق فى المصنف (20499)، والبغوى فى شرح السنة (3398)، وفى التفسير (3/ 405)، والطبرانى فى الكبير (11/ 11759،11761،11763)، (12/ 12888)، وفى الأوسط (1475،2481، 8304،9021،9091)، وأبو يعلى فى مسنده (2332)، (2581)، والطحاوى فى شرح معانى الآثار (4/ 299)، وأبو الشيخ فى الأمثال (6،7)، والبيهقى فى السنن (10/ 237)، وابن حبان فى صحيحه (5718،5778،5780،5795)، وأبو نعيم فى الحلية (7/ 269)، وفى أخبار أصبهان (1/ 355)، جميعهم مختصرا وتاما، من أحاديث عائشة، وعبد الله بن مسعود، وعمار، وعبد الله بن عباس، وعمرو بن عوف، وأبو بكرة، وأبى بن كعب رضى الله عنهم.

ص: 351

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

السلف صدق رسول الله أما قوله «إن من البيان لسحرا» فالرجل يكون عليه الحق، وألحن بالحجج من صاحب الحق فيسحر القوم ببيانه فيذهب بالحق وأما قوله «إن من العلم لجهلا» فيكلف العالم إلى علمه ما لم يعلم بجهله، وأما قوله:«إن من الشعر لحكما» فهو هذه المواعظ والأمثال التى يتعظ بها الناس، ومفهومه أن بعض الشعر ليس كذلك إذ «من» تبعيضية، وروى البخارى:«إن من الشعر حكمة» أى: قولا صادقا مطابقا للحق قال الطبرى: وبه يرد على من يكره الشعر مطلقا، ولا حجة له فى قول ابن مسعود:«الشعر لمزامير الشيطان» أى: لأنه محمول على شعر فيه سخف أو نحوهما مما غلب على الشعراء وبه ضلوا وأغووا، وعليه أيضا يحمل خبر:«إن إبليس لما هبط إلى الأرض قال: رب اجعل لى قرآنا قال: قرآنك الشعر» على أنه ضعيف قيل:

وعلى تقدير ثبوته فهو محمول على الإفراط فيه والإكثار منه.

***

ص: 352