الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
12 - باب: ما جاء فى ذكر خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم
84 -
حدثنا قتيبة بن سعيد، وغير واحد، عن عبد الله بن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب عن أنس بن مالك، قال:
«كان خاتم النّبىّ صلى الله عليه وسلم من ورق، وكان فصّه حبشيّا» .
ــ
(باب ما جاء فى ذكر خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم
مر فيه فتح التاء وكسرها، ويقال فيه خيتام وخاتام وخيتوم، وفى نسخة زيادة بين فى ومجرورها، ولعلها تحريفة من ناسخ، إذ تراجم الكتاب قاضية بحذفها، لأنه لم يوجد لها فيها نظير ولا حكمة فى تميز هذا الباب بها على بقية الأبواب.
84 -
(عن أنس) أى أخرجه الشيخان عنه أيضا (من ورق) أى فضة، فيه: حل اتخاذ الخاتم الفضة للرجال والنساء، وهو إجماع، بل يندب بشرط عدم الإسراف فيه بالنسبة لعرف اللابس، وإن بلغ مثقالا، خلافا لمن اشترط نقصه عنه كما يأتى، وكرهت طائفة لبسه مطلقا، وهو شاذ، وجزم بعض الشراح من الشافعية به لعدم إلمامه بكلام الفقهاء، نعم ثبت «أنه صلى الله عليه وسلم لما اتخذ خاتما من ورق، فاتخذوا مثله، طرحه فطرحوا خواتيمهم» (1)، وهذا يدل على عدم ندب الخواتم، وأجاب البغوى: بأنه إنما طرحه خوفا عليهم من التكبر والخيلاء انتهى. وأقول: يحتمل أنهم بالغوا فى الإسراف فى قدره، فأشار إليهم ليطرحوها ثم رأيت بعضهم أجاب عنه: بأنه وهم من الزّهرى راويه، وأن الذى لبسه يوما ثم ألقاه، خاتم ذهب كما ثبت ذلك من غير وجه عن ابن عمر،
84 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى اللباس (1739)، بسنده ومتنه سواء، ورواه مسلم فى اللباس (2094)، وأبو داود فى الخاتم (4216)، والنسائى فى الزينة (8/ 174)، وفى الكبرى (9515،9516، 9518)، وابن ماجه (3641)، وأحمد فى المسند (3/ 225)، وأبو الشيخ فى أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم (ص 637)، وأبو نعيم فى الحلية (8/ 330)، والبغوى فى شرح السنة (3140)، جميعهم من طرق عن يونس، عن ابن شهاب، به نحوه.
(1)
رواه أبو داود فى الخاتم (4223)، وأحمد فى مسنده (2/ 68،96،127)، (3/ 160، 206،223،225).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأنس، أو خاتم حديد عليه فضة، فقد روى أبو داود بسند جيد «أنه كان له خاتم حديد ملوى عليه فضة» (1) فلعله الذى طرحه، وكان يختم به ولا يلبسه وقال الخطابى: يكره للنساء، لأنه من شعار الرجال فإن لبسته صفرته بنحو زعفران، وما قاله من الكراهة ضعيف ومر أوائل الكتاب قول جمع من أصحابنا: الأولى لها أن لا تلبس البياض ولا الفضة، لما فى التشبيه بالرجال، وأن تغيره بما أمكن من نحو زعفران ونحوه. وقالت طائفة: يكره إذا قصد به الزينة، وآخرون: يكره لغير ذى سلطان للنهى عنه لغيره، رواه أبو داود والنسائى، لأن سبب اتخاذه ذلك كما يأتى، وردّوه بأن هذا هو أصل حكمة الاتخاذ لكنه صلى الله عليه وسلم استدام لبسه، ولبسه أصحابه معه، وأقرهم عليه وخبر النهى إلا لذى سلطان، نقل ابن رجب عن بعض أصحابه عن أحمد أنه ضعفه، قال شيخ الإسلام الشرف المناوى: وتحصل السنة بلبس الخاتم ولو مستعارا أو مستأجرا والأوفق للاتباع لبسه بالملك واستدامته، ويجوز للرجل لبس خواتم، ويكره لبس أكثر من خاتمين قاله الدارمى من أصحابنا، وفيه نزاع وخلاف، ليس هذا محل بسطه (فصه) بتثليث أوله، ووهم من جعل الكسر لحنا، وهو ينقش فيه اسم صاحبه أو غيره. (حبشيا) أى فصا من جزع، أو عقيق، إذ معدنهما بالحبشة كاليمن وهذا فى ما قيل أن معدنهما باليمن وهى من الحبشة ويؤيده فى خبر «وكان فصه من عقيق» ، وقيل: كان لونه حبشى، أى أسود وسيأتى فى رواية:«وإن فصه منه» ، وهى رواية البخارى، ومن ثمة قال ابن عبد البر:
إنها أصح [فقدمت] ولكنّ الوجه الجمع بأن له خاتمين أحدهما فصه حبشى، والآخر فصه منه، وكان يلبس كلا فى وقت على ما يأتى وجمع أيضا بأن معنى حبشيا أن صائغه حبشى، فلا ينافى أنه منه، وأيد بأنه إنما اتخذه لحاجة [فالتعدد بعيد إذ لا حاجة إليه]، وبأنه جاء أن نسبته حبشى منسوب إلى صانع من الحبشة، مرّ هذا كله غفلة عن الخبر السابق «أن فصه من عقيق» لكن إنما يتم ذلك إن ثبت الحديث، وجمع أيضا: بأن معنى: «وفصه منه» أى موضع فصه منه، فلا ينافى كون فصه حجرا وهو فى غاية الركاكة، إذ لا يتوهم أن موضع فص الخاتم من غيره، حتى يحترز الراوى بقوله «فصه» عن ذلك، وإنما يتم إن عهد ذلك الزمن أنهم كانوا تارة يتخذون موضع الفص من الخاتم، وتارة يتخذون من غيره.
(1) رواه أبو داود فى الخاتم (4224)، (4/ 88)، وأحمد فى مسنده (1/ 21).
85 -
حدثنا قتيبة، حدثنا أبو عوانة، عن أبى بشر، عن نافع، عن ابن عمر:
«أنّ النّبىّ صلى الله عليه وسلم اتّخذ خاتما من فضّة، فكان يختم به ولا يلبسه» .
86 -
حدثنا محمود بن غيلان، قال: حفص بن عمر بن عبيد (الطنافسى)، ثنا زهير (أبو خيثمة)، عن حميد، عن أنس بن مالك، قال:
«كان خاتم النّبىّ صلى الله عليه وسلم من فضّة، فصّه منه» .
ــ
85 -
(يختم به) أى الكتب التى يرسلها للملوك (ولا يلبسه) أى دائما، بل فى بعض الأوقات، للأخبار الآتية:«كان يلبسه فى يمينه» (1) ولخبر: «كان إذا دخل الخلاء نزع خاتمه» (2)، وزعم أن المراد: ولا يلبسه حالة الختم به ليس فى محله، لأن لبسه حالة الختم بعيد لا يحتاج لنفيه، وعلى أن له خاتمين، فيحتمل أن أحدهما كان يلبسه، والآخر كان يلبسه ليتأسى به فيه، إذ الصواب كما مر أن لبسه مندوب، ولو لمن لم يحتج إليه لختم ولا لغيره.
86 -
(الطنافسى) منسوب إلى الطنافس، جمع طنفسة، بضم الطاء والفاء، وكسرها وفتح الفاء: السباط الذى له خمل، أو الثياب وحصير من سعد قدره ذراع. (خيثمة) بفتح المعجمة وسكون التحتية وفتح المثلثة (منه) أى من بعضه فليس بحجر على ما مرّ.
85 - إسناده صحيح: رواه الإمام أحمد فى «مسنده» (2/ 68)، وأبو الشيخ فى «أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم» (ص 138)، كلاهما من طريق أبى عوانة به فذكره وفيه زيادة.
86 -
إسناده صحيح: رواه الترمذى فى اللباس (1740)، بسنده ومتنه سواء. ورواه البخارى فى اللباس (5870)، وأبو داود (4217)، والنسائى فى الزينة (8/ 174)، وفى الكبرى (915،916،918)، والإمام أحمد فى مسنده (3/ 266)، وابن سعد فى الطبقات (1/ 366)، وأبو الشيخ فى أخلاق النبى (ص 138)، والبغوى فى شرح السنة (12/ 65)، (3139)، كلهم من طرق عن حميد به نحوه.
(1)
رواه البخارى فى الأيمان والنذور (6651).
(2)
رواه أبو داود فى الطهارة (19)، والترمذى فى اللباس (1746)، وابن ماجه فى الطهارة (303) وأبو نعيم فى أخبار أصبهان (2/ 111)، والبداية والنهاية (6/ 6).
87 -
حدثنا إسحاق بن منصور، حدثنا معاذ بن هشام، حدثنى أبى، عن قتادة، عن أنس بن مالك قال:
88 -
حدثنا محمد بن يحيى، حدثنا محمد بن عبد الله الأنصارى، حدثنى أبى، عن ثمامة، عن أنس بن مالك قال:
«كان نقش خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم محمّد سطر، ورسول سطر، والله سطر» .
ــ
87 -
(لما أراد) أى حين رجع من الحديبية (إلى العجم) أى إلى عظمائهم أو ملوكهم. (قيل له) قائل ذلك، قيل: من العجم، وقيل: من قريش. (يكتب) أى أراد أن يكتب الرواية السابقة «لا يقبلون» أى لا يعتمدون (عليه خاتم) أى وضع عليه خاتم وقيل فيه حذف مضاف أى: عليه نقش خاتم، والأول أولى وأظهر، وسبب اعتمادهم لعدم الثقة بما فيه، أو أنه ترك منه شعار تعظيمهم، وهو الختم، أو الإشعار بأن ما يعرض عليهم، ينبغى أن لا يطلع عليه غيرهم. وعن أنس:«أن ختم كتاب السلطان، أو القضاة سنة متبعة» . (فاصطنع خاتما) بأن يعمل. (فكأنى. . .) إلخ إشارة إلى أنه من فضة وأنه متيقن اتخاذ النبى صلى الله عليه وسلم له.
88 -
(ثمامة) بضم المثلثة وتخفيف الميم. (محمد) خبر كان على الحكاية أو اسمها، ونقش هو الخبر، أى مدلول نقشه محمد، أو نقش نفس محمد، وقيل: خبرها
87 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى الاستئذان (2718)، بسنده ومتنه سواء، ورواه البخارى فى اللباس (5872، 5875)، ومسلم (2092)، وأبو داود فى الخاتم (4214)، وابن سعد فى الطبقات (1/ 365)، والبغوى فى شرح السنة (3131)، وأبو الشيخ فى الأخلاق (ص 140)، كلهم من طرق عن قتادة به نحوه تاما ومختصرا.
88 -
إسناده صحيح: رواه الترمذى فى اللباس (1747)، بسنده ومتنه سواء، ورواه البخارى فى الخمس (3106)، وفى اللباس (5878)، وأبو الشيخ فى أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم (ص 141)، والترمذى (1748)، والبغوى فى شرح السنة (3136)، كلهم من طرق عن ثمامة به نحوه.
89 -
حدثنا نصر بن على الجهضمى، أبو عمرو، حدثنا نوح بن قيس، عن خالد بن قيس، عن قتادة، عن أنس بن مالك:
ــ
محذوف أى ثلاثة أسطر، كما صرحت رواية البخارى. (سطر) قيل: أسفل، وهو خبر مبتدأ محذوف، أى هو سطر، وهو جملة معترضة. (ورسول) بالتنوين وعدمه على الحكاية. «سطر» قيل: أوسط. (والله) بالرفع والجر. (سطر) قيل: أعلى ليكون اسم الله أعلى، وزعم أن هذا يخالف الوضع القرآنى وهم، لأن الوضع هنا يخالف الوضع، ثم على تقدير إذ ذاك فى سطر واحد، وهذا فى سطور ثلاثة، ومع تحقق المخالفة رعاية تعظيم اسم الله أولى بأن يخرج فعله عليها ما أمكن، وزعم أن تقديم محمد لفظا يستدعى تقديمه وضعا ليس فى محله، إذ تقديم الجلالة لفظا غير ممكن بخلافه وضعا، وموجب هذا الزعم، وما قبله الغفلة عن كونه كان يقرأ من أسفل، نعم قال بعض المحققين من الحفاظ: قول بعض الشيوخ كانت الجلالة أعلى السطر، ومحمد أسفلها، لم أر التصريح به فى شىء من الأحاديث، بل رواية الإسماعيلى يخالف ظاهرها ذلك، فإنه قال: محمد سطر، والسطر الثانى رسول، والسطر الثالث الله، قال: وهذا ظاهر رواية البخارى الموافقة لرواية المصنف المذكورة، لكن لم تكن كتابته على الترتيب العادى، فإن ضرورة الاحتياج إلى أن يختم به يقتضى أن تكون الأحرف المنقوشة مقلوبة، ليخرج الختم مستويا، وخبر:«أنه كان نقشه لا إله إلا الله» واه، وفيه: حل نقش الخاتم باسم الله، وباسم صاحبه، وقول بعضهم: يكره نقش اسم الله، ضعيف.
89 -
(كتب) أى أراد أن يكتب ليوافق الرواية السابقة. (كسرى) بفتح أوله وكسره وهو علم على كل من ملك العجم. (وقيصر) علم على كل من ملك الروم.
(والنجاشى) علم على كل من ملك الحبشة، وفرعون لكل من ملك القبط، والعزيز
89 - إسناده صحيح: رواه مسلم فى اللباس (2092) من طريق نوح بن قيس به فذكره، والبغوى فى شرح السنة (3132)، من طريق المصنف به فذكره.
90 -
حدثنا إسحاق بن منصور، حدثنا سعيد بن عامر، والحجاج بن منهال، عن همام، عن ابن جريج، عن الزهرى، عن أنس:
«أنّ النّبىّ صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء نزع خاتمه» .
ــ
لكل من ملك مصر، وتبع لكل من ملك حمير، وخاقان لكل من ملك الترك، ولما جاء كتابه صلى الله عليه وسلم إلى كسرى فمزقه، فدعا صلى الله عليه وسلم عليه بتمزيق ملكه فمزق، وإلى هرقل ملك الروم، حفظه فحفظ ملكه، وكانت الكتابة سنة ست كما صرحت به رواية البخارى، واستشكل أنه كتب فيه: ياأَهْلَ اَلْكِتابِ تَعالَوْا. . . (1) الآية، ونزولها فى وفد نجران سنة تسع. وأجيب بأنه صلى الله عليه وسلم نطق بها قبل النزول فوافقه، ويحتمل أنها نزلت مرتين، وأما النجاشى أصحمة، فكتب له صلى الله عليه وسلم يطلب إسلامه، فأجابه بأنه أسلم، سنة ست، ومات سنة تسع وأما النجاشى الذى ولى بعده، وكتب له صلى الله عليه وسلم يدعوه إلى الإسلام، فلم يعرف له إسلام والكتابة له، وأنه غير أصحمة، وصح فى مسلم عن قتادة:«وكتب لأصحمة كتابا ثانيا ليزوجه أم حبيبة» . (فصاغ) أى أمر كما مر بيعلى بن أمية. (حلقته فضة) وأما فصه فحبشى كما مر، ونقش بالبناء للفاعل أى أمر أيضا والمفعول.
90 -
(إذا دخل الخلاء) أى أراد دخوله. (نزع خاتمه) لأنه كان عليه اسم معظم، فاستصحابه فى الخلاء مكروه، وقيل: حرام وبقاؤه فى يسراه عند الاستنجاء بالماء بها حرام، لحرمة تنجسه، وكذلك ما عليه معظّم من نحو قرآن، واسم نبى، أو ملك، وما عليه اسم مشترك نحو محمد وعزير ينظر فيه إلى قصد الواضع، إذا وضع لنفسه، أو
90 - إسناده ضعيف: رواه الترمذى فى اللباس (1746)، بسنده ومتنه سواء، ورواه أبو داود فى الطهارة (19)، والنسائى فى الزينة (8/ 178)، وفى الكبرى (9542)، وابن ماجه فى الطهارة (303)، وأحمد فى المسند (2/ 311،454)، والبيهقى فى السنن (1/ 95)، كلهم من طريق همام به نحوه. قال أبو عيسى: حسن غريب، وقال أبو داود: هذا حديث منكر، وإنما يعرف عن ابن جريج عن زياد بن سعد، عن الزهرى عن أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من ورق ثم ألقاه، والوهم فيه من همام ولم يروه إلا همام ضعفه الشيخ الألبانى فى مختصر الشمائل (75)، وانظر الإرواء (48)، وضعيف أبى داود (4). وقد روى ابن سعد فى الطبقات (1/ 475)، بسند صحيح أن الحسن البصرى سئل عن الرجل يكون فى خاتمه اسم من أسماء الله فيدخل الخلاء به فقال: أو لم يكن فى خاتم رسول الله آية من كتاب الله يعنى (محمد رسول الله).
(1)
سورة آل عمران: آية رقم (64).
91 -
حدثنا إسحاق بن منصور، عن عبد الله بن نمير، حدثنا عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، قال:
ــ
الأمران أمر غيره بأن يعمل له، فإن قصد به معظما كره، وإلا فلا، وما ذكرته من أن العبرة بقصد الآمر ظاهر، وإن لم أر من صرح به، وهذا الحديث قال المصنف فى جامعه حسن غريب، وقول أبى داود: منكر أى لما فيه من الغرابة، فلا ينافى تحسين المصنف له.
91 -
(عن ابن عمر) إلخ أخرجه البخارى عنه أيضا ثم إلى آخره فيه أنه صلى الله عليه وسلم لم يورث، وإلا لأخذ ورثته الخاتم بل كان كالقدح والسلاح صدقة على المسلمين يصرفها ولى الأمر حيث رآه مصلحة ومنها وضعه بيد الخليفة، لأنه يحتاج لمثل ما احتاج إليه صلى الله عليه وسلم كذا قيل، وظاهره أن أبا بكر ومن بعده كانوا يختمون به، وهو محتمل، ويحتمل أنه كان عندهم تبركا، وأما ختم كل فبخاتم فيه نقشه، ثم رأيت فى النسائى ما يصرح بالأول، وعليه فقيل: يستفاد من الحديث حل النقش بالخاتم بعد موت صاحبه، إذ لا التباس ح. وحكمة التعبير بثم فى عثمان فقط: تراخى أمور الخلافة المشار إليها بالخاتم فى زمنه عنهما فى زمنيهما، وثم قد يؤتى بها للتراخى فى الرتبة، ولما كان زمن أبى بكر وعمر رضى الله عنهما فى الحقيقة كزمن واحد، لم يأت بينهما، بل بين زمنهما وزمنه صلى الله عليه وسلم، وبينه وبين عثمان، وبما قررته يعلم أن من تكلف وقال: واستعمال ثم مع إمكان الانتقال لما مهلة، لأن أجزاء الفعل الثانى تراخ عن آخر الفعل الأول، ويستعمل فيه الفاء باعتبار عدم التراخى أوله عن الأول، فقد غفل عما قررته فتأمل، ثم وقع فى أثناء خلافة عثمان من غلامه معيقيب. (بئر أريس) كجليس بالصرف وعدمه وهى قريبة من
91 - إسناده صحيح: رواه البخارى فى اللباس (5873)، ومسلم (2092)، وأبو داود فى الخاتم (4218)، والنسائى فى الزينة (8/ 178)، وفى الكبرى (9466)، والإمام أحمد فى المسند (2/ 22)، والبغوى فى شرح السنة (3134)، وابن سعد فى الطبقات (1/ 366)، كلهم من طريق عبيد الله به نحوه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مسجد قباء، وكان سقوطه مبدأ الفتنة والاختلاف، وقد بالغ عثمان رضى الله عنه فى التفتيش عليه بنزح البئر ثلاثة أيام، فلم ير إشارة إلى أن انتظام أمر الخلافة كان منوطا بذلك الخاتم، ومن ثمة انحل الأمر بضياعه انحلالا بينا، ثم ظاهر السياق أنه وقع من يد عثمان، وصرح ما يأتى أنه وقع من يد معيقيب، ولا تنافى لاحتمال أنه لما دفعه إليه اشتغل بأخذه فسقط، فنسب سقوطه لكل منهما.
تنبيه: لم يتعرض أصحابنا لضبط وزن الخاتم، وذهب جمع من المتأخرين إلى تحريم ما زاد على مثقال للحديث الحسن، بل صححه ابن حبان أنه صلى الله عليه وسلم قال للابس الحديد:
«ما لى أرى عليك حلية أهل النار» فطرحه، وقال: يا رسول الله: من أى شىء أتخذه؟ قال: «من ورق، ولا تتمه مثقالا» (1) وصوب ذلك الأذرعى فى قوته لكن رجح آخرون الجواز منهم: الحافظ العراقى فى شرح الترمذى إذ إنه حمل النهى المذكور على التنزيه، ثم قال: يكره إن بلغ به وزن مثقال، ثم ساق رواية أخرى «وأخذ بقضبتها» من أن بلوغه قيمة مثقال لنفاسة صنعته داخل فى خبر النهى أيضا، والذى يتجه من كلامهم فى غير ذلك، الضبط بالعرف أى عرف اللابس اللائق به بالنسبة لنظرائه فإذا اطرد عرفه بأن المثقال والزيادة اليسيرة عليه غير سرف لم يحرم وإلا حرم، ويحمل النهى على أن المثقال كان عرف أهل ذلك الزمان على أن النووى فى شرح مسلم ضعفه، ثم رأيت شيخنا شيخ الإسلام زكريا قال: المعتمد أن الحديث ضعيف، وممن ضعفه النووى فى شرح مسلم، فعلى هذا ينبغى ضبطه بما لا يعد إسرافا فى العرف كما اقتضاه كلامهم «ولا يستدل بالحديث الضعيف للأحكام» وصرح به الخوارزمى فى الحلال والحرام والبيع، ولا يعمل به فيها، نعم يستحب العمل به فى الفضائل والترغيب والترهيب انتهى، وهو موافق لما ذكرته، ونقل النووى فى شرح المهذّب عن صاحب الإبانة كراهة الخاتم المتخذ من حديد، أو نحاس للخبر المذكور وفى رواية: أنه رأى خاتما من صفر، فقال:«ما لى أجد منك رائحة الأصنام» (2) فطرحه، ثم جاء وعليه خاتم من حديد، فقال: «ما لى
(1) رواه البخارى فى الأدب (1021)، والترمذى فى اللباس (1785)، وأبو داود فى الخاتم (4223)، والنسائى فى الزينة (8/ 172)، وأحمد فى مسنده (1/ 21)، (2/ 163،179، 211)، وابن حبان فى صحيحه (5488)، والطحاوى (4،261).
(2)
رواه أبو داود فى الخاتم (4223)، والترمذى فى اللباس (1785)، والنسائى فى الزينة (8/ 172)، وأحمد فى مسنده (1/ 21)(2/ 163،179،211)، وابن حبان فى صحيحه (5488)، والطحاوى (4/ 261).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أرى عليك حلية أهل النار» (1) وعن المتولى: أنه لا يكره واختاره فيه، وصححه فى شرح مسلم لخبر الصحيحين فى قصة الواهبة نفسها:«اطلب ولو خاتما من حديد» (2) ولو كان مكروها لم يأذن فيه، ولخبر أبى داود:«وكان خاتمه صلى الله عليه وسلم من حديد ملوى عليه فضة» (3) قال: والحديث فى النهى ضعيف انتهى. واعترض بتضعيفه بأن له شواهد عديدة إن لم ترقيه إلى درجة الصحة لم تدعه ينزل عن درجة الحسن، وأجيب: بأنه ضعيف بالنسبة إلى كل من ذنيك الحديثين، أى فقدما عليه، لأنهما أصح، وروى فى التختم بالعقيق أحاديث منها:«أنه ينفى الفقر، وأن من تختم به لم يزل يرى خيرا» وكلها غير ثابتة، ولم يصح فيها شىء عن النبى صلى الله عليه وسلم، وفى خبر ضعيف:«أن التختم بالياقوت الأصفر يمنع الطاعون» .
…
(1) تقدم تخريجه فى سابقه.
(2)
رواه البخارى فى النكاح (5087)، بلفظ: انظر (5121)، (5126)، (5132)، (5135)، (5141)، بلفظ: أعطها (5148)، (5149)، وفى فضائل القرآن (5029)، بلفظ: أعطها (5030) بلفظ: انظر، وفى اللباس (5871) بلفظ: التمس.
(3)
رواه أبو داود فى الخاتم (4224)، والترمذى فى اللباس (1785)، والنسائى فى الزينة (8/ 175)، وأحمد فى مسنده (1/ 21).