المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌40 - باب: ما جاء فى عبادة النبى صلى الله عليه وسلم - أشرف الوسائل إلى فهم الشمائل

[ابن حجر الهيتمي]

فهرس الكتاب

- ‌تصدير

- ‌مقدمة التحقيق

- ‌وقد اعتمدت فى شرح الكتاب على النسخ الآتية:

- ‌1 - النسخة الأصل:

- ‌2 - النسخة الثانية:

- ‌3 - النسخة الثالثة:

- ‌منهج التحقيق

- ‌ترجمة المصنف

- ‌ اسمه ونسبه:

- ‌ مولده:

- ‌ نشأته العلمية ورحلاته:

- ‌ مشايخه

- ‌ تلامذته:

- ‌ مؤلفاته:

- ‌فالمطبوع منها حسب علمنا الكتب التالية:

- ‌أما المخطوطات:

- ‌ عقيدته:

- ‌ مكانته العلمية وثناء العلماء عليه:

- ‌ وفاته:

- ‌ترجمة موجزة لمصنف الشمائل

- ‌ جواهر الدّرر في مناقب ابن حجر

- ‌تنبيهبيان المقصود بالرموز الواردة بالشرح

- ‌1 - باب: ما جاء فى خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌2 - باب: ما جاء فى خاتم النبوة

- ‌3 - باب: ما جاء فى شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌4 - باب: ما جاء فى ترجّل رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌5 - باب: ما جاء فى شيب رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌6 - باب: ما جاء فى خضاب رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌7 - باب: ما جاء فى كحل رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌8 - باب: ما جاء فى لباس رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌9 - باب: ما جاء فى عيش رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌10 - باب: ما جاء فى خف رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌11 - باب: ما جاء فى نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌12 - باب: ما جاء فى ذكر خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌13 - باب: ما جاء فى تختم رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌14 - باب: ما جاء فى صفة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌15 - باب: ما جاء فى صفة درع رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌16 - باب: ما جاء فى صفة مغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌17 - باب: ما جاء فى عمامة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌18 - باب: ما جاء فى صفة إزار رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌19 - باب: ما جاء فى مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌20 - باب: ما جاء فى تقنع رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌21 - باب: ما جاء فى جلسته صلى الله عليه وسلم

- ‌22 - باب: ما جاء فى تكأة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌23 - باب: ما جاء فى اتكاء رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌24 - باب: ما جاء فى أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌25 - باب: ما جاء فى صفة خبز رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌26 - باب: ما جاء فى إدام رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌27 - باب: ما جاء فى صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الطعام

- ‌28 - باب: ما جاء فى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الطعام، وبعد الفراغ منه

- ‌29 - باب: ما جاء فى قدح رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌30 - باب: ما جاء فى صفة فاكهة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌31 - باب: ما جاء فى صفة شراب رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌32 - باب: ما جاء فى شرب رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌33 - باب: ما جاء فى تعطر رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌34 - باب: كيف كان كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌35 - باب: ما جاء فى ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌36 - باب: ما جاء فى صفة مزاح رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌37 - باب: ما جاء فى صفة كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم «فى الشعر»

- ‌38 - باب: ما جاء فى كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم «فى السّمر»

- ‌39 - باب: ما جاء فى صفة نوم رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌40 - باب: ما جاء فى عبادة النبى صلى الله عليه وسلم

- ‌41 - باب: صلاة الضحى

- ‌42 - باب: صلاة التطوع فى البيت

- ‌43 - باب: ما جاء فى صوم رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌44 - باب: ما جاء فى قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌45 - باب: ما جاء فى بكاء رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌46 - باب: ما جاء فى فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌47 - باب: ما جاء فى تواضع رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌48 - باب: ما جاء فى خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌49 - باب: ما جاء فى حياء رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌50 - باب: ما جاء فى حجامة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌51 - باب: ما جاء فى أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌52 - باب: ما جاء فى عيش رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌53 - باب: ما جاء فى سن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌54 - باب: ما جاء فى وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌55 - باب: ما جاء فى ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌56 - باب: ما جاء فى رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم

الفصل: ‌40 - باب: ما جاء فى عبادة النبى صلى الله عليه وسلم

‌40 - باب: ما جاء فى عبادة النبى صلى الله عليه وسلم

ــ

(باب ما جاء فى عبادة رسول الله صلى الله عليه وسلم

عقّبه لنومه لأن عبادته صلى الله عليه وسلم المقصودة هنا كانت تعقب نومه على أن نومه من أجل العبادات ولكلها والأصل فى ذلك قوله تعالى: وَاُعْبُدْ رَبَّكَ حَتّى يَأْتِيَكَ اَلْيَقِينُ أى:

الموت سمى يقينا لأنه متيقن وفائدة الغاية الأمر بالدوام أى: اعبد ربك فى جميع أزمان حياتك ولا تخل لحظة من لحظة الحياة من هذه العبادة ولو حذفت تلك الغاية لاكتفى بالخروج عن عهدة الأمر بأدنى درجات العبادة إذ الأمر لا يفيد التكرار ولا ينافيه على الأصح كما حرر فى الأصول، وروى البغوى وأبو نعيم:«ما أوحى إلىّ أن أجمع المال وأكون من التاجرين، ولكن أوحى إلىّ أن سبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين» . ورتب التسبيح وما بعده على ضيق الصدر لأن الاشتغال بها يكشف رين القلوب فيستحقر الدنيا فلا يحزن لفقدها ولا يفرح لحصولها وح تزول جميع الهموم والغموم، وقوله تعالى: فَاعْبُدْهُ وَاِصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ أى: واصبر على مشاق التكليف فى الإنذار والإبلاغ وغيرهما، وعدى اصطبر باللام دون على لأن العبادة جعلت بمنزلة القرآن فى قولك لمحارب: اصطبر لقرانك أى لما يورده عليك من مشاق شجاعته، واعلم أنهم اختلفوا هل كان صلى الله عليه وسلم قبل متعبدا بشرع من قبله؟ فقال الجمهور: لا وإلا لنقل، ولما أمكن كتمه عادة، ولأنه يبعد أن يكون متبوعا من من عرف تابعا، قال إمام الحرمين بالوقف، وقال آخرون: نعم كان متعبدا بشرع، ثم أحجم بعضهم عن التعيين وجسر عليه بعضهم وعليه، فقيل: آدم، وقيل: نوح، وقيل:

إبراهيم، وقيل: موسى وقيل: عيسى، وقيل: جميع الشرائع، والقول بأنه كان على شريعة إبراهيم، وليس له شرع ينفرد به، بل القصد من بعثه إحياء لشرع إبراهيم لقوله تعالى: أَنِ اِتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً (1) سخف وحماقة، إذ المراد: الاتباع فى أصل التوحيد كما فى قوله تعالى: فَبِهُداهُمُ اِقْتَدِهْ (2) وشرائعهم مختلفة، لا يمكن الجمع بينهما فلم يبق إلا ما أجمعوا عليه من التوحيد ومعنى متابعتهم فى التوحيد، المتابعة فى كيفية الدعوى إليه بطريق الرفق، وإيراد الدلائل المرة بعد الأخرى على ما هو المألوف

(1) سورة النحل آية رقم (16).

(2)

سورة الأنعام آية رقم (6).

ص: 370

250 -

حدثنا قتيبة بن سعيد، وبشر بن معاذ، قالا: حدثنا أبو عوانة، عن زياد ابن علاقة، عن المغيرة بن شعبة، قال:

«صلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتّى انتفخت قدماه. فقيل له: أتتكلّف هذا، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخّر؟ قال: أفلا أكون عبدا شكورا» .

ــ

فى القرآن، قال شيخ الإسلام السراج البلقينى فى شرح البخارى: ولم يجئ فى الأحاديث التى وقفنا عليها كيف كان تعبده؟ لكن روى ابن إسحاق وغيره. «أنه صلى الله عليه وسلم كان يخرج إلى حراء فى كل عام شهرا يتنسك فيه، وكان من نسك قريش فى الجاهلية أن يطعم الرجل من جاءه من المساكين حتى إذا انصرف من مجاوزته، لم يدخل بيته حتى يطوف بالكعبة، وقيل: عبادته الفكر.

250 -

(علاقة) بكسر أوله وغلط من قال بفتحه وبالقاف. (عن المغيرة) خرجه الشيخان عن عائشة أيضا بلفظ «قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تورمت قدماه-وفى رواية:

تفطرت-فقلت له: لم تصنع هذا يا رسول الله، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: أفلا أكون عبدا شكورا» (1) قال: فلما بدن وكثر لحمه صلى جالسا، فإذا أراد أن يركع قام فقرأ ثم ركع» (2). (حتى انتفخت قدماه) أى اجتهد فى الصلاة حتى حصل له ذلك. (أتتكلف هذا؟) أى أتلزم نفسك هذه الكلفة والمشقة التى لا تطاق؟ (ما تقدم من ذنبك وما تأخر) أتوا به على طبق ما فى الآية وح يأتى فيه ما قدمته فيها فى

250 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى الصلاة (412)، بسنده ومتنه سواء، ورواه البخارى فى التهجد (1130)، وفى التفسير (4836)، ومسلم فى صفات المنافقين (2819)، والنسائى فى قيام الليل (3/ 219)، وفى الكبرى (1325،11501)، وابن ماجه فى الإقامة (1419)، وأحمد فى المسند (4/ 251،255)، وابن سعد فى الطبقات (1/ 291)، (2/ 161)، والبغوى فى شرح السنة (4/ 45)، والطبرانى فى الأوسط (2154) وابن خزيمة فى صحيحه (1182)، والبيهقى فى السنن (3/ 16)، وأبو نعيم فى الحلية (8/ 289) الخطيب فى التاريخ (14/ 306)، كلهم من طرق عن زياد بن علاقة به فذكره نحوه. قلت: وللحديث شواهد عن النعمان بن بشير، وعائشة وأنس رضى الله عنهم.

(1)

رواه البخارى (8/ 448) حديث (4836،4837)، ومسلم (4/ 2172) حديث (2819، 2820).

(2)

رواه البخارى (8/ 448) حديث (4837).

ص: 371

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

باب خاتم النبوة. (أفلا) الفاء للسببية عن محذوف أى: أترك الكلفة نظرا إلى عمدة المغفرة «أفلا أكون عبدا شكورا» لا بل ألزمها وإن غفر لى لأكون عبدا شكورا فالمعنى أن المغفرة سبب لكون ذلك التكليف شكرا فكيف أتركه؟ بل أفعله لأكون مبالغا فى الشكر بحسب الإمكان البشرى لحظر تلك النعمة العظيمة ومن ثمة أتى بلفظ العبودية لأنها أخص أوصافه ولذا ذكرها الله فى أعلى المقامات وأفضل الأحوال إذ هى تقتضى صحة النسبة المستلزمة للقيام على الخدمة وهو الشكر إذ العبد لحظ كونه عبدا، أو أن مالكه مع ذلك أنعم عليه بما لم يكن فى حسابه علم تأكد وجوب الشكر والمبالغة فيه عليه ولحيازة سائر أنواع الشرف وما قررته، ومعنى «أفلا»: واضح جلى وإن زعم زاعم أنه متكلف وأن التقدير الأولى إذا أنعم علىّ بالإنعام الواسع «أفلا أكون عبدا شكورا» أى: يصير هذا الإنعام سببا لخروجى عن دائرة المبالغين فى الشكر، والاستفهام للإنكار سببه مثل هذا الإنعام لعدم كونه عبدا شكورا. انتهى. وأنت خبير بأن هذا هو الذى فيه التكلف ويصح أن يكون التقدير أيضا: غفر لى ما تقدم وما تأخر لعلمه بأن أكون مبالغا فى عبادته فأكون عبدا شكورا أفلا أكون كذلك؟ وهذا أقرب من الأول وقد ظن من سأله عن سبب تحمله للمشقة فى العبادة أن سببها إما خوف الذنب أو رجاء المغفرة فأفادهم أن لها سببا آخر أتم وأكمل، هو الشكر على التأهل لها مع المغفرة، وأجر النعمة، ونفى الشكر نفى الاعتراف بالنعمة، والقيام فى الخدمة ببذل المجهود، فمن أدام ذلك كان شكورا، وقليل ما هم، ومن ثم قال تعالى. وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ اَلشَّكُورُ (1) ولم يفز بكمال هذه المرتبة غير نبينا صلى الله عليه وسلم ثم سائر الأنبياء، وإنما ألزموا أنفسهم بذلك من الجد فى العبادة وعظيم الخشية لعلمهم بعظيم نعمة ربهم عليهم ابتدأهم بها منه وفضلا من غير سابقة توجب استحقاقها أداء لبعض الشكر وإلا فحقوقه تعالى أعظم من أن يقوم بها أحد من خلقه، وفى هذه الأحاديث ينبغى تشمير ساق الجد فى العبادة، وإن أدى إلى كلفة، لأنه صلى الله عليه وسلم إذا فعل ذلك مع علمه بما سبق له فكيف ممن لم يعلم ذلك فضلا عمن لا يأمن النار؟ نعم محل ذلك؛ إن لم يفض إلى الإملال، وإلا فالأخذ بما لا يفضى إليه أولى للخبر الصحيح «عليكم من الأعمال ما تطيقونه، فإن الله لا يمل حتى تملوا» (2)،

(1) سورة سبأ آية رقم (13).

(2)

رواه البخارى (1/ 124) حديث (43)، ومسلم (1/ 540) حديث (782)، وأبو داود (2/ 49) حديث (1368). ومالك فى الموطأ (1/ 116)(4).

ص: 372

251 -

حدثنا أبو عمار: الحسين بن حريث، أخبرنا الفضل بن موسى، عن محمد بن عمرو، عن أبى سلمة، عن أبى هريرة قال:

«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلّى حتّى ترم قدماه. قال: فقيل له: تفعل هذا، وقد جاءك أنّ الله تعالى قد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخّر؟ قال: أفلا أكون عبدا شكورا» .

252 -

حدثنا عيسى بن عثمان بن عيسى بن عبد الرحمن الرملى، حدثنا عمى يحيى بن عيسى الرملى، عن الأعمش، عن أبى صالح، عن أبى هريرة، قال:

«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم من الليل حتّى تنتفخ قدماه. فيقال له: تفعل هذا، وقد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر؟ قال: أفلا أكون عبدا شكورا» .

253 -

حدثنا محمد بن بشار، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن أبى

ــ

ولا ينبغى التأسى ح، لأنه صلى الله عليه وسلم منزّه عن الملل، لما أن حاله أكمل الأحوال سيما وقد جعلت قرة عينه فى الصلاة كما أخرجه النسائى وغيره.

251 -

(تفعل هذا) أى أتفعله كما فى نسخة.

253 -

(أول الليل) أى من بعد صلاة العشاء إلى تمام نصفه الأول. (ثم يقوم) ثم

251 - إسناده حسن: رواه ابن خزيمة فى صحيحه (1184)، من طريق الفضل بن موسى به فذكره قلت: وذكره الحافظ فى الفتح (3/ 15) وقال: رواه البزار وإسناده حسن.

252 -

حديث صحيح: رواه ابن ماجه فى الإقامة (1420)، من طريق يحيى بن عيسى به فذكره نحوه، وقال البوصيرى فى الزوائد: إسناد حديث أبى هريرة قوى، احتج مسلم بجميع رواته. ورواه أصحاب الكتب الستة: سوى أبى داود، من حديث المغيرة، والترمذى من حديث جابر.

253 -

إسناده صحيح: رواه البخارى فى التهجد (1146)، ومسلم فى صلاة المسافرين (739)، وأحمد فى المسند (6/ 176)، والترمذى فى الطهارة (118) مختصرا بنحوه، والنسائى فى عمل اليوم والليلة (739)، والنسائى فى قيام الليل (3/ 230)، وأبو نعيم فى المستخرج على مسلم (1680)، كلهم من طرق عن أبى إسحاق به فذكره نحوه.

ص: 373

إسحاق، عن الأسود بن يزيد، قال: سألت عائشة رضى الله عنها عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بالليل، فقالت:

«كان ينام أوّل الليل، ثمّ يقوم، فإذا كان من السّحر أوتر، ثمّ أتى فراشه، فإذا كان له حاجة ألمّ بأهله، فإذا سمع الأذان وثب، فإن كان جنبا أفاض عليه من الماء، وإلا توضّأ وخرج إلى الصّلاة» .

ــ

يقوم السدس الرابع والخامس للتهجد. (فإن كان من السّحر) أى قريبا منه كذا قيل، ولا يصح، لأن حقيقة السحر آخر الليل، والسدس الأخير منه، وبهذا اندفع ما قيل كأنه جعل القلب الأخير كله سحرا ووجه اندفاعه أمر قيامه انتهى إلى السدس السادس، وهو من السحر كما تقرر، وأى شىء أفضى له، أنه جعل الثلث الأخير كله سحر. (أوتر) أى صلى ركعة من الوتر. (ثم أتى فراشه) للنوم فإنه سنة فى السدس السادس ليقوى به على صلاة الصبح وما بعدها من وظائف العبادات. (حاجة) أى مباشرة أهله. (ألم بأهله) أى قرب منهم لذلك. (وثب) أى قام بنهضة وسرعة، وفيه أن الأكمل فى القيام قيامه صلى الله عليه وسلم، وقد صرح صلى الله عليه وسلم بأن أفضل القيام: قيام داود، وكان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه، فينبغى تحرى ذلك، والعمل به، وأن الأولى تأخير الجماع عن ابتداء النوم، ليكون على طهارة، فإنه ينبغى الاهتمام للعبادة وعدم التكاسل عنها بالنوم، والقيام إليها بنشاط، وفيه غير ذلك مما يأتى بعضه، وعن عائشة أيضا:«ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء قط، فدخل بيتى إلا صلى أربع ركعات، أو ست ركعات» (1) رواه أبو داود، وأيضا:«كان يقوم إذا سمع الصارخ» (2) أى وهو يصرخ فى النصف الثانى، وأيضا:«كان ينام أول الليل، ويقوم آخره، فيصلى فيرجع إلى فراشه، فإذا أذن المؤذن وثب، فإذا كانت به حاجة اغتسل، وإلا توضأ» رواهما الشيخان، وأيضا:«ربما اغتسل فى أول الليل، وربما اغتسل فى آخره، وربما أوتر فى أول الليل، وربما أوتر فى آخره، وربما جهر بالقراءة، وربما خفض» وعن أم سلمة: «كان يصلى بنا ثم ينام قدر ما يصلى

(1) رواه أبو داود (1304) فى الصلاة بعد العشاء (2/ 302).

(2)

رواه البخارى (3/ 21) حديث (1132)، (11/ 300) حديث (6461)، ومسلم (1/ 511) حديث (741)، وأحمد بن حنبل فى مسنده (6/ 110)، وأبو داود (1317)، والنسائى (3/ 308)، وفى الكبرى (1225).

ص: 374

254 -

حدثنا قتيبة بن سعيد، عن مالك بن أنس:

(ح) وحدثنا إسحاق بن موسى الأنصارى، حدثنا معن، عن مالك، عن مخرمة بن سليمان، عن كريب، عن ابن عباس، أنه أخبره:

«أنّه بات عند ميمونة «وهى خالته» قال: فاضطجعت فى عرض الوسادة، واضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى طولها، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتّى انتصف الليل أو قبله بقليل، أو بعده بقليل، فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يمسح النّوم عن وجهه، ثم قرأ العشر آيات الخواتيم من سورة آل عمران، ثمّ قام إلى شنّ معلّق فتوضّأ منها فأحسن الوضوء، ثمّ قام يصلّى. قال عبد الله بن عباس: فقمت إلى جنبه فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده اليمنى على رأسى ثمّ أخذ بأذنى اليمنى ففتلها، فصلّى ركعتين، ثمّ ركعتين، ثمّ ركعتين، ثمّ ركعتين، ثمّ ركعتين، ثمّ ركعتين- قال: من ستّ مرات-ثمّ اضطجع. ثمّ جاءه المؤذن، فقام فصلى ركعتين خفيفتين، ثمّ خرج فصلّى الصّبح».

ــ

ثم يصلى قدر ما نام ثم ينام قدر ما صلى حتى يصبح» رواه أبو داود، والترمذى، والنسائى وفى رواية النسائى:«كان يصلى العتمة ثم يصلى بعدها ما شاء الله من الليل ثم ينصرف فيرقد مثل ما صلى، ثم يستيقظ من نومه ذلك، فيصلى مثل ما نام وصلاته تلك الأخرى تكون إلى الصبح» . (توضأ) قيل: تجديدا لأن نومه لا ينقض (1) الوضوء.

انتهى، والجزم بهذا تساهل، بل يحتمل ذلك، وأنه حصل له شىء آخر فتوضا منه (2).

254 - (عن ابن عباس) رواه عنه [أيضا]-2 - الشيخان، وغيرهما مع اختلاف فى ألفاظه وسأنبه على ما يختلف به المعنى منهما. (ميمونة) بنت الحارث الهلالية العامرية قيل: كان اسمها برة فسماها النبى صلى الله عليه وسلم ميمونة تزوجها لما كان بمكة معتمرا سنة سبع بعد خيبر، وكانت أختها أم الفضل لبابة الكبرى تحت العباس وأختها لأمها أسماء بنت عميس تحت جعفر، وسلمى بنت عميس تحت حمزة رضى الله عنه، قيل: هى الواهبة نفسها،

(1)

فى (ش): [ناقض].

(2)

الزيادة من: (ش).

ص: 375

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لأنها لما جاءته خطبته وهى على بعيرها قالت: البعير وما عليه لله ولرسوله، وجعلت أمرها للعباس فأنكحها النبى صلى الله عليه وسلم وهو محرم، فلما رجع بنى بها بسرف حلالا وعند مسلم:«أنه تزوجها حلالا» (1) فرواية: «وهو محرم» (2) محمولة على أن المعنى وهو داخل الحرم على أن من خصوصياته أن له النكاح وهو محرم، وماتت بسرف المحل الذى تزوجها فيه، على عشرة أميال من مكة سنة إحدى وخمسين، وقيل: ست وستين، وقيل: ثلاث وستين، وصلى عليها ابن عباس ودخل قبرها. (وهى خالته) فهو محرم لها. (عرض) بفتح العين على أنه الأفصح الأشهر، وفى رواية:«بضمها» أى جانبها. (الوسادة) المعروفة تحت الرأس وقيل: هى هنا الفراش لقوله: «واضطجع فى طولها» (3) ورد: بأنه ضعيف أو باطل، ففى رواية مسلم «فاضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهله فى طولها» (4) وبهذا يندفع ما قيل: كأنه نام تحت رجليه تأدبا وتبركا، وفيه دليل لحل نوم الرجل وأهله من غير مباشرة بحضرة رحم لها مميز، وفى رواية:«أنها كانت حائضا» (5) قال القاضى: وهذه اللفظة، وإن لم تصح فهى حسنة جدا، إذ لم يكن ابن عباس يطلب المبيت فى ليلة للنبى صلى الله عليه وسلم فيها حاجة إلى أهله للعلم بالتبرك مع حضوره، سيما وهو فى تلك الليلة مراقبا لأفعاله، إذ لم ينم أو نام قليلا جدا. (واضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى طولها) أى هو وزوجته ميمونة كما مر من قبل، وقد جرى على عادته السنية من نومه مع أزواجه ومواظبته على ذلك، مع مواظبته على قيام الليل، فينام مع إحداهن، فإذا أراد القيام لوظيفته قام وتركها، فيجمع بين وظيفتى القيام وأداء حقها وحسن المعاشرة معها، إذ النوم معها فى فراش واحد فيه غاية الإيناس والملاطفة بها، ومن ثمة:

واظب عليه صلى الله عليه وسلم، وتأكد التأسى به سيما إن حرصت عليه، واعتزالها فى النوم عادة الأعاجم والمتكبرين، والاقتداء بهم فيه قبيح مذموم. (فنام) رواية الصحيحين: «فتحدث

(1) رواه الدارمى (2/ 38)، ورواه الترمذى فى سننه (3/ 191)(841 ح)، ورواه الإمام أحمد فى مسنده (6/ 393).

(2)

رواه الترمذى فى سننه (3/ 152) ج 842.

(3)

رواه ابن ماجه فى سننه (1/ 433) ح (1363)، ورواه الإمام أحمد فى مسنده (1/ 242).

(4)

رواه الإمام البخارى فى صحيحه (2/ 554)، ورواه الإمام مالك فى الموطأ (1/ 119) ح (11)، ورواه ابن ماجه فى سننه (1/ 433) ح (1363).

(5)

عون المعبود (6/ 209) ح (2153).

ص: 376

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مع أهله ساعة ثم رقد». (أو قبله بقليل أو بعده بقليل) الظاهر أن الشك من ابن عباس، ورواية الشيخين «فلما كان ثلث الليل الآخر أو بعضه قعد ينظر إلى السماء فقرأ» . (يمسح النوم) أى أثره بما يعترى الوجه من الفتور ونحوه، وفيه ندب ذلك، لأنه به يزول الكسل ويقوى النشاط للعبادة. (ثم قرأ العشر آيات) فيه حل القراءة للمحدث حدثا أصغر وهو إجماعا، بل ندبها له، وفيه أيضا ندب مخصوص هذه الآيات عقب الاستيقاظ. (من سورة آل عمران) فيه حل قول ذلك، وكراهة بعض السلف له لا أصل لها. (شن) هو القربة الخلقة. (معلق) لتبريد الماء وحفظه وذكّره هنا وأنثه فى متنها على ما فى أكثر النسخ باعتبار لفظه فى الأولى ومعناه فى الثانى. (فتوضأ) رواية الشيخين:

«وأطلق شناقها ثم صب فى الجفنة ثم توضأ» ، وفى رواية النسائى:«فتوضأ واستاك، وهو يقرأ هذه الآيات حتى فرغ منها إِنَّ فِي خَلْقِ اَلسَّماواتِ وَاَلْأَرْضِ. . .، ثم صلى ركعتين، ثم عاد فنام حتى نفخه، ثم قام فتوضأ واستاك ثم صلى ركعتين، ثم نام، ثم قام، فتوضأ واستاك وصلى ركعتين، وأوتر بثلاث، وسلم فاستيقظ، واستاك، وتوضأ، وهو يقول: إِنَّ فِي خَلْقِ اَلسَّماواتِ وَاَلْأَرْضِ. . . حتى ختم السورة، فصلى ركعتين أطال فيهما القيام والركوع والسجود، وانصرف فنام حتى نفخ، ثم فعل ذلك ثلاث مرات بست ركعات كل ذلك يستاك ويتوضأ، ويقول: هؤلاء الآيات، ثم أوتر بثلاث» ولا تنافى بين هذه الروايات، لأن فى بعضها زيادة فيعمل بها، وإن سكت الرواة عنها، لأن من حفظ حجة على من لم يحفظ، وليست الواقعة متعددة حتى يحمل الاختلاف عليها، وإنما هى واحدة، فوجب عند عدم التعارض الأخذ بالزيادة وعند العمل بالأصح من تلك الرواية، وهى رواية الشيخين ثم أخذهما. (فأحسن الوضوء) سبغه وأكمله وهو معنى رواية:«وضوءا حسنا بين الوضوئين لم يكثر وقد أبلغ» أى: فلم يكثر صب الماء، وقد أبلغ الوضوء ما أمكنه أى أسبغه. (فقمت إلى جفنة) رواية الشيخين:

«فقمت وتوضأت فقمت عن يساره» . (على رأسى) وضعها به أولا: ليتمكن من مسك الأذن، أولاتها لم تقع إلا عليه، أو لتترك بركتها به، ليعى جميع أفعاله فى ذلك المجلس وغيره. (ففتلها) رواية الشيخين:«فأخذ بأذنى فأدارنى عن يمينه» وفتلها، إما لينهه عن مخالفته للسنة، أو ليزداد تيقظه لحفظ تلك الأفعال، أو ليزيل ما عنده من النعاس لرواية:«فجعلت إذا غفيت يأخذ بشحمة أذنى ست مرات» . (ثم أوتر) رواية

ص: 377

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الشيخين: «فتتامت صلاته ثلاث عشرة ركعة» . (ثم اضطجع حتى جاء المؤذن) رواية الشيخين: «ثم اضطجع فنام حتى نفخ، وكان إذا نام نفخ فآذنه بلال بالصلاة فصلى ولم يتوضأ» ، ووتره آخر الليل هو الأغلب، وإلا فقد رويا هما وغيرهما عن عائشة:

«أوتر من كل الليل، من أوله وأوسطه وآخره، وانتهى وتره إلى السحر» والمراد بأوله:

بعد صلاة العشاء، واختلاف هذه الروايات، لعله لاختلاف الأحوال والأعذار، فإيتاره أوله، لعله كان لمرض وأوسطه لعله لسفر، وفى الحديث فوائد كثيرة منها: أنه يسن للمأموم الواحد الوقوف عن يمين الإمام، والتحول إذا وقف عن يساره فإن لم يتحول حوله الإمام ندبا، وكذا يندب له حيث ارتكب المأموم خلاف السنة فى صلاته إرشاده إلى السنة بما يمكنه من فعل وغيره، وأن الفعل القليل لا يؤثر، بل قد يكون سنة كما علمت، وأن الصبى كالبالغ جماعة وموقفا وغيرهما، وصحة النافلة فى الجماعة، وندب السلام من كل ركعتين فى الوتر وغيره [من بقيته](1) وأفضلية الوتر من بقيته، وصح الوصل فيه من فعله أيضا، لكن الأول أكثر وأصح فقدم، وندب إتيان المؤذن إلى الإمام، ليخرج إلى الصلاة، وتخفيف سنة الصبح، وصح «أنه صلى الله عليه وسلم أمر بالاضطجاع بينها وبين الصبح» قيل: وإن الإيتار بثلاث عشر ركعة أكمل، ويرد: بأن أكثر الروايات الاقتصار على إحدى عشرة ورواية: «ثلاث عشرة» واقعة حال فعليه يحتمل أنه حسب منها ركعتى مقدما الوتر، إن صح أنه صلى الله عليه وسلم كان يفتتحه بركعتين، وزعم أن هذا تأويل ضعيف، ليس فى محله، كيف وفى رواية عن ابن عباس:«فصلى ركعتين خفيفتين، قلت: قرأ فيهما بأم القرآن فى كل ركعة، ثم سلم، ثم صلى إحدى عشرة ركعة بالوتر؟ وفى أخرى عنه: «فصلى صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة ركعة، منها ركعتى الفجر حررت قيامه فى كل ركعة بقدر يا أيها المزمل» ، وفى أخرى للنسائى:«أنه صلى الله عليه وسلم صلى إحدى عشر ركعة بالوتر» أن بعض الحنابلة قال: إذا اختلف ابن عباس وعائشة فى شىء من أمر قيامه بالليل، فالقول قول عائشة، لأنها أعلم الخلق بقيامه بالليل انتهى، ورواية:«خمس عشرة» حسب مع هاتين سنة قيام العشاء، ورواية:«سبع عشرة» حسب مع هؤلاء سنة الفجر، وكان ربما صلى تسعا، أو سبعا، وأن الأولى فى النافلة التى لا تندب فيها الجماعة أن تكون فى البيت، سواء فى ذلك أهل المدينة ومكة وغيرهم، إذ هى فيه

(1) الزيادة من: (ش).

ص: 378

255 -

حدثنا أبو كريب: محمد بن العلاء، حدثنا وكيع، عن شعبة، عن أبى جمرة، عن ابن عباس قال:

«كان النّبىّ صلى الله عليه وسلم يصلّى من الليل ثلاث عشرة ركعة» .

256 -

حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا أبو عوانة، عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن سعد بن هشام، عن عائشة:

«أنّ النّبىّ صلى الله عليه وسلم كان إذا لم يصلّ باللّيل؛ منعه من ذلك النّوم، أو غلبته عيناه، صلّى من النّهار ثنتى عشرة ركعة» .

ــ

أفضل منها فى غيره حتى فى الكعبة. (خفيفتين) هما (1) سنة الصبح، قيل: وفيه دليل على جواز تخفيفها، وهو خير من الإلمام فى الفقه أصلا فالصواب على ندب تخفيفها» (2).

255 - (جمرة) بالجيم والراء. (ثلاثة عشرة ركعة) مر تأويله.

256 -

(زرارة) بضم الزاى أوله. (عن عائشة. . .) إلى آخره روى عنها مسلم وغيره بلفظ كان إذا قام من الليل من وجع أو غيره فلم يقم من الليل صلى من النهار ثنتى عشرة ركعة وورد إحدى عشرة ركعة ولا ينافى لأن الأولى قضاء من التهجد وغير الوتر فكأنه فعل الوتر دون زيادة عليه وهى ثنتى عشرة كان يفعلها والثانية فى مرة أخرى قضاء عن الوتر ولكن يعكر على الأول قول عائشة «ما زاد صلى الله عليه وسلم فى رمضان ولا فى غيره على إحدى عشر ركعة» -2 - إلا أن يجاب أن ذلك باعتبار علمها فلا ينافى إثبات غيرها زيادة عليه ولم يرد أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلى من الليل إحدى عشرة ركعة وترا واثنتى عشرة تهجدا حتى يحتاج للجواب بذلك مع أنه يخدشه قول عائشة فلم يقم من الليل الظاهر أو الصريح فى أنه لم يصلّ وترا ولا تهجدا ح فالأولى والأصوب أن صلاته نهارا لإحدى عشرة كان قضاء عن الوتر أو الاثنى عشر كانت فى مقابلة ما فات من الوتر لا على جهة (256) -إسناده صحيح: رواه المصنف فى الصلاة (445) بسنده ومتنه سواء، ورواه مسلم فى صلاة المسافرين (746)، والنسائى فى قيام الليل (3/ 259)، كلاهما من طريق قتيبة بن سعيد به نحوه.

(1)

ليست موجودة فى المخطوط.

(2)

رواه البخارى (3/ 40) حديث (1147)، والترمذى (2/ 303) حديث (439)، وابن ماجه (1/ 432) حديث (1358)، ومالك فى الموطأ (1/ 118).

ص: 379

257 -

حدثنا محمد بن العلاء، أنبأنا أبو أسامة، عن هشام-يعنى ابن حسان، عن محمد بن سيرين، عن أبى هريرة، عن النبى صلى الله عليه وسلم، قال:

«إذا قام أحدكم من الليل، فليفتتح صلاته بركعتين خفيفتين» .

ــ

القضاء، لأنه لا بد فيه من حكاية المقضى بل على جهة التعبد لله بعبادة يعادل ثوابها ثواب ما فاته أو يقرب منه وأثر الشفع لما تقرر أنها نفل مطلق، والأفضل فيه أن يكون شفعا للحديث الصحيح «صلاة الليل والنهار مثنى مثنى» (1) وفى الحديث دليل على ندب قضاء النافلة فى أحاديث أخر توقيت القضاء بما بين الفجر والزوال، وهو بيان لوقته الأفضل. (منه) جملة مستأنفة لبيان ما قبلها، أو جواب عن سؤال مقدر فكأنه قيل: ما منعه من ذلك؟ قال منعه. . . إلخ. (أو) يحتمل أنها للشك وللتقسيم ومنع النوم قوة الرغبة فيه مع إمكان منعه. (وغلبته) العين أن لا يستطاع دفعه أو العكس وفيه دليل على ندب قضاء النافلة كما تقرر على أن صلاة الليل ثنتى عشرة ركعة خلافا لمن زعمه لأن الثابت عنه صلى الله عليه وسلم أنها إحدى عشر ركعة أو ثلاث عشرة ركعة وأما وقوع اثنتى عشرة فى القضاء لا يدل إلا على أن القضاء لا يجب إلا أن يحاكى الأداء وهذه مسألة أخرى قيل ولم يرد فى شىء من الأخبار أنه قضى الوتر أو أمر بقضائه انتهى وهو وإن سلم وإلا فقد ورد ما يدل عليه وهو قضاء إحدى عشرة لا يقتضى منع قضائه لثبوته من دليل آخر وهو قياسه على ركعتى الفجر فإنه صلى الله عليه وسلم قضاها فى قصة الوادى بل فى خبر ابن خزيمة فلما انفجر الفجر قام فأوتر بركعة وحمله على الفجر الأول بعيد.

257 -

(عن أبى هريرة) رواه أحمد ومسلم عن عائشة أيضا. (فليفتتح) إلخ فيه دليل لندب هاتين الركعتين، وأنهما مقدمة لصلاة الوتر، ليدخل فيه بعد مزيد يقظة وتأمل، وكما ندب قيام السنة القبلية على الفرض لنحو ذلك، فكذا ندب هنا بذلك لتأكد الوتر، حتى اختلف فى وجوبه، فالقول بأنهما شكر للوضوء، والتهجد إنما هو اسم للصلاة

257 - إسناده صحيح: رواه الإمام مسلم فى «صفة صلاة المسافرين» (198،532)، وأبو داود فى «الصلاة» (1323)، والإمام أحمد فى «المسند» (2/ 232)، والبيهقى فى «سننه» (3/ 6) أربعتهم من طريق هشام بن حسان به فذكره.

(1)

رواه أبو داود (2/ 29) حديث (1295)، والترمذى (2/ 225) حديث (385)، والإمام مالك فى الموطأ (1/ 118)، وأحمد فى مسنده (1/ 211).

ص: 380

258 -

حدثنا قتيبة بن سعيد؛ عن مالك بن أنس.

(ح) وحدثنا إسحاق بن موسى، حدثنا معن، حدثنا مالك، عن عبد الله بن أبى بكر، عن أبيه، أن عبد الله بن قيس بن مخرمة أخبره، عن زيد بن خالد الجهنى، أنه قال:

«لأرمقنّ صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فتوسّدت عتبته، أو فسطاطه-فصلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين خفيفتين، ثمّ صلّى ركعتين طويلتين طويلتين طويلتين، ثمّ صلّى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثمّ صلّى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثمّ صلّى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثمّ صلّى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثمّ أوتر، فذلك ثلاث عشرة ركعة» .

ــ

بعد النوم، فبينه وبين الوتر عموم وخصوص من وجه لاجتماعهما فى صلاة بعد النوم بنية الوتر، وانفرد الوتر بصلاة قبله بنيته، والتهجد بصلاة بعده بنية التهجد.

258 -

(عن زيد) إلخ رواه عنه أيضا مالك، ومسلم، وأبو داود، وغيرهم، واتفق هؤلاء على أن قوله:«ثم صلى ركعتين، وهما دون اللتين قبله» (1) يكرر أربع مرات.

(لأرمقن) الرمق: النظر للشىء شرزا نظر المعد، وأريد به هنا الكناية عن حدة النظر، ومزيد التأمل، فيه عدل للمضارع استحضارا لتلك الحالة، فيزداد تقررهما فى ذهن السامع، ومن ثم أكد باللام والنون. (أو) للشك. (فسطاطه) أى عتبه فسطاطه، وهى الخيمة العظيمة، والظاهر الثانى، وأن رموق زيد لا يتصور فى الحضر لأنه صلى الله عليه وسلم يكون عند نسائه. (خفيفتين) هما مقدمة الوتر. (طويلتين. . .) إلخ قيل: كون تكرار الوصف يفيد المبالغة فيه ليس أمرا لغويا انتهى، ويرد: بأن هذا يفيد أنه لغوى، وحكمة ذلك:

أن أول الدخول فى الصلاة يكون النشاط أقوى، والخشوع أتم، فسن التطويل لوجود

258 - إسناده صحيح: رواه مسلم فى صلاة المسافرين (195)، وأبو داود فى الصلاة (1366)، وابن ماجه فى إقامة الصلاة (1362)، ومالك فى الموطأ (1/ 73)، وأبو نعيم فى المسند على مسلم (1753).

(1)

رواه الإمام مالك فى الموطأ (1/ 120)، ومسلم (1/ 532) حديث (765)، وأبو داود (2/ 48) حديث (1366).

ص: 381

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مقتضيه، ومن ثم يسن فى الفرض تطويل الركعة الأولى على الثانية وأما بعد الأولى فينتقض كل من ذينك فسن التخفيف ح، ويدرج فى التخفيف بعد الست مع جعله لهن غطاء واحدا إشارة لما قلناه من توفر كل من ذينك فى الأوائل فكانت الست جميعها بمنزلة الأولى من الفريضة ثم وقع التدريج مطابقا لنقض ذلك فإنه إنما يقع على التدريج أيضا، ومن ثم كانت الثانية من الرباعية أطوال من الأخيرة وأقصر من الأولى. (ثلاث عشرة ركعة) مر الجواب عنه فلا دليل عليه خلافا لمن زعمه للوجه الضعيف عند الشافعية: أن أكثر الوتر كذلك ومما يؤيده أن المعتمد قول عائشة: «ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد فى رمضان ولا فى غيره على إحدى عشرة ركعة» (1) ثم ما رواه المصنف عنها من طريق أبى سلمة وعروة والأسود رواه غيره أيضا وزيادة، فلمسلم عن سعيد بن هشام عنها «كنا نعد له سواكه وطهوره فيبعثه الله متى شاء أن يبعثه من الليل فيتسوك ويتوضأ ويصلى تسع ركعات ولا يجلس فيهما إلا فى الثانية فيذكر الله ويحمده ويدعوه ثم ينهض ولا يسلم فيصلى التاسعة ثم يقعد فيذكر الله ويحمده ويدعوه ثم يسلم تسليما يسمعنا ثم يصلى ركعتين بعد ما يسلم وهو قاعد فتلك إحدى عشرة ركعة فلما أسن صلى الله عليه وسلم وأخذه اللحم أوتر بسبع وصنع فى الركعتين مثل ما صنعه فى الأولى فتلك تسع» (2) وفعله هاتين الركعتين قيل إن الأمر يجعل آخر صلاة الليل وترا للندب لا للوجوب زاد النسائى بعد ويحمد «ويصلى على نبيه» وفى رواية له «يصلى ست ركعات يخيل إلى أنه سوى بينهن فى القراءة والركوع والسجود ثم يوتر بركعة ثم يصلى ركعتين وهو جالس» (3) ولأبى داود «كان صلى الله عليه وسلم يصلى فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء إلى الفجر إحدى عشرة ركعة يسلم من كل ركعتين، ويوتر بواحدة يسجد السجدة من ذلك قدر ما يقرأ أحدكم خمسين آية. . . الحديث» (4) وللبخارى عن مسروق «أنه سألها عن صلاته صلى الله عليه وسلم فقالت:

سبعا وتسعا وإحدى عشرة ركعة سوى ركعتى الفجر» (5) وعن القاسم عنها: «كان صلى الله عليه وسلم

(1) سبق تخريجه.

(2)

رواه مسلم (1/ 513،514) حديث (746)، والنسائى (3/ 200،201)، وأحمد فى مسنده (6/ 54).

(3)

رواه النسائى (3/ 221).

(4)

أخرجه أبو داود فى سننه (1336).

(5)

أخرجه البخارى فى صحيحه (1139)، (1140).

ص: 382

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يصلى من الليل ثلاث عشرة ركعة من الوتر وركعتى الفجر» (1) قال القرطبى: أشكل حديثها على كثير حتى ينسب للاضطراب، وربما يتم ذلك لو اتحد الراوى عنها والوقت، والصواب: أن ما ذكرته محمول على أوقات متعددة، وأحوال مختلفة بحسب النشاط وبيان الجواز انتهى، فكان تارة يصلى سبعا وتارة إحدى عشرة وهو الغالب، وكان تارة يصلى فيصلى الجميع بسلام واحد وتارة يصلى فيسلم من كل ركعتين، وهو الغالب أيضا وحكمة الاقتصار على إحدى عشرة أنها الباقية من جملة الفرائض بعد إسقاط العشاء والصبح لاكتنافهما صلاة الليل فناسب أن يحاكى ما عداهما جملة وتفصيلا، وعلم مما تقرر وغيره أن صلاته صلى الله عليه وسلم بالليل كانت أنواعا ستا مفصولة ثم يوتر بثلاث، مسلم عن ابن عباس:«إحدى عشرة مفصولة وقبلها ركعتان خفيفتان» (2) الشيخان عن عائشة «ثلاث عشرة» (3) كذلك مسلم وغيره عن زيد «ثمانيا مفصولة وخمسا موصولة لا يجلس إلا فى آخرهن» (4) الشيخان عن ابن عباس «تسعا موصولة بتشهدين فى الأخيرتين ثم ركعتين جالسا سبعا كالشفع ثم ثنتين جالسا» (5) مسلم عن عائشة «ثنتين ثم يوتر بثلاث موصولة» (6) أحمد عنها «أربعا يطيل فيهن حتى جاء بلال آذنه بالغداة» (7) النسائى عن حذيفة، وسيأتى عند المصنف، وسيعلم مما يأتى أنه تارة كان يصلى قائما، وهو الأغلب وتارة جالسا ثم قبل الركوع يقوم، وبما تقرر علم أن صلاة الوتر موصولة ومفصولة ثلاثا وأقل وأكثر، وقال أبو حنيفة رحمه الله يتعين بثلاث موصولة، واحتج له بأن الصحابة أجمعوا على أن هذا أحسن واختلفوا فيما زاد ونقص وأخذ بالمجمع عليه وترك، ورد:

بأن سليمان بن يسار كره الثلاث الموصولة فى الوتر ويؤيده الخبر الصحيح «لا توتروا بثلاث فتشبهوا بصلاة المغرب» (8) فكيف مع ذلك يقال أجمعوا على حسنه، وإن سلمنا

(1) أخرجه البخارى فى صحيحه (1139)، (1140).

(2)

البخارى فى صحيحه (1139)، ومسلم فى صحيحه (122)، والنسائى فى سننه (3/ 223).

(3)

مسلم فى صحيحه (124)، (126).

(4)

مسلم فى صحيحه (123)، البخارى فى صحيحه (1159)، والنسائى (3/ 239).

(5)

مسلم فى صحيحه (139).

(6)

أخرجه الإمام أحمد فى مسنده (1/ 226،299).

(7)

النسائى فى سننه (3/ 229).

(8)

الدارقطنى فى سننه (2/ 24) والبيهقى (3/ 131) والطحاوى (1/ 292).

ص: 383

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بحسنه لأنه فعله كما رواه الحاكم وغيره فهو لا يقتضى بطلان غيره كيف وقد روى الطحاوى بسند قوى «أنه كان يفصل بين شفعه ووتره بتسليمة» (1) وهو يرد على من زعم أن كل ما ورد من الثلاث محمول على الوصل، ومر عن عائشة كما فى الصحيحين «أنه صلى الله عليه وسلم كان يفتتح صلاته بركعتين خفيفتين ثم يتم ورده إحدى عشرة ركعة يسلم من كل ركعتين ويوتر بركعة» (2) وهذا نص فى محل النزاع، وفى رد قول الطحاوى يحمل هذا ومثله على أن الركعة مضمومة للركعتين قبلها للنهى عن الثنتين. انتهى، ولا حجة له فى النهى عنها، لأن حقيقتها أن يوتر بواحدة فردة ليس قبلها شىء، ونحن نقول بكراهة الاقتصار عليها قيل: ويدل لأفضلية الفصل أنه صلى الله عليه وسلم فعله، وأمر به بخلاف الوصل، فإنه فعله فقط، وقولها فى رمضان قد يعارضه رواية مسلم عنها «كان يجتهد فى رمضان ما لا يجتهد فى غيره وفى العشر الأواخر منه ما لا يجتهد فى غيره» (3) ويجاب: بأن المراد نفى الزيادة على عدد تلك الصلاة دون غيرها من سائر أنواع الطاعات ومن ثم كان يطيل القراءة فى قيام رمضان بالليل أكثر من غيره، لأن صلاة حذيفة الآتى حديثها كانت فى رمضان كما أخرجه أحمد والنسائى بلفظ:«أنه صلى معه ليلة فى رمضان قال: فقرأ بالبقرة، ثم النساء، ثم آل عمران لا يمر بآية تخويف إلا وقف وسأل قال: فما صلى الركعتين حتى جاءه بلال فآذنه بالصلاة» ورواه الشيخان:

«أنه صلى الله عليه وسلم خرج من جوف الليل فصلى فى المسجد فصلى رجال بصلاته فتحدث الناس بذلك فاجتمع أكثر منهم فخرج فى الثانية فصلوا رجال بصلاته فتحدثوا بذلك فكثروا من الليلة الثالثة فخرج فصلوا بصلاته فلما كان فى الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله فلم يخرج إليهم فطفق رجال منهم يقولون: الصلاة، فلم يخرج إليهم حتى خرج لصلاة الفجر فلما قضى الفجر أقبل عليهم ثم تشهد فقال: أما بعد، فإنه لم يخف على شأنكم الليلة ولكن خشيت أن تفرض عليكم صلاة الليل فتعجزوا عنها» (4) وفى رواية

(1) الطحاوى (1/ 279).

(2)

البيهقى (3/ 6)، وابن أبى شيبة (2/ 192).

(3)

مسلم فى صحيحه (1175)، والترمذى فى سننه (796)، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح غريب، وابن ماجه (1767)، والإمام أحمد فى مسنده (6/ 82،123،256).

(4)

أخرجه: البخارى (1129) بنحوه، وأخرجه مسلم فى صحيحه (178).

ص: 384

259 -

حدثنا إسحاق بن موسى، حدثنا معن، حدثنا مالك، عن سعيد بن أبى سعيد المقبرى، عن أبى سلمة بن عبد الرحمن، أنه أخبره، أنه سأل عائشة: كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى رمضان؟ فقالت:

«ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليزيد فى رمضان ولا فى غيره على إحدى عشرة ركعة، ويصلّى أربعا لا تسأل عن حسنهنّ وطولهنّ، ثمّ يصلّى أربعا لا تسأل عن حسنهنّ وطولهنّ، ثمّ يصلّى ثلاثا.

ــ

لها «وذلك فى رمضان» (1) وتوقع ترتب افتراض الصلاة بالليل جماعة على وجود المواظبة عليها بما أوحى إليه إن واظبت عليها معهم افترضها عليهم فأحب التخفيف عنهم أو خشى أن يظن أحد من مداومته عليها الوجوب، وإنما خشى مع أمنه من التبديل لقوله تعالى ليلة الإسراء كما يأتى فى «مبعثه هن خمس وهن خمسون لا يبدل القول لدى» (2) لأنه يحتمل أن المخوف افتراض قيام الليل بمعنى جعل التهجد فى المسجد جماعة شرطا فى صحة التنفل بالليل ويومئ إليه رواية:«قد خشيت أن تكتب عليكم، ولو كتبه عليكم ما قمتم به فصلوا أيها الناس فى بيوتكم» (3) أو المخوف افتراض قيام الليل على الكفاية وفرض الكفاية غير زائد على الخمس، لأنه ليس من جنسها، ولذا قال بذلك جمع فى العيد ونحوها، أو المخوف افتراض قيام رمضان خاصة لرواية «خشيت أن يفرض عليكم قيام هذا الشهر» (4)، وقيامه لا يتكرر كل يوم فى السنة فليس بزائد على الخمس.

259 -

(لا تسأل. . .) إلخ أى: لأنهن من كمال الطول والحسن فى غاية ظاهرة مغنية عن السؤال وفيه، دليل الأفضلية تطويل القيام على تكثير الركوع والسجود ويدل عليه

259 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى أبواب الصلاة (439)، والبخارى فى التهجد (1147)، وفى التراويح (2013)، وفى المناقب (3599)، ومسلم فى صلاة المسافرين (125/ 738)، وأبو داود فى الصلاة (1341)، والنسائى فى قيام الليل (3/ 234)، والإمام مالك فى الموطأ فى صلاة الليل (1/ 118)، وأحمد فى المسند (6/ 40)، وأبو نعيم فى المسند على مسلم (1675).

(1)

البخارى فى صحيحه (1129)، ومسلم (179)، والنسائى فى سننه (3/ 198).

(2)

البخارى فى صحيحه (349)، والترمذى فى سننه (213).

(3)

و (4) النسائى فى سننه (3/ 198).

ص: 385

قالت عائشة: قلت: يا رسول الله أتنام قبل أن توتر؟

قال: يا عائشة، إنّ عينىّ تنامان ولا ينام قلبى».

ــ

خبر «أفضل الصلاة طول القنوت» (1) أى القيام، وقيل: الأفضل تكثير الركوع والسجود لخبر «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد» (2) ويجاب: بأن الأول صريح فى الأفضلية، بخلاف الثانى لاحتمال أن الأقربية فيه بالنسبة للركوع؛ بل يتعين حمله على ذلك جمعا بينه وبين «أفضل الصلاة طول القنوت» (3) والحاصل: أن هذا لا يمكن رده لذلك بخلاف العكس، وقيل: تطويل القيام ليلا أفضل، وتكثير الركوع والسجود نهارا أفضل. (قالت عائشة. . .) إلخ رواه البخارى عنها أيضا. (أتنام. . .) إلخ إنما سألت عن ذلك، لأنها ظنت أنه يريد الاقتصار على الأربعة الأولى، فإن قضيته ثمّ أنه فصل بينها وبين ما بعدها. (فقال. . .) إلخ: أى إنما فعلت ذلك لأنى أخشى فوت الوتر (4)، ومن لا يخشى ليس (5) له تأخير كما فى غير هذا الحديث أيضا ولا يرد عليه يوم الوادى لما فيه والحاصل: أنه صلى الله عليه وسلم لأجل ما خصه الله به من هذه الخصوصية كان واثقا بقيامه وإن نام وإن نومه فى الوادى جاء على خلاف الوثوق للحكمة الآتية. (ولا ينام قلبى) هو من خصائص الأنبياء لحياة قلوبهم واستغراقها فى شهود جلال الحق وجماله ومر أن وضوئه صلى الله عليه وسلم لا ينتقض بالنوم لذلك، لأن القلب يقظان فيحس بالحدث وإنما فاتته الصبح فى قصة الوادى، لأن رؤية الفجر من وظائف البصر وقد علمت أنه ينام وأما الجواب بأنه كان له حال ينام فيه قلبه لكنه نادر فصادف يوم الوادى فضعيف بل شاذ لمخالفته تصريح ولا ينام قلبى الشامل لسائر الحالات، إذ الفعل المنفى يفيد العموم، ولا يلزم من استيقاظه إدراكه لذلك الزمن الذى هو من قبل طلوع الفجر إلى أن حميت الشمس لما مر آنفا؛ أن ذلك من وظائف البصر ولاحتمال أن قلبه إذ ذاك كان مستغرقا بالوحى واستغراقه به لا يستلزم وصفه، فقد كان يستغرق به فى اليقظة أيضا وحكمة ذلك بيان

(1) مسلم (1/ 520) حديث (756)، والنسائى (5/ 58)، والبيهقى (3/ 8).

(2)

مسلم (1/ 350) حديث (482)، وأبو داود (1/ 231) حديث (875)، والنسائى (2 - 226).

(3)

سبق تخريجه.

(4)

فى (ش): [الوقت].

(5)

فى (ش): (لا يسن).

ص: 386

260 -

حدثنا إسحاق بن موسى، حدثنا معن، حدثنا مالك، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة:

«أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلى من الليل إحدى عشرة ركعة، يوتر منها بواحدة، فإذا فرغ منها اضطجع على شقّه الأيمن» .

ــ

التشريع بالفعل، إذ هو واقع كما فى سهوه بالصلاة، ومن ثمة قال ابن المنير: القلب يسهو يقظة لمصلحة التشريع فكذا نوما، وقال ابن العربى: إنه يقبل بقلبه على الله فى نومه كيقظته، ولذلك قالت الصحابة:«كان إذا نام لا نوقظه حتى يستيقظ لأنا لا ندرى ما هو فيه» (1) فلم يكن ذلك عن آفة بل بالتصرف من حال إلى مثله ليكون سنة، وزعم بعضهم: أن معنى «ولا ينام قلبى» لا يستغرقه النوم حتى لا يحس بالحدث، وهو تخصيص للنفى العام من غير دليل، كيف والحديث خرج جوابا لقول عائشة المذكور، وهو يبطل هذا الزعم، ولا ينافى استيقاظه قول بلال كما فى مسلم «أخذ بنفسى الذى أخذ بنفسك» وأقره مع أن نومه كان مستغرقا فيقتضى أن نومه صلى الله عليه وسلم كان كذلك، وذلك لأن مراده التشبيه من حيث مطلق النوم لما هو مقرر عندهم: من أن قلبه الشريف كان لا ينام، ومن ثمة كانوا لا يوقظونه كما علمت، وبالغ بعضهم فى الشذوذ فقال: كان قلبه يقظانا، وعلم بخروج الوقت، لكن ترك إعلامهم بذلك لمصلحة التشريع.

260 -

(عن عائشة. . .) إلخ مر أنه فى الصحيحين. (يوتر منها بواحدة) صريح فى أن أقل الوتر ركعة، وأن الركعة المفردة صلاة صحيحة، ودعوى تأويل الحديث أو نسخه، لا دليل عليها ومر لذلك بقية. (على شقه الأيمن) مر ندبه وحكمته.

260 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى «الصلاة» (440) بسنده ومتنه سواء، ورواه مسلم فى «صلاة المسافرين» (221)، وأبو داود فى «الصلاة» (1335) من طريق مالك به فذكره. وقال الحافظ فى الفتح (3/ 54): وأما ما رواه مسلم من طريق مالك عن الزهرى عن عائشة أنه اضطجع بعد الوتر فقد خالفه أصحاب الزهرى عن عروة، فذكروا الاضطجاع بعد الفجر، وهو محفوظ.

(1)

أخرجه: الإمام أحمد فى مسنده (4/ 434)، والبيهقى (1/ 218).

ص: 387

261 -

حدثنا هنّاد، حدثنا أبو الأحوص، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة، قالت:

«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى من الليل تسع ركعات» .

262 -

حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا محمد بن جعفر، أنبأنا شعبة، عن عمرو ابن مرة، عن أبى حمزة-عن رجل من الأنصار-عن رجل من بنى عبس، عن حذيفة بن اليمان أنه:

«صلّى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فلمّا دخل فى الصّلاة قال: الله أكبر ذو الملكوت والكبرياء والعظمة.

ــ

262 -

(عن رجل) عيّنه بعض الأئمة ووثقه. (عن حذيفة) رواه عنه أيضا الشيخان، وأبو داود، والنسائى مع مخالفة فى بعضه، وسأنبه على بعض ذلك. (فلما دخل فى الصلاة) أى أراد الدخول فيها. (الله أكبر) أى من كل شىء كما درجوا عليه قيل:

والمراد: من كل شىء يعرف كنهه فيرد تنزيهه من معرفة كنهه وقيل المراد: من كل شىء يتعقل أن يكون ربا والمقصود أن لا يجعل على طبق من علمنا بل يجعل فوق كل ما تطيقه عقولنا وقيل: أكبر معناه: المتناهى فى الكبر أى العظيم فليس أفعل تفضيل لأنه تعالى أجل من أن يفضل على غيره، ولهذا لم يستعمل استعمال اسم التفضيل، وقيل:

أكبر بمعنى: كبير، وزاد أبو داود:«ثلاثا» ، ومنه يؤخذ ندب ذلك، وإن لم يذكروه فيما

261 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى الصلاة (443)، والنسائى فى قيام الليل (3/ 243)، وابن ماجه فى الإقامة (1360)، جميعهم من طريق المصنف من طريق هناد، ومسلم مطولا فى صلاة المسافرين (139،512،514)، من طريق سعد بن هشام عن عائشة، وفيه أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يوتر بتسع ركعات.

262 -

إسناده صحيح: رواه أبو داود فى الصلاة (874)، والنسائى فى التطبيق (2/ 190)، وفى الكبرى (1/ 434)، والإمام أحمد فى مسنده (5/ 398)، وأبو الشيخ فى أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم (ص 194) جميعا من طريق أبى حمزة عن رجل من الأنصار عن رجل من بنى عبس عن حذيفة به فذكره، ورواه أيضا أحمد فى مسنده (5/ 388،396)، من طريق عبد الملك بن عمير حدثنى ابن عم لحذيفة عنه به فذكره.

ص: 388

قال: ثمّ قرأ البقرة، ثمّ ركع، فكان ركوعه نحوا من قيامه. وكان يقول:

سبحان ربى العظيم، سبحان ربى العظيم، ثمّ رفع رأسه، وكان قيامه نحوا من ركوعه، وكان يقول: لربّى الحمد، لربّى الحمد. ثمّ سجد فكان سجوده نحوا من قيامه، وكان يقول: سبحان ربى الأعلى، سبحان ربى الأعلى، ثمّ رفع رأسه، فكان ما بين السّجدتين نحوا من السّجود. وكان يقول: ربّ اغفر لى، ربّ اغفر لى. حتّى قرأ البقرة، وآل عمران، والنّساء، والمائدة».

شعبة هو الذى شك فى المائدة والأنعام.

ــ

علمت، ومحل كراهة تكرير الركن القولى ما لم يرد تكريره، وروى البخارى عن ابن عمر «رأيت النبى صلى الله عليه وسلم يفتتح التكبير فى الصلاة» (1) وفى رواية:«إنه كان ليفتتح الصلاة بالتكبير» (2)، وصح «كان إذا قام إلى الصلاة قال: الله أكبر» (3)، وصح «تحريمها بالتكبير، وتحليلها بالتسليم» (4) وهذه صرائح فى تعيين لفظ: الله أكبر، وهو مذهب الشافعى والجمهور، ولم يختلف أحد فى وجوب النية فى الصلاة، بل فى وجوب مقارنتها للتكبير، وفى لفظ ندب التلفظ بها قبيله، ولابن القيم هنا تشنيعات على القائلين بالندب، ليست فى محلها كما بينته فى شرح العباب، كيف وقد صح «أنه صلى الله عليه وسلم قال: لبيك حجا وعمرة» (5) وفى رواية للبخارى: «وقل: عمرة فى حجة» (6) فقد تلفظ صلى الله عليه وسلم بالنية، والصلاة مقيسة على الحج؟ بل الأولى، لأنه علمه التلفظ بذلك، لأنه أعون على استحضار القلب، ووسيلة المندوب مندوبة، ودعوى الفرق بين الحج والصلاة، لا يلتفت إليها. (ذو. . .) إلخ هذا من أدعية الاستفتاح، وهى كثيرة، وقد

(1) رواه البخارى (2/ 259) حديث (738) والنسائى.

(2)

رواه أحمد بن حنبل (6/ 31).

(3)

رواه أبو داود (1/ 264) حديث (803)، وأحمد بن حنبل فى المسند (5/ 253).

(4)

رواه أبو داود (1/ 17)، حديث (61)، والترمذى (1/ 9)، وابن ماجه (1/ 101).

(5)

رواه الإمام أحمد فى مسنده (3/ 183،225،266،280)، والطبرانى (5/ 100) والحميدى فى مسنده (1215،1216).

(6)

رواه البخارى فى صحيحه (7343)، وأبو داود فى سننه (1800) وأحمد فى مسنده (1/ 24)، وابن خزيمة فى صحيحه (2617)، وشرح السنة (7/ 37).

ص: 389

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

استوفى النووى أكثرها فى أذكاره. (الملكوت) بفتح أوليه الملك والعزة. (والجبروت) الجبر والقهر، والتاء فيهما زائدة للمبالغة، والجبار: هو الذى يقهر غيره على ما أراده.

(والكبرياء) الترفع والتنزه عن كل نقص. (والعظمة) تجاوز القدر عن الإحاطة. (ثم قرأ البقرة) أى بعد الفاتحة. (من قيامه) أى قريبا منه وعجيب ممن زعم أن من هذه للبيان.

(يقول) هى وأمثالها حكاية للحال الماضية، استحضارا لها فى ذهن السامع. (سبحان ربى العظيم سبحان ربى العظيم) أى كان يكرر هذه الكلمات فى هذا الركوع مع طوله، وهذا الذكر مطلوب فى كل ركوع وأقله مرة، وأدنى الكمال فيه ثلاث مرات، وأكمله:

إحدى عشرة مرة أخذا من مجموع الأحاديث، ورواية ذلك أى الثلاثة أوفاه تحمل على أن الثلاثة أو فى الكمال باعتبار ما دونها وإن كانت أدناه باعتبار ما فوقها من الخمس فالسبع فالتسع فالإحدى عشرة ووقع لبعضهم هنا خبط نشأ من عدم إلمامه بكلام الفقهاء والمحدثين لا حامل له ولا معول عليه. (نحوا من ركوعه) فيه مع ما يأتى فى الجلوس بين السجدتين دليل لما اختاره النووى فى كتبه أنهما ركنان طويلان، لكن المذهب أنهما قصيران، لأنهما مقصودان لغيرهما لا لذاتهما وقد يجاب عن الأول بأن القرب من الركوع أمر نسبى فليس فيه نص على أنه يطوله أكثر من التطويل المشروع عندنا وهو ما يسع أذكاره الواردة فيه وقدر الفاتحة، وروى الشيخان «كان ركوعه صلى الله عليه وسلم وسجوده وبين السجدتين وإذا رفع من الركوع ما خلا القيام والقعود قريبا من السورة» (1) قال النووى:

وهذا محمول على بعض الأحوال، وإلا فقد ثبت تطويل القيام، وقال غيره: المراد أن صلاته كانت معتدلة، فكان إذا أطال أطال الكل، وإذا خفف خفف الكل. (لربى الحمد لربى الحمد) إلى آخره فيه ما مر فى تكرير الركوع، ويجاب عن كون أئمتنا لم يأخذوا بقضية التكرير هنا وفيما مر، بل قالوا: الأكمل ثم الإحدى عشر واقتضى صريح كلامهم هنا: أنه لا يسن له التكرير بأن الذى واظب عليه النبى صلى الله عليه وسلم هو ما قالوه وأما فى هذا الحديث فإنه وقع نادرا فلم يغيروا به ما علم واستقرأ من أحواله، ومن ثم صرحوا بأن ربنا لك الحمد أو لك الحمد ربنا أفضل مما هنا، وقول ابن القيم: لم يصح الجمع بين اللهم والواو غلط، كيف وهو فى رواية البخارى؟ قال ابن دقيق العيد: وفى الواو معنى زائد أى: ربنا استجب، أو نحوه ولك الحمد فيجمع بين الدعاء والخير،

(1) البخارى فى صحيحه (200،202) وشرح السنة (3/ 110).

ص: 390

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

حكى ابن قدامة عن الشافعى إسقاطها، لأن للمعطف وليس هنا شىء يعطف عليه وعن مالك وأحمد فى ذلك خلاف، وقال النووى: كلاهما جاءت به أخبار كثيرة والمختار أنه لا ترجيح لأحدهما على الآخر. انتهى. كذا نقل بعضهم عنه والذى فى المجموع عن الشافعى والأصحاب، هو ما قاله ابن دقيق العيد، ووجهه: أنه يجمع بين معنيين:

الدعاء والاعتراف أى: ربنا استجب لنا ولك الحمد على هدايتك إيانا بناء على أن الواو عاطفة لا زائدة خلافا للأصمعى، والحاصل: أن الحرف الزائد يقابله ثواب مع أنه يفيد ما لا يستفاد مع حذفه. (نحوا من قيامه) أى اعتداله. (الأعلى) خص بالسجود، والعظيم بالركوع للمناسبة، إذ الركوع الخضوع، ويقابله العظمة، والسجود صح فيه «أقرب ما يكون العبد من ربه إذا كان ساجدا» (1) وهذا ربما توهم منه من لا معرفة له قرب المسافة والله سبحانه وتعالى متعال عن ذلك علوا كبيرا، فأشير إلى ذلك بذكر الأعلى ونظيره قول إمام الحرمين فى قوله صلى الله عليه وسلم «لا تفضلونى على يونس بن متى» (2) إنما خصّ يونس لأنه ربما توهم أن قربه من ربه وهو فى بطن الحوت دون قرب محمد صلى الله عليه وسلم من ربه، وهو فوق سبع سماوات ليلة الإسراء، وهو ليس كذلك بل قربهما مع ما بينهما من تباعد المكان سواء بالنسبة إليه تعالى لتعاليه عن المكان على حد سواء، كيف وهو موجود قبل خلق الزمان والمكان؟ إذ هما من جملة المحدثات والله سبحانه منزه عن سمات الحدوث متعال عن كل نقص تبارك وتعالى عما يقول الظالمون والجاحدون علوا كبيرا. (حتى) غاية لمحذوف أى: ولا يزال يطول. (حتى قرأ البقرة وآل عمران والنساء) ظاهره، أنه قرأ السور الأربع فى أربع ركعات، وبه صرحت رواية أبى داود. «فصلى أربع ركعات قرأ فيهن: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة والأنعام» (3) لكن رواية الشيخين: «فافتتح البقرة قلت: يركع عند المائدة ثم مضى قلت: يصلى بها فى ركعة فمضى، فقلت يركع بها ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها مرتلا إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ، ثم ركع فجعل يقول:

(1) مسلم فى الصلاة (215)، وأبو داود (875)، والنسائى (2/ 226)، والإمام أحمد (2/ 241)، والبيهقى (2/ 110)، والطبرانى (10/ 96).

(2)

ذكره صاحب الشفاء (1/ 132)، وفى الإتحاف (2/ 105)، والبداية والنهاية لابن كثير (1/ 237).

(3)

أبو داود فى سننه (874).

ص: 391

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

سبحان ربى العظيم فكان ركوعه نحوا من قيامه ثم قال: سمع الله لمن حمده» (1) وظاهرها أنه قرأ الكل فى ركعة واحدة، وإما أن الواقعة متعددة، أو رواية أيتهما أصح فيقدم، وكذا يقال فى روايتهما أنه قرأ النساء قبل آل عمران، فإنها منافية لرواية المصنف وغيره، فإن ظاهرها تقديم آل عمران، وإن كانت الواو لا تقتضى ترتيبا، ثم الأولى لبيان الجواز، وإلا فالأفضل القراءة على ترتيب المصحف، لأنه المعروف المستقر من أحواله صلى الله عليه وسلم وإما على ترتيب الآية فواجبة، فيحرم بعكس الآية، لأن الترتيب بينهما توقيفى قطعا وبين السور فيه خلاف، وهذه القراءة كانت فى صلاة الليل كما علم من أول الحديث وأما قراءته فى الفرائض فوردت على أنحاء شتى منها:«فى الصبح ما بين الستين إلى المائة من المفصل قصار فى المغرب» ، النسائى «وَاَللَّيْلِ إِذاعَسْعَسَ. . .» (2)، مسلم أى: سورته الرواية النسائى «إِذَا اَلشَّمْسُ كُوِّرَتْ. . . ونحوها وكان قراءته تعد تخفيفا» (3) مسلم، «وسورة المؤمنون فأخذته سعلة عند ذكر موسى وهارون، أو عيسى فركع» (4) مسلم، «وإِذازُلْزِلَتِ اَلْأَرْضُ. . . فى ركعتيها» (5) أبو داود، وفيه: أنه لا يكره قطع القراءة، ولا القراءة ببعض السور، ولا قراءة بعض الآية، ودعوى كراهة ذلك، يحتاج لدليل كيف، «وقدم أبو بكر بالصحابة، فقرأ البقرة فى ركعتيها والم* تَنْزِيلُ. . . السجدة وهَلْ أَتى عَلَى اَلْإِنْسانِ. . . فى صبح يوم الجمعة» (6) الشيخان وغيرهما وكان يديم ذلك كما رواه الطبرانى ورجاله ثقات، وهو وإن صوب أبو حاتم إرساله، لكن له شواهد من حديث ابن عباس:«كل جمعة» أخرجه الطبرانى فى الكبير، وبه يرد على من قال: الأولى تركهما فى بعض الجمع، لئلا يعتقد العامة وجوبهما، وروى الطبرانى أيضا:«أنه صلى الله عليه وسلم سجد فى الصبح يوم الجمعة فى الم* تَنْزِيلُ. . .» وبه يرد على من قال يحتمل أنه كان يقرؤها ولا يسجد، ومنها فى الظهر:

(1) سبق تخريجه عند تخريج حديث المتن.

(2)

مسلم فى صحيحه (164).

(3)

أبو داود فى سننه (817)، والترمذى (306).

(4)

مسلم فى صحيحه (163).

(5)

أبو داود فى سننه (816).

(6)

ابن ماجه فى سننه (821،822،823،824).

ص: 392

263 -

حدثنا أبو بكر بن نافع البصرى، حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، عن إسماعيل بن مسلم العبدى، عن أبى المتوكل، عن عائشة، قالت:

«قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بآية من القرآن ليلة» .

ــ

«وَاَللَّيْلِ إِذايَغْشى. . .، سَبِّحِ اِسْمَ رَبِّكَ اَلْأَعْلَى. . .» (1) مسلم «وَاَلسَّماءِ ذاتِ اَلْبُرُوجِ. . .، وَاَلسَّماءِ وَاَلطّارِقِ. . .» (2) وكذا فى العصر أبو داود، والترمذى «لقمان، والذاريات، سبح، وهل أتاك» (3) النسائى، ومنها فى المغرب:«المرسلات، والطور» (4) الشيخان وغيرهما «الأعراف» (5) البخارى وغيره: «حم، الدخان» (6) النسائى «الكافرون، والإخلاص» (7) ابن ماجه وفيه علة، والذى صح قصار المفصل من غير تعيين، وهذه الرواية فيها مبينة لجواز التطويل بل وندبه لغير الإمام وللإمام بشروطه المقررة فى الفقه، ودعوى نسخ التطويل ممنوعة، بأن آخر صلاة صلاها بهم فى مرض موته: المغرب بالمرسلات كما فى البخارى ومنها فى العشاء: وَاَلتِّينِ. . . (8) الشيخان.

263 -

(محمد بن نافع) قيل: هو مجهول، لأنه لم يوجد فى كتب الرجال فلعله

263 - إسناده صحيح: رواه المصنف فى الصلاة (448)، وقال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح، وللحديث شاهد صحيح من حديث أبى ذر قال:«قام النبى صلى الله عليه وسلم بآية حتى أصبح يرددها» ورواه النسائى فى الافتتاح (2/ 177)، وابن ماجه فى إقامة الصلاة (1350)، وفى الزوائد قال: إسناده صحيح رجاله ثقات، وأحمد فى المسند (5/ 149)، والحاكم فى مستدركه (1/ 241)، وقال: هذا حديث صحيح، ولم يخرجاه ووافقه الذهبى.

(1)

مسلم فى صحيحه (170،171)، وأبو داود فى سننه (807).

(2)

أبو داود فى سننه (805)، والترمذى فى سننه (307)، قال أبو عيسى: حديث جابر بن سمرة حديث حسن صحيح. والنسائى (4/ 212).

(3)

النسائى فى سننه (4/ 166).

(4)

البخارى فى صحيحه (763)، ومسلم (173)، وأبو داود (810،811)، والترمذى (308)، وقال: حديث أم الفضل حسن صحيح.

(5)

البخارى (764)، والترمذى فى سننه (308)، والنسائى (4/ 169).

(6)

النسائى فى سننه (4/ 169).

(7)

ابن ماجه فى سننه (833).

(8)

البخارى فى صحيحه (769)، ومسلم (175،176،177)، والترمذى فى سننه (309، 310)، والنسائى فى سننه (4/ 173)، وابن ماجه (834).

ص: 393

264 -

حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا شعبة، عن

ــ

محمد بن واسع البصرى. (قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بآية من القرآن) هى كما جاء فى طريق آخر قوله تعالى: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ اَلْعَزِيزُ اَلْحَكِيمُ (1).

(ليلة) يحتمل أن المراد: أنه صلى الله عليه وسلم استمر يكررها فى ركعات تهجده تلك الليلة، فلم يقرأ فيها بغيرها، وأنه صار يكررها فى قيامه، أو فى قيام ركعة واحدة إلى أن طلع الفجر، وأنه لم يكن فى صلاته، بل قرأها خارجها، فاستمر يكررها إلى الفجر، وهو قائم، أو قاعد، وعلى الأخير يكون من قام بالأمر أخذه وعزم من غير فتور، أو قامت الحرب على ساقها أى اشتدت وحمى وطيسها وح، فمعنى قام بها أى داوم على تكريرها، والتفكر فى معانيها إلى الفجر، لما أنه اعتراه عند قرأتها من هيبة ما ابتدئت به ما أوجب اشتعال نار الخوف، من حلاوة ما ختمت به ما أوجب اهتزاز أريحة طربا وسرورا، وفيها من الأسرار: أنه لما ذكر العذاب علل بوصف العبودية، إشارة إلى عظيم تحليه بوصف الاستحقاق والعدل، إذ لم يتصرف إلا فى ملكه، والمتصرف فى ملكه بأى نوع شاء، لا ينسب لجور ولا ظلم، ولما ذكر المغفرة علله بتحليه بوصف العزة والحكمة، إشارة ما هو تحليه بوصف التفضل والإنعام المقترن بغاية العزة والقهر والحكمة البالغة، وإن خفيت عن الخلق، ثم رأيت ما يرجح الاحتمال الأول من الاحتمالات السابقة فى معنى قيامه تلك الآية، وهو ما فى فضائل القرآن عن أبى ذر قال:«قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من الليالى فقرأ آية واحدة الليل كله حتى أصبح، بها يقوم، وبها يركع، وبها يسجد» (2) ولا ينافيه خبر مسلم: «إني نهيت أن أقرأ القرآن راكعا وساجدا» (3) لاحتمال أن ذلك النهى كان بعد تلك الليلة.

264 -

(فلم يزل قائما. . .) إلخ فيه أن صلاة النافلة جماعة، وأنه يسن للإمام

264 - إسناده صحيح: رواه البخارى فى التهجد (1135)، ومسلم فى المسافرين (204،537)، وابن ماجه فى الإقامة (1418)، والإمام أحمد فى المسند (1/ 385،396،415،440)، من طرق عن عبد الله بن مسعود به فذكره مرفوعا.

(1)

سورة المائدة: آية رقم (118).

(2)

رواه النسائى فى سننه (2/ 177)، وابن أبى شيبة فى مصنفه (14/ 272).

(3)

رواه مسلم فى صحيحه (209،210،212،214).

ص: 394

الأعمش، عن أبى وائل، عن عبد الله، قال:

«صلّيت ليلة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يزل قائما حتّى هممت بأمر سوء. قيل:

وما هممت به؟

قال: هممت أن أقعد وأدع النّبىّ صلى الله عليه وسلم».

265 -

حدثنا إسحاق بن موسى الأنصارى، حدثنا معن، حدثنا مالك، عن أبى النضر، عن أبى سلمة، عن عائشة:

«أنّ النّبىّ صلى الله عليه وسلم كان يصلّى جالسا فيقرأ وهو جالس، فإذا بقى من قراءته قدر ما

ــ

التطويل، إذا كان الجمع محصورون، ورضوا به، ولم يطرأ غيرهم، وإن ندر حضوره، ولم يتعلق بعين أحد منهم حق، بأن لا يكون فتى، ولا أجير عين ولا زوجة، وكانوا بمسجد غير مطروق، فإن اختل شرط من ذلك سن للإمام التخفيف ما أمكن، والاقتصار من القراءة على قصار المفصل، ومن نحو التسبيح على أدنى الكمال، وهو ثلاث، وكره له التطويل، نعم ما عين الشارع فيه سورة مخصوصة كالجمعة، والعيدين، والكسوفين، يسن قرأتها، وإن لم ينحصروا للاتباع. (بأمر سوء) بالإضافة وعدمها، وبفتح السين وضمها، قيل: المفتوحة غلبت وإيضافها لما يراد ذمه، والمضمومة شاعت فيما يقابل الخير انتهى، والذى فى الصحاح: المفتوح، مصدر نقيض المسرة، والمضموم:

اسم، وساغ الإضافة إلى المفتوح كرجل سوء، ولا يقال: سوء بالضم انتهى، قوله:

ولا يقال إلخ ردّ بالقراءة المتواترة. عَلَيْهِمْ دائِرَةُ اَلسَّوْءِ (1) بالضم ويرد بأن ما فيه من إضافة الاسم الجامد كرجل، وما فيها من إضافة المصدر، وبينهما فرق ظاهر.

265 -

(عن عائشة. . .) إلخ أخرجه مسلم أيضا، وروى عنها الدارقطنى:«كان متربعا» وابن ماجه: «كان يوتر بواحدة، ثم يركع ركعتين يقرأ فيهما، وهو جالس فإذا

265 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى الصلاة (374) بسنده ومتنه سواء، ورواه البخارى فى التهجد (1119)، ومسلم فى صلاة المسافرين (112،505)، وأبو داود فى الصلاة (954)، والنسائى فى قيام الليل (3/ 220)، وأحمد فى مسنده (6/ 178)، والإمام مالك فى الموطأ (1/ 23،238)، كلهم من طرق عن أبى النضر به فذكره نحوه.

(1)

سورة التوبة: آية رقم (98).

ص: 395

يكون ثلاثين أو أربعين آية، قام فقرأ وهو قائم، ثمّ ركع وسجد، ثمّ صنع فى الرّكعة الثّانية مثل ذلك».

266 -

حدثنا أحمد بن منيع، حدثنا هشيم، أنبأنا خالد الحذاء، عن عبد الله بن شقيق، قال: سألت عائشة، عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن تطوعه، فقالت:

«كان يصلّى ليلا طويلا قائما، وليلا طويلا قاعدا، فإذا قرأ وهو قائم ركع وسجد وهو قائم، وإذا قرأ وهو جالس ركع وسجد وهو جالس» .

ــ

أراد أن يركع قام فركع» (1) ومر أن فعله ما بين الركعتين لبيان جواز الصلاة بعد الوتر، ولا ينافيه لفظ «كان» لأنها لا تفيد دواما، قيل: ولا أكثرية هنا وغلط من جعلهما سنة راتبة بعده، فإنه صلى الله عليه وسلم ما داومهما، ولا تشبه السنة بالفرض، حتى يكون للوتر راتبة بعده انتهى. وقد أنكرها مالك أيضا، وقال أحمد: لا أفعله، ولا أمنعه، وقال بعضهم: هما سنة والأمر بجعل آخر صلاة الليل وترا مختص بمن أوتر آخر الليل: «فيقرأ وهو جالس» إلخ فيه جواز جعل بعض قراءة النافلة فى القيام، وبعضها فى الجلوس كذا قيل والأولى أن يقال: فيه ندب ذلك لمن يشق عليه طول القيام فى النافلة كبيرا وغيره، ومن ما يعلم منه أنه صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك، إلا لما كثر، وثقل باللحم.

266 -

(عن تطوعه) بدل مما قبله بإعادة حرف الجر أى: عن كيفيته. (طويلا) صفة ليل ومن زعم أنها صفة صلاة وأنها لما حذفت حذف تأنيث صفتها فقد وهم وأراد بالليل بعضه أى زمنا طويلا من الليل وما يصله فى ذلك الزمن بعضه أطول وبعضه طويل وبعضه قصير. (قائما) حال من فاعل يصلى، أى: يصلى زمنا طويلا حال كونه قائما فيه وزمنا طويلا حال كونه قاعدا فيه، قائما مبينة أن المراد بطول زمن الصلاة طول

266 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى أبواب الصلاة (375) بسنده ومتنه سواء، ورواه مسلم فى صلاة المسافرين (105،504)، وأبو داود فى الصلاة (1955)، وفى التطوع (1251)، وابن ماجه فى الإقامة (1228)، والنسائى فى قيام الليل (3/ 219،220)، والإمام أحمد فى مسنده (6/ 30،98، 100،112،113،166،204،261،265)، من طرق عن عبد الله بن شقيق عن عائشة به فذكره.

(1)

رواه ابن ماجه فى سننه (1196)، وفى المشكاة (1285)، وذكره صاحب تاريخ بغداد (13/ 60).

ص: 396

267 -

حدثنا إسحاق بن موسى الأنصارى، حدثنا معن، حدثنا مالك، عن ابن شهاب، عن السائب بن يزيد، عن المطلب بن أبى وداعة السهمى، عن حفصة زوج النبى صلى الله عليه وسلم، أنها قالت:

«ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلّى فى سبحته قاعدا حتّى كان قبل وفاته صلى الله عليه وسلم بعام فإنّه كان يصلّى فى سبحته قاعدا، ويقرأ بالسّورة ويرتّلها حتّى تكون أطول من أطول منها» .

ــ

قيامها أو قعودها. (وهو) أى والحال أن انتقاله لها كان وهو. (قائم) وكذا التقدير فى «وهو جالس» وفيه حلّ التنفل قاعدا مع القدرة، وهو إجماع لكن القاعد لغير عذر له نصف أجر القائم والمضطجع على جنبه له نصف أجر القاعد، وهذا فى حق غيره، إذ من خصائصه أن تطوعه قاعدا كتطوعه قائما، لأن الكسل مأمون فى حقه صلى الله عليه وسلم. (ركع وسجد وهو قائم) فائدة: وهو قائم هنا؛ للاحتراز عن جلوس قبل الركوع وبعده أى كان يستمر قائما إلى الركوع ثم يعتدل قائما ثم يسجد فهو احتراز عن جلوس قبلهما عكس الوارد فيما مر وكذا يقال فى. (ركع وسجد وهو جالس) فهو احتراز عن قيام قبل الركوع وعن قيام حال الاعتدال ولا ينافى هذا ما مر من أنه كان ببعض قراءته إلى جلوس ثم قيام، لأنه صلى الله عليه وسلم كان له أحوال مختلفة فى تهجده وغيره، فيحمل اختلاف الروايات وإن اتحد راويها على اختلاف تلك الأحوال.

267 -

(فى سبحته) أى فى نافلته، وسميت سبحة لاشتمالها على التسبيح. (عن حفصة. . .) إلخ رواه عنها أيضا مسلم. (ويرتلها حتى تكون أطول من أطول منها) أى يرتل السورة القصيرة كالأنفال، حتى تصير لاشتمالها على الترتيل أطول من طويلة خالية عنه كالأعراف، وقيل: المراد أن تطويله يبلغ غايته يفوق لكل تطويل انتهى، وليس بشىء، وإن قال زاعمه أنه معنى دقيق.

267 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى أبواب الصلاة (373)، وقال: حديث حسن صحيح، والإمام مسلم فى صلاة المسافرين (118/ 507)، والنسائى فى قيام الليل (3/ 223)، والإمام أحمد فى المسند (6/ 285)، ومالك فى الموطأ (137)، كلهم من طرق عن ابن شهاب الزهرى به فذكره.

ص: 397

268 -

حدثنا الحسن بن محمد الزعفرانى، حدثنا الحجاج بن محمد، عن ابن جريج، قال: أخبرنى عثمان بن أبى سليمان، أن أبا سلمة بن عبد الرحمن أخبره، أن عائشة أخبرته:

«أنّ النّبىّ صلى الله عليه وسلم لم يمت حتّى كان أكثر صلاته وهو جالس» .

269 -

حدثنا أحمد بن منيع، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، رضى الله عنهما، قال:

«صلّيت مع النّبىّ صلى الله عليه وسلم ركعتين قبل الظّهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب فى بيته، وركعتين بعد العشاء فى بيته» .

ــ

268 -

(أكثر صلاته) أى النافلة. (وهو) أى والحال أنه. (جالس) مكان قيامه أى حتى وجد أكثرنا نافلته فى جلوسه، وزعم أنها ناقصة والواو زائدة وجملة «وهو جالس» خبرها تكلف بعيد لا يعول عليه.

269 -

(فى بيته) يحتمل رجوعه للثلاثة قبله، ولسنة المغرب فقط، وعليه فعلت أفضلية البيت للنافلة، حتى من جوف الكعبة للخبر الصحيح:«أفضل صلاة المرء فى بيته، إلا المكتوبة» (1).

268 - إسناده صحيح: رواه مسلم فى صلاة المسافرين (116،506)، والنسائى فى قيام الليل (3/ 222)، والإمام أحمد فى المسند (6/ 169)، ثلاثتهم من طريق عثمان بن أبى سليمان به فذكره.

269 -

إسناده صحيح: رواه الترمذى فى المواقيت (425) بسنده ومتنه سواء، وقال حديث ابن عمر حديث صحيح، ورواه أحمد فى المسند (2/ 6)، من طريق إسماعيل بن إبراهيم به فذكره.

(1)

النسائى فى سننه (3/ 198)، والإمام أحمد فى مسنده (5/ 186)، وذكره فى التاريخ الكبير (1/ 292).

ص: 398

270 -

حدثنا أحمد بن منيع، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، حدثنا أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، قال ابن عمر: وحدثتنى حفصة:

«أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلّى ركعتين حين يطلع الفجر وينادى المنادى» .

قال أيوب: أراه قال: «خفيفتين» .

ــ

270 -

(وحدثتنى) الواو عاطفة على محذوف أى حدثتنى غير حفصة وحدثتنى حفصة، وهذا أولى من دعوى زيادتها. (ركعتين حين يطلع الفجر) هما سنة. (قال:

خفيفتين) صح ذلك من طرق فى الصحيحين وغيرهما فيسن تخفيفهما اقتداء به صلى الله عليه وسلم، والحديث المرفوع فى تطويلهما من مرسل سعيد بن جبير على أن فيه راويا لم يسمّ، فلا حجة فيه لمن قال: يندب تطويلهما ولو لمن فاته شىء من قراءته فى صلاة الليل أو إن صح ذلك عن الحسن البصرى ولا ينافى ذلك ما فى مسلم «كان صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يقرأ فى الأولى: قُولُوا آمَنّابِاللهِ وَماأُنْزِلَ إِلَيْناآية البقرة، وفى الثانية: قُلْ ياأَهْلَ اَلْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَناآية آل عمران» (1) لأن المراد بتخفيفهما عدم تطويلهما على الوارد فيهما، حتى لو قرأ الشخص فى الأولى آية البقرة وأَ لَمْ نَشْرَحْ. . .، والكافرون، وفى الثانية: آية آل عمران، وأَ لَمْ تَرَ كَيْفَ. . .، والإخلاص لم يكن مطولا تطويلا يخرج به عن حد السنة والاتباع، وروى أبو داود «أنه قرأ فى الثانية:

رَبَّناآمَنّابِماأَنْزَلْتَ وَاِتَّبَعْنَا اَلرَّسُولَ فَاكْتُبْنامَعَ اَلشّاهِدِينَ، وإِنّاأَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ اَلْجَحِيمِ» (2) فيسن الجمع بينهما ليتحقق الإتيان بالوارد أخذا مما قاله النووى فى «إنى ظلمت نفسى ظلمت كثيرا» ، والاعتراض عليه فى هذا رددته فى حاشية الإيضاح فى مبحث الدعاء يوم عرفة، وروى مسلم وغيره:«قرأ فيهما سورة الإخلاص» وصح: «نعم السورتان يقرأ بهما فى ركعتى الفجر: قُلْ ياأَيُّهَا

270 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى أبواب الصلاة (433)، بسنده ومتنه سواء، وقال: حسن صحيح. والبخارى فى الأذان (618)، وفى التهجد (1173،1181)، ومسلم فى صلاة المسافرين (87،90، 500)، والنسائى فى المواقيت (1/ 283)، والإمام أحمد فى المسند (6/ 45) من طرق عن نافع عن ابن عمر عن حفصة نحوه.

(1)

أخرجه مسلم فى صحيحه (99،100) والنسائى فى سننه (2/ 155).

(2)

أبو داود فى سننه (1260).

ص: 399

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

اَلْكافِرُونَ. . .، وقُلْ هُوَ اَللهُ أَحَدٌ. . .، وكان يقرأ بهما فى الوتر أيضا» (1) وعن على رضى الله عنه «كان يوتر بثلاث يقرأ فيهن تسع سور من المفصل يقرأ فى كل ركعة بثلاث سور آخرهن قُلْ هُوَ اَللهُ أَحَدٌ. . .» (2) رواه المصنف، وعن ابن عباس «كان يقرأ فى الوتر سَبِّحِ اِسْمَ رَبِّكَ اَلْأَعْلَى. . .، وقُلْ ياأَيُّهَا اَلْكافِرُونَ. . .، وقُلْ هُوَ اَللهُ أَحَدٌ. . . فى كل ركعة» (3) وعن عائشة «كان يقرأ فى الوتر: سَبِّحِ اِسْمَ رَبِّكَ اَلْأَعْلَى. . .، وفى الثانية ب قُلْ ياأَيُّهَا اَلْكافِرُونَ. . .، وفى الثالثة: ب قُلْ هُوَ اَللهُ أَحَدٌ. . . والمعوذتين» (4) رواه أبو داود والمصنف، وحكمة إيثاره سورة الإخلاص:

جمعها لتوحيد العلم والإيمان وتوحيد المعرفة والإرادة، وتوحيد الاعتقاد، ف قُلْ هُوَ اَللهُ أَحَدٌ. . . متضمنة للتوحيد العلمى والاعتقادى، لاشتمالها على ما يجب إثباته له تعالى من الأحدية والصمدية المثبتة له بجميع صفات الكمال الذى لا يلحقه نقص، ومن نفى الولد والوالد والكفؤ، المتضمن لنفى الشبيه والنظير فتضمنت إثبات أكمل كمال له، ونفى كل نقص عنه، ونفى كل شبيه، وهذه هى مجامع التوحيدين المذكورين، ومن ثمة عدلت ثلث القرآن، إذ هو إما إنشاء وهو أمر ونهى وإباحة، وهذا ثلث، وإما خبر: وهو عن الخلق وهو ثلث ثان، أو عن الخالق وصفاته وأحكامه، وهو ثلث ثالث مندرج فى سورة الإخلاص فلذا عدلت ثلث القرآن، وخلصت قارئها [المؤمن بها](5) من الشرك العلمى، كما خلصته سورة قُلْ ياأَيُّهَا اَلْكافِرُونَ. . . من الشرك العملى.

(1) أخرجه مسلم فى صحيحه (98)، وأبو داود فى سننه (1423)، والنسائى فى سننه (2/ 155)، والترمذى فى سننه (462،463).

(2)

الترمذى فى سننه (462)، والنسائى فى سننه (2/ 155).

(3)

الترمذى فى سننه (462).

(4)

أبو داود فى سننه (1423)، الترمذى (463)، والنسائى (2/ 155).

(5)

الزيادة من (ش).

ص: 400

271 -

حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا مروان بن معاوية الفزارى، عن جعفر بن برقان، عن ميمون بن مهران، عن ابن عمر، قال:

«حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانى ركعات: ركعتين قبل الظّهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء» .

قال ابن عمر: «وحدّثتنى حفصة بركعتى الغداة، ولم أكن أراهما من النّبىّ صلى الله عليه وسلم» .

ــ

271 -

(عن ابن عمر. . .) إلخ رواه عنه أيضا البخارى لكن بزيادة ولفظه كان يصلى قبل الظهر ركعتين وبعدها ركعتين وبعد المغرب ركعتين فى بيته وبعد صلاة العشاء ركعتين فكان لا يصلى بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلى فى بيته ركعتين. (قال) وأخبرتنى حفصة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سكت المؤذن من الأذان لصلاة الصبح وبدا له صلاة الصبح صلى ركعتين خفيفتين قبل أن تقام الصلاة فهذه عشر ركعات، لأن ركعتى الجمعة البعدية مع ركعتى الظهر البعدية لا يجتمعان إلا لعارض بأن تصلى الجمعة وسنتها البعدية فتبين له فسادها فيصلى الظهر وسنتها البعدية. (بركعتى الغداة) أى الفجر. (ولم أكن. . .) إلخ لأنه صلى الله عليه وسلم كان يفصلهما دائما، أو غالبا عند أهله قبل خروجه بخلاف بقية الرواتب، فإنه ربما كان يفعلها فى المسجد على أن المصنف والنسائى رويا عنه:«رمقت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا فكان يقرأهما» (1) أى: سورة الكافرون والإخلاص فى ركعتى الفجر ومن ثمة استدل بعضهم به على الجهر بالقراءة فيهما، وأجيب: بأنه لا حجة له فيه لاحتمال أنه عرف ذلك بقراءته بعض السورة على أنه صح عن عائشة «أنه كان يسر فيهما بالقراءة» (2) وهذا كله صريح فى أنه رأى النبى صلى الله عليه وسلم يصليهما فينافى رواية المصنف فى هذا الكتاب أنه لم يره يصليهما، وروى الشيخان وغيرهما عن عائشة «لم يكن النبى

271 - إسناده صحيح: تفرد به المصنف من هذا الطريق ورجاله ثقات، ورواه فى أبواب الصلاة (433)، والبخارى فى التهجد (11180)، والإمام أحمد فى مسنده (2/ 51،99)، من طرق عن ابن عمر بلفظ:«حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر ركعات. . .» .

(1)

أخرجه: الترمذى فى سننه (417)، قال أبو عيسى: حديث ابن عمر حديث حسن وابن عدى فى الكامل (7/ 190).

(2)

أخرجه الإمام أحمد فى مسنده (6/ 184،238).

ص: 401

272 -

حدثنا أبو سلمة: يحيى بن خلف، حدثنا بشر بن المفضل، عن خالد

ــ

صلى الله عليه وسلم على شىء من النوافل أشد تعاهدا منه على ركعتى الفجر» (1) ولمسلم «لهما أحب إلىّ من الدنيا جميعها» (2) ومن ثمة قال أئمتنا: إنها أفضل من سائر الرواتب بعد الوتر وإن اختلف فى وجوبه ووجوبهما، لأن أدلة وجوبه أظهر، وروى الشيخان «أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى ركعتى الفجر اضطجع على شقة الأيمن» (3) فسن هذه الضجعة بين سنة الفجر وفرضه لذلك، وأمره بها رواه أبو داود وغيره بسند لا بأس به، خلافا لمن نازع فيه وهو صريح فى ندبها لمن بالمسجد وغيره خلافا لمن خص ندبها بالبيت، وقول ابن عمر: إنها بدعة، وقول النخعى: إنها ضجعة الشيطان، وإنكار ابن مسعود لها، فهو لأنه لم يبلغهم ذلك، وحكمتها: الراحة والنشاط لصلاة الصبح، وأقول: لها حكمة أخرى أظهر من ذلك، وهو أن فاعلها يتذكر بها ضجعة القبر فيحمله استحضار ذلك فى أول نهاره على أن يستغرقه بالطاعة، أو يقل فيه من المخالفة ويؤيد ذلك: أنه لا فرق عندنا فى ندبها بين المتهجد وغيره، وقول ابن العربى: تختص بالتهجد ضعيف، ولا حجة له فى خبر عائشة «لم يضطجع لسنته ولكنه كان يدأب ليلته فليستريح» لأن فى سنده مجهولا وقد أفرط ابن حزم فى قوله بوجوبها على كل أحد وأنها شرط لصحة صلاة الصبح، واعلم أنا وإن قلنا إنها سنة لكن يحصل أصل تلك السنة بكل فصل بين سنة الفجر وفرضه بنحو مشى أو كلام.

272 -

(قبل الظهر. . .) إلخ هذه العشرة هى السنن الرواتب المؤكدة، لأنه صلى الله عليه وسلم كان

272 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى أبواب الصلاة (436) بسنده ومتنه سواء، وقال: حديث حسن صحيح، ورواه مسلم فى صلاة المسافرين (105،504)، وأبو داود فى الصلاة (1251)، والإمام أحمد فى المسند (6/ 30،216)، من طرق عن خالد الحذاء عن عبد الله بن شقيق به فذكره إلا أنه قال:«قبل الظهر أربعا» وهو المحفوظ.

(1)

أخرجه البخارى (1163)، ومسلم (94)، وأبو داود فى سننه (1254).

(2)

أخرجه مسلم فى صحيحه (97)، والإمام أحمد فى مسنده (6/ 149) بنحوه.

(3)

أخرجه البخارى فى صحيحه (1160)، وأبو داود (1261) بنحوه والنسائى (3/ 252، 253)، وابن ماجه (1198،1199)، والموطأ (8)، والإمام أحمد (2/ 173)، (6/ 34،35، 49،74،83،85،88،143،168،183،215،248،254)، والبيهقى (3/ 45)، والدارمى (1/ 337).

ص: 402

الحذاء، عن عبد الله بن شقيق، قال: سألت عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت:

«كان يصلّى قبل الظّهر ركعتين، وبعدها ركعتين، وبعد المغرب ثنتين، وبعد العشاء ركعتين، وقبل الفجر ثنتين» .

ــ

يداوم عليهن كما يعلم مما مر، ومما يأتى فى بعضهن وينافى الباقى على أن كان هذه الرواية، ورواية البخارى السابقة تقتضى التكرار، وهو ما صححه ابن الحاجب آخذا من قولهم: كان حاتم يكرم الضيف لكن الذى صححه الفخر الرازى، وقال النووى: إنه المختار الذى عليه الأكثرون والمحققون من الأصوليين: أنها لا تقتضيه لغة ولا عرفا، وقال ابن دقيق العيد: إنها تقتضيه عرفا، وبقيت رواتب أخرى، لكنها لم تتأكد تأكد تلك، وهى ركعتان أيضا لخبر مسلم عن عائشة «كان يصلى فى بيته قبل الظهر أربعا» (1) بل روى الشيخان «كان لا يدع أربعا قبل الظهر» (2) وهذا نص فى تأكد الأربعة وح فيشكل على جعل أئمتنا المتأكد منهن ثنتين فقط لكن يحتمل أن تلك الأربعة، لم تكن سنة الظهر بل صلاة مستقلة كان يصليها بعد الزوال، كما سيأتى أحاديثها، وبهذا يعلم أنه لا تنافى بين ما صح عن ابن عمر «صليت مع النبى صلى الله عليه وسلم ركعتين قبل الظهر وركعتين بعدها» ، وعن عائشة «كان لا يدع أربعا قبل الظهر» فالأول: فى سنة الظهر، والثانى:

فى سنة الزوال، أو الأول فيما إذا صلى فى المسجد والثانى: فيما إذا صلى فى بيته قيل: وهذا أظهر وركعتان بعدها، والجمعة مثلها قبلا وبعدا فى الثنتين والأربع، خلافا لمن نازع فى ذلك من أئمتنا، وإن طال فيه، وروى البزار:«كان يصلى قبل الجمعة وبعدها أربعا» (3) وهو وإن كان ضعيفا يعمل به هنا، وصح:«ما من صلاة مفروضة، إلا وبين يديها ركعتان» (4) وأربعا قبل العصر، وركعتان قبل المغرب، وسيأتيان، وركعتان قبل العشاء، وركعتان بعد المغرب، ندب الوصل بينهما وبين الفرض، وإن لم أر من

(1) أخرجه مسلم فى صحيحه (105). وذكره فى الإتحاف (3/ 340،5/ 145).

(2)

أخرجه البخارى فى صحيحه (1182)، وأبو داود (1253)، والنسائى فى سننه (3/ 251)، والإمام أحمد فى مسنده (6/ 63،148)، والبيهقى (2/ 472)، وشرح السنة (3/ 447).

(3)

أخرجه ابن أبى شيبة فى مصنفه (2/ 40،41،42)، وذكره فى الإتحاف (3/ 276).

(4)

رواه الدار قطنى فى سننه (1/ 267)، وذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (2/ 231)، وعزاه إلى الطبرانى فى الكبير والأوسط وفيه سويد بن عبد العزيز وهو ضعيف، وفى الكنز (19335).

ص: 403

273 -

حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا محمد بن جعفر، عن شعبة، عن أبى إسحاق. قال: سمعت عاصم بن ضمرة يقول: سألنا عليا رضى الله عنه عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من النهار، قال: قال:

«إنّكم لا تطيقون ذلك.

قال، قلنا: من أطاق منّا ذلك صلّى.

فقال: كان إذا كانت الشّمس من هاهنا، كهيئتها من هاهنا عند العصر صلّى ركعتين. وإذا كانت الشمس من هاهنا، كهيئتها من هاهنا عند الظّهر صلّى أربعا، ويصلّى قبل الظّهر أربعا وبعدها ركعتين، وقبل العصر أربعا يفصل بين كلّ ركعتين بالتّسليم على الملائكة المقرّبين والنّبيّين ومن تبعهم من المؤمنين والمسلمين».

ــ

ذكره لخبر رزين: «من صلى بعد المغرب ركعتين قبل أن يتكلم-أى بغير الذكر الوارد كما هو ظاهر-رفعت صلاته فى عليين» (1). (وركعتين بعد العشاء) وهو ما فى مسلم عن عائشة والصحيحين عن ابن عمر، لكن روى أبو داود عنها. «ما صلى صلى الله عليه وسلم العشاء قط فدخل بيتى إلا صلى أربع ركعات أو ست ركعات» (2).

273 -

(من النهار) أى عن كيفية نوافله التى كان يفعلها فيه، ولما فهم صلى الله عليه وسلم أن سؤالهم عنها للاقتداء به لا لمجرد العلم بها. (قال: إنكم لا تطيقون ذلك) أى من حيث الدوام والملازمة، سيما مع ما يصحب ذلك من الخضوع والخشوع. (صلى ركعتين) هما سنة الضحى، وسيأتى الكلام فيها. (وقبل العصر أربعا) لا ينافيه خبر أبى داود عن على رضى الله عنه أيضا:«كان يصلى قبل العصر أربعا» لا ينافى خبر أبى داود عن على

273 - إسناده حسن: عاصم بن ضمرة: صدوق (التقريب 3063)، ورواه الترمذى فى أبواب الصلاة (424)، (429)، (598)، (599)، والنسائى فى الإمامة (2/ 120)، وفى السنن الكبرى (470)، (1/ 178)، وابن ماجه فى الإقامة (1161)، وأحمد فى المسند (1/ 85،143،147، 160)، وعبد الله بن أحمد فى الزوائد على المسند (1/ 142،143،146)، وابن خزيمة فى صحيحه (1211)، كلهم من طرق عن أبى إسحاق به فذكره نحوه.

(1)

ذكره فى المشكاة (1184)، وقال: مرسلا.

(2)

رواه أبو داود فى سننه (1303).

ص: 404

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أيضا «كان يصلى قبل العصر ركعتين» (1) لاحتمال أنه كان تارة يصلى أربعا، وتارة ثنتين، وورد:«رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعا» (2) واعلم أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلى ركعتين بعد العصر، وفى الصحيحين عن عائشة «ما تركهما بعد العصر عندى قط» (3) وفى مسلم عنها «كان يصليهما قبل العصر، ثم شغل عنهما ونسيهما فصلاهما بعد العصر، ثم نسيهما، وكان إذا صلى صلاة أثبتها» (4) أى داوم عليها، وفى أبى داود عنها «كان يصليهما وينهى عنهما» (5) وهو صريح فى أنه من خصوصياته لكن الذى اختص به إنما المداومة عليها لا أصل القضاء، وقول ابن عباس: إنه صلاهما مرة ولم يعدهما أخرى بحسب علمه لما مر عن عائشة من إثبات المداومة عليهما والمثبت مقدم وكذا قول أم سلمة صلاهما فى بيتى مرة واحدة وفى رواية عنها «لم أره يصليهما قبل ولا بعد» (6) ثم هاتان هما سنة الظهر البعدية شغل عنها بقسمة مال كما رواه المصنف وبإسلام جماعة من عبد القيس ولا مانع لاحتمال الاشتغال بكل منهما، وأما ما مر عن مسلم من أنهما اللتان قبل العصر فيمكن حمله على أنه كان يقضى اللتين قبل العصر أولا ثم شغل عنهما قبله أيضا فقضاهما بعده، واستمر على ذلك ومذهبنا ندب ركعتين خفيفتين قبل المغرب لما فى الصحيحين عن أنس أن الصحابة كانوا يصلونهما قبله زاد أبو داود «رآنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يأمرنا ولم ينهنا» وهو لكونه شيئا مقدم على قول ابن عمر ما رأيت أحدا يصليهما على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى أبو داود «صلوا قبل المغرب ركعتين لمن شاء» خشيته أن يتخذها الناس سنة، أى: طريقة لازمة ولم يرد نفى ندبهما إذ لا يمكن الأمر بما لا يندب ودعوى النسخ لا دليل عليها وإنهما يخرجان المغرب عن أول وقتها فاسدة لمنابذتها للسنة مع أن زمنها يسير لا يفوت أول الوقت. (يفصل بين كل ركعتين) أى أن الأفضل فى صلاة النهار أن يسلم منها من كل ركعتين بالتسليم وخير صلاة الليل

(1) رواه أبو داود (1272).

(2)

رواه أبو داود (1271)، والترمذى (430)، والبغوى فى شرح السنة (893)، والبيهقى (2/ 473)، وأحمد فى مسنده (2/ 117)، وابن خزيمة فى صحيحه (1193).

(3)

رواه البخارى (591)، ومسلم (835)، والدارمى (1/ 334).

(4)

رواه مسلم (835)، والنسائى (1/ 281).

(5)

رواه أبو داود (1273)، بهذا المعنى ولم أجده بنفس اللفظ.

(6)

رواه النسائى (1/ 282).

ص: 405

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مثنى مثنى يحمل على أن الليل أولى بذلك وأفضل لا أنه خاص به. (بالتسليم. . .) إلخ قيل: أى فى التشهد وسمى تسليما لاشتماله عليه ويؤيده الخبر المتفق عليه أنهم كانوا يقولون فى تشهدهم: السلام على الله قبل عباده السلام على خير أهل السلام على ميكائيل السلام على فلان وفيه نظر ولفظ الحديث ينافى ذلك وإنما المراد بالتسليم فيه تسليم التحليل من الصلاة فيسن للمسلم منها أن ينوى بقوله السلام عليكم من على يمينه ويساره وخلفه وأمامه من الملائكة ومؤمنى الإنس والجن وأن يلتفت حتى يرى بياض خده وأن يسلم تسليمتين لخبر مسلم وغيره كان صلى الله عليه وسلم يسلم عن يمينه وعن يساره حتى يرى بياض خده وروى المصنف: كان يسلم عن يمينه ويساره السلام عليكم ورحمة الله، وقد روى التسليمتين عنه خمسة عشر صحابيا وخبر كان يسلم تسليمة واحدة تلقاء وجهه الذى أخذ به مالك وطائفة لم يثبت من وجه صحيح وخبر عائشة «كان يسلم تسليمة واحدة، السلام عليكم، يرفع بها صوته حتى يوقظنا» معلول أيضا وإن كان فى السنن على أن غاية ما فيه أنه ساكت عن التسليمة الثانية إذ لم يصرح فى حكمها بشىء، وعلى التنزل فهو فى صلاة الليل، والذين رووا التسليمتين، رووا ما شاهدوه فى الفرض والنفل، فهم أولى بالاعتماد، وعلى فرض التساوى فالجمع بأنه: قد كان يترك الثانية متعين.

***

ص: 406