المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌36 - باب: ما جاء فى صفة مزاح رسول الله صلى الله عليه وسلم - أشرف الوسائل إلى فهم الشمائل

[ابن حجر الهيتمي]

فهرس الكتاب

- ‌تصدير

- ‌مقدمة التحقيق

- ‌وقد اعتمدت فى شرح الكتاب على النسخ الآتية:

- ‌1 - النسخة الأصل:

- ‌2 - النسخة الثانية:

- ‌3 - النسخة الثالثة:

- ‌منهج التحقيق

- ‌ترجمة المصنف

- ‌ اسمه ونسبه:

- ‌ مولده:

- ‌ نشأته العلمية ورحلاته:

- ‌ مشايخه

- ‌ تلامذته:

- ‌ مؤلفاته:

- ‌فالمطبوع منها حسب علمنا الكتب التالية:

- ‌أما المخطوطات:

- ‌ عقيدته:

- ‌ مكانته العلمية وثناء العلماء عليه:

- ‌ وفاته:

- ‌ترجمة موجزة لمصنف الشمائل

- ‌ جواهر الدّرر في مناقب ابن حجر

- ‌تنبيهبيان المقصود بالرموز الواردة بالشرح

- ‌1 - باب: ما جاء فى خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌2 - باب: ما جاء فى خاتم النبوة

- ‌3 - باب: ما جاء فى شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌4 - باب: ما جاء فى ترجّل رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌5 - باب: ما جاء فى شيب رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌6 - باب: ما جاء فى خضاب رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌7 - باب: ما جاء فى كحل رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌8 - باب: ما جاء فى لباس رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌9 - باب: ما جاء فى عيش رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌10 - باب: ما جاء فى خف رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌11 - باب: ما جاء فى نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌12 - باب: ما جاء فى ذكر خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌13 - باب: ما جاء فى تختم رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌14 - باب: ما جاء فى صفة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌15 - باب: ما جاء فى صفة درع رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌16 - باب: ما جاء فى صفة مغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌17 - باب: ما جاء فى عمامة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌18 - باب: ما جاء فى صفة إزار رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌19 - باب: ما جاء فى مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌20 - باب: ما جاء فى تقنع رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌21 - باب: ما جاء فى جلسته صلى الله عليه وسلم

- ‌22 - باب: ما جاء فى تكأة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌23 - باب: ما جاء فى اتكاء رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌24 - باب: ما جاء فى أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌25 - باب: ما جاء فى صفة خبز رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌26 - باب: ما جاء فى إدام رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌27 - باب: ما جاء فى صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الطعام

- ‌28 - باب: ما جاء فى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الطعام، وبعد الفراغ منه

- ‌29 - باب: ما جاء فى قدح رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌30 - باب: ما جاء فى صفة فاكهة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌31 - باب: ما جاء فى صفة شراب رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌32 - باب: ما جاء فى شرب رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌33 - باب: ما جاء فى تعطر رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌34 - باب: كيف كان كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌35 - باب: ما جاء فى ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌36 - باب: ما جاء فى صفة مزاح رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌37 - باب: ما جاء فى صفة كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم «فى الشعر»

- ‌38 - باب: ما جاء فى كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم «فى السّمر»

- ‌39 - باب: ما جاء فى صفة نوم رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌40 - باب: ما جاء فى عبادة النبى صلى الله عليه وسلم

- ‌41 - باب: صلاة الضحى

- ‌42 - باب: صلاة التطوع فى البيت

- ‌43 - باب: ما جاء فى صوم رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌44 - باب: ما جاء فى قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌45 - باب: ما جاء فى بكاء رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌46 - باب: ما جاء فى فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌47 - باب: ما جاء فى تواضع رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌48 - باب: ما جاء فى خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌49 - باب: ما جاء فى حياء رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌50 - باب: ما جاء فى حجامة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌51 - باب: ما جاء فى أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌52 - باب: ما جاء فى عيش رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌53 - باب: ما جاء فى سن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌54 - باب: ما جاء فى وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌55 - باب: ما جاء فى ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌56 - باب: ما جاء فى رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم

الفصل: ‌36 - باب: ما جاء فى صفة مزاح رسول الله صلى الله عليه وسلم

‌36 - باب: ما جاء فى صفة مزاح رسول الله صلى الله عليه وسلم

227 -

حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا أبو أسامة، عن شريك، عن الأحول،

ــ

(باب ما جاء فى مزاح) بكسر الميم مصدر مازح فهو بمعنى المازحة كالقتال بمعنى المقاتلة، وهو الانبساط مع الغير من غير إيذاء له وبه فارق اللهو والسخرية. (رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل: الأنسب الترجمة بباب كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المزاح، وأنه لا يفصل بينه وبين باب كيف كان كلام رسول الله بباب الضحك. انتهى، وليس كما زعم هذا القائل لأن مزاحه صلى الله عليه وسلم وقع بغير الكلام أيضا كما يأتى فى احتضائه لزاهر فتعين حذف كلام، وسر الفصل أن المزاح يتولد عنه الضحك غالبا فناسب ذكر الضحك ثم ذكر بعض أسبابه، اعلم أنه صلى الله عليه وسلم كان مع أهله وأصحابه وغيرهم، ومع الغريب والقريب على غاية من سعة الصدر، ودوام البشر، وحسن الخلق، وإفشاء السلام، والبدار به من لقيه، والوقوف مع من يستوقفه والمشى مع من أخذ بيده حتى من الولدان والإماء، والمزاح بالحق مع الصغير والكبير أحيانا، وإجابة الداعى ولين الجانب حتى يظن كل أحد من أصحابه أنه أحبهم إليه، وهذا لميدان (1) ليس فيه إلا واجب أو مستحب، ولو لم يكن من مباستطه إلا أن الاستضاءة بنور هدايته والاقتداء به فى ذلك وتألفهم، حتى يزول ما عندهم من هيبته فيقدرون على الاجتماع عليه والأخذ عنه، كما يأتى تحقيقه وبسطه لكان ذلك هو الغاية العظمى فى الكمال، فكيف وقد انضم لذلك من عظيم البشرى ما تسمع بعضه، ومنه: أنه مج مجة فى وجه محمود بن الربيع وهو ابن خمس سنين يمازحه بها، فكان فيها من البركة أنه لما كبر لم يبق فى ذهنه من الروايات غيرها فعدّ بها من الصحابة، ونضح الماء فى وجه بنت أم سلمة فلم يزل رونق الشباب فى وجهها، وهى عجوز كبيرة.

327 -

(يعنى يمازحه) أى كرامة منه صلى الله عليه وسلم وتلطفا به حيث سماه بغير اسمه مما قد

227 - إسناده ضعيف: فيه شريك القاضى: ضعيف لسوء حفظه بعد توليته القضاء رواه الترمذى فى البر والصلة (1994)، وفى المناقب (3828)، وأبو داود فى الأدب (5200)، وأحمد فى المسند (3/ 127،260)، والطبرانى فى الكبير (1/ 211)، والبيهقى فى السنن (10/ 248)، كلهم من طرق عن شريك به فذكره نحوه.

(1)

فى (أ) ميزان.

ص: 327

عن أنس بن مالك قال:

إنّ النّبىّ صلى الله عليه وسلم قال له: «يا ذا الأذنين» .

قال محمود: قال أبو أسامة: يعنى يمازحه.

228 -

حدثنا هناد، حدثنا وكيع، عن شعبة، عن أبى التياح، عن مالك، قال:

«إن كان النّبىّ صلى الله عليه وسلم ليخالطنا، حتّى يقول لأخ لى صغير: يا أبا عمير ما فعل النّغير؟» .

ــ

يوهم أنه ليس له من الحواس إلا الأذنان، وإن كان المقصود به المزاح فإنه سمعه يعى ما وصل إليه، فينقاد له ويعمل بمقتضاه، وقيل: معناه الحث على حسن الاستماع والوعى لما يقال لا المزاح، لأن السمع بحاسة الأذن، ومن خلق الله له أذنين سميعتين كان ذلك أدعى لحفظه ووعيه جميع ما يسمعه.

328 -

(التياح) بفوقية مفتوحة فتحتية مشددة ثم حاء مهملة. (عن أنس) وأخرج حديثه بهذا الشيخان بلفظ: «كان صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا» وكان لى أخ يقال له أبو عمير وكان له نغير يلعب به فمات فدخل على النبى صلى الله عليه وسلم فرآه حزينا فقال: ما شأنه؟ فقالوا:

مات نغيره فقال: يا أبا عمير ما فعل النغير؟»، (إن) مخففة من الثقيلة أى إنه، (ليخالطنا) أى أنسا وأهل بيته. (حتى) غائية انتهت مخالطته فيهم كلهم حتى الصبى، وحتى الملاعبة معه، وحتى السؤال عن فعل النغير. (لأخ لى) أى لأمه. (عمير) قيل:

تصغيرا لعمر بالإشارة إلى أنه يعيش قليلا وبه يندفع الأخذ منه أنه يجوز تكنية الصغير بأبى فلان وأن يتصور منه الإيلاد، وفيه: اندفاعه من باب أبى الفضيل مما تقرر: أن عميرا تصغير عمر لا أنه اسم شخص آخر، انتهى ملخصا، وفيه نظر، ومن أين له

228 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى الصلاة (333)، وفى البر (1989)، ورواه البخارى فى الأدب (6129)، وأبو داود (4969)، وأحمد فى المسند (3/ 115،119،171،188،190،101،212، 222)، وابن ماجه (273)(3720) والنسائى فى عمل اليوم والليلة (332،333،334)، وابن أبى شيبة فى المصنف (1/ 400)، (9/ 14)، والبغوى فى شرح السنة (1/ 347)، (7/ 309)، (13/ 179)، والبيهقى فى دلائل النبوة (1/ 313)، وأبو الشيخ فى أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم (ص 32)، وأبو نعيم فى الحلية (7/ 162،310)، كلهم من طرق عن أنس رضى الله عنه به فذكره نحوه.

ص: 328

قال أبو عيسى: وفقه هذا الحديث: أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يمازح. وفيه: أنه كان غلاما، فقال له:«يا أبا عمير» .

وفيه: أنه لا بأس أن يعطى الصبى الطير ليلعب به وإنما قال له النبى صلى الله عليه وسلم: «يا أبا عمير، ما فعل النغير؟» لأنه كان له نغير يلعب به، فمات، فحزن الغلام عليه، فمازحه النبى صلى الله عليه وسلم فقال:«يا أبا عمير، ما فعل النغير؟» .

ــ

الجزم بأن عمير تصغير عمر وليس بعلم، مع أن المشهور أنه علم متعارف كثيرا، وح صح الأخذ ولم يندفع بما ذكر فتأمله. (النغير) بنون فمعجمة تصغير النغير جمع نغرة كبرة، وهو طائر كالعصفور. (ما فعل النغير) أى ما شأنه وحاله؟ (وفيه أنه كنى. . .) إلخ أى فلا يدخل ذلك فى باب الكذب، لأن القصد من الكنية التعظيم والتعادل لاحق فيه اللفظ من إثبات أبوه أو بنوه للصغر قال البغوى: وفيه جواز السجع فى الكلام، والنهى عنه، محمول على ما فيه تكلف. (لا بأس. . .) إلخ قيل يؤخذ منه: أن صيد المدينة مباح بخلاف صيد مكة اه وهو غلط، وأى دلالة على ذلك، فإن ذلك الطير من أين فى الحديث أنه اصطيد فى الحرم، وليس احتمال اصطياد فيه، أولى من احتمال اصطياده خارجه، وفيه أيضا: أنه لا بأس بحبس الطير فى القفص لرؤية لونه، أو سماع صوته واللعب المباح به، إذا قام بمؤنته وإطعامه على ما ينبغى، ولا بأس بتصغير الأسماء، والترفق، والتلطف، ولا بالدعابة والمزاح ما لم يكن إثما، وجواز دخول بيت به امرأة أجنبية إذا كان هناك مانع خلوة من نحو امرأة أخرى معها، وهما ثقتان يخشهما أو أحدهما، وإلا حرمت خلوة الرجل بها، أو محرم، وإن كان مراهقا، أو أعمى، على بحث فيهما بينته فى حاشية مناسك النووى وغيرها، وفى أخذ هذا من الحديث نظر، لأنه صلى الله عليه وسلم كان بالنسبة للنساء كالمحرم، فكان يجوز له الخلوة بهن، بل قال أئمتنا: إن سفيان وغيره كانوا يزورون رابعة ويجلسون إليها، قالوا: فلو وجدنا رجلا مثل سفيان وامرأة مثل رابعة أبحنا له الخلوة بها للأمن من المفسدة والفتنة، ح ويوجه: بأنه لا يشترط تحقق الأمن، بل يكفى مظنته ألا ترى أنهم جوزوا خلوة رجل بامرأتين دون عكسه؟ مع أنه قد يختلى بهما، وتقع منه الفاحشة فيهما أو فى أحدهما، لكنه بعيد، إذ المرأة تستحى من مثلها ويبعد وقوع الفاحشة منها بحضرتها بخلاف الرجل فعلمنا أن الشرط المظنة دون التحقق، وهو صلى الله عليه وسلم متحقق منه الأمن فهو كالمحرم النسبة إلى سائر

ص: 329

229 -

حدثنا عباس بن محمد الدورى، أنبأنا على بن الحسن بن شقيق، أنبأنا عبد الله بن المبارك، عن أسامة بن زيد، عن سعيد المقبرى، عن أبى هريرة، قال:

«قالوا: يا رسول الله إنّك تداعبنا. قال: إنّى لا أقول إلا حقا» .

ــ

النساء، وجواز سؤال الإنسان عما السائل بما لم بحاله تعجبا منه، وكمال خلقه صلى الله عليه وسلم، وعطفه ورأفته، وتواضعه، وأن رعاية الضعفاء ومزيد التآنس بهم والتلطف بهم وإدخال السرور عليهم من مكارم الأخلاق المطلوبة المندوبة، وقوله:(ليلعب به) استشكل بأنه تعذيب للحيوان، وقد صح النهى عنه إلا لأكله، ويرد بمنع كون مجرد لعبه به تعذيبا له، بل ربما يكون فيه رفق بالطير بكون الصبى مبالغ فى إكرامه وإطعامه فى مقابلة لعبه وإعجابه به وقوله:(فمازحه) أى باسطه بذلك لتسلية ما حصل من الحزن الشديد على عادة الصغار إذا فات عليهم ما يلعبون به، وكأن هذا الصغير كان له قوة ذكاء وفطنة، فلذا خاطبه صلى الله عليه وسلم بذلك لذلك، وهذا الذى قررته أصوب مما قيل، ذكره على وجه المباسطة فيه ما يغضبه ويؤلمه، وإن كان فيه تجديد حزنه ليوطنه عليه ويسليه إياه، ويحتمل أن يراد بالنغير نفس أبى عمير، ويكون تصغير نغير بمعنى الممتلئ من الغضب، يعنى:(يا أبا عمير). (ما فعل) الممتلئ من الغضب من موت نغيره انتهى، وهو كلام غير ملائم الأطراف إذ كيف يلتئم عند المباسطة ذكر الغضب المؤلم الموجب لتجديد الحزن، وأيضا كيف يلتئم ذكره هذه الأشياء لمجرد التسلية عليها، وإنما المسلى هو الدعاء والأمر بالصبر ونحوهما، كما يصرح به كلام الأئمة فى حكمة ندب التعزية ومعناها، وقوله يحتمل، اه فى غاية الركاكة والغرابة، واستعمال النغير فى خلاف مدلوله، فلا يلتفت لهذا الاحتمال، ولا يعول عليه.

229 -

(إنك تداعبنا) من المداعبة بدلل وغيره محلقين، فى القول بالمزاح وغيره،

229 - إسناده حسن لغيره: رواه الترمذى فى البر والصلة (1990)، بسنده ومتنه سواء، ورواه أحمد فى المسند (2/ 360)، من طريق ابن المبارك به فذكره، قلت: وفى الإسناد: أسامة بن زيد الليثى، قال فيه الحافظ: صدوق يهم. ورواه البخارى فى الأدب المفرد (265)، عن ابن عجلان إلا أنه قال: عن أبيه أو سعيد (شك)، وفيه عبيد الله بن صالح-كاتب الليث بن سعد-وهو ضعيف، وفى السنن (5/ 203)، (10/ 248)، وأبو الشيخ فى أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم (ص 32)، وأبو نعيم فى الحلية (7/ 162،310)، وأبو عوانة فى المسند (2/ 72)، جميعهم من طرق عن أنس بن مالك رضى الله عنه.

ص: 330

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وكأنهم قصدوا بذلك، إما السؤال عن المداعبة هل هى من خواصه، فلا يتكلمون به؟ فبين لهم أنها ليست من خواصه، وأن جوازها منوط بقول الحق، وأما استبعادهم وقوع المزاح منه صلى الله عليه وسلم لجليل مكانته، وعظم مرتبته، فكأنهم سألوه عن حكمته فأجابهم، وهذا أولى من قول الطيبى، فكأنهم أنكروه فرد عليهم من باب القول بالموجب بأن المداعبة لا تنافى الكمال، بل هى من توابعه وتتماته إذا كانت جارية على القانون الشرعى بأن نكون على وفق الصدق والحق، وبقصد تألف قلوب الضعفاء، وخيرهم، وإدخال غاية السرور والرفق عليهم والمنهى عنه منها كما فى حديث الترمذى فى جامعه وقال: غريب «لا تمار أخاك ولا تمازحه ولا تعده موعدا فتخلفه» (1) إنما هو الإفراط فيها والمدوامة عليها، لأنه بررت كثرة الضحك، وقسوة القلب، والإعراض عن ذكر الله، وعن التفكر فى مهمات الدين، بل ربما يأول كثرته إلى إيذاء ويورث حقدا، وربما يسقط المهابة والوقار ومزاحه صلى الله عليه وسلم سالم من جميع هذه الأمور، ويقع منه على جهة الندرة لمصلحة تامة من مؤانسة بعض أصحابه فهو بهذا القصد سنة، وما قيل: الأظهر أنه مباح لا غير فضعيف، إذ الأصل فى أفعاله وجوبا أو ندبا التأسى به فيها إلا لدليل يمنع من ذلك، ولا دليل هنا يمنع منه، فتعين الندب كما هو مقتضى كلام الفقهاء والأصوليين، وهذا الحديث حسنه المصنف، وقال: رجاله موثوقون، هذا وقد ألقى الله سبحانه عليه غاية المهابة ولم يؤثر فيه مزاحه، ولا مداعبته، «فقد قام رجل بين يديه فأخذته رعدة شديدة ومهابة فقال: هون عليك، فإنى لست بملك ولا جبار، إنما أنا ابن امرأة من قريش تأكل القديد بمكة فنطق الرجل بحاجته فقام صلى الله عليه وسلم فقال: أيها الناس إنى أوحى إلى أن تواضعوا ألا فتواضعوا لا يبغى أحد على أحد، ولا يفخر أحد على أحد كونوا عباد الله إخوانا» (2)، وروى مسلم عن عمرو بن العاص صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما ملأت عينى قط حياء منه وتعظيما، ولو قيل لى: صفه لما قدرت» فإذا كان هذا حاله، وهو من أجلاء أصحابه، فما ظنك بغيرهم، ومن ثمة لولا مزيد تألفه ومباسطته لهم لما قدر أحد منهم أن يجتمع به هيبة وفرقا منه سيما عقب ما كان يتجلى عليه من مواهب القرب وعوائد الفضل، لكن كان لا يخرج إليهم بعد ركعتى الفجر، إلا بعد الكلام مع عائشة،

(1) رواه الترمذى فى البر (1995)، ما جاء فى المراء (4/ 359)، وأبو نعيم فى الحلية (3/ 344).

(2)

رواه أحمد فى مسنده (2،227).

ص: 331

230 -

حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا خالد بن عبد الله، عن حميد، عن أنس ابن مالك:

«أنّ رجلا استحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إنّى حاملك على ولد ناقة. فقال:

يا رسول الله، ما أصنع بولد النّاقة؟

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وهل تلد الإبل إلا النّوق؟».

231 -

حدثنا إسحاق بن منصور، حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن ثابت،

ــ

أو الاضطجاع بالأرض، إذ لو خرج إليهم على حالته التى تجلى بها من القرب فى مناجاته وسماع كلام ربه وغير ذلك ومن بعضه لما استطاع بشر أن يراه فكان يتحدث معها أو يضطجع بالأرض ليستأنس بجنسهم، أو بجنس أصل خلقهم، وهى الأرض، ثم يخرج إليهم بحالة يقدرون على مشاهدتها رفقا بهم ورحمة لهم.

230 -

(أن رجلا) كان به بله. (استحمل) طلب الحمل فقال له صلى الله عليه وسلم مباسطا له بما عساه أن يكون شفاء لبلهه بعد ذلك. (إنى حاملك على ولد ناقة) فسبق لخاطره استصغار ما يصدق عليه البنوة. (الإبل) أى صغرت أو كبرت. (إلا النوق) جمع ناقة وهى أنثى الإبل أى فكأنه يقول: لو تدبرت لم تقل ذلك ففيه مع المباسطة له الإرشادة إلى إرشاده وإرشاد غيره بأنه ينبغى لمن سمع قوله أن يتأمله، ولا يبادر إلى رده إلا بعد أن يدرك عون، وما أشير [به](1) إليه.

231 -

(زاهرا) أى ابن حزام الأشجعى شهد بدرا. (الهدية) حاصله (من البادية) أى

230 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى البر (1991)، بسنده ومتنه سواء، والبغوى فى شرح السنة (13/ 182)، من طريق المصنف به نحوه، ورواه أبو داود فى الأدب (4998)، وأحمد فى المسند (2/ 360)، وأبو الشيخ فى الأخلاق (ص 88)، كلهم من طرق عن خالد بن عبد الله به فذكره، وخالد بن عبد الله هو ابن عبد الرحمن بن يزيد الطحان، ثقة حافظ ثبت (التقريب 1647)، تهذيب الكمال (8/ 99)، وحميد هو الأعرج.

231 -

إسناده صحيح: رواه عبد الرزاق فى المصنف (19688)، وأحمد فى مسنده (3/ 161)، وأبو يعلى فى مسنده (174)، والبيهقى فى السنن الكبرى (10/ 248)، من طرق عن معمر به فذكره نحوه.

(1)

الزيادة من [ش].

ص: 332

عن أنس بن مالك:

«أنّ رجلا من أهل البادية، كان اسمه زاهرا، وكان يهدى إلى النّبى صلى الله عليه وسلم هدية من البادية، فيجهّزه النّبىّ صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج. فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم: إنّ زاهرا باديتنا، ونحن حاضروه. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبّه وكان رجلا دميما. فأتاه النبىّ صلى الله عليه وسلم يوما وهو يبيع متاعه واحتضنه من خلفه ولا يبصر. فقال: من هذا؟ أرسلنى. فالتفت، فعرف النبىّ صلى الله عليه وسلم، فجعل لا يألو ما ألصق ظهره بصدر النبىّ صلى الله عليه وسلم حين عرفه. فجعل النّبىّ صلى الله عليه وسلم يقول: من يشترى العبد؟ فقال: يا رسول الله إذا والله تجدنى كاسدا. فقال النّبى صلى الله عليه وسلم: لكن عند الله لست بكاسد» أو قال:

«أنت عند الله غال» .

ــ

من ثمارها ونباتها وغير ذلك (فيجهزه) أى فيعطيه من الطرف والمستحسنات ما يتجهز به إلى أهله مما يعينه به على كفايتهم والقيام بتمام مصالحهم. (أن يخرج) أى إلى وطنه.

(باديتنا) أى نستفيد منه ما يستفيد الرجل من باديته من أنواع الثمار والنبات فصار كأنه باديته وقيل: تأوه للمبالغة، وقيل: من إطلاق اسم المحل على الحال. (حاضروه) أى نعد له ما يحتاجه من البلد، وقيل: المراد أنه لا يقصد له الرجوع إلى الحضر إلا مخالطتنا، لا أن يهيأ له ما يريد من الحضر، لأنه لا يليق بالمنعم ذكر إنعامه انتهى، وفيه نظر، لأن ما قلناه هو مقتضى مقابلة باديتنا بنحن حاضروه، وزعم أنه لا يليق ليس فى محله، لأن محل ذلك إذا كان فيه منّ إيذاء للمنعم عليه، كأن كان لا يحب ذكر المنعم لما أنعم به عليه أما إذا كان يحب ذلك، بل هو مطلوب أى مطلوب وقد قال صلى الله عليه وسلم:

«تهادوا تحابوا» (1). والبادى: المقيم بالبادية والحاضر: المقيم بالحاضرة، وهى المدن والقرى فيما يقبح الوجه كريه المنظر. (واحتضنه) أى أدخله فى حضنه، وهو ما دون الإبط إلى الكشح. (من خلفه) أى جاء من ورائه وأدخل يده تحت إبطى زاهرا فاعتنقه.

(1) رواه مالك فى الموطأ فى حسن الخلق (16)، والبيهقى فى السنن (6/ 169)، ورواه ابن عدى فى الكامل (4/ 104)، وأبو يعلى فى مسنده (6148)، (11/ 9)، ذكره ابن عبد البر فى التمهيد (6/ 116)، وذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (6/ 116)، وقال: فيه المثنى أبو حاتم ولم أجد من ترجمه وبقية رجاله ثقات وفى بعضهم كلام وذكره الهندى فى كنز العمال (15055،15056)، وعزاه لأبو يعلى فى مسنده وابن عساكر عن أبى هريرة (6/ 110).

ص: 333

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

(ولا يبصره) جملة حالية (فجعل) فطفق. (لا يألوما) مصدرية. (ألصق) أى لا يقصر فى إلصاقه ظهره بصدر النبى صلى الله عليه وسلم تحصيل الثمرات ذلك الإلصاق من الكمالات الناشئة عند (من يشترى العبد) وفى نسخة: هذا العبد ووجه تسميته عبدا واضح، فإنه عبد الله ووجه الاستفهام عن الشر الذى يطلق لغة على مقابلة الشىء بالشىء، وعلى الاستبدال أنه أراد من يقابل هذا العبد بالإكرام والتعظيم، أو من يستبد له منى بأن يأتينى بمثله؟ وقيل: المراد من يشترى مثل هذا العبد؟ وفيه ركاكة لا تخفى ويصح أن يريد التعريض له بأنه ينبغى له أن يشترى نفسه من الله ببذلها فى جميع مطالبه وما يرضيه. (إذا) جواب شرط محذوف أى إن بعتنى إذا والله تجدنى. (كاسدا) أى رخيصا لا يرغب أحد فى مقابلتى ولا الاستبدال وفى رواية: «إذا هذا والله» بزيادة هذا. (عند الله) متعلق بكاسد قدم عليه وعلى عامله للاهتمام والاختصاص، وكان من فوائد مزحه صلى الله عليه وسلم معه تلك البشرى العظيمة له وهى إخباره بعلى قدره ومرتبته عند الله، وذلك ببركة صحبة النبى له الناشئة عن مزيد تودد زاهر، وتقربه إليه صلى الله عليه وسلم وفى الحديث: جواز مصادقة أهل البادية ومهاداتهم، والدخول إلى السوق، والاعتناق من خلفه، وتسمية الحر عبدا.

ورفع الصوت فى مقام العرض على البيع ومداعبة الأعلى الأدنى وعدم المبالاة بمنع المعانق من معانقيه فى مقام المداعبة، ومداعبة الأعلى للأدنى بمثل هذا المتنزل الذى فيه المعانقة من خلفه، والنداء على السمع وغيرهما، ومدح الصديق بما يناسبه لقوله «باديتنا» ، وقوله أنت عند الله غال، أو لست بكاسد، وإعلامه بمحبته له، وقبول الهدية، والمجازاة عليها وجواز ذكرها حيث لا منّ ولا إيذاء ولا اعتناء بنفع الصديق الأخروى، فإنه صلى الله عليه وسلم لما وجده مشغولا عن ربه ببيع متاعه فعل معه ما استيقظ به إلى شهود جمال ربوبيته، وبثّ لقيه من معارفه ما حمله على أنه إذا علم به لم يرض بمجرد ذلك العناق بل زاد فى تمكين ظهره بذلك الصدر المكرم ليزداد إمداده له وتلقيه منه.

فائدة: روى أبو يعلى: «أن رجلا كان يهدى إليه صلى الله عليه وسلم العكة من السمن أو العسل، فإذا طولب بالثمن جاء بصاحبه، فيقول للنبى صلى الله عليه وسلم أعطه متاعه، فما يزيد على أن يبتسم ويأمر به فيعطى» وفى رواية: «أنه كان لا يدخل المدينة طرف إلا اشترى منها، ثم جاءه بها فقال: يا رسول الله: هذا هدية لك، فإذا طالبه صاحبه بثمنه جاء به، فقال: اعط هذا الثمن فيقول له: ألم تهده لى؟ فيقول: ليس عندى، فيضحك ويأمر لصاحبه بثمنه» .

ص: 334

232 -

حدثنا عبد بن حميد، حدثنا مصعب بن المقدام، حدثنا المبارك بن فضالة، عن الحسن، قال:

«أتت عجوز النبىّ صلى الله عليه وسلم. فقالت: يا رسول الله، ادع الله أن يدخلنى الجنّة.

فقال: يا أمّ فلان، إنّ الجنّة لا تدخلها عجوز.

قال: فولّت تبكى.

فقال: أخبروها أنّها لا تدخلها وهى عجوز. إنّ الله تعالى يقول: إِنّاأَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً* فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً* عُرُباً أَتْراباً».

ــ

232 -

(فضالة) بفتح الفاء: (عجوز) قيل: هى عمته صفية أم الزبير رضى الله عنها. (فلان) كأن الراوى نسيه فعبر عنه بذلك. (أنها) إلخ سد مسد ثانى وثالث مفاعيل أخبر، قيل: ضمير أنها إما بعده إما إليها أو إلى العجوز المطاقة انتهى، والثانى بعيد جدا (وهى عجوز) أى والحال أنها عجوز بل شابة، قيل: كأنه صلى الله عليه وسلم فهم أنها تطلب أن تدخل الجنة على هيئتها وقت موتها فرد اعتقادها منها، ويحتمل أن لا تكون مداعبة ويكون عدها مداعبة عن فهم الحاضرين، انتهى، وما قاله أولا فيه نظر، إذ لا يحتاج فى عده مداعبة إلى دعوى أنه صلى الله عليه وسلم فهم ذلك، بل لفظها أوهم ذلك، واحتماله المذكور ليس فى محله، لا سيما وفيه سر أدبه على الصحابة الحاضرين، بجعله نفسه أفهم أنه غير مداعبة، وهم فهموا المداعبة وهو فهم غير صحيح، وفى ذلك من قلة الأدب ما لا يخفى، بل عنه أيضا عدم حفظ القواعد الأصولية المصرحة: بأن فهم الصحابى مقدم على فهم غيره لأنه أعرف فرواه لمشاهدته من القرائن الحالية والمقالية ما لم يشاهده غيره، فوجب تقديم فهمه على فهم غيره، وتأمل مزحه صلى الله عليه وسلم تجده لا يخلو عن بشرى عظيمة، أو فائدة غزيرة، أو مصلحة تامة، فهو فى الحقيقة غاية الجد، وليس مزاحا إلا باعتبار الصورة فقط إِنّاأَنْشَأْناهُنَّ أى: خلقناهن من غير توسط ولادة، ثم يحتمل أن

232 - إسناده ضعيف وهو حسن: لإرسال الحسن البصرى، وكذلك فيه: مصعب بن مقدام: صدوق له أوهام، والمبارك بن فضالة: مدلس. رواه البغوى فى التفسير (7/ 19)، وله شاهد من حديث أنس عند أبى الشيخ فى أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم (ص 88)، وقد حسنه الشيخ الألبانى فى مختصر الشمائل.

ص: 335

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المراد ثم ربيناهن حتى وصلن الحد المتمتع، ويحتمل وهو الظاهر، أنهن خلقن ابتداء كاملات من غير تدريج فى التربية والسن، وهذا بناء على ما يصرح به السياق القرآنى لأن الضمير للحور، توجه للمطابقة بين هذا وما نحن فيه أنه يعلم به أن أهل الجنة كلهم أنشأهم الله خلقا آخر يناسب البقاء والدوام وذلك يستلزم كمال الخلق، وتوفر القوى البدنية كلها، وانتفاء صفات النقص عنها أَبْكاراً أى كلما جامعها الرجل وجدها بكرا. عُرُباً متحببات إلى أزواجهن بحسن التبعل. أَتْراباً عن سن ثلاثين، أو ثلاثة وثلاثين إذ هى أكمل أسنان نساء أهل الدنيا.

***

ص: 336