الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
26 - باب: ما جاء فى إدام رسول الله صلى الله عليه وسلم
145 -
حدثنا محمد بن سهل بن عسكر، وعبد الله بن عبد الرحمن، قالا:
حدثنا يحيى بن حسان، حدثنا سليمان بن بلال، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة:
«أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: نعم الإدام الخلّ.
قال عبد الله بن عبد الرّحمن فى حديثه: نعم الأدم-أو الإدام-الخلّ».
ــ
(باب ما جاء فى صفة إدام رسول الله صلى الله عليه وسلم
بكسر الهمزة، وهو ما يؤكل مع الخبز مائعا أو غيره لحديث:«سيد إدام أهل الدنيا والآخرة اللحم» (1)، قيل: ولا ينافيه عدم حنث من حلف لا يأتدم به لأن مبنى الإيمان على العرف وأهله ولا يعدون اللحم إداما لأنه كثير أما يقصد به لذاته لا للتوصل به إلى إساغة غيره انتهى، وليس كما زعم هذا القائل بل يحتمل لأن المعتمد من مذهبه، كما يأتى قبل باب الوضوء أن اللحم أدم، وسمى ذلك أدما، لإصلاحه الخبز، وجعله ملائما لحفظ الصحة أى فى الجسم الذى جملته الأديم أى الجلد.
145 -
(رسول الله صلى الله عليه وسلم اعلم أنه لم يكن من عادته صلى الله عليه وسلم الكريمة حبس نفسه الشريفة على نوع واحد من الأغذية، فإن ذلك يضر بالطبيعة ضررا بينا وإن كان أفضل الأغذية، بل كان يأكل ما اعتيد من لحم وفاكهة وتمر وغيره مما يأتى. (الأدم) بضم فسكون. (أو) شك من أحد رواته وزعم أنه تخير ليس فى محله لما يأتى من اتحادها. (الإدام) بالكسر وهما بمعنى واحد وجمعه أدم بضم أوليه: الخل، لأنه سهل الحصول قامع للصفراء نافع
145 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى الزهد (2372) بسنده ومتنه سواء، ورواه مسلم فى الزهد (2051)، وابن ماجه (2049)، كلاهما من طريق يحيى بن حسان به فذكره.
(1)
رواه الطبرانى فى الأوسط (7477)، وذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (5/ 35)، وقال: رواه الطبرانى فى الأوسط وفيه: سعيد بن عيبة القطان ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات وفى بعضهم كلام لا يضر. وذكره الزبيدى فى إتحاف السادة المتقين (5/ 255)، وقال: رواه الطبرانى فى الأوسط وأبو نعيم فى الطب النبوى نحوه، وذكره السيوطى فى اللآلئ المصنوعة (2/ 224).
146 -
حدثنا قتيبة، حدثنا أبو الأحوص، عن سماك بن حرب، قال: سمعت النعمان بن بشير، يقول:
«ألستم فى طعام وشراب ما شئتم، لقد رأيت نبيّكم صلى الله عليه وسلم وما يجد من الدّقل ما يملأ بطنه» .
ــ
لأكثر البدن، ورواية مسلم عن جابر:«أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدى ذات يوم إلى منزله فأخرج إليه فلقا من خبز فقال: «ما من أدم» فقالوا: إلا شىء من خل، فقال:«نعم الإدام الخل» (1) قال جابر: فما زلت أحب الخل منذ سمعتها من النبى صلى الله عليه وسلم واستفيد من مدحته أنه أدم فاضل جيد، ومن الاقتصار عليه فى الأدم مدح الاقتصاد فى المأكل ومنع النفس من أملاذ الأطعمة وشهواتها المفسدة للدين والبدن وما ذكرته من مستفادة هذين من الحديث أولى من اقتصار القاضى كالخطابى على الثانى، ومن اعترض النووى عليهما بأن الحديث إنما يفيد الأول والثانى معلوم من قواعد أخر، ثم الثناء عليه بذلك إنما هو بحسب مقتضى الحال الحاضر لا لتفضيله على غيره خلافا لمن ظنه، لأن سبب الحديث أن أهله قدموا له خبزا فقال:«ما من أدم؟» فقالوا: ما عندنا إلا خل فقال:
(نعم الإدام الخل) جبرا أو تطيبا لقلبه من قدمه، لا تفضيلا له على غيره إذ لو حضر نحو لحم أو عسل أو لبن لكان أحق بالمدح منه وبين صلى الله عليه وسلم بقوله:«ما من أدم» أن أكل الخبز مع الأدم من أسباب حفظ الصحة بخلاف الاقتصار على أحدهما، واستفيد من كونه أدما أن من حلف لا يأكل أدما حنث به وهو كذلك لقضاء العرف بذلك أيضا.
146 -
(ألستم) إلى آخره الاستفهام فيه للإنكار والتوبيخ، ولذا عقبه بقوله «لقد» .
146 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى الزهد (2372)، بسنده ومتنه سواء، ورواه مسلم فى الزهد (2977)، وابن سعد فى الطبقات (1/ 312)، كلاهما من طريق سماك بن حرب به فذكره، وروى ابن ماجه (4146)، وأحمد (1/ 24)، والطيالسى (ص 12)، وابن سعد (1/ 310،311)، جميعهم من طريق شعبة عن سماك سمع النعمان بن بشير يقول: سمعت عمر بن الخطاب وهو يذكر ما فتح على الناس، فقال عمر: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتوى يومه من الجوع ما يجد من الدقل ما يملأ به بطنه.
(1)
رواه مسلم فى الأشربة (2051،2052)، وأحمد فى مسنده (3/ 301،364)، والبيهقى فى السنن (7/ 280)، (10/ 63).
147 -
حدثنا عبدة بن عبد الله الخزاعى، حدثنا معاوية بن هشام، عن سفيان، عن محارب بن دثار، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
148 -
حدثنا هناد، حدثنا وكيع، عن سفيان، عن أيوب، عن أبى قلابة، عن زهدم الجرمى، قال:
ــ
(فى طعام وشراب) أى متنعمين فيهما بمقدار. (ما) أى الذى (شئتم) من السعة والإفراط، أو ما مصدرية، وزعم أنها للتقرير بعد متكلف. (رأيت) الظاهر أنها هنا بصرية، وقوله:(وما يجد) جملة حالية وقيل علمية فتلك مفعول ثانى ودخلت الواو إلحاقا له، بخبر كان على رأى الأخفش. (نبيكم) أضافه إليهم ليحثهم على الاقتداء به والإعراض عن الدنيا ومستلذاتها ما أمكن، فلذا لم يقل نبى ونبيكم، وأما قتل خالد رضى الله عنه مالك بن نويرة لما قال له كان صاحبكم يقول كذا فقال: صاحبنا وليس بصاحبك، ثم قتله فهو ليس لمجرد هذه اللفظة، بل لأنه بلغه عنه أنه ارتد، وقال ذلك عنده بما أباح له الإقدام على قتله. (الدقل) ردىء التمر ويابسه وما ليس له اسم خاص.
148 -
(زهدم) بفتح أوله المعجم فأتى بنائب الفاعل ضمير أبى موسى وزعم أنه دجاج غلط فاحش. (فتنحّى) أى تباعد. (رجل) روى حديثه الشيخان أيضا، وسيأتى
147 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى الأطعمة (1839)، بسنده ومتنه سواء، ورواه مسلم فى الأشربة (2053)، وأبو داود فى الأطعمة (3820،3821)، والنسائى فى الأيمان (7/ 14)، وفى سننه الكبرى (6689)، وابن ماجه فى الأطعمة (3317)، وأحمد فى المسند (3/ 301،304،353، 371،400)، والدارمى فى الأطعمة (2/ 101)، وابن أبى شيبة فى المصنف (8/ 149)، والطبرانى فى الكبير (1749)، وفى الأوسط (621)، والبيهقى فى السنن (10/ 63)، والبغوى فى شرح السنة (11/ 309)، كلهم من طرق عن جابر به فذكره نحوه.
148 -
إسناده صحيح: رواه الترمذى فى الأطعمة (1827) بسنده ومتنه سواء، ورواه البخارى فى الذبائح (5518)، ومسلم فى الأيمان (1649)، والنسائى فى الصيد (7/ 206)، وفى سننه الكبرى (4858)، (4859)، والدارمى فى الأطعمة (2/ 103)، وأحمد فى مسنده (4/ 394،397،401، 406)، وأبو الشيخ فى «أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم» (ص 213)، كلهم من طريق أيوب به فذكره نحوه وبألفاظ متقاربة.
«كنّا عند أبى موسى الأشعرىّ، فأتى بلحم دجاج، فتنحّى رجل من القوم.
فقال: مالك؟. فقال: إنّى رأيتها تأكل شيئا نتنا، فحلفت ألا آكلها. قال: ادن، فإنّى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل لحم الدّجاج».
149 -
حدثنا الفضل بن سهل الأعرج البغدادى، حدثنا إبراهيم بن عبد الرحمن ابن مهدى، عن إبراهيم بن عمر بن سفينة، عن أبيه، عن جده قال:
«أكلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لحم حبارى» .
ــ
أنه من تيم الله أحمر كان من الموالى، وزعم أنه زهزم وأنه عبر عن نفسه برجل ليس فى محله، لأن زهدم فى الرواية الآتية بينه بصفته ونسبه. (نتنا) أى من القاذورات فتوهم حرمتها لذلك، أو أتاها بطبق. (فحلف أن لا يأكلها) فبين له أبو موسى: أنه ينبغى له أن يأكل منها اقتداء بالنبى صلى الله عليه وسلم ويكفر عن يمينه، فإن هذا خير له من بقائها عليها، فإن قلت: لعله فهم أن جنسها جلالة، وهى تحرم، ويكره أكلها على الخلاف فيه، فكيف يؤمر بالحنث؟ ح قلت: لا يلزم من ذلك كونها جلالة، لأن هجره أكل القذر لا يستلزم التغير الذى حصوله شرط فى تسميتها جلالة، حتى يجرى ذلك الخلاف فيها، نعم لو قيد يمينه بالجلالة لم يندب الحنث فيها، قيل: وكذا لو كان الحلف بالطلاق، فلا يندب الحنث، لأنه أبغض الحلال إلى الله، أو بالعتاق وهو محتاج إلى ثمن الرقيق. انتهى.
والأول محتمل أكثر من الثانى، إذ ظاهر كلامهم أن العتق قربة مطلقا، نعم إن كان احتياجه إليه لنحو دين لا يرجو له وفاء، حرم الحنث لأنه ح يحرم عليه عتقه.
149 -
(حبارى) طائر معروف كبير العنق، رمادى اللون شديد الطيران جدا يقع على
149 - إسناده ضعيف: فيه إبراهيم بن عمر بن سفينة، ويقال له: برية. قال فيه البخارى: إسناده مجهول، وضعفه ابن حبان، والعقيلى والدار قطنى، وقال الذهبى: لين، وانظر تهذيب الكمال (4/ 57)، وميزان الاعتدال (1/ 306)، والمجروحين (1/ 111)، ورواه الترمذى فى الأطعمة (1828) بسنده ومتنه سواء، ورواه أبو داود فى الأطعمة (3797)، من طريق إبراهيم بن عمر بن سفينة عن أبيه به فذكره. قلت: وأورده العقيلى فى الضعفاء (3/ 168/1158)، وفى ترجمة إبراهيم بن عمر بن سفينة، عن أبيه، عن جده. وقال: حديثه غير محفوظ ولا يعرف إلا به. وكذلك ضعفه الحافظ فى التلخيص (4/ 1510).
150 -
حدثنا على بن حجر، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن أيوب، عن القاسم التميمى، عن زهدم الجرمى. قال:
151 -
حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا أبو أحمد الزبيرى وأبو نعيم، قالا:
حدثنا سفيان، عن عبد الله بن عيسى، عن رجل من أهل الشام يقال له: عطاء، عن أبى أسيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«كلوا الزّيت، وادّهنوا به، فإنّه من شجرة مباركة» .
ــ
الذكر، والأنثى، والواحد، والجمع، وأنها ليست للإلحاق قال الجوهرى: ولا للتأنيث، وصوب غيره: أنها للتأنيث بدليل أنها غير منصرفة معرفة كانت أو نكرة، ولحمها بين لحم الدجاج والبط، وروى الشيخان:«أنه أكل لحم حمار الوحش، ولحم الجمل، سفرا وحضرا ولحم الأرنب» ومسلم: «أنه أكل دواب البحر» .
150 -
(تيم الله) هم حى من بنى بكر، وتيم الله معناه عبد الله.
151 -
(أسيد) بفتح فكسر، لا ضم وفتح خلافا لمن زعمه، أنصارى. (كلوا الزيت) مناسبة للترجمة أن الأمر بأكل يستدعى أكله منه. (مباركة) كثيرة المنفعة، أو لأنها تنبت
150 - إسناده صحيح: وتقدم برقم (148).
151 -
إسناده حسن لغيره: رواه الترمذى فى الأطعمة (1852) بسنده ومتنه سواء، وقال: حديث غريب من هذا الوجه إنما نعرفه من حديث سفيان عن عبد الله بن عيسى، ورواه الدارمى فى الأطعمة (2/ 101)، والبغوى فى شرح السنة (6/ 87)، والحاكم (2/ 398)، وصححه ووافقه الذهبى، وأحمد فى المسند (3/ 497)، والطبرانى فى الكبير (19/ 270) من طريق عبد الله بن عيسى به فذكره نحوه، وقال الذهبى فى الميزان (3/ 77) بعد ذكره فى ترجمة عطاء وقال: لين البخارى حديثه، قال ابن حجر: عطاء الشامى أنصارى مقبول-يعنى عند المتابعة- (التقريب/4610).
152 -
حدثنا يحيى بن موسى، حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر بن الخطاب، رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«كلوا الزّيت، وادّهنوا به، فإنّه من شجرة مباركة» .
(_152) م-حدثنا أبو داود سليمان بن معبد المروزى السنجى، حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن زيد بن أسلم عن أبيه عن النبى صلى الله عليه وسلم نحوه ولم يذكر فيه عن عمر.
153 -
حدثنا محمد بن بشار، حدثنا محمد بن جعفر وعبد الرحمن بن
ــ
فى الأرض المقدسة التى بارك الله فيها للعالمين، وقيل: بارك فيها سبعون نبيا منهم إبراهيم على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام، ويلزم من بركة هذه الشجرة بركة ما يخرج منها من الزيت وكيف لا وفيه من الأكل والدهن، وفيهما نعمتان عظيمتان أشار إليهما بقوله:«كلوا الزيت وادهنوا به» . فربما أسنده، وربما أرسله بيان للمراد بالاضطراب (1) هنا إذ هو مخالف روايتين أو أكثر إسنادا ومتنا مخالفة لا يمكن الجمع بينهما ما لم تترجح إحداهما بنحو كثرة طرق إحدى الروايتين أو لكونهما أصح أو أشهر أو رواتها أتقن أو معهن زيادة على ما هنا فإن إحداها المسند معه زيادة علم على المرسل سيما والمرسل أسنده مرة فوافق إسناد غيره له دائما وهو أبو أسيد فى الرواية السابقة.
152 م- (السنجى) بكسر أوله المهمل فنون فجيم منسوب إلى السنج قرية من أعمال مرو وذكره أولا وثانيا إشارة إلى أنه قد يقع فى كلام المحدثين ذكر نسبه فقط وقد يقع ذكر نسبه واسمه ونسبته أكثر.
153 -
(الدباء) هو اليقطين بالمد على الأشهر ويجوز القصر وكان سبب محبته صلى الله عليه وسلم
152 - حسن بما قبله: رواه الترمذى فى الأطعمة (1852) بسنده ومتنه سواء، وقال: حديث لا نعرفه إلا من حديث عبد الرزاق عن معمر، وكان عبد الرزاق يضطرب فى رواية هذا الحديث، وابن ماجه فى الأطعمة (3319)، والحاكم فى مستدركه (2/ 122)، كلهم عن عبد الرزاق به، وعبد الرزاق فى مصنفه (10/ 422) مرسلا عن زيد بن أسلم عن أبيه، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبى.
153 -
إسناده صحيح: رواه الإمام أحمد فى مسنده (3/ 177،273،290)، والدارمى فى الأطعمة (2/ 101)، وأبو داود الطيالسى فى المسند (ص 266)، والنسائى فى السنن الكبرى (4/ 155،156).
(1)
فى (ش): [بالأطرار].
مهدى، قالا: حدثنا شعبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك، قال:
154 -
حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا حفص بن غياث، عن إسماعيل بن أبى خالد، عن حكيم بن جابر، عن أبيه، قال:
«دخلت على النّبىّ صلى الله عليه وسلم فرأيت عنده دبّاء يقطّع. فقلت: ما هذا؟ قال: نكثّر به طعامنا» .
ــ
له ما فيه من زيادة العقل والرطوبة المعتدلة، وما كان يلحظه من السر الذى أودعه الله فيه إذ خصه بالإنبات على أخيه يونس عليه السلام حتى وقاه وتربى فى ظله، فكان له كالأم الحاضنة لفرخها. (أو) شك من أحد رواته لكن ظاهر السياق أنه من أنس.
(أتتبعه) فيه أن الطعام إذا اختلفت أنواعه يجوز مد اليد إلى ما لا يليه وأنه يجوز للضيفان أن يناول بعضهم بعضا ومحل ذلك عندنا إن لم يخص بعضهم بنوع أعلى، وإلا لم يجز لغيره مد يده إليه، ولا لمن خص به أن يناول شيئا لمن لم يخص أما من خص بالأسفل فما له أن يناول منه من خص عملا بالقرائن المحكمة فى مثل ذلك (لما أعلم) أى أعطى أو للذى أعلمه.
154 -
(غياث) بمعجمة مكسورة فتحتية ثم مثلثة. (يقطع) بالبناء للمفعول مع التضعيف. (نكثر) بالنون والتضعيف أيضا هذا ما فى كثير من الأصول وفى بعضها نقطع بالبناء للمفعول من القطع ويكثر مسند إلى. (طعامنا) فيه أن الاعتناء بأمر الطبخ وما يصلحه لا ينافى الزهد. (ما هذا) أى ما فائدته لا حقيقته وإن كان الأصل فى ما لأنه لا يجهل حقيقته، ويجر فيبنى للفاعل أو المفعول فيه انتهى، وليس فى محله، لأنه يحتمل أن حال أبى أسيد مشهور، فاكتفى عن ذلك فيه لشهرته أو أنه حفظ ذلك فى هذا دون ذلك فبين ما عرفه وسكت عما لا يعرفه.
154 - إسناده صحيح: رواه ابن ماجه فى الأطعمة (3304)، والنسائى فى السنن الكبرى (4/ 156)، وأبو الشيخ فى «أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم» (ص 231)، ثلاثتهم من طريق إسماعيل بن أبى خالد به فذكره نحوه.
155 -
حدثنا قتيبة بن سعيد، عن مالك بن أنس، عن إسحاق بن عبد الله بن أبى طلحة، أنه سمع أنس بن مالك يقول:
ــ
155 -
(خياطا) لا يعرف له اسم، لكن فى رواية:«أنه كان من مواليه صلى الله عليه وسلم» .
(لطعام) قيل: كان ثريدا وقديدا، أو لحم مملوح مقدد أى مجفف فى الشمس، وفى السنن عن رجل:«ذبحت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة ونحن مسافرون فقال: أملح لحمها، فلم أزل أطعمه منه إلى المدينة» (1). (قال أنس. . .) إلخ رواه مسلم أيضا وزاد. «أنها كانت تعجبه» وقدمه المصنف. (يتتبع الدباء) من (حوالى القصعة) بفتح اللام وسكون التحتية أى جوانبها، أما بالنسبة دون جوانب البقية أو مطلقا ولا يعارضه نهيه صلى الله عليه وسلم عن ذلك لأنه للتقذير والإيذاء وهذا منتف فيه صلى الله عليه وسلم إذ كانوا يودون منه ذلك، فتبركهم بإغماره حتى بصاقه ومخاطه يدلكون بها وجوههم وبوله ودمه يشربهما بعضهم، وفى الحديث فوائد منها: أنه يندب إجابة الدعوة، وإن قل الطعام أو كان المدعو شريفا، والداعى دونه لحرفة، أو غيرها، وأن كسب الخياط ليس بدنى، وأنه تسن محبة الدباء لمحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذا كل شىء كان يحبه ذكره النووى، ومؤاكلة الخادم، وبيان ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من عظيم التواضع والتلطف والترفق بأصاغر الصحابة وتعاهدهم بالمجىء إلى منازلهم، وفى رواية:«صحفة» وهى ما تسع ضعفى ما تسع القصعة وقيل: هما واحد.
155 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى الأطعمة (1850) بسنده ومتنه سواء، وقال: هذا حديث حسن صحيح، والبخارى فى الأطعمة (5379،5436،5437،5439)، ومسلم فى الأشربة (2041)، وأبو داود فى الأطعمة (3782)، والدارمى فى الأطعمة (2/ 101)، وأبو الشيخ فى «أخلاقه صلى الله عليه وسلم» (ص 230) من طرق عن مالك بن أنس عن إسحاق بن عبد الله عن أنس به فذكره.
(1)
رواه أحمد فى مسنده (6،8،9).
156 -
حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقى، وسلمة بن شبيب، ومحمود بن غيلان، قالوا: حدثنا أبو أسامة، عن هشام بن عروة، عن عائشة قالت:
«كان النّبىّ يحبّ الحلواء والعسل» .
ــ
156 -
(يحب الحلواء والعسل) رواه البخارى أيضا، وهى بالقصر فتكتب بالألف كل ما فيه حلاوة، فالعسل تخصيص بعد تعميم، وقال الخطابى: يختص بما دخلته الصنعة، وقال ابن سيده: هى ما عولج من الطعام الحلو، وقد تطلق على الفاكهة، وفى كتاب فقه اللغة للثعالبى: أن حلواه صلى الله عليه وسلم التى كان يحبها هى الجيع بالجيم كعظيم، وهى تمر يعجن بلبن، وفيه: أن محبّة أنواع الأطعمة النفيسة اللذيذة لا تنافى الزهد، لكن من غير قصد وتكلف لتحصيلها، ومن ثمة قال الخطابى: لم تكن بمحبته صلى الله عليه وسلم للحلواء على كثرة التشهى لها وشدّة نزع النفس، وإنما كان ينال منها إذا أحضرت إليه نيلا صالحا، فيعلم بذلك أنها تعجبه، ولم يصح أنه صلى الله عليه وسلم رأى السكر، وخبر «أنه صلى الله عليه وسلم حضر مالك الأنصارى، فجاءت الجوّارى معهن الأطباق عليها اللوز والسكر، فأمسكوا أيديهم فقال صلى الله عليه وسلم: «ألا تنتهبون؟» قالوا: إنك نهيت عن النهبة، قال:«أما العرسان فلا» قال معاذ: فرأيته يجاذبهم ويجاذبونه» (1) غير ثابت كما قاله البيهقى فى سننه، وشنع على احتجاج الطحاوى به لمذهبه أن القتار غير مكروه، وقضائه على الأحاديث الصحيحة الناهية عن النهبة القول فى ذلك جدا فى كتاب المعرفة (2)، وبين أن فيه
156 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى الأطعمة (1831) بسنده ومتنه سواء، ورواه البخارى فى الأطعمة (5431)، ومسلم فى الطلاق (1474)، وأبو داود فى الأشربة (3715)، وابن ماجه فى الأطعمة (2075)، والإمام أحمد فى المسند (6/ 59)، وابن أبى شيبة فى المصنف (8/ 36)، وابن سعد فى الطبقات (1/ 391)، وأبو الشيخ فى «أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم» (ص 219)، وأبو نعيم فى المسند على مسلم (3478)، جميعهم من طرق عن أبى أسامة به فذكره نحوه.
(1)
رواه الطحاوى فى «شرح معانى الآثار» (3/ 50) من طريق زياد بن المغيرة، عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان عن معاذ بن جبل. . . فذكره، وقال الطحاوى فيه: حديث منقطع قد فسر حكم النهبة المنهى عنها، والنهبة المباحة، وإنما أردنا بذكره هاهنا تفسيره لمعنى هذا المتصل. قلت: أى الأحاديث المتصلة المرفوعة التى رواها فى هذا الباب من كتابه.
(2)
قال البيهقى فى «معرفة السير والآثار» (5/ 420): فهذا حديث رواه عون بن عمارة وعصمة بن سليمان عن لمازة وكلاهما لا يحتج بحديثه، ولمازة بن المغيرة مجهول، وخالد بن معدان عن =
157 -
حدثنا الحسن بن محمد الزعفرانى، حدثنا حجاج بن محمد، قال: قال ابن جريج: أخبرنى محمد بن يوسف، أن عطاء بن يسار أخبره، أن أم سلمة أخبرته:
«أنّها قرّبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم جنبا مشويا، فأكل منه، ثمّ قام إلى الصّلاة وما توضّأ» .
ــ
ضعيفين ومجهولا وانقطاعا، وأخرج الطبرانى فى رياضه:«أن أول من خبص فى الإسلام عثمان قدمت إليه عير تحمل دقيقا وعسلا فخلطهما» (1) وصحّ: «أن عيرا قدمت فيها جمل عليه دقيق حوارى وسمن وعسل، فأتى بها النبى صلى الله عليه وسلم، فدعى فيها بالبركة، ثم دعى ببرمة فنصبت على النار، وجعل فيها من العسل والدقيق والسمن، ثم عصد حتى كاد نضج، أو كاد ينضج، فقال صلى الله عليه وسلم: «كلوا هذا شىء تسميه فارس الخبيص» (2).
157 -
(أم سلمة. . .) إلخ صححه المصنف. (جنبا) قال شارح: من شاة، ورد بأنه لا دليل لهذا التقييد. (مشويا) بين بذكر هذا عقب الحلواء والعسل أن هذه الثلاثة أفضل الأغذية، وأنفعها للبدن والكبد والأعضاء، ولا ينفر منها إلا من به علّة، أو آفة واللحم سيد طعام أهل الجنة، وروى ابن ماجه وغيره بسند ضعيف:«هو سيد الطعام لأهل الدنيا والآخرة» (3)، وله شواهد: منها عند أبى نعيم عن على رضى الله عنه مرفوعا:
= معاذ منقطع. . ثم قال عن الطحاوى فى رواية للحديث: ثم احتج بمثل هذا الإسناد حين وافق مذهبه، كان تابعا لهواه غير سالك النصفة.
157 -
صحيح: رواه الترمذى فى الأطعمة (1829)، بسنده ومتنه سواء، ورواه النسائى فى الطهارة (1/ 108)، وفى سننه الكبرى (189)(4689)، (4690)، والإمام أحمد فى المسند (6/ 307)، ثلاثتهم من طريق ابن جريج به فذكره نحوه. وقال أبو عيسى: حسن صحيح غريب من هذا الوجه.
(1)
ذكره الزبيدى فى «الإتحاف» (7/ 117)، وعزاه للطبرانى والبيهقى فى الشعب من حديث ليث ابن أبى سليم، وقال: منقطع.
(2)
ذكره الزبيدى فى إتحاف السادة المتقين (7/ 117)، وعزاه للطبرانى والبيهقى فى الشعب من حديث عبد الله بن سلام.
(3)
رواه ابن ماجه فى الأطعمة (3305)، من حديث أبى الدرداء، وقال البوصيرى فى الزوائد: فى إسناده أبى مسجعة، وابن أخيه مسلمة بن عبد الله. لم أر من جرحهما ولا من وثقهما. وسليمان بن عطاء ضعيف. قال السندى. قلت: قال الترمذى: وقد اتهم بالوضع.
158 -
حدثنا قتيبة، حدثنا ابن لهيعة، عن سليمان بن زياد، عن عبد الله بن الحارث، قال:
ــ
«سيد طعام أهل الدنيا اللحم، ثم الأرز» (1)، ومنها عند أبى الشيخ عن ابن السمعانى:
سمعت علماءنا يقولون: كان أحب الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم اللحم، ويقول:«هو يزيد فى السمع وهو سيد الطعام فى الدنيا والآخرة» (2) قال الزهرى: وأكله يزيد سبعين مرة، قال الشافعى: أكله يزيد فى العقل (3). وعن على «أنه يصفى اللون ويحسن الخلق، ومن تركه أربعين يوما ساء خلقه» . (وما توضأ) فيه دليل لمذهبنا: أنه لا يجب الوضوء مما مسته النار، ويوافقه الخبر الصحيح:«كان آخر الأمرين من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما غيرت النار» لكن اختار النووى من حيث الدليل وجوب الوضوء من لحم الإبل للحديث الصحيح فيه، وهو خاص فيقضى به على العام، ورد: بما ذكرته فى شرح العباب، وعلى المذهب، فيسن الوضوء منه كل ما مسته، اختلف فى النقص فيها كمس الأمرد والشعر والظفر والسن والميتة والنوم، ولو مع التمكن، وغير ذلك من الفروع الكثيرة المقررة فى محلها.
158 -
(شواء) بكسر أو ضم أوله المعجم، وبالمد، ويقال فيه: شوى كفتى، قيل:
158 - إسناده ضعيف وهو صحيح لغيره: فيه: ابن لهيعة صدوق اختلط بعد احتراق كتبه. رواه ابن ماجه فى الأطعمة (3311)، وأحمد فى المسند (4/ 190)، كلاهما من طريق ابن لهيعة به فذكره، وقال البوصيرى فى الزوائد (3/ 83)، هذا إسناد ضعيف لضعف ابن لهيعة، قلت: وقد تابع ابن لهيعة عمرو بن الحارث عن سليمان الحضرمى عند ابن ماجه (3300)، بنحوه، وكذلك الإمام أحمد (4/ 190) من طريق عقبة بن مسلم عن عبد الله بن الحارث فذكره بنحوه.
(1)
رواه أبو نعيم فى الحلية (5/ 362) بلفظ: أفضل طعام الدنيا والآخرة، وقال: غريب من حديث ربيعة وعمر تفرد به محمد بن داود الرملى، وذكره العجلونى فى «كشف الخفاء» (1/ 461)، وقال: فى سنده عمرو السكسكى ضعيف جدا، قال العقيلى: ولا يعرف هذا الحديث إلا به، ولا يصح فيه شىء، ومن ثم أدخله ابن الجوزى فى الموضوعات، لكن قال الحافظ ابن حجر: لم يتبين لى الحكم بالوضع على هذا المتن، قال فى المقاصد-أى السخاوى-، قلت: وقد أفردت فيه جزءا.
(2)
ذكره العجلونى فى كشف الخفاء (1/ 461)، وعزاه لأبى الشيخ الأصبهانى.
(3)
ذكره العجلونى أيضا فى كشف الخفاء (1/ 462). وضعفه.
«أكلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم شواء فى المسجد» .
159 -
حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا وكيع، حدثنا مسعر، عن أبى صخرة:
جامع بن شداد، عن المغيرة بن شعبة، قال:
ــ
المراد لحما ذا شوى انتهى، وليس فى محله، لأن الشواء ليس مصدرا بل اسم اللحم المشوى فى النار. (فى المسجد) فيه: دليل لجواز أكل الطعام فى المسجد جماعة وفرادى، ومحله إن لم يحصل منه ما يقذر المسجد وإلا حرم.
159 -
(مسعر) بكسر فسكون. (ضفت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أى نزلت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم ضيفين على رجل وزعم أن المراد جعلته ضيفا لى حال كونى معه غير صحيح؛ لأن معنى ضفت لغة ما قدمناه. (الشفرة) السكين العريضة. (فحز لى بها منه) أى من ذلك الجنب فيه كخبر البخارى: «أنه احتز من كتف شاة فى يده، فدعى الصلاة فألقاها والسكين التى يحتزّ بها، ثم قام للصلاة ولم يتوضأ» (1) دليل لحل قطع اللحم بالسكين والنهى عنه وأنه من صنع الأعاجم والأمر بنهشه، فإنه أهنئ وأمرئ. قال أبو داود والبيهقى: ليس بالقوى، أو مخصوص باللحم غير المشوى انتهى، والتخصيص إنما هو على فرض صحته. ولم يصح، فلم يكره ذلك مطلقا، نعم الأمر بالنهش، وأنه أهنئ وأمرئ، له شاهد أخرجه المصنف بلفظ: «انهشوا اللحم نهشا، فإنه أهنئ
159 - إسناده صحيح: رواه أبو داود فى «الطهارة» (188)، والنسائى فى الكبرى (6655)، (4/ 153)، والإمام أحمد فى مسنده (4/ 252،255)، ثلاثتهم من طرق عن مسعر به فذكره نحوه. مختصرا وتاما.
(1)
رواه البخارى فى الوضوء (208)، وفى الأذان (675)، وفى الجهاد (2923)، وفى الأطعمة (5408)، (5422)، (5462)، وكذلك رواه مسلم فى الحيض (355)، والترمذى فى الأطعمة (1836)، وأحمد فى المسند (4/ 139،179)، (5/ 278،288)، ورواه أيضا ابن أبى شيبة فى المصنف (1/ 48)، وفى المسند (904) بتحقيقنا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأمرئ» (1). وقال: لا نعرفه إلا من حديث عبد الكريم، وعبد الكريم هذا ضعيف، لكن له طريق أخرى فهو حسن، وغاية ما فيه أن النهش أولى، أو محمول على ما مر، أو على الصغير والاحتراز على الكبير لشدة لحمه، وإنما جزّ للمغيرة تواضعا منه صلى الله عليه وسلم، وإظهار المحبة له ليتألفه لقرب إسلامه وحملا لغيره على أنه وإن جلّت مرتبته فلا تمنعه جلالته عن مثل ذلك لأصحابه بل لأصاغرهم. (بلال) هو أبو عبد الرحمن كان يعذب فى ذات الله، واشتراه أبو بكر رضى الله عنه، وأعتقه، وهو أول من أسلم من الموالى شهد بدرا وما بعدها، ومات بدمشق سنة ثمان وعشرين من غير عقب. (يؤذنه) من الإيذان وهو الإعلام، وفى نسخة: بالهمز وتشديد الدال، وهو خاص استعمالا بالإعلام بوقت الصلاة، (تربت يداه) أى وصلت التراب من شدة الفقر، هذا أصل معناها، وجرت فى ألسنة العرب غير مراد بها ذلك، بل مجرد اللوم، كأنه صلى الله عليه وسلم كره تأذينه حين الاشتغال بالطعام مع بقاء وقت. (قال) أى المغيرة (وكان شاربه) أى بلال. (قد وفى) أى طال. (فقال) أى النبى صلى الله عليه وسلم. (له) أى لبلال. (أقصه لك) أى لأجل قربك منى أو لنفعك. (على سواك، أو قصه أنت على سواك) شك المغيرة فى أى اللفظين صدر من النبى صلى الله عليه وسلم قيل ورد: «أنه صلى الله عليه وسلم رأى رجلا طويل الشارب، فدعى بسواك وشفرة، فوضع السواك تحت شاربه ثم حزّه» فيه دليل لما قاله النووى: أن السنة فى قصّ الشارب أى لا يبالغ فى احتفائه، بل يقتصر على ما يظهر به حمرة الشفة وطرفها، وهو المراد بإحفاء الشوارب فى الحديث، وما تقرر فى حمل (2) الحديث هو ما دل عليه ظاهره، وقيل:
ضمير له للمغيرة وعدل به عن لى التفاتا، وقيل: ضمير قال الأول لبلال وفيه التفات أيضا، والثانى للنبى صلى الله عليه وسلم، وقيل: ضمير شاربه للنبى صلى الله عليه وسلم وضمير قال الأول للمغيرة، والثانى للنبى صلى الله عليه وسلم قال للمغيرة: أقص لك شاربك للتبرك به، وفى ذلك كله من التكلف ما لا يخفى، واعلم أن الناس اختلفوا: هل الأفضل حلق الشارب أو قصه؟ قيل:
الأفضل حلقه لحديث فيه، وقيل: الأفضل القص، وهو ما عليه الأكثر، بل رأى مالك تأديب الحالق، وما مرّ عن النووى قيل: يخالفه قول الطحاوى عن المزنى والرّبيع أنهما
(1) رواه الترمذى فى «الأطعمة» (1835)، باب ما جاء أنه قال: انهسوا اللحم نهسا (4/ 276)، بالسين، وكلاهما واحد، من باب: قطع.
(2)
فى (ش): [حمل] وهى غير مناسبة للسياق.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كانا يحفيانه ويوافقه قول أبى حنيفة وصاحبيه: الإحفاء أفضل من التقصير، وعن أحمد: كان يحفيه شديدا ورأى الغزالى رحمه الله وغيره: أنه لا بأس بترك السبالين اتباعا لعمر رضى الله عنه وغيره، ولأن ذلك لا يستر الفم، ولا يبقى فيه غمر الطعام، إذ لا يصل إليه وكره الزركشى إبقاءه لخبر صحيح عن ابن حبان، وذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم المجوس فقال:«إنهم يوفرون-يوفون-سبالهم ويحلقون لحاهم فخالفوهم» (1) وكان يجزّ سباله، كما تجزّ الشاة والبعير، وفى خبر عند أحمد:«قصّوا سبالكم، وأوفروا لحاكم» (2).
تتمة: فى خبر ضعيف «أنه كان صلى الله عليه وسلم لا يتنور، وكان إذا كثر شعره-أى شعر عانته- حلقه» (3) وصحّ لكن أعلّ بالإرسال «أنه كان إذا طلى عانته طلاها بعانته فطلاها بالنورة وسائر جسده» (4)، وخبر:«أنه دخل حمام الجحفة» موضوع باتفاق أهل المعرفة وإن زعم الدّميرى وغيره وروده، وفى مرسل عند البيهقى:«كان صلى الله عليه وسلم يستحب أن يأخذ من أظفاره وشاربه يوم الجمعة» (5) وله شاهد موصول سنده ضعيف، روى البزار. «كان صلى الله عليه وسلم يقلم أظفاره، ويقص شاربه يوم الجمعة قبل الخروج إلى الصلاة» (6)، وروى النووى
(1) هكذا فى الأصل، والحديث رواه ابن حبان فى صحيحه (5476)، من حديث عبد الله بن عمر رضى الله عنهما، بلفظ:«إنهم يوفون سبالهم،. . . الحديث. وعقبه: فكان ابن عمر يجزّ سباله، كما تجزّ الشاة أو البعير. ورواه البيهقى أيضا فى السنن الكبرى (1/ 151)، بلفظ «إنهم يوفرون» .
(2)
رواه أحمد فى المسند (2/ 229)، والطبرانى فى الكبير (11/ 152)، بلفظ:«قصوا الشوارب، واعفوا اللحى، ولا تمشوا فى الأسواق وعليكم الإزار» من حديث أبى هريرة، ورواه الطبرانى فى الكبير (8/ 282)، بلفظ «قصوا سبالكم واعفوا» .
(3)
رواه البغوى فى شرح السنة (12/ 113)، والبيهقى فى السنن (1/ 152)، وأبو الشيخ فى «أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم» (ص 57)، وأبو نعيم فى أخبار أصبهان (1/ 321)، من حديث أنس. قلت: وفى إسناده مسلم الملائى، قال فيه أحمد: لا يكتب حديثه، وقال البخارى: يتكلمون فيه.
(4)
روى أبو نعيم فى الحلية (5/ 67) من حديث أم سلمة رضى الله عنها بلفظ «كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا اطلى ولى عانته بيده» ، وذكره الهندى فى الكنز (6/ 682)(17387)، وعزاه لابن أبى شيبة.
(5)
ذكره الزبيدى فى الإتحاف (2/ 413)، وعزاه للبيهقى فى الكبرى.
(6)
ذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (2/ 170) وقال: رواه البزار والطبرانى فى الأوسط، وفيه إبراهيم بن قدامة، قال البزار: ليس بحجة إذا تفرد بحديث، وقد تفرد بهذا، قلت-يعنى الهيثمى-: ذكره ابن حبان فى الثقات.
160 -
حدثنا واصل بن عبد الأعلى، حدثنا محمد بن فضيل، عن أبى حيان التيمى، عن أبى زرعة، عن أبى هريرة قال:
«أتى النّبىّ صلى الله عليه وسلم بلحم، فرفع إليه الذراع، وكانت تعجبه، فنهش منها» .
161 -
حدثنا محمد بن بشار، حدثنا أبو داود، عن زهير-يعنى: ابن محمد- عن أبى إسحاق، عن سعيد بن عياض، عن ابن مسعود، قال:
ــ
كالعبادى: «من أراد أن يأتيه القنا على كره فليقلم أظفاره يوم الخميس» ، وفى حديث ضعيف: يا على قص الأظفار وانتف الإبط، واحلق العانة يوم الخميس، والغسل، والطيب، واللباس يوم الجمعة» (1). قيل: ولم يثبت فى كيفيته، ولا فى تعيين يوم شىء، وما يعزى من النظم فى ذلك لعلى رضى الله عنه، أو لغيره باطل (2).
160 -
(حيان) بمهملة فتحتية. (تعجبه) لسرعة نضجها مع زيادة لينها وبعدها عن مواضع الأذى. (الذراع) هو من المرفق إلى أطراف الأصابع وزعم أنه الساعد ليس فى محله. (فنهش) بمهملة أو معجمة أى أخذ اللحم بأطراف أسنانه، وقيل: هو بالمهملة ما ذكر وبالمعجمة تناوله بجميع الأسنان كما فى النهاية وعبارة غيره فأتناولها بالأضراس، وهذا لكونه أكثر أحواله فأدل على التواضع أحب وأولى من القطع بالسكين.
161 -
(وسمّ فى الذراع) أى فى فتح خيبر أى جعل فيه سم قاتل لوقته، فأكل منه
160 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى الأطعمة (1837)، بسنده ومتنه سواء، ورواه البخارى فى الأنبياء (3340)، ومسلم فى الإيمان (194)، من حديث الشفاعة والإمام أحمد فى المسند (2/ 435)، وابن ماجه فى الزهد (4308)، وأبو الشيخ فى أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم (ص 215)، وأبو نعيم فى المسند على مسلم (483)، كلهم من طرق عن أبى حيان التيمى به فذكره نحوه وبزيادة حديث الشفاعة.
161 -
إسناده صحيح: رواه أبو داود فى الأطعمة (3780،3781)، والإمام أحمد فى مسنده (1/ 394،397)، وأبو داود الطيالسى (388)، وأبو الشيخ فى «أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم» (ص 216)، كلهم من طرق عن زهير به فذكره نحوه.
(1)
ذكره فى الإتحاف (2/ 413،414)، والهندى فى الكنز (17256)، (17383) وعزاه للديلمى وأبى القاسم التيمى فى مسلسلاته.
(2)
انظر: إتحاف السادة المتقين (2/ 413،414).
«كان النّبىّ صلى الله عليه وسلم يعجبه الذّراع. قال: وسمّ فى الذّراع. وكان يرى أنّ اليهود سمّوه» .
ــ
صلى الله عليه وسلم لقمة، فأخبره جبريل بأنه مسموم فتركه ولم يضره ذلك السم. (وكان يرى أن اليهود سموه) لأن المرأة التى سمته لم تسمه إلا بعد أن شاورت يهود خيبر فى ذلك فأشاروا عليها به، واختاروا له ذلك السم القاتل لوقته وقد دعاها صلى الله عليه وسلم وقال لها:«ما حملك على ذلك؟» فقالت: قلت: إن كان نبيا لم يضره السم، وإلا استرحنا منه، فعفى عنها بالنسبة لحقه، فلما مات بعض أصحابه الذين أكلوا معه منها، وهو بشر بن البراء، قتلها فيه» (1) وبهذا جمع الأخبار المتعارضة فى ذلك كخبر البخارى «أنه صلى الله عليه وسلم لما فتح خيبر فسألهم عن أبيهم فقالوا فلان قال:«كذبتم» ، بل أبوكم فلان، فصدقوه، ثم قال لهم: من أهل النار؟ قالوا: نكون فيها يسيرا، ثم تخلفوننا فيها، قال: اخسئوا فيها، فو الله لا نخلفكم فيها أبدا، ثم قال لهم: هل جعلتم فى هذه الشاة سما؟ قالوا: نعم، قال:«فما حملكم على ذلك» ؟ فذكروا نحو ما مرّ عن المرأة»، وكخبر أبى داود:«أن يهودية سمت شاة مصلية، ثم أهدتها إليه صلى الله عليه وسلم، فأكل منها وأكل معه رهط من أصحابه فقال صلى الله عليه وسلم: «ارفعوا أيديكم وأرسل إليها، فقال: سميت هذه الشاة، قالت: من خبرك؟ قال: هذه الذراع قالت: نعم، قلت: إن كان نبيا لم يضره السم، وإلا استرحنا منه، فعفى عنها، ولم يعاقبها، وتوفى أصحابه الذين أكلوا من الشاة، واحتجم صلى الله عليه وسلم على كاهله من أجل الذى أكل من الشاة» (2) ولخبر الدمياطى: «جعلت زينب بنت الحارث امرأة سلام بن مشكم تسأل أى الشاة أحب إلى محمد؟ فيقولون لها: الذراع فعمدت إلى عنز لها فذبحتها وصلتها ثم عمدت إلى سم قاتل يقتل عن ساعته وتشاورت يهود فى سموم فاجتمعوا لها على ذلك فسمت الشاة وأكثرته فى الذّراعين والكتف فوضعت بين يديه صلى الله عليه وسلم، ومن حضر من أصحابه فيهم: بشر بن البراء، وتناول صلى الله عليه وسلم الذراع، فانتهش منها، وتناول بشر عظما، فلما ازدرد صلى الله عليه وسلم لقمة ازدرد بشر ما فى فيه وأكل القوم، فقال
(1) رواه الإمام أحمد فى المسند (1/ 305)، من حديث عبد الله بن عباس رضى الله عنهما، وذكره ابن كثير فى البداية والنهاية (4/ 209)، وقال: تفرد به أحمد، وإسناده حسن، وذكره الهيثمى أيضا فى مجمع الزوائد (8/ 295)، وعزاه لأحمد، وقال: رجاله رجال الصحيح، غير هلال ابن خباب وهو ثقة اه.
(2)
رواه أبو داود فى سننه (4510،4512)، وكذا الدارمى فى سننه (1/ 33)، والطبرانى فى الكبير (2/ 21)، وابن سعد فى الطبقات (2/ 202)، والبيهقى فى الدلائل (4/ 262).
162 -
حدثنا محمد بن بشار، حدثنا مسلم بن إبراهيم، عن أبان بن زيد، عن قتادة، عن شهر بن حوشب، عن أبى عبيد، قال:
«طبخت للنّبىّ صلى الله عليه وسلم قدرا، وقد كان يعجبه الذّراع، فناولته الذّراع، ثمّ قال:
«ناولنى الذّراع» . فناولته. ثمّ قال: «ناولنى الذّراع» . فقلت: يا رسول الله: وكم للشاة من ذراع؟ فقال: «والّذى نفسى بيده، لو سكتّ لناولتنى الذّراع ما دعوت» .
ــ
صلى الله عليه وسلم: «ارفعوا أيديكم فإن هذه الذراع تخبرنى أنها مسمومة» (1) وفيه أن بشرا مات وأنه دفعها إلى أوليائه، فقتلوها، وأنه لم يعاقبها، وأجاب السهيلى: بما مرّ أنه تركها أولا لأنه كان لا ينتقم لنفسه فلما مات بشر قتلها فيه، وأيده البيهقى احتمالا، وعند الزهرى: أنها أسلمت فتركها، ولا ينافى ما مر لأنه تركها لإسلامها ولكونه لا ينتقم لنفسه فلما مات بشر فلزمها القصاص بشرطه، فدفعها إلى أوليائه فقتلوها قصاصا. وإسلامها رواه سليمان التميمى فى مغازيها وأنها استدلت بعدم تأثير السم فيه على أنه نبى.
162 -
(عن أبى عبيد) رواه أحمد عن ابن رافع أيضا ولفظه: «أنه أهديت له شاة فى قدر، فدخل صلى الله عليه وسلم، فقال: «ما هذا؟» قال: شاة أهديت لنا قال: ناولنى الذراع، فناولته، فقال: ناولنى الذراع الآخر، فناولته، فقال: ناولنى الذراع الآخر، فقلت: يا رسول الله إنما للشاة ذراعان، فقال صلى الله عليه وسلم: أما إنك لو سكت لناولتنى ذراعا ما سكتّ. . .» (2) الحديث. (قدرا) أى طعاما فى قدر (فناولته الذراع) ظاهر السياق أنه لم يطلبه أول
162 - إسناده ضعيف وهو صحيح: وعلته: شهر بن حوشب قال فيه الحافظ: صدوق كثير الأوهام والإرسال (التقريب 2830)، ورواه أحمد فى المسند (3/ 484،485)، والدارمى فى المقدمة (1/ 22)، كلاهما من طريقه، وذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (8/ 311)، وعزاه لأحمد والطبرانى وقال: رجالهما رجال الصحيح غير شهر بن حوشب وقد وثقه غير واحد. قلت: بل إسناده ضعيف كما بين الحافظ، وللحديث شاهد عند الإمام أحمد فى المسند (6/ 8)، والطبرانى فى الكبير (970)، من حديث عبد الرحمن بن أبى رافع عن عمته عن أبى رافع مرفوعا، وكذلك شاهد عند أحمد فى المسند (2/ 517)، من حديث أبى هريرة بإسناد حسن.
(1)
رواه ابن سعد فى الطبقات الكبرى (2/ 202).
(2)
رواه أحمد فى مسنده (6/ 392).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مرة، وإنما ناوله بلا طلب لعلمه بأنه يعجبه. (وكم للشاة من ذراع) الظاهر أنه استفهام استبعاد أو تعجب لا إنكار، لأنه لا يليق فى هذا المقام. (بيده) أى بقوته وقدرته وإرادته وهذا من أحاديث الصفات، وفيها المذهبان المشهوران: التأويل إجمالا وهو تنزيه الله عن ظواهرها مع تفويض التفصيل إليه سبحانه، وهو مذهب السلف أى أكثرهم، وإلا فمالك وغيره من أكابرهم قد أولا تفصيلا حديث النزول وغيره، والتأويل تفصيلا هو مذهب الخلف أى أكثرهم، وإلا فجمع منهم اختاروا الأول، وبما قررته علم أنه لا خلاف بين الفريقين، لأنهم جميعا متفقون على التأويل، وإنما اختار السلف عدم التفصيل، لأنهم لم يضطروا إليه لقلة أهل البدع والأهواء فى زمانهم، والخلف التفصيل لكثرة أولئك فى زمانهم والإجمال لا يغنيهم، فاضطروا إلى التفصيل، وقد زل فى هذا المقام قدم جماعة من الحنابلة وغيرهم ممن كانوا أكابر أئمة زمنهم فأفضى بهم الأمر إلى تضليل الخلق، ومن أول السلف، فاتسع الخرق عليهم إلى أن ضلوا وأضلوا أسأل الله العفو والعافية فى الدين والدنيا والآخرة (1). (لو سكت) عما قاله وامتثل
(1) قلت: لقد نقل هذا الكلام الذى أورده المصنف وكلا من: على القارئ، وعبد الرءوف المناوى فى شرحيهما للشمائل، ورموا أئمة الحنابلة كابن تيمية بالضلال والإضلال، لا حول ولا قوة إلا بالله. إننا لو استقرأنا كتاب الله تعالى لوجدنا أن لفظ (اليد) جاء فى القرآن على ثلاثة أنواع: مفردا بِيَدِكَ اَلْخَيْرُ [آل عمران:26]، ومثنى لِماخَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص:75]، وجمعا مِمّاعَمِلَتْ أَيْدِينا [يس:71]. فإذا ما رجعنا هذه الاستعمالات الثلاثة لليد نجد أن الله إذا ذكر اليد مثناة، فيضيف الفعل إلى نفسه بضمير الإفراد، ويتعدى الفعل بالباء إليهما أى إلى اليدين لِماخَلَقْتُ بِيَدَيَّ. وإذا ذكرها تعالى بصيغة الجمع أضاف العمل إلى اليد، والفعل يتعدى بنفسه لا بالباء مِمّاعَمِلَتْ أَيْدِينا. وفى حالة الجمع يكون معنى عملت أيدينا، أى عملنا نحن، وهو يساوى عملنا وخلقنا ورزقنا وغير ذلك، ومن الجائز أن يضاف الفعل إلى يد ذى اليد بدلا من أن يضاف إليه مباشرة وهو أسلوب معروف عند العرب، وهو كقوله عز وجل بِماقَدَّمَتْ يَداكَ [الحج:101]، وفَبِماكَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ [الشورى:30]، وأما إذا أضيف الفعل إليه تعالى ثم عدىّ الفعل بالباء إلى يده مثناة أو مفردة فهذا مما باشرته يده تبارك وتعالى ويشهد لما ذكرنا ما جاء فى حديث الشفاعة الطويل الذى فى البخارى عن أنس رضى الله عنه (13/ 422)، فى قوله صلى الله عليه وسلم فى حق آدم وموسى عليهما السلام يقال لآدم:«أنت الذى خلقك الله بيده» ، ولموسى:«أنت الذى اصطفاك الله بكلامه وكتب لك التوارة بيده» . والمعنى هنا لا يقصد به =
163 -
حدثنا الحسن بن محمد الزعفرانى، حدثنا يحيى بن عباد، عن فليح بن
ــ
أمرى. (ما دعوت) أى ظلت مدة دوام طلبه، لأن الله سبحانه خلق فيها ذراعا بعد ذراع معجزة وكرامة له صلى الله عليه وسلم وشرف وكرم، وإنما منع كلامه تلك المعجزة، قيل: لأنه شغل النبى صلى الله عليه وسلم عن التوجه إلى ربه بالتوجه إليه إلى جواب سؤاله، وأقول: يحتمل أن سبب معارضته لتلك الكرامة برأيه مع خشونة قوله: «وكم ذراع؟» ما كان ينبغى عدم إيراده لما فيه من عدم تفويض أمر نبيه إلى ربّه فمنعه هذا التعرض الغير اللائق من مشاهدة هذه الكرامة الجليلة، لأن شهودها فيه نوع تشريف لمن اطلع عليها، وذلك التشريف لا يليق، إلا بمن كمل تسليمه حتى لم يبق فيه أدنى حظ ولا إرادة.
163 -
(ما كانت الذراع) هذا بحسب ما فهمته عائشة، وإلا فالذى دلت عليه ظواهر
= القدرة وإلا لم يكن للتوراة اختصاص بما ذكر، ولا كانت أفضلية لآدم على كل شىء مما خلق بالقدرة فهذه الصفة يقصد بها العطاء والأخذ والقبض، وهى غير صفة القدرة وكذلك النعمة، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم «يد الله ملائ لا يغيضها نفقة سحّاء الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماء والأرض فإنه لم ينقص ما فى يده وكان عرشه على الماء وبيده الميزان يخفض ويرفع» . فخلاصة ما يفهم من ذلك: أن النسبة التى بين اليد والقدرة كالتى بين الإرادة والمحبة. قال العلامة المحقق المدقق شمس الدين ابن قيم الجوزية: والذى يلوح فى معنى هذه الصفة-أى اليد-أنها قريبة من معنى القدرة، إلا أنها أخص منها معنى والقدرة أعم. ثم قال: كالمحبة مع الإرادة والمشيئة، وكل شىء أراده أحبه، وكذلك كل شىء حادث فهو واقع بالقدرة وليس كل شىء واقع بالقدرة واقعا باليد. فاليد أخص من معنى القدرة ولذلك كان فيها تشريف آدم اه. وقال ابن بطال عند تفسير قوله عز وجل: لِماخَلَقْتُ بِيَدَيَّ فى هذه الآية إثبات يدين لله تعالى، وهما صفتان من صفات ذاته، وليستا بجارحتين. اه. قلت: فإن اليد بمعنى القدرة لا ثبوت له عند أهل اللغة، إلا إذا كان من باب الكناية. . . والله أعلم. والخلاصة: أن مذهب السلف، والحنابلة هو الصواب وهو ما قال به شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم ومن تبعهما من أهل العلم.
163 -
إسناده ضعيف: فيه: فليح بن سليمان، قال فيه الحافظ: صدوق كثير الخطأ (التقريب 5443) وكذلك فيه عبد الوهاب بن يحيى بن عباد قال فيه: مقبول (التقريب 4265)، قلت: وفى الحديث نكارة ومخالفة لما فى الحديث الصحيح أنه «كان أحب اللحم إليه الذراع» رواه أبو الشيخ فى «أخلاق النبى» (ص 251)، من طرق عن جمع من الصحابة رضوان الله عليهم. والحديث رواه الترمذى فى الأطعمة (1838) بسنده ومتنه سواء، وقال: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
سليمان، قال: حدثنى رجل من بنى عباد، يقال له: عبد الوهاب بن يحيى بن عباد، عن عبد الله بن الزبير، عن عائشة رضى الله عنها قالت:
ــ
الأحاديث السابقة وغيرها أنه كان يحبه محبة غريزية طبيعية سواء فقد اللحم أم لا، وكأنها أرادت بذلك تنزيه مقامه الشريف أن يكون له ميل إلى شىء من الملاذ، وإنما سبب المحبة سرعة نضجها فيقل الزمن فى الأكل ويتفرغ لمصالح نفسه والمسلمين، وعلى الأول، فلا محذور فى محبة الملاذ بالطبع لأن هذا من كمال الخلقة، وإنما المحذور المنافى لكمال [التفاوت](1) النفس ومناها فى تحصيل ذلك وتأثيرها لفقده، ومما كان يحبه صلى الله عليه وسلم الرقبة على ما ورد عن ضباعة بنت الزبير «أنها ذبحت شاة فأرسل إليها أن أطعمينا من شاتك، فقالت: ما بقى عندنا إلا الرقبة، وإنى لأستحى أن أرسل بها فقال لرسوله:
ارجع إليها فقال: أرسلى بها، فإنه هادية الشاة، وأقرب الشاة إلى الخير وأبعدها عن الأذى» (2) أى فهى كلحم الذراع، والعضد أخفها على المعدة، وأسرع هضما، ومن ثمة ينبغى أن يؤثر من الغذاء ما كثر نفعها وتأثيره فى القوى وخف على المعدة، وكان أسرع انحدارا عنها، وهضما، لأن ما جمع ذلك أفضل الغذاء، وورد بسند ضعيف «أنه صلى الله عليه وسلم كان يكره الكليتين لمكانهما فى البول» (3)، (لأنها) أى الذراع وتأنيثها بكونها قطعة من الشاة. (أعجلها) أى اللحوم المفهوم من قوله:«لا يجد اللحم» لأنه مفرد محلى بأل فهو فى معنى الجمع.
(1) الزيادة من (ش). وما فى الأصل أنسب للسياق.
(2)
رواه أحمد فى مسنده (6/ 392).
(3)
ذكره الزبيدى فى إتحاف السادة المتقين (6/ 19)، وقال: رواه ابن السنى فى الطب النبوى وسنده ضعيف. (7/ 121). وذكره الهندى فى كنز العمال (18216)، وعزاه لابن السنى فى الطب عن ابن عباس (7/ 110).
164 -
حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا أبو أحمد، حدثنا مسعر، قال: سمعت شيخا من فهم، قال: سمعت عبد الله بن جعفر يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
«إنّ أطيب اللّحم لحم الظّهر» .
165 -
حدثنا سفيان بن وكيع، حدثنا زيد بن الحباب، عن عبد الله بن المؤمل، عن ابن أبى مليكة، عن عائشة رضى الله عنها، أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:
166 -
حدثنا أبو كريب: محمد بن العلاء، حدثنا أبو بكر بن عياش، عن ثابت أبى حمزة الثمالى، عن الشعبى، عن أم هانئ، قالت:
ــ
164 -
(الظهر) أى لأنه ألذ، وإنما آثر الذراع، لأنه انضم إلى محبته الغريزية التى لا تعلل بما مر من عدم احتياجه إلى طول زمن فى أكله، ووجه مناسبة هذه الترجمة أن أطيبيته تقتضى أنه صلى الله عليه وسلم ربما يتناوله فى بعض الأحيان.
166 -
(قالت. . .) إلخ فى سنده ضعيف وهو ثابت المذكور. (لا) أى ليس شىء عندنا
164 - إسناده ضعيف: للجهالة بالشيخ الذى من فهم. ورواه ابن ماجه فى الأطعمة (3308)، والإمام أحمد فى المسند (1/ 205)، كلاهما من طريق مسعر به فذكره نحوه، وذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (5/ 36)، وعزاه للطبرانى فى الأوسط وقال فيه: يحيى الحمانى وهو ضعيف.
165 -
إسناده صحيح: وقد تقدم فى الحديث رقم (145).
166 -
إسناده ضعيف: فيه: أبو حمزة الثمالى: وهو ضعيف. ورواه الترمذى فى الأطعمة (1841) بسنده ومتنه سواء، ورواه أبو نعيم فى الحلية (8/ 312، 313)، وكذا فى معرفة الصحابة (2/ 245/ب) أتم الله تحقيقه، من طريق أبى بكر بن عياش به فذكره. قلت: ويشهد للحديث ما رواه مسلم وغيره من حديث عائشة وجابر رضى الله عنهما وقد تقدما برقم (145)، (147).
«دخل علىّ النّبىّ صلى الله عليه وسلم فقال: أعندك شىء؟ فقلت: لا، إلا خبز يابس وخلّ.
فقال: هاتى. ما أقفر بيت من أدم فيه الخلّ».
167 -
حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرة، عن مرة الهمذانى، عن أبى موسى الأشعرى رضى الله عنه، عن النبى صلى الله عليه وسلم، قال:
«فضل عائشة على النّساء كفضل الثّريد على سائر الطّعام» .
ــ
فليست لا التى لنفى الجنس. (إلا خبز يابس) فما بعد الاستثناء استثناء مفرغا مما قبلها الدال عليه التقدير المذكور، وبهذا يندفع ما نقل عن ابن مالك أن فى الحديث شاهد على جواز إبدال ما بعد إلا من محذوف، اللهم إلا أن يريد بالمحذوف ما ذكرناه، وهو الظاهر، فلا اعتراض عليه، وعدلت إلى هذا عن الجواب الأنسب بالسياق، وهو «خبز يابس وخل» إقامة لعذرها وإظهارا لحقارة ما عندها فى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن ثمة طيب خاطرها بقوله:(ما أقفر. . .) إلخ أى: ما خلا من الإدام ولا عدم أهله الأدم والقفار الطعام بلا إدام من القفر، وهو الأرض الخالية من الماء. (من أدم) متعلق بأقفر.
(فيه الخل) صفة لبيت، ولم يفصل بينهما بأجنبى من كل وجه، لأن أقفر ما حل فى بيت وصفته، وفيما فصل به بينهما، فقول حنشول الطيبى: فيه فصل بأجنبى أى من بعض الوجوه، وهو لا يضر خلافا لما يوهمه كلامه، ويصح كونه حالا منه، لأنه موصوف تقديرا، أى بيت من البيوت، قال الطيبى: أو لأنه نكرة سلط عليه نفى عام وذلك مسوغ لمجىء الحال منها، وهذا أولى وأحسن، وفى هذا الحديث: الحث على عدم النظر إلى الخبز والخل بعين الاحتقار، وأنه لا بأس بسؤال الطعام ممن لا يستحى السائل منه لصدق المحبة والعلم بود المسئول لذلك.
167 -
(على النساء) أى حتى آسية، وأم موسى فيما يظهر، وإن استثنى بعضهم
167 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى الأطعمة (1834) بسنده ومتنه سواء، ورواه البخارى فى الأطعمة (5418)، ومسلم فى فضائل الصحابة (2431)، والنسائى فى عشرة النساء (7/ 6817)، وفى سننه الكبرى (8895)، وابن ماجه فى الأطعمة (3280)، وأحمد فى المسند (4/ 394،409)، كلهم من طرق عن عمرو بن مرة به فذكره نحوه وفيه زيادة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
آسية، وضم إليها مريم، وفيما قاله محتمل لحديث:«فاطمة سيدة نساء أهل الجنة إلا مريم بنت عمران» (1) وفى رواية لابن أبى شيبة بعد مريم بنت عمران «وآسية امرأة فرعون وخديجة بنت خويلد» (2) فإذا فضلت فاطمة، فعائشة أولى، وذهب بعضهم: إلى تأويل النساء بنسائه صلى الله عليه وسلم ليخرج مريم، وأم موسى، وحواء، وآسية، ولا دليل له على هذا التأويل فى غير مريم، وآسية، نعم يستثنى خديجة، فإنها أفضل من عائشة على الأصح لتصريحه لعائشة بأنه لم يرزق خيرا من خديجة، وفاطمة أفضل منها، إذ لا يعدل ببضعته أحد، وبه يعلم أن بقية أولاده كفاطمة، وأن سبب الأفضلية: ما فيهن من البضعة الشريفة، ومن ثم حكى ابن السبكى عن بعض أئمة عصره: أنه فضل الحسن والحسين على الخلفاء الأربعة، من حيث البضعة، لا مطلقا، فهم أفضل منهم علما ومعرفة، وأكثر ثوابا، وآثارا فى الإسلام (الثريد) هو بفتح المثلثة أن يثرد الخبز بمرق اللحم، وقد يكون معه اللحم. (على سائر الطعام) من جنسته بلا ثريد، لما فى الثريد من النفع، وسهولة مساغه وتيسير تناوله، وأخذ الكفاية منه بسرعة، ومن أمثالهم:
الثريد أحد اللحمين وروى أبو داود: «أحب الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الثريد من الخبز والثريد من الحيس» (3)، وفى حديث:«سيد الإدام اللحم» (4) قضيته، بل صريحه: أن سيد الأطعمة اللحم، والخبز، ومرق اللحم فى الثريد قائم مقامه، بل ربما يكون أولى منه كما ذكره الأطباء فى مفاد اللحم بالكيفية التى يذكرونها فيه، قالوا: هو يفيد الشيخ إلى صباة، وروى الطبرانى فى الأوسط:«أن جبريل أطعمنى الهريسة يشدّ بها ظهرى لقيام الليل» ، ورد: بأنه موضوع.
(1) رواه النسائى فى خصائص على رضى الله عنه (127)، وابن أبى عاصم فى الآحاد والمثانى (2963،2970)، والطبرانى فى الكبير (1034).
(2)
رواه ابن أبى شيبة فى المصنف (12/ 126)، (12320)، وابن أبى عاصم فى الآحاد والمثانى (2961)، والطبرانى فى الكبير (1004)، ورواه أحمد فى المسند (1/ 293،316،322).
(3)
رواه أبو داود فى الأطعمة (3783)، باب فى أكل الثريد (3/ 350)، وقال أبو داود: وهو ضعيف.
(4)
ذكره العجلونى فى كشف الخفاء (1/ 461)، وعزاه لابن ماجه وابن أبى الدنيا فى إصلاح المال من حديث أبى الدرداء مرفوعا وبين وجه ضعفه، وقد تقدم تخريجه والكلام عليه.
168 -
حدثنا على بن حجر، حدثنا إسماعيل بن جعفر، حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر الأنصارى، أبو طوالة، أنه سمع أنس بن مالك قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم:
«فضل عائشة على النّساء كفضل الثّريد على سائر الطّعام» .
169 -
حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن سهيل بن أبى صالح، عن أبيه، عن أبى هريرة رضى الله عنه:
«أنّه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم توضّأ من أكل ثور أقط. ثمّ رآه أكل من كتف ثمّ صلّى ولم يتوضّأ» .
ــ
169 -
(توضأ) قيل بغسل فمه وكفيه. (من ثور أقط) بالمثلثة أى من أجل أكل قطعة عظيمة من أقط ففى القاموس: الثور: القطعة من الأقط أى فالإضافة بيانية، وهو لبن مجمد بالنار وحمل الوضوء على ما ذكره فيه نظر وما المانع من حمله على الوضوء الشرعى وهو صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ مما مسته النار، ثم نسخ ذلك كما مر، فسلم إن ثبت أن الوضوء بعد النسخ، كان لحمله على الاستحباب اتجاه تام، وعلى غسل ما ذكر بعض اتجاه، وعليه ففيه دليل لمذهبنا: أنه يندب غسل اليدين بعد الطعام، إلا إن لم يعلق بها شىء ألبته، وكذا قبله، إلا إن تيقن نظافتها، وكان وحده، وإلا فيظهر أنه يسن غسلهما مطلقا تطيبا لخاطر جليسه، ومن العجيب قول بعضهم: يحتمل أن يكون الثور الأقط:
من البعير فيكون الوضوء منه دون الشاة انتهى فإن إرادته من لبن البعير لأنه يشمل الناقة
168 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى المناقب (3887)، بسنده ومتنه سواء، ورواه البخارى فى فضائل الصحابة (3770)، وفى الأطعمة، (5419،5428)، وابن ماجه فى الأطعمة (3281)، والدارمى فى سننه (2/ 106)، والإمام أحمد فى مسنده (3/ 156،264)، كلهم من طرق عن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر به فذكره نحوه.
169 -
إسناده حسن: رواه ابن ماجه فى الطهارة (493)، والطيالسى فى مسنده (1/ 58)، وابن خزيمة فى صحيحه (42)، والبزار فى مسنده (297)، والطحاوى فى شرح معانى الآثار (1/ 67)، وابن حبان فى صحيحه (1151 إحسان)، والبيهقى فى السنن (1/ 56)، كلهم من طرق عن سهيل بن أبى صالح به فذكره.
170 -
حدثنا ابن أبى عمر، حدثنا سفيان بن عيينة، عن وائل بن داود، عن ابنه وهو بكر بن وائل، عن الزهرى، عن أنس بن مالك، قال:
«أولم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صفيّة بتمر وسويق» .
ــ
فلبنه لا يفارق لبن الشاة، وإن أراد أنه من لحمه خالف تفسيره المذكور فى القاموس وغيره. (ولم يتوضأ) أى الوضوء الشرعى، وعدم وجوبه، هو ما ذهب إليه جمهور الصحابة، وغيرهم، وأوجبته فرقة: لحديث الوضوء مما مسته النار، وردّه الجمهور، لأنه منسوخ بما صحّ عن جابر «أنه صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار آخر الأمرين من فعله صلى الله عليه وسلم (1)، أو يحمل الوضوء على غسل الفمّ واليدين، قيل: وأجمع من بعد الصدر الأول على عدم الوجوب.
170 -
(أولم) من الولم وهو الاجتماع، والوليمة: طعام يصنع عند عقد النكاح، أو بعده، ويحتمل أنها إذا فعلت بعده يشترط قربها منه، بحيث تنسب إليه عرفا، ويحتمل استمرار طلبها، وإن طال الزمن، قياسا على ما قالوا فى العقيقة من بقائها إلى البلوغ مطالبا بها الأب، ثم ينتقل الطلب إلى الولد نفسه، وهى سنة مؤكدة، والأفضل فعلها بعد الدخول، اقتداء به صلى الله عليه وسلم، والإجابة إليها واجبة بالشروط المقررة فى محلها، وبقية الولائم سنة، وقال أهل الظاهر وبعض السلف: واجبة. (صفيّة) بنت حيى من نسل هارون أخى موسى عليهما السلام اصطفاها رسول الله صلى الله عليه وسلم من سبى خيبر ورواية البخارى: «أنه تزوج بها وكان قد قتل زوجها؛ كنانة بن الربيع بن أبى الحقيق، وكانت عروسا، فذكر له جمالها فاصطفاها لنفسه، فخرج بها حتى بلغ سد الصهباء، حلت له، أى طهرت من الحيض، فبنى بها، فصنع حيسا فى نطع صغير، ثم قال لأنس: آذن من حولك وكانت تلك وليمته عليها قال: ثم خرجنا إلى المدينة، فرأيت النبى صلى الله عليه وسلم يحوى لها وراءه بعباءة، ثم يجلس عند بعيره، فيضع ركبتيه، وتضع صفية رجلها على ركبتيه حتى تركب» ، وفى رواية: «أنها صارت إلى دحية، ثم للنبى صلى الله عليه وسلم فجعل عتقها
170 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى النكاح (1095) بسنده ومتنه سواء، ورواه أبو داود فى الأطعمة (3744)، وابن ماجه فى الأطعمة (1909)، وأحمد فى المسند (3/ 110)، كلهم من طريق سفيان بن عيينة عن وائل بن داود به فذكره.
(1)
تقدم تخريجه.
171 -
حدثنا الحسين بن محمد البصرى، حدثنا الفضيل بن سليمان، حدثنا فائد-مولى عبيد الله بن على بن أبى رافع-مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: حدثنى عبيد الله بن على، عن جدته سلمى:
«أنّ الحسن بن علىّ، وابن عبّاس، وابن جعفر. أتوها، فقالوا لها: اصنعى لنا طعاما ممّا كان يعجب رسول الله ويحسّن أكله. فقالت: يا بنىّ، لا تشتهيه اليوم.
ــ
صداقها»، وفى رواية:«فأعتقها وتزوجها» ، وفى رواية أنه قال له:«خذ جارية من السبىّ غير مأذون» ، وفى رواية لمسلم:«أنه اشتراها منه بسبعة أرؤس» (1) وإطلاق الشرك هنا مجاز، ورواية:«سبعة» لا تنافى رواية البخارى: «خذ جارية من السبى غيرها» ، لأن النفى فيها ما ينفى الزيادة فلعله قال له هذا أولا، ثم أكمل له سبعة، وحكمة أخذها منه: أنها بنت بعض ملوكهم فلقلة نظيرها فى السبى، وكثرة نظراء دحية، خشى من تغير خاطر بعضهم، فكان من المصلحة العلية ارتجاعها منه، واختصاصه بها، فإن ذلك من رضاء الجميع، وليس ذلك من الرجوع فى الهبة من شىء، وكانت رأت قبل أن القمر سقط فى حجرها فتأول بذلك قال الحاكم، وكذا جرى لجويرية أم المؤمنين. (2)
171 -
(ويحسن أكله) من الإحسان، فى نسخة، ومن التحسين فى أخرى، (يا بنى)
171 - إسناده ضعيف: ذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (10/ 325)، وعزاه للطبرانى وقال: رجاله رجال الصحيح غير فائد مولى ابن أبى رافع فهو ثقة. قلت: بل إن فى إسناد الحديث راو ضعيف، وهو الفضيل بن سليمان قال فيه الحافظ: صدوق له خطأ كثير، (التقريب 5427)، وكذلك فيه: عبيد الله بن على: لين الحديث (التقريب 4322).
(1)
رواه البخارى فى البيوع (2235)، وفى المغازى (4195)، وأحمد فى المسند (3/ 159)، والبغوى فى شرح السنة (11/ 24)، (2677)، من حديث السويد بن النعمان، وأنس رضى الله عنهما.
(2)
رواه البخارى فى صلاة الخوف (947) وفى النكاح (5086)(5169) وفى المغازى (4200)، ومسلم فى النكاح (1365)، وأبو داود (2054)، والترمذى (1115)، وابن ماجه (1957)، والدارمى (2/ 154)، وأحمد فى مسنده (3/ 99،165،170،181،203،239،242، 280،291).
قال: بلى. اصنعيه لنا. قال: فقامت فأخذت شيئا من الشّعير فطحنته، ثمّ جعلته فى قدر، وصبّت عليه شيئا من زيت، ودقّت الفلفل والتّوابل فقرّبته إليهم، فقالت: هذا ممّا كان يعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحسّن أكله».
172 -
حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا أبو أحمد، عن سفيان، عن الأسود بن قيس، عن نبيح العنزى، عن جابر بن عبد الله، قال:
ــ
التصغير للشفقة، وأفردت مع أن الحق الجمع، إما إيثار الخطاب أكثرهم أو لأنهم لما اتحدت طلبتهم صاروا بمنزلة شخص واحد (لا تشتهيه اليوم) أى لاتساع العيش، وذهاب ضيقه الذى كان أولا. (والتوابل) جمع تابل أبزار الطعام وروى المصنف، وقال: حسن غريب «أنه صلى الله عليه وسلم أكل السلق مطبوخا بالشعير، وأكل الخزيرة» بمعجمة مفتوحة فزاى مكسورة فتحتية فراء قال القرطبى: كالعصيدة، إلا أنها أرق، وابن فارس: دقيق يخلط بشحم، والجوهرى: كالقتبى لحم يقطع صغارا، ويصب عليه ماء كثير، فإذا نضج در عليه دقيق، وقيل: هى بالإعجام من النخالة، وبالإهمال من اللبن «وأكل الكباث» رواه مسلم (1) وهو بفتح الكاف، وتخفيف الموحدة وبمثلثة آخره: النضيج من ثمر الأراك وقيل: ورقه (2)، فى نهاية ابن الأثير «أنه كان يحب جمار النخل» (3)، وروى أبو داود:
«أنه صلى الله عليه وسلم أتى بجبنة فى تبوك فدعى بسكين فسمى وقطع» .
172 -
(نبيح) بضم النون وفتح الموحدة. (العنزى) بفتح المهملة والنون منسوب إلى
172 - حديث صحيح: رواه الإمام أحمد فى المسند (3/ 353،397)، والدارمى فى المقدمة (1/ 45)، مختصرا ومطولا.
(1)
روى مسلم فى صحيحه (2050)، باب فضيلة الأسود من الكباث عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما قال: كنا مع النبى صلى الله عليه وسلم بمر الظهران، ونحن نجنى الكباث، فقال النبى صلى الله عليه وسلم:«عليكم بالأسود منه» . . . الحديث، وكذا رواه البخارى (5453).
(2)
انظر: الطب النبوى للإمام الذهبى (ص 180)، وزاد المعاد للإمام ابن قيم الجوزية (4/ 365).
(3)
لم أجده فى النهاية لابن الأثير مادة (جمر)، وقال أبو موسى الأصفهانى فى المجموع المغيث (1/ 347): وجمّار النخل: شحمه وقلبه، وكذا جامور النخل. وجمّرتها: أى قطعت ذلك منها، وروى البخارى فى العلم (72)، ومسلم (6/ 17،153،155) نووى، وأحمد فى المسند (2/ 12،41،61) عن ابن عمر رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم أتى بجمار نخلة فقال: «إن من الشجر شجرة لها بركة كبركة المسلم» .
«أتانا النّبىّ فى منزلنا، فذبحنا له شاة. فقال: كأنهم علموا أنّا نحب اللّحم» .
وفى الحديث قصة.
ــ
عنزة حى من ربيعة. (فقال) أى النبى صلى الله عليه وسلم. (لهم) أى لجابر وأهل منزله. (كأنهم علموا أنّا) يحتمل أنها للجمع، أو للتعظيم. (نحب اللحم) أى فأضافونا به، وقصد بذلك تأنيسهم، وجبر خواطرهم دون إظهار الشغف باللحم والإفراط فى محبته، وفيه: إرشاد المضيف إلى أنه ينبغى له أن يثابر على ما يحبه الضيف إن عرفه، والضيف إلى أن يخبر بما يحبه، حيث لم يوقع المضيف فى مشقة. (وفى الحديث قصة)، هى «أن جابر فى غزوة الخندق قال: انكفأت إلى امرأتى، فقلت: هل عندك شىء، فإنى رأيت بالنبى صلى الله عليه وسلم جوعا شديدا؟ فأخرجت جرابا فيه صاع من شعير، ولنا بهيمة داجن أى شاة بينة فذبحتها أى: لنا، وطحنت أى: زوجتى الشعير حتى جعلنا اللحم فى البرمة، ثم جئته صلى الله عليه وسلم وأخبرته الخبر سرا له، وقلت: تعال أنت، ونفر معك، فصاح يا أهل الخندق:«إن جابرا صنع سورا» أى بسكون الواو بغير همز: طعاما يدعو إليه الناس، واللفظة فارسية فجئ هلا (1) بكم أى: هلموا مسرعين، فقال صلى الله عليه وسلم:«لا تنزلن برمتكم ولا تخبزن عجينكم حتى أجىء، فجاء فأخرجت له عجينا فبصق فيه وبارك، ثم عمد إلى برمتنا فبصق وبارك [ثم قال: «ادع خابزة لتخبز معك، واقدحى» أى اغرفى. «من برمتكم ولا تنزلوها» ، وهم ألف، فأقسم بالله! لأكلوا حتى تركوه وانحرفوا] (2) وإن برمتنا لتغطّ-أى تغلى ويسمع تغطيطها-كما هى، وإن عجيننا ليخبز كما هو» (3) رواه البخارى ومسلم، ورويا أيضا (4):«أن أبا طلحة عرف الجوع فى صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسل له مع أنس أقراصا من شعير فوجده فى المسجد-أى المعد للصلاة فيه حين حاصره الأحزاب فى غزوة الخندق-قال: «أرسلك أبو طلحة» ؟ قلت: نعم، فقال لمن معه:«قوموا»
(1) فى (أ): (فحيهلا).
(2)
ما بين [] ليس فى (ش):
(3)
رواه البخارى فى المغازى (4102)، ومسلم فى الأشربة (2039).
(4)
رواه البخارى فى الصلاة (422)، وفى المناقب (3578)، والأطعمة (5381)، والأيمان والنذور (6688)، ومسلم فى الأشربة (2040)، وكذلك رواه الترمذى فى المناقب (3630)، ومالك فى الموطأ فى صفة النبى صلى الله عليه وسلم (2/ 927،928)، وأحمد فى المسند (3/ 147،242)، والبغوى فى شرح السنة (3721)، وأبو عوانة فى المسند (5/ 380)، والفريابى فى الدلائل (6،7)، وكذا أبو نعيم فى دلائله (322)، واللالكائى فى الاعتقاد (1483)، وابن حبان فى صحيحه (6534)، والبيهقى فى الدلائل (6/ 88،89)، وفى السنن (7/ 273).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فانطلق وانطلقت بين أيديهم، فأخبرت أبا طلحة، فأعلم أم سليم بذلك مع أنه لا شىء عندهم فقلت له: الله ورسوله أعلم، فتلقاه أبو طلحة فلما جاء معه، قال:«هلمى يا أمّ سليم ما عندك؟» فأتت بذلك الخبز، فأمر به ففتّ وعصرت عليه أم سليم عكة فأدمته، ثم قال فيه صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقول، ثم قال: ائذن لعشرة، فأذن، ثم لعشرة، وهكذا حتى أكلوا كلهم وشبعوا، وكانوا سبعين، أو ثمانين»، وفى رواية لمسلم:«ثم أكل صلى الله عليه وسلم وأهل بيته ثم ترك بقية» ، وفى رواية للبخارى:«ثم أكل فجعلت أنظر هل نقص منها شىء» ، وفى رواية:«ثمانية» بدل عشرة، وهى تدل على تعدد القصة، وكان حكمة ذلك العدد: أن تلك القصعة لا تسع أن يجلس عليها أكثر من ذلك، وفى رواية:«أنه لما انتهى إلى الباب قال لهم: اقعدوا، ثم دخل» ، وفى أخرى:«أنه قال: هل من سمن؟ فقال: أبو طلحة: قد كان فى العكة شىء، فجعلا يعصرانها حتى أخرج، ثم مسح صلى الله عليه وسلم القرص، فانتفخ وقال: بسم الله، فلم يزل يفعل ذلك والقرص ينتفخ حتى رأيت القرص فى الجفنة يتسع» ، وفى أخرى:«أن أبا طلحة لما بلغه أنه ليس عند النبى صلى الله عليه وسلم طعاما أجر نفسه بصاع من شعير ثم جاء به» ، وفى رواية:«أنه رآه يقرئ أصحاب الصفة سورة النساء، وقد ربط بطنه حجرا» ، وفى أخرى:«أنه وجده مضطجعا يتقلب ظهرا لبطن» ، وهذا كله صريح فى تعدد القصة، وأول الحديث الأول يقتضى أن أنسا أرسل بالخبز ليأخذه صلى الله عليه وسلم فيأكل، لكنه لما رأى كثرة الناس استحى، وظهر له أنه يدعوه وحده إلى منزله ليحصل المقصود من إطعامه، ويحتمل أنه قيل له:«افعل ذلك إذا رأيت كثرة» ، وفى رواية لأبى نعيم وأصلها عند مسلم: «أنهم أصابهم مجاعة فى غزوة تبوك، فقال عمر: يا رسول الله ادعهم بفضل أزوادهم، ثم ادعو الله لهم عليها بالبركة، فقال: نعم، ففعلوا فاجتمع شىء يسير، ثم قال: خذوا شيئا فى أوعيتكم، فما تركوا فى العسكر وعاء إلا ملوه وفضلت فضلة. وروى الشيخان: «أن أم سليم صنعت له صلى الله عليه وسلم وهو عروس بزينب حيسا من سمن وتمر وأقط، وجعلته فى ثوب، ثم أرسلته إليه مع أنس، فقال: ادع من لقيته، فاجتمع زهاء ثلاثمائة، فوضع النبى صلى الله عليه وسلم يده على تلك الحيسة، وتكلم بما شاء الله، ثم جعل يدعو عشرة عشرة يأكلون منه، ويقول لهم: اذكروا اسم الله عليه، وليأكل كل رجل مما يليه، وأكلوا كلهم حتى شبعوا، فقال: يا أنس ارفع، فرفعت، فما أدرى حين وضعت، فكان أكثرهم حين
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
رفعت» (1) وروى مسلم: «أنه أطعم رجلا وسقا من شعير، فأكلوا منه مدة حتى كالوه، فأخبر النبى صلى الله عليه وسلم فقال: «لو لم تكله لأكلتم منه ولقام لكم» (2) قال النووى: وإنما ذهب لما كالوه؛ عقوبة لهم، لأن كيله معناه التسليم، ومتضمن للتدبير وتكلف للإحاطة بأسرار الله، وصحّ «أنه صلى الله عليه وسلم أتى بقصعة من لحم، فتعاقبوها من غدوة حتى الليل يقوم قوم ويقعد آخرون وقال رجل لسمرة هل كانت تمد؟ قال: ما كانت تمد إلا من السماء» ومعجزاته صلى الله عليه وسلم كثيرة، ولا بأس بالكلام على شىء منها، وما يتعلق بها، فإن إخلاء هذا الكتاب منها غير لائق إذ هى أخصّ الشمائل كلّها وأكملها، واعلم أن أعظم معجزاته وأشهرها، وأعمها: القرآن، والكلام فى وجوه إعجازه، وما اشتمل عليه مما يناسب ذلك مستوفى فى كلام المفسرين والأصوليين، وأما غيره فمنه ما وقع التحدى به، وهو طلب المعارضة والمقابلة، ومنه ما وقع بدون طلب، ولا ينافى تسميته معجزة أن التحدى شرط فيها، لأنا نقول هو شرط فيها فى الجملة، لا فى كل من جزئياتها، وبها يرد ما أورد على مشترط ذلك كالباقلانى بما شنع به جمع عليه، وأطالوا، وهى ما قبل نبوته كقصة الفيل، والنور الذى خرج معه حتى أضاء له قصور الشام، وأسواقها، وحتى رؤيت أعناق الإبل ببصرى، ومسح الطائر لفؤاد أمه حتى لم تجد ألما لولادته والطواف به فى الأفاق، وغيض ماء بحيرة ساوة، وخمود نار فارس، وسقوط شرفات إيوان كسرى، وما سمع من الهواتف الصارخة بنعوته وأوصافه، وانتكاس الأصنام وخرورها لوجهها من غير دافع لها من أمكنتها إلى سائر ما نقل من العجائب فى أيام ولادته، وأيام حضانته وبعدها إلى أن بقاه الله؛ كإظلال الغمام أى فى السفر، وشق الصدر، وهذا القسم لا يسمى معجزة حقيقية، لتقدمه على التحدى جملة وتفصيلا، وإنما يسمى إرهاصا أى تأسيسا للنبوة، وهذا ما عليه أهل السنة، وقالت المعتزلة: لا يجوز تقديم المعجزة إلى الإرسال، وبما قررته يعلم أن الخلاف لفظى، وأما بعد موته، وهو غير محصور إذ كل خارق وقع لخواص أمته، إنما هو فى الحقيقة له، إذ هو السبب فيه وأما من حين نبوته إلى وفاته، وهذا هو الذى الكلام فيه فمنه: انشقاق القمر لما طلب منه
(1) رواه البخارى فى النكاح (5163)، ورواه مسلم فى النكاح (1428)، والترمذى فى التفسير (3218)، والنسائى فى النكاح (6/ 110،111).
(2)
رواه مسلم فى الفضائل (2281)، والبيهقى فى الدلائل (6/ 114).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كفار قريش آية على صدقه، والدليل على وقوعه ظاهر الآية، وأجمع أهل السنة عليه، وهى من أمهات معجزاته وخواصها، إذ ليس فى معجزات الأنبياء ما يقاربه لأنه ظهر فى الملكوت الأعلى خارجا عن طباع هذا العالم، فلا حيلة فى الوصول إليه، وقد حقق التاج السبكى: أن انشقاقه متواتر، ذكر فى الصحيحين «أنه انشق فرقتين حتى رأوا حراء بينهما، فقالوا: هذا سحر كما سألوا السحار فإنه لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم، فسألوهم، فأخبروا بذلك» (1) وفى رواية لمسلم: «أخبرهم بانشقاقه مرتين» (2)، وفى رواية لأبى نعيم:«فصار قمرين» (3) ولهذا المراد برواية مسلم مرتين، وأما ما اقتضاه كلام الحافظ أبى الفضل العراقى: من الإجماع على أنه انشق مرتين، فتعقب بأن ذلك لم يجزم له أحد من علماء الحديث، فضلا عن الإجماع، فالوجه أن مرتين بمعنى فرقتين جمعا بين الروايات، وفى البخارى عن ابن مسعود:«ونحن بمنى» (4) ولا يعارضه قول أنس: «أنه كان بمكة» (5) لأن المراد أنه كان بها لا بالمدينة، وقد أنكر جمهور الفلاسفة ذلك، لإنكارهم الخرق والالتئام فى الأجرام العلوية، وهؤلاء كفار، وتقرير بطلان مذهبهم فى الأصول، وأنكره أيضا بعض الملاحدة محتجين بأنه لو وقع لم يخف على أحد من أهل الأرض، ولم يختص بأهل مكة، ورد: بأنه وقع ليلا لحظة وقت النوم والغفلة والنوم، فلا مانع من خفائه على من بعد فى ذلك الإقليم، وليس هو دون الكسوف الذى يظهر بمحل دون آخر، على أنه لولا إخبار المنجمين به قبل وقوعه، لربما خفى على أكثر أهل الأرض، وحكمة قدم بلوغ معجزة من معجزاته غير القرآن تواتره أن نظير ذلك فى الأمم السابقة، أعقبت هلاك من كذب بها وهو صلى الله عليه وسلم رحمة عامة، فكانت معجزته غير عامة لئلا يعاجل المكذبون بما عوجل به من سبقهم، وحكى البدر
(1) رواه البخارى فى المناقب (3637)، وفى التفسير (4864)، ورواه مسلم فى صفات المنافقين (2800)، وكذلك أحمد فى المسند (1/ 377،412،447)، (3/ 275،278)، (4/ 82)، وأبو نعيم فى الدلائل (1/ 201) من حديث عبد الله بن مسعود رضى الله عنه.
(2)
تقدم فى الذى قبله
(3)
رواه الحافظ أبو نعيم فى دلائل النبوة (1/ 202).
(4)
تقدم.
(5)
رواه البخارى فى المناقب (3637)، و (3868)، ومسلم فى صفة المنافقين (2802)، من حديث أنس بن مالك رضى الله عنه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الزركشى عن شيخه العماد ابن كثير: أن ما حكى «أن القمر دخل فى جيبه صلى الله عليه وسلم وخرج من كمه» فليس له أصل، ومنه: رد الشمس، لخبر «لما كان رأسه صلى الله عليه وسلم فى حجر على رضى الله عنه حتى غربت، ولم يصلّ العصر، فدعا صلى الله عليه وسلم بردها حتى صلاها» وحديثها صححه الطحاوى وعياض، وأخرجه جماعة منهم الطبرانى بسند حسن (1)، وأخطأ من جعله موضوعا كابن الجوزى، وقد ذكرت فى ذلك زيادة فى شرح العباب أول الصلاة، ومنه: تسبيح الحصى فى كفه، ثم بكف أبى بكر، ثم عمر، ثم عثمان رضى الله عنهم أجمعين، حتى سمع الحاضرون فأخذوه، فلم يسبح معهم، وهذا وإن اشتهر، لكن سنده ضعيف، نعم فى البخارى عن ابن مسعود:«كنا نأكل الطعام مع النبى صلى الله عليه وسلم، ونحن نسمع تسبيح الطعام» (2) ومنه: تسليم الحجر عليه أخرج مسلم: «إنى لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علىّ قبل أن أبعث، إنى لأعرفه الآن» (3) وهذا الحجر قيل:
الأسود، وقيل: الذى بزقاق المرفق المشهور بمكة، وذكر الفارسى ما يقويه، وصح عن على «كنت أمشى مع النبى صلى الله عليه وسلم بمكة فخرجنا فى بعض نواحيها فما استقبله حجر ولا شجر، إلا قال: السلام عليك يا رسول الله» ، ومنه: تأمين أسكفة الباب وحوائط البيت ثلاثا على دعائه للعباس، ونفيه أن يسترهم كسترة أباهم علاة، رواه البيهقى، وابن ماجه، ومنه: ما صح من كلامه مع أحد لما صعده هو وأبو بكر وعمر وعثمان، فرجف بهم فضربه برجله وقال:«اثبت أحد، فإنما عليك نبى وصديق وشهيدان» (4) وسبب الرجف مما حصل له من الطرب والفرح، ومن ثمة صح:«أحد يحبنا ونحبه» قال الخطابى: كنى به عن أهل المدينة، وأجراه البغوى على ظاهره، وهو الأصح، إذ لا بعد
(1) ذكره الحافظ الهيثمى فى مجمع الزوائد (8/ 297)، وعزاه للطبرانى من حديث أسماء بنت عميس مرفوعا، وذكر أكثر من رواية، وقال: رواه كله الطبرانى بأسانيد ورجال أحدها رجال الصحيح عن إبراهيم بن حسن، وهو ثقة وثقه ابن حبان، وفاطمة بنت على بن أبى طالب لم أعرفها.
(2)
رواه البخارى فى المناقب (3579).
(3)
رواه مسلم فى الفضائل (2277).
(4)
رواه البخارى فى فضائل الصحابة (3675)، وفى المناقب (3699)، وأبو داود فى السنة (4651)، والترمذى فى المناقب (3697)، والنسائى فى فضائل الصحابة (32)، والبغوى (3901)، وابن حبان فى صحيحه (6908)، وأبو يعلى فى مسنده (2964،3171).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فى محبة الجمادات للأنبياء والأولياء، ومن ثمة سمع حنين الجذع لما فارقه، وخرج النسائى، والترمذى، والدار قطنى: أن هذه القصة وقعت بعينها فى بر مكة، ومسلم أنها أيضا وقعت بحرا لكن بزيادة على وطلحة والزبير، وهؤلاء الثلاثة شهداء أيضا، وفى رواية له:«إبدال علىّ» بسعيد، وفى رواية للترمذى: أنه كان عليه العشرة إلا أبا عبيدة، وهذه الاختلافات محمولة على أنها قضايا تكررت، ونازع فيه بعض الحفاظ لاتحاد مخرجها، ثم قوى احتمال التعدد بروايات صحيحة ذكرها، ومنه: كلام الشجر وسلامه عليه، وأخرج البزار وأبو نعيم:«لما أوحى إلىّ جعلت لا أمر بحجر ولا شجر إلا قال السلام عليك يا رسول الله» (1) وأحمد، والدارمى:«أنه صلى الله عليه وسلم لما خضبه أهل مكة بالدعاء، فحزن فجاءه جبريل، فقال: أتحب أن أريك آية؟ قال: نعم، فأمره بدعاء شجرة، فجاءت تمشى حتى قامت بين يديه، فقال: مرها فلترجع إلى مكانها، فأمرها فرجعت إليه، فقال صلى الله عليه وسلم: حسبى حسبى» (2)، وورد بسند جيد:«أن أعرابيا سأل النبى صلى الله عليه وسلم آية، فدعى شجرة فأقبلت تشق الأرض فقامت بين يديه، فاستشهدها ثلاثا فشهدت، ثم رجعت إلى منبتها» (3) وروى البزار: «أنها تمايلت حتى قطعت عروقها، ثم جاءت فسلمت فقال الأعرابى: مرها فلترجع إلى منبتها فرجعت فدلت عروقها فيه فاستقرت، فقال الأعرابى: ائذن لى أن أسجد لك فقال: لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها» (4) وصح: «أن أعرابيا قال: بم أعرف أنك رسول الله؟ فدعى له عذقا من نخلة فجاء إليه، ثم أمره بالرجوع فعاد فأسلم الأعرابى» (5)
(1) ذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (8،259،260)، وقال: رواه البزار عن شيخه عبد الله بن شبيب وهو ضعيف.
(2)
رواه الدارمى (1/ 13)، وابن أبى شيبة فى مصنفه (11/ 478).
(3)
رواه أحمد فى مسنده (4/ 173).
(4)
رواه ابن ماجه (1852)، والبغوى فى شرح السنة (9/ 158) وفى معرفة الصحابة (5/ 58، 518)، والحاكم فى المستدرك (4/ 172)، والبيهقى فى دلائل النبوة (138)، وذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (4/ 310)، (9،7)، وقال: رواه البزار. وفيه الحكم بن طهمان أبو عزة الدباغ، وهو ضعيف وروى الترمذى طرفا من آخره وإسناده حسن.
(5)
رواه البخارى فى التاريخ (3/ 3)، والترمذى فى المناقب (3628)، والدارمى (1/ 13)، وأحمد فى مسنده (1/ 223)، وأبو يعلى فى مسنده (2530)، وابن حبان فى صحيحه (6523)، والبيهقى فى دلائل النبوة (6/ 15،16)، والطبرانى فى الكبير (12595،12622)، وذكره =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وروى البغوى: «أنه نام فجاءته شجرة فغشيته، ثم رجعت لمحلها، فلما استيقظ ذكر ذلك له فقال: هى شجرة استأذنت ربى أن تسلم علىّ فأذن لها» (1)، وروى مسلم:«أنه صلى الله عليه وسلم نزل بواد فسيح، فلم ير ما يستره لقضاء حاجته، ثم شجرتان فجر بعض أحدهما وقال: انقادى على، فانقادت، ثم فعل بالأخرى ذلك، فلما توسط بينهما قال: التئما على بإذن الله فالتئمتا» (2)، ومنه: حنين الجذع بالمعجمة. «وحنينه» : شوقه وانعطافه الدال عليها أصواتها المسموع منه كما فى الأحاديث. قال التاج السبكى: وحنينه متواتر، لأنه ورد عن جماعة من الصحابة أى نحو العشرين، من طرق صحيحة كثيرة تفيد القطع بوقوعه. . . (3)[وبينما، ثم قال: ورب متواتر عند قوم غير متواتر عند آخرين، وتبعه بعض الحفاظ فقال: وقد نقل انشقاق القمر نقلا مستفيضا](4) يفيد القطع عند من يطلع على طرق الحديث دون غيرهم، وجرى [فى الشفاء على](5) أنه متواتر، وقال البيهقى: قصة حنينه من الأمور الظاهرة التى نقلها الخلف عن السلف، وعن الشافعى:
أنها أعظم فى المعجزة من إحياء الموتى، وحاصل قصته أن المسجد كان مسقوفا على جذع النخل، وكان صلى الله عليه وسلم يخطب إلى جذع منها، فجعل له منبر ثلاث درجات، فلما رقاه سمع لذلك الجذع صوت كصوت الناقة التى انتزع منها ولدها حتى تصدع وتنشق فنزل وضمه إليه، فجعل يئن أنين الصبى الذى يسكن، ثم رجع للمنبر، وهذا دليل على أنه تعالى خلق فيه الحياة والعقل والشوق لا من جهة سماع صوته إذ الصوت لا يستلزم حياة ولا عقلا كما هو مذهب الأشعرى بل من جهة أن الشوق المعنوى دون الطبيعى [البهيمى](6) الذى يستلزمهما، واطلاع الصحابة على حياته أنه حنين صريح فى إثبات الشوق المعنوى
= الهيثمى فى مجمع الزوائد (9/ 10)، عزاه لأبى يعلى فقط وقال: رجاله رجال الصحيح غير إبراهيم بن الحجاج السامى وهو ثقة.
(1)
رواه أحمد فى مسنده (4/ 173)، والبيهقى فى دلائل النبوة (139)، وذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (9/ 6)، وقال رواه أحمد بإسنادين والطبرانى بنحوه.
(2)
رواه مسلم فى الزهد (3012)، وابن حبان فى صحيحه (6524)، والبيهقى فى دلائل النبوة (6/ 7،10).
(3)
هنا تقديم وتأخير فى (ش).
(4)
ما بين [] ليس فى (ش).
(5)
ما بين [] طمس فى (أ)، وأثبت من (ش).
(6)
الزيادة من (ش).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
له، ويؤيده قول جابر: كانت تبكى على ما كان يسمع من الذكر عندها، ومن ثمة عامله صلى الله عليه وسلم معاملة المشتاق، فالتزمه كما يلتزم المغيب أهله وأعزته، ليبرد غليل شوقهم إليه، وفى رواية صحيحة:«أنه خار حتى ارتج المسجد لخوائره، وأنه صلى الله عليه وسلم قال: «والذى نفس محمد بيده، لو لم ألتزمه لما زال هكذا حتى تقوم الساعة حزنا على رسول الله» (1)، فأمر به صلى الله عليه وسلم فدفن، وفى رواية للبيهقى:«أنه خيره بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة» (2)، وفى أخرى للدارمى، قال له:«إن شئت أردك إلى حائطك تنبت كما كنت عليه، وإن شئت أغرسك فى الجنة، فتأكل أولياء الله من ثمرك» ، ثم أصغى له قال: تغرسنى فى الجنة فتأكل منى أولياء الله، وأكون فى مكان لا أبلى فيه فسمعه من يليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«قد فعلت» ، ثم قال:«قد اختار دار البقاء على دار الفناء» واعلم أن القصة واحدة، فما وقع فى ألفاظها مما ظاهره التغاير إنما هو من الرواة، عند التحقيق والتأويل يرجع لمعنى واحد، ومنه: سجود الجمل له كما رواه أحمد والنسائى والبغوى والطبرانى وله سند جيد عند البيهقى وحاصل قصته: «أن الأنصار شكوا جملا لهم استصعب ومنعهم ظهره وصار كالكلب، فجاء له النبى صلى الله عليه وسلم، فلما نظر إليه أقبل نحوه حتى خر ساجدا بين يديه فأخذ بناصيته أذل ما كان قط، حتى أدخله فى العمل فقالوا له: نحن أحق أن نسجد لك، فقال: لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر، وإلا لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، من عظم حقه عليها» (3)، وصح أنه صلى الله عليه وسلم دخل حائط أنصارى، فإذا جمل فلما رآه حن وذرفت عيناه، فمسح المحل الذى يعرف من قفاه عند أذنيه، ثم قال لصاحبه:
«ألا تتقى الله فى هذه البهيمة التى ملكك الله إياها، فإنه شكى إلى أنك تجيعه وتدميه» (4)
(1) ذكره ابن كثير فى البداية والنهاية (6/ 145).
(2)
رواه البخارى فى مناقب الأنصار (3904)، بلفظ: ما عنده، وفى فضائل الصحابة (3654) بلفظ: ما عند الله، وفى الصلاة (466) بلفظ: ما عند الله، ومسلم أيضا فى فضائل الصحابة (2382)، بلفظ البخارى والترمذى فى المناقب (3659،3660)، والدارمى فى المقدمة (1/ 36) بلفظه وأحمد فى مسنده (3/ 18،478)، (4/ 211)(5/ 139).
(3)
رواه أحمد فى مسنده (3/ 159)، وذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (9/ 4)، وقال رواه أحمد والبزار ورجاله رجال الصحيح غير حفص ابن أخى أنس وهو ثقة. وذكره الهندى فى كنز العمال (44777)، وعزاه لأحمد والترمذى عن أنس.
(4)
رواه أبو داود فى الجهاد (2549)، وأحمد فى مسنده (1/ 204،205)، (4/ 181).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وروى بسند ضعيف: «أنه صلى الله عليه وسلم دخل حائطا فيه غنم فسجدت له، فقال أبو بكر: نحن أحق بالسجود من هذه فقال صلى الله عليه وسلم: «لا ينبغى لأحد أن يسجد لأحد» (1). ومنه: كلام الذئب، رواه جماعة، وأخرجه جماعة من الأئمة من عدة طرق منهم: أحمد، وإسناده جيد، وذلك:«أن ذئبا أخذ شاة فانتزعها منه راعيها فأقعى فقال: ألا تتقى الله تنزع منى رزقا ساقه الله إلىّ فقال: يا عجبا ذئب يتكلم فقال له الذئب: ألا أخبرك بالأعجب من ذلك؟ محمد بيثرب يخبر الناس بأنباء ما سبق فجاء الراعى إلى النبى صلى الله عليه وسلم فأخبره، فأمر فنودى بالصلاة جامعة ثم خرج فقال للأعرابى: «أخبرهم» فأخبرهم (2)، وفى رواية:
«أن الراعى يهودى وأنه أسلم، وأن الذئب يخبركم بما مضى، وبما هو كائن بعدكم، وأنه صلى الله عليه وسلم صدق المخبر، ثم قال: «إنها أمارات بين يدى الساعة قد أوشك الرجل أن يخرج فما يرجع حتى يحدثه نعلاه وسوطه بما أحدثه أهله بعده» (3)، وذكر فى الشفاء طريقا فيها زيادة «أن الذئب قال: تركت نبيا لم يبعث الله قط نبيا أعظم منه عنده قد رأوا أنه، أمره أن يذهب إليه، ويحرس له غنمه حتى يرجع ففعلا، ثم جاء فذبح له شاة منها»، وروى ابن وهب، «أن ذئبا وقع له نظير ذلك مع أبى سفيان وصفوان بن أمية، وأنهما عجبا من إدباره عن ظبى لما دخل الحرم فقال لهما: أعجب من ذلك محمد بن عبد الله بالمدينة يدعوكم للجنة وتدعونه إلى النار» ، وروى سعيد بن منصور:«أن ذئبا جاء إلى النبى صلى الله عليه وسلم فأقعى بين يديه وجعل يبصبص بذنبه فقال صلى الله عليه وسلم: «هذا وافد الذئاب جاء يسألكم أن تجعلوا له من أموالكم شيئا» فقالوا: ألا والله لا نفعل، وأخذ رجل حجرا رماه به فأدبر وله عواء، فقال صلى الله عليه وسلم:«الذئب، وما الذئب؟» ومنه: كلام الحمار على ما أخرجه ابن عساكر، وأبو نعيم وفيه «أنه أسود، وأصابه يوم خيبر فكلمه بأنه من نسل ستين حمارا لم يركبها إلا نبى، وأنه كان يتعثر بصاحبه اليهودى عمدا، وكان يتوقع ركوبه صلى الله عليه وسلم، وأنه سماه يعفور، وكان يبعثه يستدعى أصحابه، وأنه لما توفى رسول الله
(1) ذكره الزيبدى فى إتحاف السادة المتقين (7/ 193)، وقال: رواه جماعة من الصحابة وهم: أبو هريرة وأنس وابن عمر وأبو سعيد الخدرى.
(2)
ذكره الزبيدى فى إتحاف السادة المتقين (7/ 193،194)، وقال: رواه جماعة من الصحابة منهم: أبو سعيد الخدرى راوى هذا الحديث.
(3)
رواه البغوى فى شرح السنة (15/ 88)، وأحمد فى مسنده (2/ 306)، والبيهقى فى دلائل النبوة (133).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
صلى الله عليه وسلم رمى نفسه فى بئر حزنا عليه» ولكن الحديث مطعون فيه، وذكره ابن الجوزى فى الموضوعات، وفى غيره غنية عنه، وكلام الضبّ، وهو وإن اشتهر لكنّ سنده غريب ضعيف، بل قيل: إنه موضوع، والصحيح أنه ضعيف وحاصله:«أن أعرابيا طرحه بين يديه وحلف لا يؤمن به حتى يؤمن به، فكلمه النبى صلى الله عليه وسلم فأجابه بلسان مبين يسمعه القوم» ، وتكلم بكلام طويل مذكور فى الشفاء وغيره، وكلام الغزالة، وطرقه وإن ضعفت، لكن بعضها يقوى بعضا، وقول ابن كثير أنها موضوعة مردود، وحاصلها «بينما هو بصحراء، إذ سمع: يا رسول الله ثلاثا، فالتفت، فإذا ظبية مشدودة بوثاق وتألم، فقال: ما حاجتك؟ قالت (1): صادنى هذا الأعرابى ولى ولدان فى هذا الجبل فأطلقنى حتى أذهب فأرضعهما وأرجع، فقال: وتفعلى؟ فقالت: عذبنى الله. عذاب الكفار إن لم أعد، فأطلقها فذهبت ورجعت فأوثقها صلى الله عليه وسلم فانتبه الأعرابى وقال: يا رسول الله ألك حاجة؟ قال: نعم تطلق هذه الظبية، فأطلقها فخرجت تعدو وتقول:
أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله» (2)، ومنه: نبع الماء الطهور من بين أصابعه، وهو أفضل المياه، قال القرطبى: وتكرر ذلك منه فى عدة مواطن فى مشاهد عظيمة ومجموع طرقه الكثيرة الصحيحة تفيد القطع المستفاد من التواتر المعنوى قال المزنى: وهو لعدم ألفه أصلا أبلغ من نبع الماء من الحجر، لأنه مألوف فمن تلك الطرق:«أن صلاة العصر حانت فالتمس الناس الوضوء فلم يجدوه فأتوه بوضوء فوضع يده الشريفة، فجعل الماء ينبع من بين أصابعها من أطرافها حتى توضأوا، وكانوا ثمانين وفى رواية ثلثمائة وفى رواية: «أن ذلك كان فى غزوة تبوك، فرووا منه إبلهم ودوابهم، وتزودوا مع كثرتهم، فإنهم كانوا سبعين ألف، أو ثلاثين، أو أربعين، -أقوال-وخيلهم عشرة آلاف، وإبلهم نحو ذلك، أو أكثر» ، وفى أخرى:«أنه جىء له فى قباء بقدح صغير، وضع فيه غير إبهامه لضيقه، ثم قال: هلموا للشراب فلم يزل ينبع من بين أصابعه وهم يرون حتى رووا جميعا» ، ووقع ذلك بالحديبية لعطش أصابهم، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1) رواه أحمد فى مسنده (3/ 500)(4/ 59)، وابن سعد فى الطبقات (1/ 48،61).
(2)
ذكره الزبيدى فى إتحاف السادة المتقين (7/ 195)، وقال: رواه الطبرانى بنحوه وساق الحافظ المنذرى حديثه فى الترغيب والترهيب من باب الزكاة، وقول ابن كثير فيما نقله السخاوى عنه: أنه لا أصل له مردود وقد أورد الحافظ ابن حجر له فى تخريج أحاديث المختصر طرقا بعضها يقوى بعض.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يده فى الركوة، ففار من بين أصابعه كأمثال العيون، فرووا وتوضأوا، وكانوا ألفا وخمسمائة» قال جابر: لو كنا مائة ألف لكفانا، ووقع أيضا فى غزوة بواط ولم يجد صلى الله عليه وسلم إلا قطرة غمرها وتكلم عليها بكلام قال عبادة: لا أدرى ما هو!، ثم أمر بصبها على يده، وقد بسطها فى جفنة، وقال: بسم الله ففار الماء من بين أصابعه حتى استقوا كلهم، وبقى فى جفنته كذلك» (1)، ولتكثير الماء القليل ووقوع الغيث الكثير ببركة دعائه طرق أخرى كثيرة، وفى ما يقتضى أن الماء لم يكن ينبع من بين أصابعه حقيقة، بل نظر الرائى، والأصح كما قال النووى وغيره، ودل عليه كثير من الروايات الصحيحة أنه يخرج منها حقيقة، وإنما لم يفعله من غير ماء ولا وضع إناء؛ تأدبا مع الله، إذ هو المنفرد بإنشاء المعدوم من غير أصل، وفى رواية للدارمى وغيره:«أنه لما لم يوجد شىء من ماء طلب شيئا، فبسط يده ففارت عين من تحته، فشربوا وتوضأوا» ، ومنه: إحياء الموتى، أخرج البيهقى:«أن رجلا قال للنبى صلى الله عليه وسلم: لا أومن بك حتى تحيى لى ابنتى فجاء لقبرها، فقال: يا فلانة، قالت: لبيك وسعديك، فقال صلى الله عليه وسلم: أتحبين أن ترجعين إلى الدنيا، فقالت: لا والله يا رسول الله، إنى وجدت الله خيرا لى من أبوى ووجدت الآخرة خير لى من الدنيا» وحديث إحياء أمه حتى آمنت، رواه جماعة، وصححه بعض الحفاظ، وإن قال ابن كثير إنه منكر جدا، وروى ابن عدى وابن أبى الدنيا والبيهقى وأبو نعيم:«أن عجوزا عمياء مات ولدها، فلما عزيت به قالت: اللهم إن كنت تعلم أنى هاجرت إليك، وإلى نبيك رجاء أن تعيننى على كل شدة فلا تحملنى على هذه المصيبة، فكشف الثوب عن وجهه وطعم وطعموا» ، وروى ابن أبى الدنيا:«أن زيد بن حارثة بينما هو يمشى، إذ خر فتوفى فجىء به إلى بيته، فلما كان بين المغرب والعشاء سمعوا على لسانه محمد رسول الله النبى الأمى خاتم النبيين لا نبى بعده، كان ذلك فى الكتاب الأول، ثم قال: صدق صدق ثم قال: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته» (2)، وأخرج أبو نعيم عن جابر:«أنه ذبح شاة وطبخها فجاء بها النبى صلى الله عليه وسلم، فأكل هو وأصحابه ونهاهم عن كسر العظم، ثم جمعه ووضع يده عليه، ثم تكلم بكلام، فإذا الشاة قد قامت تنفض أذنيها» وللبيهقى: «أنه صلى الله عليه وسلم جىء له
(1) رواه مسلم فى الزهد (2013).
(2)
رواه ابن سعد فى الطبقات (1/ 114)، والبيهقى فى السنن الكبرى (4/ 325).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بغلام يوم ولد، فقال: من أنا؟ قال: رسول الله، قال: صدقت بارك الله فيك لم يتكلم بعد حتى شئت، فكان يسمى مبارك اليمامة» وأصيبت عينا قتادة بن النعمان يوم أحد فسقطتا على وجنتيه فأتى بهما النبى صلى الله عليه وسلم فأعادهما مكانهما وبصق فيهما فعادتا تبرقان قال الدار قطنى: هذا حديث غريب عن مالك تفرد به عمار بن منصور وهو ثقة، وأخرج الطبرانى وأبو نعيم عن قتادة:«كنت يوم أحد أتقى السهام بوجهى دون وجه رسول الله، فكان آخرها سهما ندرت منه حدقتى فأخذتها بيدى وسعيت بها إلى رسول الله، فلما رآها فى كفى دمعت عيناه، فقال: اللهم ق وجه قتادة كما وقى وجه نبيك بوجهه، فاجعلها أحسن عينيه وأحدهما نظرا» (1)، وفى رواية: «أنه جىء بها قال: يا رسول الله:
إن لى امرأة أحبها وأخشى إن رأتنى أن تقذرنى» وبين الأولى، والتى بعدها تعارض فى العين الأخرى، وقد يجاب على تقدير صحة الروايتين: بأنهما أصيبتا، وجاء بهما فى وقتين، فحكى مرة عنهما معا وهى الرواية الأولى، ومرة أخرى عن إحداهما، وهى الرواية الثانية، وروى ابن أبى شيبة والبغوى، والبيهقى، والطبرانى، وأبو نعيم:«أنه صلى الله عليه وسلم نفث فى عينى فديك كانتا مبيضتان لا يبصر بهما شيئا» (2). وكان وقع على بيض حية فنفث فيهما فعادتا أحسن ما كان فكان يدخل الخيط فى الإبرة وإنه لابن ثمانين سنة وإن عيناه لمبيضتان قال ابن إسحاق: وقاتل عكاشة بن محصن الأسدى يوم بدر بسيفه حتى انقطع فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم جزلا من حطب، فقال له:«قاتل به» فهزّه فعاد فى يده سيفا طويل القامة شديد المتن أبيض الحديدة، فقاتل به حتى فتح الله على المسلمين وكان يسمى العون ولم يزل يشهده المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قتل وهو عنده وذكر القاضى عياض عن ابن وهب أن عكرمة بن أبى جهل ضرب يد معاذ بن عمرو فتعلقت بجلدة فبصق صلى الله عليه وسلم عليها فلصقت، قال ابن إسحاق: ثم عاش حتى كان زمن عثمان ولما التقى الجمعان يوم بدر فأخذ صلى الله عليه وسلم كف حصى فرمى به فى وجوههم وقال: شاهت الوجوه أى قبحت وتغيرت فلم يبق مشرك وكانوا ألفا أو إلا خمسين إلا ودخل فى عينيه ومنخريه منها شىء فانهزموا من ذلك على الأصح وأنه فعل صلى الله عليه وسلم نظيره يوم حنين نزل قوله تعالى: وَمارَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اَللهَ رَمى واعلم أن جماعة ضلوا فى فهم
(1) ذكره الزبيدى فى إتحاف السادة المتقين (7/ 187).
(2)
رواه أحمد فى مسنده (1/ 331).
173 -
حدثنا ابن أبى عمر، حدثنا سفيان، حدثنا عبد الله بن محمد بن عقيل أنه سمع جابرا.
قال سفيان: وحدثنا محمد بن المنكدر، عن جابر، قال:
ــ
هذه الآية حيث جعلوها أصلا فى إبطال نسبة الأفعال إلى العباد ولم يبالوا بما يلزم على ذلك إذ يقال: وما صليت إذ صليت ولكن الله صلى وَمارَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ. . . إلخ والمراد أن تلك الرمية لما لم تبلغ ذلك المبلغ عادة، بيّن تعالى أن من نبيه المبدأ، ومنه تعالى الغاية، وهو الإيصال، «وانقطع يوم أحد سيف عبد الله بن جحش فأعطاء صلى الله عليه وسلم عرجونا، فعاد فى يده سيفا فقاتل به، وكان يسمى العرجون ولم يزل يتوارثونه حتى بيع من بغاء التركى من أمراء المعتصم فى بغداد بمائتى دينار» .
173 -
(فذبحت شاة) أى حقيقة أو أمرت بذبحها، والجزم الثانى يحتاج لدليل.
(بقناع) بقاف مكسورة فنون مهملة أى طبق من سعف النخل. (ثم انصرف) أى من صلاته أو من محلها. (علالة) بضم المهملة أى بقية. (من) تبعيضية وزعم أنها بيانية بعيد. (علالة الشاة) أى بقية لحمها، وفيه أنه صلى الله عليه وسلم شبع من لحم فى يوم مرتين، فما مر عن عائشة من نفى ذلك إنما باعتبار علمها، كذا قيل، وهو غير جلى، إذ لا يلزم من أكله مرتين الشبع فى كل منهما، نعم فيه دليل على حل الأكل ثانيا، وإن لم ينهضم الأول، إذا أمن التخمة باعتبار عادته، أو لقلة المأكول، وقد يندب ذلك لخبر حاطب المضيف ونحوه. (ولم يتوضأ) فيه دليل على أن وضوء الأول، لم يكن مما مسته النار.
173 - إسناده حسن لغيره وهو صحيح: رواه الترمذى فى الطهارة (80)، بسنده ومتنه سواء، ورواه أحمد فى المسند (3/ 322)، وأبو داود فى الطهارة (191)، والطيالسى فى مسنده (1670)، ثلاثتهم من طريق سفيان به فذكره نحوه. قلت: عبد الله بن محمد بن عقيل: صدوق لين، ويقال: تغير بآخره (التقريب 3592)، وقد تابعه محمد بن المنكدر، وهو ثقة فاضل، [التقريب (6327)].
174 -
حدثنا العباس بن محمد الدورى، حدثنا يونس بن محمد، حدثنا فليح ابن سليمان، عن عثمان بن عبد الرحمن، عن يعقوب بن أبى يعقوب، عن أم المنذر، قالت:
«دخل علىّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه علىّ، ولنا دوال معلّقة. قالت: فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلىّ معه يأكل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مه يا علىّ. فإنك ناقه.
قالت: فجلس علىّ والنّبى صلى الله عليه وسلم يأكل. قالت: فجعلت لهم سلقا وشعيرا فقال النّبىّ صلى الله عليه وسلم لعلىّ: من هذا فأصب، فإنّ هذا أوفق لك».
ــ
174 -
(دوال) واوه منقلبة عن ألف إذ هو جمع دالية، وهو العذق من النخلة يقطع بسرا، ثم يعلق ليرطب، ويأكل رطبه على التدريج. (معلقة) أى لترطب ويؤكل من رطبها. (مه) اسم فعل بمعنى اكفف. (ناقه) هو قريب العهد بالمرض قبل أن يرجع إليه كمال صحته وقوته. (فجعلت) عطف على فقال أى بينت أمر صلى الله عليه وسلم عليا رضى الله عنه بالترك، لأنه يضره جعلت ما لا يضره ومن ثمة أمره صلى الله عليه وسلم بالإصابة منه لهم، أى له ولعلى ومن معهما من أهل بيتهما، وفى إرادية أى للنبى صلى الله عليه وسلم واقتصرت عليه، لأنه الأصل والمتبوع، وزعم أنه لعلى وهم، وإنما يرجع لأهلها أى ضيفانها هو الوهم، كما هو ظاهر. (فأصب) أى أما من هذا فأصب فالفاء هى جواب شرط محذوف، وتقديم من هنا يوجب الحصر أى من هذا لا من غيره. (هذا أوفق لك) إنما منعه من ذلك، لأن الفاكهة تغير بالناقه لسرعة استحالتها، وضعف الطبيعة من دفعها لعدم القوة فأوفق معنى موافق إذ الأوفقية فى الرطب له أصلا ويصح كونه على حقيقته بأن يدعى أن فى الرطب موافقة له من وجه وإن ضره وجه آخر ولم يمنعه من السلق والشعير لأنه من
174 - إسناده ضعيف والحديث حسن: رواه الترمذى فى الطب (2037)، بسنده ومتنه سواء، والبغوى فى شرح السنة (11/ 306)، (2863)، من طريق المصنف به فذكره، وأبو داود فى الطب (3856)، وابن ماجه (3442)، وأحمد فى المسند (6/ 363،364)، والحاكم فى المستدرك (4/ 407)، كلهم من طريق فليح ابن سليمان به فذكره نحوه. قال أبو عيسى: حسن غريب. لا نعرفه إلا من حديث فليح. وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الشيخ الذهبى.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أنفع الأغذية للناقه لما فى الشعير من التغذية والتلطيف والتليين وتقوية الطبيعة وفى هذا الحديث فوائد كثيرة فلذا أطلت الكلام فيها وفى متعلقاتها فمن ذلك أنه ينبغى الحمية للمريض والناقه بل قال بعض الأطباء: أنفع ما تكون الحمية للناقه من المرض لأن التخليط يوجب انتكاسه وهو أصعب من ابتداء المرض والحمية للصحيح مضرة كالتخليط للمريض والناقه وقد تشتد الشهوة والميل إلى ضار فيتناول منه يسيرا فتقوى الطبيعة على هضمه فلا يضر بل ربما ينفع بل قد يكون أنفع من دواء يكرهه المريض ولذا أمر صلى الله عليه وسلم صهيبا وهو أرمد على تناول التمرات اليسيرة وخبره فى ابن ماجه قدمت على النبى صلى الله عليه وسلم وبين يديه خبز وتمر فقال: ادن وكل فأخذت تمرا فأكلت فقال: أتأكل تمرا وبك رمد؟ فقلت: يا رسول الله أمضغ من الناحية الأخرى فتبسم صلى الله عليه وسلم ففيه إشارة إلى الحمية وعدم التخليط وأن الرمد يضره التمر ما لم تصدق الشهوة وفى حديث الباب أيضا أصل عظيم للطب والتطبيب وأنه ينبغى التداوى فقد صح «إن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء فتداووا» وفى رواية: «إن الله حيث خلق الداء خلق الدواء فتداووا» وصح أيضا:
«تداووا يا عباد الله، فإن الله لم يضع داء، إلا وضع له شفاء، إلا داء واحد وهو الهرم» وفى رواية: «إلا السام» أى الموت أى: المرض الذى قدر الموت منه، وصح أيضا:«لكل داء دواء، فإذا أصاب الدواء الداء برئ بإذن الله» ، وفسرته رواية الحميدى:«ما من داء إلا وله دواء، فإذا كان كذلك بعث الله عز وجل ملكا ومعه ستر، فجعله بين الداء والدواء، فكل ما شرب المريض من الدواء لم يقع على الداء، فإذا أراد الله تعالى برأه أمر الملك، فيرفع الستر، ثم يشرب المريض الدواء، فينفعه الله تعالى به» ، وفى رواية لأبى نعيم وغيره:«إن الله لم ينزل داء إلا أنزل شفاء، علمه من علمه وجهله من جهله» وفيه إشارة إلى أن قوله «لكل داء دواء» باق على عمومه حتى تتناوله الأدواء القاتلة وغيرها وإلى أن سبب عدم الشفاء منها هو الجهل بدوائها ومن ثمة علق الشفاء فيما مر على مصادفة الدواء الداء واستفيد من هذه الأحاديث أن رعاية الأسباب بالتداوى لا تنافى التوكل كما لا ينافيه دفع الجوع بالأكل ومن ثمة قال المحاسبى بتداوى المريض اقتداء بسيد المتوكلين محمد صلى الله عليه وسلم والجواب عن خبر من استرقى واكتوى برئ من التوكل أى من توكل المتوكلين الذين من السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب فجعل بعض المتوكل أفضل من بعض وقال ابن عبد البر: برئ من
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
التوكل إن استرقى بمكروه أو علق شفاءه بوجوده نحو الكى، وغفل عن أن الشفاء من عند الله وأما من جعله على وفق الشرع ناظرا لرب الدواء متوقعا الشفاء من عنده قاصدا صحة بدنه للقيام بطاعة ربه فتوكله باق بحاله استدلالا بفعل سيد المتوكلين إذ عمل بذلك فى نفسه وغيره. انتهى ملخصها، على أنه قيل: لا يتم حقيقة التوحيد إلا بمباشرة الأسباب التى نصبها الله مقتضيات لمسبباتها قدرا وشرعا فتعطيلها يقدح فى التوكل كما يقدح فى الأمر وفى قوله: لكل داء دواء تقويه لنفس المريض والطبيب وحث على طلب الدواء وتخفيف المرض فإن النفس إذا استشعرت أن لدائها دواء يزيله قوى رجائها وانبعث حارها الغريزى فتقوى الروح النفسانية والطبيعية والحيوانية أو بقوة هذه الأرواح تقوى القوى الحاملة لها فتدفع المرض وتثيره والمراد بالإنزال أنزل له دواء التقدير أو إنزال علمه على لسان الملك للأنبياء أو إلهام من يعتد بإلهامه على الأدوية المعنوية كصدق الاعتماد على الله والتوكل عليه والخضوع بين يديه من الصدقة، والإحسان والتفريج عن المكروب أصدق فعلا وأسرع نفعا من الأدوية الحسية ثم ربما تخلف الشفاء عن من استعمل طب النبوة لمانع قام به من نحو ضعف اعتقاد الشفاء وتلقيه بالقبول وهذا هو السبب أيضا فى عدم نفع القرآن لكثيرين مع أنه شفاء لما فى الصدور وقد طب صلى الله عليه وسلم كثيرا من الأمراض كالرمد فقد صح:«الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين» وهو نبت لا ورق له ولا ساق توجد فى الأرض من غير زرع وقوله من المن قيل أى: الذى أنزل على بنى إسرائيل ومنه الترلجين وقيل: ليست منه بل مثله بجامع أن كلا يحصل من غير تكلف وبعذر ولا سقى وماؤها شفاء إما بأن يخالطه فى الكمالات، وإما بأن يشق ويوضع على الجمر حتى يغلى ماؤها ثم يجعل الميل بذلك الشىء، وهو فاتر فيكتحل بمائها، وكوجع الحلق الذى يعترى الصبيان غالبا، وتسمى سقوط اللهاة، وهى لحمة بأقصى الحلق، وصح أنه صلى الله عليه وسلم وصف لذلك الكست وهو القسط الهندى يحل بماء، ثم يصب فى الأنف أياما وهى من غمر الخلق الذى يعتاده النساء لذلك، ومادة هذا الوجع دم يغلب عليه البلغم وفى القسط تخفيف لتلك الرطوبات وقد يكون نفعه فى هذا الدواء لخاصيته وإلا فالقسط حار، وأترجة أهل الحجاز حارة وكالإسهال فقد صح أنه وصف له العسل ثلاث مرات فيقال له: لم يزده إلا استطلاقا فوصفه فى الرابعة فقيل له ذلك فقال: «صدق الله وكذب بطن أخيك» أى: لم يصلح لقبول الشفاء وحكمة وصفه بذلك مع أنه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مسهل باتفاق الأطباء على أن المرض الواحد يختلف علاجه باختلاف السن والعادة والزمن والغذاء المألوف والتدبير وقوة الطبيعة وعلى أن من أنواع الإسهال هيضة تنشأ عن تخمة وعلاجها بأتناقهم ترك الطبيعة وفعلها فإن احتاجت لمسهل أعينت ما دام بالعليل قوة فكان إسهال ذلك الرجل من تخمة فوصف رسول الله صلى الله عليه وسلم العسل لدفع الفضول المجتمعة فى نواحى المعدة من أخلاط لزجة تمنع استقرار الغذاء فيها وللمعدة خمل كخمل المنشفة فإذا علقت بها أخلاط لزجة أفسدتها مع الغداء فكان دواءها باستعمال ما يجلوها ولا شىء فى ذلك مثل العسل سيما إن مزج بماء حار وإن لم يفده أول مرة لأن شرط إفادة الدواء أن لا ينقص عن الداء ولا يزيد عليه فكأنه شرب منه ما لا يقئ به فأمر بمعاودة شربه فلما تكرر بحسب مادة الداء برئ بإذن الله تعالى وبين بعضهم أن العسل تارة يقبض، وتارة يسهل فإطلاق كونه مسهلا خطأ، وفى الحديث إشارة إلى أن قوله تعالى: فِيهِ شِفاءٌ لِلنّاسِ على عمومه واعتمده بعض المفسرين وشرط استعماله بنية الشفاء، ويؤيده الحديث الصحيح:«عليكم بالشفائين العسل والقرآن» وليس الطبيعة فقد روى الحميدى: «إياكم والشبرم فإنه حار وعليكم بالسنا فتداووا به فلو الموت شىء لدفعه السنا» وفى رواية: «عليكم بالسنا والسنون فإن فيهما شفاء من كل داء إلا السام» والسنون: العسل أو رب عكة السمن أو الكمون الكرمانى والرازيانج أو الشبث أو العسل الذى فى زق السمن أقوال. قال بعض الأطباء: آخرها أجدر بالمعنى وأقرب للصواب لأن السنا إذ دق وخلط بالعسل المخالط للسمن، ثم لعق كان أصلح لإصلاح السمن والعسل له، وإعانتهما إياه على الإسهال واستفيد من التحذير من الشبرم ما قاله بعض الأطباء من منع استعماله لخطورته وفرط إسهاله، فإنه حار يابس فى الدرجة الرابعة، ولذا لما قالت أسماء بنت عميس:«كنت أستمش بالشبرم قال: حار» رواه البخارى فى تاريخه، والمصنف وقال: غريب وابن ماجه، فى سننه، والثانية بالجيم أى: يسهل، أو بالمهملة تأكيد للأولى بهذه كذات الجنب ففى البخارى مرفوعا:«عليكم بهذا العود الهندى فإن فيه سبعة أشفية منها ذات الجنب» وروى المصنف: «تداووا من ذات الجنب بالقسط البحرى والزيت» وذات الجنب إما حقيقة وهى دم حار يعرض فى الغشاء المستبطن للأعضاء وينشأ عنها خمسة أمراض: الحمى والسعال والنخس وضيق النفس والنبض المنشارى، وإما غير حقيقة: وهى ريح غليظة تعرض فى
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
نواحى الجنب تختفى بين الصفاقات والعضل التى فى الصدور والأضلاع وهذا هو المراد هنا لأن القسط وهو العود الهندى هو الذى يداوى به الريح الغليظة لأنه حار يابس قابض يقوى الأعضاء الباطنة ويطرد الريح ويفتح السدد ويذهب فضل الرطوبة وقد ينفع الأولى إذا نشأت عن مادة بلغمية سيما وقت انحطاط العلة كالاستسقاء، ففى الصحيحين أنه وصف للعرنيين لبن الإبل وأبوالها وكان بهم هذا المرض فشربوا ذلك فصحوا لأن الإبل اللقاح جلاء وتليينا وإدرارا وتلطيفا وتفتيحا للمسدد إذا كثر رعيها من نحو الشيح والقيصوم والبابونج والأقحوان والإذخر سيما إذا استعمل حار بعد حلبه مع بول الفصيل وهو حار فإنه فى [ملوحية اللبن وتقلية](1) الفصول وإطلاقه البطن وكعرق النساء، فقد روى ابن ماجه: دواؤه ألية شاة أعرابية تذاب ثم تجزء ثلاثة أجزاء ثم تشرب على الريق فى كل يوم جزء. فهذا خاص بنحو أهل الحجاز لأنه يحدث لهم من يبس وقد يحدث من مادة غليظة لزجة فعلاجه بالإسهال وفى الألية إنضاج وتليين، وهذا المرض يحتاج إليهما، وحكمة تعيين الأعرابية خاصة مرعاها الأعشاب الحارة، وصحّ أنه صلى الله عليه وسلم بعث لأبىّ بن كعب طبيبا فقطع له عرقا وكواه عليه وأنه حسم سعد بن معاذ لما رمى [فى أكحله] وأن أنسا قال: كوانى أبو طلحة فى زمن النبى صلى الله عليه وسلم، قال فى فتح البارى:
ولم أر فى أثر صحيح أنه صلى الله عليه وسلم اكتوى وإن نقل ذلك عن بعض كتب الطبرانى، وما روى أنه اكتوى يوم أحد فخلاف الكى المعهود، إذ الذى صح أن فاطمة رضى الله عنها أحرقت حصيرا وحشت به جرحه وروى الترمذى أنه صلى الله عليه وسلم كوى سعد بن زرارة من الشوكة ولا ينافى ذلك خبر أحمد وأبى داود والترمذى عن عمران: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكى فاكتوينا فما أفلحنا ولا أنجحنا وروى مسلم عنه: كان يسلم على حتى اكتويت فترك ثم تركت الكى فعاد، وفى رواية:«إن الذى كان انقطع عنى رجع إلىّ» يعنى تسليم الملائكة، قيل: لأن النهى خاص بعمران لأنه كان به باسور وموضعه خطر فنهى عن كيه، فلما اشتد عليه كواه فلم ينجح، وقيل: وصفه ثم نهى عنه لشدة المدّ، وعظم خطره، إذ لا يستعمل إلا فى داء أعيىّ ولم تنحسم مادته بغيره وقيل إنما نهى عنه مع إثباته الشفاء فيه لاعتقادهم حسمه للداء بطبعه، وقيل: فعله للجواز والنهى عنه للتنزيه، وقيل: يشرع إذا فسد الجرح، أو انقطع العضو، وينهى عنه إذا كان لأمر محتمل،
(1) فى (ن)[ملوحة اللبن وتعليل الفضول].
175 -
حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا بشر بن السرى، عن سفيان، عن طلحة ابن يحيى عن عائشة بنت طلحة، عن عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها. قالت:
«كان النّبىّ صلى الله عليه وسلم يأتينى فيقول: أعندك غذاء؟ فأقول: لا. فيقول: إنّى صائم.
قالت: فأتانى يوما. فقلت: يا رسول الله، إنّه أهديت لنا هديّة. قال: وما هى؟ قلت: حيس. قال: أما إنّى أصبحت صائما. قالت: ثمّ أكل».
ــ
وصح: «أنه صلى الله عليه وسلم إذا اشتكى الإنسان، أو كانت به قرحة، أو جرح أخذ من ريق نفسه بأصبعه السبابة، ثم لصق به الأرض، ثم مسح به العليل قائلا: بسم الله تربة أرضنا وريقة بعضنا تشفى سقيمنا» قيل: السر فيه، أن التراب ليبسه وبرودته يمنع انصباب المادة لمحل العلة وتجفف الجرح والريق محلل ومنضج وتعقبه القرطبى لكن يويده قول البيضاوى: قد شهدت المباحث الطبية أن الريق ينضح ويعدل المزاج وتراب الوطن يحفظ المزاج ويمنع الضرر وقد ذكروا أنه ينبغى للمسافر استصحاب ماء أرضه وترابها ليضعه فى المياه المختلفة حتى يدفع ضررها والرقى لها له آثار عجيبة لا يدركها العقل وقيل: ذلك مخصوص بأرض المدينة وريقه صلى الله عليه وسلم ونظر فيه النووى، وروى ابن أبى شيبة «أنه صلى الله عليه وسلم لدغته عقرب فى أصبعه وهو ساجد فانصرف وقال: لعن الله العقرب، ما تدع نبيا ولا غيره، ثم دعى بإناء فيه ماء وملح، فوضع فيه أصبعه وقرأ:«قُلْ هُوَ اَللهُ أَحَدٌ، والمعوذتين حتى سكنت» ، وفى الماء والملح لذلك غاية المناسبة الطبيعية، وروى النسائى:
«أنه صلى الله عليه وسلم داوى بثرة بين أصبعى رجليه بذريرة ثم قال: اللهم مطفئ الكبير، ومكبر الصغير أطفأها عنى فطفت وأخرج جماعة: «أصل كل داء البردة» وفيه راو اختلف فى توثيقه وهى بفتح الراء كما صوبه أبو نعيم: التخمة، لأنها تبرد حرارة الشهوة، وفى حديث ضعيف:«أصل كل داء البرد وفى أخرى استدفئوا من الحر والبرد» .
175 -
(غذاء) هو ما يؤكل أول النهار. (صائم) فى رواية صحيحة: «إنى صائم
175 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى الصوم (734)، بسنده ومتنه سواء، ورواه مسلم فى الصيام (1154)، وأبو داود فى الصوم (2455)، والنسائى (4/ 194،195)، وفى السنن الكبرى (2632)، والإمام أحمد فى المسند (6/ 49،207)، وابن خزيمة فى صحيحه، والبغوى فى شرح السنة (1745)، والبيهقى فى السنن الكبرى (4/ 275)، وأبو نعيم فى المسند على مسلم (2618)، كلهم من طرق عن طلحة بن يحيى به فذكره نحوه.
176 -
حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن، حدثنا عمر بن حفص بن غياث، حدثنا
ــ
إذن» هو صريح فى جواز نية صوم النفل من النهار، لكن إلى الزوال عند الشافعى، وأوجب ذلك التبييت فيه كالفرض لإطلاق غير من لم يبيت الصيام فلا صيام له، وكما لا فرق بين فرض الصلاة ونفلها فى وقت النية، ولا دليل فى:«إنى صائم إذن» لاحتمال إنى صائم إذن كما كنت، أو أنه عزم على الفطر لعذر، ثم تمم الصوم، ويجاب: بأن حمل إنى صائم على ما ذكر بعيد من ظاهر اللفظ فلا يعدل إليه، وح فيقيد إطلاق ذلك الخبر، والأصل تراخى رتبة النفل عن الفرض، فلا يشكل الفرق بينهما هنا، وإنما لم يفرقوا بينهما، ثم لأن الصوم خصلة واحدة، فيلزم من وقوع النية قبل الزوال انعطافها على ما قبلها، ولا كذلك فى الصلاة، وفى قوله:«إنى صائم» إشارة إلى أنه لا بأس بإظهار النوافل لحاضر كتعليمهم هنا جوازه بنية من النهار (حيس) هو التمر مع السمن أو أقط وقيل: هو مجموع الثلاثة، وقد يجعل بدل الأقط دقيق أو فتيت. (أصبحت) فيه التصريح بأنه نوى من الليل. (ثم أكل) فيه التصريح بجواز الخروج من صوم النفل، وهو مذهب الشافعى كالأكثرين، ويوافقه خبر «الصائم المتطوع أمير نفسه إن شاء صام، وإن شاء أفطر» (1) ومنعه لغير عذر أبو حنيفة، وفى رواية:
«لوجب القضاء» ، ومنعه مالك إلا لعذر لقوله تعالى: وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ (2) وأمره صلى الله عليه وسلم بالقضاء، وجواب أن الآية محمولة على الفرض جمعا بين الأدلة والحديث مرسل، فلا حجة فيه، وعلى المتنزل: فيحمل الأمر بالقضاء على أنه للندب جمعا بين الأدلة أيضا. (هدية) فيه: حل أكله صلى الله عليه وسلم للهدية، وروى الشيخان «أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا أتى بطعام سأل عنه، فإن قيل: صدقة أمرهم بأكله، أو هدية أكل معهم» (3).
176 -
(عن يوسف. . .) إلخ رواه عنه أبو داود بإسناد حسن. (هذه إدام هذه) إنما
176 - إسناده ضعيف رواه البغوى فى شرح السنة (2880)، من طريق المصنف به فذكره نحوه. ورواه أبو داود فى الأطعمة (3259)، (3260)، والبيهقى فى سننه (10/ 63)، كلاهما من طريق يزيد بن أبى أمية الأعور به فذكره، ويزيد بن أبى أمية «مجهول» .
(1)
رواه أحمد فى مسنده (6/ 341).
(2)
سورة محمد آية رقم (33).
(3)
رواه البخارى فى الهبة (2576)، ومسلم فى الزكاة (1077)، وأحمد فى مسنده (2/ 302، 305،338،406،492).
أبى، عن محمد بن أبى يحيى الأسلمى، عن يزيد بن أبى أمية الأعور، عن يوسف بن عبد الله بن سلام، قال:
«رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ كسرة من خبز الشّعير، فوضع عليها تمرة. وقال:
هذه إدام هذه. وأكل».
177 -
حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن، حدثنا سعيد بن سليمان، عن عباد بن العوام، عن حميد، عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«كان يعجبه الثّفل. قال عبد الله: يعنى ما بقى من الطّعام» .
ــ
أخبره صلى الله عليه وسلم بذلك، لأن ذلك كان طعاما مستقلا غير متعارف بالأدومة فأخبر أنه يصلح لها، وفيه دليل لما قاله أئمتنا: فيمن حلف لا يأكل إداما أنه يحنث بما يؤتدم به كالخل وسائر الإدام، وبغيره كلحم وجبن وتمر وملح وبقول كفجل وبصل، وقيل: يؤخذ من وضعها عليها أنه لا بأس بوضع الإدام على الخبز انتهى، ومحله: إن سلم بما لم يقذره بحيث يعافه غيره.
177 -
(الثفل) بمثلثة مضمومة ففاء ساكنة وأكل هذا من تدبير الغذاء فإن الشعير بارد جاف، والتمر حار رطب على الأصح، فإدام خبز الشعير به من أحسن التدبير وحكمة محبته دفع ما يقع لبعضهم من إرادته من أراد رأيه، أو أنه أنضج وألذ ما بقى من الطعام، وقيل: هو هنا الثريد، وأصل الثفل ما يرسب من كل شىء وقد يطلق على نحو الدقيق والسويق، قيل: لقد أعجب المصنف بختمه بهذا الحديث إشارة إلى أنه نقل الأحاديث وما بقى منها انتهى، وفيه: ما فيه بل فى تعبيره بالثفل ما قد يخشى منه، إذ فى القاموس: الثفل ما استقرضت الشىء من كدره، وكأنه هذا هو الحاصل على تفسير الراوى، إنما ذكر هكذا من أن يتوهم منه أيضا لهذا المعنى غير المراد.
…
177 - إسناده صحيح: رواه الإمام أحمد فى المسند (3/ 220)، وابن سعد فى الطبقات (1/ 393)، والحاكم فى المستدرك (4/ 115،116)، والبيهقى فى شعب الإيمان (5924)، أربعتهم من طريق سعيد ابن سليمان به فذكره.