المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌43 - باب: ما جاء فى صوم رسول الله صلى الله عليه وسلم - أشرف الوسائل إلى فهم الشمائل

[ابن حجر الهيتمي]

فهرس الكتاب

- ‌تصدير

- ‌مقدمة التحقيق

- ‌وقد اعتمدت فى شرح الكتاب على النسخ الآتية:

- ‌1 - النسخة الأصل:

- ‌2 - النسخة الثانية:

- ‌3 - النسخة الثالثة:

- ‌منهج التحقيق

- ‌ترجمة المصنف

- ‌ اسمه ونسبه:

- ‌ مولده:

- ‌ نشأته العلمية ورحلاته:

- ‌ مشايخه

- ‌ تلامذته:

- ‌ مؤلفاته:

- ‌فالمطبوع منها حسب علمنا الكتب التالية:

- ‌أما المخطوطات:

- ‌ عقيدته:

- ‌ مكانته العلمية وثناء العلماء عليه:

- ‌ وفاته:

- ‌ترجمة موجزة لمصنف الشمائل

- ‌ جواهر الدّرر في مناقب ابن حجر

- ‌تنبيهبيان المقصود بالرموز الواردة بالشرح

- ‌1 - باب: ما جاء فى خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌2 - باب: ما جاء فى خاتم النبوة

- ‌3 - باب: ما جاء فى شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌4 - باب: ما جاء فى ترجّل رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌5 - باب: ما جاء فى شيب رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌6 - باب: ما جاء فى خضاب رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌7 - باب: ما جاء فى كحل رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌8 - باب: ما جاء فى لباس رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌9 - باب: ما جاء فى عيش رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌10 - باب: ما جاء فى خف رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌11 - باب: ما جاء فى نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌12 - باب: ما جاء فى ذكر خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌13 - باب: ما جاء فى تختم رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌14 - باب: ما جاء فى صفة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌15 - باب: ما جاء فى صفة درع رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌16 - باب: ما جاء فى صفة مغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌17 - باب: ما جاء فى عمامة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌18 - باب: ما جاء فى صفة إزار رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌19 - باب: ما جاء فى مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌20 - باب: ما جاء فى تقنع رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌21 - باب: ما جاء فى جلسته صلى الله عليه وسلم

- ‌22 - باب: ما جاء فى تكأة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌23 - باب: ما جاء فى اتكاء رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌24 - باب: ما جاء فى أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌25 - باب: ما جاء فى صفة خبز رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌26 - باب: ما جاء فى إدام رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌27 - باب: ما جاء فى صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الطعام

- ‌28 - باب: ما جاء فى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الطعام، وبعد الفراغ منه

- ‌29 - باب: ما جاء فى قدح رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌30 - باب: ما جاء فى صفة فاكهة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌31 - باب: ما جاء فى صفة شراب رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌32 - باب: ما جاء فى شرب رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌33 - باب: ما جاء فى تعطر رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌34 - باب: كيف كان كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌35 - باب: ما جاء فى ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌36 - باب: ما جاء فى صفة مزاح رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌37 - باب: ما جاء فى صفة كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم «فى الشعر»

- ‌38 - باب: ما جاء فى كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم «فى السّمر»

- ‌39 - باب: ما جاء فى صفة نوم رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌40 - باب: ما جاء فى عبادة النبى صلى الله عليه وسلم

- ‌41 - باب: صلاة الضحى

- ‌42 - باب: صلاة التطوع فى البيت

- ‌43 - باب: ما جاء فى صوم رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌44 - باب: ما جاء فى قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌45 - باب: ما جاء فى بكاء رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌46 - باب: ما جاء فى فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌47 - باب: ما جاء فى تواضع رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌48 - باب: ما جاء فى خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌49 - باب: ما جاء فى حياء رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌50 - باب: ما جاء فى حجامة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌51 - باب: ما جاء فى أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌52 - باب: ما جاء فى عيش رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌53 - باب: ما جاء فى سن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌54 - باب: ما جاء فى وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌55 - باب: ما جاء فى ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌56 - باب: ما جاء فى رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم

الفصل: ‌43 - باب: ما جاء فى صوم رسول الله صلى الله عليه وسلم

‌43 - باب: ما جاء فى صوم رسول الله صلى الله عليه وسلم

ــ

(باب ما جاء فى صوم رسول الله صلى الله عليه وسلم

فرضا ونفلا، والصوم لغة: الإمساك، وشرعا: الإمساك عن المفطرات بشروطها والقصد به إمساك النفس عن شهواتها، وكفى بشرفه إضافته تعالى له فى خبر مسلم:

«كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لى وأنا أجزى به» (1) وسبب اختصاصه بذلك لم يعبد به غير الله وما وقع من عبادة النجوم بالصوم فهو ليس مع اعتقاد أنها فعالة بأنفسها أو بعده عن الرياء، إذ لا يدخله الرياء إلا بالإخبار عن فعله بخلاف بقية الأعمال، فإن الرياء يدخلها بمجرد فعلها، وأنه لاحظ للنفس فيه أو أن الاستغناء عن نحو الطعام من صفاته تعالى فأضافه إليه لموافقته لصفاته فكأنه تعالى يقول: إن الصائم يتقرب إلىّ بأمر يتعلق بصفة من صفاتى، أو أنه من صفات الملائكة، أو أنه تعالى انفرد بعلم قدر ثوابه وغيره قد يطلع عليه بعض خلقه، ولذا قال:«وأنا أجزى به» ، وتولى الكريم للجزاء يستدعى سعة العطاء، ولهذا وخبر النسائى:«عليك بالصوم، فإنه لا عدل له» (2) قيل:

إنه أفضل حتى من الصلاة، لكن الأصح تفضيلها لخبر أبى داود:«واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة» فهى أفضل العبادات البدنية وللصوم أحكام كثيرة صحت عنه صلى الله عليه وسلم وأهملها المصنف، فلا بأس بالإشارة إلى بعضها فنقول: روى أبو داود: «كان صلى الله عليه وسلم يتحفظ من شعبان ما لا يتحفظ من غيره ثم يصوم لرؤية رمضان فإن غم عليه عدّ ثلاثين يوما ثم صام» (3) وقوله: «عدّ ثلاثين» مفسر لقوله صلى الله عليه وسلم فى خبر مسلم: «فإن غم عليكم

(1) رواه البخارى فى الصوم (1904) وفى التوحيد (7492)، وفى اللباس (5927)، ومسلم فى الصيام (1151)، والنسائى (4/ 164،304)، وابن ماجه فى الصيام (1638)، والبغوى (1710،1711،1712)، وابن حبان فى صحيحه (3422،3423،3424)، وابن خزيمة فى صحيحه (1896،1898،1899)، وأحمد فى مسنده (2/ 273،443،281،466، 467،503)، وعبد الرزاق فى مصنفه (7891،7893)، وابن أبى شيبة فى مصنفه (3/ 5)، والبيهقى فى السنن (4/ 304)، والطيالسى (2485).

(2)

رواه النسائى (4/ 165،166)، وأحمد فى مسنده (5/ 249)، وابن حبان فى صحيحه (3426)، وابن خزيمة فى صحيحه (1893)، والحاكم فى المستدرك (1/ 421).

(3)

رواه أبو داود فى الصيام (2325)، وأحمد فى مسنده (6/ 149)، وابن حبان فى صحيحه (3444)، والبيهقى فى السنن (4/ 206)، والحاكم فى المستدرك (1/ 423)، والدارقطنى (2/ 156،157).

ص: 418

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فاقدروا له» (1) أى: قدروا له تمام العدد ثلاثين يوما عند حيلولة غيم بينكم وبينه، ولا يجوز الصوم عندنا كالجمهور خلافا لإيجاب أحمد له، وصح «أنه صلى الله عليه وسلم صام بشهادة ابن عمر وحده، وأمر الناس بالصيام» ، وروى الشيخان:«أنه كان يقبّل بعض نسائه وهو صائم» (2) ولا يقاس به غيره كما أشارت إليه عائشة، بل إن حركت شهوته حرم وإلا كرهت، وفى خبر ضعيف:«كان يقبل عائشة ويمص لسانها وهو صائم» (3) وعلى فرض صحته فهو محمول على أنه لم يبتلع ريقه المختلط بريقها وصح: «كان صلى الله عليه وسلم يصبح جنبا من جماع لا حلم ثم لا يفطر ولا يقضى» (4)، وصح:«كان يكتحل بالإثمد وهو صائم» (5)، وروى أبو داود والترمذى:«رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستاك وهو صائم ما لا أعد ولا أحصى» (6)، وصح:«أنه كان يفطر عقب غيبوبة الشفق» وإن بقى آثار ضياء وحمرة وظن بعض أصحابه أن هذه البقايا من النهار فقال: يا رسول الله إن عليك نهارا، فأجابه صلى الله عليه وسلم بقوله وأشار بيده:«إذا غابت الشمس من هاهنا، وجاء الليل من ههنا فقد أفطر الصائم» أى: دخل وقت إفطاره، وروى أبو داود:«أنه كان يفطر كل يوم على رطبات، فإن لم يجد رطبات فتمرات، فإن لم يجد رطبات فتمرات، فإن لم يجد تمرات حسى حسوات من ماء» (7)، وحكمة الأولتين أن الطبيعة مع خلوها أقبل للمساء، ولانتفاع القوى به، لا سيما قوة البصر وحكمة الماء أن الكبد تيبس من الصوم

(1) رواه البخارى فى الصيام (1900،1906)، ومسلم فى الصيام (1080)، وأبو داود فى الصيام (2320)، والترمذى فى الصيام (684)، والنسائى (4/ 134)، والدارمى (2/ 3)، ومالك فى الموطأ (1/ 2).

(2)

رواه أحمد فى مسنده (6/ 192،232)، والحميدى فى مسنده (198)، وابن أبى شيبة فى مصنفه (3/ 59)، وأبو نعيم فى الحلية (7/ 138).

(3)

رواه أبو حنيفة فى مسنده (1/ 488).

(4)

رواه مسلم فى الصيام (1109)، والبيهقى فى السنن (4/ 214).

(5)

رواه البيهقى فى السنن (4/ 262)، ورواه الطبرانى فى الأوسط (6911)، بلفظ رأيت، وذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (3/ 167)، وقال رواه الطبرانى فى الأوسط وفيه جماعة لم أعرفهم وذكره الهندى فى كنز العمال (18084)، وعزاه للطبرانى فى الكبير والبيهقى فى السنن عن أبى رافع.

(6)

رواه أبو داود فى الصيام (2364).

(7)

رواه أبو داود فى الصيام (2356)، وأحمد فى مسنده (3/ 146)، والدارقطنى (2/ 185).

ص: 419

283 -

حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن عبد الله بن شقيق، قال: سألت عائشة عن صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت:

«كان يصوم حتّى نقول: قد صام، ويفطر حتّى نقول: قد أفطر قالت: وما صام رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا كاملا منذ قدم المدينة، إلاّ رمضان» .

ــ

فإذا رطبت بالماء كمل انتفاعها بالغذاء بعده، وإن كان الأولى بالظمآن الجائع أن يبدأ بشرب قليل من الماء، ثم يأكل بعده وصح من طرق «أنه صلى الله عليه وسلم نهاهم عن الوصال، وهو عدم تناول مفطر بين الصومين، فقالوا: إنك تواصل فقال: «إنى لست مثلكم إنى أظل عند ربى يطعمنى ويسقينى» (1)، وفى رواية:«إنى أبيت» ، قيل: والإطعام والإستقاء على حقيقته فكان يؤتى بطعام وشراب له لا كرامة له، ورد بأنه لم يكن مواصلا، وح بأن أظل يدل على وقوع ذلك نهارا، فلو كان بالأكل والشرب حقيقة لم يكن صائما، وأجيب: بأن رواية «أبيت» هى الأكثر بل الأرجح «فأظل» محمولة عليها بأن يراد بها معنى أبيت مجازا، وعلى بقائها على ظاهرها فالإطلاق باق على حقيقته لأن ما يؤتى به من طعام الجنة، فلا تجرى عليه أحكام المكلفين فيه كما غسل صدره الشريف فى طست الذهب مع تحريمه على ما يأتى فى مبحث الإسراء، والجمهور أنه مجاز أى: يطيق قوة المطاعم والمشارب بأن يخلق فيه من الشبع والرى ما يعدل الطعام والشراب، أو ما يغذيه من معارفه وقرة عينه بقربه، قال النووى فى مجموعه: أو معناه أن محبة الله تشغلنى عن الطعام والشراب إذ الحب البالغ يشغل عنهما.

283 -

(قالت: كان. . .) إلخ روى نحوه ونحو الأحاديث بعده الشيخان وغيرهما ولفظ مسلم: «حتى يقال: قد صام صام، ويفطر حتى يقال: أفطر أفطر» (2) وفى البخارى: «حتى يقول القائل: والله ما يفطر حتى يقول: لا والله ما يصوم» (3). (نقول) بالنون وتاء الخطاب أى: أيها السامع لو أبصرته، وبالنصب وهو الأفصح، ويجوز الرفع، لأن حتى هنا ليست للغاية حقيقة. (وما دام) أى داوم على الصوام وكذا يقال فى (قد أفطر) وهو معنى الرواية الأخرى: «كان يصوم حتى يقول: لا يفطر، ويفطر

(1) رواه أحمد فى مسنده (2/ 253،257،377،396)، (3/ 253)، (5/ 364).

(2)

رواه مسلم فى الصيام (1158)، وأحمد فى مسنده (3/ 159).

(3)

رواه النسائى فى الصيام (69)، وأحمد فى مسنده (6/ 68،122،189)، والحاكم فى المستدرك (2/ 434).

ص: 420

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

حتى يقول: لا يصوم» (1). (منذ قدم المدينة) قيل: قيدت به لإفادة النفى لجميع الأزمنة فى المدينة، لا لنفى الصوم فى غيرها، لأنه لم يكن فى مكة من يعرف حاله صلى الله عليه وسلم انتهى، وفيه نظر لأنها عرفت كثيرا من أحواله بمكة بالسؤال عنها من غيرها فى ابتداء الوحى وغيره، فالأولى أن يقال: قيدت به، لأن الأحكام لما كثرت وتتابعت من حين قدومه، على أن رمضان لم يفرض إلا فيها فى شعبان فى السنة الثانية. (إلا رمضان) من الرمض، وهو شدة الحر، لأن العرب لما أرادوا أن يضعوا أسماء الشهور بناء على القول الضعيف أن الواضع غير الله، وأقول: إن الشهر المذكور شديد الحر فسموه بذلك كما سموا الربيعين لموافقتهما من الربيع، لا من رمض الذنوب أى: حرقها، لأن تلك التسمية قبل الشرع، وفى الحديث: دليل على أنه لم يصم شعبان كله، لكن فى الرواية الآتية «أنه صامه كله» (2) فيحمل على كثرة كما فى روايات أخر على أن صوم النفل لا يختص بزمن، وعلى أنه يسن أن لا يخلى شهر منه، وعلى أن كل السنة صالحة إلا رمضان، ويضم إليه العيدان، وكذ أيام التشريق مطلقا، وعلى تفصيل عند غيرنا والدليل يساعده، وعلى أن رمضان لا يقبل غيره حتى لو فرض أن فرضه سقط عن نحو مريض ومسافر، ثم أراد أن يصوم يوما منه نفلا من غير رمضان من نحو نذر، أو قضاء، أو نفل لم يصح منه، وعلى أنه لا يكره أن يقال: رمضان، وهو ما عليه أكثر العلماء، وقد جاء فى روايات كثيرة صحيحة عرفا عن لفظ شهر، ومن ثمة كان القول بالكراهة شاذا دليلا وقياسا، وزعم أنه من أسماء الله مردود، والحديث فيه ضعيف، وكذا القول بالتفصيل بين أن يكون هناك قرينة تصرفه عن أن يطلق على الله كصمت رمضان فلا يكره، وبين أن لا كجاء رمضان فيكره فهو شاذ كذلك، ففى الحديث:«إذا جاء رمضان فتحت له أبواب الجنة. . .» (3) الحديث.

(1) رواه أبو داود فى الصيام (2430)، والنسائى فى الصيام (4/ 150،202)، والبغوى فى شرح السنة (1776،1777)، وأحمد فى مسنده (1/ 227،231،326)(3/ 179)، (6/ 107، 143،153،165،242)، والبيهقى فى السنن (4/ 291،292،299)، وابن كثير فى البداية والنهاية (6/ 68)، وابن أبى شيبة فى مصنفه (3/ 101،103).

(2)

رواه ابن ماجه فى الصيام (1710)، رواه أحمد فى مسنده (6/ 39،84،107،128، 143،153،165،233،242،249،268).

(3)

رواه البخارى فى الصوم (1898)، ومسلم (1079)، وأحمد فى مسنده (2/ 357)، والبغوى فى شرح السنة (1703)، والبيهقى فى السنن (4/ 202،303).

ص: 421

284 -

حدثنا على بن حجر، حدثنا إسماعيل بن جعفر، عن حميد، عن أنس ابن مالك، أنه سئل عن صوم النبى صلى الله عليه وسلم، فقال:

«كان يصوم من الشّهر حتّى نرى ألا يريد أن يفطر منه، ويفطر حتّى نرى أنه لا يريد أن يصوم منه شيئا، وكنت لا تشاء أن تراه من اللّيل مصلّيا إلاّ رأيته مصليا، ولا نائما إلاّ رأيته نائما» .

ــ

284 -

(نرى) أى نظن بالنون والياء متكلما أو غائبا. (أن) مخففة من الثقيلة. (لا تشاء. . .) إلخ، لا: نافية داخلة على محذوف أى: ليس من زمن من أزمنة الليل تريد أن تراه فيها متهجدا إلا رأيته كذلك، وليس من زمن تلك الأزمنة تريد أن تراه فيها نائما إلا رأيته نائما، والحصر فى ذلك إضافى باعتبار تفاوت هذين الحالين عليه مع غلبة التهجد على النوم تارة وعكسه أخرى فالحكم للغالب، فبهذا الاعتبار صح الحصر فى كل من الطرفين، وتبين أنه لم يكن له زمن معين لأحدهما لا يختل عنه، كما هو شأن أصحاب الأوراد الباقين مع نفوسهم، فعاداتهم التى توطنت نفوسهم عليها فلم يكن فى تركها كبير مشقة، وهذا الذى ذكرته، وإن لم أر من سبقنى إليه أولى وأظهر فى المعنى من قول بعضهم: لعل هذا التركيب من باب الاستثناء على البدل وتقديره على الإثبات أن يقال: إن شاء رؤيته متهجدا رأيته متهجدا، وإن شاء رؤيته نائما رأيته نائما، وقوله:

«إلا إن رأيته» معناه: إلا وقت إن رأيته والتقدير: وقت مشيئتك أبدا يكون وقت الصلاة، أو النوم بالاعتبارين السابقين فى رواية:«إلا رأيته رأيته» هو على حذف مضاف أى: إلا زمان رؤيتك إياه، فالتقدير هنا كهو فيما قبله، وإيهام بعض الروايات خلاف ما تقرر غير مراد لما دل عليه مجموع الأحاديث، والحاصل: أن أمره صلى الله عليه وسلم فى صومه وصلاته كان على غاية من الاعتدال، ومجانبة الإسراف والتقصير، والإفراط والتفريط، ينام أو أن ينبغى أن ينام فيه كأول الليل ويصلى، أو أن يصلى فيه كأواخره،

284 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى الصوم (769)، بسنده ومتنه سواء، ورواه البخارى فى التهجد (1141)، وفى غيره (1972،1973،3561)، والنسائى فى قيام الليل (2/ 213)، دون ذكر الصوم، وأحمد فى مسنده (3/ 104،114،182،236،264)، وابن خزيمة فى صحيحه (4134)، كلهم من طرق عن حميد به فذكره نحوه.

ص: 422

285 -

حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا أبو داود، حدثنا شعبة، عن أبى بشر، قال: سمعت سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال:

«كان النّبىّ صلى الله عليه وسلم يصوم حتّى نقول: ما يريد أن يفطر منه، ويفطر حتّى نقول: ما يريد أن يصوم، وما صام شهرا كاملا منذ قدم المدينة إلا رمضان» .

286 -

حدثنا محمد بن بشار، حدثنا عبد الرحمن بن مهدى، عن سفيان بن منصور، عن سالم بن أبى الجعد، عن أبى سلمة، عن أم سلمة، قالت:

«ما رأيت النّبىّ صلى الله عليه وسلم يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان» .

قال أبو عيسى: هذا إسناد صحيح.

أى أن هذا الإسناد المذكور سابقا صحيح على شرط الشيخين. وذكر ذلك ابن حجر.

ــ

وكذا فى الصوم، ومن ثمة: لما بلغه صلى الله عليه وسلم أن بعض أصحابه حلف ليصلين الليل أبدا وبعضهم حلف ليصومن الدهر قال: «أما أنا فأصلى وأقوم وأصوم وأفطر فمن رغب عن سنتى فليس منى» (1)، وزاد أنس فى الجواب حكم الصلاة فى الليل تنبيها للسائل على أنها إن لم تكن أحق بالسؤال عنها بالصوم كانت مثله.

286 -

(عن أم سلمة. . .) إلخ رواية الشيخين عن عائشة. «ما رأيته صام شهرا قط إلا

285 - إسناده صحيح: رواه البخارى فى الصوم (1971)، ومسلم فى الصيام (1157)، والنسائى فى الصيام (4/ 199)، وفى الكبرى (2655)، وابن ماجه فى الصيام (1711)، والإمام أحمد فى المسنده (1/ 227،221،326)، والبغوى فى شرح السنة (6/ 328)، والبيهقى فى سننه الكبرى (4/ 291،292،299)، وأبو نعيم فى المستخرج على مسلم (2625)، كلهم من طرق عن سعيد بن جبير نحوه.

286 -

إسناده صحيح: رواه الترمذى فى الصوم (736)، بسنده ومتنه سواء، ورواه أبو داود فى الصوم (2336)، والنسائى فى الصوم (4/ 150)، وفى الكبرى (2485)، وابن ماجه فى الصيام (1648)، كلهم من طرق عن أبى سلمة، به فذكره نحوه.

(1)

رواه أحمد فى مسنده (3/ 259)، وعبد الرزاق فى مصنفه (1074)(6/ 167).

ص: 423

(وهكذا قال عن أبى سلمة، عن أم سلمة، وروى هذا الحديث غير واحد عن أبى سلمة، عن عائشة عن النبى صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن يكون أبو سلمة بن عبد الرحمن قد روى هذا الحديث عن عائشة، وأم سلمة جميعا عن النبى صلى الله عليه وسلم.

وهذا صحيح، فإن أبا سلمة بن عبد الرحمن، كان يروى عن عائشة وأم سلمة، رضى الله عنهما.

ــ

شهر رمضان، وما رأيته فى شهر أكثر منه صياما فى شعبان» (1)، وفى رواية لهما:«لم يكن يصم شهرا أكثر من شعبان، فإنه كان يصوم كله» (2)، وفى أخرى لأبى داود:«كان أحب الشهور إليه أن يصوم شعبان، ثم يصل به رمضان» (3)، وفى أخرى للنسائى:«كان يصوم شعبان أو عامة شعبان» (4) وفى أخرى له أيضا: «كان يصوم شعبان كله حتى يصله برمضان» (5) أى أكثره كما مر بما فيه، ويحتمل أنه فى بعض السنين صامه كاملا فحفظته أم سلمة، ثم رأيت الطيبى صرح به فقال: يحمل على أنه كان يصوم شعبان كله تارة ومعظمه أخرى، ولا يصح الجمع بأنه كان قبل قدومه المدينة قد يستكمل صوم شعبان أخذا من قول عائشة فيما مر منه منذ قدم المدينة، لأن صوم رمضان إنما فرض فى المدينة فى شعبان فى السنة الثانية من الهجرة، وفى مكة لم يحفظ منه صلى الله عليه وسلم سرد صوم لا فى شعبان ولا فى غيره فى التقييد بالمدينة فى كلام عائشة لا يستثنى رمضان لا لإفادة أنه بمكة كان يستكمل شهرا، أو شهورا بالصوم، ونقل المصنف عن ابن المبارك: أنه يجوز فى كلام العرب أن يعبر بصوم كل شهر عن صوم معظمه. (قال) كأنه جمع بين الحديثين بذلك. (صحيح على شرط الشيخين) وكذا (قال) أى ابن أبى الجعد. (ويحتمل. . .) إلخ يتعين هذا الاحتمال لتصح الروايتان ويسلما من الأخطاء أن أبا سلمة بن عبد الرحمن كان يروى عن كل من أم سلمة وعائشة.

(1) رواه البخارى فى الصيام (1969)، صوم شعبان (4/ 251)، ومسلم فى الصيام (1156)، وأبو داود فى الصيام (2434)، والنسائى فى الصيام (4/ 151).

(2)

رواه النسائى فى الصيام (4/ 200،201).

(3)

رواه النسائى فى الصيام (4/ 199)، والبغوى فى شرح السنة (1779)، وأحمد فى مسنده (6/ 188).

(4)

رواه النسائى فى الصيام (4/ 150).

(5)

رواه الترمذى فى الصوم (745)، والنسائى (4/ 153،202،203)، وابن ماجه (1739)، وأحمد فى مسنده (6/ 80،89،106)، وابن حبان فى صحيحه (3643).

ص: 424

287 -

حدثنا هنّاد، حدثنا عبدة، عن محمد بن عمرو، حدثنا أبو سلمة، عن عائشة، قالت:

«لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم فى الشّهر أكثر من صيامه فى شعبان، كان يصوم شعبان إلاّ قليلا بل كان يصومه كلّه» .

ــ

287 -

(لم أر) الظاهر أنها علمية. و (أكثر) ثانى مفعولها. (من صيامه فى شعبان) فبأنه كان يصوم منه ومن غيره لكن صومه منه أكثر. (إلا قليلا بل كان يصومه كله) رواية البخارى: «كان يصوم شعبان كله كان يصوم شعبان إلا قليلا» (1)، فالثانى تفسير الأول ومبين لأن المراد بالكل فى هذه الرواية الأكثر، وإن قيل: إنه مجاز قليل الاستعمال إذ التأكيد بكل الرفع المجاز، ويرد: بأن ذلك للغالب وأن التأكيد بها قد يكون لغير رفع المجاز، كما يعلم من قولى الآتى، وحكمة الاضطراب إلخ ومعلوم أن ضرورة الجمع بين الأحاديث، سيما إن اتحد راويها يسهل ارتكاب المجاز أو البعيدة والتأويلات المتكلفة، لأن هذا أسهل من إلغاء بعض الأحاديث من صحته، وقال ابن المنير: يجمع بأن قولها الثانى متأخر عن قولها الأول فأول أمره: كان يصوم أكثره، والآخر: كان يصوم كله انتهى، ولم أدر ما الحامل له على الجمع بهذا الذى هو عكس الترتيب اللفظى أوجه، أى: كان أول أمره يصوم كله، فلما أسن وضعف صار يصوم أكثره ويجزئ الجمع بذلك فى قولها هذا، بل يصومه كله، وحكمه الاضطراب: أن قولها:

«إلا قليلا» ربما يتوهم منه أن ذلك القليل يصدق بماله وقع نحو ثلث الشهر، فيثبت بكله أنه لم يكن يفطر منه، إلا ما وقع له بحيث يظن أنه صامه كله وإن لم يكمله لئلا يظن وجوبه، واختار صومه على أشهر الحرم حتى على المحرم مع قوله: «إن أفضل الصوم

287 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى الصوم (737)، بسنده ومتنه سواء، ورواه أبو داود فى الصوم (2434)، والنسائى فى الصيام (4/ 151)، وفى الكبرى (414،454)، (2664)، (2665)، وأحمد فى المسند (6/ 165)، والبغوى فى شرح السنة (6/ 329)، كلهم من طرق عن محمد بن عمرو عن أبى سلمة به فذكره نحوه.

(1)

رواه البخارى فى الصوم (1970)، وأحمد فى مسنده (6/ 128،143،189،249)، والبيهقى فى السنن (4/ 210،292)، وعبد الرزاق فى مصنفه (7859)، والبغدادى فى تاريخ بغداد (4/ 437).

ص: 425

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بعد رمضان صوم المحرم» (1) رواه مسلم، إما لاحتمال أنه لم يعلم أفضل الصوم المحرم إلا فى آخر حياته، وإن كان يعرض له فيه وفى بيته المحرم عذر يشق معه الصوم كسفر ومرض، وإما أنه كان يشتغل عن صوم الثلاثة أيام من كل شهر لسفر أو لغيره، لخبر الطبرانى بسند ضعيف عن عائشة «كان صلى الله عليه وسلم يصوم ثلاثة أيام من كل شهر» (2) فربما أخر ذلك حتى يجتمع عليه صوم السنة فيصوم شعبان، وإما تعظيما لرمضان لخبر غريب عند المصنف قال: وفيه صدقة، وهو ليس بذلك القوى، وسئل صلى الله عليه وسلم:«أى الصوم أفضل بعد رمضان قال: شعبان» (3) لتعظيم رمضان، وإما لأنه يغفل عنه للخبر الصحيح عن أسامة «قلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أرك تصوم شهرا من الشهور ما تصوم شعبان قال:

ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين فأحب أن يرفع عملى وأنا صائم» (4) فبين صلى الله عليه وسلم حكمة إفراده: بأن لما اكتنفه شهران عظيمان اشتغل الناس بهما فصار مغفولا عنه مع ما انضم لذلك من رفع الأعمال فيه، أى: رفع جملة أعمال جميع السنة، فلا ينافى رفعها كل يوم وليلة ويوم الإثنين والخميس، لأن الأول خاص بأعمال اليوم والليلة، والثانى خاص بأعمال الأسبوع، قيل: ويؤخذ من هذا الحديث: أن صوم شعبان أفضل من صوم رجب انتهى، وله وجه، لكن مذهبنا أن رجب أفضل لأنه من الحرم وقد مر عن مسلم «أن المحرم أفضل» (5) فيقاس به رجب كيف وقد قال بعض الشافعية: إنه أفضل الحرم؟ لكنه

(1) رواه مسلم فى الصيام (1163)، وأبو داود فى الصيام (2429)، والترمذى فى الصيام (740)، والنسائى فى قيام الليل (3/ 206،207)، وأحمد فى مسنده (2/ 342،344).

(2)

رواه مسلم فى الصيام (1160)، وأبو داود (2453)، والترمذى فى الصوم (763)، والنسائى فى الصيام (4/ 222)، وابن ماجه فى الصيام (1709)، والبغوى فى شرح السنة (1802)، وابن حبان فى صحيحه (3654،3656،3657)، وابن خزيمة فى صحيحه (2130)، وأحمد فى مسنده (6/ 145،146)، والطيالسى فى (1572).

(3)

رواه الترمذى فى الزكاة (662)، وأحمد فى مسنده (2/ 303،329).

(4)

رواه أحمد فى مسنده (5/ 201)، وذكره الحافظ بن حجر فى فتح البارى (4/ 215)، وذكره الهندى فى كنز العمال (24587)، وعزاه لابن أبى شيبة وابن زنجويه وابن أبى عاصم والباوردى (8/ 655).

(5)

رواه مسلم فى الصيام (1163).

ص: 426

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ضعيف، وفى سنن أبى داود:«أنه صلى الله عليه وسلم ندب إلى الصوم من الأشهر الحرم» (1) ورجب أحدها، وعن عروة «أنه قال لعبد الله بن عمر: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم فى رجب؟ قال: نعم وشرفه قالها ثلاثا» (2) أخرجه أبو داود وغيره، وعن أبى قلابة «إن فى الجنة قصرا لصوام رجب» قال البيهقى: أبو قلابة من كبار التابعين لا يقوله إلا عن بلاغ، وأما ما ذكره ابن ماجه من حديث ابن عباس «أنه نهى عن صيامه» فالصحيح:

وقفه على ابن عباس، فلا حجة فيه، وإما لأنه ينسخ فيه الآجال لخبر ضعيف عن عائشة «قلت: يا رسول الله أرى أكثر صيامك فى شعبان، قال: إن هذا الشهر يكتب فيه لملك الموت من يقبض، فإنى أحب أن لا ينسخ اسمى إلا وأنا صائم»، وإما لأن صومه كالتمرن على صوم رمضان، والمنهى عن الصوم فى النصف الثانى من شعبان محله فى ما لم يصله بما قبله، ولم تكن له عادة، ولا قضاء عليه، ولا نذر.

فائدة: روى أبو داود: «أنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم تسع ذى الحجة» (3)، ولا ينافيه خبر مسلم عن عائشة:«ما رأيته صائما فى العشر قط» (4)، لأنه لا يلزم من انتفاء رؤيتها انتفاء وقوع ذلك كيف وقد أثبت غيرها؟ وفى البخارى «ما من أيام العمل الصالح فيها أفضل منه فى هذه» (5) يعنى العشر الأول من ذى الحجة والصوم من العمل الصالح، وفى رواية:«ما من علم أزكى عند الله، ولا أعظم أجرا من خير يعمله فى عشر الأضحى» (6)، وفى

(1) رواه أبو داود فى الصيام (2428) بمعناه، وابن ماجه (1741).

(2)

رواه مسلم فى الصيام (1157)، وأحمد فى مسنده (1/ 231،326).

(3)

رواه أبو داود فى الصيام (2437)، والنسائى فى الصوم (4/ 220)، وأحمد فى مسنده (5/ 271)، (6/ 288،423).

(4)

رواه مسلم فى الاعتكاف (1176)، وأبو داود فى الصيام (2439)، والترمذى فى الصيام (756)، وابن ماجه فى الصيام (1729)، والبغوى فى شرح السنة (1793)، وابن حبان فى صحيحه (1441،3608)، وابن خزيمة فى صحيحه (3103)، وابن أبى شيبة فى مصنفه (3/ 41).

(5)

رواه البخارى فى العيدين (969)، وأبو داود فى الصوم (2438)، والترمذى (757)، وابن ماجه (1727،1728)، والدارمى (2/ 25)، والبغوى فى شرح السنة (1125،1126)، وأحمد فى مسنده (1/ 224،338)، وابن حبان فى صحيحه (324)، والبيهقى فى السنن (4/ 284)، والطيالسى فى مسنده (2631،2283).

(6)

رواه الدارمى فى الصيام (2/ 26)، والبيهقى فى شعب الإيمان (3752).

ص: 427

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

صحيح أبى عوانة وابن حبان: «ما من أيام أفضل عند الله من أيام عشر ذى الحجة» (1) وهو صريح فى أن هذا العشر أفضل أيام السنة، ولا ينافيه خبر مسلم:«خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة يوم عرفة والنحر» (2) وما من جملة العشر، وسبب امتيازه:

اجتماع أمهات العبادة فيه من نحو الصلاة والصوم والحج، كذا قيل وفيه وقفه من أن ظاهر الحديث أنه أفضل بالنسبة للحاج وغيره، إلا أن يقال: إن صلاحيته لذلك اقتضت أفضليته مطلقا، واستفيد من قوله:«ما من أيام» أن أيامه أفضل حتى من العشر الأخير من رمضان، لاشتماله على يوم عرفة لم ير الشيطان أحقر منه فيه، وأن صومه يكفر سنتين، وعلى أعظم الأيام عند الله وحرمته وهو يوم النحر الذى سماه الله يوم الحج الأكبر وليالى العشر الأخير أفضل من لياليه لاشتماله على ليلة القدر التى هى خير من ألف شهر، قال ابن النقاش وأطنب فى الانتصار له، وله وجه لكن الذى يصرح كلام الأئمة أن أيام العشر الأخير أفضل من أيام هذه أيضا بل أيام جميع رمضان أفضل لأنه سيد الشهور كما فى الحديث، ولأن الله اختارها لهذا الغرض الذى أضافه لنفسه دون بقية العبادات ومن ثم كان الصوم أفضل من الحج فتخصيص الشارع لها بالأفضل دليل على أنها أفضل، وح تعين حمل تلك الأحاديث على رمضان ويؤيده أن أفضلية الزمن ليس معناها، إلا أفضلية العبادة فيه، وقد تقرر أن عبادة أيام رمضان أفضل من عبادة أيام تلك العشر، فكانت تلك أفضل من هذه.

(1) رواه مسلم فى الحج (1348)، والنسائى (5/ 251،252)، وابن ماجه (3014)، والبغوى فى شرح السنة (1931)، وابن حبان فى صحيحه (3853)، وابن خزيمة فى صحيحه (2840)، وأبو يعلى فى مسنده (2090)، والبزار فى مسنده (1128)، والطحاوى فى مشكل الآثار (4/ 114)، وذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (3/ 253)، وقال: رواه أبو يعلى وفيه محمد بن مروان العقيلى وثقه ابن معين، وابن حبان وفيه بعض الكلام وبقية رجاله رجال الصحيح ورواه البزار.

(2)

رواه مسلم فى الصلاة (854)، وأبو داود فى الصلاة (1046)، والترمذى فى الصلاة (488/ 491)، والنسائى فى الجمعة (3/ 89،90) وابن ماجه فى إقامة الصلاة (1139)، والبغوى (1046،1050)، وابن حبان فى صحيحه (2772)، ومالك فى الموطأ (1/ 108، 110)، وأحمد فى مسنده (2،504،518،519،540)، وعبد الرزاق فى مصنفه (5583،5585)، والحاكم فى المستدرك (1/ 278،279)، (2/ 544).

ص: 428

288 -

حدثنا القاسم بن دينار الكوفى، حدثنا عبيد الله بن موسى، وطلق بن غنام، عن شيبان، عن عاصم، عن زرّ، عن عبد الله، قال:

«كان النّبىّ صلى الله عليه وسلم يصوم من غرّة كلّ شهر ثلاثة أيّام، وقلما كان يفطر يوم الجمعة» .

ــ

288 -

(من غرة كل شهر) أى من أوله. (ثلاثة أيام) رواه أيضا أصحاب السنن وصححه ابن خزيمة، وإنما كان يفعل ذلك ليفتتح الشهر بما يحصل عليه، إذ الحسنة بعشر أمثالها، ومن ثمة: ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «صوم ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر كله» (1)، وروى مسلم:«ثلاثة أيام من كل شهر ورمضان إلى رمضان فصيام الدهر كله» (2). (وقلما كان يفطر يوم الجمعة) لا ينافى كراهة صومه لنهيه بقوله فى الحديث المتفق عليه: «لا يصوم أحدكم يوم الجمعة، إلا أن يصوم قبله أو يصوم بعده» (3) لاحتمال أنه كان يصومه مضموما إلى الخميس والسبت، وعند ضمه إلى غيره

288 - إسناده حسن: عاصم هو ابن بهدلة بن أبى النجود القارئ، حديثه حسن. وشيبان هو ابن عبد الرحمن التميمى مولاهم النحوى، ثقة ثبت صاحب كتاب. «تهذيب الكمال 12/ 592). ورواه الترمذى فى الصوم (742)، بسنده ومتنه سواء، ورواه أبو داود (2450)، مختصرا على الجزء الأول من الحديث، ورواه ابن ماجه فى الصوم (1725)، مختصرا، على الشطر الأخير، ورواه أحمد فى المسند (6/ 106)، ورواه ابن أبى شيبة فى المسند (349)، بتحقيقنا، وابن خزيمة (1229)، كلهم من طرق عن عاصم بن أبى النجود به فذكره نحوه مختصرا وتاما، قال أبو عيسى: حسن غريب.

(1)

رواه البخارى فى الصوم (1974،1975)، وفى التهجد (1153)، وفى الصوم أيضا (1977، 1978،1979)، وفى الأدب (6134)، وفى النكاح (5199)، وفى فضائل القرآن (5052)، ومسلم فى الصيام (1159)، وأحمد فى مسنده (2/ 198،200)، وابن حبان فى صحيحه (3571،3638،3640،3658،3660،6226)، وابن خزيمة فى صحيحه (2109، 2110،2152)، والبيهقى فى السنن (3/ 16)(4/ 299)، والطحاوى فى مشكل الآثار (2/ 85،86).

(2)

رواه مسلم فى الصيام (1162)، والنسائى فى الصيام (4/ 209).

(3)

رواه البخارى فى الصوم (1985)، ومسلم فى الصيام (1144)، وأبو داود (2420)، والترمذى (743)، وابن ماجه (1723)، وأحمد فى مسنده (2/ 495)، والبغوى فى شرح =

ص: 429

289 -

حدثنا أبو حفص: عمرو بن على، حدثنا عبد الله بن أبى داود، عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن ربيعة الجرشى، عن عائشة قالت:

«كان النّبىّ صلى الله عليه وسلم يتحرّى صوم الإثنين والخميس» .

ــ

لا كراهة، وإنما المكروه: إفراده كما دل عليه الحديث، وسبب الكراهة أمور أصحها: أنه يوم عيد يتعلق به وظائف كثيرة دينية، والصوم يضعفه عنها، ومن ثمة كره صوم عرفة للحاج، لأنه يضعفه عن تلك الوظائف الدينية التى هى فيه بخلاف ما إذا ضم إلى غيره، فإن بصلة صوم ما قبله أو ما بعده يجبر ما فات سبب ذلك الضعف، لكن على هذا يصح أن يقال: أفضلية صوم يوم الجمعة يجبر ما فات من الوظائف، وكذا لا يكره إن وافق نذرا كأن نذر صوم يوم قدوم زيد فوافقه وأما دعوى: أن صوم يوم الجمعة بلا كراهة من خصائصه صلى الله عليه وسلم يحتاج إلى دليل، ومجرد صومه مع نهيه لا يدل على الخصوصية، إلا لو ثبت أنه كان يفرده، ويداوم إفراده، وإلا احتمل أنه لبيان الجواز، وكذا دعوى: أن المراد بالصوم الإمساك إلى ما بعد صلاة الجمعة ثم يتعدى ح، ولم يبلغ مالكا النهى عن صومه فاستحسنه وأطال فى موطأه وهو وإن كان معذورا لكن السنة مقدمة على ما رواه هو وغيره قاله النووى.

289 -

(الجرشى) بجيم مضمومة فراء مفتوحة فمعجمة. (قالت. . .) إلخ رواه

= السنة (1804)، وأبو القاسم البغوى فى الجعديات (1820)، وابن حبان فى صحيحه (3614)، وابن خزيمة فى صحيحه (2610،2108)، والبيهقى فى السنن (4/ 302)، وعبد الرزاق فى مصنفه (7805)، وابن أبى شيبة فى مصنفه (3/ 44)، والطحاوى فى مشكل الآثار (2/ 78،79).

289 -

إسناده حسن: ثور بن يزيد: ثقة ثبت إلا أنه يرى القدر (التقريب 861)، خالد بن معدان: ثقة عابد يرسل كثيرا (التقريب 1678)، ربيعة بن عمرو الجرشى: مختلف فى صحبته، وثقه الدار قطنى التقريب (1915). ورواه الترمذى فى الصوم (845)، بسنده ومتنه سواء، ورواه النسائى فى الصيام (4/ 202)، وفى الكبير (2669)، (2670)، (2671)، (2672)، وابن ماجه (1739)، وأحمد فى المسند (6/ 106)، وابن خزيمة فى صحيحه (2116)، وأبو نعيم فى الحلية (7/ 122)، كلهم من طرق عن عائشة رضى الله عنها مرفوعا فذكره نحوه. وقال أبو عيسى: حسن غريب من هذا الوجه.

ص: 430

290 -

حدثنا محمد بن يحيى، حدثنا أبو عاصم، عن محمد بن رفاعة، عن سهيل بن أبى صالح، عن أبيه، عن أبى هريرة:

«أنّ النّبىّ صلى الله عليه وسلم قال: تعرض الأعمال يوم الإثنين والخميس، فأحبّ أن يعرض عملى وأنا صائم» .

ــ

النسائى أيضا. (يتحرى) أى يقصد يوم. (الإثنين والخميس) من إضافة المسمى إلى الاسم أى: صومهما، لأن الأعمال تعرض فيهما كما فى الحديث الآتى قريبا، ولأن «الله يغفر فيهما لكل مسلم إلا المتهاجرين» (1) رواه أحمد، أى: المتقاطعين لمن تحرم مقاطعته واستشكل استعمال الإثنين فالنون مع قولهم أن المثنى وما ألحق به، إذا جعل علما وأعرب بالحركة يلزمه الألف كما أن الجمع، إذا جعل كذلك تلزمه الواو إلا ما شذ، واستثنوا من الأول البحرين فإن الأكثر فيه الياء انتهى، ويجاب: بأنه يؤخذ من هذا أن الإثنين كالبحرين فى ذلك، لأن عائشة من أهل اللسان فيستدل بنطقها كذلك على أن ذلك أى: لا الألف لغة فيه.

290 -

(تعرض الأعمال. . .) إلخ أى: على الله كما فى رواية المصنف فى غير هذا

290 - إسناده ضعيف وهو صحيح بشواهده: رواه الترمذى فى الصوم (747)، بسنده فذكره بأتم من هذا، وأحمد فى المسند (2/ 329)، ورواه ابن ماجه فى الصوم (1740)، والدارمى فى الصيام (2/ 20)، والبخارى فى التاريخ الكبير (5/ 109)، والبغوى فى شرح السنة (6/ 354)، كلهم من طرق عن محمد بن رفاعة به فذكره نحوه. قال أبو عيسى: حسن غريب. وقال البوصيرى فى الزوائد: إسناده صحيح غريب، ومحمد بن رفاعة ذكره ابن حبان فى الثقات، تفرد بالرواية عنه الضحاك بن مخلد، وباقى رجال إسناده على شرط الشيخين. قلت: فى إسناده محمد بن رفاعة: قال فيه الحافظ: مقبول (التقريب 5879). ولكن للحديث شاهد من حديث أسامة بن زيد رضى الله عنه عند أبى داود (2436)، وأحمد فى المسند (5/ 200،204،208)، والنسائى فى الكبرى (2781،2782)، والطيالسى فى مسنده (632)، وابن أبى شيبة فى مسنده بتحقيقنا (159)، وفى إسناده مولى قدامة بن مظعون وهو ضعيف لجهالة مولى قدامة، ورواه النسائى (4/ 202)، من طريق آخر عن سعيد بن المصرى عن أسامة مرفوعا، وحسنه المنذرى وله شاهد آخر من حديث حفصة رضى الله عنها عند النسائى فى الصغرى (4/ 203)، (204)، فبالجملة الحديث صحيح إن شاء الله بشواهده.

(1)

رواه أحمد فى مسنده (2/ 329).

ص: 431

291 -

حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا أبو أحمد، ومعاوية بن هشام، قالا:

حدثنا سفيان عن منصور، عن خيثمة، عن عائشة قالت:

«كان النّبىّ صلى الله عليه وسلم يصوم من الشّهر: السّبت والأحد، والإثنين، ومن الشّهر الآخر: الثلاثاء والأربعاء، والخميس» .

ــ

الكتاب وفى رواية النسائى: «على رب العالمين» ولا ينافيه عرضها ليلا ونهارا كما دل عليه حدوث نزول ملائكة الليل وملائكة النهار، لرفع ذلك وعرضه وخبر مسلم:«يرفع إليه عمل الليل قبل النهار وعمل النهار قبل الليل» (1) لأن هذا عرض تفصيلى، وذلك عرض إجمالى، وتعرض أيضا ليلة النصف من شعبان، أول ليلة القدر عرضا إجماليا أيضا، لكنه أعم من ذلك الإجمال، لأنه عرض لأعمال السنة، وذلك عرض لأعمال الأسبوع كما مر قريبا، وروى مسلم:«أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم الإثنين فقال: فيه ولدت وفيه أنزل علىّ» (2).

291 -

(يصوم من الشهر السبت. . .) إلخ إنما فعل ذلك ليبين فيه أفضلية جميع أيام الأسبوع ولم يوالها من أسبوع واحد لئلا يشق على الأمة الاقتداء به فى ذلك وإنما ترك الجمعة هنا، لأنه كان يكثر صومه على ما مر، واختارت عائشة وآخرون العمل بقضية هذا فعينوا الثلاثة التى تعين فى كل شهر فى السبت وتالييه من شهر وفيه. (والثلاثاء) من شهر بعده وهكذا، وروى النسائى: «كان صلى الله عليه وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة أيام الإثنين

291 - إسناده ضعيف وهو صحيح بشواهده: فيه محمد بن عبد الله بن الزبير؛ أبو أحمد: ثقة ثبت إلا أنه قد يخطئ فى حديث الثورى (التقريب 6017) قلت: والحديث رواه هنا عن سفيان الثورى، وكذلك فيه: معاوية بن هشام صدوق له أوهام (التقريب 6771). وذكره الحافظ فى الفتح (4/ 267) وقال: وروى موقوفا وهو أشبه. وقال المصنف: حسن وروى عبد الرحمن بن مهدى هذا الحديث عن سفيان، ولم يرفعه، قلت: ويشهد له ما مرّ فى الباب أحاديث رقم (288،289)، والحديث صححه الشيخ الألبانى حفظه الله فى مختصر الشمائل.

(1)

رواه أبو عوانة فى مسنده (1/ 145،146).

(2)

رواه مسلم فى الصيام (1162)، وأحمد فى مسنده (5/ 299)، والبيهقى فى السنن (4/ 293)، وفى دلائل النبوة (2/ 133).

ص: 432

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والخميس من هذه الجمعة، والإثنين من المقبلة» (1)، وفى رواية:«أول اثنين من الشهر ثم الخميس الذى يليه» (2) وروى أحمد والنسائى بسند فيه مجهول، أو مجهولان:«أنه صلى الله عليه وسلم كان أكثر الأيام: صياما السبت والأحد، ويقول: إنهما عيدا المشركين، وإنى أحب أن أخالفهما» (3)، ولا ينافيه خبر أحمد وجماعة:«لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم، فإن لم يجد أحدكم إلا عود شجرة فليمضغه» (4) لأن محل النهى إن أفرد بالصوم.

تنبيه: سمى يوم السبت بذلك، لأن السبت: القطع، وذلك أنه انقطع فيه الخلق، وقول اليهود لعنهم الله: إن الله استراح فيه تولى الله رده عليهم بقوله: وَمامَسَّنامِنْ لُغُوبٍ (5) تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، ومن ثمة: أجمعوا على أنه لا أبله من اليهود، والأحد بذلك؛ لأنه أول الأسبوع على خلاف فيه حررته فى شرح العباب، وتسمية الباقى إلى الجمعة ظاهر، وسمى يوم الجمعة بذلك؛ لأنه فيه تم خلق العالم فاجتمعت أجزاؤه فى الوجود، ثم هذه الأسماء من الأقلام الغالبة وهى تلزمها اللزم، والإضافة إلى علم، إلا ما شذ كإثنين، فإنه علم عند سيبويه علم لليوم بلام ودونها، لكن خالفه المبرد. (والإثنين) روى بكسر النون وهو القياس، لأن إعراب الأعلام الغالبة على أصلها، وبفتحها إعرابا له بالحركات وكذا يقال فى الجمع العلم، ومر فيه إشكال وجوابه:(الثلاثاء) يجوز فيه أيضا الثلثاء بوزن العلماء. (والأربعاء) بتثليث الباء.

(1) رواه مسلم فى الصيام (1160)، متفق فى أول الحديث ومختلف فى آخره. والنسائى فى الصيام (4/ 203،220) بلفظه.

(2)

رواه النسائى فى الصيام (2/ 205) بلفظ: خمسين، وأحمد فى مسنده (2/ 91).

(3)

رواه أحمد فى مسنده (6/ 323،324)، وابن حبان فى صحيحه (3616،3646)، وابن خزيمة فى صحيحه (2167)، والطبرانى فى الكبير (23،616،964)، والحاكم فى المستدرك (1/ 436)، وعنه البيهقى (4/ 303) من طرق عن ابن المبارك بهذا الإسناد وصححه الحاكم ووافقه الذهبى.

(4)

رواه أبو داود فى الصوم (2421)، والترمذى (744)، والنسائى فى الكبرى كما فى التحفة (4/ 293)، وابن ماجه فى الصيام (1726)، والدارمى (2/ 19)، والبغوى فى شرح السنة (1806)، وابن حبان فى صحيحه (3615)، وابن خزيمة فى صحيحه (2164)، وأحمد فى مسنده (4/ 189)(6/ 368،369)، والحاكم فى المستدرك (1/ 435)، والبيهقى فى السنن (4/ 302) والطحاوى فى مشكل الآثار (2/ 80).

(5)

سورة ق: آية رقم (38).

ص: 433

292 -

حدثنا أبو مصعب المدينى، عن مالك بن أنس، عن أبى نضر، عن أبى سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة قالت:

«ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم فى شهر أكثر من صيامه فى شعبان» .

293 -

حدثنا محمود-بن غيلان-، حدثنا أبو داود، حدثنا شعبة، عن يزيد الرّشك، قال سمعت معاذة قالت لعائشة:

«أكان النّبىّ صلى الله عليه وسلم يصوم ثلاثة أيام من كلّ شهر؟

قالت: نعم.

قلت: من أيّه كان يصوم؟

قالت: كان لا يبالى من أيه صام».

ــ

292 -

(أكثر من صيامه فى شعبان) مر أن الحرم أفضل منه للصوم، وأن إكثاره الصوم فى شعبان لا يدل على أنه أفضل كما مرّ.

293 -

(الرشك) مر قريبا. (الضبعى) بضم المعجمة وفتح الموحدة، وهو أحمد ثقة روى عنه الستة فى صحاحهم، وقصد الترمذى بذلك: الرد على من زعم أنه لين الحديث، وذكر هذا هنا دون ما مر، لأن ما رواه هنا يعارضه ما مر أنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم الغرة والإثنين والخميس وأيام البيض ونحو ذلك مما فيه أنه يأتى ببعض أيامه وعينها لصومه، فربما طعن طاعن فى يزيد بهذا أفرده بتوثيقه مع الإشارة إلى أنه لا تعارض، ووجهه أن معنى كونه لا يبالى، وأنه كان كثيرا فى أوقاته، يترك تلك الأيام المذكورة ويصوم غيرها من بقية الشهر، فلم يكن يلزم أياما بعينها لا ينفك عنها نظير ما مر قريبا،

292 - إسناده صحيح: وقد تقدم تخريجه فى الحديث رقم (287)، بزيادة عنه هنا.

293 -

إسناده صحيح: رواه الترمذى فى الصوم (763)، بسنده ومتنه سواء، ورواه مسلم فى الصيام (1160)، وأبو داود فى الصوم (2453)، وابن ماجه فى الصيام (1709)، وأحمد فى المسند (6/ 145، 146)، وابن خزيمة فى صحيحه (2130)، وأبو نعيم فى المسند المستخرج على مسلم (2644)، كلهم من طرق عن يزيد بن الرشك به فذكره نحوه.

ص: 434

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وهما (1) ساعات الليل بالنسبة لقيامه ونومه. (قالت: قلت لعائشة. . .) إلخ رواه عنها كذلك أيضا مسلم. (من أيه) أى من أىّ أيامه، لأن أىّ إذا أضيفت إلى جمع معروف يكون السؤال عن تعيين بعض أجزائه كأى منهما جاء أى: زيد أم خالد فلا حاجة لتقدير شارح مضافا بينها وبين الضمير، قالوا: ولعله صلى الله عليه وسلم لم يواظب على ثلاثة معينة لئلا يظن تعيينها وما قيل (2) السنة يحصل بصوم أى ثلاثة أيام من الشهر، والأفضل صوم يوم الثالث عشر وتالييه، وعن صوم الثانى عشر احتياطا وسن أيضا: صوم ثلاثة أيام من أول الشهر، وثلاثة من آخره السابع والعشرين وتالييه، ومن اختار صوم البيض كثيرون من الصحابة والتابعين، وروى النسائى عن ابن عباس:«كان صلى الله عليه وسلم لا يفطر أيام البيض فى حضر ولا سفر» (3) وروى أحمد عن حفصة: «أربع لم يكن صلى الله عليه وسلم يدعهن: صيام عاشوراء، والعشر، وأيام البيض من كل شهر، وركعتى الفجر، وكأن المراد بالعشر ذى الحجة «للغالب كان. . .» (4) إلخ رواه عنها أيضا الشيخان وغيرهما مع بعض تخالف لا يغير المعنى، واستفيد منه تعيين وقت الأمر بصيامه وهو أول قدومه المدينة لها كان فى ربيع الأول، فيكون من الأمر به أول السنة الثانية، وفى شعبانها (5) فرض رمضان فلم يقع الأمر بصومه إلا سنة واحدة، ثم فرض صومه إلى رأى المتطوع، فعلى فرض صحته دعوى أنه كان قد فرض، فقد نسخ فرضه بهذا الحديث الصحيح، وروى الشيخان عن ابن عمر أنهم كانوا يصومونه وأنه صلى الله عليه وسلم قال:«إن عاشوراء يوم من أيام الله فمن شاء صامه» (6) ومسلم عن سلمة بن الأكوع: «بعث صلى الله عليه وسلم رجلا من أسلم يوم عاشوراء فأمره أن يؤذن فى الناس من كان لم يصم فليصم، ومن أكل فليتم صومه إلى الليل» واختلفوا هل كان واجبا حين شرع صومه؟ فقال أبو حنيفة: نعم وقال أصحابنا:

لا، لكنه كان متأكد الندب فلما فرض رمضان خفف ذلك التأكيد، احتج أبو حنيفة

(1) فى (ش): [فى ساعات].

(2)

فى (ش): [وأصل].

(3)

رواه النسائى فى الصيام (4/ 198).

(4)

رواه النسائى فى الصيام (4/ 220)، وأحمد فى مسنده (6/ 287)، وابن حبان فى صحيحه (6422)، وأبو يعلى فى مسنده (7041)، والطبرانى فى الكبير (23،354،496).

(5)

فى (ش): [وفى شعابها].

(6)

رواه مسلم فى الصيام (1126)، وأحمد فى مسنده (2/ 143).

ص: 435

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بقوله أمر بصيامه، والأمر للوجوب، وبقوله فلما فرض رمضان، قال:«من شاء صامه ومن شاء تركه» (1) واحتج أصحابنا بقوله «هذا يوم عاشوراء، ولم يكتب عليكم صيامه» (2) قالوا: ومعنى «فأمره أن يؤذن» اه أن من كان نوى صومه فليتمه ومن لا يمسك بقية يومه وإن أكل لحرمة اليوم فليس هذا الإمساك حقيقة صوم لأنهم أكلوا ثم أمروا بالإتمام، فلم يدفع الاحتجاج به على إجزائية صوم الفرض من النهار، سيما وقد وافق أبو حنيفة-القائل بالإجزاء-على أن شرطه أن لا يتقدم مفسد كأكل، ورجح بعض المتأخرين من محدثى الشافعية: أنه كان واجبا ثم نسخ الأمر به، ثم تأكيده تأكيد العام، ثم زيادته بأمر من أكل بالإمساك ثم زيادته بأمر الأمهات أن لا يرضعن الأطفال، ثم بقول ابن مسعود فى مسلم لما فرض رمضان ترك صوم عاشوراء مع علمه، بأنه ما ترك ندبه، وبأن القول بالمنسوخ تأكد ندبه، والباقى مطلق ندبه ضعيف، بل تأكده باق سيما مع الاهتمام به حيث قال:«لئن عشت لأصومن التاسع والعاشر» ولترغيبه فى صومه وأنه يكفر السنة فأىّ تأكيد أبلغ من هذا؟ انتهى، ولك رده: بأن قوله: «ولم يكتب عليكم صيامه» صريح فى نفس الوجود، وزيادة تلك التأكيدات كلها، لا تنافى عدم الوجوب، لأن المؤكد له مراتب، ونحن لا نقول: زاد تأكده بالكلية، بل الذى نقول أن تأكده بأىّ لكنه دون ذلك التأكيد، لأنه لما شرع صومه كان متفردا لا يشركه غيره، فكان تأكده أعظم من مشروعيته مع وجود غيره له، اندفع بذلك جميع ما احتج به فظهر ما قاله الأصحاب.

(1) رواه البخارى فى مناقب الأنصار (3831)، وفى التفسير (5404)، وفى الحج (1592)، وفى الصوم (1893،2001،4502)، ومسلم فى الصيام (1125)، وأبو داود فى الصيام (2442)، والترمذى فى الصوم (753)، والدارمى (2/ 23)، ومالك فى الموطأ (1/ 299)، وابن حبان فى صحيحه (3621)، وابن خزيمة فى صحيحه (2080)، والبيهقى فى السنن الكبرى (4/ 288،290)، وعبد الرزاق فى مصنفه (7842،7844،7845)، والبغوى فى (1702)، والطحاوى (2/ 74)، والهمذانى فى الاعتبار (133).

(2)

رواه البخارى فى الصوم (2003)، ومسلم (1129)، والطبرانى فى الكبير (748،749، 751،752،753،754)، والبغوى فى شرح السنة (1785).

ص: 436

294 -

حدثنا هارون بن إسحاق الهمدانى، حدثنا عبدة بن سليمان، عن هشام ابن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت:

«كان عاشوراء يوما تصومه قريش فى الجاهليّة، وكان رسول الله يصومه، فلمّا قدم المدينة صامه، وأمر بصيامه، فلما افترض رمضان، كان رمضان هو الفريضة، وترك عاشوراء، فمن شاء صامه، ومن شاء تركه» .

ــ

294 -

(عاشوراء) بالمد على المشهور وهو عاشوراء المحرم عند جمهور العلماء سلفا وخلفا، لكن فى مسلم عن ابن عباس أنه قال لسائل عن صومه: «إذا رأيت هلال المحرم فاعدده وأصبح يوم التاسع صائما فقال: أهكذا كان محمد صلى الله عليه وسلم يصومه؟ قال:

نعم» (1)، وظاهره أن عاشوراء هو تاسع المحرم أخذا من أشاء الإبل، فإن العرب تسمى اليوم الخامس من الورود رابعا وهكذا سيأتى فى الحديث ما يرده على أنه، قيل: أراد بذلك العاشر لقوله فى رواية أخرى: «إذا أصبحت من تاسعه فأصبح صائما» إذ لا يصبح صائما بعد ما أصبح صائما تاسعه، إلا إذا نوى الصوم الليلة المقبلة، وهى ليلة العاشر، وقيل: إنما أمره بصوم التاسع والعاشر بمعرفته أن عاشوراء هو اليوم العاشر فإخباره بأن صلى الله عليه وسلم كان يصومه، إما على حقيقته، أو يأول بأنه حمل فعله على الأمر به، وعرفه عليه فى المستقبل انتهى، والثانى ممكن بخلاف الأول لمنافاته قوله صلى الله عليه وسلم لما صام عاشوراء فقالوا له: يا رسول الله: يوم تعظمه اليهود والنصارى: «فإن كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع» قال: فلم يأت العام المقبل حتى توفى صلى الله عليه وسلم وفى رواية:

294 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى الصوم (753)، بسنده ومتنه سواء، ورواه البخارى فى الصوم (1893)، ومسلم فى الصيام (1131)، وأبو داود (2442)، وأحمد فى المسند (6/ 6،29،30،50، 162،248)، والدارمى فى الصوم (2/ 22)، ومالك فى الموطأ (1/ 248)(33)، والطيالسى فى مسنده (1211)، جميعهم من طرق عن عائشة رضى الله عنها مرفوعا فذكره نحوه.

(1)

رواه مسلم فى الصيام (1133)، وأبو داود (2446)، والترمذى (754)، وأحمد فى مسنده (1/ 239،249،247،280،344،360)، وابن حبان فى صحيحه (3633)، وابن خزيمة فى صحيحه (2096،2098)، والبيهقى فى السنن (4/ 287)، وابن أبى شيبة فى مصنفه (3/ 58)، وعبد الرزاق فى مصنفه (7839،7840)، والطحاوى فى مشكل الآثار (2/ 75)، والبغوى (1786).

ص: 437

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع» (1) رواه مسلم، وفى الحديث أيضا تصريح بأن الذى كان يصومه ليس هو التاسع، فتعين كونه العاشر (تصومه قريش) هم ولد النضر ابن كنانة، وقيل: فهر بن مالك. (فى الجاهلية) هم من قبل بعثته صلى الله عليه وسلم، ثم يحتمل أنهم تلقوه من أهل الكتاب وهم كانوا يعظمونه بكسوة الكعبة، وعن عكرمة:«أنه سئل عن ذلك فقال: أذنبت قريش ذنبا فى الجاهلية فعظم فى صدورهم فقيل لهم: صوموا عاشوراء يكفر ذلك» . (يصومه) يحتمل أن يكون موافقة لهم فى الحج، وفيه رد على من استشكل الخبر الآتى فى سؤاله صلى الله عليه وسلم اليهود لما قدم المدينة عن سبب صومه ثم موافقته لهم بأنه كيف يرجع لخبرهم، ووجه الرد: أنه كان يصومه كما تصومه قريش فى مكة فلما قدم المدينة ووجد اليهود يصومونه صامه أيضا بوحى، أو تواتر منهم أو اجتهاده مجرد أيضا إخبار آحادهم قاله النووى كالماوردى ردا على عياض، وقال القرطبى: يحتمل أن يكون استئلافا لهم كما استألفهم كاستعمال قبلتهم وعلى كل، فلم يصمه اقتداء بهم، فإنه كان يصومه قبل ذلك، وكان ذلك فى وقت يحب فيه موافقة أهل الكتاب فيما لم ينه عنه، سيما إذا كان فيه ما يخالف أهل الأوثان، فلما فتحت مكة، واشتهر الإسلام أيضا عزم على صوم التاسع لما قيل له: إنهم يعظمونه، فعلم أن سبب صومه عدم التشبه باليهود فى المراد العاشر، وقيل: سببه الاحتياط فى صوم العاشر، والأول أولى لخبر البزار:«صوموه وخالفوا فيه اليهود وصوموا قبله يوما وبعده يوما» (2) ولأحمد نحوه. (صامه وأمر بصيامه) سبب ذلك ما رواه الشيخان وغيرهما عن ابن عباس أنه لما قدم ما رأى اليهود يصومونه فقال لهم: «ما هذا اليوم الذى تصومونه؟ قالوا: هذا يوم عظيم» وفى رواية صالح «أنجى الله فيه موسى وبنى إسرائيل من عدوهم، وأغرق فيه فرعون وقومه فصامه موسى فصامه وأمر بصيامه» (3) وفى رواية: «فنحن نصومه فقال صلى الله عليه وسلم فنحن أحق وأولى بموسى منكم فصامه وأمر

(1) رواه مسلم فى الصيام (1134)، وابن ماجه (1736)، وأحمد فى مسنده (1/ 225،345)، والطبرانى فى الكبير (10891).

(2)

ذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (3/ 188)، وقال: رواه أحمد والبزار وفيه محمد بن أبى ليلى وفيه كلام.

(3)

رواه أحمد فى مسنده (1/ 310)، والبيهقى فى السنن الكبرى (4/ 286)، والحميدى فى مسنده (515)، ورواه مسلم فى الصيام (1130).

ص: 438

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بصيامه» (1) وفى رواية فنحن نصومه تعظيما له»، وفى رواية:«أنه لما قدم المدينة فوجد اليهود صياما يوم عاشوراء» ، ولا إشكال فإن كان قدم فى شهر رفيع، لأن فى الكلام حذفا تقديره: قدمها، فأقام إلى يوم عاشوراء فوجد اليهود صياما، وهذا أصوب من تأويله بأنه يحتمل أن أولئك اليهود كانوا يحسبونه بحساب السنين الشمسية فصادف بحسابهم يوم قدومه المدينة، ثم ظاهر الحديث أن سبب صومه موافقتهم على الشكر، ولا ينافيه خبر البخارى «كان عاشوراء يوما تعده اليهود عيدا قال صلى الله عليه وسلم فصوموه أنتم» (2) إذ لا يلزم من تعظيمهم له واعتقادهم عيدا أنهم كانوا لا يصومونه، بل صومه من جملة تعظيمه لخبر مسلم «كان أهل خيبر يصومون يوم عاشوراء يتخذونه عيدا» (3)، وحاصل ما ورد فيه:«أنه صلى الله عليه وسلم كان يصومه بمكة، ولا يأمر به ثم لما قدم المدينة صامه، أو أمر به، ثم لما فرض رمضان تركه» وقال: «إنه يوم من أيام الله فمن شاء صامه، ومن شاء تركه ثم عزم آخر عمره أن يضم إليه التاسع» (4)، وفى مسلم:«إنه يكفر سنة وصوم يوم عرفة يكفر سنتين» (5) وحكمته أنه منسوب لموسى وعرفة منسوب للنبى صلى الله عليه وسلم ولذلك كان أفضل وورد: «من وسع على عياله يوم عاشوراء وسع الله عليه السنة كلها» (6) وله طرق قال البيهقى: أسانيدها كلها ضعيفة، ولكن إذا انضم بعضها لبعض أفاد قوة وصحح بعضها الحافظ ابن ناصر الدين، وأقره الزين العراقى، وهو حسن عند ابن حبان، وله طرق أخرى. (فلما افترض رمضان) أى فى شعبان فى السنة الثانية من الهجرة. (فمن شاء صامه ومن شاء تركه) مر ما فيه.

(1) رواه البيهقى فى السنن الكبرى (4/ 286)، ذكره التبريزى فى مشكاة المصابيح (2067)، وقال: متفق عليه (1،639)، ذكره الهندى فى كنز العمال (32372)، وعزاه لأحمد فى مسنده وللبخارى ومسلم ولأبى داود عن ابن عباس (11/ 507).

(2)

رواه البخارى فى الصيام (2005)، ومسلم (1131)، وأحمد فى مسنده (4/ 5)، والبيهقى فى السنن الكبرى (4/ 289).

(3)

رواه مسلم فى الصيام (1131)، والبخارى (2005).

(4)

تقدم تخريجه وهو فى مسلم (1131).

(5)

رواه مسلم فى الصيام (1162).

(6)

رواه الطبرانى فى الكبير (10007)، ابن عدى فى الكامل (5/ 211)، وذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (3/ 89)، وقال رواه الطبرانى فى الكبير وفيه الهيصم بن الشداخ وهو ضعيف جدا.

ص: 439

295 -

حدثنا محمد بن بشار، حدثنا عبد الرحمن بن مهدى، حدثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، قال:

«سألت عائشة: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخصّ من الأيام شيئا؟

قالت: كان عمله ديمة، وأيكم يطيق ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطيق؟».

296 -

حدثنا هارون بن إسحاق، حدثنا عبدة، عن هشام بن عروة، عن أبيه،

ــ

295 -

(يخص شيئا من الأيام) أى يعمل نافلة كصلاة أو صوم. (ديمة) بكسر فسكون أصله دومة قلبت واوه ياء لكسر ما قبلها، وهى فى الأصل: المطر الدائم مع سكون بحيث لا يكون فيه رعد ولا برق، فشبهت عمله صلى الله عليه وسلم فى دوامه مع اقتصاره، ومجانبته للغلو، وجعلت على صفة النوع من الدوام، لإفادة أنه كان له نوع دوام مخصوصة بديمة المطر وعدلت عن الجواب بنعم أو لا، المطابق للسؤال إلى ما قالت، لأنه أبلغ لتضمنه جواب السؤال المذكور، وتضمنه سؤال آخر مقدر، لأنها أفادت أنه كان يخص بعض الأيام بشىء كالإثنين والخميس بصوم، وهذا جواب للسؤال الأول ثم يداوم عليه، وهذا جواب عن السؤال الثانى المرتب على الأول وتقديره: إذا كان يخص بعضها بشىء هل كان يداوم عليه؟ (وأيكم يطيق ما) أى: العمل الذى (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطيق) ويداوم عليه وخصت الصحابة بذلك، لأنهم مع علو همتهم واستنارة قلوبهم ببركة [صحبة](1) النبى صلى الله عليه وسلم إذا عجزوا عن إطاقة ذلك، فغيرهم أعجز.

296 -

(ما) أى العمل الذى (تطيقون) أى المداومة عليه من غير ضرر صلاة كان أو

295 - إسناده صحيح: رواه البخارى فى الصوم (1987) وفى الرقاق (6466)، ومسلم فى صلاة المسافرين (2783)، وأبو داود فى التطوع (1370)، وأحمد فى مسنده (6/ 43،55،174،189)، وأبو نعيم فى المستخرج على مسلم (1778)، (1779)، كلهم من طرق عن منصور به فذكره نحوه.

296 -

إسناده صحيح: رواه البخارى فى الإيمان (43)، وفى التهجد (1151)، ومسلم فى صلاة المسافرين (785)، وأبو داود فى الصلاة (1368)، والنسائى فى الصيام (4/ 151)، وفى الكبرى (1307)، (1/ 412،413)، وابن ماجه فى الزهد (4238)، وأحمد فى المسند (6/ 51)، وأبو نعيم فى مستخرجه (1783)، وفى الحلية (2/ 65)، كلهم من طرق عن هشام بن عروة به فذكره نحوه.

(1)

فى (ش): [صحبته].

ص: 440

عن عائشة قالت:

«دخل علىّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندى امرأة. فقال: من هذه؟ قلت: فلانة، لا تنام اللّيل. فقال: عليكم من الأعمال ما تطيقون، فو الله لا يملّ الله حتّى تملّوا، وكان أحبّ ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى يدوم عليه صاحبه» .

ــ

صوما أو غيرهما. (فو الله) فى رواية: فإن الله (لا يمل حتى تملوا) بفتح أوليهما وثانيهما، وفى رواية:«لا يسأم حتى تسأموا» (1) بمعنى واحد، وهو فتور يعرض للنفوس كثرة مداومة شىء فيوجب الكلام فى الفعل أو النفرة عنه. ولاستحالة هذا فى حقه تعالى لتنزهه عن سائر سمات المحدثات، وإنما ذكر فيه للمشاكلة نحو. تَعْلَمُ مافِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مافِي نَفْسِكَ (2)، وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها (3) وجب أن يراد به فى حقه تعالى غايته وهى أن لا يعامل عبيده معاملة المالّ فيقطع عنهم ثوابه وبسط جزائه وإنعامه حتى يقطعوا عملهم ثم يقطع عنهم ذلك فعلم أن المراد أمرهم بالاقتصاد فى العمل دون الزيادة فيه، لئلا يسأموا منه فيعرض الله عنهم، وقيل: المعنى: عليكم بالاقتصاد، فإن فعلتموه مع الملال يعرض الله عنه، فلا يتقبله، لأن فاعله كالغافل والساهى عنه بل أقبح بخلاف ما كان مع نشاط النفس وإقبالها عليه بكليتها، فإنه يقبله لتوجهه إليه على أكمل الأحوال، وقيل: المعنى لا يمل إذ لو مل حين تملوا لم يكن له عليهم مزية وفضل، ورده: بأن هذا المعنى لا يناسب اللفظ أصلا والمزية والفضل عليهم واضحان لمن له أدنى بصيرة، وقيل: المعنى لا يقطع عنكم فضله حتى تقطعوا سؤاله، وفى الحديث: الحث على الاقتصاد فى العمل وكمال شفقته ورأفته صلى الله عليه وسلم حيث أرشدهم لما يصلحهم مما يمكنهم المداومة عليه من غير كثير مشقة وضرر انبساط النفس وانشراح الصدر، وهو غاية الكمال فى العبادة بخلاف تعاطى المشاق، فإنه يصحبه ضد ذلك بتفوته الخير العظيم، وقد ذم الله تعالى من فرط فى عبادة اعتادها بقوله تعالى: فَمارَعَوْهاحَقَّ رِعايَتِها. (أحب) يجوز رفعه ونصبه وإن قل، لأنه خير من كثير منقطع، إلا بدوام القليل تدوم الطاعة والذكر والمراقبة والإخلاص والإقبال على الله سبحانه وهذه ثمرات تزيد على الكثير المنقطع أضعافا كثيرة قيل: المناسب ذكر حديث المداومة

(1) رواه مسلم فى صلاة المسافرين (785).

(2)

سورة المائدة: آية رقم (116).

(3)

سورة الشورى: آية رقم (40).

ص: 441

297 -

حدثنا أبو هشام، محمد بن يزيد الرفاعى، حدثنا ابن فضيل، عن الأعمش، عن أبى صالح، قال: سألت عائشة وأم سلمة:

«أىّ العمل كان أحبّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالتا: ماديم عليه، وإن قلّ» .

298 -

حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا عبد الله بن صالح، حدثنى معاوية بن صالح، عن عمرو بن قيس، أنه سمع عاصم بن حميد قال: سمعت عوف بن مالك، يقول:

«كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة، فاستاك، ثمّ توضّأ، ثمّ قام يصلّى، فقمت معه، فبدأ فاستفتح البقرة، فلا يمرّ بآية رحمة إلاّ وقف فسأل، ولا يمرّ بآية عذاب إلا وقف فتعوّذ، ثمّ ركع فمكث راكعا بقدر قيامه ويقول فى ركوعه: سبحان ذى

ــ

فى قيام الليل وما قبله وما بعده فى باب العبادة، إذ لا اختصاص لها بصوم ولا بغيره، ويجاب: بأن تأخير ذلك إلى الصوم فيه مناسبة أيضا، لأن كثيرين يداومون عليه أكثر من غيره فذكر ذلك فيه زجرا لهم عن موجب الملال فيه وفى غيره.

298 -

(فسأل) أى الرحمة. (فتعوذ) فيه أنه يندب للقارئ مراعاة ذلك فحيث ما مر بآية رحمة سأل الرحمة أو بآية عذاب استعاذ منه أو بآية تنزيه نحو فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ اَلْعَظِيمِ (1) نزّه أو نحو أَلَيْسَ اَللهُ بِأَحْكَمِ اَلْحاكِمِينَ (2)، أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ اَلْمَوْتى (3) قال: بلى وأنا على ذلك من الشاهدين أو بنحو وَسْئَلُوا اَللهَ مِنْ

297 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى الأدب (2856)، بسنده ومتنه سواء. وله شاهد فى الصحيحين تقدم من هذا الباب.

298 -

إسناده جيد وهو صحيح: رواه أبو داود فى الصلاة (873)، والنسائى فى التطبيق (2/ 191،223)، وفى الكبرى (718)، وأحمد فى المسند (6/ 24)، كلهم من طرق عن معاوية بن صالح به فذكره نحوه. قلت: كلا من عبد الله بن صالح، ومعاوية بن صالح، وعاصم بن حميد صدوق.

(1)

سورة الواقعة: آية رقم (74).

(2)

سورة التين: آية رقم (8).

(3)

سورة القيامة: آية رقم (40).

ص: 442

الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة. ثمّ سجد بقدر ركوعه، ويقول فى سجوده: سبحان ذى الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة.

ثمّ قرأ آل عمران، ثمّ سورة سورة، يفعل مثل ذلك فى كلّ ركعة».

ــ

فَضْلِهِ (1) قال: اللهم إنى أسألك من فضلك. (ثم ركع) عطف على فاستفتح فلطول قراءته المقتضى لتراخى الركوع عن أولها أى: بينهم، ثم سورة سورة فيه حذف حرف العطف بقرينة ما مر فى هذا الحديث: أنه قرأ النساء والمائدة، فزعم أنه تأكيد لفظ غفلة عن ذلك المذكور فى القراءة من أولها، وفى الركوع وما بعده من الأدعية المذكورة.

(الجبروت والملكوت) فعلوت من الجبر والملك للمبالغة كما مر. (ثم) بعد ذلك الركعة الأولى والقيام للثانية. (قرأ آل عمران ثم سورة سورة) أى: ثم قرأ سورة فى الثالثة وأخرى فى الرابعة. (مثل ذلك) أى يركع فى كل ركعة بقدر قبلها، ومر أن صلاته صلى الله عليه وسلم كانت مختلفة باختلاف أحواله، فتارة يؤثر التخفيف كأن يكون وراءه من له شغل، أو لغرض مقتضى للتخفيف، وإن كان أراد التطويل، بل كان يسمع بكاء الصبى، وتارة يؤثر التطويل، كأن لا يكون وراءه أحد يؤثر التطويل، وحكمة ذلك: بيان جواز كل من الأمرين لكن الأفضل للإمام التخفيف، إلا إن وجدت الشروط السابقة، وقد أمر بذلك قال:«إن منكم منفرين، فأيكم صلى فليخفف، فإن فيهم السقيم والضعيف، وذا الحاجة» (2)، ووجه مناسبة الحديث للترجمة خلافا لمن زعم أنه لا يناسبها: أنه لما أنجز الكلام إلى أن أفضل الأعمال ما يطابق بالصفة السابقة بين بهذا الحديث: أن ارتكاب المشق فى نادر من الأحوال لا ينافى ذلك، لأن النفس لا تنفر من المشق مرة أو مرتين، وإنما تنفر من المداومة عليه ولذا قال أئمتنا:«ولا تكلفوهم» أى الأرقاء. «من العمل ما لا يطيقون» (3) فحمل النهى بإدامة ذلك الى تكليفهم المشق الذى لا يخشى عنه محذورتهم نادر من الأوقات.

(1) سورة النساء: آية رقم (32).

(2)

رواه البخارى فى الأحكام (7159)، ومسلم فى الصلاة (466،467)، وأحمد فى مسنده (4/ 118،119) 5/ 273)، وابن خزيمة فى صحيحه (16050)، والحميدى فى مسنده (453)، والطبرانى فى الكبير (555،556،559)، والبيهقى فى السنن الكبرى (3/ 115)، وعبد الرزاق فى مصنفه (3726)، والبغوى فى شرح السنة (844).

(3)

ذكره الزبيدى فى إتحاف السادة المتقين (6/ 323)، وقال العراقى: هو مفرق فى عدة أحاديث، فروى أبو داود من حديث على.

ص: 443