المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌38 - باب: ما جاء فى كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم «فى السمر» - أشرف الوسائل إلى فهم الشمائل

[ابن حجر الهيتمي]

فهرس الكتاب

- ‌تصدير

- ‌مقدمة التحقيق

- ‌وقد اعتمدت فى شرح الكتاب على النسخ الآتية:

- ‌1 - النسخة الأصل:

- ‌2 - النسخة الثانية:

- ‌3 - النسخة الثالثة:

- ‌منهج التحقيق

- ‌ترجمة المصنف

- ‌ اسمه ونسبه:

- ‌ مولده:

- ‌ نشأته العلمية ورحلاته:

- ‌ مشايخه

- ‌ تلامذته:

- ‌ مؤلفاته:

- ‌فالمطبوع منها حسب علمنا الكتب التالية:

- ‌أما المخطوطات:

- ‌ عقيدته:

- ‌ مكانته العلمية وثناء العلماء عليه:

- ‌ وفاته:

- ‌ترجمة موجزة لمصنف الشمائل

- ‌ جواهر الدّرر في مناقب ابن حجر

- ‌تنبيهبيان المقصود بالرموز الواردة بالشرح

- ‌1 - باب: ما جاء فى خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌2 - باب: ما جاء فى خاتم النبوة

- ‌3 - باب: ما جاء فى شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌4 - باب: ما جاء فى ترجّل رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌5 - باب: ما جاء فى شيب رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌6 - باب: ما جاء فى خضاب رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌7 - باب: ما جاء فى كحل رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌8 - باب: ما جاء فى لباس رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌9 - باب: ما جاء فى عيش رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌10 - باب: ما جاء فى خف رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌11 - باب: ما جاء فى نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌12 - باب: ما جاء فى ذكر خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌13 - باب: ما جاء فى تختم رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌14 - باب: ما جاء فى صفة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌15 - باب: ما جاء فى صفة درع رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌16 - باب: ما جاء فى صفة مغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌17 - باب: ما جاء فى عمامة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌18 - باب: ما جاء فى صفة إزار رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌19 - باب: ما جاء فى مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌20 - باب: ما جاء فى تقنع رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌21 - باب: ما جاء فى جلسته صلى الله عليه وسلم

- ‌22 - باب: ما جاء فى تكأة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌23 - باب: ما جاء فى اتكاء رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌24 - باب: ما جاء فى أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌25 - باب: ما جاء فى صفة خبز رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌26 - باب: ما جاء فى إدام رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌27 - باب: ما جاء فى صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الطعام

- ‌28 - باب: ما جاء فى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الطعام، وبعد الفراغ منه

- ‌29 - باب: ما جاء فى قدح رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌30 - باب: ما جاء فى صفة فاكهة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌31 - باب: ما جاء فى صفة شراب رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌32 - باب: ما جاء فى شرب رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌33 - باب: ما جاء فى تعطر رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌34 - باب: كيف كان كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌35 - باب: ما جاء فى ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌36 - باب: ما جاء فى صفة مزاح رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌37 - باب: ما جاء فى صفة كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم «فى الشعر»

- ‌38 - باب: ما جاء فى كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم «فى السّمر»

- ‌39 - باب: ما جاء فى صفة نوم رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌40 - باب: ما جاء فى عبادة النبى صلى الله عليه وسلم

- ‌41 - باب: صلاة الضحى

- ‌42 - باب: صلاة التطوع فى البيت

- ‌43 - باب: ما جاء فى صوم رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌44 - باب: ما جاء فى قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌45 - باب: ما جاء فى بكاء رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌46 - باب: ما جاء فى فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌47 - باب: ما جاء فى تواضع رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌48 - باب: ما جاء فى خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌49 - باب: ما جاء فى حياء رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌50 - باب: ما جاء فى حجامة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌51 - باب: ما جاء فى أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌52 - باب: ما جاء فى عيش رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌53 - باب: ما جاء فى سن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌54 - باب: ما جاء فى وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌55 - باب: ما جاء فى ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌56 - باب: ما جاء فى رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم

الفصل: ‌38 - باب: ما جاء فى كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم «فى السمر»

‌38 - باب: ما جاء فى كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم «فى السّمر»

242 -

حدثنا الحسن بن صباح البزار، حدثنا أبو النضر، حدثنا أبو عقيل الثقفى، عبد الله بن عقيل، عن مجالد، عن الشعبى، عن مسروق، عن عائشة رضى الله عنها، قالت:

«حدّث رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة نساءه حديثا. فقالت امرأة منهنّ: كان الحديث حديث خرافة. فقال: أتدرون ما خرافة؟ إنّ خرافة كان رجلا من عذرة، أسرته الجنّ، فمكث فيهم دهرا، ثمّ ردّوه إلى الإنس، وكان يحدّث الناس بما رأى فيهم من الأعاجيب. فقال النّاس: حديث خرافة» .

ــ

(باب ما جاء فى كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فى السمر)

بفتح الميم، وهو حديث الليل، قيل: وهو فى الأصل ضوء القمر ثم سمى به حديث الليل، لأنهم كانوا يتحدثون فى ضوء القمر انتهى، وفى القاموس: السمر محرك الليل وحديث، وظل القمر والدهر انتهى (1)، والمراد هنا الثانى، قيل: ويجوز تسكين الميم مصدرا بمعنى المسامرة، وهى المحادثة بالليل (البزار) بزاى ثم راء.

242 -

(النضر) بنون فمعجمة. (ذات الليلة) لفظ ذات مقحم على ما مر فى نظيره.

(كان الحديث. . .) إلخ لم يرد ما يراد به من هذا اللفظ، وهو الكفاية من ذكر الحديث بأنه كذب مستملح، لأنها تعلم أنه لا يجرى على لسانه إلا الحق، وإنما أرادت أنه حديث مستملح لا غير، وذلك لأن حديث خرافة يشتمل على وصفين بالكذب والاستملاح

242 - إسناده ضعيف: فيه مجالد بن سعيد، قال فيه الحافظ: ليس بالقوى، وقد تغير فى آخر عمره (التقريب 6478). رواه أحمد فى المسند (6/ 157)، من طريق أبى النضر به فذكره. ورواه أبو يعلى فى مسنده (4442)، من طريق أبى عقيل به فذكره، وذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (4/ 315)، وقال: رواه أحمد وأبو يعلى والبزار، والطبرانى فى الأوسط عن عائشة. . . ورجال أحمد ثقات، وفى بعضهم كلام لا يقدح، وفى إسناد الطبرانى على بن أبى سارة وهو ضعيف.

(1)

انظر: ترتيب القاموس المحيط (2/ 611).

ص: 353

243 -

حدثنا على بن حجر، أخبرنا عيسى بن يونس، عن هشام بن عروة، عن أخيه عبد الله بن عروة، عن عائشة رضى الله عنها، قالت:

«جلست إحدى عشرة امرأة، فتعاهدن، وتعاقدن ألا يكتمن من أخبار أزواجهنّ شيئا.

فقالت الأولى: زوجى لحم جمل غثّ، على رأس جبل وعر، لا سهل فيرتقى، ولا سمين فينتقل.

ــ

فيصح التشبيه به فى أحدهما، أو فى كليهما، لكنه صلى الله عليه وسلم لما علم أن كلاهما يوهم بين المراد منه بقوله. (أتدرون. . .) إلخ، وخاطبهن بخطاب المذكر تنزيلا لهن منزلتهم فى كمال العقل ببركة صحبته صلى الله عليه وسلم، وزعم أن هذا بعيد، هو البعيد كما لا يخفى، وإنما البعيد هو قوله: يحتمل أنه كان عندهن محرم ذكر فغلبه عليهن، إذ تصور وجود محرم لجميع أمهات المؤمنين فى غاية البعد، لكن قائل ذلك غلب عليه رعايات الاحتمالات العقلية من غير نظر إلى الخارج، فيخرج الأحاديث عليها غفلة عما يترتب من الركة تارة، والفساد أخرى. (من عذرة) قبيلة من اليمن. (أسرته الجن) أى اختطفته فى الجاهلية أى قبل مبعثه صلى الله عليه وسلم. (جلس) وجه تذكيره أنه على حد قال ثلاثا، الذى حكاه سيبويه عن بعض العرب استغناء بظهور تأنيثه عن علامته، أو أنه وعى فيه معنى الجمع لا الجماعة، أو حكم الإسناد إلى الجمع حكم الإسناد إلى الموت غير الحقيقى.

243 -

(إحدى عشرة امرأة) أى فى بعض قرى مكة وقيل: عدن، عرف منهن أسماء ثمان فقط. (فتعاهدن) ألزمن أنفسهن. (وتعاقدن) أى على الصدق من ضمائرهن.

(غث) مهزول روى بالجر صفة لجمل لقربه منه، وبالرفع صفة للحم، لأن المقصود منه المبالغة فى قلة نفعه وأنه مرغوب عنه. (على رأس جبل وعر) صعب الوصول إليه فلا تنتفع به زوجته فى العشرة ولا غيرها أى: فهو قليل الخير من أوجه منها كونه كلحم الجمل دون الضأن وهو مع ذلك مهزول، ردئ وكونه صعب التناول لا يصل إليه إلا بمشقة شديدة، وقال الخطابى معنى ذلك أنه يترفع ويسم نفسه فوق قدرها فجمع إلى قلة

243 - إسناده صحيح: رواه البخارى فى النكاح (5189)، ومسلم فى فضائل الصحابة (2448)، كلاهما من طريق هشام بن عروة به فذكره.

ص: 354

قالت الثّانية: زوجى لا أبثّ خبره، إنّى أخاف ألاّ أذره، إن أذكره أذكر عجره وبجره.

ــ

خيره تكبره وسوء خلقه. (لا) ذلك الجبل. (سهل) روى هو وما بعده بالرفع فلا بمعنى ليس. (فيرتقى) هو وما بعد بيان لوجه الشبه فى قولها: لحم جمل إلخ. (ولا) ذلك اللحم. (سمين فينتقل) أى فتنقله الناس إلى بيوتهم ليأكلوه بل يرغبون عنه لرداءته، فلا مصلحة فيه تسهل عشرة يقال: انتقلته بمعنى نقلته لكن قضية قول القاموس: نقلته فانتقل، أن للانتقال لازم مطلقا أبدا، وحينئذ فيشكل بنائه للمجهول، ويجاب بفرض صحة قضيته قول القاموس لأنه ضمن بتنقل، يؤخذ وفى رواية «فينتقى» أى فيختار الأكل أو يستخرج نقيته بكسر النون وإسكان القاف، وهو المخ، لأن مخ السمين مما يقصد ويثابر عليه فكنّت بنقى المخ عنه عن قلة خيره وعقله، وروى مجرورين، «فلا سهل» عطف على وعر، «ولا سمين» يمكن أن يكون عطفا على غث، بل يتعين، لأن المعنى ليس إلا عليه ولا نظر لما فضل به بينهما، لأنه غير أجنبى من كل وجه، ويصح عطفه على سهل بتكلف، أى لا جبل سهل، ولا لحم سمين، وتكلف بعضهم لعطفه عليه بما فيه مزيد تقدير ينبؤ عنه قوانين البلاغة، لأنه إذا أمكن الوجه السالم من مزيد مما لا معنى له عند التأمل ومبنين هذا التقدير تعين سلوكه والإعراض عما سواه على الفتح أى: لا سهل فى الجبل، لا سمين فى اللحم فينتقل. (لا أبث خبره) أى لا أنشره ولا أشيعه. (إنى أخاف ألا أذره) إن عادت الهاء على الخبر كان المعنى: إن خبره طويل إن فصلته لم أتمه لكثرته فأذر بمعنى أتم والمشهور أنها بمعنى أترك أو على الزوج كانت لا زائدة على حد قوله: مامَنَعَكَ أَلاّ تَسْجُدَ (1) أى: إنى أخاف إن بثثته طلقنى فأذره أى: أتركه، أى: أتركه ولى أولاد منه أخشى ضياعهم ويؤيد الأول قولها إن. . . إلخ. (عجرة وبجرة) بضم أول كل وفتح ثانيه جمع عجرة وهو العقد فى العروق، وبجرة كصفرة، وكذا التى قبلها، وهى السرة كانت ناتئة أولا والعقد فى الوجه والعنق أى عيوبه وأمره كله ذكره فى القاموس، وقضية قوله وأمره كله أنهما كما يطلقان على ذكر العيوب كلها الباطنة والظاهرة كذلك يطلقان على ذكر الأمور كلها، وإن كانت مدحا وعليه، فهل تصح إرادته هنا الظاهر، لا بقرينة السياق كما هو واضح لا يقال هذه كتمت خبر زوجها، فخانت العهد الذى يتحالفن على عدم الخيانة، لأنا نقول لم تكتم

(1) سورة الأعراف: آية رقم (12).

ص: 355

قالت الثالثة: زوجى العشنّق، إن أنطق أطلّق، وإن أسكت أعلّق.

قالت الرّابعة: زوجى كليل تهامة، لا حرّ ولا قرّ، ولا مخافة ولا سامة.

قالت الخامسة: زوجى إن دخل فهد، وإن خرج أسد، ولا يسأل عمّا عهد.

ــ

منه شيئا، بل شرحته على أتم وجه، لكن بدقة لا تخفى على أولئك العرب العرباء، وكذا يقال فى التى بعدها فإنها جمعت كل العيوب فى قولها: العشنّق كما يعلم مما يأتى.

(العشنق) بمهملة فمعجمة مفتوحتين فنون مشددة فقاف: الطويل من غير نفع لسوء خلقه وسفهه وبلادته. (إن أنطق) بعيوبه. (أطلق) أى: يطلقنى لسوء خلقه، وأنا لا أحب الطلاق لأولاد لى منه، أو لاحتياجى إليه، أو لغير ذلك من الأعذار على أن محبة المرأة للطلاق من غير ضرورة، وصمة عظيمة فيها، فإن قلت: طلاق من ذكرت عيوب زوجها ليس فيه سوء خلق، بل هو شأن أهل المرؤة والمغيرة قلت: الكلام فى ذكر عيوب بحق لا تعلق لها بالدين أصلا، وح فالطلاق لذكرها محض سوء خلق. (وإن أسكت) عنها. (أعلق) أى علقنى فيتركنى لا عزبا ولا مزوجة فإن قلت: لا ملازمة بين سكوتها عن عيوبه وتركه لها معلق فكيف لازمت بينهما؟ قلت: لما بينت أنه جمع سوء الخلق والسفه والبلادة، علم بذلك أنه إنما يطلق بلا سبب يوجب الطلاق، وإما يتركها معلقة بلا سبب أيضا يوجبه أيضا فتركها معلقة ليس لازما لسكوتها بل له مع ما فى الزوج من تلك الصفات القبيحة فتأمله، وأعرض عما سواه، (كليل تهامة) قال الحافظ أبو موسى: هى تهامة مكة وما حواليها من الأغوار، وقال الأزهرى: وأول تهامة من ذات عرق إلى البحر وجدة، وقيل: هى ما بين ذات عرق إلى مرحلتين من وراء مكة أى محاذاتها إذ الذى بين ذات عرق ومكة مرحلتان كما صرحوا به، وما وراء ذلك من الغرب فهو غور، والمدينة لا تهامية ولا نجدية؛ لأنها فوق الغور ودون النجد، وليل تهامة مشهور بالاعتدال وهو المقصود بوجه الشبه ومن ثمة عقبته بقوله:(لا حر ولا قر) بفتح القاف وضمها، أى ولا برد (ولا مخافة ولا سآمة) هذا من بقية أوصاف ليل تهامة الأعم من مكة، فلا يقال مكة لا مخافه فيها ولا سآمة فيها ليلا ولا نهارا، وهذا أبلغ من المدح، لأنها ما نفت عنه سائر أسباب الأذى، وأثبتت له جميع أنواع اللذة فى عشرته، ومنه أنه لا غائلة له تخاف لكرم أخلاقه، ولا قبيح يصدر منه فلا تسأم صحبته كما لا يسأم صحبتها، ويروى برفع الكل، وهو واضح، بل يجوز فيها بقية، الأوجه الخمسة فى: لا حول ولا قوة إلا بالله. (إن دخل فهد) بفتح فكسر فسكون وكنّت بذلك لما يقال

ص: 356

قالت السادسّة: زوجى إن أكل لفّ، وإن شرب اشتفّ، وإن اضطجع التفّ ولا يولج الكفّ ليعلم البثّ.

ــ

أنوم من فهد عن نومته وغفلته عن أهل بيته فلا يتأثر لما ذهب منها وهذا معنى (ولا يسأل عما عهد) وح ففى كلامها نوع تكرار فلذلك قال ابن أبى أويس: إنما كنّت بذلك عن أنه إذا دخل وثب عليها وثوب الفهد لإرادة جماعها أو ضربها، ولم يرتض ذلك فى القاموس فقال: نام وتغافل عما يجب تعهده، فأشبه الفهد فى تمدده ونومه، فإن القصد إلى المدح، فالمراد التغافل عما أضاعته المرأة بما يجب عليها تعهده تكرما وحلما، وإن كان إلى المذمة فالمراد: النوم والكسالة وعدم المبالاة بضبط أمور أهل بيته. (وإن خرج أسد) بفتح فكسر أيضا، إذا صار بين الناس وخالط الحرب كان فى فضل قوته وشجاعته كالأسد، وفى القاموس: وكفرح دهش من رؤيته وصار كالأسد وغضب وسفه، وح فكلاهما يحتمل المدح بإرادة شجاعته ومهابته، والذم بإرادة غضبه وسفهه، وظاهر سياق كلامها الأول: ولا يسأل عما تعهد، يحتملها ما يعنيها أى: لا يؤاخذ عليه إكراما وتغافلا وتكاسلا. (لف) أى أكثر من الطعام وخلط من صنوفه حتى لم يبق معه شىء.

(اشتف) استوعب جميع ما فى الإناء من الشفافة بضم الشين، وهى بقية الشراب يقال لمن شربها: اشتفها وتشافها، وهذا صريح فى ذمه، فكان الظاهر أن ما فيه كذلك كما ذكرته فاندفع ما قيل يحتمل أنها أرادت مدحه، بأنه فى غاية الكرم والتنعم بصنوف الأطعمة من غير أن يدخر منها شيئا مخافة الإملاق، (ولا يولج الكف ليعلم البث) قال أبو عبيدة: أحسب أنه كان بجسدها عيب، أو داء أحزنها وجوده بها إذ البث الحزن، فبذلك كان لا يدخل يده تحت ثيابها خوفا من حزنها بسبب مسه منها ما تكره اطلاعها عليه، وهذا وصف له بالمروءة وكرم الخلق، ورده ابن قتيبة: بأنها كيف تمدحه بهذا وقد ذمته فى صدر الكلام، وأجاب عنه ابن الأنبارى: بأنهن تعاهدن أن لا يكتمن شيئا من أخبارهن، فمنهن من تمحض قبح زوجها فذكرته، ومنهن من تمحض حسن زوجها فذكرته، ومنهن من جمع زوجها حسنا وقبحا فذكرتهما، وقال ابن الأعرابى: إنه ذم لأنها أرادت أنه يلتف فى ثيابه فى ناحية عنها ولا يضاجعها ليعلم ما عندها من محبته، وإلى هذا ذهب الخطابى وغيره، واختاره القاضى عياض، وقيل: البث المرض الشديد، أى إنه قليل الشفقة عليها حتى فى مرضها إذ لا يدخل يده ح تحت ثيابها ليعرف ما بها كما هو عادة الأصدقاء فضلا عن الزوجات، وقيل: البث باطن الشىء فهو متغافل عن

ص: 357

قالت السّابعة: زوجى عياياء-أو غياياء-طباقاء، كلّ داء له داء، شجّك. أو فلّك، أو جمع كلا لك.

قالت الثّامنة: زوجى المسّ مسّ أرنب، والرّيح ريح زرنب.

قالت التّاسعة: زوجى رفيع العماد، عظيم الرّماد، طويل النّجاد، قريب البيت من النّاد.

ــ

نفى أمرها وما تريد سره فهو تكرما وحلما منه. (عياياء) بمهملة وتحتيتين، وهو ما لا يلقح أو العنّين. (أو غياياء) بمعجمة، وإن أنكرها أبو عبيدة وغيره، وصوبوا المهملة لأنها صحيحة أيضا كما قاله القاضى عياض وغيره من الغياية، وهى الظلمة، وكل ما أظل الشخص، وهو من لا يهتدى إلى مسلك يسلكه لمصالحه أو أنه ثقيل الروح كالظل المتكاثف المظلم الذى لا إشراق فيه، أو غلبت عليه المودة، أو من الغى الذى هو الانهماك فى الشر الذى هو الخيبة وعدم الظفر بمطلوب، وقيل: يلزم على أنه من الغى غوايا لا غيايا، إذا لا وجه لقلب الياء ح واوا ويرد بأنه قلب على خلاف القياس وهو كثير. (طباقاء) أى منطبقة عليه أموره جمعا وغباوة أو شفتاه إذا أراد الكلام، لأنه من اللكنة، فهو عاجز عن الجماع، أو يطبق على المرأة إذا علاها بصدره لثقله، فلا يحصل لها منه إلا الإيذاء والعذاب، ويرجح فى القاموس الثانى، وقيل: الأرجح الأخير. (كل داء) فى الناس. (له داء) أى مجتمع فيه ففيه سائر النقائص والعيوب، فله داء خبر كل ويحتمل أن له صفة داء، وداء الثانى هو الخبر، والقاعدة أن المبتدأ والخبر إذا اتحد لفظهما، وجب اختلاف معناهما، كأنا أبو الجثم وشعرى شعرى أى كل داء قائم به أى بالغ متناه إلى أعلاه، ونظيره: هذا الرجل رجل عظيم أى: عظيم كامل الرجولة، ويحتمل أن يريد كل داء أى لأجله حصل لى داء عظيم لا يرجى برؤه. (شجك) أى كثير شجاج الرأس، إذ هى خاصة به بخلاف الجرح، فإنه يعم البدن. (أو فلك) أى:

كثير الكسر والضرب فهى معه بين شج الرأس وضرب وكسر عضو وجمع بينهما أو كثير الخصومة. (المس مس أرنب) أى كريم الجانب لين العريكة والخلق حسن العشرة.

(والريح) لجسده وثيابه. (ريح زرنب) نوع من الطيب معروف، أو نبات طيب الرائحة، أو هو الزعفران، أقوال، وقيل: إنها كنّت بذلك عن لين بشرته وطيب عرقه. (رفيع العماد) أى شريف سنى الذكر ظاهر الصيت، إذ العماد فى الأصل: عيدان ترفع بها

ص: 358

قالت العاشرة: زوجى مالك، وما مالك، مالك خير من ذلك، له إبل كثيرات المبارك، قليلات المسارح، إذا سمعن صوت المزهر، أيقنّ أنهنّ هوالك.

ــ

البيوت وكنّت بذلك عن رفعة حسبه ونسبه، وقيل: بل أرادت بها حقيقتها، أى بيته مرتفع العمد ليراه الضيّفان، وذوو الحاجات فيقصدونه. (طويل النجاد) بكسر النون:

حمائل السيف وهو كناية عن طول القامة، لأن طولها ملزوم لطول النجاد. (عظيم الرماد) كناية أيضا عن كثرة الجود المستلزم للإكثار من الضيافة المستلزم لكثرة الطبخ المستلزم لكثرة الرماد ولدوام وقود ناره ليلا يهتدى به الضيفان، والكرام يعظمون النيران ليلا ويرفعونها على نحو التلال والأيد، ليهتدى بها الضيفان. (قريب البيت من الناد) أصله من النادى حذف الياء للسجع أى: مجلس القوم ومتحدثهم، وقريب البيت منه دليل على الكرم، إذ الضيفان إنما يقصدون النادى تعرضا لمن يضيفهم من أهله. (وما ملك) فى رواية لمسلم. «فما مالك» وهو تعظيم لأمره وشأنه وأنه خبر مما يذكر به من الثناء عليه، كما أفاده الإبهام فى ما وضده. فَغَشِيَهُمْ مِنَ اَلْيَمِّ ماغَشِيَهُمْ. (خير من ذلك) أى مما ذكرت السابقات فى وصف أزواجهن من المدح، وقيل المشار إليه ما ستذكره هى بعد أى خير مما أقول فى حقه وذكر بعضهم هنا ما يمجه السمع فاحذره.

(له إبل كثيرات المبارك قليلات المسارح) فهى كثيرة باركة بفنائه لا يسرحها، إلا قليلا قدر الضرورة، ومعظم أوقاتها حاضرة حتى إذا نزل به ضيفان كانت حاضرة عنده ليسرع إليهم بألبانها ولحومها، وح يصدق عليها أنها كثيرات فى مباركها قليلات فى مسارحها، لأنها إذا تركت نحر أكثرها، فلا يصل إلى المسرح إلا قليلها، وبهذا اندفع ما قيل: المراد كثيرة مباركها عند النحر لا مطلقا، إلا لماتت هزالا ووجه اندفاعه: أنها تسرح وقتا تأخذ فيه حاجتها، ثم تعود لمباركها، وقيل: مباركها فى الحقوق، ومآثر الجود كثيرة لكن صرفها فى هذه الوجوه ومراعيها قليلة، لا يقال هذه الإضافة معنوية تفيد التعريف فكيف وصفت النكرة بها؟ لأنا نقول لو سلمنا ذلك كان التقدير هى كثيرات المبارك فتكون الصفة هى الجملة. (إذا سمعن صوت المزهر) بكسر الميم: العود الذى يضرب به عند الغفلة. (أيقن أنهن هوالك) لما أنه عودهن أنه إذا نزل به ضيف نحر لهم منها وأتاه بالعيدان والمعازف والشراب، فلذلك إذا سمعن صوت المزهر علمن مجيئ الضيف، وأنهن منحورات هوالك، وأنكر أبو سعد النيسابوى ما ذكر فى المزهر، وقال: لم تكن العرب تعرف بكسر الميم للعود، وإنما كان يعرفه من خالط الحضر، قال: والمراد هنا:

ص: 359

قالت الحادية عشرة: زوجى أبو زرع، وما أبو زرع، أناس من حلىّ أذنى، وملأ من شحم عضدىّ، وبجّحنى فبجحت إلىّ نفسى. وجدنى فى أهل غنيمة بشقّ، فجعلنى فى أهل صهيل وأطيط، ودائس، ومنقّ، فعنده أقول فلا أقبّح، وأرقد فأتصبّح، وأشرب فأتقمح.

ــ

المزهر بضم الميم وكسر الهاء، وهو موقد النار للأضياف فهن إذا سمعن صوته أيقن بالهلاك. خطأه القاضى؛ بأنه لم يرو أحد بضم الميم، وبأن كسرها مشهور فى أشعار العرب، وبأن لا نسلم له أن هؤلاء النسوة من غير الحاضرة، لما مر أنهن من قرى مكة، أو عدن. (وما أبو زرع) فيه ما مر فى: وما مالك. (أناس) بالنون والمهملة أى حرك.

(من حلى) بضم أوله وبكسره، وبالتنكير للتعظيم. «أذنى» بالتثنية أى هما يزنيان أى يتحركان لكثرة ما فيهما من الحلى (وملأ من شحم عضدى) أى سمننى بالتربية فى التنعم، وملأ بدنى شحما، ولم ترد اختصاص العضدين، بل إنهما إذا سمنا سمن غيرهما، وقيل: إنما خصتهما لمجاورتهما للأذنين. (وبجحنى فبجحت إلىّ نفسى) بكسر الجيم وفتحها، والكسر أفصح أى وفرحنى ففرحت، أو عظمنى فعظمت عند نفسى، من تبجح بكذا أى تعظم وافتخر. (غنيمة) بضم أوله مصغرا للقليل. (بشق) بكسر المعجمة، وهو المعروف لأهل الحديث مع كونى وإياهم فى جهد ومشقة، وبفتحها وهو المعروف لأهل اللغة اسم موضع أى بناحية شاقة أهلها فى غاية الجهد لقلتهم وقلة غنمهم. (صهيل) هو صوت الخيل. (وأطيط) هو صوت الإبل، أرادت أن أهلها كانوا أصحاب غنم لا خيل ولا إبل، والعرب إنما يعدون بأصحابهما دون أصحاب الغنم (ودائس) اسم فاعل من الدوس وهو البقر الذى يدوس الزرع فى بيدره. (ومنق) بضم الميم أيضا وفتح النون وتشديد القاف أى ينقى الطعام بعد درسه من تبنه وقشوره بغربال أو غيره، وتقييد الهروى بالغربال، ليس بشرط، وأرادت بذلك أنه صاحب زرع تدوسه وتنقيه، وقيل: يجوز كسر نونه، وأنكره أبو عبيدة، ورد بأنه من النقيق: وهو صوت الدجاجة والزحمة، أى: جعلنى فى المطاردين للطيور عن الحب كناية عن كثرة زرعهم ونقيقهم، سمى هذا منقى، لأنه إذا طرد الطير نقق أى: صوت، فيصير هو أغنى المطارد ذوى نقيق، وقيل: الأولى تفسير النقق بمذابح الطير لا أنه عند ذبحه نقيق، فيصير هو ذا نقيقى أى: من أهل ذابحى الطير وطاعمى لحومها فهو كناية عن كونه رباها

ص: 360

أمّ أبى زرع، فما أمّ أبى زرع، عكومها رداح، وبيتها فساح. ابن أبى زرع، فما ابن أبى زرع، مضجعه كمسلّ شطبة، وتشبعه ذراع الجفرة.

بنت أبى زرع، فما بنت أبى زرع، طوع أبيها، وطوع أمّها، وملء كسائها، وغيط جارتها.

ــ

بلحم الطير الوحشين، وهو أمرأ وأطيب من لحم غيره. (فلا أقبح) أى لا يقبح قولى، بل يقبله منى. (فأتصبح) أى أنام حتى الصبحة وهى ما بعد الصبح، لأنى مكفية عنده بمن يخدمنى، وهو يرفق بى، ولا يوقظنى، ولا يذهب لغيرى مع مرؤته وكمال عزته.

(فاتقمح) بقاف ونون كما فى الصحيحين أيضا أى: أقطع الشرب وأتمهل فيه، لأن الماء كثير عنده، فلا أخاف أن تفوتنى حاجتى منه، ويجوز إبدال نونه ميما، قال البخارى:

وهو أصح أى: أروى حتى أدع الشراب من الرى، وقال أبو عبيدة: لا أراها قالت هذا إلا لعزة الماء عندهم. (أم أبى زرع) انتقلت من مدحه إلى مدح أمه، مع ما جبل النساء عليه من كراهة أم الزوج، إعلاما بأنها فى غاية الإنصاف والخلق الحسن. (فما أم أبى زرع) تعجب منها وقرنت بالفاء، إشعارا بأنه سبب عن التعجب من ولدها أبى زرع.

(عكومها) جمع عكم بكسر أوله أى: إعدالها وأوعية طعامها. (رداح) بفتح أوله، وروى بكسره عظام كثيرة ومنه امرأة رداح عظيمة الأكفال، ووصف الجمع بالمفرد على إرادة كل عكم منها رداح، أو على أن رداح هنا مصدر كالذهاب. (فساح) بفاء مفتوحة وروى بالضم فمهملة مفتوحة مخففة أى: واسع، أو كنّت بوسعه عن كثرة خيره ونعمته. (مضجعه كمسل) بفتح أوله وثانيه المهملة وتشديد اللام مصدر بمعنى المسلول من قشره. (شطبة) بشين معجمة فمهملة ساكنة فموحدة: ما شطب أى شق من جريد النخل، وهو السعف، أى: هو مهفهف خفيف اللحم كالشطبة، وهو ما يمدح به الرجل، وقيل: الشطبة: السيف أى إنه كالسيف يسل من غمده، والمسل: اسم المكان كما هو وضعه أى: إن مضجعه كغلاف السيف أو محل سل منه الغصن، أو إن موضع نومه نظيف طاهر لم يتلوث بقذر على خلاف الأطفال. (ذراع) مؤنثة، وقد تذكر.

(الجفرة) بفتح الجيم: أنثى ولد المعز، وقيل: الضأن إذا بلغت أربعة أشهر وفصلت عن أمها، والذكر جفر لأنه جفر جنباه، أى: عظما فهو قليل الأكل، وقلته محمودة شرعا وعرفا لا سيما عند العرب. (طوع أبيها وطوع أمها) أى مطيعة لهما غاية الإطاعة. (ملء

ص: 361

جارية أبى زرع، فما جارية أبى زرع لا تبث حديثنا تبثيثا، ولا تنقث ميرتنا تنقيثا، ولا تملأ بيتنا تعشيشا.

قالت: خرج أبو زرع والأوطاب تمخّض: فلقى امرأة معها ولدان لها كالفهدين يلعبان من تحت خصرها برمّانتين، فطلقنى ونكحها، فنكحت بعده رجلا سريا،

ــ

كسائها) أى لسمنها، وفى رواية. «صفر درائها» قيل: ضامرة البطن، لأن الرداء ينتهى إليها. والصفر: الخالى، وقيل: ضعيفه أعلى البدن، وهو محل الرداء، أو ممتلئة أسفله، وهو محل الكساء لرواية:«وملء إزارها» ، قال القاضى: والأول على أن المراد امتلاء منكبيها، وقيام نهديها بحيث يرفعان الرداء عن أعلى جسدها، فلا يمسه فيصير خاليا بخلاف أسفلها. (وغيظ جارتها) أى ضرتها لما ترى من جمالها ووضأتها وعفتها وأدبها، وفى رواية:«وعقر جارتها» بفتح العين وإسكان القاف، أى: تغيظها فتصير كمعتورة، أو تدهشها من غير دهش، أو عبر بضم العين وإسكان الموحدة من الاعتبار، أو العبرة أى: البكاء أى: ترى من ذلك ما تقهر به أو ما تقهر به أو ما يبكيها لغيظها وحسدها (لا تبث) بفوقية فموحدة أو نون فمثلثة أى تظهر وتشيع، بل تكتم (ولا تنقث) يروى تنقث من باب التفعيل. (ميرتنا) هى الطعام المجلوب، أى: لا تفسده بتفرقه لأمانتها.

(تعشيشا) بالعين المهملة، أى: لا تترك الكناسة والقمامة مفرقة فيه كعش الطائر، بل تصلحه وتنظفه، ولا تجن الطعام فى مواضع منه بحيث تصيرها كأعشاش الطيور، وفى رواية: بالغين المعجمة أى «غشنا» بالخيانة فى الطعام، أو بالنهيمة. (والأوطاب) جمع وطب بفتح فسكون أى: أسقيه اللبن. (تمخض) أى: تتحرك لاستخراج الزبد. (يلعبان من تحت خصرها) وفى رواية: «صدرها» (برمانتين) أى ذات كفل عظيم، فإذا استلقت على قفاها ارتفع الكفل منها من الأرض حتى يصير تحتها فجوة يجرى فيها الرمان، أو ذات ثديين حسنين كالرمانتين قال القاضى: وهو أظهر لما روى من تحت درعها، ولأنه لم يعتد الصبيان يلعبون برمان تحت ظهر أمهاتهم، ولا باستلقاء النساء كذلك، ولك أن تقول: هذه ثلاث روايات: «من تحت صدرها» (1)، «من تحت درعها» (2)، وهما

(1) ذكره الحافظ ابن حجر فى فتح البارى فى شرحه لحديث (5189)(9/ 182)، وعزاه إلى (الهيثم بن كليب فى مسنده).

(2)

ذكره الحافظ ابن حجر فى فتح البارى فى شرحه لحديث (5189)(9/ 182)، وعزاه إلى (الحارث بن أبى أسامة فى مسنده).

ص: 362

ركب شريا، وأخذ خطّيا، وراح علىّ نعما ثريا، وأعطانى من كلّ رائحة روجا وقال: كلى أمّ زرع وميرى أهلك. فلو جمعت كلّ شىء أعطانيه ما بلغ أصغر آنية أبى زرع.

قالت عائشة رضى الله تعالى عنها: فقال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم: كنت لك كأبى زرع لأم زرع».

ــ

متحدتان، «من تحت خصرها» (1) وهى مخالفة لهما، وقد يجمع: بأن الثديين كان فيهما طول بحيث يقربان إذا نامت من خاصرتها، ولا ينافيه قول القاضى صغيرين كالرمانتين، لأن ذلك باعتبار رأسيهما فهما من رأسيهما بشبهان الرمانتين وإن كان فيهما نوع من طول (سريا) بالمهملة وحكى إعجمامها شريا، وقيل: سخيا (ركب شريا خطيا) بالمعجمة أى فرسا يمضى بلا فتور ولا انكسارا أو فائقا خيارا. (وأخذ خطيا) بفتح أوله، وحكى كسره، وهو الرمح منسوب إلى الخط قرية بين البحر والساحل سميت بذلك، لأنها فى فاصلة بين الماء والتراب، وهى من ساحل بحر عمان يجمع فيها خشبات الرماح ويعمل فيها، لأنها تنبت فى أراضيها. (وراح على نعما) أتى بها لمراحها بالضم موضع بيتها وهى الإبل والبقر والغنم، ولعل المراد هنا بعضها وهى الإبل بل زعم القاضى أن أكثر أهل اللغة على أنها مختصة بالإبل. (ثريا) بمثلثة وتحتية أى: كثيرة ومنه الثروة فى المال أى كثرته. (رائحة) أى ما يروح من النعم بأصنافها والأرقاء. (زوجا) أى اثنين أو صنفا. (ميرى أهلك) بكسر الميم من الميرة أى: أعطيهم ما يميرهم، أى يغنيهم ويكفيهم (كنت لك كأبى زرع لأم زرع) تطييب لنفسها وإيضاح لحسن معاشرته لها، وكان هنا للدوام أى: أنا معك كذلك فيما مضى وفيما يأتى، أو زائدة واعترض الأول بأنه لا حاجة إليه لأنه صلى الله عليه وسلم أخبر عما مضى إلى وقت تكلمه بذلك وأبقى المستقبل إلى علمه تعالى، فأى حاجة مع ذلك إلى جعلها للدوام إذ هو خروج عن الظاهر من غير دليل ولا ضرورة، والثانى بأن الزائدة غير عاملة ولا يوصل بها الضمير الذى هو مبتدأ فى الأصل، وافهم قوله:«لك» أنه كأبى زرع فى النفع لا فى الضرر الذى هو (2) الطلاق لا

(1) رواه البخارى فى كتاب (النكاح) باب: (حسن المعاشرة مع الأهل) حديث رقم (5189)(9 - 182).

(2)

فى (ن)[من جملته].

ص: 363

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

التزوج عليها لأنها لم تزدد معه إلا كمالا وعزا فالنفع باق معه كيف وقد حباها من العلم وكمال التربية ما فاقت به سائر أمهات المؤمنين إلا خديجة رضى الله عنها وزعم بعضهم محتجا بأنه مما أفيض بها عليه أنه أراد أنه لها كأبى زرع حتى فى المفارقة لأنه سيفارقها وتحرم من منافع دينية كانت تأخذها منه انتهى، وأنت فى هذا لا يرضى نسبته إليه إلا من عدم تمييزه من وراء التأمل على أن هذا الزاعم يجهل أن أمهات المؤمنين بعد وفاته صلى الله عليه وسلم فى حكم الزوجات ولذا وجبت نفقتهن وحرم نكاحهن فلم يحصل لعائشة بالموت إلا فراق صورى وليس هو كفراق أبى زرع بوجه فلا يراد ذلك من قوله:«كأبى زرع لأم زرع» لا يخفى ذلك على أدنى متبصر وفى هذا الحديث من الفوائد منها: ندب حسن المعاشرة للأهل، وحل الإخبار عن الأمم الخالية، وحل السمر فى الخير لملاطفة زوجة، وأن المشبه لا يعطى حكم المشبه به من كل وجه، لأن أبا زرع طلق أم زرع، وهو لم يطلق عائشة، وأن كناية الطلاق لا يقع بها الطلاق، إلا بالنية، إذ المشبه به يحتمل حتى فى الطلاق ومع ذلك لم يؤثر، لأنه صلى الله عليه وسلم لم ينوه به، وذكر لك المفيد ما مر، لا يمنع كون اللفظ محتملا حتى الطلاق، فيؤثر بنيته، خلافا لمن نازع فى ذلك بما يحذره، فيه أنه لم يحط بكلام الأئمة فى الطلاق وأن الغيبة إنما تكون فى معين والحكاية على غير معين مما يكرهه كما هنا لا غيبة فيها والمراد: عدم التعيين عند المتكلم والسامع، فإن كان معينا عند المتكلم دون السامع، فالذى رجحه القاضى عياض: أنه لا حرمة، ح وقضية مذهبنا خلافه، لأن أئمتنا صرحوا بحرمة الغيبة بالقلب، وبالضرورة، إن الغيبة بالقلب لا يطلع عليها أحد، فإذا حرمت به فأولى حرمتها باللسان ولو بحضرة من لا يعرف المغتاب، وقول القاضى نقلا عن غيره: لا يكون غيبة ما لم يسم صاحبها باسمه، أو ينبه عليها بما لا يفهم منه غيبة، رأى له، وهؤلاء النسوة مجهولات الأعيان على أن أزواجهن لم يثبت لهم إسلام، أو أنا لن نحرم غيبتهم لو تعينوا، فكيف مع الجهل؟ وح، ففى أخذ الأخير من الحديث نظر، لأن عائشة إنما ذكرت نساء مجهولات ذكرن عن مساوئ أزواج مجهولين ومثل ذلك لا يتوهم أنه غيبة.

***

ص: 364