المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌52 - باب: ما جاء فى عيش رسول الله صلى الله عليه وسلم - أشرف الوسائل إلى فهم الشمائل

[ابن حجر الهيتمي]

فهرس الكتاب

- ‌تصدير

- ‌مقدمة التحقيق

- ‌وقد اعتمدت فى شرح الكتاب على النسخ الآتية:

- ‌1 - النسخة الأصل:

- ‌2 - النسخة الثانية:

- ‌3 - النسخة الثالثة:

- ‌منهج التحقيق

- ‌ترجمة المصنف

- ‌ اسمه ونسبه:

- ‌ مولده:

- ‌ نشأته العلمية ورحلاته:

- ‌ مشايخه

- ‌ تلامذته:

- ‌ مؤلفاته:

- ‌فالمطبوع منها حسب علمنا الكتب التالية:

- ‌أما المخطوطات:

- ‌ عقيدته:

- ‌ مكانته العلمية وثناء العلماء عليه:

- ‌ وفاته:

- ‌ترجمة موجزة لمصنف الشمائل

- ‌ جواهر الدّرر في مناقب ابن حجر

- ‌تنبيهبيان المقصود بالرموز الواردة بالشرح

- ‌1 - باب: ما جاء فى خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌2 - باب: ما جاء فى خاتم النبوة

- ‌3 - باب: ما جاء فى شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌4 - باب: ما جاء فى ترجّل رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌5 - باب: ما جاء فى شيب رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌6 - باب: ما جاء فى خضاب رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌7 - باب: ما جاء فى كحل رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌8 - باب: ما جاء فى لباس رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌9 - باب: ما جاء فى عيش رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌10 - باب: ما جاء فى خف رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌11 - باب: ما جاء فى نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌12 - باب: ما جاء فى ذكر خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌13 - باب: ما جاء فى تختم رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌14 - باب: ما جاء فى صفة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌15 - باب: ما جاء فى صفة درع رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌16 - باب: ما جاء فى صفة مغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌17 - باب: ما جاء فى عمامة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌18 - باب: ما جاء فى صفة إزار رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌19 - باب: ما جاء فى مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌20 - باب: ما جاء فى تقنع رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌21 - باب: ما جاء فى جلسته صلى الله عليه وسلم

- ‌22 - باب: ما جاء فى تكأة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌23 - باب: ما جاء فى اتكاء رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌24 - باب: ما جاء فى أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌25 - باب: ما جاء فى صفة خبز رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌26 - باب: ما جاء فى إدام رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌27 - باب: ما جاء فى صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الطعام

- ‌28 - باب: ما جاء فى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الطعام، وبعد الفراغ منه

- ‌29 - باب: ما جاء فى قدح رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌30 - باب: ما جاء فى صفة فاكهة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌31 - باب: ما جاء فى صفة شراب رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌32 - باب: ما جاء فى شرب رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌33 - باب: ما جاء فى تعطر رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌34 - باب: كيف كان كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌35 - باب: ما جاء فى ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌36 - باب: ما جاء فى صفة مزاح رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌37 - باب: ما جاء فى صفة كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم «فى الشعر»

- ‌38 - باب: ما جاء فى كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم «فى السّمر»

- ‌39 - باب: ما جاء فى صفة نوم رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌40 - باب: ما جاء فى عبادة النبى صلى الله عليه وسلم

- ‌41 - باب: صلاة الضحى

- ‌42 - باب: صلاة التطوع فى البيت

- ‌43 - باب: ما جاء فى صوم رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌44 - باب: ما جاء فى قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌45 - باب: ما جاء فى بكاء رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌46 - باب: ما جاء فى فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌47 - باب: ما جاء فى تواضع رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌48 - باب: ما جاء فى خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌49 - باب: ما جاء فى حياء رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌50 - باب: ما جاء فى حجامة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌51 - باب: ما جاء فى أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌52 - باب: ما جاء فى عيش رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌53 - باب: ما جاء فى سن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌54 - باب: ما جاء فى وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌55 - باب: ما جاء فى ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌56 - باب: ما جاء فى رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم

الفصل: ‌52 - باب: ما جاء فى عيش رسول الله صلى الله عليه وسلم

‌52 - باب: ما جاء فى عيش رسول الله صلى الله عليه وسلم

ــ

(باب ما جاء فى عيش رسول الله صلى الله عليه وسلم

ذكر المصنف هذا الباب فيما مر فى كثير من النسخ ثم أعاده هنا بزيادات أخر، أخرجته عن التكرار المحض على أن ذلك إن توجهه أيضا، بأن حكمة التكرار أن عيشه صلى الله عليه وسلم إى: معيشته فيها ما يناسب خلقه، لأن الاعتدال فى المأكول وتناوله فى أولى الأوقات به على ما ينبغى فى تناوله مع عدم الإكثار منه، ومع الصبر على فقده فى الزمن الطويل دليل، أى: دليل على اعتدال الطبائع الأربعة. واعتدالها موجب لاعتدال سائر الصفات الذاتية وهذا هو غاية حسن الشكل والخلق وما يناسب خلقه كما يأتى فلذا أكررها فى مبحثها ولما كان لها بالخلق بضم أوله أتم ارتباط ومناسبة ذكرها بعده وأطال فيها بما لم يطل به هناك، إذ الموجب للصبر على الفقر والجوع الشديد ومقاساة ما يتولد منه، إنما هو عظيم الخلق، ويصح أن يوجد التكرار أيضا بأنه مر أن العيش له ثلاث إطلاقات:

منها: الحياة، وهى المرادة، ثم من حيث بيان أنه مدة حياته كان قد يتناول منه مستمر الفقر. ومنها: الطعام الذى يعاش به، وهو المراد هنا. من حيث بيان أنه كان قد يتناول منه لذيذا أو خشنا، وقد يشبع، وقد لا يشبع، وقد لا يجد منه شيئا إلا أن يشد الحجر على بطنه، وقدمت ثم أواخر الكلام على حديث ذلك الباب نحو هذا الجمع فتأمل ذلك وأعرض عما سواه مما لا يجدى نفعا. واعلم أن تناول الطعام يحتاج لعلوم كثيرة، من حيث وصفه وزمنه وغيرهما، لاشتماله على المصالح الدينية والدنيوية، أو به قوام القلب والبدن، وبهما عمارة الدنيا والآخرة، لأن البدن بمفرده على طبع الحيوان فيستعان به على عمارة الدنيا، والقلب على طبع الملائكة فيستعان به على عمارة الآخرة باجتماعهما يصلحان لعمارة الدارين، ومن ثم قال الغزالى: لا طريق للبقاء إلا بالعلم والعمل، ولا يكن المواظبة عليهما إلا بسلامة البدن، ولا تصفو سلامة البدن إلا بتناول مقدار الحاجة على تكرر الأوقات. ولهذا قال بعض السلف الصالحين: الأكل من الدين وعليه نبه بقوله تعالى: كُلُوا مِنَ اَلطَّيِّباتِ وَاِعْمَلُوا صالِحاً (1). فمن أكل ليتقوى على الطاعة لا ينبغى أن يسترسل فيه استرسال البهائم فى المرعى، فإنما هى درجة (2) إلى

(1) سورة المؤمنون: آية (51).

(2)

فى (ش): [ذريعة].

ص: 535

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الدين، ينبغى أن تظهر أنواره عليه ولا تظهر إلا إن وزن بميزان الشرع شهوة الطعام إقداما وإحجاما. والشبع بدعة ظهرت منذ القرن الأول، وصح أنه صلى الله عليه وسلم قال:«ما ملأ ابن آدم وعاء شر من بطنه، حسب الآدمى لقيمات يقمن صلبه، فإن غلبت الآدمى نفسه، فثلث للطعام، وثلث للشراب وثلث للنفس» (1) وخصت الثلاثة بالذكر لأنها أسباب الحياة ولا يدخل الباطن سواها. وظاهر الخبر تساوى الأثلاث، ويحتمل أن المراد تقاربها وصح «أن المؤمن يأكل فى معاء واحد» (2) أى بكسر الميم والقصر: المصارين، «والكافر فى سبعة أمعاء» والمراد المبالغة فى شرهه ونهمه، لا حقيقة العدد، وحقيقته لأهل الشرع، لأن للآدمى سبعة أمعاء فالمؤمن يكتفى بملء واحد منها، والكافر، لا يكتفى إلا بملء جميعها والمراد الجنس، وإلا فكثير من المؤمنين يأكل أكثر من كثير من غيرهم، وقيد المراد بالمؤمن الكامل وهو لكثرة فكره وإشفاقه من المناقشة فى الحساب حتى على المباح، يقلل أكله دائما، وفى حديث:«من كثر تفكره قل مطعمه، ومن قل تفكره كثر مطعمه وقسى قلبه» (3). وقالوا: لا تدخل الحكمة معدة ملئت طعاما، ومن قل أكله قل شربه فخف نومه فظهرت بركة عمره، ومن كثر أكله فبالعكس. وروى الطبرانى:«إن أهل الشبع فى الدنيا هم أهل الجوع فى الآخرة» (4)، ومن ثم قالت عائشة:«لم يشبع صلى الله عليه وسلم قط، وما كان يسأل أهله طعاما ولم يتشهاه، إن أطعموه أكل، وما أطعموه قبل» قيل: وما سقوه شرب، والمراد نفى الشبع المفرط المثقل المثبط عن

(1) رواه الترمذى فى الزهد (2380)، وابن ماجه فى الأطعمة (3349)، والبغوى فى شرح السنة (4048)، وأحمد فى مسنده (4/ 132)، وابن حبان فى صحيحه (674)، (5263)، والطبرانى فى الكبير (20/ 644)، وابن المبارك فى الزهد (603).

(2)

رواه البخارى فى الأطعمة (5393)، (5394)، (5397)، وأحمد فى مسنده (2/ 145)(3/ 333)، وعبد الرزاق فى مصنفه (19558)، (19559)، والخطيب البغدادى فى تاريخ بغداد (2/ 190).

(3)

ذكره الحافظ ابن حجر فى فتح البارى (9/ 450)، وذكره الشيخ الألبانى فى الضعيفة وعزاه لأبى بكر بن النقور فى الفوائد وابن بشران فى الأمالى وابن الجوزى فى الموضوعات. انظر السلسلة الضعيفة (90).

(4)

رواه الطبرانى فى الكبير (11/ 267)، وذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (10/ 250)، وعزاه للطبرانى وفيه يحيى بن سليمان الحفرى، وقد تقدم الكلام عليه فى أول هذه الورقة وبقية رجاله ثقات.

ص: 536

353 -

حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا أبو الأحوص، عن سماك بن حرب قال:

سمعت النعمان بن بشير، يقول:

«ألستم فى طعام وشراب ما شئتم؟ لقد رأيت نبيّكم صلى الله عليه وسلم وما يجد من الدّقل ما يملأ بطنه» .

354 -

حدثنا هارون بن إسحاق، حدثنا عبدة، عن هشام بن عروة، عن أبيه عن عائشة، قالت:

«كنّا-آل محمّد-نمكث شهرا، ما نستوقد بنار، إن هو إلاّ التّمر والماء» .

ــ

العبادة لا مطلق الشبع النسبى الذى لا يؤدى لذلك لما يأتى فى قصة أبى الهيثم فلما شبعوا وروى الأحوص بالحاء المهملة يقول إلى آخره مر الكلام عليه. وروى مسلم «يظل اليوم يلتوى وما يجد من الدقل ما يملأ بطنه» (1).

353 -

(ما شئتم): بدل مما قبله أى: أى شىء شئتم شيئتموه منها تناولتموه. أو التقدير. (الستم): متنعمين فى طعام وشراب مقدار المأكول أو المطعوم الذى تشاؤنه من التوسعة والإفراط، والمقصود من هذا الكلام التقريع والتوبيخ، ولذا عقبه بقوله:«لقد رأيت نبيكم» الإضافة لإلزام المشى على طريقته والتسلية عن التطلع إلى الدنيا ونعيمها.

(الدقل): هو ردىء التمر. (ما يملأ بطنه): الإضافة للتشريف وقد سبق شرحه.

354 -

(آل محمد): يشمله صلى الله عليه وسلم لفظا وقياسا أولويا لأنهم إذا صبروا على ما يأتى.

(شهرا): فهو أحق وأولى لتعذر شبعه دونهم وللقطع بأنه عند الضيق يؤثرهم على نفسه. (نمكث): يشكل عليه نقل الرضى الاتفاق على لزوم اللام فى الخبر من الفعل

353 - إسناده صحيح: وقد تقدم فى حديث (146).

354 -

إسناده صحيح: رواه البخارى فى الرقاق (6458)، ومسلم فى الزهد (2972)، وابن ماجه أيضا (4144)، والإمام أحمد فى مسنده (6/ 50)، وابن سعد فى الطبقات الكبرى (1/ 402،403)، خمستهم من طريق عبدة بن هشام به فذكره نحوه.

(1)

رواه مسلم فى الزهد (2977)، (2978)، ورواه الترمذى فى الزهد (2372)، وابن ماجه فى الزهد (4146)، والإمام أحمد فى مسنده (1/ 24)(4/ 368).

ص: 537

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الواقع فى خبر أن المخففة من الثقيلة. ويجاب بحمل هذا على الغالب (ما نستوقد) جملة حالية، وقيل: خبر بعد خبر. (وإن هو): ما هو أى المأكول. (التمر والماء) وفى رواية «إلا الأسودان» ، وفى رواية «إلا الماء والتمر» وفيه دليل على ضيق عيشهم المستلزم لضيق عيشه صلى الله عليه وسلم. وروى الشيخان عن عائشة:«أنها كانت تقول لعروة: والله يا ابن أختى إنا كنا ننتظر إلى الهلال ثم الهلال إلى ثلاثة أهلة فى شهرين، وما أوقد فى أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نارا، قال: قلت يا خالة فما كان يقيتكم؟ قالت: الأسودان التمر والماء، إلا أنه كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جيران من الأنصار، وكانت لهم منائح، فكانوا يرسلون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من ألبانها فيسقيناه» (1). وروى أيضا: «ما شبع آل محمد ثلاثة أيام إشباعا حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم» (2)، وروى المصنف وصححه ومر فى باب خبزه «كان صلى الله عليه وسلم يبيت بالليالى المتتابعة وأهله طوا لا يجدون عيشا، وإنما كان خبزهم الشعير» (3). وروى مسلم «ما شبع آل محمد يومين من خبز البر إلا وأحدهما تمر» (4)، وروى ابن سعد «خرج-يعنى النبى صلى الله عليه وسلم-من الدنيا، ولم يملأ بطنه فى يوم من طعامين، كان إذا شبع من التمر لم يشبع من الشعير، وإذا شبع من الشعير لم يشبع من التمر» (5). وقولها: (طعامين) أى قوتين غالبا، وإلا فقد جمع بين القثاء والرطب واللحم كما مر ويأتى. وروى مسلم «مات صلى الله عليه وسلم وما شبع من خبز وزيت فى يوم واحد مرتين» (6)، ومر أيضا فى باب خبزه. ما شبع من خبز ولحم مرتين فى يوم، وروى

(1) رواه البخارى فى الهبة (2567)، ورواه أيضا فى الرقاق (6459)، ورواه مسلم فى الزهد (2972).

(2)

رواه البخارى فى الأطعمة (5374)، (5414)، وعنه البغوى (4076)، وابن سعد فى الطبقات (1/ 403)، ووكيع فى الزهد (107).

(3)

رواه الترمذى فى الزهد (2360)، ورواه ابن ماجه فى الأطعمة (3347)، والبغوى فى شرح السنة (6/ 162)، وأحمد فى مسنده (1/ 255)، وابن سعد فى الطبقات (1/ 113)، والشجرى فى الأمالى (2/ 207).

(4)

رواه مسلم فى الزهد (2971)، وأحمد فى مسنده (2/ 98،434)، (4/ 442)، (6/ 128، 156،187،255،277).

(5)

رواه ابن سعد فى الطبقات الكبرى (1/ 311).

(6)

رواه البخارى (5416،6454،6455)، ومسلم فى الزهد (2971،2974،2970)، =

ص: 538

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الدمياطى عن الحسين خطب صلى الله عليه وسلم فقال: «والله ما أمسى فى آل محمد صاع من طعام، وإنها لتسعة أبيات» والله ما قالها استقلالا لرزق الله، ولكن أراد أن يتأسى به أمته.

وأخرج أحمد وأبو نعيم عن معاذ رفعه: «إياك والتنعم فإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين» (1).

وروى أبو الشيخ وابن شاهين والطبرانى وأبو نعيم: «تمعددوا واخشوشنوا واخلولقوا وامشوا حفاة» (2) وفيه اضطراب، ومداره على عبد الله بن سعيد وهو ضعيف، لكنه صح عن عمر رضى الله عنه، ومعنى تمعددوا: اتبعوا معد بن عدنان فى الفصاحة، وتشبهوا بعيشه فى الغلظ والتقشف، فكونوا مثله، ودعوا التنعم، ويشهد له حديث «عليكم باللبسة المعدية»: أى بخشونة اللباس، والحاصل: أنه يتسير إلى النهى عن الإفراط فى الترفه والتنعم وإلى الحث على التقلل ما أمكن مع التواضع. وروى الدار قطنى حديث: «إذا تسارعتم إلى الخير، فامشوا حفاة» (3). وروى مسلم عن عائشة: «كان يعجبه من الدنيا الطيب والنساء والطعام، فأصاب الأولين دون الثالث» (4)، وخبر «حبب إلىّ من دنياكم النساء والطيب وجعلت قرة عينى فى الصلاة» (5) رواه النسائى فى سننه والطبرانى فى الأوسط، وزيادة: ثلاث الواقعة فى كلام الغزالى وغيره، لا أصل لها كما قاله الحفاظ، وإن تكلف الإمام ابن فورك فى توجيهها.

= والترمذى (2356)، (2357)، والبغوى فى شرح السنة (4072)، (4073)، وأحمد فى مسنده (6/ 156،255)، وابن سعد فى الطبقات (1/ 402،403،405)، وعبد الرزاق (26020)، والطيالسى (1389)، ووكيع (108،109،110)، وهناد بن السرى (725، 728)، وفى الشمائل (145،150،151).

(1)

رواه ابن كثير فى البداية والنهاية (5/ 101)، وذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (10/ 250)، وعزاه لأحمد ورجاله ثقات.

(2)

ذكره الحافظ ابن حجر فى فتح البارى (10/ 298)، وذكره ابن حجر فى المطالب العالية (2171،2642)، وذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (5/ 136) وعزاه للطبرانى وفيه عبد الله ابن سعيد وهو ضعيف.

(3)

ذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (1/ 133)، وعزاه للطبرانى فى الأوسط وفيه سليمان بن عيسى العطار كذاب.

(4)

رواه أحمد فى مسنده (6/ 72)، وذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (10/ 315)، وعزاه لأحمد وفيه راو لم يسم وبقية رجاله رجال الصحيح.

(5)

رواه النسائى فى الإيمان (7/ 61)، ورواه أحمد فى مسنده (3/ 199،285)، ورواه الحاكم فى المستدرك (2/ 160).

ص: 539

355 -

حدثنا عبد الله بن أبى زياد، حدثنا سيار، حدثنا سهل بن أسلم، عن يزيد بن أبى منصور، عن أنس، عن أبى طلحة، قال:

«شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجوع، ورفعنا عن بطوننا عن حجر حجر، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بطنه حجرين» .

(قال أبو عيسى: هذا حديث غريب من حديث أبى طلحة، لا نعرفه إلا من هذا الوجه، ومعنى قوله: ورفعنا عن بطوننا عن حجر حجر. قال: كان أحدهم يشد فى بطنه الحجر من الجهد والضعف، الذى يعنى به الجوع).

ــ

355 -

(عن بطوننا): متعلق برفعنا لتضمنه معنى كشفنا أثيابنا. (عن حجر): بدل اشتمال عما قبله بإعادة الجار أى: عن حجر مشدود كعادة العرب، أو أهل الرياضة، أو أهل المدينة كانوا يفعلون ذلك، إذا خلت أجوافهم، لئلا تسترخى أمعاؤهم فتثقل عليهم الحركة، وبربط الحجر يشد البطن والظهر، فتسهل عليهم فى الحركة، فإذا زاد اشتداد الجوع ربط (حجرا آخر): صفة لمصدر محذوف أى: كشفا صادرا (عن حجر حجر):

أى لكل منا حجر واحد دفع عنه فالتكرير باعتبار تعدد المخبر عنهم بذلك، فزعم أن هاهنا حرف عطف محذوف غير محتاج إليه بل ربما يفسد المعنى لإنهائه حينئذ أن لكل حجرين، وكذا زعم أن التقدير: عن حجر منفصل عن حجر آخر، فالحجر الأخير صفة الأول، وأشرت بقول مشدود عليها، إلى رد ما قيل بدل اشتمال لا يخلو عن ضمير المبدل منه ولا ضمير ها هنا فلا يصح البدل. ووجه الرد: أن الضمير هنا مقدر، وبقولى بدل. . . إلخ رد ما قيل أيضا تعلق جزء فى جزء متحد المعنى بعامل واحد ممنوع.

ووجه رده أن هذين الحرفين فى حكم حرف واحد لأن المبدل منه فى نية المطروح كما هو مقرر مع معناه فى محله. (عن بطنه عن حجرين): استشكل بما فى الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال: «لا تواصلوا، قالوا: إنك تواصل، قال: إنى لست كأحدكم، إنى أطعم وأسقى» (1). وبهذا تمسك ابن حبان فى حكمه ببطلان الأحاديث الواردة بأنه صلى الله عليه وسلم كان

355 - إسناده ضعيف: رواه الترمذى فى الزهد (2371)، بسنده ومتنه سواء، ورواه أبو الشيخ فى أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم (ص 288) من طريق سيار بن حاتم به فذكره.

(1)

رواه ابن حبان فى صحيحه (3574،3575،3579)، وابن خزيمة فى صحيحه (2069)، =

ص: 540

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يجوع ويشد الحجر على بطنه من الجوع. قال: وإنما معناها: الحجز بالزاى وهو طرف الإزار، وما يغنى عن الجوع. ويجاب: بأن هذا خاص بالمواصلة، فكان إذا وصل أعطى قوة الطاعم والشارب، أو يطعم ويسقى حقيقة على الخلاف فى ذلك، وأما فى غير حالة المواصلة فلم يزدد فيه ذلك، فوجب الجمع بين الأحاديث، بحمل الأحاديث الناصة على جوعه على غير حالة المواصلة. وروى ابن أبى الدنيا «أصاب النبى صلى الله عليه وسلم جوع يوما فعمد إلى حجر فوضعه على بطنه ثم قال: ألا ربّ نفس طاعمة ناعمة فى الدنيا، جائعة عارية يوم القيامة ألا رب مكرم لنفسه، وهو لها مهين، ألا رب مهين لنفسه. وهو لها مكرم» (1). وفى الصحيح عن جابر: «كنا يوم الخندق فقام يحفر فعرضت كدية-وهى بضم مهملة فتحتية: قطعة صلبة-فجاءوا للنبى صلى الله عليه وسلم، فقالوا:

هذه كدية عرضت فى الخندق، فقام وبطنه معصوب بحجر، ولبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذواقا» فأخذ صلى الله عليه وسلم المعول فضربه فعاد كثيبا أهيلا، أو أهيم» (2) أى وهما بمعنى واحد. زاد أحمد والنسائى بإسناد حسن: «أن تلك الصخرة لا تعمل فيها المعاول، وأنه صلى الله عليه وسلم قال:

بسم الله، وضربها ضربة، فنشر ثلثها، فقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام، والله إنى لأبصر قصورها الحمر الساعة، ثم ضرب الثانية فقطع ثلثا آخر، فقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح فارس، وإنى والله لأبصر قصور المدائن البيض، ثم ضرب الثالثة، فقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن، وإنى لأبصر أبواب صنعاء من مكانى الساعة» (3). وبما تقرر:

علم أن الصواب، صحة الأحاديث، وأنه صلى الله عليه وسلم شد الحجر بالرّاء شدا خفيفا، وأنه لم يفعل ذلك ليعلم الصحابة بأنه صلى الله عليه وسلم ليس عنده ما يستأثر به عليهم فحسب كما زعمه بعضهم، بل فعله لذلك، ولما يحس به ألم الجوع اختيارا لثواب الآخرة. ومن حكمة شد الحجر، أنه يسكن بعض ألم الجوع، لأن حرارة المعدة الغريزية ما دامت المعدة مشغولة بالطعام، بتلك الحرارة به، فإذا نفذ اشتغلت برطوبات الجسم وجواهره فيحصل

= وأحمد فى مسنده (3/ 173،202،276)، والدارمى (2/ 8)، وأبو يعلى فى مسنده (2972،3052،3215).

(1)

رواه ابن أبى الدنيا فى كتاب الجوع.

(2)

رواه البخارى فى المغازى (4101)، والدارمى فى المقدمة (1/ 20).

(3)

ذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (6/ 130،131)، وقال: رواه أحمد وفيه ميمون أبو عبد الله، وثقه ابن حبان وضعفه جماعة، وبقية رجاله ثقات.

ص: 541

356 -

حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا آدم بن أبى إياس، حدثنا شيبان أبو معاوية، حدثنا عبد الملك بن عمير، عن أبى سلمة بن عبد الرحمن، عن أبى هريرة، قال:

«خرج النّبىّ صلى الله عليه وسلم فى ساعة لا يخرج فيها، ولا يلقاه فيها أحد، فأتاه أبو بكر، فقال: ما جاء بك يا أبا بكر؟ فقال: خرجت ألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنظر فى وجهه، والتّسليم عليه، فلم يلبث أن جاء عمر. فقال: ما جاء بك يا عمر؟ قال:

الجوع يا رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا قد وجدت بعض ذلك. فانطلقوا إلى منزل أبى الهيثم بن التّيهان الأنصارىّ، وكان رجلا كثير النّخل والشّاء، ولم يكن له خدم. فقالوا لامرأته: أين صاحبك؟ فقالت انطلق يستعذب الماء، فلم

ــ

التألم حينئذ ويزداد ما لم ينضم على المعدة الأحشاء والجلد فإن نارها حينئذ تخمد بعض الخمود فيقل الألم. وقيل: حكمة ذلك أن البطن إذا خلى ضعف صاحبه عن القيام لتقوس ظهره فاحتيج لربط الحجر لشدة وإقامة صلبه، وما أكرم الله به نبيه، أنه مع تألمه بالجوع ليضاعف له الأجر، حفظ قوته ونضارة جسمه، حتى أن من رآه لا يظن أن به جوعا بل كان جسمه الشريف مع ذلك يرى أشد نضارة ورونقا من أجسام المترفين بنعيم الدنيا. (غريب): هو ما يتفرد بروايته عدل ضابط من رجال النقل، ثم إن كان التفرد برواية متنه، فهو غريب متنا، أو بروايته عن غير المعروف بمتنه، كأن يعرف عن صحابى فيرويه عدل وحده عن صحابى آخر، فهو غريب إسنادا، وهذا هو الذى يقول فيه الترمذى غريب من هذا الوجه، العدل الضابط عمن يجمع حديثه (حديث أبى طلحة) فغرابته ناشئة من طريق أبى طلحة لا من سائر الطرق.

356 -

(محمد بن إسماعيل): هو البخارى فهو من مشايخ الترمذى. (فى ساعة من

356 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى الزهد (2370)، بسنده ومتنه سواء، ورواه البخارى فى الأدب المفرد (1/ 256)، والحاكم فى المستدرك (4/ 131)، والبيهقى فى شعب الإيمان (4604)، من طريق آدم بن إياس به فذكره نحوه تاما مختصرا. قال أبو عيسى: حسن صحيح غريب. وقال الحاكم: صحيح الإسناد ووافقه الذهبى.

ص: 542

يلبثوا أن جاء أبو الهيثم بقربة يزعبها، فوضعها، ثمّ جاء يلتزم النّبىّ صلى الله عليه وسلم ويفديه بأبيه وأمه، ثمّ انطلق بهم إلى حديقته فبسط لهم بساطا، ثمّ انطلق إلى نخلة، فجاء بقنو فوضعه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفلا تنقّيت من رطبه. فقال: يا رسول الله إنى أردت أن تختاروا، أو تخيّروا من رطبه وبسره. فأكلوا وشربوا من ذلك الماء، فقال النّبىّ صلى الله عليه وسلم: هذا والذى نفسى بيده من النّعيم الذى تسألون عنه يوم القيامة، ظل «بارد» ، ورطب طيّب، وماء بارد. فانطلق أبو الهيثم ليصنع لهم طعاما. فقال النّبىّ صلى الله عليه وسلم: لا تذبحنّ لنا ذات درّ. فذبح لهم عناقا-أو جديا- فأتاهم بها فأكلوا. فقال النّبىّ صلى الله عليه وسلم: هل لك خادم؟ قال: لا. قال: فإذا أتانا سبى فأتنا، فأتى النّبىّ صلى الله عليه وسلم برأسين ليس معهما ثالث فأتاه أبو الهيثم، فقال النّبىّ صلى الله عليه وسلم:

اختر منهما. فقال: يا نبىّ الله: اختر لى. فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم: إنّ المستشار مؤتمن، خذ هذا، فإنّى رأيته يصلى، واستوص به معروفا، فانطلق أبو الهيثم إلى امرأته، فأخبرها بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت امرأته: ما أنت ببالغ ما قال فيه النبىّ صلى الله عليه وسلم إلاّ أن تعتقه. قال: فهو عتيق. فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم: إنّ الله لم يبعث نبيا ولا خليفة إلا وله بطانتان: بطانة تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر. وبطانة لا تألوه خبالا، ومن يوق بطانة السّوء فقد وقى».

ــ

الجهد): أى من أجله، وهو بضم أوله وفتحه بمعنى المشقة، وقيل: الوسع والطاقة، وقيل: بالضم للوسع والطاقة وبالفتح للمشقة. (ولا يلقاه فيها أحد): أى باعتبار عادته. (ما جاء بك يا أبا بكر. . .) إلخ. رواية مسلم عن أبى هريرة أيضا. (فإذا هو بأبى بكر وعمر رضى الله عنهما. فقال: «ما أخرجكما من بيوتكما الساعة؟ قالا: الجوع يا رسول الله، قال: والذى نفسى بيده لأخرجنى الذى أخرجكما» (1) وفيه مخالفة لرواية

(1) رواه مسلم (2038)، والترمذى (2369)، والنسائى (1/ 467)، وابن حبان فى صحيحه (5216)، والبيهقى فى دلائل النبوة (1/ 362)، وأبى يعلى فى مسنده (250)، والبزار فى مسنده (3681)، والطبرانى فى الكبير (10496)، وفى الصغير (185)، وذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (10/ 317،318،319،321)، وقال: رواه الطبرانى فى الصغير والأوسط.

ص: 543

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المصنف وسيأتى أنهما قضيتان، وحينئذ فلا إشكال فى تخالف الروايتين فى هذا وما يأتى، وعلى التنزل وأن القضية واحدة فقد يجاب بأن رواية مسلم أولى بالتقديم، وعلى فرض التساوى، يحتمل أن أبا بكر قال ما فى رواية المصنف، قبل مجىء عمر، فلما جاء عمر وذكر الجوع ذكره أبو بكر أيضا وأما الحلف فزيادة فى رواية مسلم. وأما قوله فيها «لأخرجنى الذى أخرجكما» وفى رواية المصنف (وأنا قد وجدت بعض ذلك) فيحتمل أنه جمع بين هاتين المقالتين. وفيه أنه لا بأس بذهاب المحتاج إلى بعض أغنياء أصدقائه لقضاء حاجته. (بعض ذلك): أى الجوع، فيه ما كان عليه صلى الله عليه وسلم وكبار أصحابه من التقلل من الدنيا وما ابتلوا به من ضيق العيش أحيانا حتى بعد فتح الفتوح والقرى عليهم لذا راوى الحديث أبو هريرة، وإسلامه بعد فتح خيبر، واحتمال أنه رواه عن غيره بعيد، فعلم أنه صلى الله عليه وسلم كان تارة موسر وتارة يفقد ما عنده، لإخراجه فى وجوه البر من إيثار المحتاجين وتجهيز السرايا والبعوث وغير ذلك، ومن ثم صح كما مر:«أنه خرج من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير، وتوفى ودرعه مرهونة على آصع من شعير استدانه لأهله من أبى الشحم اليهودى» ، وكان أكابر الصحابة على مثل حاله المذكور من الفقر تارة واليسار أخرى حتى أغنياؤهم كان قد يحصل لهم ذلك، لإخراج ما عندهم فى وجوه البر، فلا يستبعد جوعه مع وجودهم، وما نقل عنهم من إيثارهم له على نفوسهم وإهدائهم إليه وإتحافهم له بالظرف ونحوها. وبهذا اندفع استشكال جوعه وجوعهم مع أنه كان يدخر لأهله قوت سنة، وأنه قسم بين أربعة من أصحابه ألف بعير مما أفاء الله عليه، وأنه ساق فى عمرته مائة بدنة فنحرها وأطعمها المساكين، وأنه أمر لأعرابى بقطيع من الغنم وغير ذلك، مع من كان معه من أصحاب الأموال، كأبى بكر وعمر وعثمان وطلحة وغيرهم مع بذلهم أنفسهم وأموالهم بين يديه، وأمر بالصدقة فجاءه أبو بكر بجميع ماله وعمر بنصفه، وحث على تجهيز جيش العسرة فجهزه عثمان بألف بعير وسبعين فرسا، وفى رواية: ومائتى أوقية، وفى أخرى عند الملا فى سيرته والطبرى فى رياضه، وبعثه بعشرة آلاف دينار فصب بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يقلبها، ويقول:

«غفر الله لك يا عثمان ما أسررت وما أعلنت وما هو كائن إلى يوم القيامة، ما يبالى ما عمل بعدها» (1). وأما جواب الطبرى عنه بأنه ذلك كان منهم فى بعض الحالات لا لعذر

(1) رواه ابن عدى فى الكامل فى الضعفاء من الرجال (1/ 340)، وذكره الهندى فى كنز العمال =

ص: 544

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وضيق، بل تارة للإيثار وتارة لكرامة الشبع وكثرة الأكل فمعترض، بأنه مخالف للأحاديث السابقة والآتية الناصة على جوعه وجوعهم، بل الحق، أن كثيرين منهم، كانوا فى حال الضيق قبل الهجرة بمكة، فلما هاجروا للمدينة كان أكثرهم كذلك، فواساهم الأنصار بالمنازل والمنائح، فلما فتحت أموال بنى النضير وما بعدها ردوا عليهم منائحهم. وقد أخرج ابن حبان فى صحيحه عن عائشة:«من حدثكم أنا كنا نشبع من التمر فقد كذبكم، فلما فتحت قريظة، أصبنا شيئا من التمر والودك» (1) وسيأتى: «لقد أتت علينا ثلاثون من بين يوم وليلة، ما لى ولبلال طعام يأكله أحد إلا شىء يواريه إبط بلال» صحح الحديث المصنف. نعم كان صلى الله عليه وسلم يختار ذلك مع إمكان حصول التوسع والبسط فى الدنيا. فقد أخرج المصنف: «عرض على ربى ليجعل لى بطحاء مكة ذهبا، قلت: لا يا رب، أشبع يوما، فإذا جعت نظرت إليك وذكرتك، وإذا شبعت شكرتك وحمدتك» (2). وحكمة هذا التفصيل: هو الاستلذاذ بالخطاب مع بيان تلك الحكمة لأمته، وإلا فهو تعالى عالم بالأشياء جملة وتفصيلا. وروى الطبرانى بإسناد حسن:

«كان صلى الله عليه وسلم ذات يوم وجبريل على الصفا، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: يا جبريل والذى بعثك بالحق ما أمسى لآل محمد سفة من دقيق، ولا كف من سويق فلم يكن كلامه بأسرع من يسمع هدة من السماء أفزعته فقال النبى صلى الله عليه وسلم: أمر الله القيامة أن تقوم قال: لا ولكن إسرافيل نزل إليك حين سمع كلامك، فأتاه إسرافيل، فقال: إن الله سمع ما ذكرت فبعثنى إليك بمفاتيح خزائن الأرض وأمرنى أن أعرض عليك أسير معك جبال تهامة زمردا أو ياقوتا وذهبا وفضة، فإن شئت نبيا ملكا، وإن شئت نبيا عبدا، فأومأ إليه جبريل أن تواضع فقال: بل نبيا عبدا-ثلاثا» (3).

= (32847)، وعزاه لأبو نعيم عن حسان بن عطية عن أبى موسى الأشعرى (11/ 594)، (36189)، وعزاه لابن عدى والدار قطنى وأبو نعيم فى فضائل الصحابة وابن عساكر فى تاريخ دمشق (36245)، وعزاه لابن أبى شيبة وأبى نعيم فى فضائل الصحابة (13،38،57).

(1)

رواه ابن حبان فى صحيحه (684)، وأبو الشيخ فى أخلاق النبى (277).

(2)

رواه الترمذى (2347)، والبغوى فى السنة (14/ 246)، وأحمد فى مسنده (5/ 254)، والطبرانى فى الكبير (8/ 245)، والشجرى فى الأمالى (2/ 208)، وأبو نعيم فى الحلية (8/ 133)، وابن سعد فى الطبقات (1/ 2/101).

(3)

ذكره المنذرى فى الترغيب والترهيب (4/ 196)، وقال: رواه الطبرانى بإسناد حسن والبيهقى فى الزهد وغيره.

ص: 545

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تتمّة: قال الحليمى فى شعب الإيمان: من تعظيمه صلى الله عليه وسلم أن لا يوصف بما هو عند الناس من أوصاف الضعة، فلا يقال كان فقيرا، ومن ثم أنكر بعضهم إطلاق الزهد فى حقه. ولقد قيل لمحمد بن واسع: فلان زاهد فقال: وما قدر الدنيا حتى يزهد فيها.

ونقل السبكى عن الشفاء وأقره: أن فقهاء الأندلس أفتوا بقتل من استخف بحقه فسماه أثناء مناظرته باليتيم، وزعم أن زهده لم يكن قصدا، ولو قدر على الطيبات أكلها. وذكر البدر الزركشى عن بعض الفقهاء المتأخرين أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن فقيرا من المال قط ولا حاله حال فقير بل كان أغنى الناس بالله فقد كفى أمر دنياه فى نفسه وعياله، وكان يقول فى قوله صلى الله عليه وسلم:«اللهم أحينى مسكينا» (1) والمراد استكانة القلب لا المسكنة الشرعية، وكان يشدد النكير على خلاف من يعتقد خلاف ذلك انتهى. وخبر:«الفقر فخرى يوم أفتخر» باطل وفيه أيضا أن ذكر الألم ونحوه، لا ينافى الزهد حيث كان للتسلية والتصبر، وهو حاله صلى الله عليه وسلم أو لالتماس الدعاء والإمداد على تحمل تلك المشاق، وهو حال صاحبه رضى الله عنه بخلاف ما إذا كان لشكوى أو جزع فإنه فى غاية القبح والذم.

(ألقى): أى أريد ذلك والجملة حال أو التسليم [بالنصب أى: أسلم أو أريد أو معطوف على ما قبله بحسب المعنى أى: أريد اللقاء والنظر والتسليم](2). (فلم يلبث أن جاء عمر): أى لم يمكث النبى صلى الله عليه وسلم وعنده أبو بكر، أو أبو بكر عند النبى صلى الله عليه وسلم زمنا يسيرا إلا وعمر قد جاء إليهما، وجعل ضمير يلبث لعمر أو مجيئه بعيد ويؤيد عود الضمير له صلى الله عليه وسلم أو لأبى بكر فقوله الآتى فلم يلبثوا. (أبى الهيثم): وفى رواية عند الطبرانى وابن حبان فى صحيحه «عن أبى أيوب الأنصارى» ولا مانع من أنهما قضيتان اتفقتا لهم مع كل منهما. وفى رواية مسلم: «رجلا من الأنصار» وهى محتملة لهما وفيه منقبة عظيمة لكل منهما إذ أهله صلى الله عليه وسلم بذلك وأنه لا بأس بالإدلال على الصاحب الموثوق به المعلوم منه الرضى والفرح بذلك. (التيهان): بفوقية مفتوحة فتحتية مشددة.

(الأنصارى) قيل: هو قضاعى، ولذا هو حليف الأنصار، فلذا نسب إليهم (والشاء):

(1) رواه البخارى فى التاريخ (7/ 194)(9/ 75)، والترمذى (2352)، وابن ماجه (4126)، والبيهقى فى السنن (7/ 12) والحاكم فى المستدرك (4/ 322)، والبغدادى فى تاريخ بغداد (4/ 111)، وابن الجوزى فى الموضوعات (3/ 141،142).

(2)

هذه الزيادة من: (ش).

ص: 546

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

جمع شاة. (خدم) ليس المراد نفى الجمع بل الإفراد إذ لم يكن له خادم لا ذكر ولا أنثى. (قالت. . .) إلخ زاد مسلم: «فلما رأته المرأة، قالت: مرحبا وأهلا» وفيه جواز سماع كلام الأجنبية مع أمن الفتنة، وإن وقعت فيه مراجعة من دخول منزل الزوج المعلوم رضاه بإذن زوجته إذا انتفت الخلوة المحرمة، إذ وجه انتفائها أنه صلى الله عليه وسلم محرم لكل أنثى، وإذنها فى منزل زوجها إذا علمت رضاه بذلك. (يستعذب) لنا (الماء): أى يستسقى لنا ماء عذبا من بئر ثم يأتينا به، واستعذب الماء أسقاه عذبا كذا فى الصحاح، وبه يعلم الفرق بين استعذب لنا الماء، واستعذبه من غير لنا أى: بماء عذب فيه جواز استعذابه وتطييبه وأن ذلك لا ينافى الزهد. ومن ثم نقل عن الشافعى أنه قال: شرب الماء البارد يخلص الحمد لله. (يزعبها): بتحتية مفتوحة فزاى ساكنة فمهملة فموحدة أى: يتدافع بها ويحملها لثقلها، فيه أن خدمة الغنى أهل بيته وتوليه حوائجهم بنفسه لا ينافى المروءة بل هو من كمال الخلق والتواضع. (ثم جاء. . .) إلخ زاد مسلم «فنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه وقال: الحمد لله، ما أحد أكرم أضيافا منى». فيه أنه يتأكد إكرام الضيف وإظهار السرور والبشر والفرح بقدومه فى وجهه، ومن ثم قال صلى الله عليه وسلم:«من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه» (1). (يلتزم النبى صلى الله عليه وسلم: أى يعانقه ويتبرك به ويفديه بضم ففتح فتشديد أى يقول: فداك أبى وأمى وفى نسخة يفديه كيرضيه وفى أخرى يفديه من الإفداء وكلاهما بعيد. (بهم): الباء للتعدية أو المصاحبة. (بقنو): أى عذق كما عند مسلم وهو الغصن من النخلة فيه بسر وتمر ورطب. (أردت أن تختاروا. . .) إلخ حاصله أنه أتى بكماله ليكون أظرف، وليجمعوا بين أكل الأنواع ولاختلاف الأغراض، وفيه ندب تقديم الفاكهة قبل الطعام لأنها أسرع هضما منه، والمبادرة للضيف بما تيسر لا سيما إن ظن احتياجه للطعام حالا، وربما يشق عليه الانتظار، وقد كره جماعة من السلف التكلف للضيف ومحله إن شق ذلك على المضيف مشقة ظاهرة، لأن ذلك منعه من الإخلاص وكمال السرور بضيفه بل ربما ظهر من ذلك ما يتأذى الضيف بسببه ونغص عليه أكله مما قدمه له، فينبغى إكرامه المأمور به،

(1) رواه البخارى فى الإيمان (12/ 28)، وفى الاستئذان (6236)، وفى الأدب (6018،6136)، ومسلم فى الإيمان (47،75،76)، وابن حبان فى صحيحه (506)، وأحمد فى مسنده (2/ 433)، وابن أبى شيبة فى مصنفه (8/ 546)، وابن منده فى مسنده (301)، والبزار فى مسنده (2031).

ص: 547

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وليس من ذلك ذبح أبى الهيثم الشاة فى هذا الحديث، لأنه كان يود ذلك ويحبه، فلا كلفة عليه فيه، أسرعت. (أفلا تنقيت لنا من رطبه): أى وتركت ما فيه حتى يترطب وينتفع به، فيه أنه ينبغى للمضيف أن يأتى للضيف بأحسن ما عنده، وإن أبطأ قليلا ومحله إن ظن مزيد حاجة الضيف للطعام، وأنه لا بأس بسؤال الضيف لذلك إذا علم أن الضيف يحب طلبه لذلك ويفرح به. (أو): للشك. (تخيروا): هو بمعنى يختاروا وأو تكلف فرق بينهما بعيد. (من): الأحسن هنا أنها لابتداء الغاية، وترجيح التبعيض بأنه قصد بقاء بعضه عنده ليتبرك به بعيد، إذ اللائق بالمضيف أن يقدم النظر إلى شبع الضيف، على النظر إلى ترك بعض الطعام المقدم له للتبرك هذا المقدم. (والذى نفسى بيده لتسألن عن هذا النعيم يوم القيامة، أخرجكم من بيوتكم الجوع ثم لم ترجعوا حتى أصابكم هذا النعيم)(1) فيه جواز الشبع، وما ورد فى ذمه محمول على شبع مضر، أو على المداومة عليه، لأنه يقسى القلب، وينسى المحتاجين. وأما السؤال عن النعيم الذى تضمنه قوله: ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ اَلنَّعِيمِ (2) قال القاضى: هو سؤال عن القيام بحق شكره. وقال النووى: الذى نعتقده أيضا أنه سؤال تعداد النعم وإعلام بالامتنان بها، وإظهار الكرامة بإسباغها، لا سؤال توبيخ وتقريع ومحاسبة (3). (النعيم): أى الذى يتنعم به ويترفه به. (ظل. . .) إلخ بدل من هذا لئلا يتوهم أن المشار إليه واحد، وكان عدم ذكر البسر لكونهم لم يختاروا منه شيئا. (طعاما): لا ينافى أن ما قبله طعام أيضا، عملا بالعرف العام، أن ذاك عن قبيل الفاكهة لا الطعام، وهذا مجمل ما نقل عن الشافعى أنه استدل بهذا على أن نحو الرطب فاكهة لا طعام، فاعترضه بأن هذا لا يدل على أنه ليس طعاما مصنوعا لا مطلقا ليس فى محله. والحاصل: أن عرف الشرع فى الربا والأيمان أن الفاكهة من الطعام، وأن الشافعى إنما جرى فى كلامه المذكور على عرف الناس لا الشرع. (ذات در): أى لبن ولو فى المستقبل، بأن تكون حاملا لكن فى رواية مسلم:«إياك والحلوب» (4) وإنما نهاه من ذبحها، شفقة على أهله بانتفاعهم باللبن

(1) رواه مسلم فى الأشربة (2538)، وابن ماجه (5).

(2)

سورة التكاثر: آية رقم (8).

(3)

انظر: شرح النووى على مسلم (13/ 208،209).

(4)

رواه مسلم فى الأشربة (2038)، وابن ماجه (3180)، (3181)، والطبرى فى التفسير (30/ 185) وذكره القرطبى (20/ 175)، وابن كثير (8/ 495)، فى التفسير.

ص: 548

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مع حصول المقصود بغيرها، ومن ثم لو لم يكن عنده إلا هى لم يتوجه هذا النهى إليه، على أن الظاهر، أنه نهى إرشاد بلا كراهة فى مخالفته، لأنه زيادة فى إكرام الضيف، وإن أسقط حقه بصدور نحو ذلك النهى منه. (عناقا): هى أنثى المعز لها أربعة أشهر.

(أو): شك. (جديا): هو ذكر المعز لم يبلغ سنة. (هل لك خادم): الحامل عليه رؤيته له، وهو يتعاطى خدمة بيته بنفسه (مؤتمن) أى أمين فيلزمه رعاية حال المستشير، والأليق والأنسب به، ولا يجوز له أن يكتم عنه أمرا فيه صلاحه. (خذ هذا فإنى): تعليل، وفيه أنه ينبغى للمستشار أن يبين سبب إشارته بأحد الأمرين ليكون ذلك أعون للمستشير على الامتثال، وأنه يستدل على خيرية الإنسان بصلاته، وسره قوله تعالى: إِنَّ اَلصَّلاةَ تَنْهى عَنِ اَلْفَحْشاءِ وَاَلْمُنْكَرِ (1). (واستوص به معروفا): أى اقبل وصيتى فيه فى حقه وكافئه بالمعروف، وكذا قيل، وظاهره أن معروفا ليس منصوبا باستوص، وعليه جرى صاحب المغرب حيث جعل خير فى حديث «استوصوا بالنساء خيرا» (2)، مفعولا مطلقا أى استيصاء معروفا. واعترض: بأن الحق تعديته إليه بنفسه، ومعناه: افعل فى حقه معروفا وصية منى. (ما أنت): أى لو صنعت معه ما صنعته مما عدى العتق، لم تبلغ فيه المعروف الذى أمرك به النبى صلى الله عليه وسلم. (قال): فبسبب ما قلته الذى هو الحق. (فهو عتيق): فرعه على قولها إعلاما بأن لها تسببا عظيما فى عتقه، وقد صح فى الحديث:

«الدال على الخير كفاعله» . (فقال): أى فأخبره. (أبو الهيثم): بمقالة امرأته التى كانت سببا للعتق. (فقال صلى الله عليه وسلم: إن الله لم يبعث نبيا قط، ولا خليفة إلا ومعه بطانتان)(3) بطانة الرجل صاحب سره الذى يطلعه على خفايا أحواله، ويستشيره فيها ثقة به، شبه ببطانة الثوب. (لا تألوه): من الألو وهو التقصير فيكون لازما ولا يتعدى لمفعولين، إلا إن ضمن معنى من كما فى لا ألوك جهدا. (خبالا): بفتح المعجمة فموحدة أى: لا يمنعه من فساد ما يفعله، أو لا يقصر من إدخال الخبال أى: الفساد عليه فى أحواله إذ أقواله وأفعاله بهذا، وفى بطانة الخير بما مرّ إشارة إلى أنه يكفى من الشر السكوت عن الفساد،

(1) سورة العنكبوت: آية رقم (45).

(2)

رواه البخارى فى النكاح (5186)، ومسلم فى الرضاع (60)، وابن ماجه (1851)، والبيهقى فى السنن (7/ 295)، وابن أبى شيبة فى مصنفه (5/ 276).

(3)

رواه الترمذى (2369)، والبغوى فى السنة (13/ 190)، (7/ 287)، والألبانى فى السلسلة الصحيحة (1641)، والحاكم فى المستدرك (4/ 131)، وفى الشمائل (71،188).

ص: 549

357 -

حدثنا عمر بن إسماعيل بن مجالد بن سعيد، حدثنى أبى، عن بيان، حدثنى قيس بن حازم، قال: سمعت سعد بن أبى وقاص يقول:

«إنى لأول رجل أهراق دما فى سبيل الله، وإنّى لأول رجل رمى بسهم فى

ــ

وأنه لا يكفى فى الخير إلا الأمر به والحث عليه، فقيل: وهذا لا يتأتى إلا فى الأنبياء بل فى بعض الخلفاء، نعم إن كان المراد ببطانة الخير الملك، وببطانة الشر الشيطان، يأتى ويكن، ويؤيده قوله فى الحديث:«والمعصوم من عصمه الله» فإنه بمنزلة قوله صلى الله عليه وسلم: «ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة، قالوا: وإياك يا رسول الله؟ قال: وإياى إلا أن الله أعاننى عليه فأسلم، ولا يأمرنى إلا بخير» (1) انتهى.

ويحتمل إبقاء الحديث على عمومه، وأن للنبى صلى الله عليه وسلم بطانة شر من الإنس أيضا. إلا أن الله عصمه منهم، وظاهر سياق الحديث، أن المراد بالخليفة هنا كل من جعلت له خلافة ونظر فى شىء، فإن ذكره صلى الله عليه وسلم ذلك فى هذا السياق يشعر بمدحه لزوجة أبى الهيثم وأنها بطانة خير. (فقد وقى): أى النساء لأن الغالب أنه لا يحصل إلا من بطانة الشر. وفى الحديث الإحسان للمضيف بالفعل إن وجد شيئا وإلا فبالوعد، وأنه لا بأس له أن يطالب بما وعدته به وتأكد النصح للمسلمين لا سيما المستشير، والوصية بالمعروف فى حق الضعفاء، وإخبار الزوجة بما حصل له من الخير. يقول: وجه مناسبة هذا الحديث لهذا الباب أن ضيق عيش أصحابه يدل على ضيق عيشه صلى الله عليه وسلم.

357 -

(أهراق): بفتح الهاء وسكونها من الإراقة والهاء زائدة، وفى لغة أخرى «يهراق الماء يهرقه»: بفتح الهاء-والهاء بدل من الهمزة، وعلى الأول لغتان يهرق

357 - إسناده صحيح: رواه البخارى فى فضائل الصحابة (3728)، وفى الأطعمة (5412)، وفى الرقاق (6453)، ومسلم فى الزهد (2365)، وابن ماجه فى المقدمة (131)، والإمام أحمد فى المسند (1/ 174، 181،186)، والنسائى فى الفضائل (111،112)، وفى اليوم والليلة (195،196)، والبغوى فى شرح السنة (3920)، كلهم من طرق عن إسماعيل بن قيس به فذكره نحوه مختصرا وتاما.

(1)

رواه مسلم فى صفات المنافقين (2814)، وأحمد فى مسنده (1/ 385،397،401،460)، والدارمى (2/ 306)، وابن حبان فى صحيحه (6417)، والبغوى (4211)، والمزى فى تهذيب الكمال (9/ 39)، وأبو يعلى فى مسنده (5143)، والبيهقى فى الدلائل (7/ 100، 101)، والطبرانى (10522،10523،10524)، والطحاوى فى مشكل الآثار (109).

ص: 550

سبيل الله، لقد رأيتنى أغزو فى العصابة من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ما نأكل إلا ورق الشّجر والحبلة، حتّى تقرّحت أشداقنا، وإنّ أحدنا ليضع، كما تضع الشّاة والبعير، وأصبحت بنو أسد يعزّروننى فى الدّين، لقد خبت إذن وخسرت وضلّ عملى».

ــ

يهريق، والهاء على هذا بدل من ذهاب حركة العين إذ أصله أروق أو أريق فجبر ما لحق هذه الكلمة من التغيير بزيادة الهاء. (دما فى سبيل الله)(1) أى من شجة شجها المشرك كما رواه ابن إسحاق أن الصحابة كانوا فى ابتداء الإسلام على غاية من الاستخفاء، كانوا يستخفون بصلاتهم فى الشعاب، فبينما هو فى نفر منهم فى بعض شعاب مكة، ظهر عليهم مشركون وهم يصلون، فعابوهم واشتد الشقاق بينهم، فضرب سعد رجلا منهم بلحى بعير فشجه، فكان أول دم أريق فى الإسلام. (وإنى لأول رجل رمى بسهم فى سبيل الله): لأنه كان فى أول سرية فى الإسلام مع (2) ستين من المهاجرين أميرهم عبيدة ابن الحارث بن المطلب، عقد له النبى صلى الله عليه وسلم لواء، وهو أول لواء عقد لقتال أبى سفيان ابن حرب والمشركين، وكانوا جمعا كثيرا. فلم يقع منهم قتال، غير أن سعدا رمى إليهم بسهم فكان أول سهم رمى إليهم فى الإسلام. (العصابة) الجماعة من الناس والطير والخيل كذا فى الصحاح والذى فى القاموس الجماعة من الناس من العشرة إلى الأربعين. (الحبلة) بضم المهملة وسكون الموحدة شبه الثمر يشبه اللوبيا، وقيل: ثمر العضاة. (حتى تقرحت أشداقنا): هى أطراف الفم أى: صار فيها قروح من حرارة ذلك الثمر (كما تضع الشاة) أى: من البعير ليبسه وعدم ألف المعدة له وهذا فى غزوة الخبط سنة ثمان، وأميرهم أبو عبيدة وكانوا ثلاث مائة زودهم صلى الله عليه وسلم جرابا وكانوا جراب تمر فكان أبو عبيدة يعطيهم حفنة حفنة ثم قلل ذلك إلى أن صار يعطيهم تمرة تمرة، ثم أكلوا

(1) رواه البخارى فى فضائل الصحابة (3728)، وفى الأطعمة (5412)، وفى الرقاق (6453) ومسلم فى الزهد (2966)، والترمذى فى الزهد (2366)، وفى الشمائل (135)، والنسائى فى الفضائل (114)، وفى الرقاق (3/ 309)، وابن ماجه فى المقدمة (131)، والبغوى (3923)، وابن حبان فى صحيحه (6989)، وأحمد فى مسنده (1/ 174،181،186)، والدارمى (2/ 208)، ووكيع فى الزهد (123)، وفى الفضائل (1307،1310)، وابن أبى شيبة فى مصنفه (12/ 87)، وابن سعد فى الطبقات الكبرى (3/ 140).

(2)

فى (ش): (بين).

ص: 551

358 -

حدثنا محمد بن بشار، حدثنا صفوان بن عيسى، حدثنا محمد بن عمرو ابن عيسى أبو نعامة العدوى، قال: سمعت خالد بن عمير، وشويسا، أبا الرقاد، قالا:

«بعث عمر بن الخطّاب عتبة بن غزوان وقال: انطلق أنت ومن معك، حتّى إذا كنتم فى أقصى أرض العرب، وأدنى بلاد أرض العجم، فأقبلوا، حتّى إذا كانوا

ــ

الخبط حتى صارت أشداقهم كأشداق الإبل، ثم ألقى إليهم البحر سمكة عظيمة جدا فأكلوا منها شهرا أو نصفه، وقد وضع منها فدخل تحته البعير براكبه واسمها العنبر.

وقيل: كان ذلك أى ما أشار إليه سعد فى غزاة فيها النبى صلى الله عليه وسلم لما فى الصحيحين «كنا نغزو مع النبى صلى الله عليه وسلم وما لنا طعام إلا الحبلة» (1) الحديث. (يعزروننى): وفى نسخة بحذف نون الرفع، وفى نسخة:«يعزرونى» أى هى على، وفى نسخة:«فى الدين» أى يؤدبوننى ويعلموننى الصلاة، إذ من معان التعزير التوقيف على أحكام الدين، وسماها دينا؛ لأنها أصله وعماده وكان إذ ذاك أميرا لهم بالبصرة شكوه إلى عمر وقالوا: إنه لا يحسن الصلاة. (إذن): أى إن كنت ممن يحتاج لتأديبهم وتعليمهم. وفى الحديث بيان ما كان عليه أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم من ضيق العيش المستلزم غالبا لضيق عيشه صلى الله عليه وسلم كما مر.

358 -

(شويسا): بمعجمة أوله ومهملة آخره. (الرقاد): بضم فقاف مخففة.

(فأقبلوا): من الإقبال أى: توجهوا. (بالمربد): بكسر فسكون ففتح من أحبس الإبل،

358 - إسناده صحيح لغيره: أبو نعامة: وثقه أحمد، إلا أنه اختلط قبل موته، وكذا وثقه النسائى، ويحيى بن معين، وقال الحافظ: صدوق اختلط قبل موته. [تهذيب الكمال (22/ 181)]. رواه ابن ماجه فى الزهد (4156)، وأحمد فى مسنده (4/ 174)، (5/ 61)، كلاهما من طريق أبى نعامة قال: سمعت خالد بن عمير به فذكره تاما ومختصرا. وقال أحمد عقب هذا الحديث: ما حدث بهذا الحديث غير وكيع. أى أنه حديث غريب. ورواه مسلم فى الزهد (2967)، والإمام أحمد فى المسند (5/ 61)، كلاهما من طريق حميد بن هلال عن خالد بن عمير به فذكره نحوه. قلت: فقد تابع حميد بن هلال أبا نعامة عند مسلم وأحمد، وحميد بن هلال: ثقة.

(1)

رواه البخارى فى الرقاق (6453)، ومسلم فى الزهد (2966)، والترمذى فى الزهد (2365، 2366)، والدارمى فى الجهاد (2/ 208).

ص: 552

بالمربد وجدوا هذا المكان، فقالوا: ما هذه؟ هذه البصرة. فساروا حتّى إذا بلغوا حيال الجسر الصغير. فقالوا: ههنا أمرتم، فنزلوا فذكروا الحديث بطوله.

قال: فقال عتبة بن غزوان: لقد رأيتنى وإنّى لسابع سبعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لنا طعام إلا ورق الشّجر حتّى تقرّحت أشداقنا. فالتقطت بردة فقسمتها بينى وبين سعد بن أبى وقّاص، فما منّا من أولئك السّبعة أحد إلا وهو أمير مصر منّ الأمصار، وستجربون الأمراء بعدنا».

ــ

وبه سمى مربد البصرة، وفى القاموس أصله الحبس من ربده حبسه، وهو الموضع الذى تحبس فيه الإبل أو يجمع فيه الرطب حتى يجف. (الكذان): بالمعجمة حجارة رخوة بيض كأنها مدر ونونه أصليه أو زائدة. (فقالوا): أى قال بعضهم لبعض. (ما هذه): أى ما اسم هذه الأرض. (هذه البصرة): أى قالوا كما فى نسخة، والبصرة: لغة الحجارة الرخوة (حيال) بمهملة فتحتية أى: مقابل (أمرتم) أى: بالمقام فيه حفظا له عن عد وتحرك لأخذه. (فذكروا): فيه إطلاق الجمع على ما فوق الواحد، وهما خالد وشويس وفى نسخة:«فذكروا» : أى محمد بن بشار. (بطوله): لم يذكره لأنه لا غرض لمد إلا الكلام فى عيشه ما يدل على ضيق عيش رسول الله صلى الله عليه وسلم المناسب للباب. (رأيتنى):

بصرته. (لسابع سبعة): أى واحد من سبعة جعل نفسه سابعا لأنه يتبع الستة لكن تعينه قوله لأنى بينى وبين سبعة أنه ثامن، ويؤيده مذهب ابن عباس أن يوم عاشوراء هو تاسع الشهر كما تقتضيه اللغة، فقياسه أن الناس تسمى سابع سبعة، لكن قوله «أولئك السبعة» يدل للأول، وأن المراد بقوله بينا وسبعة أى: وبقية سبعة. (تقرحت): أى طلع فيها قروح. (حتى صارت كأشداق الإبل): كما فى رواية القصة السابقة له. (فالتقطت بردة): أى عثرت عليها من غير قصد وطلب، وهى شملة مخططة، وقيل: كساء أسود مربع. (وبين سبعة): فيه دليل لضيق عيشهم وعيشه صلى الله عليه وسلم كما مر. (الأمراء بعدى):

إخبار بأن من بعدهم من الأمراء ليسوا مثلهم فى العدل والديانة والإعراض عن الدنيا، وكان الأمر كذلك، وأشار للفرق بأنهم رأوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان سببا لرياضتهم وتقللهم من الدنيا، فمضوا على ذلك بعده وغيرهم من بعدهم ليسوا كذلك، فلا يكونون إلا على قضية طباعهم المجبولة على الأخلاق القبيحة، وأبدى بعضهم هنا ما لا ينفع فاحذره.

ص: 553

359 -

حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن، حدثنا روح بن أسلم-أبو حاتم البصرى-حدثنا حماد بن سلمة، حدثنا ثابت، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

«لقد أخفت فى الله وما يخاف أحد، ولقد أوذيت فى الله وما يؤذى أحد، ولقد أتت علىّ ثلاثون من بين يوم وليلة ما لى ولبلال طعام يأكله ذو كبد، إلا شىء يواريه إبط بلال» .

360 -

حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن، أنبأنا عفان بن مسلم حدثنا أبان بن يزيد العطار، حدثنا قتادة، عن أنس بن مالك:

«أنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم لم يجتمع عنده غداء ولا عشاء من خبز ولحم إلا على ضفف» .

قال عبد الله: قال بعضهم: «هو كثرة الأيدى» .

ــ

359 -

(أخفت): ماض مجهول من أخاف بمعنى خوف أى: كنت وحيدا إذ ذاك.

(من بين ليلة ويوم): تأكيد للشمول أى: متواليات لا ينقص منها شىء. (ذو كبد): أى من حيوان وآدمى. (إلا شىء): قليل، ومن أجل قلته جدا. (كان يواريه إبط بلال رضى الله عنه)، قال المصنف: وهذا لما كان خرج صلى الله عليه وسلم من مكة هاربا.

360 -

(غداء): بالمد والفتح ما يؤكل أول النهار وسمى السحور غداء لأنه بمنزلة

359 - إسناده صحيح لغيره: روح بن أسلم: ضعيف. انظر: تهذيب الكمال (9/ 233). رواه الترمذى فى صفة القيامة والرقائق (2472)، بسنده ومتنه سواء قلت: وقد تابعه وكيع بن الجراح عند الإمام أحمد فى مسنده (3/ 120)، وابن ماجه فى المقدمة (151)، وأبو يعلى فى مسنده (3423)، وابن أبى شيبة فى مصنفه (11/ 464)، (14/ 300)، جميعهم من طريق وكيع عن حماد به فذكره نحوه.

360 -

إسناده صحيح: رواه أحمد فى مسنده (3/ 270)، وابن حبان فى صحيحه (6359)، كلاهما من طريق عفان به فذكره. ورواه ابن سعد فى الطبقات (1/ 404)، من طريق أبان به فذكره، ورواه أبو الشيخ فى أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم (ص 300)، من طريق سعيد عن قتادة به فذكره، وأورده الهيثمى فى مجمع الزوائد (5/ 20)، وعزاه لأحمد وأبى يعلى وقال: رجالهما رجال الصحيح.

ص: 554

361 -

حدثنا عبد بن حميد، حدثنا محمد بن إسماعيل بن أبى فديك، حدثنا ابن أبى ذئب، عن مسلم بن جندب، عن نوفل بن إياس الهذلى، قال:

«كان عبد الرحمن بن عوف لنا جليسا، وكان نعم الجليس، وإنه انقلب بنا ذات يوم، حتّى إذا دخلنا بيته، ودخل فاغتسل، ثمّ خرج، وأتينا بصحفة فيها خبز ولحم، فلما وضعت، بكى عبد الرّحمن. فقلت له: يا أبا محمد، ما يبكيك؟ فقال هلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يشبع هو وأهل بيته من خبز الشّعير، فلا أرانا أخّرنا لما هو خير لنا» .

ــ

غداء الفطر. (ولا عشاء): بالمد والفتح أيضا ما يؤكل عند العشاء. (هو كثرة الأيدى) مر الكلام عليه فى باب العيش السابق.

361 -

(بنا): هى بالتعدية. (حتى): ابتدائية والجملة بعدها بدل على أن الانقلاب معه صار سببا لمشاهدة هذه الأمور. (بصحفة): إناء كالقصعة كما مر. (هلك): فيه جواز استعمال هذا اللفظ فى الأنبياء، وقد استعمله فيهم النبى صلى الله عليه وسلم فى غير حديث.

(ولم يشبع): أى دائما وفى بيته أو يومين متواليين كما فى حديث عائشة فلا يشكل بما مر قريبا فى قصة أبى الهيثم وكان يذكر ذلك لأن ما فى الصحفة كان مشبعا له ولمن معه. (فلما أرانا) إلخ: أى لم يوسع علينا، ويضيق عليه صلى الله عليه وسلم لأن ذلك. (خير لنا من حاله): كلا بل أكمل الأحوال هو حاله صلى الله عليه وسلم، وما كان عليه من ضيق العيش إلى أن توفاه الله، وأما ما صرنا إليه من السعة فهو ما تخشى عاقبته، ومن ثم كان عمر وغيره، يخافون أن من هو كذلك ربما عجلت له طيباته فى الحياة الدنيا.

361 - إسناده ضعيف: أخرجه: أبو نعيم فى الحلية (1/ 99،100) من طريق ابن أبى فديك به فذكره، وذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (10/ 312) مختصرا وعزاه للبزار وقال: إسناده حسن. قلت: فيه نوفل بن إياس: قال الحافظ: قال أبو جعفر الطبرى فى تهذيب الآثار: ونوفل هذا غير معروف فى نقلة العلم والآثار، وقال الحافظ أيضا: مقبول. انظر: التهذيب (10/ 491).

ص: 555