المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌17 - باب: ما جاء فى عمامة رسول الله صلى الله عليه وسلم - أشرف الوسائل إلى فهم الشمائل

[ابن حجر الهيتمي]

فهرس الكتاب

- ‌تصدير

- ‌مقدمة التحقيق

- ‌وقد اعتمدت فى شرح الكتاب على النسخ الآتية:

- ‌1 - النسخة الأصل:

- ‌2 - النسخة الثانية:

- ‌3 - النسخة الثالثة:

- ‌منهج التحقيق

- ‌ترجمة المصنف

- ‌ اسمه ونسبه:

- ‌ مولده:

- ‌ نشأته العلمية ورحلاته:

- ‌ مشايخه

- ‌ تلامذته:

- ‌ مؤلفاته:

- ‌فالمطبوع منها حسب علمنا الكتب التالية:

- ‌أما المخطوطات:

- ‌ عقيدته:

- ‌ مكانته العلمية وثناء العلماء عليه:

- ‌ وفاته:

- ‌ترجمة موجزة لمصنف الشمائل

- ‌ جواهر الدّرر في مناقب ابن حجر

- ‌تنبيهبيان المقصود بالرموز الواردة بالشرح

- ‌1 - باب: ما جاء فى خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌2 - باب: ما جاء فى خاتم النبوة

- ‌3 - باب: ما جاء فى شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌4 - باب: ما جاء فى ترجّل رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌5 - باب: ما جاء فى شيب رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌6 - باب: ما جاء فى خضاب رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌7 - باب: ما جاء فى كحل رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌8 - باب: ما جاء فى لباس رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌9 - باب: ما جاء فى عيش رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌10 - باب: ما جاء فى خف رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌11 - باب: ما جاء فى نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌12 - باب: ما جاء فى ذكر خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌13 - باب: ما جاء فى تختم رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌14 - باب: ما جاء فى صفة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌15 - باب: ما جاء فى صفة درع رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌16 - باب: ما جاء فى صفة مغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌17 - باب: ما جاء فى عمامة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌18 - باب: ما جاء فى صفة إزار رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌19 - باب: ما جاء فى مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌20 - باب: ما جاء فى تقنع رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌21 - باب: ما جاء فى جلسته صلى الله عليه وسلم

- ‌22 - باب: ما جاء فى تكأة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌23 - باب: ما جاء فى اتكاء رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌24 - باب: ما جاء فى أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌25 - باب: ما جاء فى صفة خبز رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌26 - باب: ما جاء فى إدام رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌27 - باب: ما جاء فى صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الطعام

- ‌28 - باب: ما جاء فى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الطعام، وبعد الفراغ منه

- ‌29 - باب: ما جاء فى قدح رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌30 - باب: ما جاء فى صفة فاكهة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌31 - باب: ما جاء فى صفة شراب رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌32 - باب: ما جاء فى شرب رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌33 - باب: ما جاء فى تعطر رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌34 - باب: كيف كان كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌35 - باب: ما جاء فى ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌36 - باب: ما جاء فى صفة مزاح رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌37 - باب: ما جاء فى صفة كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم «فى الشعر»

- ‌38 - باب: ما جاء فى كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم «فى السّمر»

- ‌39 - باب: ما جاء فى صفة نوم رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌40 - باب: ما جاء فى عبادة النبى صلى الله عليه وسلم

- ‌41 - باب: صلاة الضحى

- ‌42 - باب: صلاة التطوع فى البيت

- ‌43 - باب: ما جاء فى صوم رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌44 - باب: ما جاء فى قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌45 - باب: ما جاء فى بكاء رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌46 - باب: ما جاء فى فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌47 - باب: ما جاء فى تواضع رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌48 - باب: ما جاء فى خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌49 - باب: ما جاء فى حياء رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌50 - باب: ما جاء فى حجامة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌51 - باب: ما جاء فى أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌52 - باب: ما جاء فى عيش رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌53 - باب: ما جاء فى سن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌54 - باب: ما جاء فى وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌55 - باب: ما جاء فى ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌56 - باب: ما جاء فى رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم

الفصل: ‌17 - باب: ما جاء فى عمامة رسول الله صلى الله عليه وسلم

‌17 - باب: ما جاء فى عمامة رسول الله صلى الله عليه وسلم

109 -

حدثنا محمد بن بشار، وعبد الرحمن بن مهدى، عن حماد بن سلمة.

(ح) وحدثنا محمود بن غيلان، حدثنا وكيع، عن حماد بن سلمة، عن أبى الزبير، عن جابر:

«دخل النّبىّ صلى الله عليه وسلم مكّة يوم الفتح وعليه عمامة سوداء» .

ــ

(باب ما جاء فى عمامته)

109 -

(عمامة) بالكسر قال فى القاموس: وهى المغفر والرمضة، وما يكن على الرأس انتهى، وعليه فقد يستشكل ذكر المؤلف لها بعد ذكر المغفر المقتضى أنه ليس من أفرادها، وجوابه: أنه من باب ذكر الأعم بعد الأخص وبهذا يتبين ما قيل، لقد أحسن المؤلف فى باب جمع العمامة مع باب المغفر، لأنه كجمع المفسر مع المفسر، لأن الحديث الأول من الباب بين أن مغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم مع العمامة انتهى، وأنت من وراء التأمل تقضى بركاكة هذا التقرير، لأنه ليس هذا مفسر ولا مفسّر وإنما الذى هنا أعم وأخص، كما تقرر، وكون المغفر مع العمامة، لا يؤيد ذلك التفسير الذى زعم بوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم. اعلم أنه صلى الله عليه وسلم كان له عمامة تسمى السحاب، فكان يلبس تحتها القلانس جمع قلنسوة، وهى غشاء مبطن يستر به الرأس قاله الفراء، وقال غيره: هى التى تسميها العامة: الشاشية، وروى الطبرانى وأبو الشيخ، والبيهقى فى الشعب من حديث ابن عمر قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس قلنسوة بيضاء مضربة، وقلنسوة ذات أذان يلبسها

109 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى اللباس (1735)، بسنده ومتنه سواء، ورواه مسلم فى الحج (1358)، وأبو داود فى اللباس (4076)، والنسائى فى المناسك (5/ 201)، وكذا فى الزينة (8/ 211)، وفى الكبرى (3852،9756،9757)، ورواه ابن ماجه فى الجهاد (2822)، وفى اللباس (3585)، والدارمى فى المناسك (2/ 74)، والإمام أحمد فى مسنده (3/ 363،387)، وأبو بكر بن أبى شيبة فى المصنف (8/ 237)، والبيهقى فى الدلائل (5/ 67)، وأبو الشيخ فى «أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم» (ص 122)، وأبو نعيم الأصبهانى فى المسند المستخرج على مسلم (3159)، جميعهم من طريق حماد بن سلمة به فذكره.

ص: 169

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فى السفر، وربما وضعها بين يديه إذا خلى» (1)، وإسناده ضعيف، ولأبى داود والمصنف «فرق ما بيننا وبين المشركين العمائم على القلانس» (2) قال المصنف: غريب وليس إسناده بالقائم (سوداء) قيل: لم يكن سوادها أصليا، بل لحكايتها ما تحتها من المغفر وهو أسود وهذا كلف لا دليل عليه ولا معنى يعضده بل ما فى مسلم:«رأيت النبى صلى الله عليه وسلم على المنبر، وعليه عمامة سوداء قد أرخى طرفيها بين كتفيه، وهو يخطب فى مكة على منبر أعلى باب الكعبة» (3)، ومن ثمة أخذ بعضهم من ذلك أن الأفضل الخطبة على باب الكعبة، وفيه نظر ليس هذا محل بسطه وبما ذكرته من خبر مسلم يندفع قول بعضهم فى الخبر الآتى الذى أطلق فيه:«أنه رآه، وعليه عمامة سوداء» هذا خاص بفتح مكة وروى ابن أبى شيبة: «أنه دخل مكة يوم الفتح، وعليه شقة سوداء، وأن عمامته كانت سوداء» (4)، وابن سعد:«إذا رايته سوداء تسمى العقاب» . وقد لبس السواد جماعة:

كعلى يوم قتل عثمان رضى الله عنه وغيره، وكان الحسن يخطب بثياب سود وعمامة سوداء، وابن الزبير كان يخطب بعمة (5) سوداء، ومعاوية، فإنه لبس عمامة سوداء وجبة سوداء وعصابة سوداء، وأنس، وعبد الله بن جبير، وعمار رضى الله عنهم كان يخطب كل جمعة بالكوفة، وهو أميرها، وعليه عمامة سوداء، وابن المسيب كان يلبسها فى العيدين، وابن عباس كان يعتم بها، وورد بسند واه. «هبط علىّ جبريل، وعليه قبالا سود، وعمامة سوداء، فقلت: «ما هذه الصورة التى لم أرك هبطت علىّ بها قط؟» (6)

(1) ذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (5/ 121)، وقال: رواه الطبرانى وفيه عبد الله بن خراش وثقه ابن حبان وقال: ربما أخطأ، والهندى فى كنز العمال (18284)، وعزاه للطبرانى فى الكبير عن ابن عمر (18285)، وعزاه لابن عساكر عن عائشة (7/ 121)، وابن حجر فى المطالب العالية (2197)، (2/ 272).

(2)

رواه أبو داود فى اللباس (4078)، والترمذى (1784)، والبخارى فى التاريخ (1/ 82)، والطبرانى فى الكبير (5/ 68)، والحاكم فى المستدرك (3/ 452).

(3)

رواه مسلم فى الحج (1359)، ونقص منه بقية الحديث، وأبو داود فى اللباس (4077)، والترمذى فى اللباس (1736)، والنسائى فى الزينة (8/ 211)، وابن ماجه فى الإقامة (1104)، ونقص منه بقية الحديث وفى الجهاد (2821)، وفى اللباس (3587).

(4)

تقدم روايته فى الذى سبقه.

(5)

فى (ش): [بعمامة].

(6)

رواه البغدادى فى تاريخ بغداد (10/ 27)، وابن الجوزى فى الموضوعات (2/ 33).

ص: 170

110 -

حدثنا ابن أبى عمر، حدثنا سفيان، عن مساور الوراق، عن جعفر بن عمرو بن حريث، عن أبيه، قال:

«رأيت على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم عمامة سوداء» .

111 -

حدثنا محمود بن غيلان، ويوسف بن عيسى، قالا: حدثنا وكيع، عن مساور الوراق، عن جعفر بن عمرو بن حريث، عن أبيه:

«أنّ النّبىّ صلى الله عليه وسلم خطب النّاس وعليه عمامة سوداء» .

ــ

فقال: صورة الملوك من ولد العباس عمك، قلت:«وهم على حق؟» قال: جبريل نعم، فقال النبى صلى الله عليه وسلم:«اللهم اغفر للعباس وولده، حيث كانوا، أو أين كانوا» (1) قال جبريل: ليأتين على أمتك زمان يعز الله الإسلام بهذا السواد فقلت: «رياستهم ممن؟» قال: من ولد العباس، قلت:«ومن أتباعهم؟» قال: من أهل خراسان، قلت:«وأى شىء يملكون؟» قال: الأخضر والأصفر، والمدر والحجر، والسرير والمنبر والدنيا إلى المحشر، والملك إلى المنشر، والخلفاء العباسيون باقون على لبس السواد، وكثير من الخطباء على المنبر، معتمدهم ما مر من دخوله مكة بعمامة سوداء أرخى طرفيها بين كتفيه وخطب بها، فتفاءل الخطباء بذلك، لأنه نصر وعز، وسأل الرشيد الأوزاعى عنه، فأجابه: بأنه يكره لأنه لا يخلى فيه عروس، ولا يلبى فيه محرم، ولا يكفن فيه ميت، وفى شرح الزيلعى من الحنفية: يسن لبسه لحديث فيه.

110 - صحيح: رواه ابن ماجه فى الجهاد (2821)، وفى اللباس (3587)، من طريق سفيان به فذكره، وسيأتى فى الذى بعده.

111 -

إسناده صحيح: رواه مسلم فى الحج (1359)، وأبو داود (4077)، والنسائى فى الزينة (8/ 211)، وفى الكبرى (9759)، وابن ماجه فى الإمامة (1104)، وفى اللباس (3584)، وأحمد فى المسند (4/ 307)، وأبو الشيخ فى «أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم» (ص 122)، وأبو نعيم فى المسند على مسلم (1360)، جميعهم من طريق مساور به فذكره بنحوه.

(1)

رواه الترمذى (3762)، وذكره الهندى فى كنز العمال (33443)، وعزاه للترمذى وقال: حسن غريب وللعباس وابنه.

ص: 171

112 -

حدثنا هارون بن إسحاق الهمدانى، حدثنا يحيى بن محمد المدنى، عن عبد العزيز بن محمد، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، قال:

«كان النّبىّ صلى الله عليه وسلم إذا اعتمّ سدل عمامته بين كتفيه» .

قال نافع: وكان ابن عمر يفعل ذلك.

قال عبيد الله: ورأيت القاسم بن محمد وسالما يفعلان ذلك.

ــ

112 -

(المدينى) نسبة إلى مدينة السلام على الأصح. (سدل عمامته) أى: أرخى طرفها (1)، وفى رواية عند أبى محمد بن حبان عن ابن عمر أيضا أنه قيل: له كيف كان يعتم رسول الله فقال: «يدير كور العمامة على رأسه، ويغرزها من ورائه، ويرخى لها ذؤابة بين كتفيه» رواه مسلم (2)، وروى ابن أبى شيبة عن على «أنه صلى الله عليه وسلم عمه بعمامة وسدل طرفها على منكبه» ، وأبو داود:«أنه عمّ ابن عوف وسدلها بين يديه ومن خلفه» (3) ولا تنافى، لأن السدل يحصل بكل، لكن الأفضل أن يكون بين الكتفين، لأنه صح من فعله بنفسه، ويحتمل أن السدل من وراء وأمام إنما يسنّ لمن أراد إرخاء طرفيها، وأما من اقتصر على طرف، فالأفضل له بين الكتفين، ثم المنكب، قال بعضهم فى رواية مسلم:«أنه صلى الله عليه وسلم دخل مكة بعمامة سوداء» (4) من غير ذكر سدل فيها، وهو يدل على أنه لم يكن يسدل دائما، قال ابن القيم عن شيخه ابن تيمية: أنه ذكر شيئا بديعا، وهو أنه صلى الله عليه وسلم لما رأى ربّه واضعا يده بين كتفيه أكرم ذلك الموضع بالعذبة، قال العراقى: لم نجد لذلك أصلا، أقول: فى هذا من قبيح رأيهما وضلالهما، إذ هو مبنى

112 - إسناده ضعيف: فيه يحيى بن محمد المدنى؛ قال فيه الحافظ: صدوق يخطئ (التقريب 7338). ورواه الترمذى فى «اللباس» (1736) بسنده ومتنه سواء، ورواه أبو الشيخ فى «أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم» (ص 123)، وابن حبان فى «صحيحه» (6397)، والبغوى فى «شرح السنة» (3109) من طريق المصنف به فذكره.

(1)

ذكره الصالحى فى سبل الهدى والرشاد (7/ 429)، وعزاه للخطابى، وابن عساكر عن ابن عباس رضى الله عنهما.

(2)

رواه مسلم (1358).

(3)

رواه أبو داود (4079) من حديث عبد الرحمن بن عوف. وقال الصالحى (7/ 439): وورد من عدة طرق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عمم عبد الرحمن بن عوف أرسل العذبة من خلفه.

(4)

رواه مسلم (1358).

ص: 172

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

على ما ذهبا إليه، وأطالا فى الاستدلال له، والحطّ على أهل السنة فى نفيهم له، وهو إثبات الجهة والجسمية له، تعالى عما يقول الظالمون، والجاحدون علوا كبيرا، ولهما فى هذا المقام من القبائح، وسوء الاعتقاد، ما تصم عنه الآذان، فيقضى عليه بالزور، والكذب، والضلال، والبهتان قبحهما الله، وقبح من قال بقولهما، والإمام أحمد وأجلاء مذهبه مبرءون عن هذه الوصمة القبيحة، كيف وهو كفر (1) عند كثيرين. قال

(1) قلت: ما ذكره العلامة المحقق الإمام الحافظ الأصولى الفقيه النحوى، صاحب الذهن الوقاد والقلم السيّال، والتآليف الكثيرة الماتعة، شمس الدين ابن قيم الجوزية فى كتابه البديع الممتاز «زاد المعاد» (1/ 136) عن شيخه الإمام العالم العلامة الهمام شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية قدس الله روحه تلك الحكاية البديعة ما هى إلا حديث رواه الترمذى فى جامعه الصحيح (3231)، والإمام أحمد فى مسنده (1/ 368)، كلاهما من حديث عبد الله بن عباس رضى الله عنهما، وقال أبو عيسى: حسن صحيح، وكذلك رواه أحمد فى المسند (5/ 443)، من حديث معاذ بن جبل، ورواه الدارمى والبغوى من حديث عبد الرحمن بن عائش، وهو حديث المنام الطويل المشهور، وقد شرحه الحافظ ابن رجب الحنبلى فى جزء سماه «اختيار الأولى فى شرح حديث اختصام الملأ الأعلى» ، والحديث صححه الإمام البخارى لما سأله عنه الترمذى.

أولا: فيما يتعلق بالعمامة: وقال الإمام النووى فى شرح المهذب: يجوز لبس العمامة بإرسال طرفها، وبغير إرساله، ولا كراهة فى واحد منهما، وذكر معناه فى الروضة باختصار. وقال: ولم يصح فى النهى عن ترك الإرسال شىء، وذكر أنه صح فى الإرخاء حديث عمرو ابن حريث. . «المتقدم» ، وقال شيخ الإسلام ابن أبى شريف فى كتابه «صوبة الغمامة، فى إرسال طرف العمامة: إسبال طرف العمامة مستحب مرجح فعله على تركه، كما يؤخذ من الأحاديث السابقة، خلافا لما أوهمه كلام النووى رحمه الله تعالى من إباحته بمعنى استواء الطرفين. قلت: ثم ردّ ابن شريف على كلام النووى المتقدم بقوله: «ولم أر من تعقبه» ويمكن أن يقال قد أمر النبى صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن عوف بإرخاء طرف العمامة، وعلله صلى الله عليه وسلم لأنه أعرب وأحسن، فهو مستحب وأولى، وتركه خلاف الأولى والمستحب. والظاهر أن الإمام النووى أراد بالمكروه ما ورد فيه نهى مقصود وليس الترك مكروها بهذا المعنى، ولا يمتنع كون الإرسال أولى أو مستحبا، وأما إن أراد بالمكروه ما يتناول خلاف الأولى، كما هو اصطلاح متقدمى الأصوليين، فلا نسلم كون الترك غير مكروه بهذا المعنى بل هو مكروه. بمعنى أنه خلاف الأولى كما بيناه. وقال الشيخ السيوطى فى فتاويه: من العلم أن العذبة سنة وتركها استنكافا عنها إثم أو غير =

ص: 173

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

عبد الحق الأشبيلى: وسنة العمامة بعد فعلها أن يرخى طرفها، ويتحنك به، فإن كانت بغير طرف، ولا تحنيك، كره عند العلماء، قيل: لمخالفته السنة، وقيل: لأنها كذلك.

= مستنكف فلا. وقال أبو عبد الله بن الحاج فى المدخل: والعجب من قول بعض المتأخرين: إن إرسال الذؤابة بين اليدين بدعة مع وجود هذه النصوص الصحيحة الصريحة من الأئمة المتقدمين عن السلف، فيكون هو قد أصاب السنة، وهم قد أخطأوها وابتدعوا. انظر فى ذلك سبل الهدى والرشاد (7/ 437،440).

ثانيا: وما يتعلق بالناحية العقدية عن شيخ الإسلام ابن تيمية: فى «العقل والنقل» (1/ 74): قد تبين أن قول نفى الصفات أو شيئا منها لأن إثباتها تجسيم، قول لا يمكن لأحد أن يستدل به، بل ولا يستدل أحد على تنزيه الربّ عن شىء من النقائص بأن ذلك يستلزم التجسيم، لأنه لا بد أن يتبين شيئا يلزمه فيما أثبته نظير ما ألزمه غيره فيما نفاه. ثم يقول شيخ الإسلام أيضا فى «مجموع فتاويه» (5/ 64،276،298،300)، وفى الحموية (458)، ومنهاج السنة (2/ 145،421،425)، والفرقان بين الحق والباطل (ص 126)، «ولا ريب أن الله موجود قائم بنفسه وترفع إليه الأيدى عند الدعاء كما فطر على ذلك جميع عباده ولا ريب أنه تجوز رؤيته فى الآخرة كما أخبر بذلك فى كتابه، فإذا سموا هذه المعانى تجسيما، فلا ينبغى أن نترك ما أخبر الله به عن نفسه فى كتابه، ونذهب إلى تأويلها لمجرد هذه التسميات الحادثة المبتدعة. قلت: إن مذهب شيخ الإسلام فى التجسيم أو الجهة بنى على المعنى الثابت فى الكتاب والسنة، حيث ما وصف الله به نفسه من غير تأويل ولا تعطيل فلا يجب أن تنفى هذه المعانى الثابتة لمجرد هذه التسميات المحدثة. وأقول: إن المتكلمين قد جمعوا فى منهجهم فى التنزيه بين التشبيه والتعطيل، فقد أوقعوا أنفسهم فى التشبيه أولا، حيث لم يفهموا من آيات الصفات إلا ما يليق بالمخلوق المحدث، وما منها صفة تليق بذاته المقدسة. ثم قاموا بالتعطيل ثانية حيث نفوا ما وصف الله به نفسه خشية الوقوع فى صفات المحدثين، وتأولوا آيات الصفات على مذهبهم فى النفى. ثم وقعوا بعد ذلك فيما فروا منه حيث وصفوه بالسلب والنفى، فشبهوه بالمعدومات التى لا وجود لها خارج الأذهان وظنوا أن ذلك أكمل وأبلغ فى التنزيه من وصفه بما وصف به نفسه. ولكنّ هذا دأب الأشاعرة الكلابية، الوقوع فيما وقعت فيه المعتزلة والجهمية، وهم بذلك قد ضلوا سواء السبيل سبيل السلف الصالحين، وما أحسن ما رد به العلامة شيخ الإسلام على المتكلمة أمثال ابن عقيل الحنبلى، وبعض الأشاعرة (الكلابية) فى كتابه المناظرة لأهل البدع [بتحقيقنا] ط قرطبة =

ص: 174

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

عمائم الشيطان، وقد كانت عبرته صلى الله عليه وسلم فى ملبسه، أتم وأنفع للبدن وأخف عليه، فإنه لم يكبر عمامته، إذ كبرها يعرض الرأس للآفات كما هو مشاهد، وخفتها لا يقى من

= ثالثا: الردّ عن شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية. أولا: ابن تيمية رحمه الله: لقد أخذ ابن حجر كثيرا فى كتبه وفتاويه على ابن تيمية كوصفه بصفات غير موجودة فيه، ورميه، والدعاء عليه، وتقبيحه كما فعل هنا، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ولكنّ هذا دأب العلماء المجتهدين، لا بد لهم من أقران يعادونهم لمجرد مخالفتهم فى رأى أو فكر أو مذهب، وهو أمر موجود فى كل زمان ومكان حتى فى زماننا هذا، من الفرقة، والتعصب الذى نتج عن أمرين: الظلم والجهل، عفانا الله منهما ومن كل ظالم جهول. وإن مكانة شيخ الإسلام بين أهل العلم لعالية رفيعة وسنذكر شيئا مما ذكره الشيخ ابن ناصر الدمشقى فى كتابه «الردّ الوافر على من زعم: بأن من سمّى ابن تيمية شيخ الإسلام كافر. حيث أورد أقوال أهل العلم العاملين الربانيين فى تزكيتهم الإمام الهمام ابن تيمية رحمه الله تعالى، (ص 302) [سؤال وجواب]: ورد من حلب الشهباء فى شيخ الإسلام تقى الدين أحمد ابن تيمية رضى الله عنه وهو: ما تقول السادة العلماء أئمة الدين، رضى الله عنهم أجمعين، فى شيخ الإسلام تقى الدين ابن تيمية رحمه الله تعالى، هل هو من أهل العلم والدين الذين يقتدى بهم أم لا؟ فإذا قلتم إنه من أهل العلم والدين، هل يجوز لمغرور يأخذ الأشياء تقليدا، أن يقدح فى علمه وديانته؟ وهل يحرم عليه الطعن فى مثل هذا الإمام من غير فهم لكلامه؟ وهل يثاب الإمام على زجر هذا المغرور أم لا؟ أفتونا مأجورين رضى الله عنكم أجمعين. فأجاب الشيخ الإمام العالم العلامة فريد العصر، ووحيد الدهر، مفتى المسلمين، مظهر آثار المرسلين، شيخ الدنيا والدين، شهاب الدين أحمد بن الأذرعى الشافعى، بحلب المحروسة رحمه الله تعالى، فقال بعد الحمد لله: الشيخ تقى الدين ابن تيمية رحمه الله تعالى. أجل أئمة الإسلام الأعلام، كان رحمه الله تعالى بحرا من البحور فى العلم، وجبلا شامخا لا يختلف فيه اثنان من أهل العصر. ومن قال خلاف ذلك فهو جاهل أو معاند مقلد لمثله. وإن خالف الناس فى مسائل فأمره إلى الله تعالى، والوقيعة فى أهل العلم ولا سيما أكابرهم من كبائر الذنوب. وقد روى الخطيب البغدادى رحمه الله تعالى فى كتابه «الجامع فى آداب الراوى والسامع» بإسناده عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال:«من آذى فقيها واحدا فقد آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد آذى الله تعالى» . وقد قال بعض العلماء الماضين: لحوم العلماء مسمومة. وعادة الله فى هتك أعراض منتقصيهم معلومة. ومن وقع فيهم بالثّلب. ابتلاه الله قبل موته بموت القلب؛ فَلْيَحْذَرِ اَلَّذِينَ يُخالِفُونَ =

ص: 175

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الحر والبرد، بل كان يجعلها وسطا بين ذلك، وظاهر كلام صاحب المدخل أنها نحو سبعة أذرع، وقد أطنب فيه، لندب التحنيك، قال: وهى وإن أبيحت، لا بد فيها من

= عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ. ويثاب ولى أمور المسلمين أيده الله تعالى. على زجر هذا المعتدى الظالم لنفسه ولغيره. وكأن المسكين المفتون لم يبلغه قول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تسبّوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا» وغير ذلك مما جاء من التحذير من الوقيعة فى أعراض آحاد الناس فكيف فى أكابر العلماء، وكأنه لم يبلغه قول بعضهم للربيع بن خثيم: ما نراك تصيب أحدا!! فقال: لست عن نفسى براض فأتفرغ من عيبها إلى عيب غيرها. وقال بعض الأئمة: لى فى عيوب نفسى شغل عن عيوب الناس. والله سبحانه وتعالى أعلم. ومن ذلك أيضا ما قرظ به الحافظ ابن حجر العسقلانى لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى. «صورة تقريظ أمير المؤمنين فى الحديث العلامة ابن حجر الشافعى» : الحمد لله، وسلام على عباده الذين اصطفى. وقفت على هذا التأليف النافع. والمجموع الذى هو للمقاصد التى جمع لأجلها جامع. فتحققت سعة اطلاع الإمام الذى صنفه. وتضلعه من العلوم النافعة بما عظمه بين العلماء وشرفه. وشهرة إمامة الشيخ تقى الدين أشهر من الشمس، وتلقيبه بشيخ الإسلام فى عصره باق إلى الآن على الألسنة الزكية ويستمر غدا كما كان بالأمس، ولا ينكر ذلك إلا من جهل مقداره، أو تجنب الإنصاف. فما أغلط من تعاطى ذلك وأكثر عثاره. فالله تعالى هو المسئول أن يقينا شرور أنفسنا وحصائد ألسنتنا بمنه وفضله. ولو لم يكن من الدليل على إمامة هذا الرجل إلا ما نبه عليه الحافظ الشهير علم الدين البرزالى فى تاريخه: أنه لم يوجد فى الإسلام من اجتمع فى جنازته لما مات ما اجتمع فى جنازة الشيخ تقى الدين. وأشار إلى أن جنازة الإمام أحمد كانت حافلة جدا شهدها مئات ألوف. ولكن لو كان بدمشق من الخلائق نظير من كان ببغداد أو أضعاف ذلك. لما تأخر أحد منهم عن شهود جنازته. وأيضا فجميع من كان ببغداد إلا الأقل كانوا يعتقدون إمامة الإمام أحمد. وكان أمير بغداد وخليفة الوقت إذ ذاك فى غاية المحبة له والتعظيم. بخلاف ابن تيمية فكان أمير البلد حين مات غائبا، وكان أكثر من بالبلد من الفقهاء، قد تعصبوا عليه حتى مات محبوسا بالقلعة. ومع هذا فلم يتخلف منهم عن حضور جنازته والترحم عليه والتأسف [عليه] إلا ثلاثة أنفس. تأخروا خشية على أنفسهم من العامة. ومع حضور هذا الجمع العظيم فلم يكن لذلك باعث إلا اعتقاد إمامته وبركته، لا يجمع سلطان ولا غيره، وقد صح عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال:«أنتم شهداء الله فى الأرض» . =

ص: 176

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

سنن كتناولها باليمين، والتسمية والذكر الوارد، وإن كانت جديدة وامتثال السنة فى فعل التعميم من فعل التحنيك، والعذبة، وتقصير العمامة-يعنى سبعة أذرع، أو نحوها-

= ولقد قام على الشيخ تقى الدين جماعة من العلماء مرارا بسبب أشياء أنكروها عليه من الأصول والفروع، وعقدت له بسبب ذلك عدة مجالس بالقاهرة وبدمشق، ولا يحفظ من أحد منهم أنه أفتى بزندقته ولا حكم بسفك دمه، مع شدة المتعصبين عليه حينئذ من أهل الدولة، حتى حبس بالقاهرة ثم بالإسكندرية، ومع ذلك فكلهم معترف بسعة علمه وكثرة ورعه وزهده، ووصفه بالسخاء والشجاعة، وغير ذلك من قيامه فى نصر الإسلام والدعاء إلى الله تعالى فى السر والعلانية. فكيف لا ينكر على من أطلق: أنه كافر؟ بل من أطلق على من سماه شيخ الإسلام: الكفر. وليس فى تسميته بذلك ما يقتضى ذلك فإنه شيخ فى الإسلام بلا ريب. والمسائل التى أنكرت عليه ما كان يقولها بالتشهى، ولا يصر على القول بها بعد قيام الدليل عليه عنادا، وهذه تصانيفه طافحة بالرد على من يقول بالتجسيم والتبرى منه، ومع ذلك فهو بشر يخطئ ويصيب، فالذى أصاب فيه هو الأكثر يستفاد منه ويترحم عليه بسببه، والذى أخطأ فيه لا يقلد فيه بل هو معذور. لأن أئمة عصره شهدوا له بأن أدوات الاجتهاد اجتمعت فيه حتى كان أشد المتعصبين عليه، والقائمين فى إيصال الشر إليه، وهو الشيخ كمال الدين الزملكانى شهد له بذلك، وكذلك الشيخ صدر الدين ابن الوكيل الذى لم يثبت لمناظرته غيره. ومن أعجب العجب، أن هذا الرجل كان أعظم الناس قياما على أهل البدع من الروافض، والحلولية، والاتحادية، وتصانيفه فى ذلك كثيرة شهيرة، وفتاويه فيهم لا تدخل تحت الحصر، فيا قرة أعينهم إذا سمعوا بكفره، ويا سرورهم إذا رأوا من يكفر من لا يكفره!! فالواجب على من تلبّس بالعلم، وكان له عقل أن يتأمل كلام الرجل من تصانيفه المشتهرة. أو من ألسنة من يوثق به من أهل النقل، فيفرد من ذلك ما ينكر، فيحذّر منه على قصد النصح، ويثنى عليه بفضائله فيما أصاب من ذلك، كدأب غيره من العلماء. ولو لم يكن للشيخ تقى الدين من المناقب إلا تلميذه الشهير الشيخ شمس الدين ابن قيم الجوزية، صاحب التصانيف النافعة السائرة، التى انتفع بها الموافق والمخالف، لكان غاية فى الدلالة على عظم منزلته فكيف وقد شهد له بالتقدم فى العلوم، والتمييز فى المنطوق والمفهوم، أئمة عصره من الشافعية وغيرهم! فضلا عن الحنابلة. فالذى يطلق عليه مع هذه الأشياء: الكفر، أو على من سماه شيخ الإسلام، لا يلتفت إليه، ولا يعول فى هذا المقام عليه، بل يجب ردعه عن ذلك، إلى أن يراجع الحق، ويذعن للصواب. =

ص: 177

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يخرجون منها التحنيك، وتسامح فى زيادة يسيرة لحر أو برد، ثم قال: فعليك أن تتسرول قاعدا وتعتم قائما.

= والله يقول الحق وهو يهدى السبيل. وحسبنا الله ونعم الوكيل. [صفة خطه أدام الله بقاءه]. قاله وكتبه أحمد بن على بن محمد بن حجر الشافعى، عفا الله عنه، وذلك فى يوم الجمعة التاسع من شهر ربيع الأول عام خمسة وثلاثين وثمانمائة حامدا لله، ومصليا على رسوله محمد وآله ومسلما. قلت: فإن شيخ الإسلام ابن تيمية، قد تتلمذ على يديه فطاحل العلماء الأقطاب النبهاء أمثال الحافظ ابن كثير، وابن رجب، والسراج البلقينى، وابن سيد الناس، وابن المحب السعدى، والعلائى، والجزرى، والحافظ العراقى، وغيرهم كثير، وانظر: الرد الوافر لابن ناصر. وما أحلى ما نظمه سراج الدين أبى حفص عمر بن موسى الحمصى القاهرى: الحمد لله، رفع إلىّ بدمشق حين نزلت اليونسية متوجها إلى طرابلس هذا السؤال المنظوم:

ما قول أهل علوم الشرع والحسب

فيمن يكفر شيخ العلم والأدب

تقى دين إله العرش شهرته

بابن تيمية حرانى النسب

مع علمه ما حوى من حفظ

سنتنا وذبّ عنها أهيل الزيغ والريب

وزهده وتصانيف محررة

وذو الكرامات والهمات والقرب

وهل يكفر من أفتى بردته

ويستتاب؟ وماذا قيل فى الكتب؟

وهل يباح مقال فى تنقصه

مقلد الغير فى رد المعتصب؟

وقال من قال عنه من أئمتنا

بشيخ الإسلام كفره بلا ريب؟

فأفت يا عالما فى ذا المصاب بما

علمت وابسط بنظم واضح أجب

قال: فكتبت بعض الجواب. وعاجلنى السفر. فأهملت ذلك إلى أن ورد علىّ بطرابلس الواقعة، واستفتاء علماء مصر، فوقفت على بعضها، فأحببت أن أجعل لى معهم قدما، وإن كنت أقلهم علما وقلما، فقلت:

الحمد لله هادينا بلا نصب

إلى الصواب بخير العجم والعرب

عليه صلى مع التسليم خالقنا

ناهيك عن شرف فى أعظم الكتب

خذ الجواب مع الإيجاز منتظما

كالدر من بحرك الوافى لذى طلب

كبث جواهر من والى أئمتنا

ونوره يخمد الأعداء بالرهب

دليله قول خير الخلق شافعنا

ثم القياس وإجماع من الصحب

يضوع مسك ثناه من تكرره

للسمع كالطيب فى نثر من الكتب =

ص: 178

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= له الضياء ووقع فى القلوب له

شأن من الله فى فتح عن الحجب

وسره جاء مثل السيف منتصلا

كم مارد قد رمى للسمع بالشهب

يسلمن لمقالى كل ذى عمل

فى العلم والدين والإنصاف والقرب

وينصرن لحزب الله ثم لمن

قد أيد الدين بالتقوى مع الطلب

نعم نكفر من أفتى بردته

بغير تأويل إذ يفضى إلى العطب

وصح من سنة المختار سيدنا

معنى حديث البخارى ثم ذى الكتب

لا يرمين رجل منكم لصاحبه

بالكفر يكفر إن لم ردة تجب

وفى القرآن دليل لا تكفر من

على الذنوب سوى شرك، وسبّ نبى

وأجمعوا بجواز فى شهادة من

يكون ذا بدعة لا محلل الكذب

ثم القياس جلى أن يكفر من

أخرج من ديننا شخصا بلا سبب

لمثل هذا الذى يضرب به مثل

وطار شهرته فى الأفق كالسحب

وشيخ الإسلام قد سماه أعلمنا

فى عصره وتلا جمع من العقب

والزملكانى وصدر الدين قد برزا

وخاطبا ناظرا للشيخ بالأدب

ويشهدان له بالحفظ فى سنن

ولم يكن كافرا يوما من الحقب

وكان فى عصره بالشام يومئذ

سبعون مجتهدا من كل منتخب

لم يروا أن الذى ردوا عليه لهم

قول بتفكيره أو نسبة الكذب

بل عاذر باطلاع فى مدارجه

وقائل لعثار كالجواد ربى

من نحن للخوض فى عرض لأعلمنا

وما لنا من زقاق ضيق الجنب

وإن يقل حجتى إنكار منكره

فقل له سابق فى قول ذى النجب

وإن تكن زلة أو غلطة وقعت

مع اجتهاد فعفو الله منسحب

حاشاه سبحانه من أن يعذب من

حامى عن الدين فى رد على الصلب

دين النصارى ودين لليهود وما

قد اطردوه من التثليث باسم أب

وأهل الحلول والأهواء ثم متحد

والرافضى وللتجسيم ذو كلب

وانظر عقيدته وافهم عبارته

فى كتبه فتجده غاية العجب

فى كل فن يد طولى وسيرته

فى الزهد مثل النواوى كامل الرتب

له الردود على الأهوا وذى بدع

فى كتبه العاليات القدر والخطب

من قال عنه بتجسيم بمعتقد

فكاذب باء فى نار بمنقلب

بل اعتقادى فيه أنه رجل

كالأولياء ومن عاداه فى حرب

إن لم يك العلماء أهل الولاية من

يكن وليا سوى بالوهب والجذب؟

علم بلا عمل يهوى بصاحبه

إلى جهنم مع حمالة الحطب

كم عالم زل بالأقدام فى رجل

يخوض فى عرضه بالذم والكذب =

ص: 179

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= ويمدحن لمذموم ببدعته

مع ذم شيخ علوم الشرع والأدب

ما كلمة قالها إلا اقشعر لها جلد

وذاب لها قلب لمنتحب

نبكى على زمن صرنا لرؤية من

يفتى بكفر وهو فى الجهل منحجب

يجازف القول فى أهل العلوم وهم

سم لحومهم قد جربوا فتب

من أجمعوا أنه البحر الإمام لنا

مجدد الدين فى عصر لمضطرب

وأنه حافظ الإسلام عالمه

سارت فتاواه فى الآفاق والشعب

له الكرامات كالأعلام شائعة

تروى وتقرى وتنتحى لمنتحب

له التصانيف دلت فى تفرده

بالحفظ والفهم والإتقان والكتب

له المحافل والسلطان يسمعه

وقطع خصم بأعلا قطع منتصب

وكم رأوه يصلى الفجر فى الأموى

مع سجنه وكذا فى الأطهر النجب

وإن أردت دليل الحس فهو إذن

موجود يشهد مثل الشمس لم تغب

مؤلفات عظام ثم شهرته

وجعله مثل الباهى بذى نسب

جنازة شهدت ما مثلها شهدوا

بعد القرون التى بالخير فى القرب

وابن القيم تلميذ ورفقته

وصحبه كلهم فاقوا على الصحب

فمثل هذا يكن بالكفر متصفا

بقول من يدعى علما ولم يجب

أما لنا غيرة فى الحق تأخذنا

بقصم من يجترى بالفجر والثلب

ويا شماتة أعداء به سمعوا

رفعا وبشراهم فى خفض منتصب

يا ضحك إبليس منا إذ نكفره

من غير ما ردّة كلا ولا ريب

منى العدا كفر من أطفا أدلتهم

بنوره ودوام اللهو واللعب

فلا جزى الله خيرا من يعينهم

بالقول والكتب فى حلم وفى غضب

ما حققوا العلم ما شموا روائحه

إذ كفروا عالم الإسلام بالغضب

تعصبوا بمقال فى تنقبهم

ولثموا إثمه فى الرأس للذنب

قد زانه لهم شيطان أنفسهم

محسنا وانثنى من بعد ما غلب

فقال: إنى برىء قولا بردته

بل كنت فى ذمه معكم كمعتصب

فيا أئمة دين الله هل أحد

يرضيه قول بكفر العالم الدرب؟

تحتم الفحص والدعوى على رجل

أفتى بكفر بأن يلجئ إلى السبب

فإن أقام دليلا قاطعا عجبا

فذاك أو ذا احتمال فيه فاستتب

أو لم فكفره وأحكم إذ تنقصه

تعزيره بسياط أو بذى الأدب

وإن تحقق سجن قاصر فله

طويل وقت إلى شعبان أو رجب

وردع أمثاله والمقدمين على

مقالة تبعا تقليد مصطحب

فما يضرّ بنا غير التساهل فى

أمر لهذا وقول العادل الندب =

ص: 180

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= إن تنصروا الله ينصركم ويخذلهم

وإن عفوتم فلا لوم لمعتقب

ما يسلم الشرف الأعلى لملتنا

حتى يراق دم أو ضرب مرتكب

وامنع شهادته أيضا روايته

فإن مضى عامه فى الخير فانتهب

وإن يصمم على تكفيره ويقل

بكفر من قال شيخ الدين فاطلب

بمجلس حفل وأفسد لصورته

فكرر الضرب بالتكرار أو تعب

ما خاب نقل لنجل العبد فى وبل

أصاب فى القول كالإبريز بالذهب

ونجل ناصر دين الله حافظه

أجاد فى جمع من سماه فى الكتب

بشيخ الإسلام فانظر فى مؤلفه

صدقا وعدلا فما ينكره غير غبى

أو حاسد عميت عنه بصيرته

فخاض فى هوة تفضى إلى العطب

الله أكبر، هل تنكر فضائل من

سارت فضائله كالشمس لم تغب؟

يا ليتنى كنت فى يوم ألازمه

حتى يرى الحق حقا بعض ما يجب

وقد كفاه لهم أعلام شرعتنا

فى مصر إذ شاهدوا التصنيف باللقب

فصالح الوقت نجل البحر أعلمنا

ورفقة بقضاء الحق لم يتب

وذا جواب عبيد قاصر عمر ال

حمصى انتمى لبنى مخزوم بالنسب

هو نقطة من بحار القوم خادمهم

أحب نظما له فى سلك ذى نسب

فالمرء مع من أحب الله يجمعهم

يوم المعاد وناج يشفعن كنبى

ويرحم الله مشغولا بعورته

وعيب نفس عن الإسلام والكتب

وما لنا ولمن قد مات من قدم

وتم دين بدون النقص والعتب

وما لنا وأصول الدين قد كملت

وفى الفروع كفايات لذى أرب

بشهرة وافتخار أو مناظرة

أو قصد نفع ولا تكفير خير أب

وإن تجد خللا فيما أجبت به

أصلحه واستر عثارى سترة الهرب

من عاب عيب ومن خطاه أخطأ من

مقالة بجزاف لم يقع بغبى

من أين يعلم كفرا فى الكمون لمن

يأتى بمستقبل من قال ذاك صبى

وإن يكن عنده حرف بحجته

من قال كل أما يدرى ليجتنب

والحق ما قلت من ضرب وتوبته

إن لم وإلا فهو فى مشركى العرب

وإن تكن هذه الدنيا قد انصرمت

وهذه مبدأ الآيات والنّوب

وإنها فتن من بعدها فتن

والجهل فى صعد والعلم فى صبب

فباطن الأرض خير من ظواهرها

وما لذى أرب فى العيش من أرب

وحسبنا الله والغفران يجمعنا

فاسمع تسامح وصابر ثم فاحتسب

تمت بحمد الله تعالى فى أوائل جمادى الأولى سنة ثمانمائة وخمس وثلاثين، ونظمت فى ليلة ونصف يوم، والحمد لله. =

ص: 181

113 -

حدثنا يوسف بن عيسى، حدثنا وكيع، حدثنا أبو سليمان-وهو عبد الرحمن بن حنظلة الغسيل-عن عكرمة، عن ابن عباس:

«أنّ النّبىّ صلى الله عليه وسلم خطب النّاس وعليه عمامة دسماء» .

ــ

113 -

(ابن حنظلة) الأنصارى الغسيل، استشهد يوم أحد جنبا فإنه لما سمع النفير، لم يصبر للغسل، فلما قتل رأى النبى صلى الله عليه وسلم الملائكة تغسله، فلذا قيل له: الغسيل، أى الذى غسلته الملائكة وهو عبد الرحمن المذكور، ثم لقب به أيضا سليمان بن عبد الله بن حنظلة والد عبد الرحمن (خطب الناس) أى فى مرض موته كما مرّ (دسماء)(1) أى ملطخة بدسومة شعره، إذا كان يكثر دهنه، كما مر والدسمة غبرة إلى سواد، وفى نسخة:«عمامة» بدل عصابة، فدسماء فيها كما ذكر، أى: بمعنى سوداء، على أن العصابة تأتى بمعنى العمامة، كما فى القاموس وغيره (2).

= عدة من ترجم الشيخ تقى الدين بشيخ الإسلام من الأعيان خمس وثمانون رجلا. وعدة أبيات القصيدة سبعة وتسعون بيتا. الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى. ثانيا: أما تقبيح المصنف وأخذه على الشيخ الإمام العلامة شمس الدين منارة المحققين، نابغة العلماء الربانيين، علم المصنفين، نادرة المفسرين، أبو عبد الله محمد بن قيم الجوزية الدمشقى، صاحب التصانيف الأنيقة، والتآليف التى فى علوم الشريعة والحقيقة. كان ذا فنون من العلوم وخاصة التفسير والأصول من المنطوق والمفهوم، ومنها «زاد المعاد فى هدى خير العباد صلى الله عليه وسلم» ، و «سفر الهجرتين وباب السعادتين» ، و «الداء والدواء» ، و «الفوائد» ، و «بدائع الفوائد» ، و «جلاء الأفهام» ، و «إعلام الموقعين» ، وغيرها كثير. قال فيه الشيخ الحافظ المزى: ابن القيم فى درجة ابن خزيمة؟ فقال أبو بكر محمد بن المحب: هو فى هذا الزمان كابن خزيمة فى زمانه. انظر: الرد الوافر لابن ناصر (ص 124،125)، وآخرا: أذكر قولا لشيخ الإسلام ابن تيمية: العارف يسير إلى الله عز وجل بين مشاهدة المنة، ومطالعة عيب النفس. وكان يكثر أن يقول:

أنا المكدى وابن المكدى

وهكذا كان أبى وجدى

قلت: ولو كتب فى مناقب شيخ الإسلام وترجمته، وما ذكر فيه من محاسن لفرغ المداد وكذلك أيضا شمس الدين ابن قيم الجوزية رحمهما الله رحمة واسعة، وقدس روحهما وسرهما. . آمين.

113 -

إسناده صحيح: رواه الإمام أحمد فى «المسند» (1/ 233)، حدثنا وكيع به فذكره.

(1)

انظر: ترتيب القاموس المحيط (2/ 80)، ولسان العرب (وسم).

(2)

انظر: ترتيب القاموس المحيط (3/ 315)، واللسان (عمم).

ص: 182