المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌54 - باب: ما جاء فى وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم - أشرف الوسائل إلى فهم الشمائل

[ابن حجر الهيتمي]

فهرس الكتاب

- ‌تصدير

- ‌مقدمة التحقيق

- ‌وقد اعتمدت فى شرح الكتاب على النسخ الآتية:

- ‌1 - النسخة الأصل:

- ‌2 - النسخة الثانية:

- ‌3 - النسخة الثالثة:

- ‌منهج التحقيق

- ‌ترجمة المصنف

- ‌ اسمه ونسبه:

- ‌ مولده:

- ‌ نشأته العلمية ورحلاته:

- ‌ مشايخه

- ‌ تلامذته:

- ‌ مؤلفاته:

- ‌فالمطبوع منها حسب علمنا الكتب التالية:

- ‌أما المخطوطات:

- ‌ عقيدته:

- ‌ مكانته العلمية وثناء العلماء عليه:

- ‌ وفاته:

- ‌ترجمة موجزة لمصنف الشمائل

- ‌ جواهر الدّرر في مناقب ابن حجر

- ‌تنبيهبيان المقصود بالرموز الواردة بالشرح

- ‌1 - باب: ما جاء فى خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌2 - باب: ما جاء فى خاتم النبوة

- ‌3 - باب: ما جاء فى شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌4 - باب: ما جاء فى ترجّل رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌5 - باب: ما جاء فى شيب رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌6 - باب: ما جاء فى خضاب رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌7 - باب: ما جاء فى كحل رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌8 - باب: ما جاء فى لباس رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌9 - باب: ما جاء فى عيش رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌10 - باب: ما جاء فى خف رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌11 - باب: ما جاء فى نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌12 - باب: ما جاء فى ذكر خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌13 - باب: ما جاء فى تختم رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌14 - باب: ما جاء فى صفة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌15 - باب: ما جاء فى صفة درع رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌16 - باب: ما جاء فى صفة مغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌17 - باب: ما جاء فى عمامة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌18 - باب: ما جاء فى صفة إزار رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌19 - باب: ما جاء فى مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌20 - باب: ما جاء فى تقنع رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌21 - باب: ما جاء فى جلسته صلى الله عليه وسلم

- ‌22 - باب: ما جاء فى تكأة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌23 - باب: ما جاء فى اتكاء رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌24 - باب: ما جاء فى أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌25 - باب: ما جاء فى صفة خبز رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌26 - باب: ما جاء فى إدام رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌27 - باب: ما جاء فى صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الطعام

- ‌28 - باب: ما جاء فى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الطعام، وبعد الفراغ منه

- ‌29 - باب: ما جاء فى قدح رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌30 - باب: ما جاء فى صفة فاكهة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌31 - باب: ما جاء فى صفة شراب رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌32 - باب: ما جاء فى شرب رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌33 - باب: ما جاء فى تعطر رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌34 - باب: كيف كان كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌35 - باب: ما جاء فى ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌36 - باب: ما جاء فى صفة مزاح رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌37 - باب: ما جاء فى صفة كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم «فى الشعر»

- ‌38 - باب: ما جاء فى كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم «فى السّمر»

- ‌39 - باب: ما جاء فى صفة نوم رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌40 - باب: ما جاء فى عبادة النبى صلى الله عليه وسلم

- ‌41 - باب: صلاة الضحى

- ‌42 - باب: صلاة التطوع فى البيت

- ‌43 - باب: ما جاء فى صوم رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌44 - باب: ما جاء فى قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌45 - باب: ما جاء فى بكاء رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌46 - باب: ما جاء فى فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌47 - باب: ما جاء فى تواضع رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌48 - باب: ما جاء فى خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌49 - باب: ما جاء فى حياء رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌50 - باب: ما جاء فى حجامة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌51 - باب: ما جاء فى أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌52 - باب: ما جاء فى عيش رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌53 - باب: ما جاء فى سن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌54 - باب: ما جاء فى وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌55 - باب: ما جاء فى ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌56 - باب: ما جاء فى رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم

الفصل: ‌54 - باب: ما جاء فى وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم

‌54 - باب: ما جاء فى وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم

ــ

(باب ما جاء فى وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم

أى: موته من وفى بالتخفيف بمعنى: تم، أى: تم أجله، اعلم أن الموت لما كان مكروها بالطبع، لم يمت نبى حتى خير لما فى البخارى عن عائشة:«كان صلى الله عليه وسلم وهو صحيح يقول: إنه لم يقبض نبى قط حتى يرى مقعده من الجنة ثم يحيى ويخير» (1) وفى رواية لأحمد «ما من نبى يقبض إلا رأى الثواب ثم يخير» (2)، وله أيضا:«أوتيت مفاتيح خزائن الأرض والخلد ثم الجنة، فخيرت بين ذلك وبين لقاء ربى والجنة، فاخترت لقاء ربى والجنة» (3)، ولعبد الرزاق:«خيرت بين أن أبقى حتى أرى ما يفتح على أمتى وبين التعجيل فاخترت التعجيل» (4). وروى: «ما يدل على أنه صلى الله عليه وسلم قبض ثم رأى مقعده فى الجنة ثم ردت إليه نفسه ثم خير» . ففى المسند عن عائشة: «كان صلى الله عليه وسلم يقول: ما نبى إلا تقبض نفسه ثم يرى الثواب ثم يرد إليه، فيخير بين أن يرد إليه إلى أن يلحق، فكنت قد حفظت ذلك، وإنى لمسندته إلى صدرى فنظرت إليه حين مالت عنقه فقلت قبض (5)، قالت: فعرفت الذى قال، فنظرت إليه حين ارتفع ونظر، فقلت: إذا والله لا يختارنا فقال: مع الرفيق الأعلى فى الجنة، مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا» (6). وأول ما أعلم الله النبى صلى الله عليه وسلم باقتراب أجله بنزول.

إِذاجاءَ نَصْرُ اَللهِ (7) فإن المراد: إذا فتح الله عليك البلاد ودخل الناس فى دين الله

(1) رواه البخارى فى المغازى (4463)، ورواه فى الرقاق (6509)، وأحمد فى مسنده (6/ 89).

(2)

ذكره الحافظ ابن حجر فى فتح البارى (7/ 743).

(3)

رواه البخارى فى الجنائز (1344)، وفى الجهاد (2977)، وفى المغازى (4085)، (4375)، وفى الرقاق (6426)، (6590)، وفى التعبير (6998)، (7013)، (7037)، وفى الاعتصام (7273)، بألفاظ مختلفة ومسلم فى المساجد (523)، وفى الفضائل (2296)، والنسائى (6/ 3)، والإمام أحمد فى مسنده (2/ 264،268،319،455،502)(4/ 149،153).

(4)

فى (ش): [قضى].

(5)

ذكره الحافظ ابن حجر فى فتح البارى (7/ 744)، وذكره الزبيدى (10/ 287)، وقال: ورواه ابن السنى فى عمل يوم وليلة من حديث أبى المعلى بلفظ: «إن عبدا خيره الله بين أن يعيش فى الدنيا ما شاء أن يعيش. . .» رواه بنحوه.

(6)

ذكره الزبيدى فى إتحاف السادة المتقين (10/ 288)، وعزاه لأحمد فى مسنده (6/ 274).

(7)

سورة النصر: آية رقم (1).

ص: 559

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أفواجا، فقد اقترب أجلك فتهيأ للقاء بالتحميد والاستغفار لحصول ما أمرت به من أداء الرسالة والتبليغ، ومن ثم قيل: إنها آخر سورة نزلت لأنها يوم النحر بمنى من حجة الوداع. وقيل: عاش بعدها أحد وثمانين يوما وعند ابن أبى حاتم: تسع ليال، وقيل:

سبعا، وقيل: ثلاثا. ولأبى يعلى أنها نزلت وسط أيام التشريق فعرف النبى صلى الله عليه وسلم أنه الوداع. وللدارمى عن ابن عباس: «لما نزلت طه دعى فاطمة قال: نعيت إلى نفسى فبكت، قال: لا تبكى، فإنك أول أهل بيتى لحوقا بى فضكحت. . .» (1) الحديث.

وللطبرانى عنه: «لما نزلت طه نعت إليه نفسه فأخذ بأشد ما كان قط اجتهادا فى أمر الآخرة» (2) وفى هذه السنة عرض القرآن على جبريل مرتين واعتكف عشرين يوما، وكان قبل يعرضه مرة ويعتكف العشر الأخير فقط. وروى الشيخان:«أنه صلى الله عليه وسلم صلى على قتلى أحد بعد ثمان سنين كالمودع للأحياء والأموات ثم طلع المنبر فقال: «إنى بين أيديكم فرط وأنا عليكم شهيدا، وإن موعدكم الحوض، وإنى لأنظر إليه وأنا فى مقامى هذا، وإنى قد أعطيت مفاتيح خزائن الأرض، وإنى لست أخشى عليكم أن تشركوا بعدى، ولكنى أخشى عليكم الدنيا أن تتنافسوا فيها» (3) وما زال صلى الله عليه وسلم يعرّض باقتراب أجله فى آخر عمره، فإنه لما خطب فى حجة الوداع، قال للناس:«خذوا عنى مناسككم فلعلى لا ألقاكم بعد عامى هذا» (4) وطفق يودع الناس فقالوا: هذه حجة الوداع، وجمع الناس فى رجوعه إلى المدينة بماء يدعى جما بالجحفة فخطبهم فقال:«يا أيها الناس إنما أنا بشر مثلكم يوشك أن يأتينى رسول ربى فأجيب» ثم حض على التمسك بكتاب الله،

(1) رواه أحمد فى مسنده (1/ 217،449)، وعبد الرزاق فى مصنفه (20646)، وذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (5/ 185)، وقال: رواه الطبرانى وفيه مينا وهو كذاب وذكره أيضا (7/ 144)، وذكر الحديث وفى إسناده هلال بن خباب قال يحيى: ثقة مأمون لم يتغير، ووثقه ابن حبان وفيه ضعف، وبقية رجاله رجال الصحيح، وفى إسناده أحمد بن عطاء بن السائب وقد اختلط. وذكره أيضا (9/ 23)، وقال: رواه الطبرانى فى الكبير والأوسط ورجاله رجال الصحيح غير هلال بن خباب وهو ثقة وفيه ضعف. وذكره أبو نعيم فى تاريخ أصفهان (2/ 32).

(2)

تقدم تخريجه فى الذى قبله.

(3)

رواه البخارى فى المغازى (4042) ورواه البغوى فى شرح السنة (14/ 39)، ورواه البيهقى فى الكبرى (4/ 14).

(4)

رواه البيهقى فى السنن الكبرى (5/ 125).

ص: 560

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ووصى بأهل بيته، ولما وصل إلى المدينة مكث قليلا ثم مرض، وفى هذا المرض، خرج كما عند الدارمى وهو معصوب الرأس فصعد المنبر ثم قال كما رواه الشيخان «إن عبدا خيره الله بين أن يؤتيه زهرة الدنيا ما شاء، وبين ما عنده فاختار ما عنده، فبكى أبو بكر رضى الله عنه وقال: يا رسول الله فديناك بآبائنا وأمهاتنا قال أبو سعيد الخدرى فعجبنا، وقال الناس: انظروا إلى هذا الشيخ خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد خيره الله بين أن يؤتيه زهرة الدنيا ما شاء وبين ما عنده، وهو يقول: فديناك بآبائنا وأمهاتنا، قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخبر، وكان أبو بكر أعلمنا به، فقال صلى الله عليه وسلم: «إن أمنّ الناس علىّ فى صحبته وماله أبو بكر فلو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكن أخوة الإسلام لا يبقى فى المسجد خوخة إلا سدت إلا خوخة أبى بكر» (1) زاد مسلم: «أن ذلك كان قبل موته بخمس ليال» وأنه صريح فى أنه أعلم الأمة بمقاصده، لأنه المنفرد بفهم المقصود من هذه الإشارة، وحيث بكى وقال: بكى وقال: نفديك. .

إلخ، فسكّن صلى الله عليه وسلم جزعه وأثنى عليه على المنبر ليعلم الناس كلهم فضله، ولا يختلفون فى خلافته بقوله:«إن أمنّ الناس. . . إلخ» ثم أشار إلى خلافته بقوله: «لا يبقى فى المسجد خوخة إلا سدت. . إلخ» فإن الإمام يحتاج إلى سكنى المسجد والاستطراق فيه بخلاف غيره، ثم أكد هذا المعنى بأمره صريحا أن يصلى بالناس خرج، وهو يقول:

«مروه فليصلّ» فولاه إمامة الصلاة ولذا قالت الصحابة عند بيعته رضيه صلى الله عليه وسلم لديننا أفلا نرضاه لدنيانا. وصح أن ابتداء مرضه فى بيت ميمونة، وقيل: زينب، وقيل: ريحانة.

وصح أيضا أن مدته عشرة أيام وقيل: ثلاثة عشر وعليه الأكثرون وقيل أربعة عشر وصدر به فى الروضة. وفى البخارى عن عائشة «لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم واشتد وجعه استأذن أزواجه أن يمرض فى بيتى فأذنّ له» (2). وفيه عنها أيضا قالت: وا رأساه، فقال صلى الله عليه وسلم:«ذلك لو كان وأنا حى فأستغفر لك وأدعو لك» (3) فقالت عائشة: وا ثكلياه والله

(1) رواه البخارى فى مناقب الأنصار (3904)، ومسلم فى فضائل الصحابة (2382)، والترمذى فى المناقب (3660)، والنسائى فى فضائل الصحابة (2).

(2)

رواه البخارى فى الوضوء (198)، وفى الأذان (665)، وفى الهبة (2588)، وفى فرض الخمس (3099)، وفى المغازى (4442)، وفى الطب (5714)، ورواه ابن ماجه فى الجنائز (1618)، بألفاظ مختلفة ورواه الإمام أحمد فى مسنده (6/ 124،256).

(3)

رواه البخارى فى المرضى (5666)، بلفظ: ذاك، وفى الأحكام (7217)، رواه البغوى فى =

ص: 561

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

إنى لأظنك تحب موتى فلو كان ذلك لظلت آخر يومك معرسا ببعض أزواجك، فقال صلى الله عليه وسلم:«بل أنا وا رأساه، لقد هممت أو أردت أن أرسل إلى أبى بكر وابنه فأعهد أن يقول القائلون أو يتمنى المتمنون، ثم قلت: يأبى الله ويدفع المؤمنون أو يدفع الله ويأبى المؤمنون» (1) وقوله: «بل أنا وا رأساه» إضراب أى: دعى ذكر ما تجدينه من وجع رأسك فاشتغلى بى، وفى قوله:«وا رأساه» : رد لقول جمع من أئمتنا يكره تأوه المريض، نعم: إن أرادوا خلاف الأولى اتجه لأنه يدل على ضعف اليقين، ويشعر بالتسخط، ويورث شماتة الأعداء، ولا بأس اتفاقا بإخبار طبيب أو صديق، إذ لا نظر لعمل اللسان بل لعمل القلب فكم من ساكت ساخط وشاك راض. وبهذا الحديث علم أن ابتداء مرضه كان صداع الرأس، وكان مع حمى، فقد صح أنه كان عليه قطيفة فكانت الحمى تصيب من وضع يده عليها من فوقها، فقيل له فى ذلك فقال:«إنا كذلك يشدد علينا البلاء ويضاعف لنا الأجر» (2). وفى البخارى «إنى أوعك كما يوعك رجلان منكم، قلت: ذلك أن لك أجرين، قال: أجل ذلك كذلك ما من مسلم يصيبه أذى شوكة فما فوقها إلا كفر الله سيئاته. كما تحت (3) الشجرة ورقها» (4) والوعك بفتح فسكون أو فتح الحمى، وقيل: أشدها وقيل: إرعادها. وصح أنه صلى الله عليه وسلم كان عليه سقاء يقطر من شدة الحمى فقال: «إن من أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم» (5).

= شرح السنة (1411)، والبيهقى فى السنن الكبرى (3/ 378)، وفى دلائل النبوة (7/ 168)، وفى حلية الأولياء لأبى نعيم الأصفهانى (2/ 185).

(1)

رواه البخارى فى المرضى (5666)، وفى الأحكام (7217)، وأحمد فى مسنده (6/ 228)، والبغوى فى شرح السنة (1411)، والبيهقى فى السنن الكبرى (3/ 378)، وأبو نعيم فى حلية الأولياء (2/ 185)، والدار قطنى فى سننه (2/ 74)، والألبانى فى الغليل (3/ 160)، وابن سعد فى الطبقات (2/ 11،24).

(2)

ذكره المنذرى فى الترغيب والترهيب (4/ 281)، وقال: رواه ابن ماجه، وابن أبى الدنيا فى كتاب المرض والكفارات، والحاكم واللفظ له وقال: صحيح على شرط مسلم وله شواهد كثيرة. ورواه ابن سعد فى الطبقات الكبرى (2/ 161).

(3)

فى (ش): (تحط).

(4)

رواه البخارى فى المرضى (5648)، (5660) ومسلم فى البر (2571)، والبغوى فى شرح السنة (1432)، وأحمد فى مسنده (1/ 441،445)، والدارمى فى الرقاق (2/ 316)، وأبو نعيم فى حلية الأولياء (4/ 128).

(5)

رواه الترمذى فى الزهد (2398)، وابن ماجه فى الفتن (4023،4024)، والدارمى فى الرقاق =

ص: 562

368 -

حدثنا أبو عمار: الحسين بن حريث، وقتيبة بن سعيد، وغير واحد، قالوا: حدثنا سفيان بن عيينة، عن الزهرى، عن أنس بن مالك، قال:

«آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، كشف السّتارة يوم الإثنين، فنظرت إلى وجهه كأنّه ورقة مصحف، والنّاس خلف أبى بكر، فأشار إلى النّاس أن اثبتوا، وأبو بكر يؤمّهم، وألقى السّجف، وتوفّى من آخر ذلك اليوم» .

ــ

وفى البخارى عن عائشة: «أنه لما اشتد وجعه قال أهريقوا علىّ من سبع قرب لم تحلل أوعيتهن لعلى أعهد إلى الناس، فأجلسناه فى مخضب لحفصة ثم طفقنا نصب عليه من تلك القرب، حتى طفق يشير إلينا بيده إن فعلتن. . .» (1) الحديث. قيل: ولهذا خاصية فى دفع السم والسحر. وفى البخارى: «ما زلت أجد ألم الطعام الذى أكلت بخيبر فهذا أوان انقطاع أبهرى من ذلك السم» (2). وفى رواية: «ما زالت أكلة خيبر تعاودنى» (3) وهى بالضم وأخطأ من فتح إذ لم يأكل إلا لقمة واحدة أى: أن سم تلك الشاة التى أهديت له ثم كان يثور عليه أحيانا، والأبهر عرق مستبطن بالصلب يتصل بالقلب إذا انقطع مات صاحبه، وقد كان ابن مسعود وغيره يروى «أنه صلى الله عليه وسلم مات شهيدا من السم» .

368 -

(عن أنس. . . إلخ): رواه أيضا عن البخارى بلفظ: «أن المسلمين بينما هم فى

= (2/ 320)، وكلهم راووه بألفاظ مختلفة، ورواه أحمد فى مسنده (1/ 172،174،180، 185)(6/ 369)، وذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (2/ 292)، وقال: رواه أحمد والطبرانى فى الكبير بنحوه وقال فيه: إنا معاشر الأنبياء يضاعف علينا البلاء، وإسناد أحمد: حسن.

368 -

إسناده صحيح: رواه مسلم فى الصلاة (419)، والنسائى فى الجنائز، وابن ماجه كذلك (1624)، وأحمد فى المسند (3/ 110)، وابن سعد فى الطبقات (2/ 216)، وأبو نعيم فى المستخرج على مسلم (936)، كلهم من طرق عن الزهرى به فذكره نحوه.

(1)

رواه البخارى فى الوضوء (198)، وفى المغازى (4442)، وفى الطب (5714)، ورواه البخارى فى التاريخ (1/ 408)، ورواه البيهقى فى السنن الكبرى (1/ 31)، ورواه ابن سعد فى الطبقات الكبرى (2/ 179).

(2)

رواه البخارى فى المغازى (4428)، ورواه أبو داود فى الديات (4512) بألفاظ مختلفة، ورواه البيهقى فى دلائل النبوة (4/ 264).

(3)

رواه البيهقى (10/ 11)، ورواه ابن عدى فى الكامل فى ضعفاء الرجال (3/ 403).

ص: 563

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

صلاة الفجر يوم الإثنين، وأبو بكر يصلى بهم لم يفجأهم إلا ورسول الله صلى الله عليه وسلم كشف ستر حجرة عائشة، فنظر إليهم، وهم فى صفوف الصلاة ثم تبسم يضحك، فنكص أبو بكر على عقبه ليصلى بالصف، وظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يخرج إلى الصلاة، قال أنس: وهم المسلمون أن يفتنوا فى صلاتهم وجىء برسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار إليهم بيده أن أتموا صلاتكم، ثم دخل الحجرة وأرخى الستر» (1). وفى رواية:«فتوفى عن يومه» :

وفى أخرى ولمسلم عن أنس أيضا: «لم يخرج إلينا ثلاثا، فذهب أبو بكر يتقدم، فرفع صلى الله عليه وسلم الحجاب، فلما وضح لنا وجهه ما نظرنا منظرا قط كان أعجب إلينا منه حين وضح لنا، فأومأ إلى أبى بكر أن يتقدم، وأرخى الحجاب. . .» (2) الحديث. ولفظ مسلم عنه:

«أن أبا بكر كان يصلى بهم حتى إذا كان يوم الإثنين، وهم صفوف فى الصلاة فكشف ستر الحجرة فنظرنا إليه، وهو قائم كأن وجهه ورقة مصحف، ثم تبسم ضاحكا. . .» (3) الحديث. (آخر نظرة): القياس نصب آخر بنظرتها ونظيره إِنّاكُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ (4) ويلزم من عود ضميرها إلى نظرة أنه مفعول مطلق لا مفعول به على التوسع

(1) رواه البخارى فى العمل فى الصلاة (1205)، وفى الأذان (680)، (754)، وفى المغازى (4448)، وفى الجنائز (1241،1242)، (4452،4453،4454)، وفى الأحكام (7219)، وفى الاعتصام (7269)، ورواه النسائى فى الجنائز (4/ 11)، وأحمد فى مسنده (3/ 163)، والبيهقى فى دلائل النبوة (70،215،216)، وابن سعد فى الطبقات (2/ 269، 271)، (2/ 265،266)، (2/ 268)، والبغدادى فى تاريخ بغداد (4/ 77)، ورواه ابن حبان فى صحيحه (6620)، وفى الثقات (8/ 11) والرازى فى الجرح والتعديل (2/ 44).

(2)

رواه البخارى فى الأذان (680،681،754)، وفى العمل فى الصلاة (1205)، وفى المغازى (4448)، ورواه مسلم فى الصلاة (100،419)، ومسلم والترمذى فى الشمائل (367)(419)، ورواه النسائى فى الجنائز (4/ 7)، وابن ماجه كذلك (1624)، والبغوى فى شرح السنة (3824)، وأحمد فى مسنده (3/ 110،163،196،197،202)، وابن حبان فى صحيحه (2065)، وابن خزيمة فى صحيحه (1488)، والبيهقى فى السنن الكبرى (3/ 75)، والحميدى فى مسنده (1188)، وأبو عوانة (2/ 118،119)، وابن سعد فى الطبقات (2/ 216).

(3)

رواه البخارى فى العمل فى الصلاة (1205)، ومسلم فى الصلاة (418،419)، والنسائى فى الإمامة (2/ 101)، وفى القضاه (8/ 243).

(4)

سورة القمر: آية رقم (49).

ص: 564

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والمبالغة، والذى فى الأصول المصححة بالرفع فهو مبتدأ، وخبره ما دل عليه قوله:

«كشف» أى آخر نظرى إلى وجهه حين كشف الستارة عن وجهه، أو آخر نظرى إلى وجهه هذا الذى أذكره، وهو «أنه كشف. . إلخ» فهو بيان أو آخر نظرى إلى وجهه فى مرضه حال كونه قد كشف إلى آخره. وأما زعم أن نظرتها خبر آخر فهو لا يصدر ممن له إلمام بشىء من النحو (كشف الستارة): وقع لفظا خبر عن آخر من غير رابطة بينهما، فوجب تأويله بما يصححه كأن يقال: أريد بكشفها زمن كشفها، وعجيب من قول بعضهم: أنه حال بتقدير قد، ولم يتعرض لما أشرت إليه من الإشكال، والخبر والمبتدأ أصلا (كأنه ورقة مصحف): بتثليث ميمه، والأشهر ضمها. قال النووى: وكسرها، وقال غيره: بل هو شاذ كالفتح أى: فى الجمال البارع، وحسن البشرة، وصفاء الوجه واستنارته. (يؤمهم): فى صلاة الصبح بأمره صلى الله عليه وسلم. (السجف): بفتح أوله وكسره أى الستر، وقيل: لا يسمى سجف إلا إن شق وسطه. (من آخر ذلك اليوم): الذى هو يوم الإثنين ثانى عشر ربيع الأول فى السنة الحادية عشرة من الهجرة لكن الصحيح بعد اتفاقهم، على أنه توفى حين اشتد الضحى، وحكى عليه الاتفاق أيضا، وجزم موسى ابن عقبة عن ابن شهاب أنه مات حين زاغت الشمس، وكذا لأبى الأسود عن عروة، وهنا إشكال، هو أنه أجمع المسلمون على أن وقوفه بعرفة فى حجة الوداع كان يوم الجمعة تاسع من الحجة، وهذا ينافى أنه يوم الإثنين المذكور ثانى عشر ربيع الأول، لأن الحجة والمحرم وصفر إن نقص أحدهم، لم يكن أن يكون الإثنين ثانى عشر ربيع الأول، وكذا إن لم ينقص واحد منهم، بل يكون ثانى عشر ربيع الآخر فلم يصح أن يكون ثانى عشر الإثنين على كل تقدير. وأجيب: بأن ذلك مبنى على اختلاف المطالع فى مكة والمدينة، بأن يكون أول الحجة بالمدينة الجمعة، وبمكة الخميس. واعترضه شارح فقال: هذا الجواب ليس بشىء لأنه ينبغى أن لا تساعده الشافعية، لعدم اختلاف المطالع عندهم، وينبغى أن تخالفهم أهل مكة فى كونه ثانى عشر، بل ينبغى أن يجعلوه ثالث عشر انتهى. وجرى فى هذا الجواب على عادته من الرد بما لا يصح تارة، ولا يفهم أخرى، وبيانه: قوله لعدم اختلاف المطالع عندهم، إن أراد به أن مكة والمدينة غير مختلفى المطالع عندهم فهو باطل، لأن العبرة فى ذلك بأهل علم الميقات، وهما مختلفا المطالع عندهم، وإن أراد أن الشافعية لا يقولون باختلاف المطالع فهو باطل أيضا، لأن

ص: 565

369 -

حدثنا حميد بن مسعدة البصرى، حدثنى سليم بن أخضر، عن ابن عوف، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة، قالت:

«كنت مسندة النّبىّ صلى الله عليه وسلم إلى صدرى-أو قالت: إلى حجرى-فدعا بطست ليبول فيه، ثمّ بال، فمات» .

370 -

حدثنا قتيبة، حدثنا الليث، عن ابن الهاد، عن موسى بن سرجس، عن

ــ

ذلك مذكور حتى فى مختصراتهم، غاية الأمر أن شيخى مذهبهم اختلفا فى الترجيح.

فالرّافعى: رجح مسافة القصر، والنووى: باختلاف المطالع، وهما موجودان هنا إذ بين مكة والمدينة مسافات قصر، وهما مختلفا المطالع. وقوله: ينبغى أن يخالفهم أهل مكة. . إلخ كلام لا محصل له، ثم قال: والأقرب ما قاله بعض العلماء أن المراد بقولهم لاثنى عشر خلت منه أى لا أنها كاملة، والدخول فى الثانية انتهى. وهذا فى غاية البعد، بل لا يصح فكيف يجعله الأقرب.

369 -

(كنت. . .) إلخ: فيه حل الاستناد للزوجة والبول فى الطست ولو مع الزوجة. (والحجر) بالفتح والكسر الحضن، هو ما دون الإبط إلى الكشح.

(والطست): أصله الطسس أبدلت أحد سينه تاء للخفة، فترد عند الجمع، والتصغير.

(ثم بال فمات): ظاهره أنه مات فى حجرها ويوافقه رواية البخارى عنها: «توفى فى بيتى وفى يومى وبين سحرى ونحرى» ، وفى رواية:«بين حاقنتى وذاقنتى» : أى كان رأسه صلى الله عليه وسلم بين حنكها وصدرها، ولا يعارضه ما للحاكم وابن سعد من طرق «بأن رأسه المكرم كان فى حجر على» لأن كل طريق منها لا يخلو عن شىء قاله الحافظ ابن حجر وبتقدير صحتها المراد أنه كان فى حجره قبيل الوفاة.

370 -

(بالموت): أى مشغول أو متلبس به وما بعدها أحوال متداخلة. (ثم يمسح

369 - إسناده صحيح: رواه البخارى فى الوصايا (2741)، وفى المغازى (4459)، ومسلم فى الوصية (1636)، وابن ماجه فى الجنائز (1626)، دون ذكر البول. وفيه زيادة، كلهم من طرق عن ابن عوف به فذكره.

370 -

إسناده ضعيف: فيه موسى بن سرجس: قال فيه الحافظ: مستور، التقريب (6964). =

ص: 566

القاسم بن محمد، عن عائشة، أنها قالت:

«رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالموت، وعنده قدح فيه ماء، وهو يدخل يده فى القدح، ثمّ يمسح وجهه بالماء، ثمّ يقول: اللهمّ أعنّى على منكرات الموت-أو قال: على سكرات الموت-» .

ــ

وجهه بالماء): لأنه كان يغمى عليه من شدة الوجع، ثم يفيق، ويؤخذ منه أنه ينبغى فعل ذلك لكل مريض، وإن لم يفعله فعل به غيره، لأن فيه نوع تخفيف للكرب كالتجريع بل يجب التجريع إن اشتدت حاجة المريض إليه، وأغمى عليه صلى الله عليه وسلم مرة، فظنوا أن به ذات الجنب فلدوه أى من اللدود، وهو ما يجعل فى جانب الفم من الدواء، وأما ما يصب فى الحلق فهو الوجور، فجعل يشير إليهم أن لا يلدوه، فقالوا: كراهة المريض للدواء، فلما أفاق قال:«ألم أنهكم أن تلدونى» فقالوا: كراهية المريض للدواء فقال:

«لا يبقى أحد فى البيت إلا لد وأنا انظر إلا العباس فإنه لم يشهدكم» رواه البخارى، «وكان بقسط مذاب فى زيت» رواه الطبرانى، وفعل بهم ذلك لتركهم امتثال نهيه تأديبا لا انتقاما خلافا لمن ظنه. وظاهر سياق الخبر كما قاله بعض المحققين أن سبب كراهته لذلك مع أنه كان يتداوى، عدم ملائمة ذلك لدائه، فإنهم ظنوه ذات الجنب، ولم تكن به، لخبر ابن سعد:«ما كان الله ليجعل لها-أى لذات الجنب-علىّ سلطانا» والخبر «بأنه مات منها» ضعيف على أنه جمع بأنها تطلق على ورم حار يعرض فى الغشاء المستبطن، وهو المنفى، وعليه تحمل رواية الحاكم:«ذات الجنب من الشيطان» وعلى ريح تحتقن بين الأضلاع، وهو المثبت. (سكرات الموت): أى شدائد الموت ومكروهاته، وما يحصل للعقل من التغطية المشابهة للسكر، وقد يحصل من الغضب والعشق نظير ذلك، فهو بمعنى منكرات الآتية، والشك إنما هو فى اللفظ ولشارح هنا ما لا ينبغى، وهو قوله: لعل المراد بها الأمور المخالفة للشرع حرمة أو كراهة الواقعة حال شدة الموت. انتهى. فقوله: المخالفة للشرع، ليس فى محله، لأنه صلى الله عليه وسلم لعصمته لا يخشى شيئا فى ذلك، فإن قلت: الشيطان تغلب عليه فى صلاته، قلت: تغلبه عليه فى حال

= ورواه الترمذى فى الجنائز (978) بسنده ومتنه سواء، ورواه ابن ماجه (1623)، وأحمد فى المسند (6/ 64،70،77،151)، وابن سعد فى الطبقات (2/ 198)، والخطيب البغدادى فى التاريخ (7/ 208)، كلهم من طرق عن موسى بن سرجس به فذكره نحوه. وقال المصنف: حسن غريب.

ص: 567

371 -

حدثنا الحسن بن صبّاح البزار، حدثنا مبشر بن إسماعيل عن عبد الرحمن ابن العلاء، عن أبيه، عن ابن عمر، عن عائشة، قالت:

ــ

صحته لا يقتضى تغلبه عليه فى هذا الحال، وبفرض وقوعه، هو آمن منه قطعا. فقوله:

حرمة أو كراهة غلط صريح وتجرء قبيح وفى تلك الشدائد زيادة ارتفاع لدرجاته العلية صلى الله عليه وسلم (أو منكرات الموت) هو ما جاء فى رواية أحمد من غير شك، وفى رواية:«جعل يقول: لا إله إلا الله إن للموت سكرات» فقيل: هى سكرات طرب لقاء ربه لأن بلالا إذا قال وهو فى السياق: وا طرباه غدا ألقى الأحبة محمدا وصحبه» فما بالك لربه، لكن يؤيد ما قررته أولا الخبر المرسل:«اللهم إنك تأخذ الروح من بين العصب والأنامل فأعنّى عليه وهوّنه علىّ» (1). وفى البخارى عن عائشة: «أن أخاها عبد الرحمن دخل عليها، وهى مسندة النبى صلى الله عليه وسلم صدرها، ومعه سواك رطب يستن به، فأتبعه صلى الله عليه وسلم بصره فأخذته وقصمته ورطبته بالماء، ثم دفعته إليه فاستن به، قالت: فما رأيته استن استنانا قط أحسن منه» (2). وفيه أيضا: «أن من نعم الله علىّ أن جمع بين ريقى وريقه عند موته» . وفى رواية: «أنه كان من جريد النخل» وللعقيلى: «آتينى بسواك رطب فامضغيه، ثم آتينى به أمضغه لكى يختلط ريقى بريقك، لكى يهون علىّ عند الموت» .

وفى المسند عنها: «إنه ليهون علىّ لأنى رأيت بياض كف (3) عائشة فى الجنة» .

371 -

(لا أغبط): من الغبطة، وهو اشتهاء أن يكون لك مثل من غبطته، ويدوم

371 - صحيح: رواه الترمذى فى الجنائز (979) بسنده ومتنه سواء، ورواه البخارى فى المغازى (4446)، وأحمد فى المسند (6/ 64،77)، كلاهما من طريق ابن الهاد، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه عن عائشة قالت:«مات النبى صلى الله عليه وسلم وإنه لبين حاقنتى وذاقنتى، فلا أكره شدة الموت لأحد أبدا بعد النبى صلى الله عليه وسلم» .

(1)

ذكره الهندى فى كنز العمال (2/ 204)، وعزاه لابن أبى الدنيا فى ذكر الموت عن طعمة بن غيلان الجعفى. وذكره الزبيدى فى إتحاف السادة المتقين (10/ 260) وقال العراقى رواه ابن أبى الدنيا فى كتاب الموت من حديث طعمة بن غيلان الجعفى وهو معضل سقط منه الصحابى والتابعى.

(2)

رواه البخارى فى الوصايا (2741)، بمعناه، ومسلم فى الوصية (1636)، بمعناه. وابن ماجه فى الجنائز (1626) بمعناه وأحمد فى مسنده (6/ 32،74،231).

(3)

فى (ش): (سن).

ص: 568

«لا أغبط أحدا بهون موت، بعد الذى رأيت من شدّة موت رسول الله صلى الله عليه وسلم» .

ــ

عليه حال. (بهون موت): أى أرفقه وأخفه، وهذا من إضافة الصفة للموصوف وأرادت أنها لما رأت شدة وفاته، علمت أنها ليست من العلامات الدالة على سوء، وضدها لا يدل على الكرامة، وإلا لكان أولى الناس به فلم يكره الشدة لأحد، ولم يغبط أحد يموت من غير شدة. وبهذا يندفع قول بعضهم: الأنسب أن تقول: أغبط كل من يموت بشدة وجه الاندفاع ما علمت أن الشدة لا تدل على خير والرفق لا يدل على سوء وبالعكس. وفى البخارى: «أنه صلى الله عليه وسلم لما حضره القبض، ورأسه على فخذ عائشة، غشى عليه، فلما أفاق، شخص بصره نحو سقف البيت، ثم قال: اللهم فى الرفيق الأعلى» (1)، وصح «أسأل الله الرفيق الأعلى، مع الأسعد جبريل وميكائيل وإسرافيل» (2). وظاهره أن الرفيق مكان يرافق فيه المذكورين، وفى النهاية: هو جماعة الأنبياء الذين يسكنون أعلى عليين. وقيل: هو الله لأنه رفيق بعباده، وقيل: حظيرة القدس، وختم كلامه بهذه الكلمة، لتضمنها التوحيد والذكر بالقلب، وإشارة إلى أن من منع لسانه مانع عن الذكر وقلبه مشغول به لم يضره ذلك، وأفرده لأن أهل الجنة يدخلونها على قلب واحد. وفى دلائل النبوة للبيهقى حديث طويل فيه أنه لما بقى من أجله صلى الله عليه وسلم ثلاث جاءه جبريل يعوده فقال: أجدنى مغموما أجدنى مكروبا ثم جاءه فى اليوم الثانى وفى الثالث، وهو يقول له ذلك، ثم أخبره أن ملك الموت يستأذن، وأنه لم يستأذن على آدمى قبله ولا بعده، فأذن له فوقف بين يديه، يخيره بين قبض روحه وتركه، فقال له جبريل: يا محمد إن الله قد اشتاق للقائك، فأذن له فى القبض فلما قبضه، وجاءت التعزية، سمعوا صوتا من ناحية البيت، السلام عليكم أهل البيت، وذكر تعزية طويلة» وأنكر النووى وجود هذه التعزية فى كتب الحديث، وقال الحافظ العراقى: لا تصح، وبين أن ما رواه ابن أبى الدنيا فى ذلك بطوله فيه انقطاع ومتكلم

(1) رواه البخارى فى المغازى (4463)، وفى الدعوات (6348)، ورواه مسلم فى فضائل الصحابة (2444)، وأحمد فى مسنده (6/ 89)، والبغوى فى شرح السنة (14/ 46)، رواه البيهقى فى دلائل النبوة (7/ 208)، وابن كثير فى البداية والنهاية (5/ 240)، وابن حبيب فى مسنده (2/ 26).

(2)

ذكره الزبيدى فى إتحاف السادة المتقين (9/ 210)، وقال العراقى: متفق عليه من حديث عائشة.

ص: 569

372 -

حدثنا أبو كريب: محمد بن العلاء، حدثنا أبو معاوية: محمد بن حازم، عن عبد الرحمن بن أبى بكر-هو ابن المليكى-عن ابن أبى مليكة، عن عائشة، قالت:

«لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفوا فى دفنه. فقال أبو بكر: سمعت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ما نسيته، قال: ما قبض الله نبيّا إلا فى الموضع الذى يحبّ أن يدفن فيه. ادفنوه فى موضع فراشه» .

ــ

فيه. وما رواه البيهقى فى دخول ملك الموت روى نحوه الطبرانى أيضا، ومعنى اشتياق الله للقائه، أراد لقاءه بأن يرده من دنياه إلى معاده، زيادة فى قربه وكرامته.

372 -

(ابن اللجاج): بجيمين. (فى دفنه)(1): أى فى المحل الذى يدفن فيه فقيل:

يدفن فى مسجده، وقيل: بالبقيع بين أصحابه، وقيل: ابنه إبراهيم، وقيل: بمكة «فقال مروا أبو بكر. .» (2) إلخ رواه عنه أيضا مالك فى الموطأ وابن ماجه أى «الذى يحب» الله

372 - إسناده ضعيف وهو صحيح موقوفا: فيه: عبد الرحمن بن أبى بكر المليكى: يضعف من قبل حفظه. رواه الترمذى فى الجنائز (1018)، بسنده ومتنه سواء، ورواه ابن ماجه فى الجنائز (1628)، وابن عدى فى الكامل (2/ 349)، من طريق الحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس، وهو ضعيف جدا، ورواه ابن سعد فى الطبقات (2/ 223) موقوفا على أبى بكر بسند صحيح. وذكره الحافظ فى الفتح فقال: وقد روى: أن الأنبياء يدفنون حيث يموتون. قلت-أى الحافظ-: هذا الحديث رواه ابن ماجه مع حديث ابن عباس عن أبى بكر مرفوعا. . . وفى إسناده حسين بن عبد الله الهاشمى وهو ضعيف، وله طريق أخرى مرسلة ذكرها البيهقى فى الدلائل، وروى الترمذى فى الشمائل والنسائى فى الكبرى من طريق سالم بن عبيد الله الأشجعى الصحابى، عن أبى بكر أنه قيل له:«فأين يدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: فى المكان الذى قبض الله فيه روحه، فإنه لم يقبض روحه إلا فى مكان طيب» إسناده صحيح لكنه موقوف. والذى قبله أصرح بالمقصود.

(1)

ما بين [] سقط من الأصل (أ)، وما أثبت من النسخة (ب)، وكذا هو فى (ش)، وبداية السقط من هنا.

(2)

رواه البخارى فى الأذان (713،682)، وفى المغازى (4445)، ومسلم فى الصلاة (418)، والترمذى فى الشمائل (378)، والنسائى فى الإمامة (2/ 99،100)، وابن ماجه (1232، 1234)، فى إقامة الصلاة، وابن حبان فى صحيحه (2118،2120،6601،6873، 6874)، والبيهقى فى السنن الكبرى (2/ 304)، (3/ 81).

ص: 570

373 -

حدثنا محمد بن بشار، وعياش العنبرى، وسوار بن عبد الله، وغير واحد، قالوا: أخبرنا يحيى بن سعيد، عن سفيان الثورى، عن موسى بن أبى عائشة، عن عبيد الله، عن ابن عباس وعائشة:

«أنّ أبا بكر قبّل النّبىّ صلى الله عليه وسلم بعدما مات» .

ــ

أو النبى «فى فراشه» : أى فى المحل الذى تحت فراشه الذى مات وهو عليه، ولا يشكل على هذا نقل موسى ليوسف صلى الله عليه وسلم من مصر إلى آبائه بفلسطين لأن يوسف هو قبر فى المحل الذى قبض فيه، وأما نقله منه بعد هذا الحديث لا يدل على امتناعه لا سيما وموسى إنما فعله بوحى كما هو الظاهر وأن محبة يوسف لدفنه بمصر كانت مغياة بفقد من ينقله إلى آبائه؟ وجاء أن عيسى صلى الله عليه وسلم يدفن بجنب نبينا صلى الله عليه وسلم، وأنه ترك له موضع، ثم يؤخذ منه بفرض صحته، أن عيسى صلى الله عليه وسلم يقبض فى الحجرة إلا أن يقال أنه يقبض فى الحجرة، ولا يخلو عن بعد، فهو اشتقاق مشتمل على إيهام تناقض وعدم تأمل لأن من سلّم به صحة ما ورد أنه يدفن فى الحجرة يلزمه أن يسلّم موته فيها، لما علمت أن لفظ الحديث:«ما قبض الله نبيا إلا فى الموضوع الذى يحب أن يدفن فيه» (1)، وهذا صريح فى التلازم الذى ذكرته بناء على صحه رواية دفنه ثم، ومبطل لذلك الاعتراض فتأمله، قيل: يؤخذ من الحديث أن عيسى يدفن بجنب نبينا صلى الله عليه وسلم فى حجرته، ولذا ترك له ثم موضع انتهى. وفى هذا الأخذ نظر ظاهر، ومن يستنبط من هذا الاستنباط حقيق بأن لا يرفع له راية.

373 -

(أن أبا بكر قبل النبى صلى الله عليه وسلم بعد ما مات): رواه البخارى وغيره أيضا ولأحمد أتاه قبل رأسه فحدر فاه فقبل جبهته ثم قال: وا نبياه، ثم رفع رأسه فحدر فاه وقبل جبهته ثم قال: وا صفياه ثم رفع رأسه وحدر فاه وقبل جبهته وقال: وا خليلاه (2)، ولابن

373 - إسناده صحيح: رواه البخارى فى المغازى (4456)، وفى الطب (5709)، وابن ماجه فى الجنائز (1457)، وأحمد فى المسند (6/ 55)، كلهم من طرق عن يحيى بن سعيد به فذكره.

(1)

رواه الترمذى فى الجنائز (1018).

(2)

رواه البخارى فى المغازى (4455،4456،4457)، وفى الطب (5709،5710،5711)، والنسائى فى الجنائز (4/ 11)، وابن ماجه فى الجنائز (1457)، وأحمد فى مسنده (6/ 55)، وابن حبان فى صحيحه (3029)، والبغوى (1471).

ص: 571

374 -

حدثنا نصر بن على الجهضمى، حدثنا مرحوم بن عبد العزيز العطار، عن أبى عمران الجونى، عن يزيد بن بابنوس، عن عائشة:

«أنّ أبا بكر دخل على النّبىّ صلى الله عليه وسلم بعد وفاته، فوضع فمه بين عينيه، ووضع يديه على ساعديه، وقال: وا نبيّاه، وا صفياه، وا خليلاه» .

375 -

حدثنا بشر بن هلال الصواف البصرى، حدثنا جعفر بن سليمان، عن

ــ

أبى شيبة فوضع فاه على جبينه فجعل يقبله ويبكى ويقول: بأبى أنت وأمى طبت حيا وميتا فعل ذلك اتباعا له صلى الله عليه وسلم، فى تقبيله لعثمان بن مظعون رضى الله عنه، وبه علم ندب تقبيل وجه الميت الصالح.

374 -

(الجونى): بفتح الجيم، والجون بطن من الأزد. (بابنوس): بموحدتين فألف بينهما ثم نون مضمومة وواو ساكنة، فمهملة، (ووضع يديه على ساعديه): فيه حل نحو ذلك بالميت. (وا نبياه. . .) إلخ، فيه حل نحو ذلك من غير نوح ولا ندب، وأصله، يا نبى الحق آخره ألفا للندب ليمتد بها الصوت وليتميز المندوب عن المنادى وهاؤه للسكت تزاد وقفا لأرادة ظهور الألف لخفائها. وتحذف وصلا، قال الطبرى ولا ينافى هذا ما يأتى من ثباته لاحتمال أنه قال من غير انزعاج ولا قلق بخفض صوته.

375 -

(لما كان اليوم. .) إلخ: رواه عنه أيضا الدارمى بلفظ: «ما رأيت يوما كان أقبح

374 - إسناده ضعيف: فيه يزيد بن بابنوس البصرى. قال فيه البخارى: كان من الذين قاتلوا عليا، وقال ابن عدى: أحاديثه مشاهير، وقال الدار قطنى: لا بأس به. وذكره ابن حبان فى الثقات. قلت: وعلى ذلك حسنه الشيخ الألبانى فى مختصر الشمائل، وفى ذلك نظر: حيث لا يعتمد على توثيق ابن حبان، لتساهله المعلوم، ولقد قال الحافظ فيه: مقبول. انظر: تهذيب الكمال (23/ 92،93)، ميزان الاعتدال (4/ 420). ورواه أحمد فى مسنده (6/ 31،220)، وابن سعد فى الطبقات (2/ 302)، كلاهما من طريق أبى عمران الجونى به فذكره نحوه.

375 -

إسناده صحيح: رواه الترمذى فى المناقب (3618)، بسنده ومتنه سواء. ورواه ابن ماجه فى الجنائز (1631)، والبغوى فى شرح السنة (3834)، وابن حبان فى صحيحه (6634)، ثلاثتهم من طريق بشر بن هلال الصواف به فذكره. =

ص: 572

ثابت، عن أنس، قال:

«لما كان اليوم الذى دخل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، أضاء منها كلّ شىء، فلما كان اليوم الذى مات فيه أظلم منها كلّ شىء، وما نفضنا أيدينا عن التراب، وإنّا لفى دفنه صلى الله عليه وسلم حتّى أنكرنا قلوبنا» .

376 -

حدثنا محمد بن حاتم، حدثنا عامر بن صالح، عن هشام بن عروة،

ــ

ولا أظلم من يوم مات فيه صلى الله عليه وسلم». (أظلم منها كل شىء): فيه نوع تجريد ظاهره أن الإضاءة والإظلام محسوسان، وأن الإضاءة دامت إلى موته فعقبها الإظلام وقيل: هما معنويان، والأول أولى لما فيه من المعجزة والحال أن ما نافية (نفضنا) (وإنا) الواو هنا للحال أيضا فهى مع التى قبلها من المتداخلة بين بهما أن ذلك الإظلام وقع عقب موته صلى الله عليه وسلم من غير مهلة «معتما» غاية للإظلام يعنى: أظلم منها كل شىء حتى قلوبنا لأننا أنكرناها لفقد ما كان يغشاها من إمداداته العلية، وأنواره السنية، ولانقضاء ما كانت عليه من الصفاء والألفه والرأفة والرحمة، دون التصديق والإيمان، لأن إيمانهم لم يتناقض منه شىء مطلقا، وقيل: إنكارها لعدم امتناعها من حثى التراب عليه صلى الله عليه وسلم، ومن ثم قالت:«أطابت نفوسكم أن تحثوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب» (1) وأخذت من تراب القبر الشريف، فوضعته على عينها، وأنشدت ما يأتى، وهذا قول بعيد، وفاطمه إنما قالت ذلك عند غلبة الحزن عليها، بحيث أذهلها كغيرها.

376 -

(يوم الإثنين): ثانى عشر ربيع الأول حين اشتد الضحى وقت دخوله صلى الله عليه وسلم فى هجرته.

= ورواه أحمد فى المسند (3/ 221،268)، من طريق سيار وعفان كلاهما عن جعفر بن سليمان به فذكره. ورواه ابن سعد فى الطبقات الكبرى (2/ 210)، من طريق جعفر بن سليمان به فذكره. ورواه أحمد (3/ 240،287)، والدارمى فى سننه (1/ 41)، وابن أبى شيبة فى المصنف (11/ 516)، ثلاثتهم من طريق حماد عن ثابت به فذكره نحوه.

(1)

رواه الدارمى فى المقدمة (1/ 41)، وأحمد فى مسنده (3/ 122،287).

376 -

إسناده ضعيف، وهو صحيح: فيه عامر بن صالح: قال فيه الحافظ: متروك الحديث أفرط فيه ابن معين فكذبه، وكان عالما بالأخبار. =

ص: 573

عن أبيه، عن عائشة، قالت:

«توفّى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين» .

377 -

حدثنا محمد بن أبى عمر، حدثنا سفيان بن عيينة، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، قال:

«قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين، فمكث ذلك اليوم، وليلة الثّلاثاء، ودفن من الليل» .

قال سفيان: وقال غيره «يسمع صوت المساحى من آخر اللّيل» .

قال أبو عيسى: (هذا حديث غريب).

ــ

377 -

(ودفن من الليل): أى ليلة الأربعاء، وقال غيره، أى: غير محمد الباقر رضى الله عنه: قال: (يسمع. . .) إلخ. وفى هذه زيادة على ما قبلها، وهى أن الدفن كان من آخر الليل ودفن «يوم الثلاثاء» ، وجمع بينه وبين ما قبله بأنهم شرعوا فى تجهيزه آخر يوم الثلاثاء فلم يفرغوا منه إلا آخر ليلة الأربعاء، وعلى كل فإنما أخروا دفنه إلى ذلك مع قوله صلى الله عليه وسلم لأهل بيت أخروا دفن ميتهم «عجلوا دفن ميتكم ولا تؤخروه» إما لعدم اتفاقهم على موته أو محل دفنه، فقوم قالوا: يدفن فى البقيع، وقوم فى المسجد، وقوم يحمل إلى ابنه إبراهيم عليه، حتى قال العالم الأكبر صديق الأمة وواحد الخلافة ما يأتى عنه، أو لاشتغالهم بما هو أهم منه، وهو أمر البيعة لّما اختلف المهاجرون والأنصار فيها

= ورواه البخارى فى الجنائز (1387)، وأحمد فى المسند (6/ 45،118،132)، والطيالسى فى مسنده (2400)، ثلاثتهم من طريق هشام بن عروة به فذكره من حديث مطولا. ورواه ابن سعد فى الطبقات (2/ 209)، من طريق عروة به فذكره بزيادة. قلت: وقد صححه فضيلة الشيخ الألبانى حفظه الله فى مختصر الشمائل، وأخرجه للبخارى مصححا إياه. وفيه نظر: لما فيه من راو ضعيف فى إسناد المؤلف كما بينا والله أعلم.

377 -

إسناده مرسل صحيح: رجاله ثقات، وقد أرسله محمد الباقر بن على بن الحسين بن على رضى الله عنهم، ويبدو أنه تلقاه عن آبائه الطاهرين. وقد رواه ابن سعد فى الطبقات (2/ 209)، من حديث على بن أبى طالب رضى الله عنه. ورواه أحمد فى المسند (6/ 62،274)، وابن سعد فى الطبقات (2/ 209)، من حديث عائشة رضى الله عنها. وقد صححه الشيخ الألبانى فى مختصر الشمائل (ص 197).

ص: 574

378 -

حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن شريك بن عبد الله بن أبى نمر، عن أبى سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، قال:

«توفّى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين، ودفن يوم الثّلاثاء» .

379 -

حدثنا نصر بن على الجهضمى، أنبأنا عبد الله بن داود، قال: حدثنا سلمة بن نبيط، أخبرنا عن نعيم بن أبى هند، عن نبيط بن شريط، عن سالم بن عبيد-وكانت له صحبة، قال:

«أغمى على رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مرضه، فأفاق، فقال: حضرت الصلاة؟ قالوا:

ــ

ليكون لهم إمام يرجعون إليه عند التنازع فى شىء من أحواله ولو تركوا البيعة لربما وقع خلاف وأدى إلى فتنه عظيمة فمن ثم انتظروا فيها حتى استقر الأمر فبايعوا أبا بكر، ثم بايعوه بالغد بيعة أخرى عن ملاء منهم، وكشف الله به الكربة من أهل الردة، ثم رجعوا إلى النبى صلى الله عليه وسلم فنظروا فى أمره فغسلوه وكفنوه وصلوا عليه ودفنوه بملاحظة أبى بكر ورأيه. (المساحى) (1) جمع مسحاة كالمجرفة إلا أنها من حديد. (من آخر الليل): أى ليلة الأربعاء (غريب) أى بل المشهور ما مر أن دفنه آخر ليلة الأربعاء.

379 -

(نبيط): بنون مضمومة فموحدة فتحتية. (شريط): بفتح المعجمة. (أغمى):

على رسول الله صلى الله عليه وسلم أى: ستر عقله لشدة ما حصل له من تناهى الضعف وفتور الأعضاء عن تمام الحركة، وفيه جواز الإغماء على الأنبياء، وهو كذلك، لأنه من جملة المرض الجائز عليهم قطعا بخلاف الجنون فإنه نقص، وحكمة ما يعتريهم من المرض ومصائب الدنيا تكثير أجرهم وتسلية الناس بأحوالهم ولئلا يفتتنوا بهم ويعبدونهم لما ظهر على أيديهم من خوارق المعجزات وواضح منعه وهذا الحديث روى الشيخان بعضه ومنه

378 - إسناده ضعيف: وعلته: إرسال أبى سلمة ولم يدرك النبى صلى الله عليه وسلم. ولمخالفته أيضا حديث عائشة المشار إليه فى تخريج الحديث السابق.

379 -

إسناده صحيح: رواه الترمذى فى المناقب (3672)، بسنده ومتنه سواء، ورواه ابن ماجه فى الإقامة (1324)، والطبرانى فى الكبير (6367)، من طريق سلمة بن نبيط به فذكره تاما ومختصرا.

(1)

ذكره القرطبى فى التفسير (4/ 224)، (5/ 298).

ص: 575

نعم. فقال: مروا بلالا فليؤذن، ومروا أبا بكر فليصلّ للناس-أو قال: بالنّاس- ثمّ أغمى عليه، فأفاق فقال: مروا بلالا فليؤذن، ومروا أبا بكر فليصلّ بالناس-، فقالت عائشة: إنّ أبى رجل-أسيف، فإذا قام ذلك المقام بكى، فلا يستطيع، فلو أمرت غيره. قال: ثمّ أغمى عليه، فأفاق، فقال: مروا بلالا فليؤذن، ومروا أبا بكر فليصلّ بالناس، فإنكنّ صواحب -أو صواحبات- يوسف.

ــ

قوله: (مروا أبا بكر فليصلّ بالناس). وأن عائشة أجابته بما سيأتى وأنه كرر ذلك فكررت الجواب وأنه قال: (إنكن صواحبات يوسف مروا أبا بكر فليصلّ بالناس)، وفى البخارى:«فمر عمر فليصلّ بالناس» وأنها قالت لحفصة أنها تقول ما قالت عائشة فقالته فقال لها: «مه إنكن لأنتن صواحب يوسف مروا أبا بكر فليصل بالناس» فقالت لها حفصة: ما كنت لأصيب منك خيرا. وفى الحديث جواز الإغماء على الأنبياء كما مر لكن قيده الشيخ أبو حامد من أئمتنا بغير الطويل، وجزم به البلقينى، قال السبكى:

وليس كإغماء غيرهم لأنه إنما يستر حواسهم الظاهرة دون قلوبهم، لأنها إذا عصمت من النوم الأخف فالإغماء أولى، أما الجنون فيمتنع عليهم قليله وكثيره لأنه نقص. وألحق السبكى العمى قال: ولم يعم نبى قط، وما ذكر عن شعيب أنه كان ضريرا فلم يثبت، وأما يعقوب فحصلت له غشاوة وزالت انتهى. وحكى الرازى عن جمع فى يعقوب ما يوافقه. (حضرت): أى أحضرت. (فليؤذن): بسكون الهمزة وتخفيف الذال فليعلمه، وبفتح وتشديد أى: فليدعوه. وفيه أنه ينبغى أن لا يقدم القوم للإمامة إلا أفضل القوم فقها وقراءة وورعا، وفى تكرير أمره بتقديمه الدلالة الظاهرة عند من له أدنى ذوق، بل إيمان على أنه أحق الناس بخلافته، وقد وافق على ذلك علىّ رضى الله عنه وغيره من أهل البيت وهو أن عليهم. (أسيف): فعيل بمعنى فاعل من الأسف، وهو شدة الحزن والبكاء والمراد به: رقيق القلب. ولابن حبان عن عاصم أحد رواته، والأسيف: الرقيق الرحيم (يبكى): أى لتدبره القرآن ولفقده خليله صلى الله عليه وسلم وما كان يجد من أنسه وأنواره.

(فلو): للتمنى أو للشرط والجزاء محذوف. (صواحب أو صواحبات): كل منهما جمع صاحبة لكن الثانى قليل (يوسف) على نبينا وعليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين أفضل الصلاة والسلام أى فى إظهار خلاف ما فى الباطن، أو التعاون على ما يرونه وكثرة إلحاحكن على ما تملن إليه، ثم هذا الخطاب، وإن كان بلفظ الجمع، فالمراد به واحدة،

ص: 576

قال: فأمر بلال فأذن، وأمر أبو بكر فصلى بالناس. ثمّ إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد خفة، فقال: انظروا من أتكئ عليه. فجاءت بريرة، ورجل آخر، فاتكأ عليهما، فلما رآه أبو بكر ذهب لينكص، فأومأ إليه أن يثبت مكانه، حتّى قضى أبو بكر صلاته.

ــ

وهى عائشة ووجه الشبه، أن زليخا استدعت النسوة، وأظهرت لهن الإكرام بالضيافة، ومرادها زيادة على ذلك، وهى أن ينظرن حسن يوسف فيعذرنها فى محبته، وعائشة أظهرت أن سبب محبتها، صرف الإمامة عن أبيها، عدم استماعه القرآن، ومرادها زيادة على ذلك، هى أن لا يتشاءم الناس به. فقد روى البخارى عنها:«لقد راجعته وما حملنى على كثرة مراجعته إلا أنه لم يقع فى قلبى أن يحب الناس رجلا قام مقامه أبدا، وإلا كنت أرى أنه لن يقوم أى أحد مقامه، إلا يتشائم الناس به» «فصلى بالناس سبع عشرة صلاة» كما نقله الدمياطى. (بريرة ورجل آخر): فى رواية الشيخين «فى سياق آخر رجلين وعباس وعلى» ، ورواية مسلم «العباس وولده الفضل» ، وفى أخرى «العباس وأسامة» ، وعند الدار قطنى «أسامة والفضل» ، وعند ابن حبان «بريرة ونوبة» بضم فسكون أمة، وقيل: عبد، وعند ابن سعد «الفضل وثوبان» رضى الله عنهم.

وجمعوا بين هذه الروايات على تقدير ثبوتها بأن خروجها تعدد فيتعدد من اتكئ عليه، وهذا أولى من الجواب بأن العباس لكبر سنه وشرفه، كان ملازما للأخذ بيده، ولذا ذكرته عائشة، وأما الباقون فتناوبوا يده الشريفة وخصوا بذلك، لأنهم خواص أهل بيته وأكابرهم، ولما لم يلازمه أحد فى جميع الطريق، أبهمت عائشة الرجل الذى مع العباس. ووجه أولوية الجمع الأول أن الثانى لا يجتمع به الروايات كلها، لأن بعضها لم يذكر فيه العباس. «لينكص»: ليرجع إلى ورائه القهقرى. (فأومأ): أشار إليه النبى صلى الله عليه وسلم. (أن. . .) إلخ: ظاهره أنه صلى الله عليه وسلم اقتدى به، والذى رواه الشيخان «أنه صلى الله عليه وسلم جاء حتى جلس عن يساره، فكان يصلى قاعدا وأبو بكر قائما يقتدى أبو بكر بصلاة النبى صلى الله عليه وسلم والناس يقتدون بصلاة أبى بكر» (1). وفيه ما يدل على أنه إمام ومأموم، وجاء فى رواية

(1) رواه البخارى فى الأذان (664،712)، ومسلم فى الصلاة (418)، وابن ماجه فى الإقامة (1232)، وابن حبان فى صحيحه (2120)، وابن خزيمة فى صحيحه (1616)، وأحمد (2/ 210)، وأبو عوانة فى مسنده (2/ 115،116)، والبيهقى فى (3/ 81،82)، وابن أبى شيبة فى مصنفه (2/ 329).

ص: 577

ثمّ إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض. فقال عمر: والله لا أسمع أحدا يذكر أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض إلا ضربته بسيفى هذا.

قال: وكان النّاس أمّيّين، لم يكن فيهم نبىّ قبله. فأمسك الناس. فقالوا: يا سالم، انطلق إلى صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فادعه. فأتيت أبا بكر وهو فى المسجد، فأتيته أبكى دهشا.

ــ

ما يقتضى كلا الأمرين. وفى رواية لهما «أنه كان يسمع الناس تكبيره صلى الله عليه وسلم» فيكون أبو بكر مقتديا به، وبه يندفع زعم العكس، ويتضح ما قاله الشافعى من جواز مفارقة الإمام، وإنشاء الاقتداء فى أثناء الصلاة، وقوله:(حتى قضى) معطوف على محذوف دل عليه ما قبله، أى فثبت صلى الله عليه وسلم حتى فرغ أبو بكر من صلاته. (قبض) وأبو بكر غائب بالعالية عند زوجته بنت خارجة، وكان صلى الله عليه وسلم، قد أذن له فى الذهاب إليها. (فقال عمر):

وقد سل سيفه. (والله لا أسمع. . .) إلخ وكان يقول: إنما أرسل إليه كما أرسل إلى موسى، فلبث عن قومه أربعين ليلة، والله إنى لأرجو أن تقطع أيدى رجال وأرجلهم وسيأتى رجوعه عن هذه المقالة، وأن الحامل له عليها، ما ظنه أن ما عرض له صلى الله عليه وسلم إنما هو الغشى، أو ذهوله عن حسه، فأحال الموت عليه، وخوفه ووقوع فتنة. (الناس): أى العرب بقرينة المقام، والمعنى قال تعالى: بَعَثَ فِي اَلْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ (1) أميين أى لم يتعلموا الكتابة وتنشأ عليها فطرتهم، حتى لا يذهلهم عظائم المحسن عن معلوماتهم، بخلاف من فطر عليها فإن معلوماته لا تضل عنه عند طروق أى محنة أصابته. (لم يكن فيهم نبى قبله): أى لأن سبب العلم بموت النبى صلى الله عليه وسلم إما وراثة كتب الأنبياء أو مشاهدة موتهم، وكل منها منفى عند العرب. (فأمسك الناس): أى عن التفوه بموته، وكل ذلك لذهولهم الحاصل له عند سماع خبر موته، فضلت عنهم بعض معلوماتهم، ومن جملتها أنه صلى الله عليه وسلم ميت، أى: بالنظر إلى أحكام الدنيا وإلا فهو حى عند الله، نص عليه الغزالى فى المستصفى حيث قال: وهو صلى الله عليه وسلم معدوم عن عالمنا هذا، وإن كان حيا عند الله انتهى.

وقد نص الله تعالى على ذلك فى غير آية: (إلى صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرهم ذلك دون أبى بكر دليل على شهرته فيما بينهم بهذا الوصف دون غيره، وكأنهم اتفقوا فى ذلك أنه تعالى أثبت له فى كتابه العزيز دون غيره. (فى المسجد): أى مسجد محلته التى

(1) سورة الجمعة: آية رقم (2).

ص: 578

فلما رآنى، وقال لى: أقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت: إنّ عمر يقول: لا أسمع أحدا يذكر أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض، إلا ضربته بسيفى هذا.

قال لى: انطلق، فانطلقت معه، فجاء هو، والنّاس قد دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أيّها النّاس أفرجوا لى، فأفرجوا له، فجاء حتّى أكبّ عليه، وخرّ على

ــ

كان فيها، وهو بالعوالى. (دهشا): بفتح فكسر أى: متحيرا مما استولى عليه من الذهول والوله. وفى رواية «أن أبا بكر أرسل غلامه ليأتيه بالخبر، فعاد وقال: سمعت الناس يقولون: مات محمد فركب من فوره وقال: وا محمداه، وا نقطاع ظهراه، ثم أقبل يبكى» . (فقال: إن الناس أفرجوا. . .) إلخ: قد ينافيه رواية البخارى عن عائشة «أقبل أبو بكر على فرس من مسكنه بالسنخ، حتى نزل فدخل المسجد، فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة، فبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مسجى ببردة فكشف عن وجهه وأكب عليه فقبله ثم بكى، فقال: بأبى أنت وأمى لا يجمع الله عليك موتتين، أما الموتة التى كتبت عليك فقد متها» . وقد يجاب بحمل قولها: (فلم يكلم الناس): على من بالمسجد وقول غيرها. (أفرجوا لى): على من كان حاضرا عنده صلى الله عليه وسلم، إذ لم يكلمهم بغير أفرجوا لى، ونفيه الموتتين إما حقيقة. ردا على عمر فى قوله بما مر، إذ يلزم منه أنه إذا جاء أجله يموت موتة أخرى، وهو أكرم على الله من أن يجمعهما عليه، كما جمعها على الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف، وعلى الذى مر على قرية. وهذا أوضح وأسلم من حمله على أنه لا يموت موتة أخرى فى القبر كغيره، أو لا يجمع الله عليه بين موت نفسه وموت شريعته أو الموتة الثانية: الكرب أى: يلقى كربا بعد كرب، فهذا الموت كربا آخر. (أكب): أقبل ولزم، وأما كب فبمعنى قلب وسرع، وأخرج البيهقى وغيره من طريق الواقدى:«أنهم اختلفوا فى موته، فوضعت أسماء بنت عميس يديها بين كتفيه فقالت: توفى قد رفع الخاتم من بين كتفيه» فكان هذا هو الذى عرف به موته، ولا ينافيه ما مر، لإمكان حمله على الحاضرين عنده، وحمل ما وقع لأبى بكر على بقية الناس، فقال: ورواية غير المصنف «أن عمر قام يقول: والله ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء أبو بكر فكشف عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبله، فقال: بأبى أنت وأمى طبت حيا وميتا، والذى نفسى بيده لا يذيقك الله الموتتين أبدا، ثم خرج، فقال: أيها الحالف على رسلك، فلما تكلم أبو بكر جلس عمر فحمد الله أبو بكر وأثنى عليه،

ص: 579

ساعده ومسّه، فقال: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ.

ــ

وقال: ألا من كان يعبد محمدا، فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حى لا يموت، وقال: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ، وقال: وَمامُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ اَلرُّسُلُ. . . الآية، قال: فنشج الناس يبكون» رواه البخارى. (ونشجوا):

غصّوا بالبكاء من غير انتحاب. وفى رواية «لما مات صلى الله عليه وسلم كان أجزع الناس كلهم عمر بن الخطاب رضى الله عنه، وفيها أن أبا بكر لما جاء، كشف البردة عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووضع فاه على فيه، واستنشق الريح-أى ريح الموت-ثم سجاه، والتفت إلينا ثم قال ما مر، قال عمر: فو الله لكأنى لم أتل هذه الآيات قط» . وروى أحمد «سجيت النبى صلى الله عليه وسلم ثوبا فجاء عمر، والمغيرة بن شعبة، فاستأذنا، فأذنت لهما وجذبت الحجاب، فنظر إليه عمر وقال: وا غشيتاه، ثم قام، فقال المغيرة: يا عمر مات، فقال: كذبت، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يموت حتى يفنى الله المنافقين، ثم جاء أبو بكر، فرفعت الحجاب، فنظر إليه، فقال: إنا الله وإنا إليه راجعون، مات رسول الله صلى الله عليه وسلم. والبخارى عن ابن عباس: «أن أبا بكر خرج، وعمر يكلم الناس، فقال: اجلس يا عمر، فأبى عمر أن يجلس، فأقبل الناس إليه، وتركوا عمر، فقال أبو بكر: أما بعد، من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله، فإن الله حى لا يموت، قال الله عز وجل:

وَمامُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ اَلرُّسُلُ قال: والله لكأن الناس لم يعلموا أن الله أنزل الآية حتى تلاها أبو بكر، فتلقاها الناس كلهم منه، فما أسمع بشرا من الناس، إلا يتلوها»، زاد ابن أبى شيبة عن ابن عمر: «أن عمر إنما قال ما مر فى المنافقين، لأنهم كانوا أظهروا الاستبشار، ورفعوا رءوسهم وأن أبا بكر ضم إلى تلك الآيات:

وَماجَعَلْنالِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ اَلْخُلْدَ. وفى هذا أدل دليل على شجاعة الصديق رضى الله عنه، إذ ثبوت القلب عند حلول المصائب، ولا مصيبة أعظم من هذه، فعندها ظهرت شجاعته وعلمه، قالوا: لم يمت، واضطربوا فكشف لهم الأمر بتلك الآيات، فرجع عمر عن مقالته كما ذكره الوائلى عن أنس: «أنه سمعه حين بويع أبو بكر فى المسجد على المنبر وقد تشهد ثم قال: أما بعد: فإنى قلت لكم أمس مقالة، وإنها لم تكن كما قلت وإنى والله ما وجدتها فى كتاب الله ولا فى عهد عهده إلىّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنى كنت أرجو أن يعيش حتى يكون آخرنا موتا، فاختار الله عز وجل لرسوله الذى عنده على الذى عندكم، وهذا الكتاب الذى يهدى الله به رسوله، فخذوا به تهتدوا لما هدى

ص: 580

ثمّ قالوا: يا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، فعلموا أن قد صدق.

قالوا: يا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أيصلّى على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، قالوا: وكيف؟ قال: يدخل قوم فيكبرون، ويدعون، ويصلون، ثمّ يخرجون، ثمّ يدخل قوم فيكبّرون ويصلون، ويدعون، ثمّ يخرجون، حتّى يدخل النّاس.

ــ

الله له رسوله». والمقالة التى رجع عنها هى قوله: «لم يمت صلى الله عليه وسلم، ولا يموت حتى تقطع أيدى وأرجل» وكان ذلك لعظيم ما ورد عليه، وخشى الفتنة، وظهور المنافقين. فلما شاهد قوة يقين الصديق الأكبر وقراءته تلك الآيات سكن. ومن عظيم تلك المصائب، أن بعض الصحابة خبل كعمر رضى الله عنه، وبعضهم أقعد فلم يطق القيام، كعبد الله ابن أنيس، بل أضنى فمات كمدا، وبعضهم أخرس فلم يطق الكلام كعثمان وكان أثبتهم أبو بكر، وجاء وعيناه تهملان، وزفراته تتصاعد فكشف الثوب عن وجهه، وقال «طبت حيا وميتا، وانقطع بموتك، ما لم ينقطع بموت أحد من الأنبياء، فعظمت عن الصفة، وجللت عن البكاء، ولو أن موتك كان اختيارا، لجدنا لموتك بالنفوس، اذكرنا يا محمد عند ربك ولتكن من بالك» إن: أى أنه [قد](1) صدق فى إخباره بموته صلى الله عليه وسلم لاستدلاله بالآيات التى قد ذكرها هو، لما عنده من نور اليقين، المانع لاستيلاء المحن والنوائب على قلبه، بخلافهم، فإن ذلك النور لما لم يكمل عليهم استولى عليهم عظيم ذلك المصاب فأوجب ذهولهم وولههم. (قال نعم. . .) إلخ، روى ابن ماجه «أنهم لما فرغوا من جهازه يوم الثلاثاء، وضع على سريره فى بيته، ثم دخل الناس أرسالا يصلون عليه، حتى إذا فرغوا، دخل النساء حتى إذا فرغن، دخل الصبيان، ولم يؤم الناس عليه أحد» . وفى رواية «أول من صلى عليه الملائكة أفواجا ثم أهل بيته، ثم النساء فوجا فوجا، ثم نساؤه آخرا فيكبرون ويدعون ويصلون» . فيه وجوب هذه الثلاثة، ومن ثم كانت أركانا عند الشافعى، أما التكبير فهو أربع، ويجوز أكثر لا أقل، وأما الدعاء، فلا بد أن يكون للميت بخصوصه، وأما الصلاة، فهى هنا فى هذا السياق لا يفهم منها، غير الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم، فمن ثم أوجبها الشافعى هنا لذلك، وقياسا عليها فى الصلاة المعهودة.

(يدخل قوم. . .) إلخ: فيه أن تكرير الصلاة على الميت لا بأس بها وإن لم يصلوا كلهم

(1) الزيادة من: (ش).

ص: 581

قالوا: يا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أيدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. قالوا:

أين؟ قال: فى المكان الذى قبض الله فيه روحه صلى الله عليه وسلم فإنّ الله لم يقبض روحه إلا فى مكان طيّب، فعلموا أن قد صدق، ثمّ أمرهم أن يغسّله بنو أبيه.

ــ

بإمام واحد، لأنهم كانوا لم يتفقوا على خليفة، فتكون الإمامة له. (قالوا أين؟ قال: فى المكان الذى قبض الله فيه روحه. . .) إلخ: ورد أيضا أنه استدل على ذلك، بقوله:

«سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما هلك نبى قط إلا يدفن حيث تقبض روحه» . وقال على رضى الله عنه: وأنا أيضا سمعته. وحفر أبو طلحة لحده فى موضع فراشه حيث قبض واختلفوا فيمن أدخله فى قبره. وأصح ما روى فى ذلك أنه نزل فيه على والعباس وابناه قثم والفضل رضوان الله عليهم، وكان آخر الناس عهدا به قثم. وورد أنه بنى فى قبره تسع لبنات وفرش تحته قطيفة نجرانية كان يتغطى بها فرشها شقران فى القبر، وقال: والله لا يلبسها أحد بعدك. وأخذ البغوى أنه لا بأس بفرشها لكنه شاذ، والصواب كراهته. وأجابوا عن فعل شقران، بأنه شىء انفرد به، ولم يوافقه أحد من الصحابة، ولا علموا به، وإنما فعله لما ذكر من كراهته أن يلبسها أحد بعده، على أن ابن عبد البر قال: إنها أخرجت من القبر، لما فرغوا من وضع اللبنات التسع. قال رزين:

ورشّ قبره صلى الله عليه وسلم، رشّه بلال بقربة، بدأ من قبل رأسه، وجعل عليه من حصى العرصة حمراء وبيضاء ورفع قبره من الأرض [قدر] (1) شبرا. وروى البخارى عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم قال فى مرض موته:«لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» لولا ذلك لأبرز قبره غير أنه خشى أن يتخذ مسجدا. ورواية الفتح صريحة فى أنه أمرهم بذلك، بخلاف رواية الضم فإنها تشعر بأن ذلك اجتهاد منهم، ومعنى:«لأبرز قبره» أى: كشف ولم يتخذ عليه حائل، وهذا قالته عائشة رضى الله عنها قبل أن يوسع المسجد، ولهذا لما وسع جعلت حجرتها مثلثة الشكل، حتى لا يتأتى لأحد أن يصلى إلى جهة القبر الشريف مع استقبال القبلة. وما فى البخارى عن سفيان التمار:«أنه رأى قبر مسنما» أى مرتفعا، زاد أبو نعيم فى المستخرج:«وقبر أبى بكر وعمر كذلك» فهو وإن قال بقضيته من ندب التسنيم الأئمة الثلاثة والمزنى وكثير من الشافعية، بل ادعى القاضى حسين اتفاق الأصحاب عليه. رده البيهقى: بأن قول التمار لا حجة فيه لاحتمال أنه لم

(1) الزيادة من: (ش).

ص: 582

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يكن فى أول أمره مسنما، فقد روى أبو داود والحاكم من طريق القاسم بن محمد بن أبى بكر قال:«دخلت على عائشة فقلت: يا أمه، اكشفى لى عن قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكشفت لى عن ثلاثة قبور لا مشرفة، ولا لاطئة، مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء» زاد الحاكم: «فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدما وأبا بكر رأسه بين كتفى النبى صلى الله عليه وسلم، وعمر رأسه عند رجل النبى صلى الله عليه وسلم» وهذا كان فى خلافة معاوية، فكأنها كانت فى الأول مسطحة. ثم لما بنى جدار النبى صلى الله عليه وسلم، فى إمارة عمر بن عبد العزيز على المدينة، من قبل الوليد بن عبد الملك صيروها مرتفعة. وروى فى صفة القبور ثلاثة غير ما ذكر، لكن حديث القاسم أصح، وما مر عن القاضى مردود، بل قدماء الشافعية ومتأخروهم، على أن التسطيح أفضل، لما فى مسلم من حديث فضالة بن عبيد:«أنه أمر بقبر فسوى، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بتسويتها» . وفى البخارى عن عروة: «لما سقط عليهم حائط الحجرة فى زمن الوليد، أخذوا فى بنائه، فبدت لهم قدم، ففزعوا وظنوا أنها قدمه صلى الله عليه وسلم، فما وجدوا أحدا يعلم ذلك، حتى قال عروة: والله ما هى إلا قدم عمر رضى الله عنه» . زاد الآجرى عنه: «أن الناس كانوا يصلون إلى القبر الشريف، فأمر عمر بن عبد العزيز، فرفع حتى لا يصل إليه أحد، فلما تهدمت، بدت قدم بساق وركبة، ففزع عمر بن عبد العزيز فقال عروة: هذا ساق عمر وركبته، فسر عمر بن عبد العزيز بنو أبيه أى: عصابته من النسب، إذ الحق فى الغسل لهم فغسله على رضى الله عنه» الحديث رواه جماعة، منهم ابن سعد والبزار والبيهقى، والعقيلى، وابن الجوزى فى الوصيات عن على كرم الله وجهه بلفظ:«أوصانى النبى صلى الله عليه وسلم أن لا يغسله أحد غيرى، فإنه لا يرى أحد عورتى إلا طمست عيناه» . زاد ابن سعد «فكان الفضل وأسامة يناولان الماء من وراء الستر وهما معصوبا العين، قال على: فما تناولت عضوا إلا كان يقلبه (1) معى ثلاثون رجلا حتى فرغت من غسله» . وفى رواية: «يا على لا يغسلنى إلا أنت، فإنه لا يرى أحد عورتى إلا طمست عيناه، والعباس وابنه الفضل، يعينانه، وقثم وأسامة وشقران مولاه صلى الله عليه وسلم يصبون الماء وأعينهم معصوبة، من وراء الستر» . وصح عن على رضى الله عنه «غسلته صلى الله عليه وسلم فذهبت أنظر ما يكون من الميت، فلم أر شيئا، وكان طيبا حيا وميتا» . وفى رواية ابن سعد: «وسقطت ريح طيبة، لم يجدوا مثلها قط» .

(1) فى ش: [يقيله].

ص: 583

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وذكر ابن الجوزى عن جعفر بن محمد قال: «كان الماء يستنقع فى جفون النبى صلى الله عليه وسلم، فكان على يحسوه» . وأما ما روى: «أن عليا لما غسل اقتلص ماء محاجر عينيه فشربه، وأنه ورث بذلك علم الأولين والآخرين» فقال النووى: ليس بصحيح. ومن عجيب ما اتفق ما رواه البيهقى فى الدلائل عن عائشة: «أنهم لما أرادوا غسله صلى الله عليه وسلم قالوا: لا ندرى، أن نجرده من ثيابه كما نجرد موتانا أم نغسله وعليه ثيابه؟ فلما اختلفوا، ألقى الله عليهم النوم، حتى ما منهم رجلا إلا ذقنه فى صدره، ثم كلمهم مكلم من ناحية البيت لا يدرون من هو، غسلوا النبى صلى الله عليه وسلم وعليه ثيابه، فقاموا وغسلوه وعليه قميصه، يصبون الماء فوق القميص، ويدلكون بالقميص» . وصح: «إذا أنا مت، فاغسلونى بسبع قرب من بئرى بئر غرس» بفتح المعجمة وبضمها، وسكون الراء وسين مهملة بئر مشهورة فى المدينة. وصح عن عائشة:«أنه كفن فى ثلاثة أثواب سحولية بيض من كرسف ليس فيها قميص ولا عمامة، وإنما اشتريت له حلة ليكفن فيها فتركت فأخذها عبد الله بن أبى بكر ليكفن فيها ثم قالوا: لو رضيها الله عز وجل لنبيه لكفنه فيها، فباعها وتصدق بثمنها» . ومن ثم روى مسلم» أدرج النبى صلى الله عليه وسلم فى حلة يمنية كانت لعبد الله بن أبى بكر رضى الله عنه، ثم نزعت عنه». وصح أيضا:«أنه ذكر لها قولهم فى ثوبين وبردة حبرة، قالت: قد أتى بالبرد ولكنهم ردوه ولم يكفنوه فيه» . قال الترمذى: وروى فى كفنه روايات مختلفة، وحديث عائشة أصح الأحاديث فى ذلك والعمل عليه عند أكثر العلماء من الصحابة وغيرهم. ونقل البيهقى عن الحاكم تواترت الأخبار عن على وابن عباس وابن عمر وعائشة وجابر وعبد الله بن مغفل رضى الله عنهم فى تكفين النبى صلى الله عليه وسلم فى ثلاثة أثواب ليس فيها قميص ولا عمامة. وخبر أحمد:«أنه كفن فى سبعة أثواب» وهم راويه، ومعنى:«ليس فيها قميص ولا عمامة» أنهما ليسا فى الكفن أصلا، كما قاله الشافعى والجمهور. قال النووى: وهو الصواب الذى تقتضيه ظاهر الأحاديث، فلم يثبت أنه صلى الله عليه وسلم كفن فى قميص وعمامة انتهى. وقيل: ليس فيها أى: الثلاثة، بل كانا زايدين عليها، وهو محتمل إن لو ثبت ما يدل عليه، وإلا فظاهر اللفظ كما قال ابن دقيق العيد وغيره ما مر خلافا للمالكية فى قولهم: إنهما مندوبان للرجال والنساء. وفى الحديث دلالة على أن القميص الذى غسل فيه نزع عند تكفينه، وصوبه النووى، فإنه لو بقى مع رطوبته أفسد الأكفان، قال: وخبر: «أنه كفن فى ثلاثة أثواب، الحلة ثوبان

ص: 584

واجتمع المهاجرون يتشاورون، فقالوا: انطلق بنا إلى إخواننا من الأنصار ندخلهم معنا فى هذا الأمر.

فقالت الأنصار: منّا أمير، ومنكم أمير.

فقال عمر بن الخطّاب: من له مثل هذه الثّلاث؟ ثانِيَ اِثْنَيْنِ إِذْ هُمافِي اَلْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اَللهَ مَعَنامنهما.

قال: ثمّ بسط يده، فبايعه، وبايعه النّاس بيعة حسنة جميلة.

ــ

وقميصه الذى توفى فيه» ففيه مجمع على ضعفه، لا سيما وقد خالف بروايته الثقات.

والسحولية: بالفتح على الأشهر الأكثر فى الروايات منسوب إلى السحول، وهو القصار لأنه يسحلها أى: يغسلها، أو إلى السحول قرية باليمن، وبالضم جمع سحل، وهو الثوب الأبيض النقى، ولا يكون إلا من قطن، وفيه شذوذ لأنه نسب إلى الجمع.

وقيل: اسم القرية بالضم أيضا، والكرسف: بضم فسكون فضم القطن. (فى هذا الأمر): أى أمر الخلافة. (من له مثل هذه الثلاثة): استفهام إنكار على الأنصار، حيث توهموا أن لهم حقا فى الخلافة، الأولى ثانِيَ اِثْنَيْنِ إِذْ هُمافِي اَلْغارِ: الثانية إثبات الصحبة فى قوله تعالى: إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ. الثالثة إثبات المعية فى قوله تعالى: إِنَّ اَللهَ مَعَنا، فإثبات الله تعالى تلك الفضائل الثلاث بنص القرآن دون غيره دليل ظاهر على أحقيته بالخلافة من غيره. (من هما): أى من الاثنان المذكوران فى هذه الآية المتضمنة لذلك هل هما إلا النبى صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، والاستفهام فى ذلك للتقرير والتفخيم. ويحتمل أن المراد من هما أى: الأمران اللذان ذكرتموهما، فالاستفهام للتحقير. (حسنة جميلة): قيل جميلة تأكيد، واعترض بأن التأكيد اللفظى بالمرادف لم يثبته النحاة إلا فى نحو: ضربت أنت، وبأنه لا يصح كونه نعتا للتأكيد، لأنهم حصوره فيما إذا فهم من متبوعه متضمنا أو التزاما انتهى. ويرد بأن المراد بالتأكيد هنا ثبوته الحكمى لا اللفظى، وتقويته تحصل بالمرادف أيضا. وبأنه يصح كونه هنا نعتا قصد به التأكيد، لأن الجمال يفهم من الحسن تضمنا أو التزاما، وعلى كل فالمغايرة بينهما أولى بأن يجعل حسنها من حيث دفعها للفتنة، ويوافقه الحديث:«ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن» . وجمالها من حيث رضى نفوسهم بها وإقبالهم عليها وشهودهم لجمال الحق فيها إذا رضاهم بها.

ص: 585

380 -

حدثنا نصر بن على، حدثنا عبد الله بن الزبير، حدثنا ثابت البنانى، عن أنس بن مالك، قال:

«لما وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من كرب الموت، قالت فاطمة: وا كرباه. فقال النّبىّ صلى الله عليه وسلم: لا كرب على أبيك بعد اليوم، إنه قد حضر من أبيك ما ليس بتارك منه أحدا، الموافاة يوم القيامة» .

ــ

380 -

(فقالت فاطمة): رواه عنهم أيضا إلى قوله: اليوم، البخارى، قال الخطابى، زعم من لا يعد فى أهل العلم أن المراد بنفى الكرب، أن كربه كان شفقته على أمته بموته. والواقع أنها باقية إلى يوم القيامة، لأنه مبعوث إلى من جاء بعده، وأعمالهم معروضة عليه، وإنما الكلام على ظاهره، وأن المراد بالكرب ما كان يجده صلى الله عليه وسلم من شدة الموت، لأنه كان فيما يصيب جسده من الألم، كالبشر ليتضاعف له الأجر، انتهى. (بعد اليوم): أى للانتقال إلى العالم الأخروى والتلذذ بما أعد الله فيه، مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر (إنه قد حضر. .) إلخ: رواه أيضا ابن ماجه، وقوله (إنه): تأكيد وتقرير لما فى ذهن فاطمة رضى الله عنها، لأن ذلك الأمر عام لكل أحد، وقوله:(من أبيك): أى من أمره كما قيل: والأحسن، من جسمه منه، أى الوصول إليه ما أى شىء عظيم ليس الله بتارك منه أى: الوصول إليه أحد، وذلك الأمر العظيم. هو الموافاة يوم القيامة، أى: لحضور ذلك اليوم المستلزم للموت. وهذا التقدير الذى (1) من جعله اليوم منصوبا بنزع الخافض أى: إلى، وأوضح من تقدير ذكره بعضهم متبجحا بأنه من المهمات، مع أنه لا يفهم منه معنى يستفاد كما يعلم بتأمله. وفى نسخة:

«الوفاة يوم القيامة» : أى الموت قيامته لأنه من مات قامت قيامته.

380 - إسناده حسن وهو صحيح: فيه عبد الله بن الزبير الباهلى، مقبول، أى: عند المتابعة. وقد تابعه المبارك بن فضالة عند أحمد فى المسند (3/ 141) وصرح بالتحديث. والحديث رواه ابن ماجه فى الجنائز (1629)، من طريق عبد الله بن الزبير أبو الزبير به فذكره، ورواه البخارى فى المغازى (4462)، من طريق حماد بن سلمة عن ثابت به فذكره بنحوه.

(1)

فى (ش): [أولى].

ص: 586

381 -

حدثنا أبو الخطاب: زياد بن يحيى البصرى، ونصر بن على، قالا:

حدثنا عبد ربه بن بارق الحنفى، قال: سمعت جدى أبا أمى: سماك بن الوليد، يحدث، أنه سمع ابن عباس يحدث: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول:

«من كان له فرطان من أمتى أدخله الله تعالى بهما الجنّة. فقالت له عائشة:

فمن كان له فرط من أمتك؟

قال: ومن كان له فرط يا موفّقة.

قالت: فمن لم يكن له فرط من أمتك؟

قال: فأنا فرط لأمتى، لن يصابوا بمثلى».

ــ

381 -

(فرطان): تثنية فرط بالتحريك، وهو السابق المهيئ للمنزل فهو بمعنى فاعل كتبع بمعنى تابع، شبه سبق الطفل أبويه فى الجنة لهما فيها منزلا ونزلا بفرط قافلة يتقدمهم ليهيئ لهم الماء وما يحتاجون إليه. وروى مسلم:«إذا أراد الله بأمة خيرا قبض نبيها قبلها فجعله لها فرطا وسلفا بين يديها وإذا أراد هلكة أمة عذبها ونبيها حى فأهلكها وهو ينظر، فأقر الله عينه بهلكها حين كذبوه وعصوا أمره» (يا موفقة): أى فى الخير ووقوع السؤال موقعه، أو المعنى: وفقك الله لما يحصل بسبب السؤال عنه، تفضل الله سبحانه على عباده بحصول الفرط بولد واحد ولمن لا ولد له بى ونعم الفرط أنا، (لن يصابوا بمثلى) جملة استئنافية كالتعليل لقوله. (فأنا فرط لأمتى): أى فمصيبة وفاتى أشد عليهم من مصائب حياتهم، ومن ثم أنشدت فاطمة رضى الله عنها:

ماذا على من شمّ تربة أحمد

أن لا يشمّ مدى الزمان غواليا

صبت علىّ مصائب لو أنها

صبت على الأيام عدنّ لياليا

381 - إسناده ضعيف: فيه عبد ربه بن بارق الحنفى: صدوق يخطئ. ورواه الترمذى فى الجنائز (1062) بسنده ومتنه سواء، وأحمد فى المسند (1/ 334)، والخطيب فى التاريخ (12/ 208)، كلاهما من طريق عبد ربه به فذكره. وقال أبو عيسى: حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد ربه وقد روى عنه غير واحد من الأئمة. وصححه الشيخ أحمد شاكر (3098)، معتمدا على توثيق ابن حبان قلت: ولا يخفى تساهل ابن حبان. ولذلك قال الحافظ فى الفتح (3/ 143): وليس فى شىء من هذه الطرق ما يصلح للاحتجاج.

ص: 587

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وفى سنن ابن ماجه «أنه صلى الله عليه وسلم قال فى مرض موته: أيها الناس، إن أحدا من الناس أصيب بمصيبة فليتعز بمصيبته فىّ عن المصيبة التى تصيبه (1) بعدى، فإن أحدا من أمتى لن يصاب بمصيبة بعدى، أشد عليه من مصيبتى» . وقال ابن الجوزى: كان الرجل من أهل المدينة إذا أصابته مصيبة، جاء أخوه فصافحه، ويقول: يا عبد الله اتق الله فإن فى رسول الله أسوة حسنة.

(1) فى (ش): [أصابته].

ص: 588