الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
44 - باب: ما جاء فى قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم
299 -
حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا الليث، عن ابن أبى مليكة، عن يعلى بن مملك، أنه سأل أم سلمة:
«عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا هى تنعت قراءة مفسّرة حرفا حرفا» .
300 -
حدثنا محمد بن بشار، حدثنا وهب بن جرير بن حازم، حدثنا أبى، عن قتادة، قال:
«قلت لأنس بن مالك: كيف كان قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: مدّا» .
ــ
(باب ما جاء فى قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم
299 -
(فإذا) هى للمناجاة إفادتها فى أنها أجابت بذلك على الفور، وأن ذلك يدل على ضبطها وقوة استحضارها لقراءته صلى الله عليه وسلم. (هى. . .) إلخ رواه عنها أيضا أبو داود والنسائى. (تنعت) تصف. (مفسرة) مبينة واضحة مفصولة الحروف عن المفسر، وهو البيان ووصفها لذلك، إما بأن تقول كانت قراءته كذا، أو بالفعل كأن تقرأ لقراءته صلى الله عليه وسلم، قيل: وظاهر السياق يدل على الثانى.
300 -
(مدا) مصدر خلافا لمن حرفه أى: ذات مد، وهو هنا إشباع الحرف الذى بعد
299 - إسناده ضعيف وهو صحيح: فيه: يعلى بن مملك، قال فيه الحافظ: مقبول (التقريب 7850)، وقال النسائى: ليس بذاك المشهور (السنن الكبرى 1284). ورواه الترمذى فى فضائل القرآن (2923)، بسنده ومتنه سواء، ورواه أبو داود فى الصلاة (1466)، من طريق الليث به فذكره بزيادة نحوه. وقال أبو عيسى: حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث ليث بن سعد عن ابن أبى مليكة عن يعلى بن مملك عن أم سلمة. قلت: ويشهد له ما رواه قتادة عن أنس مرفوعا فى الحديث الذى بعده (300)، وكذا حديث أم سلمة (301).
300 -
إسناده صحيح: رواه البخارى فى فضائل القرآن (5045)، وأبو داود فى الصلاة (1465)، والنسائى فى الافتتاح (2/ 179)، وفى السنن الكبرى (1087)(8059)، وابن ماجه فى الإقامة (1353) =
301 -
حدثنا على بن حجر، حدثنا يحيى بن سعيد الأموى، عن ابن جرير، عن ابن أبى مليكة عن أم سلمة قالت:
ــ
ألف أو واو أو ياء من غير إفراط فى ذلك فإنه مذموم، وروى البخارى عن أنس «أنها كانت مدا يمد بسم الله ويمد بالرحمن الرحيم» (1).
301 -
(يقطّع قراءته) بتشديد الطاء أى: يقف على فواصل الآى، قد بينت ذلك بقولها. (يقول: اَلْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ اَلْعالَمِينَ ثم يقف. . .) إلخ أى: وهكذا يفعل فى سائر الآيات، ومن ثم قال أئمتنا: ليس للمصلى أن يقف على كل آى من آى الفاتحة قال بعض المتأخرين: إلا البسملة، فلا يقف عليها، بل يصلها ب اَلْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ اَلْعالَمِينَ إعلاما بأنها منها انتهى، وبذلك صرح فى المجموع فقال: ويسن وصل البسملة بالحمدلة
= وأحمد فى المسند (3/ 119،127،131،192،198،289)، وابن أبى شيبة فى المصنف (2/ 520) وأبو الشيخ فى أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم (ص 184)، كلهم من طرق عن جرير بن حازم به فذكره نحوه.
301 -
إسناده صحيح: رواه الترمذى فى القراءات (2927)، بسنده ومتنه سواء، ورواه أبو داود فى الحروف والقراءات (4001)، وأحمد فى المسند (6/ 302)، والبيهقى فى السنن (2/ 44)، والحاكم فى المستدرك (2/ 231،232)، والدار قطنى فى سننه (118)، وابن خزيمة فى صحيحه (493)، كلهم من طرق عن ابن جريج به فذكره نحوه. قال أبو عيسى: غريب وليس إسناده بمتصل. وقال: الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبى، وقال الدار قطنى: إسناده صحيح، وكلهم ثقات. وصححه ابن خزيمة. قلت: هو صحيح لولا عنعنة ابن جريج فهو مدلس، لكنه قد توبع عند أحمد فى المسند (6/ 288)، قال: ثنا وكيع، عن نافع بن عمر، وأبو عامر، ثنا نافع عن ابن أبى مليكة، عن بعض أزواج النبى صلى الله عليه وسلم قال أبو عامر: قال نافع: أراها حفصة أنها سألت عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: إنكم لا تستطيعونها، قال: فقيل لها: أخبرينا بها! قال: فقرأت قراءة ترسلت فيها، قال أبو عامر: قال نافع: فحكى لنا ابن أبى مليكة. . . الحديث.
(1)
رواه البخارى فى فضائل القرآن (5045،5046).
302 -
حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا الليث، عن معاوية بن صالح، عن عبد الله
ــ
للإمام وغيره، وأن لا يقف على أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ، لأنه ليس بوقف ولا منتهى آية عندنا انتهى، وتعقبه فى شرح المنهاج وعبارته، وما ذكره فى الأولى عجيب فقد صح «أنه صلى الله عليه وسلم كان يقطع قراءته آية آية يقول: بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ ثم يقف، اَلْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ اَلْعالَمِينَ ثم يقف، اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ ثم يقف» (1) ومن ثم قال البيهقى والحليمى وغيرهما: يسن أن يقف على رءوس الآى، وإن تعلقت بما بعدها للاتباع انتهت وبقوله:«قد صح» يعلم رد ما قيل حديث المتن قيل وهذا الحديث يؤيد أن البسملة ليست من الفاتحة، ويرد: بأنه لا تأبيد فيه لذلك وعلى المتنزل، فقد صح:
«أنه صلى الله عليه وسلم وقف على البسملة» كما تقرر وعد البسملة آية من الفاتحة فعلمنا بالتصريح وتركنا المحتمل وحكمة الوقف على اَلْعالَمِينَ واَلرَّحِيمِ مع أن فيه قطع الصفة عن الموصوف تعليم الأمة رءوس الآى فقد صرح بعضهم فى الحديث بأن محل الوقف يَوْمِ اَلدِّينِ غفلة منه عن القواعد، وحكمة فعله صلى الله عليه وسلم، ولو قدح فيه بأن فى إسناده انقطاعا لأصابت ثم رأيت صاحب القاموس، رد عليه بأنه صح عنه صلى الله عليه وسلم «أنه وقف على رأس كل آية، وإن كان متعلقا بما بعده» وغيره قال: قول بعض القراء الوقف على ما ينفصل فيه الكلام أولى غفلة عن السنة، وأن اتباعه صلى الله عليه وسلم أولى انتهى، والأولى أن يقال: ما قاله القراء محمول على ما علم فيه وقف له صلى الله عليه وسلم فهذا الوقف التام فيه أولى، وبهذا الحديث والذى قبله؛ علم أن قراءته كانت ترتيلا لا مدا ولا تعجلا، بل مفسرة الحروف مستوفية ما تستحقه من مد وغيره لأنه كان يقطعها آية آية.
302 -
(كان) أى كان. (كل ذلك) روى بالرفع قيل: والأظهر النصب لئلا يحتاج
302 - إسناده صحيح: رواه الترمذى فى أبواب الصلاة (449)، بسنده ومتنه سواء ورواه مسلم فى الحيض (307)، وأبو داود فى الصلاة (1437)، والبخارى فى خلق أفعال العباد (ص 101)، وأبو نعيم «المستخرج» (701) كلهم من طريق قتيبة بن سعيد به فذكره. ورواه النسائى فى الطهارة (1/ 163،164)، وأحمد (6/ 82،83)، وابن ماجه فى الإقامة (1354)، وابن خزيمة (1160)، والبيهقى (1/ 309)، كلهم من طرق عن عبد الله بن قيس به نحوه.
(1)
رواه أحمد فى مسنده (6/ 302) والحاكم فى المستدرك (232)، وذكره التبريزى فى مشكاة المصابيح (2205)، وقال رواه الترمذى (1/ 675)، وذكره الهندى فى كنز العمال (17913)
ابن أبى قيس، قال:
«سألت عائشة رضى الله عنها عن قراءة النّبىّ صلى الله عليه وسلم: أكان يسرّ بالقراءة أم يجهر؟ قالت: كلّ ذلك قد كان يفعل، وربّما أسرّ وربّما جهر.
قلت الحمد لله الذى جعل فى الأمر سعة».
303 -
حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا وكيع، حدثنا مسعر، عن العلاء العبدى، عن يحيى بن جعدة، عن أم هانئ، قالت:
«كنت أسمع قراءة النّبىّ صلى الله عليه وسلم وأنا على عريشى» .
ــ
إلى حذف المفعول، انتهى وليس بشىء؛ لأن الرواية لا تترك لأمر تحسينى ولا غيره.
(ربما أسر، وربما جهر) فيجوز كل من الأمرين واختلفوا فى الأفضل خارج الصلاة ورجح كلا طائفة، والمختار أن ما كان أقرب للخشوع وأبعد عن الرياء هو الأفضل.
(سعة) أى لأن النفس قد تنشط إلى أحد الأمرين، فلو ضيق عليها بتعين أحدهما ربما لم تنشط إليه فتحرم هذا الخير الكامل.
303 -
(كنت أسمع. . .) إلخ فيه دليل للجهر حتى فى النافلة إذ الغالب من أحواله
= وعزاه للترمذى والحاكم فى المستدرك عن أم سلمة (7/ 52). وذكره أيضا (22118) وعزاه للسلفى فى انتخاب حديث الفراء ورجاله ثقات (8/ 108).
303 -
إسناده حسن: رواه النسائى فى الافتتاح (2/ 179)، وفى الكبرى (1086)، وابن ماجه فى الإقامة (1349)، وأحمد فى المسند (6/ 341،342،343،424)، والبيهقى فى دلائل النبوة (6/ 257)، كلهم من طرق عن مسعر به فذكره نحوه قال البوصيرى فى الزوائد (1/ 437): هذا إسناد صحيح رجاله ثقات، رواه الترمذى فى الشمائل عن محمود بن غيلان، والنسائى فى الكبرى، عن يعقوب بن إبراهيم، كلاهما عن وكيع بن الجراح به. قلت: أبو العلاء العبدى هو هلال بن خباب، قال فيه الحافظ: صدوق تغير بأخرة. قلت: وثقه ابن معين، والإمام أحمد، وقال ابن القطان: أتيت هلال بن خباب وكان قد تغير قبل موته، وكذلك قال باختلاطه: سفيان الثورى، وقال ابن حبان: كان ممن اختلط فى آخر عمره فكان يحدث بالشىء على التوهم، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد، وأما فيما وافق الثقات، فإن احتج به محتج أرجو أن لا يجرح فى فعله ذلك، وانظر: الثقات (7/ 574)، والمجروحين (3/ 87). =
304 -
حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا أبو داود، أخبرنا شعبة، عن معاوية بن قرة، قال: سمعت عبد الله بن مغفل، يقول:
«رأيت النّبىّ صلى الله عليه وسلم على ناقته يوم الفتح، وهو يقرأ: إِنّافَتَحْنالَكَ فَتْحاً مُبِيناً* لِيَغْفِرَ لَكَ اَللهُ ماتَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ.
ــ
أنه صلى الله عليه وسلم لما كان يقرأ ليلا داخل الصلاة، لكن الأفضل عندنا لمن يصلى ليلا التوسط فى النوافل المطلقة بين الجهر والإسرار، بأن يقرأ بهذا مرة وبهذا مرة، وبأن يكون بصفة لا تسمى عرفا إسرارا ولا جهرا. وإن كانت لا تخلو عن أحدهما فى الحقيقة، إذ لا واسطة بينهما، والإسرار فى غيرها إلا نحو الوتر فى رمضان، وحديث أم هانئ هذا لا ينافى ذلك، ولأنا لم نتحقق أنها سمعت فيه ذلك فى الصلاة، وعلى التنزل عمل بالغالب السابق فيحتمل أنه فى نافلة مطلقا، وعلى التنزل فيها لبيان الجواز وكلامنا إنما هو فى الأفضلية. (عريش) هو ما يستظل به، أو ما يهيأ ليرتفع عليه.
304 -
(يقول: رأيت. . .) إلخ، رواه عنه أيضا البخارى. إِنّافَتَحْنالَكَ. . .: إلى آخر السورة كما اقتضته رواية قراءة سورة الفتح يوم الفتح. (ورجّع) والترجيع قيل:
ترديد القرآن، ومنه ترجيع الأفان، وقيل: تقارب ضروب الحركات فى الصوت وهو المراد هنا، إذ المروى عن صفة ترجيعه هنا أنه كان يمد الصوت فى القراءة آآآ آآآ آآ، قال ابن الأثير: وإنما حصل منه هذا والله أعلم، لأنه كان راكبا فحركته ناقته وذبذبته فحدث الترجيع فى صوته، ويؤيده الحديث الآتى «كان لا يرجع» (1) أى لعدم الركوب فلم
= وقال إبراهيم بن الجنيد: سألت يحيى بن معين عن هلال بن خباب، وقلت: إن يحيى القطان يزعم أنه تغير قبل موته واختلط، فقال يحيى: لا، ما اختلط ولا تغير. قلت ليحيى:
فثقة هو؟ قال: ثقة، مأمون، قلت: فهو مختلف فى تغيره قبل موته، وهو فى الأصل: ثقة مأمون. انظر: تهذيب الكمال (30/ 332)، (6616)، وتاريخ بغداد (14/ 74).
304 -
إسناده صحيح: رواه البخارى فى فضائل القرآن (5047)، ومسلم فى صلاة المسافرين (794)، وأبو داود فى الصلاة (1467)، وأحمد فى مسنده (4/ 85،86)، (5/ 54،55،56)، والبيهقى فى الدلائل، (5/ 70)، وأبو نعيم فى مستخرجه على مسلم (1805،1806)، كلهم من طريق شعبة، عن معاوية بن قرة به فذكره نحوه.
(1)
رواه أبو نعيم فى أخبار أصفهان (1/ 157).
قال: فقرأ ورجّع».
قال: وقال معاوية بن قرّة: لولا أن يجتمع النّاس علىّ لأخذت لكم فى الصّوت-أو قال: اللّحن.
ــ
يحدث فى قراءته ترجيع انتهى، وفيه نظر، والظاهر: أنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك قصدا، وكان حكمته أن الترجيع ينشأ غالبا عن أريحة تحدث عن النفوس سرورا وانبساطا، ولا يشك أنه حصل له يوم الفتح حظ وافر، وكان سببا لترجيعه، ويؤيد ذلك أنه من تحسين الصوت بالقرآن، وهو متأكد الندب لأمره به، والحديث الآتى بعد صحته ينبغى عمله على أنه كان يترك الترجيع فى كثير من الأحيان [لعدم تفضيله](1) له فى الذى ذكرته أو لبيان أن الأمر واسع فى فعله وتركه، ثم رأيت بعضهم رد على ابن الأثير بأنه: لو كان لهز الناقة كان بغير اختياره، وح فلم يكن عبد الله بن مغفل يحكيه ويفعله اختيارا للتأسى به، ولم ينسب الترجيع لفعله بقوله: كان يرجع فى قراءته، ويوافق هذا الحديث حديث «زينوا القرآن بأصواتكم» (2)، وحديث «ليس منا من لم يتغن بالقرآن» (3)، وحديث «ما أذن الله لنبى-أى: استمع لنبى-كإذنه-أى بالتحريك-لنبى يتغنى بالقرآن» (4) وزعم أن الحديث الأول من باب القلب، أى زينوا أصواتكم بالقرآن لا دليل
(1) فى: (ش)[لعدم مقتضيه].
(2)
رواه أبو داود فى الصلاة (1468)، والنسائى (2/ 179،180)، وابن ماجه فى إقامة الصلاة (1342)، وأحمد فى مسنده (4/ 283،285،340)، وابن حبان فى صحيحه (749، 750)، وعبد الرزاق فى مصنفه (4175،4176)، والحاكم فى المستدرك (1/ 571،572)، وابن أبى شيبة فى مصنفه (2/ 521)، (10/ 462)، والبيهقى فى السنن الكبرى (2/ 53)، والطيالسى فى مسنده (2/ 3)، وأبو نعيم فى الحلية (5/ 27).
(3)
رواه البخارى فى التوحيد (7527)، وأبو داود فى الصلاة (1469،1470)، وابن ماجه فى الإقامة (1337)، والدارمى (1/ 349،471)، وأحمد فى مسنده (1/ 172،179)، وابن حبان فى صحيحه (120)، والحميدى فى مسنده (76،77)، والبيهقى فى السنن الكبرى (10/ 230)، والحاكم فى المستدرك (1/ 569،570)، والطحاوى فى مشكل الآثار (2/ 127، 128)، والطيالسى فى مسنده (210)، وابن أبى شيبة فى مصنفه (2/ 522)، والبغوى فى شرح السنة (1218).
(4)
رواه البخارى فى فضائل القرآن (5023،5024)، وفى التوحيد (7482،7544)، ومسلم فى صلاة المسافرين (792)، وأبو داود (1469،1473) والنسائى فى الافتتاح (2/ 180)، =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عليه، ومما يؤيد أنه صلى الله عليه وسلم استمع لقراءة أبى موسى الأشعرى فلما أخبره بذلك قال:«لو كنت أعلم أنك تسمعه لحبرته تحبيرا» أى: حسنته وزينته بصوتى تزيينا، وحديث:«لكل شىء حلية وحلية القرآن حسن الصوت» (1) وقد كثر الخلاف فى التطريب والتغنى فى القرآن، والحق: أن ما كان منه طبيعة وسجية كان محمودا، وإن أعانته طبيعة على تحسين وتزيين كما مر عن أبى موسى لتأثر التالى والسامع به لخلوه عن التكلف والتصنع، وأما ما فيه تكلف وتمرين بتعليم أصوات الغناء بألحان وإيقاعات مخصوصة، فهذه هى التى كرهها السلف وعابوها، ومن تأمل أحوال السلف علم أنهم بريئون من التصنع والقراءة بالألحان المختومة دون التطريب والتحسين الطبيعى، وقد ندب إليه صلى الله عليه وسلم لما مر من الأحاديث، وزعم بعضهم أن معنى:«ليس منا من لم يتغن بالقرآن» (2) من لم يستغن به، وليس فى محله، وإلا لم يكن لحسن الصوت والجهر به معنى على أن المعروف فى كلام العرب؛ أن التغنى: حسن الصوت بالترجيع، وروى ابن أبى شيبة:
«علموا القرآن وغنواته واكتبوه» (3)، وقد صح «أنه صلى الله عليه وسلم لما سمع أبا موسى يقرأ قال:
لقد أوتى هذا مزمارا من مزامير آل داود» (4) أى داود نفسه، ومرّ عنه «لو علمت أنك
= والدارمى فى الصلاة (1/ 350)(2/ 471)، وابن حبان فى صحيحه (751،752)، والحميدى فى مسنده (949)، وعبد الرزاق فى مصنفه (4166،4167،4168،4169)، وابن أبى شيبة فى مصنفه (2/ 522)(10/ 464)، البزار فى مسنده (2332،2335) والبغوى فى شرح السنة (1217،1218).
(1)
رواه البغدادى فى تاريخ بغداد (7/ 268)، وابن عدى فى الكامل (4/ 133)، وعبد الرزاق فى مصنفه (4173)، والطبرانى فى الأوسط (7531)، وذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (7/ 171)، وقال: رواه الطبرانى فى الأوسط وفيه إسماعيل بن عمرو الأبجالى وهو ضعيف، ورواه البزار وفيه عبد الله بن محرز وهو متروك.
(2)
سبق تخريجه ورواه كثيرون.
(3)
رواه أحمد فى مسنده (4/ 146،150،153).
(4)
رواه مسلم فى صلاة المسافرين (793)، والنسائى فى الافتتاح (2،180،181)، وفى فضائل القرآن (76،83)، والدارمى (2/ 473)، وأحمد فى مسنده (5/ 349،351،359)، (6/ 37،167)، وابن حبان فى صحيحه (7195)، وابن أبى شيبة فى مصنفه (10/ 463، 12،112)، وابن سعد فى الطبقات الكبرى (4/ 107)، (2/ 344)، والبيهقى فى السنن الكبرى (10/ 230)، والبغوى فى شرح السنة (4/ 489).
305 -
حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا نوح بن قيس الحدّانى، عن حسام بن مصكّ، عن قتادة، قال:
«ما بعث الله نبيا إلا حسن الوجه، حسن الصّوت، وكان نبيّكم حسن الوجه حسن الصّوت، وكان لا يرجّع» .
ــ
تسمع لحبرته لك تحبيرا» وهو يدل على أنه كان يستطيع أن يتلو شهى من المزامير عند المبالغة فى التحبير فإنه تلى مثلها، وما بلغ حد استطاعته فكيف لو بلغه. (قال) أى شعبة. (لولا. . .) إلخ فيه دليل على أن ارتكاب أمر يوجب اجتماع الناس مكروه انتهى وفى هذا الإطلاق غفلة عن كلام الأئمة، والذى يصرح به كلامهم: أنه ينبغى إشاعة العلم وتعلمه، لا سيما إن اجتمع الناس لذلك وإنما الذى ينبغى تركه أن يخشى اجتماعا يؤدى إلى فتنة، أو معصية كاختلاط الرجال بالنساء، أو اختلال المروءة، كأن يكون بمحل يترتب على الاجتماع فيه ذلك، لأن اجتناب ما يخل منها متأكد بل يتحتم على من تحمل شهادة، إذ يحرم عليه تعاطى ما يخل بالمروءة، لأنه تسبب فى إسقاط واجب عليه يترتب على إسقاطه أذى الغير وضياع حقه. (لأخذت) أى لشرعت، أو للشك.
(اللحن) هو بالفتح واحد اللحون بالضم، والإلحان: وهو التطريب وترجيع الصوت وتحسين نحو القراءة والشعر، ولحّن بالتشديد طرب، وفيه دليل على أن ابن مغفل بيّن له كيفية ذلك الترجيع.
305 -
(الحدّانى) نسبة إلى حدان بضم أوله قبيلة من الأزد. (مصك) بكسر ففتح المهملة فتشديد الكاف. (وكان نبيكم. . .) إلخ. رواية المصنف فى غير هذا الكتاب من حديث أنس «ما بعث الله نبيا إلا حسن الوجه حسن الصوت وكان نبيكم أحسنهم وجها وأحسنهم صوتا» (1) ولا ينافى ذلك حديث البيهقى وغيره فى المعراج: «أنه صلى الله عليه وسلم قال فى يوسف: وإذا أنا برجل أحسن ما خلق الله بعد محمد صلى الله عليه وسلم» جمعا بين الحديثين على أن
305 - إسناده ضعيف: فيه نوح بن قيس: قال فيه الحافظ: صدوق رمى بالتشيع (التقريب 7207). وكذلك فيه حسام بن مصك: قال فيه الحافظ: ضعيف يكاد أن يترك (التقريب 1193). وذكره الإمام الذهبى فى ميزان الاعتدال (1/ 477)، عقب ترجمة حسام بن مصك، وقال: هذا الحديث من مناكيره اه.
(1)
رواه ابن عدى فى الكامل (2/ 434)، وذكره ابن حجر فى فتح البارى (7/ 251).
306 -
حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن، أنبأنا يحيى بن حسان، حدثنا عبد الرحمن بن أبى الزناد، عن عمرو بن أبى عمرو، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال:
«كانت قراءة النّبىّ صلى الله عليه وسلم ربّما يسمعها من فى الحجرة وهو فى البيت» .
ــ
لنا قولا عليه جماعة من الأصوليين: أن لا تكلم لا يدخل فى عموم الكلام، وحمل ابن المنير رواية مسلم:«أنه أعطى شطر الحسن» (1) على أن المراد أعطى شطر الحسن الذى أوتيه نبيّنا صلى الله عليه وسلم. (لا يرجع) مر فيه ما يعلم منه أنه لا تنافى بينه وبين الحديث السابق، وأن ذلك أولى من الجواب: بأن ترك الترجيع كان عن عمد، وفعله كان غير عمد، وقيل: المراد؛ ولا يرجع فى الغناء، ويرجع فى القراءة، وفيه من سوء الأدب فى التعبير ما هو ظاهر لإيهامه أنه صلى الله عليه وسلم كان يغنى بلا ترجيع.
…
306 - إسناده حسن: عمرو بن أبى عمرو: قال فيه الحافظ: ثقة ربما وهم. ورواه أبو داود فى الصلاة (1327)، من طريق بن أبى الزناد به فذكره.
(1)
رواه مسلم فى الإيمان (162)، وأحمد فى مسنده (3/ 148،286).