الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثُمَّ يَغْسِلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا مِنْ مَنَابِتِ شَعَرِ الرّأْسِ إِلَى مَا انْحَدَرَ مِنَ اللّحْيَينِ وَالذَّقَنِ طُولًا، مَعَ مَا اسْتَرْسَلَ مِنَ اللّحْيَةِ، وَمِنَ الْأُذُنِ إِلَى الأذُنِ عَرْضًا.
ــ
واسْتَنْشَقَ، ومُداوَمَتُه عليهما تَدُلُّ على وُجوبِهما؛ لأنَّ فِعْلَه يَصْلُحُ أن يكونَ بَيانًا لأمْرِ الله تِعالى. ولأنَّهما عُضْوان مِن الوَجْهِ في حُكْمِ الظّاهِرِ، لا يَشُقُّ غَسْلُهما فوَجَبَ؛ لقَوْلِه تعالى:{فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} (1). والدليلُ. على أنَّهما في حُكْمِ الظّاهِرِ، أنَّ الصّائِمَ لا يُفْطِرُ بوَضْعِ الطعامِ فيهما، ويُفْطِرُ بوُصُولِ القَيْء إليهما، ولا يَجِبُ الحَدُّ بتَرْكِ الخَمْرِ فيهما، ويَجِبُ غَسْلُ النَّجاسَةِ فيهما. فأمّا كَوْنُهما مِن الفِطْرَةِ فلا يَنْفِي وُجُوبَهما؛ لأنَّه ذَكَر الخِتانَ في الفِطْرَةِ وهو واجِبٌ. فأمّا غَسْلُ داخِلِ العَينَين، فلنا فيه مَنْعٌ، وباطِنُ اللِّحْيَةِ يَشُقُّ غَسْلُه؛ فلذلك لم يَجِبْ في الوُضُوءِ، ويَجِبُ في الطهارةِ الكُبْرَى. والله أعلمُ.
96 - مسألة؛ قال: (ويَغْسِلُ وَجْهَه ثَلَاثًا
(2)، مِن مَنابِتِ شَعَرِ الرَّأَسِ إلى ما انْحَدَرَ مِن اللَّحْيَينِ والذَّقَنِ طُولًا، مع ما اسْتَرْسَلَ مِن اللّحْيَةِ ومِنْ الأذُنِ إلى الأذُنِ عَرْضًا) غَسْلُ الوَجْهِ ثلاثًا مُسْتَحَبٌّ؛ لِما
(1) سورة المائده: 6.
(2)
بعد هذا في زيادة: «وحَدُّه» . وليست في «المقنع» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ذَكرنا مِن حديثِ عليٍّ (1) وغيرِه، وغَسْلُه مَرَّةً واجِبٌ بالنَّصِّ والإجماعِ، وقد ذَكرْناه. وقولُه في حَدِّه: مِنْ مَنابِتِ شَعَرِ الرَّأْسِ. يَعْنَى في غالِبَ النّاسِ، ولا اعْتِبارَ بالأصْلَعِ الذي يَنْحَسِرُ شَعَرُه عن مُقدَّمِ رَأَسِه، ولا بالأفْرعِ (2) الذي يَنْزِلُ شَعَرُه إلى وَجْههِ، بل بغالِبِ الناسِ، فالأصْلَعُ يَغْسِلُ إلى حَدِّ مَنابِتِ الشَّعَرِ فِي غالِبِ النّاسِ، والأفْرَعُ (3) يَغْسِلُ الشَّعَرَ الذيِ يَنْزِلُ عن حَدِّ (4) الوَجْهِ فِي الغالِبِ. وقال الزُّهْرِيُّ: الأُذُنُ مِن الوَجْهِ؛ لقَولِه صلى الله عليه وسلم: «سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ، وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرهُ» . رَواه مسلمٌ (5). أضافَ السَّمْعَ إلى الوَجْهِ،، كما أضافَ البَصَرَ. وقال مالكٍ: ما بينَ اللِّحْيَةِ [إلى الأُذُنِ](6) ليس مِن الوَجْهِ، ولا يَجِبُ غَسْلُه؛ لأنَّ الوَجْهَ ما تحْصُلُ به المُواجَهَةُ، وهذا لا يُواجَهُ به.
(1) سبق تخريجه في صفحة 290.
(2)
في م: «بالأقرع» .
(3)
في م: «والأقرع» .
(4)
سقط من: «م» .
(5)
في: باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه، من كتاب المسافرين وقصرها. صحيح مسلم 1/ 535.كما أخرجه الترمذي، في: باب ما يقول في سجود القرآن من أبواب الجمعة. عارضة الأحوذي 3/ 60. والنسائيُّ، في: باب نوع آخر من الدعاء في السجود، من التطبيق. المجتبى 2/ 175، 176. وابن ماجه، في: باب سجود القرآن، من كتاب إقامة الصلاة. سنن ابن ماجه 1/ 335. والإمام أحمد، في: المسند 6/ 30، 31، 217.
(6)
في م: «والأذن» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قال ابنُ عبدِ الْبَرِّ: لا أعْلَمُ أحدًا مِن فُقَهاءِ الأمْصارِ قال بقَوْلِ مالكٍ هذا. ولَنا على الزُّهْرِيِّ، قولُ النبي صلى الله عليه وسلم:«الأذُنَانِ مِنَ الرَّأَسِ» . رَواه ابنُ ماجه (1). ولم يحْكِ أحَدٌ أنَّه غَسَلَهما مع الوَجْهِ، وإنَّما أضافَهُما إلى الوَجْهِ للمُجاوَرَةِ. وعلى مالكٍ، أنَّ هذا مِن الوَجْهِ في حَقِّ مَن لا لِحْيَةَ له، فكذلك مَن له لِحْيَةٌ كسائِرِ الوَجْهِ. وهذا تَحْصُلُ به المُواجَهَةُ مِن الغُلامِ. ويُسْتْحَبُّ تَّعاهُدُ المَفْصِلِ بالغَسْلِ؛ وهو ما بينَ اللِّحْيَةِ والأذُنِ. نَصَّ عليه الإمامُ أحمدُ. ويَدْخُلُ فِي الوَجْهِ العِذارُ، وهو الشَّعَرُ الذيِ على العَظْمِ النّاتِئ، سَمْتَ صِماخِ الأذُنِ. والعارِضُ الذي تحتَ العِذارِ، وهو الشَّعَرُ النّابتُ على الخَدِّ واللَّحْيَين. قال الأصمَعِيُّ: ما جاوَرَ وَتِدَ الُأذُنِ عارِضٌ، والذَّقَنُ: الشَّعَرُ الذي على مَجْمَعِ اللَّحْيَين. فهذه الشُّعُورُ الثلاثةُ مِن الوَجْهِ يَجِبُ غَسْلُها معه. وكذلك الحاجِبان، وأهْدابُ العَينَين،
(1) في: باب الأذنان من الرأس، من كتاب الطهارة. سنن ابن ماجه 1/ 152.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والشّارِبُ، والعَنْفَقَةُ. فأمّا الصُّدْغُ، وهو الذي فوقَ العِذارِ، وهو يُحاذِي رَأْسَ الُأذُنِ، ويَنْزِلُ عن رَأْسِها قليلًا، ففيه وَجْهان؛ أحَدُهما، هو مِن الوَجْهِ. اخْتاره ابنُ عَقِيلٍ؛ لحُصُولِ المُواجَهَةِ به واتِّصالِه بالعِذارِ. والثاني، أنَّه مِن الرَّأْسِ، وهو الصحيحُ؛ لأنَّ في حديثِ الرُّبَيِّعِ، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم مَسَح برَأسِه، وصُدْغَيه، وأُذُنَيه، مَرَّةً واحدةً. رَواه أبو داودَ (1). ولم يَنْقُلْ أحدٌ أنَّه غَسَلَه مع الوَجْهِ. ولأنَّه شَعَرٌ يَتَّصِلُ بشَعَرِ الرَّأُس، ويَنْبُتُ معه في حَقِّ الصَّغِيرِ، بخِلافِ العِذارِ. فأمّا التَّحْذِيف، وهو الشَّعَرُ الدّاخِلُ في الوَجْهِ ما بينَ انْتِهاءِ العِذارِ والنزعَةِ، فقال ابنُ حامدٍ: هو مِن الوَجْهِ؛ لأنَّه شَعَرٌ بينَ بَياضِ الوَجْهِ، أشْبَه العِذارَ. وقال القاضي: يَحْتَمِلُ أنَّه مِن الرَّأْسِ؛ لأنَّه شَعَرٌ مُتَّصِلٌ به، لم يَخْرُجْ عن حَدِّه، أشْبَهَ الصُّدْغَ. قال شيخُنا: والأوَّلُ أصَحُّ؛ لأنّ مَحَلَّه لوْ لم يَكُنْ عليه شَعَرٌ، كان مِن الوَجْهِ، فكذلك إذا كان عليه شَعَرٌ، كسائِرِ الوَجْهِ (2). وأمّا النَّزعَتان؛ وهما ما انْحَسَرَ عنه الشَّعَرُ مِن الرّأْسِ مُتَصاعِدًا في جانِبَي الرَّأْسِ، فقال ابنُ عَقِيل: هما مِن الوَجْهِ؛ لقولِ الشّاعرِ (3):
فلا تَنْكِحي إن فَرَّقَ الله بَينَنا
…
أغَمَّ القَفا والوَجْهٍ ليس بأنْزَعا
(1) في: باب صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود 1/ 28.
(2)
انظر: المغني 1/ 163.
(3)
هو هُدْبَة بن خُشْرُم بن كُرز، شاعر فصيح متقدم من بادية الحجاز، يروى للحطيئة، قتل قصاصا، والبيت من قطعة له قبل قتله يخاطب امرأته، وكانت جميلة. انظر خبره في: الأغاني 21/ 264، وما بعدها، وخزانة الأدب 9/ 334، وعيون الأخبار 4/ 15.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقال القاضِي، وشيخُنا: هما مِن الرأْسِ (1). وهو الصحيحُ، لأنَّه لا تحْصُلُ بهما المُواجَهَةُ، ولدُخولِهما في حَدِّ الرأْس، لِأنّه ما تَرَأَسِ وعَلا. وذكر ابنُ عَقِيلٍ في الشَّعَرِ المُسامِتِ للنَّزَعتَين هل هو مِن الوَجْهِ أم لا؟ على وَجْهَين. ويَجِبُ غَسْلُ ما اسْتَرْسَل مِن اللِّحيَةِ، في ظاهِر
(1) انظر: المغني 1/ 163.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المذهبِ. وكذلك ما خَرَج عن حَدِّ الوَجْهِ عَرْضًا. وهذا ظاهرُ مذهبِ الشافعيِّ؛ لأنَّها مِن الوَجْهِ، بدليلِ ما رُوِيَ، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا قد غَطَّى لِحْيَتَه في الصلاةِ، فقال:«اكْشِفْ لِحْيَتَكَ، فَإنَّ اللِّحْيَةَ مِنَ الْوَجْهِ» (1). ولأَنّه نابِتٌ في مَحَلِّ الفَرْضِ، أشْبَه اليَدَ الزّائِدَةَ، ولأنَّها تحْصُلُ بها المُواجَهَةُ، أَشْبَهَتْ سائِرَ الوَجْهِ. وقال أبو حنيفةَ، والشافعيُّ في أحَدِ قَوْلَيه: لا يَجِبُ غَسْلُ ما نَزَل مِنها عَنْ حَدِّ الوَجْهِ طُولًا، ولا ما خَرَج عَرْضًا؛ لأنه شَعَرٌ خارِجٌ عن مَحَلِّ الفَرْضِ، أشْبَه ما نَزَل مِن شَعَرِ الرّأْسِ. ورُوِيَ عن أبي حنيفةَ، أنَّه لا يَجِبُ غَسْلُ اللّحْيَةِ الكَثِيفَةِ، وما تحتَها مِن بَشَرَةِ الوَجْهِ؛ لأنَّ الوَجْه اسْمٌ للبَشَرَةِ التي تحْصُلُ بها المُواجَهَةُ،
(1) حديث ضعيف، وله إسناد مظلم. انظر تلخيص الحبير لابن حجر 1/ 68.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولم يُوجد ذلك في واحدةٍ مِنْهما. وقال الخَلّالُ: الذي ثَبَت عن أبي عبدِ اللهِ في اللِّحْيَةِ، أنَّه لا يَغْسِلُها، وليستْ مِن الوَجْهِ. وظاهِرُ هذا كمذهبِ أبي حنيفةَ، فيما ذُكِرَ عنه آخِرًا، والمشهورُ عن أبي حنيفةَ وُجوبُ غَسْلِ رُبْع اللِّحْيَةِ، كقَوْلِه فِي مَسْحِ الرَّأْسِ. والقولُ الأوَّلُ هو المشهورُ في المذهبِ. وما رُوِيَ عن أحمدَ، يحْتَمِلُ أنَّه أرادَ ما خَرَج عن الوَجْهِ منها، كما ذَكَرْنا عن الشافعيِّ، وأبي حنيفةَ، فعلى هذا يَصِيرُ فيه رِوايَتان. ويحْتَمِلُ أنَّه أرادَ غَسْلَ باطِنِها، فيَكُونُ مُوافِقًا للقولِ الأوَّلِ، وهو الصحيحُ، إن شاءَ اللهُ. وقِياسُهم على النّازلِ مِن شَعَرِ الرَّأسِ لا يَصِحُّ؛ لأنَّه لا يَدخُلُ. في اسْمِ الرّأْس، وهذا يَدْخُلُ في اسمِ الوَجْهِ؛ لِما ذَكَرنا مِن الحديثِ، [ولحُصولِ المُواجَهَةِ به. واللهُ أعلمُ](1).
(1) سقط من: «م» .