الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِنْ سُخِّنَ بِنَجَاسَةٍ فَهَلْ يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ؛ عَلَى رِوَايَتَينِ.
ــ
8 - مسألة؛ قال: (وإن سُخِّن بنجاسةٍ، فهل يُكرَه استعمالُه، على رِوايَتَين)
الماءُ المُسَخَّنُ بالنَّجاسة يَنْقَسِمُ ثلاثةَ أقسام؛ أحدُها، أن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يَتَحَقَّقَ وُصولُها إليه، فهذا نَجِسٌ إن كان يَسِيرًا؛ لما يأتي. الثاني، إن غَلَبَ على الظَّنِّ أنَّها لا تصلُ إليه، فهو طاهرٌ بالأصل، ولا يُكْرَهُ اسْتِعْمالُه في أحَدِ الوَجْهين. اخْتاره الشَّريفُ أبو جعفر، وابنُ عَقِيلٍ؛ لأنَّ احْتمال وُصُولِ النَّجاسةِ إليه يَبْعُدُ، أشْبَهَ غيرَ المُسَخَّنِ. والثاني يُكْرَه؛ لاحْتمال وصولِ (1) النَّجاسةِ. اختارَه القاضي. الثالث ما عدا ذلك، ففيه روايتان؛ إحداهما يُكْرَهُ، وهو طاهرُ المذهبِ؛ لأجلِ النجاسة. والثانية، لا يُكْرَهُ، كالتي قبلها، وكالماءِ إذا شُكَّ في نجاستِه. وهذا مذهبُ الشافعيِّ. وذَكَر أبو الخَطّابِ في الماءِ المُسَخَّنِ بالنَّجاسةِ روايتَين على الإِطْلاق. واللهُ أعلمُ.
(1) سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصلٌ: ولا يُكْرَهُ الوُضوءُ والغُسْلُ بماءِ زَمْزَمَ؛ لما رَوَى عَلِيٌّ، رضي الله عنه، أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وَقَف بعَرَفةَ وهو مُرْدِفٌ (1) أُسامَةَ بنِ زيدٍ. فَذَكَر الحديث. وفيه: ثم أفاض رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فدعا بسَجْلٍ من ماءِ زمزمَ، فشَرِبَ منه، وتوضَّأ. رَواه عبدُ الله بن أحمد، في «المسند» (2) عن غير أبيه. وعنه: يُكْرَهُ؛ لقولِ العبّاسِ: لا أُحِلُّها للمُغْتَسِلِ. ولأنَّه أزال به مانِعًا من الصلاةِ، أشْبَهَ ما لو أزال (3) به النَّجاسةَ. والأوَّلُ أَوْلَى؛ لما ذكرْنا، وكَوْنُهُ مُبارَكًا لا يَمْنَعُ الوضوءَ به، كالماءِ الذي وَضَع النبيُّ صلى الله عليه وسلم يدَه فيه.
(1) في م: «مردوف» .
(2)
1/ 76.
(3)
في الأصل: «غسل» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: إذا خالطَ الماءَ طاهرٌ لم يُغَيِّره، لم يَمْنَعِ الطهارَةَ. قال شيخُنا (1): لا نعْلَمُ فيه خلافًا. وحُكِىَ عن أمِّ هانِئٍ، والزُّهْرِيِّ (2)، في كِسَرٍ بُلَّتْ في ماءٍ، غيَّرتْ لَوْنَه، أو لم تُغَيِّرْه، لا يجوزُ الوُضوءُ به (3). والأوَّلُ أوْلَى؛ لأنَّه طاهرٌ لم يُغَيِّرْ صِفَةَ الماءِ، فلم يَمْنَعْ كبَقِيَّةِ الطّاهِراتِ، وقد اغْتَسَلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم هو وزوجتُه من قَصْعَةٍ فيها أثَرُ العَجِين. رَواه النَّسائِىُّ (4).
فصل: إذا وَقَع في الماءِ ماءٌ مُسْتَعْمَلٌ، عُفِىَ عن يَسِيرِه. رَواه إسحاقُ ابن منصور (5)، عن أحمدَ. وهذا ظاهرُ حالِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأصْحابِه؛ لأنَّهم كانوا يتَوَضَّئُون من الأقْداحِ، ويغْتَسِلُون مِن الجِفانِ، وقد اغْتَسل هو وعائشةُ من إِناءٍ واحد، تخْتَلِفُ أيدِيهما فيه، كلُّ واحدٍ منهما يقولُ لصاحبِه:«أبْقِ لِي» (6). ومثلُ هذا لا يَسلَمُ مِن رَشاشٍ يقَع في الماءِ،
(1) المغني 1/ 25.
(2)
أبو بكر محمد بن مسلم بن عبيد الله، ابن شهاب الزهري، الإمام العالم، حافظ زمانه، توفي سنة أربع وعشرين ومائة. سير أعلاء النبلاء 5/ 326 - 350.
(3)
أخرجه الدارقطني، في: باب الماء يبل فيه الخبز، من كتاب الطهارة. سنن الدارقطني 1/ 39.
(4)
في: باب الاغتسال في القصعة التي يعجن فيها، من كتاب الطهارة، وفي: باب الاغتسال في قصعة فيها أثر العجين، من كتاب الغسل والتيمم. المجتبى 1/ 108، 166.
(5)
أبو يعقوب إسحاق بن منصور بن بهرام الكوسج المروزى، العالم الفقيه، وهو الذي دوَّن عن الإمام أحمد المسائل في الفقه، وتوفي سنة إحدى وخمسين ومائتين، بنيسابور. طبقات الحنابلة 1/ 113 - 115، العبر 2/ 1.
(6)
أخرجه الإمام أحمد، في المسند 6/ 91.
وبنحوه أخرجه البخاري، في: باب هل يدخل الجنب يده في الإناء، من كتاب الغسل. صحيح البخاري 1/ 74. ومسلم، في: باب القدر المستحب من الماء في الجنابة وغسل الرجل والمرأة في إناء واحد، من كتاب الحيض. صحيح مسلم 1/ 256، 257. وأبو داود، في: باب الوضوء بفضل =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فإن كثُر الواقِعُ فيه وتَفاحَشَ، مَنَع، في إحْدَى الرِّوايتَين. وقال أصحابُ الشافعيِّ: إن كان الأكْثَرُ المُسْتَعْملَ، مَنَع، وإلَّا فلا. وقال ابنُ عَقِيل: إن كان الواقِعُ بحيثُ لو كان خَلًّا غَيَّرَ الماءَ، مَنَع، وإلَّا فلا. وما ذكَرْنا من الخَبرِ وظاهرِ حالِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم يَمْنَع مِن اعْتبارِه بالْخَلِّ، لسُرْعةِ نُفُوذِه وسِرايَتِه، فيُوثِّرُ قليلُه في الماءِ، والحديثُ دَلَّ على العَفْو عن الْيَسِيرِ مُطْلَقًا، فَيَنْبَغِي أن يُرْجَعَ في ذلك إلى العُرْفِ، فما عُدَّ كثيرًا، مَنَع (1)، وإلَّا فلا. وإن شَكَّ في كَثْرَتِه، لم يَمْنَعْ، عَمَلًا بالأصْلِ.
فصل: فإن كان معه ماءٌ لا يَكْفِيه لطَهارته، فكَمَّلَه بمائِعٍ آخَرَ لم يغَيَره؛ جاز الوُضُوءُ به، فىَ إحْدَى الرِّوايَتَين؛ لأنَّه طاهرٌ لم يُغَيِّرِ الماءَ، فلم يَمْنَعْ؛ لو كان الماءُ قَدْرًا يَكْفِيه لطَهارته. والثانية: لا يجُوزُ؛ لأنَّا نَتَيَقَّنُ حُصُولَ غَسْلِ بعضِ أعْضائِه بالمائِعِ. والأوَّلُ أوْلَى؛ لأنَّ المائِعَ اسْتُهلِكَ في الماءِ، فسَقَطَ حُكْمُه، أشْبَهَ ما لو كان الماءُ يَكْفِيه لطَهارتِه، فزادَه مائِعًا آخَرَ، وتَوَضَّأ منه، وبَقِي قَدْرُ المائِعِ.
= المرأة، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود 1/ 18، والنسائي، في: باب الرخصة في الاغتسال بفضل الجنب، من كتاب الطهارة، وفي: باب اغتسال الرجل والمرأة من نسائه من إناء واحد، وباب الرخصة في ذلك، من كتاب الغسل والتيمم. المجتبى 1/ 108، 166. وابن ماجه، في: باب الرجل والمرأة يغتسلان من إناء واحد، من كتاب الطهارة. سنن ابن ماجه 1/ 133.
(1)
سقط من: الأصل.
فَصْلٌ: الْقِسْمُ الثَّانِي، مَاء طَاهرٌ غَيرُ مُطَهِّرٍ، وَهُوَ مَا خَالطَهُ طَاهِرٌ، فغَيَّرَ اسْمَهُ، أَوْ غَلَبَ عَلَى أَجْزَائِهِ، أَوْ طُبِخَ فِيهِ، فَغَيَّرَهُ.
ــ
فصل: قال الشيخُ، رحمه الله:(القِسْمُ الثَّانِي، ماءٌ طاهِرٌ غيرُ مُطَهِّرٍ، وهو ما خالطَهُ طاهِرٌ فغَيَّرَ اسْمَه، أو غَلَب على أجْزائِه، أو طُبِخَ فيه فغَيَّرَه (1)). وجُمْلَتُه أَنَّ كلَّ ماءٍ خالطَه طاهِرٌ فغَيَّرَ اسْمَهْ حتَّى صار صِبْغًا، أو خَلًّا، أو غَلَبَ على أجْزائِه فصَيَّرَه حِبْرًا، أو طُبِخَ فيه فصار يُسَمَّى (1) مَرَقًا، وتَغَيَّر بذلك، فهذِه (2) الأنْواعُ الثَّلاثةُ لا يَجُوزُ الغُسْلُ ولا الوُضُوءُ بها، لا نَعْلَمُ فيهِ خلافًا، إلَّا أنَّه حُكِىَ عن أصحابِ الشافعيِّ وَجْهٌ في ماءِ الباقِلَّا المَغْلِيّ، أنَّه يجُوزُ الوُضُوءُ به، وحُكِىَ عن ابنِ أبي لَيلَى (3) والأصَمِّ (4)، جوازُ (5) الوضوءِ والغُسْلِ بالمِياهِ المُعْتَصَرَةِ. وسائِرُ أهلِ العِلْمِ على خلافِهم، لأنَّ الطهارةَ إنَّما تجُوزُ بالماءِ، لقولِه تعالى:{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} (6). وهذا لا يَقَعُ عليه اسمُ الماءِ.
(1) سقطت من: «م» .
(2)
بياض في: م.
(3)
أبو عبد الرحمن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري الكوفي، مفتى الكوفة وقاضيها، توفي سنة ثمان وأربعين ومائة. سير أعلام النبلاء 6/ 310 - 316.
(4)
أبو العباس محمد بن يعقوب بن يوسف الأصم النيسابوري، المحدث، مستد العصر، المتوفي سنة ست وأربعين وثلاثمائة. سير أعلام النبلاء 15/ 452 - 460.
(5)
في م: «أنَّه يجوز» .
(6)
سورة المائدة 6.