الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَتَرتِيبُهُ، عَلَى مَا ذَكَرَ اللهُ تَعَالى،
ــ
بالغَسْلِ، لا بالمَسْحِ. ويَحْتَمِلُ أنَّه أرادَ بالمَسْحِ الغَسْلَ الخَفِيفَ. قال أبُو عَليٍّ الفارِسِيُّ (1): العَرَبُ تُسَمِّي خَفِيفَ الغَسْلِ مَسْحًا، فيَقُولُون: تَمَسَّحْتُ للصَّلاةِ. أي تَوَضَّأْتُ. فإن قِيل: فعَطْفُه على الرَّأْسِ يَدُلُّ على أنَّه أرادَ حَقِيقَةَ المَسْحِ. قُلْنا: قد افْتَرَقا مِن وُجُوهٍ؛ أحَدُها، أنَّ المَمْسُوحَ في الرَّأْسِ شَعَرٌ يَشُقُّ غَسْلُه، والرِّجْلان بخِلافِ ذلك، فَهُما أشْبَهُ بالمَغْسُولاتِ. الثاني، أنَّهما مَحْدُودانِ بحَدٍّ يَنْتَهِي إليه، أَشْبَها اليَدَين. الثالثُ، أنَّهما مُعَرَّضَتان للخَبَثِ، لكَوْنِهما يُوطَأ بِهما على الأرضِ. وأمّا حَدِيثُ أوْسِ بنِ أوس فيُحْمَلُ على أنّه أرادَ الغَسْلَ الخَفِيفَ، وكذلك حديثُ ابنِ عباسٍ، وكذلك قال: أخَذَ مِلْءَ كَفٍّ مِنْ ماءٍ، فرَشَّ على قَدَمَيه. والمَسْحُ يكونُ بالبَلَلِ لا برشِّ الماءِ. واللهُ أعلمُ.
85 - مسألة؛ قال: (والتَّرْتِيبُ على ما ذَكَرَ اللهُ تعالى)
وهو الفرضُ الخامسُ، وجملةُ ذلك أنَّ التَّرْتِيبَ في الوُضُوءِ، كما ذكر اللهُ تعالى، واجبٌ
(1) الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسي، أبو علي. عالم العربية، صاحب التصانيف، المتوفى سنة سبع وسبعين وثلاثمائة. إنباه الرواة 1/ 273، وفيات الأعيان 2/ 80 - 82.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
في قولِ أحمدَ. قال شيخُنا: لم أَرَ عنه فيه اخْتِلافًا. وهو مَذْهبُ الشافعيِّ، وأبي ثَوْرٍ، وأبي عُبَيدٍ، وإسحاقَ (1). وحَكَى أبو الخَطَّابِ، عن أحمدَ روايةً أُخْرَى، أنَّه غيرُ واجبٍ. وهو مذهَبُ مالكٍ، والثَّوْرِيِّ، وأصحابِ الرَّأْي. واخْتارَه ابنُ المُنْذِرِ؛ لأنّ الله تعالى أمَرَ بغَسْلِ الأعْضاءِ، وعَطَف بَعْضَها على بعضٍ بواو الجَمْعِ، وهي لا تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ، فكَيفَما غَسَل كان مُمْتَثِلًا، ورُوي عن عليٍّ، أنَّه قال: ما أُبَالِي إذا أَتْمَمْتُ وُضُوئِي بأَيِّ أَعْضائِي بَدأْتُ (2). وعن ابنِ مسعودٍ: لا بَأْسَ أنْ تَبْدَأَ برِجْلَيكَ قَبْلَ يَدَيك في الوُضُوءِ (2). ووجْهُ الأوَّلِ أنَّ في الآيةِ قَرِينَةً تَدُلُّ على التَّرْتِيبِ، فإنَّه أدْخَلَ مَمْسُوحًا بينَ مَغْسُولَين، وقَطَع النَّظِيرَ عن نَظِيرِه، والعربُ لا تَفْعلُ ذلك إلَّا لفائِدَةٍ، والفائِدَةُ هي التَّرْتِيبُ. فإن قِيل: فائِدَتُه اسْتِحْبابُ التَّرْتِيبِ. قُلْنا: الآيةُ ما سِيقَتْ إلَّا لبَيان الواجِبِ،
(1) المغني 1/ 189، 190. ولم يرد «وإسحاق» في المغني.
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة، في: باب في الرجل يتوضأ يبدأ برجليه قبل يديه، من كتاب الطهارات. المصنف 1/ 39.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولهذا لم تُذْكَرِ السُّنَنُ فيها، ولأنّه متى اقْتَضَى اللَّفْظُ التَّرتِيبَ، كان مَأمُورًا به. ولأنَّ كلَّ من حَكَى وُضُوءَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَكاه مُرَتَّبًا، وهو مُفَسِّرٌ لِما في كتابِ الله تِعالى، وتَوَضَّأَ مُرَتِّبًا، وقال:«هذا وُضُوءٌ، لا يَقْبَلُ اللهُ الصَّلاةَ إلَّا بِهِ» (1). أي: بمِثْلِه. وقولُهم: إنَّ الواو لا تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ. مَمْنُوعٌ، فقد اقْتَضَتِ التَّرْتِيبَ في قولِه تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} (2). وما رُوِيَ عن عليٍّ، قال أحمدُ: إنَّما عَنَى به اليُسْرَى قبلَ اليُمْنَى؛ لأنَّ مَخْرَجَهُما في الكتابِ واحِدٌ. ورَوَى الإِمامُ أحمدُ بإسْنادِه، أنَّ عليًّا سُئِلَ، فقِيل له: أحدُنا يَسْتعجِلُ، فيَغْسِلُ شيئًا قبلَ شيءٍ؟ فقال: لا. حَتى يكونَ كما أمَرَ اللهُ تعالى. وروايَتُه (3) عن ابن مسعودٍ لا نَعْرِفُ لها أصلًا، فأمَّا تَرْتِيبُ اليُمْنَى على اليُسْرَى، فلا يَجِبُ بِالإِجماع. حكناه ابنُ الْمُنْذِرِ، لأنَّ اللهَ تعالى ذَكرَ مَخْرَجَهُما (4) واحدًا، فقال:{وَأيدِيَكُمْ} ، {وَأرْجُلَكُمْ} ، وكذلك التَّرْتِيبُ بينَ المَضْمَضَةِ، والاسْتِنْشاقِ، والفُقهَاءُ يَعُدُّون اليَدَينِ عُضْوًا، والرِّجْلَينِ عُضوًا، ولا يجبُ التَّرْتِيبُ بينَ العُضْو الواحِدِ. واللهُ أعلمُ.
(1) أخرجه ابن ماجه، في: باب ما جاء في الوضوء مرة ومرتين وثلاثا، من كتاب الطهارة، عن ابن عمر، قال: توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدة، فقال:«هذا وضوء من لا يقبل الله منه صلاة إلا به» . . . . إلخ. سنن ابن ماجه 1/ 145. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 98.
(2)
سورة الحج: 77.
(3)
في م: «وروايتهم» .
(4)
في م: «مخرجة» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فإن نَكَّسَ وُضُوءَه، فَبَدأ بشيءٍ مِنْ أَعْضائِه قبلَ وَجْهِه، لم يُحْتَسَبْ بما غَسَلَه قبلَه. وإن بَدَأ برِجْلَيه، وخَتَم بوَجْهِه، لم يَصِحَّ إلَّا غَسْلُ وَجْهِه. وإن تَوَضَّأ مُنَكِّسًا أربعَ مَرّاتٍ، صَحَّ وُضُوؤه إذا كان مُتَقارِبًا، يَحْصُلُ له مِنْ كلِّ مَرَّةٍ غَسْلُ عُضْوٍ. ومذهبُ الشافعيِّ يُجَوِّزُ (1) هَذا. ولو غَسَل أعْضاءَه دَفْعَةً واحِدَةً، لم يَصِحَّ إلَّا غَسْلُ وَجْهِه. وإنِ انْغَمَس في ماءٍ جارٍ، فلم يَمُرَّ على أعْضائِه إلَّا جَرْيَةٌ واحدةٌ، فكذلِك. وإن مَرَّ عليه أرْبعُ جَرَيَاتٍ، وقلنا: الغَسْلُ يُجْزِئُ عن المَسْحِ. أجْزأه، كما لو توَضَّأ أربعَ مَرَّاتٍ. وإنْ كان الماءُ راكِدًا، فقال بَعْضُ أصحابِنا: إذا أخْرَجِ وَجْهَه ثم يَدَيهِ، ثم مَسَح رَأسَه، ثم خَرَج مِن الماءِ، أجْزأه؛ لأنَّ الحَدَثَ إنَّما يَرْتَفِعُ بانْفِصالِ الماءِ عن العُضْو. ونَصَّ أحمدُ، في رجلٍ أرادَ الوُضُوءَ فاغْتَمَس في الماءِ، ثم خرجَ مِن الماءِ، فعليه مَسْحُ رَأْسِه وغَسْلُ رِجْلَيهِ. وهذا يَدُلُّ على أنَّ الماءَ إذا كان جَاريًا، فمَرَّتْ عليه جَرْيَةٌ واحدةٌ، أنَّه يُجْزِئُه مَسْحُ رَأْسِه، ثم يَغْسِلُ رِجْلَيه. وإنِ اجْتَمَع الحَدَثانِ، سَقَطَ التَّرْتِيبُ والمُوالاةُ، على ما سَنَذْكُرُه [في مَوْضِعِه](2)، إنْ شاءَ اللهُ تعالى.
(1) في م: «نحو» .
(2)
سقط من: «م» .