الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمِن شَرْطِهِ أَنْ يَلْبَسَ الْجَمِيعَ بَعْدَ كَمَالِ الطَّهَارَةِ،
ــ
113 - مسألة؛ قال: (ومِن شَرْطِه أن يَلْبَسَ الجَمِيعَ بعدَ كَمالِ الطهارةِ)
لا نَعْلَمُ في اشْتِراطِ تَقَدُّمِ الطهارة لكُلِّ ما يَجُوزُ المَسْحُ عليه خِلافًا، إلَّا الجَبِيرَةَ، ووَجْهُه ما روَى المُغِيرَةُ بنُ شُعْبَةَ، قال: كنتُ مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم في سَفَرٍ، فأهْوَيتُ لأنْزِعَ خُفَّيه، فقال:«دَعْهُمَا فَإنِّي أَدخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَينِ» . فمَسَحَ عليهما. مُتَّفَقٌ عليه (1). وعنه قال:
(1) تقدم تخريجه في أول الباب صفحة 377.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قُلتُ: يا رسولَ اللهِ، أيَمْسَحُ أحَدُنا على خُفَّيه. فقال:«نَعَمْ، إذَا أَدخَلَهُمَا وَهُمَا طَاهِرَتَانِ» . رَواه الدّارَقطْنِيُّ (1). فأمّا إن غَسَل إحْدَى رِجْلَيه، ثم لَبِس الخُفَّ، ثم غَسَل الأخْرَى وأدْخَلَها الخُفَّ، لم يَجُزِ المَسْحُ أيضًا. وهو قولُ الشافعيِّ، وإسحاقَ. ونَحْوُه عن مالكٍ. وعنه، أنَّه يَجُوزُ، رَواها أبو طالِبٍ عنه. وهو قولُ أبي ثَوْرٍ، وأصحابِ الرَّأي؛ لأنَّه أحْدَثَ بعدَ كَمالِ الطهارةِ واللُّبْسِ، فجازَ، كما لو نَزَع الخُفَّ الأوَّلَ ثم لَبِسَه. وكذلك الحُكْمُ في مَن مَسَح رَأْسَه ولَبِس العِمامَةَ، ثم غَسَل رِجْلَيه، قِياسًا على الخفِّ. وقد قِيلَ، في مَن غَسَل رِجْلَيه ولَبِس خُفَّيه، ثم غَسَل بَقِيَّةَ أعْضائِه: إذا قُلْنا: إنَّ التَّرْتِيبَ ليس بشَرْطٍ. جازَ له المَسْحُ. ووَجْهُ الأولَى، ما ذَكَرْنا مِن الحَدِيثَين، وهو يَدُلُّ على وُجُودِ الطهارةِ فيهما جَمِيعًا وَقْتَ إدْخالِهِما، ولم يُوجَدْ ذلك وقتَ لُبْسِ الأولَى. ولأنَّ ما اعْتُبِرَ له الطهارةُ اعْتُبرَ له جَمِيعُها، كالصلاةِ. وفارَقَ ما إذا نَزَع الخُفَّ الأوَّلَ، ثم لَبِسَه؛ لأَنَّه لَبِسَه بعدَ كَمالِ الطهارةِ.
(1) في: باب الرخصة في المسح على الخفين. .، من كتاب الطهارة. سنن الدارقطني 1/ 194.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: كَرِهِ أحمدُ لُبْسَ الخُفِّ، وهو يُدافِعُ أحَدَ الأخْبَثَين؛ لأنَّ الصلاةَ مَكْرُوهَةٌ بهذه الطهارةِ، فكذلِكَ (1) اللُّبْسُ الذي يُرادُ للصلاةِ. والأوْلَى، أن لا يُكْرَهَ. ورُوِيَ عن إبراهيمَ النَّخَعِيِّ، أنَّه كان إذا أرادَ أن يَبُولَ، لَبِس خُفَّيه. ولأنَّها طهارةٌ كامِلَةٌ، أشْبَهَ ما لو لَبِسَهُما عندَ غَلَبَةِ النُّعاسِ. والصلاةُ إنَّما كُرِهَتْ للحاقِنِ؛ لأنَّ اشْتِغال قَلْبِه بمُدافَعَةِ الأخْبَثَين، يَذْهَبُ بخُشُوعِ الصلاةِ، ويَمْنَعُ الإِتْيانَ بها على الكَمالِ، ويَحْمِلُه على العَجَلَةِ، ولا يَضُرُّ ذلك في اللبْسِ.
فصل: فإن تَطَهَّر، ثم لَبِس الخُفَّ، فأحْدَثَ قبلَ بُلُوغِ الرِّجْلِ قَدَمَ الخُفِّ، لم يَجُزْ له المَسْحُ؛ لأنَّ الرِّجْلَ حَصَلَتْا في مَقَرِّها وهو مُحْدِثٌ، فصارَ كما لو بَدَأ اللُّبْسَ وهو مُحْدِثٌ.
(1) في م: «وكذلك» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فإن تَيَمَّمَ، ثم لَبِس الخُفَّ، لم يَكُنْ له المَسْحُ؛ لأنَّه لَبِسَه على طهارةٍ غيرِ كامِلَةٍ. ولأنَّها طهارةُ ضَرُورَةٍ، بَطَلَتْ مِن أصْلِها، فصارَ كاللّابِسِ له على غيرِ طهارةٍ. ولأنَّ التَّيَمُّمَ لا يَرْفَعُ الحَدَثَ، فقد لَبِسَه وهو مُحْدِث. فأمّا إن تَطَهَّرَتِ المُسْتَحاضَةُ، ومَن به سَلَسُ البَوْلِ، وشِبْهُهُما، ولَبسُوا خِفافًا، فلهم المَسْحُ عليها. نَصَّ عليه أحمدُ؛ لأنَّ طَهارَتَهُم كامِلَةٌ في حَقِّهم. قال ابنُ عَقِيل: لأنَّها مُضْطَرَّةٌ إلى التَّرَخُّصِ، وأحَقُّ مَن يَتَرَخَّصُ المُضْطرُّ. فإنِ انْقَطعَ الدَّمُ، أو زالتِ (1) الضَّرُورَةُ، بَطَلَتِ الطهارةُ مِن أصْلِها، ولم يَكُنْ لهما المَسْحُ، كالمُتَيَمِّمِ إذا وَجَد الماءَ. وإن لَبِسَ الخُفَّ بعدَ طهارةٍ مَسَح فيها على العِمامَةِ، أو العِمامَةَ بعدَ
(1) في م: «وزالت» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
طهارةٍ مَسَح فيها على الخُفِّ، فقال بَعْضُ أصحابنا: ظاهِرُ كلام أحمدَ أنَّه لا يَجُوزُ المَسْح؛ لأنَّه لبِس على طهارةٍ مَمْسُوحٍ فيها على بَدَلٍ، فلم يُسْتَبَحِ المَسْحُ باللُّبْسِ فيها، كما لو لَبِس خُفًّا على طهارةٍ مَسَح فيها على خُفٍّ. وقال القاضي: يَحْتَمِلُ جَوازَ المَسْحِ؛ لأنَّها طهارة كامِلَة، وكل واحِدٍ منهما ليس ببَدَلٍ عن الآخَرِ، بخِلَافِ الخُفِّ المَلْبُوسِ على خُفٍّ مَمْسُوحٍ عليه.
فصل: فإن لَبِس الجَبِيرَةَ على طهارةٍ مَسَح فيها على خُفٍّ أو عِمامَةٍ، وقُلْنا: ليس مِن شَرْطِها الطهارةُ. جاز المَسْحُ عليها. وإنِ اشْتَرَطْنا الطهارةَ، احْتَمَلَ أن يَكُونَ كالعِمامَةِ المَلْبُوسَةِ على طهارةٍ مَسَح فيها على الخُفِّ، واحْتَمَلَ جَواز المَسْحِ بكلِّ حالٍ؛ لأنَّ مَسْحَها عَزِيمَة. وإن لَبِس الخُفَّ على طهارةٍ مَسَح فيها على الجَبِيرَةِ، جازَ المَسْحُ عليه؛ لأنَّها عَزِيمَة، ولأنَّها إن كانت ناقِصَةً (1)، فهو لنَقْصٍ لم يَزَلْ، فلم يَمْنَعْ كطهارةِ (2) المُسْتَحاضَةِ. وإن لَبِس الجَبِيرَةَ على طهارةٍ مَسَح فيها على الجَبِيرَةِ، جازَ المَسْحُ؛ لِما ذَكَرْنا.
(1) في م: «نافعة» .
(2)
في م «طهارة» .