الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلا أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ نَزْحُهُ لِكَثْرَتِهِ، فَلَا يَنْجُسُ.
ــ
18 - مسألة؛ قال: (إلَّا أن يكونَ مِمّا لا يُمْكِنُ نَزْحُه لكَثْرتِه، فلا يَنْجُسُ)
لا نعلمُ خِلافًا أنَّ الماءَ الذي لا يُمْكِنُ نَزْحُه إلَّا بمَشَقَّةٍ عظيمةٍ، مِثْلَ المصانِعِ التي جُعِلتْ مَوْرِدًا للْحاجِّ، بطريقِ مكةَ، يَصْدُرُون عنها، ولا يَنْفَدُ ما فيها، أنَّها لا تَنْجُسُ إلا بالتَّغْيِيرِ. قال ابنُ المُنْذِرِ: أجمعَ كلُّ مَن نحفظُ عنه مِن أهلِ العلمِ على أنَّ الماءَ الكثيرَ، كالرِّجْلِ (1) مِن البحرِ، ونحوه، إِذا وقعتْ فيه نجاسةٌ، فلم تُغَيِّر له لَوْنًا، ولا طَعْمًا، ولا رِيحًا، أنّه بحاله يُتَطَهَّرُ منه.
(1) الرجل من البحر: خليجه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ولا فرقَ بينَ قليلِ البولِ وكثيرِه، قال مُهَنَّا (1): سألتُ أحمدَ عن بِئْرٍ غَزِيرَةٍ، وقعتْ فيها خِرْقَةٌ أصابَها بولٌ. قال: تُنْزَحُ؛ لأنَّ النَّجاساتِ لا فرقَ بينَ قليلها وكثيرِها، كذلك البولُ.
فصل: إِذا كانتْ بئْرُ الماءِ مُلاصِقَةً لبئرٍ فيها بولٌ، أو غيرُه مِن النَّجاساتِ، وشَكّ في وُصُولِه إلى الماءِ، فالماءُ طَاهِرٌ بالأصلِ. وإن أحبَّ عِلْمَ حقيقةِ ذلك، فَلْيَطرحْ في البِئْرِ النَّجِسَةِ نِفْطًا، فإن وَجَد رائِحَتَه في الماءِ عَلِمَ وُصُولَه إليه، وإلا فَلا، وإن وَجَده مُتَغَيِّرًا تغيُّرًا يَصْلُحُ أن يكونَ منها، ولم يعلمْ له سَبَبًا آخَرَ فهو نَجِس؛ لأنَّ المُلاصَقَةَ سببٌ، فيُحالُ الحُكْمُ عليه، والأصلُ عَدَمُ ما سِواه. ولو وَجَد ماءً مُتَغَيِّرًا في غيرِ هذه الصُّورَةِ، ولم يعلمْ سببَ تَغَيُّرِه، فهو طاهرٌ وإن غلبَ على ظَنِّه نجاستُه؛ لأنَّ الأصلَ الطهارةُ. وإن وقعتْ في الماءِ نجاسةٌ، فوجدَه متغيِّرًا تغيُّرًا يصلُحُ أن يكونَ منها، فهو نَجِسٌ؛ لأنَّ الظَّاهرَ كَوْنُه منها، والأصلُ عدمُ ما سِواه، فيُحالُ الحكمُ عليه، وإن كان التَّغَيُّرُ لا يصلحُ أن يكونَ منها، لكَثْرَةِ الماءِ وقِلَّتِها، أو لمُخالفَتِه لونَها، أو طعْمَها، فهو طاهِرٌ؛ لأنَّ النجاسةَ لا تصلُحُ أن تكونَ سببًا ها هنا، أشْبَهَ ما لو لم يقعْ فيه شيءٌ.
(1) أبو عبد الله مهنا بن يحيى الشامي السلمي، من كبار أصحاب الإمام أحمد، روى عنه من المسائل ما فخر به، كتب عنه عبد الله بن أحمد مسائل كثيرة، بضعة عشر جزءًا، من رجال القرن الثالث. طبقات الحنابلة 1/ 345 - 381.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فإن توضَّأ مِن الماءِ القليلِ وصلَّى، ثم وجدَ فيه نجاسةً، أو توضَّأَ مِن ماءٍ كثيرٍ، ثم وجدَه مُتغيِّرَا بنجاسَةٍ، و (1) شَكَّ هل كان قبلَ وُضُوئِه، أو بعدَه، فالأصلُ صحَّةُ طهارتِه وصلاتِه، وإن عَلِم أنَّ ذلك قبلَ وُضوئِه بأمارَةٍ، أعادَ، وإن عَلِم أنَّ النجاسةَ قبلَ وُضوئِه، ولم يَعلمْ أكان دونَ القُلَّتَين، أو كان قُلَّتَين فنَقَص بالاسْتِعْمالِ، أعادَ؛ لأنَّ الأصلَ نَقْصُ الماء.
فصل: إذا وَقَعتْ في الماءِ نجاسةٌ، فغَيَّرتْ بعضَه، فالمُتَغيَرُ نَجِسٌ، وما لم يَتَغَيَّرْ إن بَلَغ قُلَّتَين، فهو طاهرٌ، وإلَّا فهو نَجِسٌ؛ لأنَّ الماءَ اليَسِيرَ يَنْجُسُ بمُجَرَّدِ المُلاقاةِ، لما ذكرْنا. وقال ابنُ عَقِيلٍ، وبعضُ الشافعيَّةِ: يكونُ نَجِسًا وإنْ كَثُرَ، كما لو كان يسيرًا، ولأنّ المُتَغَيِّر نَجِسٌ، فينجسُ ما يُلاقِيه، وما يُلاقِي ما يُلاقيه، حتى يَنْجُسَ جميعُه، فإنِ اضْطَرَب فزال تَغَيُّرُه، طَهُرَ لزَوالِ عِلَّةِ النجاسةِ، وهي التَّغيُّرُ. ولَنا، قولُ
(1) سقط من: «م» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا بلَغَ المَاءُ قُلَّتَين لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ» (1). وغيرُ المُتغيِّرِ كثيرٌ، فيَدخلُ في عُمُومِ الحديثِ، ولأنَّه (2) ماءٌ كثيرٌ لم يَتَغَيَّر بالنجاسةِ الواقعةِ فيه، فلم يَنْجُسْ، كما لو لم يتغيَّرْ مِنه شيءٌ، ولا يصحُّ القياسُ على اليَسيرِ؛ لأنَّه لا يَدْفعُ النجاسةَ عن نفسِه. وقولهم: إنَّ المُلاصِقَ للمُتَغيِّرِ يَنْجُسُ. مَمْنوعٌ، كالمُلاصِقِ للنجاسةِ الجامدةِ، وعلى قولهم يَنْبغِي أن يَنْجُسَ البحرُ إذا تَغَيَّر جانِبُه، والماءُ الجارِي، ولا قائلَ به.
فصل: قال ابنُ عَقِيل: مَن ضَرَب حيوانًا مأكُولًا، فوَقَع في ماءٍ، ثم وجَدَه مَيَتًّا، ولم يَعْلَمْ، هل مات مِن الجِراحَةِ، أو بالماءِ، فالماءُ على أصلِه في الطهارةِ، والحيوانُ على أصلِه في الحَظرِ، إلّا أن تكونَ الجراحةُ مُوجِبةً، فيكونَ الحيوانُ أيضًا مُباحًا؛ لأنّ الظاهِرَ مَوْتُه بالجَرْحِ، والماءُ طاهِر، إلّا أن يقعَ فيه دمٌ.
(1) تقدم صفحة 94.
(2)
في م: «لكنه» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: إذا كان الماءُ قُلَّتَين، وفيه نجاسةٌ، فغَرَف منه بإنَاءٍ، فالذي في الإِناء طاهرٌ، والباقي نَجِسٌ إن قُلْنا: القُلَّتان تَحديدٌ. لأنَّه ماءٌ يسيرٌ، فيه نجاسَةٌ، وإن قلنا بالتَّقْريبِ، لم يَنْجُسْ، إلَّا أن يكونَ الإِناءُ كبيرًا يُخْرِجُه عن التَّقْرِيبِ. وإنِ ارْتَفعتِ النجاسةُ في الدَّلْو، فالماءُ الذي في الإِناءِ نَجِسٌ، والباقي طاهرٌ. ذكرها ابنُ عَقِيلٍ.
فصل: وإذا اجتمعَ ماءٌ نَجِسٌ إلى ماءٍ نجسٍ، ولم يَبْلُغِ القُلَّتَين، فالجميعُ نَجِسٌ، وإن بَلَغ القُلَّتَين، فكذلك؛ لأنَّه كان نَجِسًا قبلَ الاتّصالِ، والأصلُ بقاءُ النجاسةِ. ولأنَّ اجتماعَ النَّجِس إلى النجسِ لا يُولِّدُ بينَهما طاهرًا، كما في سائرِ المَواضِعِ. ويَتَخَرَّجُ أن يَطْهُرَ إذا بَلَغ قُلَّتَين، وزال تَغَيُّرُه، وهو مذهبُ الشافعيِّ، لزوالِ علَّةِ التَّنْجِيسِ. والغَدِيران إذا كانت بينهما ساقِيَةٌ فيها ماء مُتَّصِلٌ بهما، فهما كالغدير الواحدِ، قَلَّ الماءُ أو كَثُر، فمتى تَنَجَّسَ أحدُهما، ولم يَبْلُغا القُلتَين [تنجَّسَ الآخَرُ، وإنْ بَلَغَا القُلَّتَينِ](1)، لم يَتَنَجَّسْ واحدٌ منهما، إلّا أن يَتغَيَر بالنجاسةِ، كما قُلْنا في الواحدِ.
(1) سقط من: «م» .