الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَو اسْتُعْمِلَ في رَفْعِ حَدَثٍ، أَوْ طَهَارَةٍ مَشْرُوعَةٍ، كَالتَّجْدِيدِ، وَغُسْلِ الْجُمُعَةِ
ــ
10 - مسألة، قال:(أو استُعمِلَ في رفْعِ حَدَثٍ، أو طَهارةٍ مَشرْوعةٍ، كالتَّجْديدِ، وغُسْلِ الجمعةِ)
اخْتَلَفَ المذهبُ في المُنْفَصِلِ مِن المُتَوَضِّئ عن الحَدَثِ، والمُغْتَسِلِ مِنَ الجَنابَةِ، فرُوىَ أنَّه طاهرٌ غيرُ مُطَهِّرٍ، وهو المشهورُ مِن مذهبِ أبي حنيفةَ والشافعيِّ، وإحدى الرِّوايتَين
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عن مالك، لقَوْلِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«لَا يَبُولَنَّ أحَدُكُمْ في الْمَاءِ الدَّائِمِ، وَلا يَغْتَسِلْ فِيهِ مِنَ الْجَنَابَةِ» . رَواه أبو داود (1). ولَوْلا أنَّه يُفِيد مَنْعًا لم يَنهَ عنه، ولأنّه أزال به مانِعًا مِن الصلاةِ، أشْبَهَ ما لو غَسَل به النَّجاسَةَ والرِّوايةُ الثانيةُ: أنَّه مُطَهِّرٌ، وهو قولُ الحسنِ (2)، وعَطاءٍ (3)،
(1) في: باب البول في الماء الراكد، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود 1/ 17، وأخرجه أيضًا البخاري، في: باب الماء الدائم، من كتاب الوضوء. صحيح البخاري 1/ 69. والنسائي، في: باب النهي عن اغتسال الجنب في الماء الدائم، وباب النهي عن البول في الماء الراكد والاغتسال منه، من كتاب الطهارة، وباب ذكر نهي الجنب عن الاغتسال في الماء الدائم، من كتاب الغسل والتيمم. المجتبى 1/ 103، 104، 162. والإمام أحمد، في المسند 2/ 433.
وبنحوه أخرجه مسلم، في: باب النهي عن البول في الماء الراكد، من كتاب الطهارة. صحيح مسلم 1/ 235، والترمذي، في: باب كراهية البول في الماء الراكد، من أبواب الطهارة. عارضة الأحوذي 1/ 86. والنسائي، في: باب الماء الدائم، من كتاب الطهارة. المجتبى 1/ 44. وابن ماجة، في: باب النهي عن البول في الماء الراكد، من كتاب الطهارة 1/ 124. والدارمي، في: باب الوضوء من الماء الراكد، من كتاب الوضوء. سنن الدارمي 1/ 186. والإمام أحمد، في المسند 2/ 259، 265، 288، 316، 346، 362، 394، 464، 295، 3/ 341، 350.
(2)
أبو سعيد الحسن بن يسار البصري، العالم العابد الناسك، توفي سنة عشر ومائة. سير أعلام النبلاء 4/ 563 - 588.
(3)
أبو محمد عطاء بن أبي رباح، من فقهاء التابعين بمكة، من أجلائهم، توفي سنة أربع عشرة أو خمس عشرة ومائة. طبقات الفقهاء 69، العبر 1/ 141، 142.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والنَّخَعِيِّ (1)، وأهلِ الظّاهِرِ، والرِّوايةُ الأُخْرى عن مالكٍ، والقولُ الثاني للشافعيِّ، وهو قولُ ابنِ المُنْذِرِ. ويُرْوَى عن عليٍّ، وابنِ عُمَرَ، في مَن نَسِيَ مَسْحَ رأْسِه، إذا وَجَد بَلَلًا في لِحْيَيه أجْزَأَه أن يَمْسَحَ رَأْسَه بذلك البَللِ، ولما (2) رُوىَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:«الْمَاءُ لا يُجْنِبُ» (3). وأنَّه صلى الله عليه وسلم اغْتَسَل مِن الجَنابةِ، فرأى لُمْعَةً لم يُصِبْها الماءُ، فعَصَر شَعَرَه عليها. رَواهما الإِمامُ أحمدُ (4)، ولأنَّه ماءٌ طاهِرٌ غَسَل به عُضوًا طاهِرًا، أشْبَهَ ما لو تَبَرَّد به أو غَسَل به الثَّوْبَ، أو نقوَل: أدَّى به فَرْضًا، فجاز أن يُؤدِّيَ به غيرَه كالثَّوْبِ يُصَلِّي فيه مِرارًا. وقال أبو يوسفَ (5): هو نَجِسٌ. وهو رِوايةٌ عن أبي حنيفةَ، وذكَرَه ابنُ عَقِيلٍ قولًا لأحمدَ، لأنَّ
(1) أبو عمران إبراهيم بن يزيد بن الأسود النخعي، فقيه العراق، توفي سنة ست وتسعين. طبقات الفقهاء، للشيرازي 82. وقال الذهبي: توفي سنة خمس وتسعين. العبر 1/ 113.
(2)
سقطت الواو من: م.
(3)
أخرجه أبو داود، في باب الماء لا يجنب، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود 1/ 17. والترمذي، في: باب الرخصة في فضل طهور المرأة، من أبواب الطهارة. عارضة الأحوذى 1/ 82. وابن ماجة، في: باب الرخصة بفضل طهور المرأة، من كتاب الطهارة. سنن ابن ماجة 1/ 132.
(4)
الأول في: المسند 6/ 330. والثاني في: المسند 1/ 243.
(5)
أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري صاحب الإمام أبي حنيفة، كان إليه تولية القضاة في الآفاق من الشرق إلى الغرب في زمانه، وتوفي ببغداد سنة اثنتين وثمانين ومائة. الجواهر المضية 3/ 611 - 613.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
النبيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عنِ الغُسْلِ. في الماءِ الرّاكِدِ، كنَهْيِه عن البَوْلِ فيه، فاقْتَضَى أنَّ الغُسْلَ فيه كالبَوْلِ، وكما لو غُسِلَ به نجاسةٌ، ولأنَّه يُسَمَّى طهارةً، والطهارةُ لا تُعْقَلُ إلَّا عن نجاسةٍ، لأنَّ تَطْهِيرَ الطاهرِ مُحال، ووَجْهُ طهارتِه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم صَبَّ على جابرٍ مِن وَضُوئِه، إذ كان مريضًا. وكان إذا تَوَضَّأَ يكادُون يَقْتَتِلُون على وَضُوئِه. رواهُما البخاري (1). ولو كان نَجِسًا لم يَجُزْ فِعْلُ ذلك. ولأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وأصحابَه ونِساءَه كانوا يَغْتَسِلُون مِن الجِفانِ، ويَتوضَّئُونَ مِن الأقْداحِ، ومِثْلُ هذا لا يَسْلَم مِن رَشاشٍ يَقَعُ في الماءِ مِن الْمُسْتَعْمَل، ولو كان نَجِسًا لتَنَجَّسَ به الماءُ، ولأنَّه ماءٌ طاهرٌ لاقَى عُضوًا طاهرًا، أشْبَهَ ما لو تُبُرِّد به، والدَّلِيلُ على طهارة أعضاءِ المُحْدِثِ
(1) في: باب استعمال فضل وضوء الناس، من كتاب الطهارة، وباب الشروط في الجهاد، من كتاب الشروط، وباب وضوء العائد للمريض، من كتاب المرضى. صحيح البخاري 1/ 95، 3/ 254، 7/ 157. والإمام أحمد في المسند 4/ 329، 330.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «إنَّ المُؤمِنَ لَا يَنْجُسُ» . مُتَّفَقٌ صلى الله عليه وسلم (1). ولأنَّه لو مَسَّ شيئًا رَطْبًا لم يُنَجِّسْه، ولو حمَلَه مُصَلٍّ لم تَبْطُلْ صلاتُه. وقولُهم: إنَّه نَهَى عن الغُسْلِ فِيهِ كنَهْيِه عن البَوْلِ فيه. قلنا: يكْفِي اشْتِراكُهما في أصلِ المَنْعِ مِن التَّطْهِيرِ (2) به، ولا يَلْزَمُ اشتراكُهما في التَّنْجِيسِ (3)، وإنَّما سُمِّيَ الوُضوءُ والغُسْلُ طهارةً لكَوْنِه يُطَهِّرُ مِن الذُّنُوبِ والآثامِ، كما جاء في الأخْبارِ، لما ذَكَرْنا مِن الأدِلَّةِ، وجميعُ الأحْداثِ سَواءٌ فيما ذكرْنا، الغُسلُ، والوُضوءٌ، والحيضُ، والنِّفاس. وكذلك المُنْفَصِلُ
(1) أخرجه البخاري، في: باب عرق الجنب وأن المسلم لا ينجس، وباب الجنب يخرج ويمشي في السوق وغيره، من كتاب الغسل. صحيح البخاري 1/ 79، 80. ومسلم، في: باب الدليل على أن المسلم لا ينجس، من كتاب الحيض. صحيح مسلم 1/ 282. وأبو داود، في: باب في الجنب يصافح، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود 1/ 52.والترمذي، في: باب ما جاء في مصافحة الجنب، من أبواب الطهارة. عارضة الأحوذي 1/ 184، 185، والنسائي، في: باب مماسة الجنب ومجالسته، من كتاب الطهارة. المجتبى 1/ 119، وابن ماجة، في: باب مصافحة الجنب، من كتاب الطهارة. سنن ابن ماجة 1/ 178. والإمام أحمد، في المسند 2/ 235، 382، 471، 5/ 384، 402.
(2)
في م: «التطهر» .
(3)
في م: «التنجس» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مِن غَسْلِ الميِّتِ إذا قُلْنا بطهارتِه، فأما المُنْفَصِلُ مِن غُسْلِ الذِّمِّيَّة مِن الحيضِ، فرُوىَ أنَّه مُطَهِّرٌ؛ لأنّه لم يُزِلْ مانِعًا مِن الصلاةَ، أشْبَهَ التَّبَرُّدَ (1)، ورُوىَ أنّه غيرُ مُطَهِّرٍ، لأنّه زال به المانِعُ مِن وَطْءِ الزَّوجِ، فأمَّا ما اغْتَسَلتْ به مِن الجنابةِ فهو مُطَهِّرٌ وَجْهًا واحدًا، لأنه لم يُؤثِّرْ شيئًا، ويَحْتَمِلُ أنْ يُمْنَعَ اسْتعمالُه كالمُسْلِمَةِ قبلَها (2).
فصل: فأمّا المُسْتَعْمَلُ في طهارةٍ مَشْرُوعةٍ، كالتَّجْدِيدِ، وغُسْلِ الجُمعةِ، والإِحْرامِ، وسائرِ الاغْتِسالاتِ المُسْتحَبَّةِ، والغَسْلَةِ الثانيةِ والثالثةِ، في الوُضُوءِ (3)، ففيه روايتان: أظْهَرُهما طَهُورِيَّته، لأنّه لمْ يَرْفَعْ حَدَثًا، ولم يُزِلْ نَجَسًا، أشْبَهَ التَّبَرُّدَ. والثانيةُ، تُسْلَبُ طَهوريَّتُه، لأنَّه اسْتُعْمِل في طهارةٍ مشروعةٍ، أشْبَهَ المُسْتَعْمَلَ في رَفْعِ الحَدَثِ، فإنْ لم تَكُن الطهارةُ مشروعة لم يُؤثِّرْ في إناءِ اسْتِعْمالُه فيها شيئًا، كالتَّبَرُّدَ، ولا نَعْلَمُ خِلافًا في المُستعمَلِ في التبردِ والتَّنْظِيفِ، لأنه باقٍ على إطْلاقِه.
(1) في م: «المتبرد» .
(2)
سقط من: «م» .
(3)
في م: «والوضوء» .