الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيَجِبُ مَسْحُ جَمِيعِهِ مَعَ الْأُذُنَينِ. وَعَنْهُ، يُجْزِئُ مَسْحُ أَكْثَرهِ،
ــ
101 - مسألة: (ويَجِبُ مَسْحُ جَمِيعِه مع الأذُنَين، وعنه: يُجْزئُ مَسْحُ أكْثَرِه)
اخْتَلَفَتِ الرِّوايَةُ عَن أحمدَ في قَدْرِ الواجِبِ؛ فرُوِيَ عنه أنَّه يجبُ (1) مَسْحُ جَمِيعِه في حَقِّ كلِّ أحَدٍ. وهو ظاهِرُ قولِ الخِرَقِيِّ، ومذهبُ مالكٍ؛ لقَوْلِه تعالى:{وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} (2). الباءُ للإلْصاقِ، فكأنَّه قال: وامْسَحُوا رُءُوسَكُمْ. وصار كقَوْلِه سبحانه في التَّيَمُّمِ: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيدِيكُمْ مِنْهُ} (2). قال ابنُ بَرْهَانٍ (3): مَن زَعَمَ أنَّ الباءَ للتَّبعِيضِ، فقد جاءَ أهلَ اللُّغَةِ بما لا يَعْرِفُونَه (4). ولأنَّ الذين وَصَفُوا وُضُوءَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَكَرُوا أنَّه مَسَح رَأسَه كلَّه، وقد ذَكَرْنا حديثَ عبدِ اللهِ بنِ زيدٍ، وحديثَ الرُّبَيِّع، وهذا
(1) سقط من: «م» .
(2)
سورة المائدة 60.
(3)
أبو القاسم عبد الواحد بن علي بن برهان العكبرى النحوي اللغوي، المتوفى سنة ست وخمسين وأربعمائة. إنباه الرواة 2/ 213 - 215.
(4)
انظر: البحر المحيط 3/ 436، وإملاء ما مَنَّ به الرحمن 1/ 208.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يصْلُحَ أن يكون بيانًا للمَسْحِ المَأْمُورِ به. ورُوِيَ عن أحمدَ، أنَّه يُجْزِئُ مَسْحُ بَعْضِه. نَقَلَها عنه أبو الحارِثِ. ونُقِلَ عن سَلَمَةَ بنِ الأكْوَعِ، أنّه كان يَمْسَحُ مُقَدَّمَ رأْسِه (1)، وابنُ عُمَرَ مَسَح اليافُوخَ (2). ومِمَّن قال بمَسْحِ البَعْضِ الحسنُ، والثَّوْريُّ، والأوْزاعيُّ، والشافيُّ، وأصحابُ الرّأْيِ، وابنُ المُنْذِرِ. قال شيخُنا: إلَّا أنَّ الظّاهِرَ عن أحمدَ، رحمه الله، في الرجلِ وُجُوبُ الاسْتِيعابِ، وأنَّ المرأةَ يُجْزِئُها مَسْحُ مُقدَّمِ رَأْسِها (3). قال الخَلّالُ: العَمَلُ في مذهبِ أبي عبدِ اللهِ، أنَّها إن مَسَحَتْ مُقدَّمَ رأسِها أَجْزَأها؛ لأنَّ عائشةَ، رضي الله عنها، كانت تمْسَحُ مُقَدَّم
(1) أخرجه ابن أبي شيبة، في: باب في مسح الرأس كيف هو، من كتاب الطهارات. المصنف 1/ 16.
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة، في: باب في مسح الرأس كم هو مرة، من كتاب الطهارات. المصنف 1/ 15. وعبد الرزاق، في: باب المسح بالأذنين، من كتاب الطهارة. المصنف 1/ 12، 13.
(3)
المغني 1/ 175، 176.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
رَأْسِها (1). واحْتَجَّ مَن أجازَ مَسْحَ البعضِ، بما روَى المُغِيرَةُ بنُ شُعْبَةَ، قال: رَأَيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ فمَسَحَ بناصِيَتِه وعلى العِمامَةِ والخُفَّين. رَواه مسلمٌ (2). وعن أنَسِ بنِ مالكٍ، قال: رأيتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ وعليه عِمامَةٌ قِطريَّةٌ، فأدْخَلَ يَدَه مِن تحتِ العِمامَةِ، فمَسَحَ مُقَدَّمَ رَأْسِه، ولم ينْقُضِ العِمامَةَ. رَواه أبو داودَ (3). واحْتجُّوا بأنَّ مَن مَسَح بعضَ الرأسِ، يُقالُ: مَسَح برَأْسِه. كما يقال: مَسَح برأْسِ اليَتِيمِ. وإذا قُلنا بجَوازِ مَسْحِ البعضِ، فأيَّ مَوْضِعٍ مَسَح أجْزَأه، إلَّا أنَّه لا يُجْزئُ مَسْحُ الأُذُنَين عن الرَّأْسِ، لأنَّهما تَبَعٌ، ولا يُجزئُ مَسْحُهما عن الأصلِ. وقال ابنُ عَقِيلٍ: يحْتَمِلُ أن لا يُجزِئَ إلَّا مَسْحُ النّاصِيَةِ؛ لأنّه صلى الله عليه وسلم مَسَح
(1) انظر: باب مسح المرأة رأسها، من كتاب الطهارة. المجتبى من سنن النسائي 1/ 62.
(2)
في: باب المسح على الناصية والعمامة، من كتاب الطهارة. صحيح مسلم 1/ 230، 231.كما أخرجه الترمذي، في: باب ما جاء في المسح على الجوربين والعمامة، من كتاب الطهارة. عارضة الأحوذي 1/ 150، والنسائي، في: باب صفة الوضوء - غسل الكفين، وباب المسح على العمامة مع الناصية، وباب كيف المسح على العمامة، من كتاب الطهارة. المجتبى 1/ 55، 65، 66. والإمام أحمد، في: المسند 4/ 244، 248، 250، 255.
(3)
في: باب المسح على العمامة، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود 1/ 32. والقطرية: تتخذ من نوع من البرود.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بناصِيَتِه، فوَجَبَ الاقْتِداءُ به. واخْتَلَف العلماءُ في قدرِ البعضِ المُجْزِئَ، فقال القاضي: قدرُ النّاصِيَةِ؛ لحديثِ المُغِيرَةِ. وحَكَى أبو الخَطّابِ، وبعضُ الشافعيَّةِ: أنّه لا يُجْزِئُه إلَّا مَسْحُ الأكْثَرِ؛ لأنّه يَنْطَلِقُ عليه اسمُ الجَمِيع. وقال أبو حنيفةَ: يُجْزِئُه مَسْحُ رُبْعِه. ورُوِيَ عنه، أنَّه لا يُجْزِئُه أقلُّ مِن ثُلُثهِ. وهو قولُ زُفَرَ. وقال الشافعيُّ: يُجْزِئُ ما يَقَعُ عليه [اسمُ المَسْحِ](1). حُكِيَ عنه: ثَلاثُ شَعَراتٍ. وحُكِى عنه: لو مَسَح شَعرَةً، أجْزَأه، لوُقُوع اسمِ البعضِ عليه.
(1) في م: «الاسم» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ويَجِبُ مَسْحُ الأذُنَين معه، لأنَّهما منه؛ بدليلِ قولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم:«الأذُنَانِ مِنَ الرأسِ» (1). ورُوِيَ عن أحمدَ: أنَّه لا يَجِبُ مَسْحُهما. وهو ظاهِرُ المذهبِ. قال الخَلّالُ: كلهم حَكَوْا عن أبي عبد اللهِ في مَن تَرَكَ مَسْحَ أُذُنَيه عامِدًا، أو ساهِيًا، أنَّه يُجْزِئُه. وظاهرُ هذا أنه لا يَجِبُ، سَواءٌ قلنا بوُجُوبِ الاسْتِيعابِ أولًا؛ لأنّهما مِن الرّأْسٍ على وَجْهِ التَّبَعِ، ولا يُفْهمُ مِن إطْلاقِ اسمِ الرأسِ دُخُولُهما فيه، ولا يُشْبِهان أجْزاءَ الرَّأس، ولذلك لا يُجْزِئُ مَسْحُهما عنه عندَ مَن اجْتَزَأَ بمَسْحِ البعضِ، وهو اختيارُ شيخِنا (2). والأوْلَى مَسْحُهما، [فرَوَى ابنُ عباسِ أنَّ](3) النبيّ صلى الله عليه وسلم مَسَح برَأْسِه وأُذُنَيه ظاهِرِهما وباطِنِهما. رَواه الإِمامُ أحمدُ (4). ورَوَت الرُّبَيِّعُ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ عندَها، فَرَأته مَسَح
(1) تقدم تخريجه في صفحة 331.
(2)
انظر المغني 1/ 183.
(3)
في م: «لأن» .
(4)
حديث ابن عباس في مسح النبي صلى الله عليه وسلم رأسه في المسند 4/ 132. وأما حديثه في مسح الأذنين، فقد أخرجه الترمذي عنه، في: باب ما جاء في مسح الأذنين ظاهرهما وباطنهما، من أبواب الطهارة. عارضة الأحوذي 1/ 54.
وحديث ابن عباس بتمامه أخرجه ابن حبان، في: باب ذكر إباحة المضمضة والاستنثساق بغرفة واحدة للمتوضئ وفي: باب استحباب مسح المتوضئ طاهر أذنيه في وضوئه. . . .، من كتاب الطهارة. الإحسان 3/ 360، 367، وانظر: تلخيص الحبير 1/ 89، 90.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
على رأسِه مُحاذِيَ الشَّعَرِ ما أَقْبَلَ منه وما أَدبَرَ، ومَسَح صُدْغَيه وأُذُنَيه ظاهِرَهُما وباطِنَهُما. رَواهما التِّرْمِذِي وأبو داودَ (1). ويُسْتَحَبُّ أن يُدْخِلَ سَبّابَتَيه في صِماخَيْ أُذُنَيه، ويَمْسَحَ ظاهِرَهما بإبْهامَيه، لأنَّ في بعْضِ ألفاظِ حديثِ الرُّبَيِّعِ: فأدْخَلَ أُصبُعَيه في جُحرَى أُذُنَيه. رَواه أبو داودَ (2). ولا يَجِبُ مَسْحُ ما اسْتَتَر بالغَضارِيفِ، لأنّ الرأْسَ الذي هو الأصلُ لا يجِبُ مَسْحُ ما اسْتَتَر منه بالشَّعَرِ، فالأذُنُ أوْلَى. والله أعلمُ.
فصل: ولا يَجِبُ مَسْحُ ما نَزَل عن الرَّأْسِ مِن الشَّعَرِ، ولا يُجْزئ مَسْحُه عن الرأْسِ، سَواءٌ رَدَّه فعَقَدَه فوقَ رَأْسِه، أو لم يَرُدَّه؛ لأنَّ الرأْسَ ما تَرَأَّس وعَلا. فإنَّ نَزَل الشَّعَرُ عن مَنْبِتِه، ولم يَنْزِلْ عن مَحَلِّ الفَرْضِ فمَسَحَ عليه، أجْزَأه، لأنَّه شَعَرٌ على مَحَلِّ الفَرْضِ، أشْبَه القائِمَ على مَحَلِّه. ولأنَّ هذا لا يُمكِنُ الاحتِرازُ منه، وإن خَضَب رَأْسَه بما يَسْتُرُه، لم يُجْزِئْه المَسْحُ عليه. نَصَّ عليه أحمدُ في الخِضابِ، لأنَّه لم يَمْسَحْ على مَحَلِّ الفَرْضِ، أَشْبَه ما لو مَسَح على خِرْقَةٍ فوقَ رَأْسِه. ولو أَدْخَلَ يَده تحتَ الشَّعَرِ، فمَسَحَ البَشَرَةَ دُونَ الظّاهِرِ، لم يُجْزِئْه، لأنَّ الحكْمَ تَعَلَّق بالشَّعَرِ،
(1) حديث الربيع تقدم تخريجه في الصفحة السابقة.
(2)
في: باب صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود 1/ 29.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فلم يُجْزِئْه مَسْحُ غيرِه، كما لو أوْصَلَ الماءَ إلى باطِنِ اللِّحْيَةِ، ولم يَغْسِلْ ظاهِرَها. فأمّا إن مَسَح رَأْسَه ثم حَلَقَه، أو غَسَل عُضْوًا، ثم قَطَع منه جُزْءًا أو جِلْدَةً، لم يُؤَثِّرْ في طهارتِه؛ لأنَّه ليس بَدَلًا عَمّا تحتَه. وإن أحْدَث بعدَ ذلك، غَسَل ما ظَهَر؛ لأنَّه صار ظاهِرًا، فتَعَلَّق الحُكْمُ به، ولو حَصَل في بعضِ أعْضائِه شَقٌّ أو ثَقْبٌ، لَزِمَه غَسْلُه؛ لأنّه صار ظاهِرًا.
فصل: ويَمْسَحُ رَأْسَه بماءٍ جَدِيدٍ غيرِ ما فَضَل عن ذِراعَيه. وهو قولُ أبي حنيفةَ والشافعيِّ، والعَمَلُ عليه عندَ أكْثَرِ أهلِ العلمِ. قاله التِّرْمِذِيُّ (1). وجَوَّزَ الحسنُ، وعُرْوَةُ، والأوْزاعِيُّ، وابنُ المُنْذِرِ مَسْحَه بفَضْلِ ماءِ (2) ذِراعَيه؛ لِمارُوىَ عن عثمانَ، أنّه مَسَح مُقَدَّمَ رَأْسِه بيَدِه مرَّةً واحدةً، ولم يَسْتَأْنِفْ له ماءً جديدًا، حين حَكَى وُضُوءَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم. رَواه سعيدٌ (3). ويَتَخَرَّجُ لَنا مِثْلُ ذلك إذا قُلنا: إنَّ المُسْتَعْمَلَ طَهُورٌ، لا سِيّما الغَسْلَةُ الثّانيةُ والثالثةُ. ووَجْهُ الأوَّلِ، ما روَى عبدُ اللهِ
(1) في: باب ما جاء أنه يأخذ لرأسه ماء جديدا، من أبواب الطهارة. عارضة الأحوذي 1/ 54.
(2)
سقط من: «م» .
(3)
تقدم تخريجه في صفحة 296.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ابنُ زيدٍ، قال: ومَسَح رَأْسَه بماءٍ غيرِ فَضْلِ يَدَيه. رَواه مسلمٌ (1). وفي حديثِه المُتَّفَقِ عليه: ثم أدْخَلَ يَدَه في الإناءِ، فمَسَح برَأْسِه. وكذلك حُكِيَ عن (2) عليٍّ في روايةِ أبي داودَ (3). ولأَنَّ البَلَلَ في يَدِه مُسْتَعْمَلٌ، فلا يُجْزِئُ به المَسْحُ، كما لو فَصَلَه في إناءٍ، ثم اسْتَعْمَلَه.
فصل: فإن غَسَل رَأْسَهْ بَدَلَ مَسْحِه، فعلى وَجْهَين؛ أحَدُهما، لا يُجْزِئُه؛ لأنَّ اللهَ تعالى أَمَر بالمَسْحِ، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم مَسَح. ولأنَّه أحَدُ نَوْعَيِ الطهارةِ، فلم يُجْزِئْ عن الآخَرِ، كالمَسْحِ عن الغَسْلِ. والثّاني، يُجْزِئُ، لأنَّه لو كان جُنُبًا فانْغَمَسَ في ماءٍ يَنْوى. الطّهارَتَين، أجْزأه، مع أنَّه لم يَمْسَحْ، فكذلك في الحَدَثِ الأصْغَرِ وَحْدَه. ولأنَّ في صِفَةِ غَسْلِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، أنَّه غَسَل يَدَيه ووَجْهَه، ثم أفْرَغَ على رَأْسِه، ولم يَذْكُرْ مَسْحًا. ولأنَّ الغَسْلَ أبْلَغُ مِن المَسْحِ، فإذا أتَى به يَنْبَغِي أن يُجْزِئَه، وهذا فيما إذا لم يُمِرَّ يَدَه عليه. فأمّا إن أمَرَّ يَدَه على رَأْسِه، مع الغَسْلِ أو بعدَه، أجْزأه، لأنَّه قد أتَى بالمَسْحِ، وذلك لِما رُويَ عن المُغِيرةِ (4)، أنَّه تَوَضَّأ للنّاسِ كما رَأى النبيَّ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأ، فلَمّا بَلَغ رَأْسَه غَرَف غُرْفَةً من
(1) تقدم تخريجه في صفحة 295.
(2)
سقط من: «م» .
(3)
تقدم تخريجه في صفحة 324.
(4)
في م: «معاوية» خطأ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ماءٍ، فتَلَقّاه بشِمالِه، حتى وَضَعَها على وَسَطِ رَأْسِه، حتى قَطرَ الماءُ أو كادَ يَقْطرٌ، ثم مَسَح مِن مُقَدَّمِه إلى مُؤخَّرِه، ومِن مُؤخَّرِه إلى مُقَدَّمِه. رَواه أبو داودَ (1). ولو حَصَل على رَأْسِه ماءُ المَطرَ، أو صَبَّ عليه إنْسانٌ، ثم مَسَح عليه، يَقْصِدُ بذلك الطهارةَ، أو كان قد صَمَد للمَطرَ، أجْزأه. وإن حَصَل الماءُ على رَأْسِه مِن غيرِ قَصْدٍ، أجْزأه أيضًا؛ لأنَّ حُصُولَ الماءِ على رَأْسِه بغيرِ قَصْدٍ، لم يُؤَثِّرْ في الماءِ، فمتى وَضَع يَدَه على ذلك البَلَلِ ومَسَح به، فقد مَسَح بماءٍ غيرِ مُسْتَعْمَلٍ، فصَحَّتْ طهارتُه، كما لو حَصَل بقَصْدِه. وقد نَقَل أبو داودَ عن أحمدَ: إذا أصابَ رَأْسَه (2) ماءُ السَّماءِ، فمَسَحَه بيَدِه، لم يُجْزِه؛ وذلك لأنَّه لم يُوجَدْ مِنه نِيَّةٌ لذلك. ذَكَرَه القاضي في «المُجَرَّدِ». وهذا يَدُلُّ على أنَّه يَشْتَرِطُ أن يَقْصِدَ حُصُولَ الماءِ على رَأْسِه. قال ابنُ عَقِيلٍ في هذه المسألة: تَحْقِيقُ المذهبِ، أنَّه متى صَمَد للمَطرَ ومَسَح، أجْزأه، ومتى أصابَه المطرُ مِن غيرِ قَصدٍ ولا نِيَّةٍ، لم يُجْزِئْه. وكذلك إن كان يَتَوَضَّأ، فصَبَّ إنسانٌ على رَأْسِه ماءً وهو لا يَقْصِدُ، فمَسَحَ رَأْسَه به (3)، فإنَّه لا يُجْزِئُه، فأمّا إن حَصَل الماءُ على رَأْسِه بغيرِ قَصْدٍ، ولن يَمْسَحْ بيَدِه، لم يُجْزِئْه، سَواءٌ قُلْنا: إنَّ الغَسْلَ يَقُومُ مَقامَ المَسْحِ، أو لا. وإن قَصَد وجَرَى الماءُ على رَأْسِه أجْزأه، إذا قُلْنا: يُجْزِئُ الغَسْل. وإلَّا فلا.
(1) في: باب صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود 1/ 28.
(2)
في م: «برأسه» .
(3)
سقط من: «م» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فإن مَسَح رَأْسَه بخِرْقَةٍ مَبْلُولَةٍ أو خَشَبَةٍ، أجْزأه في أحَدِ الوَجْهَين؛ لأنَّه مَأْمُورٌ بالمَسْحِ، وقد مَسَح، أشْبَهَ ما لو مَسَح بيَدِه. ولأنَّ مَسْحَه بيدِه غيرُ مُشْتَرَطٍ، بدَلِيلِ ما لو مَسَح بيَدِ غيرِه. والثاني، لا يُجْزِئُه؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم مَسَح بيَدِه، وقال:«هَذَا وُضُوءٌ لَا يَقْبَلُ اللهُ الصَّلَاةَ إلَّا بِهِ» (1). وإن وَضَع على رَأْسِه خِرْقَةً مَبْلُولَةً، فابْتَلَّ رَأْسُه بها، أو وَضَع خِرْقةً، ثم بَلَّها حتى ابْتَلَّ شَعَرُه، لم يُجْزِئْه؛ لأنَّ ذلك ليس بمَسْحٍ، ولا غَسْلٍ. ويَحْتَمِلُ أن يُجْزئَه؛ لأنَّه بَلَّ شَعَرَه قاصِدًا للوُضُوءِ، فأجْزأه، كما لو غَسَلَه. وإن مَسَحَ بأُصْبُعٍ أو أُصْبُعَين، أجْزأه إذا مَسَح بهما ما يَجبُ مَسْحُه كلَّه. وهو قولُ الثَّوْرِيِّ، والشافعيِّ.
ونَقَل بكرُ بنُ محمدٍ (2)، عن أحمدَ: لا يُجْزِئُه المَسْحُ بأُصْبُعٍ. قال القاضي: هذا مَحْمُولٌ على الرِّوايَةِ التي تُوجِبُ الاسْتِيعابَ، لأنَّه لا يَحْصُلُ بأُصْبُعٍ واحِدَةٍ. وإن حَلَق بعضَ رَأْسِه، وقُلْنا بوُجُوبِ الاسْتِيعابِ، مَسَح المَحْلُوقَ والشَّعَرَ. وإن قُلْنا بإجْزاءِ مَسْحِ البعضِ، أجْزأه مَسْحُ أحَدِهِما.
فصل: وهل يُسْتَحَبُّ مَسْحُ العُنُقِ؟ فيه رِوايَتان؛ إحْداهما، يُسْتَحَبُّ، لِما رُوِيَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، أنَّه مَسَح رَأْسَه حتى بَلَغ
(1) لا أصل له بهذا السياق، انظر: تلخيص الحبير 1/ 82. إرواء الغليل 1/ 125.
(2)
أبو أحمد بكر بن محمد النسائي البغدادي، كان الإمام أحمد يقدمه ويكرمه، وعنده مسائل كثيرة سمعها منه، وبعضها عن أبيه. انظر: طبقات الحنابلة 1/ 119، 120.