الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالْعِمَامَةِ، وَالْجَبَائِرِ.
ــ
على الخُفِّ ونَعْلِه. ولأنَّ الصحابةَ، رضي الله عنهم، مَسَحُوا على الجَوارِبِ، ولم يُعْرَفْ لهم مُخالِفٌ في عَصْرِهِم. والجَوْرَبُ في مَعْنَى الخُفِّ، لأنَّه مَلْبُوسٌ ساتِرٌ لمَحَلِّ الفَرْضِ، يُمْكِنُ مُتابَعَةُ المَشْي فيه، أشْبَهَ الخُفَّ. وقَوْلُهم: لا يُمْكِنُ مُتابَعَةُ المَشْي فيهما. قُلْنا: إنَّما يَجُوزُ المَسْحُ عليهما إذا ثَبَت بنَفْسِه، وأمْكَن مُتابَعَةُ المَشْي فيه، وإلَّا فلا. فأمّا الرَّقِيقُ فليس بساتِرٍ.
فصل: وسُئل أحمدُ عن جَوْرَبٍ انْخَرَقَ، فكَرِهَ المَسْحَ عليه، ولَعَلَّه إنَّما كَرِهَه؛ لأنَّ الغالِبَ فيه الخِفَّةُ، وأنَّه لا يَثْبُتُ بنَفْسِه. فإن كان مثلَ جَوْرَبِ الصُّوفِ في الصَّفاقَةِ، فلا فَرْقَ. فإن كان لا يَثْبُتُ إلَّا بالنَّعْلِ، أُبِيحَ المَسْحُ عليه، ما دامَ النَّعْلُ عليه؛ لحديثِ المُغِيرَةِ بنِ شُعْبَةَ. فإن خَلَع النَّعْلَ انْتَقَضَتِ الطهارةُ؛ لأنَّ ثُبُوتَ الجَوْرَب أحَدُ شَرْطَيْ جَوازِ المَسْحِ، وإنَّما حَصَل بالنَّعْلِ، فإذا خَلَعَها، زال الشَّرْطُ المُبِيحُ للمَسْحِ، فبَطلَتِ الطهارةُ، كما لو ظَهَر القَدَمُ. قال القاضي: يَمْسَحُ على الجَوْرَبِ والنَّعْلِ، كما جاءَ في الحديثِ. والظّاهِرُ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، إنَّما مَسَح على سُيُورِ النَّعْلِ التي على ظاهِرِ القَدَمِ، فأمّا أسْفَلُه وعَقِبُه، فلا يُسَنُّ مَسْحُه مِن الخُفِّ، فكذلك مِن النَّعْلِ.
111 - مسألة؛ قال: (والعِمامَةِ والجَبائِرِ)
ومِمَّن قال بجَوازِ المَسْحِ على العِمامَةِ أبو بكرٍ الصِّدِّيقُ، رضي الله عنه. وبه قال عُمَرُ بنُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الخَطَّابِ، وأنَسٌ، وأبو أُمامَةَ. ورُوِيَ عن سعدِ (1) بنِ مالكٍ، وأبي الدَّرْداءِ، رضي الله عنهم. وهو قَوْلُ عُمَرَ بنِ عبدِ العزيزِ، والحسنِ، وقَتادَةَ، وابنِ المُنْذِرِ، وغَيرِهم. وقال عُرْوَة، والنَّخَعِيُّ، والشَّعْبِيُّ، والقاسِمُ (2)، ومالكٌ، والشافعيُّ، وأصحابُ الرَّأي: لا يَمْسَحُ عليها؛ لقولِ اللهِ تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} (3). ولأنَّه لا تَلْحَقُه المَشَقَّةُ بنَزْعِها، أَشْبَهَتِ الكُمَّين. ولَنا، ما روَى المُغِيرَةُ بنُ شُعْبَةَ، قال: تَوَضَّأَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، ومَسَح على الخُفَّين، والعِمامَةِ (4) قال التِّرمِذِيُّ: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وروَى مسلمٌ (5)، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم مَسَح على الخُفَّين والخِمارِ. وعن عَمْرِو بنِ
(1) في الأصل: «سعيد» .
وهو سعد بن مالك بن أُهيب ابن أبي وقّاص، القرشي الزهري، أبو إسحاق، أحد العشرة المبشرين بالجنة، وأول من رمى بسهم في سبيل الله، وهو أحد الستة أهل الشورى. الإصابة 3/ 73 - 77.
(2)
القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، القرشي التيمي، أحد الفقهاء السبعة. كان عالما ورعا كثير الحديث ثقة. توفي سنة ست ومائة. سير أعلام النبلاء 5/ 53 - 60.
(3)
سورة المائدة 6.
(4)
أخرجه مسلم، في: باب المسح على الناصية والعمامة، من كتاب الطهارة. صحيح مسلم 1/ 230، 231. وأبو داود، في: باب المسح على الخفين، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود 1/ 33 - والترمذي، في: باب ما جاء في المسح على الجوربين والعمامة، من أبواب الطهارة. عارضة الأحوذي 1/ 150: النسائي، في: باب المسح على العمامة مع الناصية، وباب كيف المسح، من كتاب الطهارة. المجتبي 1/ 65، 66. وعن غير المغيرة بن شعبة أخرجه البخاري، في: باب المسح على الخفين، من كتاب الوضوء. صحيح البخاري 1/ 62. وابن ماجه، في: باب ما جاء في المسح على العمامة، من كتاب الطهارة. سنن ابن ماجه 1/ 186. والدارمي، في: باب المسح على العمامة، من كتاب الطهارة. سنن الدارمي 1/ 180. والإمام أحمد، في: المسند 4/ 179، 5/ 281، 288، 439، 440.
(5)
في: باب المسح على الناصية والعمامة، من كتاب الطهارة. صحيح مسلم 1/ 231. كما أخرجه الترمذي، في: باب ما جاء في المسح على الجوربين والعمامة، من أبواب الطهارة. عارضة الأحوذي 1/ 151. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أُمَيَّةَ، قال: رَأَيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم مَسَح على عِمامَتِه وخُفَّيه. رَواه البخاريُّ (1). ولأنَّه قولُ مَن سَمَّينا مِن الصّحابةِ، ولم يُعْرَفْ لهم مُخالِفٌ في عَصْرِهِم. ولأنَّه عُضْوٌ يَسْقُطُ فَرْضُه في التَّيَمُّمِ، فجازَ المَسْحُ علي حائِلِه، كالقَدَمَين. والآيةُ تَنْفِي ما ذَكَرْناه؛ فإنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم مُبَيِّنٌ لكلام اللهِ، وقد مَسَح على العِمامَةِ، وأمَرَ بالمَسْحِ عليها، وهذا يَدُلُّ على أنَّ المُرادَ بالآية المَسْحُ على الرَّأْسِ وحائِلِه. ومِمّا يُبَيِّنُ ذلك، أنَّ المَسْحَ في الغالِبِ إنَّما يَكُونُ على الشَّعَرِ، ولا يُصِيبُ الرَّأْسَ وهو حائِلٌ، كذلك العِمامَةُ، فإنَّهُ يقالُ لِمَن لَمَس (2) عِمامَةَ إنسانٍ أو قَبَّلها: قَبَّلَ رَأْسَه. واللهُ أعلمُ.
فصل: [ويَجُوزُ المَسْحُ](3) على الجَبائِرِ؛ لقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في صاحِبِ الشَّجَّةِ: «إنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أنْ يَتَيَمَّمَ، وَيَعْصِبَ [أو يَعْصِرَ] (4) عَلَى جُرْحِهِ خِرْقَةً، وَيَمْسَحَ عَلَيهَا، وَيَغْسِلَ سَائِرَ جَسَدِهِ» . رَواه أبو داودَ (5). ولِما روَى عليٌّ، رضي الله عنه، قال: انكَسَرَتْ إحْدَى
= والنسائي، في: باب مسح العمامة، من كتاب الطهارة. المجتبى 1/ 64. وابن ماجه، في: باب ما جاء في المسح على العمامة، من كتاب الطهارة. سنن ابن ماجه 1/ 186. والإمام أحمد، في: المسند 5/ 281، 288، 439، 440، 6/ 12 - 15.
(1)
في: باب المسح على الخفين، من كتاب الوضوء. صحيح البخاري 1/ 62. كما أخرجه النسائي، في: باب المسح على الخفين، من كتاب الطهارة. المجتبى 1/ 69. والإمام أحمد، في: المسند 4/ 139، 179.
(2)
في م: «مسح» .
(3)
في م: «والمسح» .
(4)
سقط من: الأصل. وسياق أبي داود: «ويعصر أو يعصب» .
(5)
في: باب [في] المجروح يتيمم، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود 1/ 82.