الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَهلْ ذَلِكَ تَقْرِيبٌ أَوْ تَحدِيدٌ؟ عَلَى وَجهينِ.
ــ
23 - مسألة؛ قال: (وهل ذلك تَقْرِيبٌ أو تَحدِيدٌ؟ على وجْهين)
، أحدُهما، أنَّه تحديدٌ، وهو اختيارُ أَبي الحسنِ الآمِدِيِّ، وظاهرُ قولِ القاضي، وأحدُ الوجْهين لأصحابِ الشافعيِّ، لأنَّ اعتبارَ ذلك احتياطٌ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وما اعتُبِرَ احتياطًا كان واجبًا، كغَسْلِ جُزءٍ مِنَ الرأسِ مع الوجهِ. ولأنّه قدر يَنفَعُ النجاسةَ [عن نفْسِه](1)، فاعتُبرَ تحقيقُه كالعَدَدِ في الغَسَلاتِ. والثاني، هو تقريب، وهو الصحيحُ، لأنَّ الذين نَقَلُوا تقديرَ القِلالِ لم يَضْبِطُوها بحدٍّ، إنَّما قال ابنُ جُرَيجٍ: القُلَّةُ تَسَعُ قربَتَينِ، أو قربتينِ وشيئًا. ويحيى بنُ عُقَيلٍ قال: أظنُّها تسعُ قربتينِ. وهذا لا تحديدَ فيه، وتقديرُ القِربَةِ بمائةِ رطلٍ تقريبٌ. ولأنّ الزائدَ على القُلَّتَين، وهو الشيءُ، مَشْكوكٌ فيه (2)، والظاهرُ اسْتِعمالُه فيما دونَ النِّصفِ، والقِرَبُ تَخْتلِف غالبًا. وكذلك لو اشْتَرى شيئًا، أو أسْلَم في شيءٍ، وقدَّرَه بها، لم يَصِح، وقد عَلِم النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنَّ الناسَ لا يَكِيلُونَ الماءَ، ولا يَزِنُونَه، فالظاهرُ أنَّه رَدَّهم إلى التقرِيبِ، فعلى هذا مَن وَجَد نجاسةً في ماءٍ فغَلَب على ظنِّه أنه مُقارِبٌ للقُلَّتَين تَوَضَّأ منه، وإلَّا فَلا. وفائدةُ الخلافِ أنَّ مَنِ اعتَبَر التحديدَ، قال: لو نَقَص الماءُ نَقْصًا يسيرًا، لم يُعفَ عنه. والقائِلون بالتقريبِ يَعفُون عن النَّقْصِ اليَسِيرِ. كان شَكَّ في بُلُوغِ الماءِ قَدرًا يَنفَعُ النجاسةَ، ففيه وجهان؛ أحدُهما، يُحكَمُ بطهازتِه؛ لأنَّ طهارتَه مُتَيَقَّنة قبلَ وقوعِ النجاسةِ فيه، فلا يَزُولُ عن اليقينِ بالشَّكِّ. والثاني، هو نَجِسٌ؛ لأنَّ الأصلَ قِلَّةُ الماءِ، فَيُبْنَى عليه، ويَلْزمُ مِن ذلك النجاسةُ.
(1) سقط من: «م» .
(2)
سقطت من: «م» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل في الماء الجارِي: نُقِلَ عن أحمدَ ما يدُلّ على التَّفرقةِ بينَه وبينَ الواقِفِ؛ فإنَّه قال في حَوضِ الحَمّامِ: قد قِيل: إنّه بمَنْزِلَةِ الماءِ الجارِى. وقال في البئرِ يكونُ لها مادَّةٌ وهو واقِفٌ: ليس هو بمنزلةِ الماء الجارِي. فعلى هذا لا يَتَنَجَّسُ الجاري إلّا بالتَّغْيِيرِ؛ لأنَّ الأصل طهارتُه، ولم نعلم في تَنْجِيسِه نَصًّا ولا إجْماعًا، فبَقِيَ على الأصلِ، وقال عليه السلام:«المَاءُ طَهُورٌ لا يُنَجِّسُهُ شَيءٌ» (1). وقال: «إِذَا بَلَغَ المَاءُ قُلَّتَينِ لَمْ يَحمِلِ الخَبَثَ» (2). وهذا يدلُّ على أنَّه لا يَنْجُسُ؛ لأنّه بِمَجْمُوعِه يزيدُ على القُلَّتَين، فإن قِيل: فالجِريَةُ منه لا تَبْلُغُ قُلَّتَين، فَتَنْجُسُ؛ لحديثِ القُلَّتَين. قُلنا: تَخْصيصُ الجِريَةِ بهذا التقدير تَحَكُّمٌ، و (3) لأنَّه لا يصحُّ قياسُه على الرّاكِدِ، لقُوَّتِه بجَرَيانِه وَاتِّصالِه بمادَّتِه. وهذا اختيارُ شيخِنا (4)، وهو الصحيحُ، إن شاءَ
(1) تقدم تخريجه في صفحة 96.
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 94.
(3)
سقطت الواو من: «م» .
(4)
انظر المغني 1/ 48.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
اللهُ تعالى. وقال القاضي وأصحابُه: كلُّ جِزيةٍ مِن الماءِ الجارِى مُعتبَرةٌ بنفسِها، فإذا كانت النجاسةُ جاريةً مع الماءِ، فما أمامَها طاهر؛ لأنَّها لم تَصِلْ إليه، وما وراءَها طاهِر؛ لأنَّه لم يصل إليها، والجِرْيَةُ إن بَلَغَتْ قُلتَين، ولم تتغير، فهي طاهرةٌ، وإلَّا فهي نَجسة، كان كانتِ النجاسةُ واقفةً في النَّهْرِ، فكل جِريَةٍ تَمُرُّ عليها إن بلغتْ قُلتَين فهي طاهرة، وإلَّا فلا. قالوا: والجِريَةُ هي الماءُ الذي فيه النجاسةُ، وما قَرُبَ مِنها مِن خَلْفِها وأمامِها، ممّا العادةُ انْتِشارُها إليه، إن كانتْ مِمّا تَنْتَشِرُ، مع ما يُحاذِى ذلك فيما بينَ طَرَفَي النَّهْرِ، فإن كانتِ النجاسةُ مُمتَدَّةً، فيَنْبَغِي أن يكونَ لكلِّ جُزْءٍ منها مثلُ تلك الجِرية المُعتبَرَةِ للنجاسةِ القليلةِ؛ لأنّا لو جَعَلْنا جيعَ ما حاذَى النجاسةَ الكثيرةَ جريَةً، أفْضَى إلى تَنْجِيس النَّهْر الكبيرِ بالنجاسةِ القليلةِ، دونَ الكثيرةِ، لأنَّ ما يُحاذِي القليلةَ قليل، فيَنْجُسُ، وما يُحاذِي الكثيرةَ كثير، فلا يَنْجُسُ، وهذا ظاهرُ الفسادِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فإنْ كان في جانب النَّهْرِ، أو في وَهدَةٍ منه ماءٌ واقِفٌ مائِلٌ عن سَنَنِ الماءِ، مُتّصِل بالجارِي، وكان ذلك مع الجِريَة المُقابِلَةِ له دونَ القُلَّتَين، فالجميعُ نَجسٌ؛ لأنّه ماء يسير مُتَّصِل، فيَنْجُسُ بالنجاسةِ، كالراكِدِ. فإن كان أحدُهما قُلَّتَين، لم يَنْجُس واحدٌ منهما، ما داما
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مُتَلاقِيَين إلَّا بالتَّغيُّرِ. فإن كانتِ النجاسةُ في الجارِي، وهو قُلَّتان، فهو طاهرٌ بكل حالٍ، وكذلك الواقِفُ. وإن كان الواقفُ قُلَّتَين، والجاري دونَ القُلَّتَين والنجاسةُ فيه، فهو نَجِس قبلَ مُلاقاتِه للواقفِ، وبعدَ مُفارقَتِه له، وطاهر في حال اتِّصالِه به. وإن كانت في الواقفِ، وهو قُلَّتان، لم يَنْجُس بحالٍ هو ولا الجاري. وإن كان دونَ القُلَّتَينِ والجاري كذلك، إلَّا أنهما بمَجْمُوعِهما قُلَّتان فصاعِدًا، وكانتِ النجاسةُ في الواقفِ، لم ينْجُسْ واحدٌ منهما، لأنّ الماءَ الذي فيه النجاسةُ مع ما يُلاقِيه لا يَزالُ كثيرًا. وإن كانت في الجارِي، فقياسُ قولِ أصحابِنا أنَّ الجميعَ نَجِسن، لأنّ الجارِيَ يَنْجُسُ قبلَ مُلاقاتِه للواقفِ، ومَرَّ على الواقفِ وهو يسِير فنَجَّسَه؛ لأنَّ الواقفَ لا يدفَعُ بن نفسِه، فعن غيرِه أولَى. ويَحتَمِلُ أن يُحكَمَ بطهارةِ الجارِي حال مُلاقاتِه للواقفِ. ولا يَتَنَجَّسُ به الواقفُ؛ لحديثِ القُلتَين،