الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَصُوفُهَا وَشَعَرُهَا وَرِيشُهَا طَاهِرٌ.
ــ
مَيتَة». رواه التِّرْمِذِيُّ (1)، وقال: حديثٌ حسنٌ غريبٌ. وكذلك ما يَتَساقَطُ مِن قُرُونِ الوُعُولِ في حياتِها، ويَحْتَمِلُ أنَّ هذا طاهرٌ؛ لأنَّه طاهرٌ مُتَّصِلًا مع عَدَمِ الحياةِ فيه، فلم يَنْجُسْ بفَصْلِه مِن الحيوان كالشَّعَرِ. والخَبَرُ أُرِيدَ به ما يُقْطعُ مِن البَهِيمَةِ مِمّا فيه حياةٌ فيَمُوتُ بفَصْلِه، بدليلِ الشَّعَرِ، فأمّا ما لا يَنْجُسُ بالموتِ كالسَّمَكِ، فلا بأْسَ بعِظامِه؛ لأنَّه (2) لا يَنْجُسُ بالموتِ، فهو كالمُذَكَّى.
39 - مسألة؛ قال: (وصُوفُها وشَعَرُها ورِيشُها طاهِرٌ)
يعني: شَعَرَ ما كان طاهرًا في حياتِه وصُوفَه. رُوى ذلك عن الحسنِ، وابنِ
(1) في: باب ما قطع من الحي فهو ميت، من أبواب الصيد. عارضة الأحوذي 6/ 273. وكذلك رواه أبو داود، في: باب في صيد قطع منه قطعة، من كتاب الصيد. سنن أبي داود 2/ 100. وابن ماجه، في: باب ما قطع من البهيمة وهي حية، من كتاب الصيد. سنن ابن ماجه 2/ 1072، والدارمي، في: باب في الصيد يبين منه العضو، من كتاب الصيد. سنن الدارمي 2/ 93. والإمام أحمد، في: المسند 5/ 218.
(2)
في م: «فإنه» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
سِيرِينَ. وبه قال مالكٌ، واللَّيثُ بنُ سعدٍ، والأوْزاعِيُّ، وإسحاقُ، وابنُ المُنْذِرِ، وأصْحابُ الرَّأْي. ورُوى عن أحمدَ ما يَدُلُّ على أنَّه نَجِسٌ. وهو قولُ الشافعيِّ؛ لأنَّه يَنْمِي مِن الحيوانِ، فنَجُسَ بمَوْتِه، كأعْضائِه. ولَنا، ما رُوىَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:«لا بَأْسَ بِمَسْكِ (1) الْمَيتَةِ إذَا دُبغَ، وَصُوفِهَا وَشَعَرِهَا إذَا غُسِلَ» . رواه الدّارَقُطْنِيُّ (2)، وقال: لم يأْتِ به إلَّا يوسُفُ بنُ السَّفْرِ، وهو ضَعِيفٌ. ولأنَّه لا تَفتَقِرُ طهارةُ مُنْفَصِلِه إلى ذَكاةِ أصْلِه، فلم يَنْجُسْ بمَوْتِه، كأجْزاءِ السَّمَكِ والجَرادِ. ولأنَّه لا حياةَ فيه، وما لا تُحِلُّه الحياةُ لا يموتُ، والدَّلِيلُ على أنَّه لا حياةَ فيه، أنَّه لو كان فيه حياةٌ لَنَجُسِ بفَصْلِه مِن الحيوانِ، في حالِ حَياتِه؛ لقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم:«مَا أُبِينَ مِنْ حَيٍّ فهُوَ مَيِّتٌ» . رواه أبو داودَ (3) بمعناه. وما ذكَرُوه يَنْتقِضُ بالبَيضِ، ويُفارِقُ الأعضاءَ؛ لأنَّ فيها حياةً، ولذلكَ (4) تَنْجُسُ بفَصْلِها مِن الحيوانِ حال حياتِه، والنُّمُوُّ لا يَدُلُّ على الحياةِ، بدليلِ نُمُوِّ الشَّجَرِ، والرِّيشُ كالشَّعَرِ؛ لأنَّه في مَعْناه، فأمّا أصُولُ الرِّيشِ والشَّعَرِ، إذا نُتِفَ مِن المَيتَةِ وهو رَطْبٌ، فهو نَجِسٌ برُطُوبةِ المَيتَةِ، وهل يَطْهُرُ بالغَسْلِ؟ على
(1) المَسْك: الجلد أو خاص بالسَّخلَة. (القاموس).
(2)
في: باب الدباغ، من كتاب الطهارة. سنن الدارقطني 1/ 47.
(3)
انظر ما تقدم في صفحة 179، 180.
(4)
في الأصل: «وكذلك» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وَجْهَين؛ أحدُهما، يَطهُرُ كرُءُوسِ الشَّعَرِ إذا تَنَجَّس. والثاني، لا يَطهُرُ؛ لأنَّه جُزْءٌ مِن اللَّحْمِ لم يَكمُلْ شعرًا ولاريشًا.
فصل: وشَعَرُ الآدَمِيّ طاهرٌ؛ مُنْفَصِلًا ومُتَّصِلًا، في الحياةِ والموتِ. وقال الشافعيُّ في أحدِ قوْلَيه: يَنْجُسُ بفَصْلِهِ. [ولهم في شَعَرِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وَجْهانِ؛ أحَدُهما، هو نَجِسٌ كعُضْوه](1). ولَنا، أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فَرَّق شَعَرَه بينَ أصحابِه، قال أنَسٌ: لَمّا رَمَى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ونَحَر نُسُكَه، ناوَلَ الحالِقَ شِقَّه الأيمَنَ، فحَلَقَه، ثم دَعا أبا طَلْحَةَ الأْنصارِيَّ، فأعطاهُ إيَّاهُ، ثم ناوَلَه الشِّقَّ الأيسَرَ، فقال:«احْلِقْ» . فحَلَقَه، وأعطاه أبا طَلْحَةَ، فقال:«اقْسِمْهُ بَينَ النَّاسِ» . رواه مسلم (2). ورُوىَ أنَّ مُعاويةَ أوْصَى
(1) سقط من: «م» .
(2)
في: باب بيان أن السنة يوم النحر. . . . إلخ، من كتاب الحج. صحيح مسلم 3/ 948. وأبو داود، في: باب الحلق والتقصير، من كتاب المناسك. سنن أبي داود 1/ 457. والترمذي، في: باب ما جاء بأي جانب الرأس يبدأ الخلق، من أبواب الحج. عارضة الأحوذي 4/ 146.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أن يُجْعَلَ نَصِيبُه منه في فِيه إذا ماتَ. وكان في قَلَنْسُوَةِ خالدٍ شَعَراتٌ مِن شَعرِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، ولو كان نَجِسًا لَما ساغَ ذلك، ولَما فَرَّقَه النبيُّ صلى الله عليه وسلم، وقد عَلِم أنَّهم يأْخُذُونَه يَتَبَرَّكُون به (1)، وما كان طاهرًا مِن النبيِّ صلى الله عليه وسلم كان طاهرًا مِمَّن سِواه، كسائِرِه. ولأنَّه شَعَرٌ مُتَّصِلُه طاهرٌ، فكذلك مُنْفَصِلُه، كشعرِ الحيواناتِ الطاهرةِ، وكذلك نَقُولُ في أعْضاءِ الآدَمِيِّ، وإن سَلَّمْنا نجاسَتَها، فإنَّها تَنْجُسُ مِن الحيواناتِ بفَصْلِها في الحياةِ، بخلافِ الشعرِ، فحَصَل الفَرْقُ.
فصل: ولا يَجوزُ اسْتِعْمالُ شَعَرِ الآدَمِيِّ وإن كان طاهرًا؛ لحُرْمَتِه لا لنجاسَتِه، ذكرَه ابنُ عَقِيلٍ. فأما الصلاةُ فيه فصَحِيحةٌ.
(1) هذا خاص بآثار الرسول صلى الله عليه وسلم المنفصلة من جسمه؛ كشعره، وماء وضوئه، وعرقه، ولا يجوز فعله مع غير الرسول صلى الله عليه وسلم، فلا يجوز التبرك بآثار الصالحين، لأن الصحابة لم يكونوا يفعلونه مع غير الرسول صلى الله عليه وسلم. والله أعلم.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وكلُّ حيوانٍ فحُكمُ شَعَرِه حكمُ بَقِيَّةِ أجْزائِه في النجاسةِ والطهارةِ، لا فَرْقَ بينَ حالةِ الحياةِ والموتِ، إلَّا أنَّ الحيواناتِ التي حَكَمْنا بطَهارتِها لمَشَقَّةِ التَّحَرُّزِ، كالهِرِّ وما دونَها، فيها بعدَ الموتِ وَجْهان؛ أحدُهما، نجاسَتُها؛ لأنَّها كانت طاهرةً في الحياةِ، مع وجودِ عِلَّةِ التَّنْجِيسِ لمُعارِضٍ، وهو عَدَمُ إمكانِ التَّحَرُّزِ عنها، وقد زال ذلك بالموتِ، فَتَنْتَفِي الطهارةُ. والثاني، هي طاهرةٌ. وهو أصَحُّ؛ لأنَّها كانت طاهرةً في الحياةِ، والموتُ لا يقْتَضِي تَنْجِيسَها، فتَبْقَى طاهرةً. وما ذُكِر للوَجْهِ الأوَّلِ لا يَصِحُّ، ولا نُسَلِّمُ وجودَ عِلَّةِ التَّنْجِيسِ، وإن سَلَّمْناه غيرَ أنَّ الشَّرْعَ ألغاهُ، ولم يَعْتَبِرْه في موضِعٍ، فليس لنا اعتبارُه بالتَّحَكُّمِ.
فصل: وهل يَجُوزُ الخَرْزُ بشَعَرِ الخِنْزِيرِ؟ فيه رِوايَتان؛ إحْداهما، كَراهَتُه. حُكِي ذلك عن الحسنِ، وابنِ سِيرينَ، وإسحاقَ، والشافعيِّ؛ لأنَّه استعمالٌ للعَينِ النَّجِسَةِ، ولا يَسلَمُ مِن التَّنْجِيسِ بها، فحَرُمَ الانْتِفاعُ بها، كجِلْدِه. والثانية، يجوزُ الخَرْزُ به. قال: وباللِّيفِ أحَبُّ إلينا. ورَخَّص فيه الحسنُ، ومالكٌ، والأوْزاعِيُّ،. وأبو حنيفةَ؛ لأنَّ الحاجةَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تَدْعُو إليه. فإذا خَرَز به شيئًا رَطْبًا، أو كانت الشَّعْرَةُ رَطْبَةً نَجُسَ، وَيَطْهُرُ بالغَسْلِ. قال ابنُ عَقِيلٍ: وقد رُوِيَ عن أحمد، أنَّه لا بأْسَ به. ولَعَلَّه قال ذلك لأنَّه لا يَسلَمُ الناسُ مِنه، وفي تَكْلِيفِ غَسْلِه إتلافُ أموالِ الناسِ. قال شيخُنا: والظَّاهِرُ أنَّ أحمدَ إنَّما عَنَى: لا بأْسَ بالخَرْزِ. فأمّا الطهارةُ فلا بُدَّ مِنها (1).
(1) انظر المغني 1/ 109.