الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَعَنْهُ، يَطْهُرُ مِنْهَا جِلْدُ مَا كَانَ طَاهِرًا فِي الْحَيَاةِ،
ــ
35 - مسألة؛ قال: (وعنه: يَطهُرُ مِنْها جِلْدُ ما كان طاهِرًا حال الحياةِ)
نصَّ أحمد على ذلك، قال بعضُ أصحابِنا: إنَّما يَطْهُرُ جِلْدُ ما كان مأكُولَ اللَّحْمِ. وهو مذهبُ الأوْزاعِي (1)، وأبي ثَوْرٍ، وإسحاقَ؛ لأنَّه رُويَ أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:«ذَكَاةُ الأدِيمَ دِبَاغُهُ» . رواه الإِمامُ
(1) أبو عمرو عبد الرحمن بن عمر بن يحمد الأوزاعي، إمام الشاميين وفقيههم، وأحد الزهاد والكتاب المترسلين، توفي سنة سبع وخمسن ومائة. وفيات الأعيان 3/ 127، 128، العبر 1/ 227.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أحمدُ، وأبو داودَ (1). فَشَبَّهَ الدِّباغَ بالذَّكاةِ، والذَّكاةُ إنّما تَعْمَلُ في مأكولِ اللَّحمِ، ولأنَّه أحدُ المُطَهِّرين للجِلْدِ، فلم يُوثِّرْ في غيرِ مَأكُولٍ كالذَّبْحِ. والأوَّلُ ظاهِرُ كلامِ أحمدَ؛ لعُمُومِ لفظِه في ذلك، ولأنَّ قولَه صلى الله عليه وسلم:«أيُّمَا إِهَابٍ دُبغ فَقَدْ طَهُرَ» (2). يَتَناوَلُ المَأكُولَ وغيرَه، وخَرَجَ مِنه ما كان نَجِسًا في الحياةِ، لكَوْنِ الدَّبْغ إنَّما يُوثِّرُ في رَفْعِ نجاسةٍ حادِثةٍ بالموتِ، فتَبْقَى فيما عَداه على قَضِيَّةِ العُمُومِ. وحديثُهم يَحْتَمِلُ أنه أرادَ بالذَّكاةِ التَّطْيِيبَ، مِن قَوْلِهم: رائِحة ذَكِيَّةٌ. أي: طيَبة. ويَحتَمِلُ أنه أرادَ بالذَّكاةِ الطهارةَ، فعلى هذَين التأويلَين يكون اللَّفْظُ عامًّا في كلِّ جِلْدٍ، فيَتَناولُ ما اختَلَفْنا فيه، ويَدُلُّ على التَّأويلِ الذي ذكرْنا، أنه لو أرادَ بالذَّكاةِ الذَّبْحَ لأضافَه إلى الحيوانِ كلِّه، لا إلي الجِلْدِ.
فصل: فأمَّا جُلُودُ السِّباعِ، فقال القاضي: لا يجوزُ الانْتِفاعُ بها قبلَ الدِّباغِ ولا بعدَه. وبذلك قال الاوزاعِيُّ، وابنُ المُبارَكِ (3)، وإسحاقُ، وأبو ثَوْرٍ. ورُوىَ عن عُمَر وعلي، رضي الله عنهما، كَراهَة
(1) لم يخرجه بهذا اللفظ إلا الإمام أحمد في: المسند 3/ 476، 5/ 6.
وأخرجه النسائي بنحوه، في: باب جلود الميتة، من كتاب الفرع والعتيرة. المجتبى 7/ 153، 154.
(2)
رواه الترمذي، في: باب ما جاء في جلود الميتة إذا دبغت، من أبواب اللباس، عارضة الأحوذي 7/ 232، 233. والنسائي، في: باب جلود الميته، من كتاب الفرع والعتيرة. المجتبى 7/ 153. والدارمي، في: باب الاستمتاع بجلود الميتة، من كتاب الأضاحي. سنن الدارمي 2/ 85. والإمام أحمد، في: المسند 1/ 219، 270، 343.
(3)
أبو عبد الرحمن عبد الله بن المبارك المروزي الحنظلي، الإمام الزاهد، جمع العلم والفقه والأدب، توفي سنة إحدى وثمانين ومائة. الجواهر المضية 2/ 324 - 326.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الصلاةِ في جُلُودِ الثَّعالِبِ. [وأباحَ الحسنُ، والشَّعْبِيُّ، وأصحابُ الرَّأي الصلاةَ في جُلُودِ الثَّعالِب؛ لأنَّ الثَّعالبَ تُفْدَى في الإِحْرامِ، فكانت مُباحَةً، ولما ثبَتَ مِنَ الدَّليلِ على طهارة جُلُود المَيتَةِ بالدِّباغِ. وجُلودُ الثَّعالبِ يُبْنَى حُكمُها على حِلِّها، وفيها رِوَايتانِ، فكذلك يُخَرَّجُ في جُلُودها، فإنْ قُلْنا بتَحرِيمها، فحُكمُ جُلُودِها حُكمُ بَقيَّةِ جُلُودِ السِّباعِ، وكذلكَ السَّنانيرُ البَرِّيَّةُ، فأمَّا الأهلِيَّةُ فمُحرَّمَةٌ. وهل تَطْهُرُ جُلودُها بالدِّباغِ؟ يُخَرَّجُ على رِوايَتَينِ](1). ورَخَّص في جلودِ السباعِ جابِرٌ. ورُوى عن ابنِ سِيرِينَ، وعُرْوَةَ (2)، [أنَّهما رَخَّصا](3) في الرُّكوبِ على جُلُودِ النُّمُورِ. ومذهبُ الشّافعيِّ طهارةُ جلودِ الحيواناتِ كلها إلَّا الكلبَ والخِنْزِيرَ؛ لأنّه يَرى طهارَتَها في حالِ الحياةِ، وله في جِلْدِ الآدَمِيِّ وَجْهان. وقال أبو حنيفةَ: يَطْهُرُ كلُّ جلدٍ إلَّا جلدَ الخِنْزِيرِ. وحُكِي عن أبي يوسفَ طهارةُ كلِّ جلدٍ. وهو روايةٌ عن مالكٍ. ومذهبُ مَن حَكَم بطهارةِ جلُودِ (4) الحيواناتِ كلها؛ لعُمُومِ قوله صلى الله عليه وسلم: «أيمَا إِهَابٍ دُبغ فَقَدْ طَهُرَ» . مُتَّفَق عليه. ولَنا، ما روَى أبو رَيحانَةَ، قال: نَهَى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن ركُوبِ النُّمورِ. رواه الإِمامُ أحمدُ، وأبو داودَ (5). وعن
(1) سقط من: «م» .
(2)
أبو عبد الله عروة بن الزبير بن العوام، من فقهاء التابعين بالمدينة، توفي سنة أربع وتسعين. طبقات الفقهاء للشيرازي 58، 59.
(3)
في الأصل، م:«أنهم رخصوا» .
(4)
سقط من: «م» .
(5)
أخرجه أبو داود، في: باب في جلود النمور والسباع، من كتاب اللباس، وفي: باب ما جاء في الذهب للنساء، من كتاب الخاتم. سنن أبي داود 2/ 388، 410. والنسائي، في: باب النتف، من كتاب الزينة. المجتبى 8/ 123. وابن ماجه، في: باب ركوب النمور، من كتاب اللباس. سنن ابن ماجة 2/ 1205. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مُعاويةَ، والمِقْدامِ بنِ مَعْدِ يكَرِبَ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عنْ جُلودِ السِّباعِ (1) والرُّكوبِ عليها. روَاه أبو داودَ، والنَّسائِي (2). مع [ما ذَكَرْنا من نَهْي النبيِّ](3) صلى الله عليه وسلم عن الانْتفاعِ بشيءٍ من المَيتَةِ، فجَمعْنا بينَ هذه الأحاديثِ، وبينَ الأحاديثِ الدَّالَّةِ على طهارةِ جُلُودِ المَيتَةِ بحَمْلِها على ما كان طاهِرًا حال الحياةِ، وحَمْلِ الأحاديثِ النَّهْي على ما لم يَكُنْ طاهِرًا، لأنّه متى أمْكَن الجَمْعُ بينَ الأحاديثِ ولو مِن وجه، كان أَوْلَى مِن التَّعارُضِ بينَها، يُحقِّقُ ذلك أنَّ الدَّبْغَ إنّما يُزيلُ النجاسةَ الحادِثةَ بالموتِ، ويَرُدُّ الجلدَ إلى ما كان عليه حال الحياةِ، فإذا كان في الحياةِ نَجِسًا لم يُؤَثِّرْ فيه الدِّباغُ شيئًا، واللهُ أعلمُ.
فصل: وإذا قُلْنا بطهارةِ الجِلْدِ بالدِّباغِ، لم يَحِلَّ أكْلُه، في قولِ عامَّةِ أهلِ العلمِ، وحُكِي عن ابنِ حامدٍ أنَّه يَحِلُّ. وهو وجهٌ لأصحابِ الشافعيِّ، لقولِه صلى الله عليه وسلم:«ذَكَاةُ الأدِيمَ دِبَاغُهُ» . ولأنّه معنًى يفيدُ الطهارةَ في الجِلْدِ، أشْبَهَ الذَّبْحَ. وظاهرُ قولِ الشافعيِّ، أنه إنْ كان مِن حيوانٍ مأْكُول، جازَ أكْلُه، لأنَّ الدِّباغَ بمَنْزِلَةِ الذَّكاةِ، وإلّا لم يَجُزْ؛ لأنَّ
= والإِمام أحمد، في: المسند 4/ 92، 93، 99، 134.
(1)
في الأصل: «نهى عن افتراش جلود السباع» .
(2)
في: باب في جلود النمور والسباع، من كتاب اللباس. سنن أبي داود 2/ 388.كما رواه النسائي، في: باب النهي عن الانتفاع بجلود السباع، من كتاب الفرع والعتيرة. المجتبى 7/ 156. والإمام أحمد، في: المسند 4/ 101.
(3)
في الأصل، م:«ذكرناه، ونهى النبي» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الذَّكاةَ لا تُبِيحُه، فالدِّباغُ أوْلَى. والأوَّلُ أصحُّ؛ لقَوْلِه عز وجل:{حُرِّمَت عَلَيكُمُ الْمَيتَة} (1). والجِلْدُ مِنها. ولقولِه صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا حُرِّمَ مِنَ الْمَيتَةِ أكْلُهَا» . مُتَّفَقٌ عليه (2). ولا يَلزَمُ مِن الطهارةِ إباحَةُ الأكل؛ بدليلِ تحرِيمِ الخبائثِ مِمّا لا يَنْجُسُ بالموتِ، وقِياسُهم لا يُقْبَلُ مع مُعارَضةِ الكتابِ والسُّنَّةِ.
فصل: ويجوز بَيعُه، وإجارَتُه، والانْتِفاعُ به في كلِّ ما يُمْكِنُ، سِوَى الأكْلِ، وهو قولُ الشافعيِّ في الجَدِيدِ. ولا يجوز بَيعُه قبلَ الدَّبْغ، لا نَعلَمُ فيه خلافًا؛ لأنَّه مُتَّفَقٌ على نجاسَتِه، أشْبَهَ الخِنزِيرَ، ويَفتَقِرُ ما يُدبَغُ به إلى أن يكونَ مُنَشِّفًا للرُّطُوبةِ، مُنَقِّيًا للخَبَثِ، كالشَّبِّ (3) والقَرَظِ (4). قال ابنُ عَقِيل: يُشْتَرَطُ أن يكونَ طاهرًا؛ لأنَّها طهارةٌ مِن نجاسةٍ، فلم
(1) سورة المائدة 3.
(2)
أخرجه البخاري، في: باب الصدقة على موالي أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، من كتاب الزكاة، وفي: باب جلود الميتة قبل أن تدبغ، من كتاب البيوع، وفي: باب جلود الميتة، من كتاب الذبائح. البخاري 2/ 158، 3/ 107، 7/ 124. ومسلم، في: باب طهارة جلود الميتة بالدباع، من كتاب الحيض. صحيح مسلم 1/ 277، 276. وأبو داود، في: باب في أهب الميتة، من كتاب اللباس. سنن أبي داود 2/ 386، 387. والترمذي، في: باب ما جاء في جلود الميتة إذا دبغت، من أبواب اللباس. عارضة الأحوذي 7/ 234. والنسائي، في: باب جلود الميتة، من كتاب الفرع والعتيرة. المجتبى 7/ 151، 152. وابن ماجه، في: باب ليس جلود الميتة إذا دبغت، من كتاب اللباس. سنن ابن ماجه 2/ 1193 والدارمي، في: باب الاستمتاع بجلود الميتة، من كتاب الأضاحي. سنن الدارمي 2/ 86. والإمام مالك، في: باب ما جاء في جلود الميتة، من كتاب الصيد. الموطأ 2/ 468. والإمام أحمد، في المسند: 1/ 262، 327، 330، 365، 366، 6/ 329. وانظره أيضًا في: 1/ 227، 277، 327، 372، 6/ 334.
(3)
الشب: من الجواهر التي أنبتها الله تعالى في الأرض، يدبغ به، يشبه الزاج.
(4)
القرظ: حب يخرج في غلف كالعدس من شجر العضاه، يدبغ به.