الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في ذكر بعض مفتريات الملحد
…
فصل
قال العراقي: (ومن قبائح ابن عبد الوهاب إحراقه كثيراً من كتب العلم، وقتله كثيراً من العلماء وخواص الناس وعوامهم، واستباحة دمائهم وأموالهم، ونبشه لقبور الأولياء، وقد أمر في الأحساء أن تجعل بعض قبورهم محلاً لقضاء الحاجة، ومنع الناس من قراءة دلائل الخيرات، ومن الراوتب1 والأذكار، ومن قراءة المولد الشريف ومن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في المنابر بعد الأذان، وقتل من فعل ذلك، ومنع الدعاء بعد الصلاة، وكان يصرح بكفر المتوسل بالأنبياء والملائكة والأولياء، ويزعم أن من قال لأحد: مولانا وسيدنا فهو كافر) .
فالجواب أن نقول: قد تقدم الجواب عن هذه المفتريات، وبينا أنها كذب وزور، وتعنت وفجور، إلا أنا لم نجب عن دعواه نبش قبور الأولياء، وجعلها محلاً
1 في ط المنار والرياض: "الراتب".
لقضاء الحاجة، ومنع الناس من الراوتب والأذكار، وأن الشيخ يقول لمن قال لأحد: مولانا وسيدنا فهو كافر.
فأما دعواه أن الشبخ نبش قبور الأولياء، فهذا كذب، والذي جرى من الشيخ رحمه الله وأتباعه هدم البناء الذي على القبور، والمسجد المجعول في المقبرة على القبر الذي يزعمون أنه قبر زيد بن الخطاب رضي الله عنه، وذلك كذب ظاهر، فإن قبر زيد رضي الله عنه ومن معه من الشهداء لا يعرف أين موضعه، بل المعروف أن الشهداء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قتلوا في أيام مسيلمة في هذا الوادي، ولا يعرف أين موضع قبورهم من قبور غيرهم، ولا يعرف قبر زيد من قبر غيره، وإنما كذب ذلك بعض الشياطين، وقال للناس: هذا قبر زيد فافتتنوا به، وصاروا يأتون إليه من جميع البلاد بالزيارة، ويجتمع عنده جمع كثير، ويسألونه قضاء الحاجاب، وتفريج الكربات، فلأجل ذلك هدم الشيخ ذلك البناء الذي على قبره، وذلك المسجد الذي على المقبرة، اتباعاً لما أمر الله به ورسوله من تسوية القبور في النهي والتغليظ في بناء المساجد عليها، كما يعرف ذلك من له أدنى مسكة من المعرفة والعلم.
وأما كونه نبش القبر. فكل هذا كذب وزور، وتشنيع على الشيخ عند الناس بالباطل والفجور.
وكذلك قوله: وقد أمر في الأحساء أن تجعل بعض قبورهم محلاً لقضاء الحاجة. كذب وافتراء.
وأما قراءة مولد النبي صلى الله عليه وسلم بوقت محدود، وطريقة معلومة، وكتب مخصوصة لها فلا شك في كونها بدعة محدثة، فأي محذور في المنع منها؟
وأما الدعاء بعد الصلاة فإن كان بالألفاظ الواردة في الأحاديث الصحيحة من الأذكار من غير رفع اليدين كما ورد في الصحيحين وغيرهما من الكتب، فالشيخ لا يمنع عنه، ولا أحد من أتباعه، بل ولا أحد من أهل الحديث، وإن كان الدعاء بغير الألفاظ المأثورة، وكما يفعله الناس اليوم، فقال شيخ الإسلام لما سئل عن ذلك: الجواب: الحمد لله، لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يدعو هو ولا المأمومون عقيب الصلوات الخمس كما يفعله الناس عقيب الفجر والعصر، ولا نقل ذلك عن أحد، ولا استحب ذلك أحد من الأئمة.
ومن نقل عن الشافعي أنه استحب ذلك فقد غلط عليه، ولفظه الموجود في كتبه ينافي ذلك، لكن طائفة من أصحاب أحمد وأبي حنيفة وغيرهما استحبوا الدعاء بعد الفجر والعصر، قالوا: لأن هاتين الصلاتين لا صلاة بعدهما، فتعوض بالدعاء بعد الصلاة.
واستحب طائفة من أصحاب الشافعي وغيره الدعاء عقيب الصلوات الخمس، وكلهم متفقون على أن من ترك الدعاء لم ينكر عليه، ومن أنكر عليه فهو مخطئ باتفاق العلماء، فإن هذا ليس مأموراً به لا أمر إيجاب ولا أمر استحباب في هذا الموطن، بل الفاعل أحق بالإنكار.
فإن المداومة على ما لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يداوم عليه في الصلوات الخمس ليس مشروعاً، بل مكروه كما لو داوم على الدعاء عقيب الدخول في الصلاة، أو داوم على القنوت في الركعة الأولى في الصلوات الخمس، أو داوم على الجهر بالاستفتاح في كل صلاة، ونحو ذلك فإنه مكروه.
وإذا كان القنوت في الصلوات الخمس قد فعله النبي صلى الله عليه وسلم أحياناً، وكان عمر يجهر بالاستفتاح أحياناً، وجهر رجل خلف النبي صلى الله عليه وسلم بنحو ذلك فأقره عليه، فليس كل ما شرع فعله أحياناً تشرع المداومة عليه، ولو دعا الإمام والمأموم أحياناً عقيب الصلاة لأمر عارض لم يعد هذا مخالفة للسنة كالذي يداوم على ذلك.
والأحاديث الصحيحة تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو دبر الصلوات قبل السلام، ويأمر بذلك، كما قد بسطنا الكلام على ذلك، وذكرنا ما في ذلك من
الأحاديث، وما يظن أن فيه حجة للمنازع في غير هذا الموضع، وذلك لأن الداعي يناجي ربه، فإذا انصرف مسلماً انصرف عن مناجاته، ومعلوم أن سؤال السائل لربه حال مناجاته هو الذي يناسب دون سؤاله بعد انصرافه، كما أن من يخاطب ملكاً أو غيره، فإن سؤاله له وهو مقبل على مخاطبته أولى من سؤاله بعد انصرافه عنه. انتهى1.
وأما مسألة قول القائل: مولانا وسيدنا. فالشيخ لا يمنع من قال ذلك على الوجه الذي يعرفه الناس من لفظ السيد الشريف، والفاضل الكريم، والحليم ومتحمل أذى قومه والزوج والرئيس والمقدم، وكذلك لفظ: المولى بالمنعم والمعتق والناصر والمحب والتابع والخال وابن العم والحليف، إلى غير ذلك، وإنما نهى ومنع عن إطلاق لفظ السيد والمولى فيمن يعتقدون فيه نوعاً من الربوبية أو الألوهية كمن يقول: يا سيدي أو يا مولاي فلان أغثني أو أدركني أو ارزقني، أو أنا في حسبك، ونحو هذا، فمن قال هذا بهذا المعنى فهو كافر يستتاب فإن تاب وإلا قتل، فإن الله سبحانه إنما أرسل الرسل، وأنزل الكتب ليعبد، ولا يدعى معه إله آخر.
1 هو في مجموع فتاويه رحمه الله تعالى 22/512-514، وقوله:(في غير هذا الموضع) ، وقع البسط 22/492-504.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في الرسالة السنية: فإذا كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن انتسب إلى الإسلام من مرق منه مع عبادته العظيمة، فليعلم أن المنتسب إلى الإسلام والسنة في هذه الأزمان قد يمرق أيضاً من الإسلام لأسباب منها الغلو في بعض المشايخ، بل الغلو في علي بن أبي طالب، بل الغلو في المسيح عليه السلام، فكل من غلا في نبي أو رجل صالح، وجعل فيه نوعاً من الإلهية مثل أن يقول: يا سيدي فلان انصرني، أو أغني أو ارزقني أو أنا في حسبك، ونحو هذه الأقوال فكل هذا شرك وضلال، يستتاب صاحبه، فإن تاب وإلا قتل –إلى آخر كلامه رحمه الله.