الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في مزاعم للملحد، وردها
…
فصل
قال العراقي: (الوهابية وتكفيرها الحالف بغير الله والناذر، والذابح: قاتل الله الوهابية إنها تتحرى في كل أمر أسباب تكفير المسلمين، مما يثبت أن همها الأكبر هو تكفيرهم لا غير، فتراها تكفر من يتوسل إلى الله تعالى بنبيه صلى الله عليه وسلم ويستعين باستشفاعه إلى الله تعالى على قضاء حوائجه، وهي لا تخجل إذ تستعين بدولة الكفر على قضاء حاجاتها، التي هي قهر المسلمين وحربهم، وشق عصاهم، والمروق عن طاعة أمير المؤمنين، الذي أمر الله تعالى في كتابه المبين بلزوم طاعته، كما بسطنها في مقدمات الرسالة، وتتخذ أعداء الدين أولياء تستمد منهم في إحضار القوى التي تسعى بها إلى الفساد، وتلج بها في الغواية والعناد، قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ} [المائدة: 51] سحقاً للوهابية إنها لا تدري أن أولئك الأولياء الذين تتخذهم ذريعة لقهر المسلمين إذا ثبت قدمهم فإنهم يقهرونها، ويهتضمونها -أيضاً- مع من تعده خصماً مخالفاً لمذهبها.
فأقول: إيه يابن اللخنا لقد –والله- علمتم أنكم لأنتم اخدان إخوان القردة والخنازير، وإخوان عبدة الصليب أصحاب السعير، وأنا لم ننزع إليهم ولم نستعن بهم في شيء من الأمور التي تزعمونها، وأنا لم نتخذهم أولياء، وقد علمتم أنه ليس في ديارنا لهم علماً، ولا جعلنا في أوطاننا قناصل، ولم نلتزم في ملتنا قوانينهم، ونقدمها على شرع الله ورسوله، ونحن نبرأ إلى الله منهم ومنكم، {كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [الممتحنة: 4] ، ولكن قد غلبت عليكم القحة، والتظاهر بالكذب والعدوان، لكي تطفئوا نور الله بأفواهكم، {وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [التوبة: 32] .
فانظر -قاتلك الله يا عدو الله- من قناصل أعداء الله ورسوله عنده؟ ومن أعلامهم منصوبة في ديارهم؟ ومن اليهود والنصارى والرافضة في جملة عساكرهم؟ حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين، وتدري من سعى في الأرض بالفساد، ولج في الغواية والعناد، وعام في بحر الضلالة، وتدرع برداء الشرك والجهالة.
وأما قوله: (من غير مرة إن ديدن الوهابية تكفير كافة المسلمين بكل أمر، فهي تكفرهم لتوسلهم بجاه الأنبياء والأولياء وندائهم) .
فأقول: أما تكفير عامة المسلمين فمن الكذب الواضح، وقد بيناه غير مرة، وأما التوسل بجاه الأنبياء والأولياء فالوهابية لا يكفرون بمجرد التوسل بجاههم.
وأما دعاؤهم والاستغاثة بهم، والاستشفاع بهم، والالتجاء إليه، فهو كفر مخرج عن الملة، وقد قدمنا أدلة ذلك، وكلام أهل العلم في ذلك.
وأما قوله: (وتكفرهم بالحلف بغير الله) .
فأقول: وهذا أيضاً من الكذب على الوهابية، والأوهام الوبية.
وأما قوله: (والنذر لذلك الغير والذبح له) فسيأتي الكلام عليه قريباً.
وقوله: (ولو سلمنا أن في بعض الأقوال التي تنسبها الوهابية إلى المسلمين كفراً يصح أن يقال فيه: إن قائل هذا القول يكفر، لما صح أن تكفر جميع الأمة، أو تكفر شخصاً معيناً، قال ذلك القول، فقد يكون القائل لم تبلغه النصوص الموجبة لمعرفة الحق، أو لم تثبت عنده، أو لم يتمكن من معرفتها وفهمها، أو يكون قد عرضت له شبهات يعذره الله تعالى فيها) .
فأقول: الوهابية لا يكفرون إلا من كفره الله ورسوله، وقامت عليه الحجة التي يكفر تاركها، ولا يلزم من تكفير من قام به الكفر وقامت عليه الحجة تكفير جميع المسلمين، فإن هذا من اللوازم الباطلة، والأقوال الداحضة.
وأما تكفير الشخص المعين، فلا مانع من تكفيره إذا صدر منه ما يوجب تكفيره فإن عبادة الله وحده لا شريك له من الأمور الضرورية المعلومة من دين الإسلام، فمن بلغته دعوة الرسول، وبلغه القرآن، فقد قامت عليه الحجة.
(وأما) الأمور التي لا يكفر فاعلها [مما ليس معلوماً بالضرورة من دين الإسلام، بل في الأمور الخفية فهذا لا يكفر] 1 حتى تقوم عليه2 الحجة، لأن هذا3 إنما هو في المسائل النظرية والاجتهادية التي قد يخفى دليلها.
وأما عباد القبور، فهم عند السلف وأهل العلم يسمون الغالية، لأن فعلهم غلو، يشبه غلو النصارى في الأنبياء والصالحين، وعبادتهم.
فمسأله توحيد الله، وإخلاص العبادة له، لم ينازع
1 سقط ما بين المعقوفين من ط الرياض.
2 سقطت "عليه" من ط الرياض.
3 سقطت "لأن هنا" من ط الرياض.
في وجوبها أحد من أهل الإسلام، لا أهل الأهواء، ولا غيرهم، وهي معلومة من الدين بالضرورة، كل من بلغته الرسالة وتصورها على ما هي عليه عرف أن هذا زبدتها وحاصلها، وسائر الأحكام تدور عليه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الرد على المتكلمين" لما ذكر أن بعض أئمتهم توجد منهم الردة عن الإسلام كثيراً، قال:
وهذا وإن كان في المقالات الخفية، فقد يقال فيها إنه مخطئ ضال، لم تقم عليه الحجة التي يكفر تاركها، لكن هذا يصدر منهم في أمور يعلم الخاصة والعامة من المسلمين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بها، وكفر من خالفها، مثل عبادة الله وحده لا شريك له، ونهيه عن عبادة أحد سواه، من الملائكة والنبيين وغيرهم، فإن هذا أظهر شرائع الإسلام، ومثل إيجابه للصلوات الخمس، وتعظيم شأنها، ومثل تحريم الفواحش، والزنا، والخمر والميسر، ثم تجد كثيراً من رؤوسهم وقعوا فيها، فكانوا مرتدين، وأبلغ من ذلك أن منهم من صنف في دين المشركين، كما فعل أبو عبد الله الرازي -قال: وهذه ردة صريحه، انتهى.
فالشخص المعين إذا صدر منه ما يوجب كفره من الأمور التي هي من ضروريات دين الإسلام مثل عبادة غير الله سبحانه وتعالى، فإن الله قد أقام الحجة بإنزال
كتبه، وبعث رسله، لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، وهذا مما لا إشكال فيه.
وأما قوله: (فقد يكون القائل لم تبلغه النصوص الموجبة لمعرفة الحق
…
) إلى آخره.
فأقول: أما ما عدا الأمور الضرورية المعلومة من دين الإسلام، فإنا لا نكفر من قال قولاً لم يبلغه النص في ذلك بتكفير من فعله، لأن الشرائع لا تلزم إلا بعد البلوغ، وكذلك من لم يثبت عنده النص، أو قام لديه معارض من نص آخر، أو وقعت له شبهة يعذره الله بها، هذا مما لا إشكال فيه عند أهل العلم.
وأما قول هذا الجاهل المركب: (أو لم يتمكن من معرفتها وفهمها) فإنما دهي1 من عدم معرفته بالفرق بين قيام الحجة، وفهم الحجة [فإن من بلغته دعوة الرسل فقد قامت عليه الحجة] إن كان على وجه يمكن معه العلم، ولا يشترط في قيام الحجة أن يفهم عن الله ورسوله ما يفهمه أهل الإيمان والقبول والانقياد لما جاء به الرسول،
1 في ط الرياض: "هي".
فإن فهم الحجة نوع آخر غير قيامها، قال الله تعالى:{أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [سورة الفرقان:44] .
وقال تعالى: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} [سورة البقرة: 7] . وقال تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً. الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً. أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ} الآية [سورة الكهف: 103-104-105] .
وأما قوله: (فالذي يؤمن بالله ورسوله، فإن الله قد يغفر له برحمته بعض الذنوب القولية والعملية) .
فأقول: هذا حق، وذلك فيمن أتى ذنباً لا يخرجه من الملة، أو كان ذلك القول أو الفعل مما ليس بضروري في الدين، كما تقدم بيانه، وأما من أشرك بالله في عبادته، فقد قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [سورة النساء: 48 و 116] فأما من أتى بالشرك الأكبر، فالله قد حرم عليه الجنة، ومأواه النار، وإن زعم أنه مؤمن بالله ورسوله، وتلفظ بالشهادتين، فإن هذا لا ينفعه مع فعل الشرك المخرج من الملة، كدعائه غير الله، واستغاثته بمن سواه، والالتجاء إليه، وطلب الحوائج من
الولائج، فإن هذا مناف لشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله. وما نزل من الآيات في الوعيد على من اقترف ذنباً لا يخرجه من الإسلام، فهو تحت مشيئة الله، إن شاء عذبه، وإن شاء عفا عنه. ولا يكفر بهذه الذنوب إلا الخوارج.
وأما قوله: (قال ابن القيم رحمه الله تعالى في "مدارج السالكين" ما ملخصه: إن أهل السنة متفقون على أن الشخص الواحد قد يكون فيه ولاية لله تعالى وعداوة من وجهين مختلفين، وقد يكون فيه إيمان ونفاق، وإيمان وكفر، ويكون أحدهما إليه أقرب من الآخر، فيكون من أهله، قال الله تعالى: {هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ} [سورة آل عمران: 167] ) .
فأقول: هذا حق، فقد يكون الشخص فيه ولاية لله تعالى وعداوة، وذلك كمثل الصحابي الذي كان يكثر من شرب الخمر، فقال رجل: لعنه الله ما أكثر ما يؤتى به. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تلعنه، فإنه يحب الله ورسوله" وكذلك من كان فيه خصلة من النفاق كمن إذا خاصم فجر، وإذا ائتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وكذلك الكفر مع الإيمان، كقوله صلى الله عليه وسلم: "لا ترجعوا بعدي
كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض"، "من حلف بغير الله فقد كفر"، إلى غير ذلك من الأمور التي لا تخرج من الملة، من الأقوال والأعمال.
وبالجملة؛ فالقلب الذي لم يتمكن منه الإيمان، ولم يزهر فيه سراجه، حيث لم يتجرد للحق المحض الذي بعث الله به رسوله، بل فيه مادتان، مادة منه، ومادة من خلافه، فتارة يكون للكفر أقرب منه للإيمان، وتارة يكون للإيمان أقرب منه للكفر، والحكم للغالب، وإليه يرجع، فهذا وأمثاله لا يدخل في مسألة من صرف لغير الله نوعاً من العبادة، فإنا قد بينا فيما تقدم الأدلة على كفره من الكتاب والسنة، وأقوال العلماء، فالمغالطة بإدخال هذه الأمور في مسألة عبادة غيره الله سفسطة، وتمويه، ومزج للحق بالباطل، فسحقاً وبعداً للقوم الظالمين.
وأما قول العراقي: (أما الحلف بغير الله فلا يخرج مرتكبه عن الإسلام
…
إلى آخر كلامه) .
فأقول: قد كان من المعلوم أن مجرد الحلف بغير الله لا يخرج من الملة، ومن زعم أنا نكفر بهذه الأشياء كفراً مخرجاً عن الملة فهو من أكذب خلق الله، وأجرأهم على الفرية، وقول الزور. وقد ذكر ابن القيم رحمه الله أن من
عظم مخلوقاً بالحلف تعظيماً كتعظيم الله، فقد أشرك شركاً أكبر. وقال لما عد من هذه الألفاظ ونحوها في شرح "المدارج": وقد يكون ذلك شركاً أكبر بحسب ما قام بقلب فاعله. وحديث ابن عمر صريح في إطلاق الكفر والشرك بالحلف بغير الله. فمن منع الإطلاق فهو مشاق لله ولرسوله، ولكن ساق البخاري في "صحيحه" قول ابن عباس: كفر دون كفر، وشرك دون شرك، وظلم دون ظلم.
وأما قوله: (من حلف بغير الله فقد كفر. فقد حمله أئمة الحديث من شافعية وحنفية وحنابلة ومالكية على أن المقصود به: كفر النعمة) .
فأقول: هذا الحمل ضعيف جداً، إذ ما من معصية وذنب يفعله المكلف المختار إلا وفيه من كفر النعمة بحسبه. والشكر هو استعمال النعمة في طاعة معطيها ومسديها، مع محبته، والرضا عنه، والثناء بها عليه، والشكر ضد الكفر، فمن أخل بشيء من الشكر ففيه من كفر النعمة بحسب ذلك، فتحصل أن كفر النعمة لا يختص بما أطلق عليه الشارع الكفر من الأفعال، فلا بد للنص من معنى يخصه، وحكمة في تخصيص بعض الأفراد، وهذا معلوم بالشرع والفطرة، إذ تخصيص بعض أفراد الجنس من غير مخصص يقتضي ذلك تحكم محض، وترجيح بلا مرجح.
وأما قوله: (حتى إن أصحاب الشافعي قالوا بأنه مكروه تنزيهاً لا تحريماً. فالحلف الذي قد اختلف فيه العلماء أنه مكروه أو حرام لا يجوز أن يقال في مرتكبه: إنه كافر خارج عن الملة) .
فأقول: أما كونه مكروهاً كراهة تنزيه لا كراهة تحريم فهذا مما لا دليل عليه من الكتاب والسنة، بل هو عرف حادث، والكراهة في عرف الكتاب والسنة وقدماء العلماء، تطلق على التحريم، قال الله تعالى بعد ذكر المحرمات {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً} [سورة الإسراء:38] وكما في الحديث: "ويكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال" 1 فلا عبرة بخلاف من خالف ما يقتضيه الكتاب والسنة بالإصطلاح الحادث، وأما دعوى أن ذلك يخرج عن الملة، فقد بينا أنه من الكذب والبهتان.
1 أخرجاه في الصحيحين. وقد تقدم في الرسالة السادسة.