الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في مفتريات الملحد، وردها
…
فصل
قال العراقي: (قد آن لنا أن نذكر ههنا خلاصة ما تمذهبت به الفرقة المارقة الوهابية1 من الأباطيل، ثم نتكلم عليها في المباحث الآتية بما يردها ويدحض حجتها. فنقول:
قد اشتملت عقيدتهم الباطلة على أمور:
الأول: إثبات الوجه، واليد والجهة للبارئ سبحانه، وجعله جسماً ينزل ويصعد.
الثاني: تقديم النقل على العقل، وعدم جواز الرجوع إليه في الأمر الدينية.
الثالث: نفي الإجماع وإنكاره.
الرابع: نفي القياس.
الخامس: عدم جواز التقليد للمجتهدين من أئمة الدين، وتكفير من قلدهم.
1 في ط الرياض: "والوهابية".
السادس: تكفيرهم لكل من خالفهم من المسلمين.
السابع: النهي عن التوسل إلى الله تعالى بالرسول أو بغيره من الأولياء والصالحين.
الثامن: تحريم زيارة قبور الأنبياء والصالحين.
التاسع: تكفير من حلف بغير الله وعده مشركاً.
العاشر: تكفير من نذر لغير الله، أو ذبح عند مراقد الأنبياء والصالحين) .
فالجواب أن نقول: نعم قد اشتملت عقيدة الوهابية على إثبات الوجه واليد كما ثبت ذلك في الكتاب والسنة وأقوال أئمة السلف، كما هو معروف مشهور في عقائدهم، وفيما صنفوه من الرد على الجهمية وغيرهم من أهل البدع، وذكرنا من ذلك طرفاً فيما تقدم.
وأما لفظ الجهة، وجعله سبحانه وتعالى جسماً فهذا من الكذب على الوهابية وقد تقدم الكلام على ذلك قريباً، وفيه بحث وتفصيل.
وأما كونه تعالى ينزل ويصعد فهو ثابت بالأحاديث الصحيحة أحاديث النزول، وقد تقدم الكلام على ذلك، وهو مما نعتقده وندين الله به على ما يليق بجلاله وعظمته، ولو كره الكافرون.
وأما قوله الثاني: تقدم النقل على العقل.
فأقول: وهذا أيضاً مما ندين الله به، ونعتقده، ومن لم يقدم النقل على العقل فما آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، ومع ذلك نقول: إن العقل الصحيح لا يخالف النقل الصريح، فإن اختلفا فالعقل إما فاسد، أو النقل غير صحيح ولا صريح.
وأما عدم جواز الرجوع إليه في الأمور الدينية فما ذاك إلا لمخالفة النقل الصحيح الصريح، وأما إذا وافق النقل فلا مانع من جوازه عندنا، بل نعتقد ذلك ونعتمده.
وقوله: الثالث نفي الإجماع وإنكاره.
فأقول هذا كذب فإنا نعتقد أنه الأصل الثالث، وأن الأمة لا تجمع على ضلالة، لكن ننكر إجماع عباد القبور، وأفراخ المتفلسفة، وأنباط الفرس والروم، ومن نحا نحوهم، وحذا حذوهم1، وأيضاً ننكر دعوى الإجماع على أن الاجتهاد قد انقطع، وأن التقليد واجب.
وقوله: الرابع نفي القياس.
1 سبق التفصيل في ذلك ها هنا ص 166 وما بعدها.
فأقول: أما نفي القياس مطلقاً من الكذب، فإنه فيه ما هو صحيح، وفيه ما هو باطل.
وقوله: الخامس عدم جواز التقليد للمجتهدين من أئمة الدين وتكفير من قلدهم.
فأقول: وهذا أيضاً من الكذب على الوهابية، فإنهم كانوا على مذهب أحمد بن حنبل1، ولكن ربما يوجد ذلك في كتب بعض من ينسبونه هؤلاء إليهم، لاعتقاده أنهم على الحق، وأنهم مخالفون لعباد القبور، ولأهل الأهواء من أهل البدع، كما قد يوجد ذلك في كتب صديق الهندي وغيره.
وقوله: السادس تكفيرهم كل من خالفهم من المسلمين.
فأقول: وهذا أيضاً كذب على الوهابية، فإنهم لا يكفرون المسلمين، وإنما يكفرون من كفر الله ورسوله، وأهل العلم من غلاة عباد القبور، وغلاة الجهمية، وغلاة القدرية والمجبرة وغلاة الروافض وغلاة المعتزلة وغيرهم، ممن كفره السلف الصالح بعد قيام الحجة.
1 سبق تفصيل ذلك ها هنا ص 172 وبيان أن المحرم هو التقليد الذي فيه مخالفة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقوله: السابع النهي عن التوسل إلى الله تعالى بالرسول، وبغيره من الأولياء والصالحين.
فأقول: نعم، كانوا ينهون عن التوسل بالرسول، وبغيره من الأولياء والصالحين بعد مماتهم، وفي حال غيبتهم، إذا كان التوسل على ما يعرف في لغة الصحابة والتابعين والأئمة المهتدين. وأما في حال حياتهم بهذا العرف فلا ينهون عنه ولا ينكرونه. وأما على عرف غلاة عباد القبور واصطلاحهم الحادث فهم ينهون عنه ويكفرون من دعا أهل القبور، واستغاث بهم والتجأ إليهم بعد قيام الحجة عليهم.
وقوله: الثامن تحريم زيارة قبور الأنبياء والصالحين.
فأقول: وهذا أيضاً من الكذب على الوهابين، فإنه يجوز عندهم زيارة القبور على الوجه الشرعي. وأما شد الرحال إليها فيمنعون من ذلك، وينكرونه لقوله صلى الله عليه وسلم:"لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد" 1 الحديث.
1 أخرجه البخاري في صحيحه –كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة- 3/63، ومسلم في كتاب الحج من صحيحه 2/1014-1015 كلاهما من طريق الزهري عن سعيد عن أبي هريرة مرفوعاً.. به. وفي لفظ لمسلم:"تشد الرحال إلى ثلاثة مساجد".
وأخرجه مسلم أيضاً من طريق عبد الحميد بن جعفر أن عمران بن أبي أنس حدثه أن سلمان الأغر حدثه أنه سمع أبا هريرة يخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنما يسافر إلى ثلاثة مساجد".
وقوله: التاسع تكفير من حلف بغير الله، وعده مشركاً.
فأقول: هذا كذب على الوهابية، فإنهم لا يكفرون بمجرد الحلف بغير الله، وفيه بحث.
وقوله: العاشر تكفير من نذر لغير الله، أو ذبح عند مراقد الأنبياء والصالحين.
فأقول: نعم يكفرون من نذر لغير الله، وذبح لغيره، فإن النذر والذبح من خصائض الإلهية، فمن أشرك بالله أحداً من المخلوقين في خصائص الخالق فلا مانع من تكفيره بعد قيام الحجة عليه، وسيأتي الكلام على كلامه1 عليها إن شاء الله تعالى.
1 "على كلامه" سقطت من الأصل.