المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في شد الرحال إلى القبور - الضياء الشارق في رد شبهات الماذق المارق

[سليمان بن سحمان]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌فصل في منشأ دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب

- ‌فصل في طلب الشيخ رحمه الله للعلم ومبدأ دعوته

- ‌فصل في حال الناس في نجد وغيرها قبل دعوة الشيخ

- ‌فصل في حقيقة دعوة الشيخ وأنها سلفية

- ‌فصل في نقض تعيير الملحد بسكنى بلاد مسيلمة

- ‌فصل في فرية الملحد على الشيخ بأنه يطمح للنبوة

- ‌فصل في رد فرية بأنهم خوارج

- ‌فصل في رد فرية الملحد في تنقص الأنبياء والصالحين

- ‌فصل في رد فرية الملحد على كتاب (كشف الشبهات)

- ‌فصل في كيد الدولة التركية المصرية ورد الله له

- ‌فصل في مسألة زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل في بيان أن دعوة الشيخ ليس فيها من مقالات الخوارج شيء

- ‌فصل في ذكر بعض مفتريات الملحد

- ‌فصل في الدولة السعودية القائمة الآن

- ‌فصل في كيد الدولة العثمانية

- ‌فصل في فرية الملحد أن الشيخ يريد النبوة

- ‌فصل في بيان جهمية الملحد وسنية الشيخ

- ‌فصل في مدح الملحد للعقل وذمه لأهل السنة

- ‌فصل في مفتريات الملحد، وردها

- ‌فصل في زعم الملحد أن إثبات الصفات تجسيم

- ‌فصل في بيان كلام الملحد في الجسم، وزيغه

- ‌فصل في إثبا الصفات وأنه لا يقتضي التجسيم

- ‌فصل في الإشارة إلى السماء، وإنكار الملحد ذلك

- ‌فصل في إنكار الملحد للنزول

- ‌فصل في تأويل الملحد للإشارة والمعراج

- ‌فصل في تأليه الملحد للعقل، وزعمه أن النقل يؤدي إلى الضلال

- ‌فصل في زعم الملحد تقديم العقل لأنه الأصل

- ‌فصل في فرية الملحد عليهم بنفي الإجماع

- ‌فصل في فرية الملحد عليهم بإنكارهم القياس

- ‌فصل في فرية الملحد بتكفير المقلدين

- ‌فصل في حكم أهل الأهواء

- ‌فصل في تناقض العراقي وكلامه في الجهمية

- ‌فصل في حكم التوسل والإستغاثة والزيارة والشرك

- ‌فصل في بيان جهل الملحد بمعنى العبادة

- ‌فصل في أنواع الشرك، وجهل الملحد بها

- ‌فصل في بيان سبب شرك الجاهلية

- ‌فصل في بيان أن الإستغاثة من الدعاء

- ‌فصل في التوسل

- ‌فصل في الإستغاثة الشركية

- ‌فصل في الإستغاثة بالأنبياء

- ‌فصل في آية: {وأبتغوا إليه الوسيلة}

- ‌فصل في آية: {أيهم أقرب}

- ‌فصل في آية: {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك}

- ‌فصل في آية: {فاستغاثه الذي من شيعته}

- ‌فصل في آية: {لا يملكون الشفاعة}

- ‌فصل في حديث: "أسألك بحق السائلين

- ‌فصل في حديث: "أغفر لأمي فاطمة بحق نبيك

- ‌فصل في حديث الضرير

- ‌فصل في المنام والإستسقاء

- ‌فصل في إستسقاء عمر بالعباس

- ‌فصل في الفرق بين الحي والميت في التوسل

- ‌فصل في حقيقة غلو الناس في الصالحين وغيرهم

- ‌فصل في الإستغاثة وقصة هاجر

- ‌فصل الإستغاثة وشفاعة القيامة

- ‌فصل في حديث: "يا عباد الله احبسوا

- ‌فصل في بيان شرك من يدعو غائبا في حاجاته

- ‌فصل في دلالة ظاهر نداء المشرك غير الله

- ‌فصل في عقيدة أهل السنة في الصفات

- ‌فصل في زيارة القبور الشركية، والشفاعة

- ‌فصل في عبادة القبور

- ‌فصل في شد الرحال إلى القبور

- ‌فصل في مزاعم للملحد، وردها

- ‌فصل في النذر لغير الله

- ‌فصل في بيان الركوب إلى النصارى واتخاذهم أولياء

الفصل: ‌فصل في شد الرحال إلى القبور

‌فصل في شد الرحال إلى القبور

فصل

ثم ذكر العراقي اختلاف العلماء في شد الرحال إلى المشاهد.

وهذه المسألة قد فرغ منها، فمن أراد الوقوف على الصحيح من كلام العلماء فهو مبسوط في رد شيخ الإسلام على "ابن الأخنائي" ورد الحافظ ابن عبد الهادي على "السبكي". والحق في ذلك واضح، فلا حاجة بنا إلى التطويل بذكره، مع وضوحه في كلام العلماء المحقيقين.

وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وأما السفر إلى مجرد زيارة قبر الخليل، أو غيره من مقابر الأنبياء والصالحين، ومشاهدهم، وآثارهم، فلم يستحبه أحد من أئمة المسلمين، لا الأربعة ولا غيرهم، بل لو نذر ذلك ناذر لم يجب عليه الوفاء بهذا النذر عند الأئمة الأربعة وغيرهم، بخلاف المساجد الثلاثة، فإنه إذا نذر الحج أو العمرة لزمه باتفاق المسلمين، وإذا نذر السفر إلى المسجدين الآخرين لزمه عند أكثرهم، كمالك وأحمد والشافعي في أظهر قوليه، لقول النبي لله: "من نذر أن

ص: 619

يطع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه"، رواه البخاري1.

وإنما يجب الوفاء بنذر كل ما كان طاعة، مثل من نذر صلاة، أو صوماً، أو اعتكافاً، أو صدقة لله، أو حجاً، ولهذا لا يجب بالنذر السفر إلى غير المساجد الثلاثة، لأنه ليس بطاعة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"لا تشد الرحال إلا لثلاثة مساجد" 2، فغير المساجد أولى بالمنع، مع أن قوله:"لا تشد الرحال إلا لثلاثة مساجد"، يتناول السفر إلى كل بقعة مقصودة، بخلاف السفر للتجارة، وطلب العلم، ونحو ذلك، فإن السفر لطلب تلك الحاجة حيث كان، وكذلك لزيارة الأخ في الله، فإنه هو المقصود حيث كان.

1 في صحيحه 11/585 عن عائشة رضي الله عنها.

2 أخرجه البخاري في صحيحه –كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة- 3/63، ومسلم في –كتاب الحج- من صحيحه 2/1014-1015، كلاهما من طريق الزهري عن سعيد عن أبي هريرة مرفوعاً.. به وفي لفظ لمسلم:"تشد الرحال إلى ثلاثة مساجد".

وأخرجه مسلم –أيضاً- من طريق عبد الحميد بن جعفر أن عمران بن أبي أنس حدثه أن سلمان الأغر حدثه أنه سمع أبا هريرة يخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنما يسافر إلى ثلاثة مساجد".

وأخرجه البخاري 3/70، ومسلم في -كتاب الحج- 3/976 من طريق عبد الملك عن قزعة عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تشدوا الرحال

" هذا لفظ مسلم. وفي لفظ البخاري: "ولا تشد

".

ص: 620

وقد ذكر بعض المتأخرين من العلماء أنه لا بأس بالسفر إلى المشاهد واحتجوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتي قباء كل سبت راكباً وماشياً. أخرجاه في "الصحيحين"1. ولا حجة لهم فيه، لأن قباء ليس مشهداً، بل مسجد، وهو منهي عن السفر إليها باتفاق الأئمة، لأن ذلك ليس بسفر مشروع، بل لو سافر إلى قباء من دويرة أهله لم يجز، ولكن لو سافر إلى المسجد النبوي ثم ذهب منه إلى قباء فهذا يستحب، كما يستحب زيارة قبور أهل البقيع، وشهداء أحد. انتهى.

ثم قال العراقي: (ويدل على جواز شد الرحال لزيارة القبور، ما قاله عمر رضي الله عنه بعد فتح الشام لكعب الأحبار: يا كعب ألا تريد أن تأتي معنا إلى المدينة، فتزور سيد المرسلين؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين أنا أفعل ذلك. وكذا يدل عليه مجيء بلال رضي الله عنه من الشام إلى المدينة لزيارة قبره عليه الصلاة والسلام، وذلك في خلافة عمر رضي الله عنه .

والجواب أن نقول: هؤلاء الغلاة يتعلقون بأذيال

1 رواه البخاري في صحيحه 13/303، ومسلم 2/1106 عن ابن عمر رضي الله عنهما.

ص: 621

الموضوعات، ويعتمدن الأقوال المكذوبات {وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [المجادلة: 18] .

قال الحافظ ابن عبد الهادي في جوابه للسبكي: وهو مطالب أولاً: ببيان صحته. وثانياً: ببيان دلالته على مطلوبه. ولا سبيل له إلى واحد من الأمرين.

ومن المعلوم أن هذا من الأكاذيب والموضوعات على عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وفتوح الشام فيه كذب كثير، وهذا لا يخفى على آحاد طلبة العلم، ولكن شأن هذا المعترض الاحتجاج دائماً بما يظنه موافقاً لهواه، ولو كان من المنخنقة، والموقوذة، والمتردية، وليس هذا شأن العلماء، بل على المستدل بحديث أو أثر أن يبين صحته، ودلالته على مطلوبه، وهذا المنقول عن عمر رضي الله عنه لو كان ثابتاً عنه لم يكن فيه دليل على محل النزاع، وقد عرف أن شيخ الإسلام لا ينكر الزيارة على الوجه المشروع ولا يكرهها، بل يحضها ويندب إلى فعلها. انتهى1.

1 انظر الإجابة المفصلة عن قصة مجيء بلال رضي الله عنه إلى المدينة: "الصارم المنكي" لابن عبد الهادي. و"شفاء الصدور في الرد على الجواب المشكور" الذي أصدرته دار الإفتاء العامة في عهد الملك: سعود بن عبد العيزيز رحمه الله تعالى.

ص: 622

أقول: وكذلك الوهابية لا ينكرون الزيارة على الوجه المشروع، بل هي عندهم من أفضل الأعمال، والله المستعان.

ثم ذكر العراقي أن من القائلين بالجواز الإمام النووي والقسطلاني، والإمام الغزالي.

وهؤلاء مقابلون بأفضل منهم، وأعلم وأتبع لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأصحابه، والتابعين لهم ومن العلماء المانعين من شد الرحال الإمام مالك رحمه الله، ولم يخالفه أحد من الأئمة الثلاثة. ومنهم الإمام أبو عبد الله بن بطة، وأبو الوفاء بن عقيل، وغيرهم من العلماء الراسخين.

ثم ذكر العراقي مسئلة سماع أهل القبور، وذكر من التخليط ما لا مزيد عليه، وقد أجاب على ذلك كله محمود شكري بن عبد الله بن محمود الألوسي في "تتمته"1 وبه الكفاية، فلا نطيل بذكره، إلا أنا نقول:

إن سماع أهل القليب قليب بدر لكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم سماع حقيقي، وكذلك سماع أهل القبور سلام المسلم عليهم، وردهم عليه، وأن إعادة الأرواح لتلك الأشباح بعد مفارقتها إياها إنما هي إعادة عارضة، لا إعادة مستقرة

1 أي تتمته لكتاب الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن الذين رد به على داود بن جرجيس. واسمه: "فتح المنان على صلح الإخوان".

ص: 623

مستمرة، بل لسماع الكلام ورد السلام، والسؤال فقط، وأما دعوى إجابة الدعوات، وإغاثة اللهفات، وتفريج الكربات، وقضاء الحاجات من الأموات، فمن الممتنعات عقلاً وشرعاً، وفطرة وقدراً، كما هو صريح نصوص الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية.

ولكن قد ذكر هذا الملحد في قصة "المعراج" رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لعيسى وموسى وإبراهيم، فقال:(وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " رأيت عيسى وموسى وإبراهيم عليهم الصلاة والسلام" رواه الشيخان ومالك في "الموطأ") .

والمقصود أن هذا الملحد لما أتى إلى هذا المقام لم يذكر فيه أنه رآهم في السموات على قدر منازلهم، فأخرس عن ذلك أخرس الله لسانه- لأنه قد ذكر فيما تقدم من إلحاده أن عروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الله تعالى هو بمعنى العروج إلى موضع يتقرب إليه بالطاعات فيه، لأنه ينكر أن يكون الله فوق السموات على عرشه، فلذلك جحد عروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الله بذاته الشريفة.

فتقول الوهابية لهذا الملحد المعطل: كيف جاز لك ذلك أن تحتج علينا بسماع الشهداء والأنبياء نداء من ينادي وهم عند الله، وبأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى عيسى وموسى وإبراهيم وهم أرفع منزلة عند الله من الشهداء، وقد صحت الأحاديث بأنه

ص: 624

رأى عيسى في السماء الثانية، ورأى موسى في السماء السادسة، ورأى إبراهيم في السماء السابعة، وكل هذا عندك لا حقيقة له، فإن كانوا في السماء كما رآهم النبي صلى الله عليه وسلم لما عرج به إلى الله بطل ما تذهب إليه من أن العروج هو إلى موضع يتقرب إليه بالطاعات لا إلى السماء، وإن لم يكن رآهم في السموات ففي أي مكان رآهم؟ ولا بد من تعيين ذلك الموضع1.

وقد كان من المعلوم أن أرواح الشهداء بعضها في حواصل طير خضر تسرح في الجنة، وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل تحت العرش. وبعضها على بارق بباب الجنة، ويخرج إليهم رزقهم من الجنة. وبعضهم في قباب في رياض بفناء الجنة. وفي بعض الأحاديث أن أرواح المؤمنين في عليين.

ومن المعلوم أن أرواح الأنبياء في أعلى عليين، وأنهم أرفع منزلة من الشهداء، فيمتنع عقلاً وشرعاً وفطرة وقدراً أن الأرواح التي فوق السموات السبع، وفي أعلى عليين، أنها تسمع دعاء أهل الأرض، وتنفعهم، وتتصرف فيهم، هذا محال قطعاً، وضلال مبين، فإن الله قال:{وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ} [الأحقاف: 5] فكل من دعي من الأموات والغائبين والأنبياء والصالحين –فمن

1 يعني ما دام أن الشرع قد عينه.

ص: 625

دونهم غافل عن دعاء داعيه، بنصوص القرآن العزيز الذي {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت:42] .

بقي من هذه المسألة مسألة، وهي: أن المسلم إذا سلم على أهل القبور رد الله على المسلم عليه روحه حتى يرد السلام، قال ابن عبد البر: ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما من مسلم يمر على قبر أخيه كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام"1.

1 أخرجه أبو داود في سننه –كتاب المناسك- باب زيارة القبور: حدثنا محمد بن عوف، حدثنا المقريء، حدثنا حيوة، عن أبي صخر حميد بن زياد، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ما من أحد يسلم إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام".

قال الإمام ابن عبد الهادي في "الصارم المنكي في الرد على السبكي" ص 249: واعلم أن هذا الحديث هو الذي اعتمد عليه الإمام أحمد وأبو داود وغيرهما من الأئمة في مسألة الزيارة، وهو أجود ما استدل به في هذا الباب. ومع هذا فإنه لا يسلم من مقال في إسناده ونزاع في دلالته. أما المقال في إسناده: فمن جهة تفرد أبي صخر به عن أبي قسيط عن أبي هريرة. ولم يتابع ابن قسيط أحد في روايته عن أبي هريرة. ولا تابع أبا صخر أحد في روايته عن ابن قسيط. وأبو صخر هو حميد بن زياد، وهو ابن أبي المخارق المدني الخراط صاحب العباء ساكن مصر، ويقال: حميد بن صخر

وقد اختلف الأئمة في عدالته، فوثقه بعضهم، وتكلم فيه آخرون. واختلفت الرواية عن يحيى بن معين فيه. وقال عبد الله بن أحمد: سئل أبي عن أبي صخر؟ فقال: ليس به بأس. وروى عن الإمام أحمد رواية أخرى أنه: ضعيف

وقال النسائي: ضعيف

إلى أن قال الإمام ابن عبد الهادي: وأما ابن قسيط شيخ أبي صخر فهو يزيد بن عبد الله بن قسيط

وقد روى له البخاري ومسلم في صحيحيهما حديثه عن عطاء بن يسار. وروى له مسلم أيضاً من روايته عن عروة بن الزبير وعبيد بن جريج وداود بن عامر بن سعد بن أبي وقاص. ولم يخرج له في الصحيح شيء من روايته عن أبي هريرة. بل هو قليل الحديث عن أبي هريرة

ثم ساق أقوال أئمة الجرح والتعديل فيه وقال:

فقد تبين أن هذا الحديث الذي تفرد به أبو صخر عن ابن قسيط عن أبي هريرة لا يخلو من مقال في إسناده، وأنه لا ينتهي به إلى درجة الصحيح، وقد ذكر بعض الأئمة أنه على شرط مسلم. وفي ذلك نظر، فإن ابن قسيط وإن كان مسلم قد روى في صحيحه من رواية أبي صخر عنه لكنه لم يخرج من روايته عن أبي هريرة شيئاً، فلو كان قد أخرج في الأصول حديثاً من رواية أبي صخر عن ابن قسيط عن أبي هريرة أمكن أن يقال في هذا الحديث إنه على شرطه

إلى أن قال: فعلم أن هذا الحديث الذي تفرد به أبو صخر عن ابن قسيط عن أبي هريرة لا ينبغي أن يقال هو على شرط مسلم، وإنما هو حديث إسناده مقارب، وهو صالح أن يكون متابعاً لغيره عاضداً له، والله أعلم. اهـ كلام الإمام ابن عبد الهادي رحمه الله تعالى.

ص: 626

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما من رجل يزور قبر أخيه، ويجلس عنده، إلا استأنس به، ورد عليه حتى يقوم".

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (إذا مر الرجل بقبر أخيه يعرفه، فسلم عليه، رد عليه السلام،

ص: 627

وعرفه، وإذا مر بقبر لا يعرفه فسلم عليه، رد عليه السلام . ذكره ابن أبي الدنيا في كتاب القبور.

وفي سنن أبي داود من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام" وهذه الأحاديث تدل على أنهم ليسوا بأحياء في قبورهم بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: "ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام" ففي هذا دليل على أن الأرواح قد فارقت الأشباح، وإنما ترد الأرواح لرد السلام.

قال ابن القيم رحمه الله تعالى بعد كلام سبق: على أن قوله: "ثم تعاد روحه في جسده" لا يدل على حياة مستقرة، وإنما يدل على إعادة لها إلى البدن، وتعلق به الروح لم تزل متعلقة ببدنها وإن بلى وتمزق. وسر ذلك أن الروح لها بالبدن خمسة أنواع من التعلق، متغايرة الأحكام: أحدهما تعلقها به في بطن الأم جنيناً، الثاني: تعلقها به بعد خروجه إلى وجه الأرض، الثالث: تعلقها به في حال النوم، فلها به تعلق من وجه، ومفارقة من وجه. الرابع تعلقها به في البرزخ، فإنها وإن فارقته، وتجردت عنه، فإنها لم تفارقه فراقاً كلياً، بحيث لا يبقى لها التفات إليه ألبتة –وقد ذكرنا في أول الجواب من الأحاديث والآثار ما يدل على ردها إليه وقت سلام

ص: 628

المسلم- وهذا الرد إعادة خاصة لا يوجب حياة البدن إلى قبل يوم القيامة، الخامس: تعلقها به يوم بعث الأجسام

إلى آخر كلامه رحمه الله.

وأما قوله: (ومن الأدلة على أن الله تعالى يحيي الموتى في قبورهم فيسمعون: قوله تعالى -حكاية على سبيل التصديق-: {رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} [غافر: 11] فالمراد بإحدى الإماتتين الإماتة قبل مزار القبور، وبالأخرى الإماتة بعد مزار القبور، فإنهم لو لم يحيوا في القبور ثانية ما صحت إماتتهم ثانية.

وأما جواب الوهابية أن الإماتة الأولى هي حال العدم قبل الخلق. والثانية الإماتة بعد الخلق، فمما يضحك الصبيان، لأن الإماتة لا تكون إلا بعد الحياة، ولا حياة قبل أن يخلق الله الحياة. وأما جوابها أن الأماتة الأولى هي إماتة الناس بعد حياتهم في عالم الذر، فهو أوهن من جوابها الأول، لأن الناس في عالم الذر لم يكونوا غير أرواح خلقها الله تعالى، فسألهم:(ألست بربكم) ؟ فأجابوا قائلين: بلى، وأنت تعلم أن الموت عبارة عن مفارقة الروح للجسد، وحيث لا جسد فلا موت، نعم يجوز أن يفني الله الأرواح بعد خلقها في عالم الذر، ولكن ذلك ليس من الموت في شيء لما تقدم) .

ص: 629

فالجواب أن يقال: ليس هذا جواب الوهابية فقط، بل قد ذكره ابن القيم رحمه الله في كتاب "الروح" فقال:

وأما قول أهل النار {رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} [غافر: 11] فتفسير هذه الآية، الآية التي في البقرة، وهي قوله تعالى:{كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [البقرة:28] ، فكانوا أمواتاً وهم نطف في أصلاب آبائهم، وفي أرحام أمهاتهم، ثم أحياهم بعد ذلك ثم أماتهم، ثم يحييهم يوم النشور.

فصار جوابك هو الذي يضحك منه الصبيان، لأنه مكابرة للقرآن، لأن الله وحده قد أخبر أنهم كانواً أمواتاً وهم نطف في أصلاب آبائهم، وفي أرحام أمهاتهم {وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [فاطر: 14] {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً} [النساء: 122]{وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً} [النساء: 87] ثم أحياهم سبحانه بإخراجهم إلى دار الدنيا، ثم أماتهم سبحانه، ثم يحييهم يوم النشور.

وبما ذكره ابن القيم رحمه الله قال أهل التفسير:

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله على هذه الآية: يقول الله تعالى مخبراً عن الكفار أنهم ينادون يوم القيامة، وهم في غمرات النيران يتلظون، وذلك عندما باشروا من

ص: 630

عذاب الله تعالى ما لا قبل لأحد به- إلى أن قال:

أما قوله: {قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} [غافر: 11] قال الثوري، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن ابن مسعود رضي الله عنه: هذه الآية كقوله تعالى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [البقرة:28] ، وكذا قال ابن عباس، والضحاك، وقتادة، وأبو مالك.

وهذا هو الصواب الذي لا شك فيه ولا مرية.

وقال السدي: أميتوا في الدنيا، ثم أحيوا في قبورهم، فخوطبوا، ثم أميتوا، ثم أحيوا يوم القيامة.

وهذان القولان من السدي وابن زيد ضعيفان، لأنه يلزمهما على ما قالا ثلاث إحياءات وإماتات.

والصحيح قول ابن مسعود، وابن عباس، ومن تابعهما

إلى آخر كلامه رحمه الله.

فإن كان ما قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك الصبيان، فليس على وجه الأرض كلام صحيح إلا ما صححه هذا الملحد بمعقوله الذي هو بكلام المجاذيب أشبه به من كلام المجانين، وحيث نسب تفسير أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الوهابية، فأهلاً به أهلاً، فإنا به قائلون، وعلى ما أثبوته معتمدون، ولما سواه نافون.

ص: 631

وأما قولة العراقي: (وأما جوابها أن الإماتة الأولى هي إماتة الناس بعد حياتهم في عالم الذر، فهو أوهن من جوابها الأول، لأن الناس في عالم الذر لم يكونوا غير أرواح

) الخ.

فأقول: هذا الجواب ليس هو للوهابية، بل هو كلام ابن زيد، وقد ضعفه ابن كثير كما تقدم، وهو مبني على خلاف العلماء في خلق الأرواح، هل هو مقدم على أبدانها أم متأخر، والصحيح الذي تشهد له النصوص من الكتاب والسنة أن خلقها بعد خلق الأبوين، وذلك بعد إرسال الله ملك الأرواح إلى النطف في بطون الأمهات ينفخ فيها الروح، والذي ثبت إنما هو إثبات القدر السابق، وتقسيمهمم إلى شقي وسعيد.

وأما الأحاديث التي وردت في تقدم خلقها على أبدانها، فلا يصح منها شيء، والصحيح الثابت هو ما ذكره ابن القيم من الوجوه التي ذكرها في الفصل الذي ذكر فيه الأدلة على أن خلق الأرواح متأخر عن خلق الأبدان، وبه الكفاية، فمن أراد تحقيق المسألة فهي مبسوطة في كتاب "الروح" في هذا الفصل.

وإذا تقرر هذا فليس للوهابية كلام على هذه المسألة منسوب إليها، فيكون هذا الجواب جواباً له، بل هو جواب

ص: 632

باطل فاسد على أصل لا يصح بدليل شرعي ثابت، فإن كان تكلم في هذه المسألة أحد ممن تنسبونه إلى الوهابية فربما.

وأما الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعه فليس لهم فيها كلام معروف، غير ما ذكره ابن القيم رحمه الله تعالى، والقول الذي نعتمده في هذه المسائل كلها هو ما ذكره ابن القيم رحمه الله تعالى في "الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية" قال رحمه الله تعالى:

ص: 633

فصل

في الكلام في حياة الأنبياء في قبورهم

ولأجل هذا رام ناصر قولكم

ترقيعه يا كثرة الخلقان

قال الرسول بقبره حيّ كما

قد كان فوق الأرض والرجمان

من فوقه أطباق ذاك الترب واللـ

ـبنات قد عرضت على الجدران

لو كان حيا في الضريح حياته

قبل الممات بغير ما فرقان

ما كان تحت الأرض بل من فوقها

والله هذي سنة الرحمن

أتراه تحت الأرض حياً ثم لا

يفتيهموا بشرائع الايمان

ويريح أمته من الآراء والـ

ـخلف العظيم وسائر البهتان

ص: 634

أم كان حيا عاجزا عن نطقه

وعن الجواب لسائل لهفان

وعن الحراك فما الحياة اللاء قد

أثبتموها أوضحوا ببيان

هذا ولم لا جاءه أصحابه

يشكون بأس الفاجر الفتان

إذ كان ذلك دأبهم ونبيهم

حيّ يشاهدهم شهود عيان

هل جاءكم أثر بأن صحابه

سألوه فتيا وهو في الأكفان

فأجابهم بجواب حي ناطق

فأتوا إذا? بالحق والبرهان

هلا أجابهموا جواباً شافياً

إن كان حيا ناطقا بلسان

هذا وما شدت ركائبه عن الحـ

ـجرات للقاصي من البلدان

مع شدة الحرص العظيم له على

إرشادهم بطرائق التبيان

أتراه يشهد رأيهم وخلافهم

ويكون للتبيان ذا كتمان

ص: 635

إن قلتموا سبق البيان صدقتمو

قد كان بالتكرار ذا نبيان

هذا وكم من أمر أشكل بعده

أعني على علماء كل زمان

أو ما ترى الفاروق ود بأنه

قد كان منه العهد ذا تبيان

بالجد في ميراثه وكلالة

وببعض أبواب الربا الفتان

قد قصّر الفاروق عند فريقكم

إذ لم يسله وهو في الأكفان

أتراهمو يأتون حول ضريحه

لسؤال أم هموا أعز حصان

ونبيهم حي يشاهدهم ويسـ

ـمعهم ولا يأتي لهم ببيان

أفكان يعجز أن يجيب بقوله

إن كان حيا داخل البنيان

يا قومنا استحيوا من العقلاء والمـ

ـبعوث بالقرآن والرحمن

والله لا قدر الرسول عرفتموا

كلا ولا للنفس والإنسان

ص: 636

من كان هذا القدر مبلغ علمه

فليستتر بالصمت والكتمان

ولقد أبان الله أن رسوله

ميت كما قد جاء في القرآن

أفجاء أن الله باعثه لنا

في القبر قبل قيامة الأبدان

أثلاث موتات تكون لرسله

ولغيرهم من خلقه موتان

إذ عند نفخ الصور لا يبقى امرؤ

في الأرض حيا قط بالبرهان

أفهل يموت الرسل أم يبقوا إذا

مات الورى أم هل لكم قولان

فتكلموا بالعلم لا الدعوى وجيـ

ـئوا بالدليل فنحن ذو أذهان

أو لم يقل من قبلكم للرافعي الأ

صوات حول القبر بالنكران

لا ترفعوا الأصوات رحمة عبده

ميتا كحرمته لدى الحيوان

قد كان يمكنهم يقولوا أنه

حي فغضوا الصوت بالاحسان

ص: 637

لكنهم بالله أعلم منكموا

ورسوله وحقائق الإيمان

ولقد أتوا الى العباس يسـ

ـتسقون من قحط وجدب زمان

هذا وبينهموا وبين نبيهم

عرض الجدار وحجرة النسوان

فنبيهم حي ويستسقون غيـ

ـر نبيهم حاشا أولي الإيمان

ص: 638

فصل

فيما احتجوا به على حياة الرسل في القبور

فان احتججتم بالشهيد بأنه

حيّ كما قد جاء في القرآن

والرسل أكمل حالة منه بلا

شك وهذا ظاهر التبيان

فلذاك كانوا بالحياة أحق من

شهدائنا بالعقل والإيمان

وبأن عقد نسائه لم ينفسخ

فنساؤه في عصمة وصيان

ولأجل هذا لم يحل لغيره

منهن واحدة مدى الأزمان

أفليس في هذا دليل أنه

حيّ لمن كانت له أذنان

أو يرى المختار موسى قائما

في قبره لصلاة ذي القربان

ص: 639

أفميت يأتي الصلاة وإن ذا

عين المحال وواضح البطلان

أو لم يقل أني أرد على الذي

يأتي بتسليم مع الاحسان1

أيرد ميت السلام على الذي

يأتي به هذا من البهتان2

هذا وقد جاء الحديث بأنهم

أحياء في الأجداث ذا تبيان

وبأن أعمال العباد عليه تعـ

ـرض دائما في جمعة يومان

يوم الخميس ويوم الاثنين الذي

قد خص بالفضل العظيم الشأن

1 في ط الرياض "يأتي به هذا من البهتان".

2 تقدم البيت على الذي قبله وشطره الثاني: "يأتي بتسليم مع الإحسان". والمثبت من الأصل والنونية.

ص: 640

فصل

في الجواب عما احتجوا به في هذه المسألة

فيقال أصل دليلكم في ذاك حجـ

ـتنا عليكم وهي ذات بيان

إن الشهيد حياته منصوصة

لا بالقياس القائم الأركان

هذا مع النهي المؤكد أننا

ندعوه ميتا ذاك في القرآن

ونساؤه حل لنا من بعده

والمال مقسوم على السهمان

هذا وإن الأرض تأكل لحمه

وسباعها مع أمة الديدان

لكنه مع ذلك حيّ فارح

مستبشر بكرامة الرحمن

فالرسل أولى بالحياة لديه مع

موت الجسوم وهذه الأبدان

ص: 641

وهي الطرية في التراب وأكلها

فهو الحرام عليه بالبرهان

ولبعض أتباع الرسول يكون ذا

أيضا وقد وجدوه رأي عيان

فانظر الى قلب الدليل عليهموا

حرفا بحرف ظاهر التبيان

لكن رسول الله خص نساؤه

بخصيصة عن سائر النسوان

خيرن بين رسوله وسواه فاخـ

ـترن الرسول لصحة الايمان

شكر الإله لهن ذلك وربنا

سبحانه للعبد ذو شكران

قصر الرسول على أولئك رحمة

منه بهن وشكر ذي الاحسان

وكذاك أيضا قصرهن عليه معـ

ـلوم بلا شك ولا حسبان

زوجاته في هذه الدنيا وفي الأ

ـخرى يقينا واضح البرهان

فلذا حرمن على سواه بعده

إذ ذاك صون عن فراش ثان

ص: 642

لكن أتين بعدة شرعية

فيها الحدود وملزم الأوطان

هذا ورؤيته الكليم مصليا

في قبره أثر عظيم الشان

في القلب منه حسيكة هل قاله

فالحق ما قد قال ذو البرهان

ولذاك أعرض في الصحيح محمد

عنه على عمد بلا نسيان

والدارقطني الإمام أعله

برواية معلومة التبيان

أنس يقول رأي الكليم مصليا

في قبره فأعجب لذا الفرقان

فرواه موقوفا عليه وليس بالمر

ـفوع واشواقا إلى العرفان1

بين السياق إلى السياق تفاوت

لا تطرحه فما هما سيان

لكن تقلد مسلما وسواه ممـ

ـن صحّ هذا عنده ببيان

فرواته الاثبات أعلام الهدى

حفاظ هذا الدين في الأزمان

1 سقط البيت من جميع النسخ.

ص: 643

لكن هذا ليس مختصا به

والله ذو فضل وذو إحسان

فروى ابن حبان الصدوق وغيره

خبرا صحيحا عنده ذا شان

فيه صلاة العصر في قبر الذي

قد مات وهو محقق الإيمان

فتمثل الشمس الذي قد كان ير

عاها لأجل صلاة ذي القربان

عند الغروب يخاف فوت صلاته

فيقول للملكين هل تدعان

حتى أصلي العصر قبل فواتها

قالا سنفعل ذاك بعد الآن

هذا مع الموت المحقق لا الذي

حكيت لنا بثبوته القولان

هذا وثابت البناني قد دعا الـ

ـرحمان دعوة صادق الإيقان

أن لا يزال مصليا في قبره

أن كان أعطي ذاك من إنسان

لكن رؤيته لموسى ليلة الـ

ـمعراج فوق جميع ذي الأكوان

ص: 644

يرويه أصحاب الصحاح جميعهم

والقطع موجبه بلا نكران

ولذاك ظن معارضا لصلاته

في قبره إذ ليس يجتمعان

وأجيب عنه بأنه أسرى به

ليراه ثم مشاهدا بعيان

فرآه ثم وفي الضريح وليس ذا

بتناقض إذ أمكن الوقتان

هذا ورد نبينا التسليم1 من

يأتي بتسليم مع الإحسان

ما ذاك مختصا به أيضا كما

قد قاله المبعوث بالقرآن

من زار قبر أخ له فأتى بتسـ

ـليم عليه وهو ذو إيمان

رد الإله عليه حقا روحه

حتى يرد عليه رد بيان

وحديث ذكر حياتهم بقبورهم

لما يصح وظاهر النكران

فانظر إلى الإسناد تعرف حاله

إن كنت ذا علم بهذا الشان

1 في الأصل: "السلام". وفي ط الرياض: "السلام". والمثبت من النونية.

ص: 645

هذا ونحن نقول هم أحياء لا

كن عندنا كحياة ذي الأبدان

والترب تحتهموا وفوق رؤوسهم

وعن الشمائل ثم عن أيمان

مثل الذي قد قلتموه معاذنا

بالله من أفك ومن بهتان

بل عند ربهموا تعالى مثل ما

قد قال في الشهداء في القرآن

لكن حياتهموا أجل وحالهم

أعلى وأكمل عند ذي الإحسان

هذا وأما عرض أعمال العبا

د عليه فهو الحق ذو إمكان

وأتى به أثر فإن صح الحديـ

ـث به فحق ليس ذا نكران

لكن هذا ليس مختصا به

أيضا بآثار روين حسان

فعلى أبي الإنسان يعرض سعيه

وعلى أقاربه مع الأخوان

إن كان سعيا صالحا فرحوا به

واستبشروا يا لذة الفرحان

ص: 646

أو كان سعيا سيئا حزنوا وقا

لوا رب راجعه الى الإحسان

ولذا استعاذ من الصحابة من روى

هذا الحديث عقيبه بلسان

يا رب إني عائذ من خزية

أخزي بها عند القريب الدان

ذاك الشهيد المرتضى ابن رواحة

المحبو بالغفران والرضوان

لكن هذا ذو اختصاص والذي

للمصطفى ما يعمل النقلان

هذي نهايات لأقدام الورى

في ذا المقام الضنك صعب الشان

والحق فيه ليس تحمله عقو

ل بني الزمان لغلظة الأذهان

ولجهلهم بالروح مع أحكامها

وصفاتها للإلف بالأبدان

فارض الذي رضي الإله لهم به

أتريد تنقض حكمة الديان

هل في عقولهموا بأن الروح في

أعلى الرفيق مقيمة بجنان

ص: 647

وترد أوقات السلام عليه من

أتباعه في سائر الأزمان

وكذاك إن زرت القبور مسلما

ردت لهم أرواحهم للآن

فهموا يردون السلام عليك لا

كن لست تسمعه بذي الأذنان

هذا وأجواف الطيور الخضر مسـ

ـكنها لدى الجنات والرضوان

من ليس يحمل عقله هذا فلا

تظلمه واعذره على النكران

للروح شأن غير ذي الأجسام لا

تهمله شأن الروح أعجب شان

وهو الذي حار الورى فيه فلم

يعرفه غير الفرد في الأزمان

هذا وأمر فوق ذا لو قلته

بادرت بالإنكار والعدوان

فلذاك أمسكت العنان ولو أرى

ذاك الرفيق جريت في الميدان

هذا وقولي إنها مخلوقة

وحدوثها المعلوم بالبرهان

ص: 648

هذا وقولي إنها ليست كما

قد قال أهل الافك والبهتان

لا داخل فينا ولا هي خارج

عنا كما قالوه في الديان

والله لا الرحمن أثبتم ولا

أرواحكم يا مدعي العرفان

عطلتموا الأبدان من أرواحها

والعرش عطلتم من الرحمن

ص: 649