الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في إثبا الصفات وأنه لا يقتضي التجسيم
…
فصل
قال العراقي: (ثم قال –يعني صاحب الدين الخالص-: وإن أردتم ما يوصف بالصفات، ويرى بالأبصار، ويتكلم ويكلم، ويسمع ويبصر، ويرضى ويغضب، فهذه المعاني ثابتة للرب تعالى، وهو موصوف بها، فلا ننفيها عنه بتسميتكم الموصوف بها جسماً –إلى آخر ما قال. قال: فأقول: لم نعرف أحداً عرف الجسم بأنه المتكلم المكلم، السميع البصير، الذي يرضى ويغضب، وإنما هذه صفات تقوم بالحي العاقل. نعم إن الجسم يرى بالأبصار كما قال، ولكن إثبات الجسم له تعالى بهذه المعنى تنزيل له سبحانه منزلة مخلوقاته مما ينافي ألوهيته1، فإن كون الله تعالى جسماً بهذا المعنى نقص يجب تنزيهه عنه) .
والجواب أن يقال: ومن أنت يا ابن لكع حتى يلتفت إلى قولك وتعريفك، ونفيك وإثباتك، وتأصيلك
1 في ط المنار والرياض: "الألوهية".
وتفصيلك، لأنك إنما أخذت هذه المباحث الملعونة عن قوم قد ضلوا من قبل، وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل، فإن أحداً من أئمة الإسلام ومن على طريقهم ومناهجهم لا يقول: إن الله جسم، بل لا يطلقون هذا اللفظ نفياً ولا إثباتاً حتى يستفصلوه عما أراد به، ومن أعظم الناس شمس الدين ابن القيم الذي تصديت لرد كلامه نفياً لهذه الأشياء، وله بحوث في هذا المقام يطول ذكرها، وقد ذكرها في الصواعق، وفي غيرها من كتبه، كالكافية الشافية وغيرها.
وأما قوله: (وإنما هذه صفات تقوم بالحي العاقل
…
) إلى آخره.
فأقول: قولك هذا منقوض بإثبات الأسماء والصفات، فإن الله حي عليم قدير، وإن أمكن إثبات حي عليم قدير وليس بجسم أمكن أن يكون له حياة وعلم وقدرة وليس بجسم، وإن لم يمكن ذلك فما كان جوابكم عن إثبات الأسماء كان جوابنا عن إثبات الصفات.
ويقال أيضاً: ليس في هذا النفي ما يدل على صحة مذهب أحد من نفاة الصفات أو الأسماء، بل ولا يدل ذلك على تنزيهه سبحانه عن شيء من النقائص، فإن من نفى
شيئاً من الصفات لكون إثباته تجسيماً وتشبيهاً يقول له المثبت: قولي فيما أثبته من الأسماء والصفات كقولك فيما أثبته من ذلك، فإن تنازعا في الصفات الخبرية أو العلو أو الرؤية ونحو ذلك، وقال له: هذا يستلزم التجسيم والتشبيه، لأنه لا يعقل ما هو كذلك إلا الجسم، قال له المثبت: لا يعقل ما له حياة وعلم وقدرة وسمع وبصر وكلام وإرادة إلا ما هو جسم، فإذا جاز لك أن تثبت هذه الصفات، وتقول الموصوف بها ليس بجسم جاز لي مثل ما جاز لك من إثبات تلك الصفات، مع أن الموصوف بها ليس بجسم فإذن جاز أن يثبت مسمى بهذه الأسماء ليس بجسم.
فإن قال له: هذه معان وتلك أبعاض. قال له: الرضا والغضب والحب والبغض معان، واليد والوجه وإن كان بعضاً فالسمع والبصر أعراض لا تقوم إلا بجسم1 فإن جاز لك إثباتها مع أنها ليست أعراضاً ومحلها ليس بجسم جاز لي إثبات هذه مع أنها ليست أبعاضاً.
فإن قال نافي الصفات: أنا لا أثبت شيئاً منها. قال له: أنت أبهمت الأسماء، فأنت تقول: هو حي عليم، ولا يعقل حي عليم قدير إلا جسماً. وتقول: إنه هو ليس
1 في الأصل: "بالجسم".
بجسم، فإذا جاز أن تثبت مسمى هذه الأسماء ليس بجسم مع أن هذا ليس معقولاً1 لك2 جاز لي أن أثبت موصوفاً بهذه الصفات وإن كان هذا غير معقول لي.
فإن قال الملحد: أنا أنفي الأسماء والصفات، قيل له: إما أن تقر بأن هذا العالم المشهود مفعول مصنوع له صانع فاعله، أو تقول: إنه قديم أزلي واجب الوجود بنفسه عن الصانع، فإن قلت بالأول فصانعه إن قلت هو جسم وقعت فيما نفيته، وإن قلت ليس بجسم فقد أثبت فاعلاً صانعاً للعالم ليس بجسم، وهذا لا يعقل في الشاهد، فإن أثبت خالقاً فاعلاً ليس بجسم وأنت لا تعرف فاعلاً إلا جسماً كان لمنازعك أن يقول هو حي عليم ليس بجسم وإن كان لا يعرف حياً عالماً إلا جسماً، بل لزمك أن تثبت له من الأسماء والصفات ما يناسبه.
وإن قال الملحد: بل هذا المشهود قديم واجب بنفسه غني عن الصانع فقد أثبت واجباً بنفسه، قديماً أزلياً، هو جسم حامل الأعراض، متحيز في الجهات، تقوم به الأكوان، وتحله الحوادث والحركات، وله أبعاض وأجزاء، فكان ما فر منه من إثبات جسم قديم قد لزمه مثله
1 في الأصل: "معقول".
2 سقطت: "لك" من الأصل.
وما هو أبعد منه، ولم يستفد بذلك الإنكار إلا جحد الخالف وتكذيب رسله، ومخالفة صريح المعقول1، والضلال المبين، الذي هو منتهى ضلال الضالين، وكفر الكافرين.
فقد تبين أن قول من نفى الصفات أو شيئاً منها لأن إثباتها تجسيم قول لا يمكن أحد أن يستدل به، بل ولا يستدل أحد على تنزيه الرب عن شيء من النقائص بأن ذلك يستلزم التجسيم، لأنه لا بد أن يثبت شيئاً يلزمه فيما أثبته نظير ما ألزمه غيره فيما نفاه.
وإذا كان اللازم في الموضعين واحداً وما أجاب هو به أمكن المنازع أن يجيب مثله لم يكن أن يثبت شيئاً، وينفي شيئاً على هذا التقدير، وإذا انتهى إلى التعطيل المحض كان ما لزمه من تجسيم الواجب بنفسه القديم أعظم من كل تجسيم نفاه، فعلم أن مثل الاستدلال على النفي بما2 يستلزم التجسيم لا يسمن ولا يغني من جوع. انتهى من كلام شيخ الإسلام رحمه الله تعالى.
وأما قوله: (نعم إن الجسم يرى بالأبصار كما قال،
1 في ط الرياض: "المعقولين".
2 في ط المنار والرياض: "لما".
ولكن إثبات الجسم له تعالى بهذا المعنى تنزيل له سبحانه منزلة مخلوقاته مما ينافي ألوهيته) .
فيقال: قد تقدم أنا لا نثبت الجسمية بهذا المعنى، لأن إثبات الصفات لا تستلزم الجسمية، لأن الموصوف بها ليس بجسم، وقد تقدم بيان ذلك وأن إثباتها ليس بنقص يجب تنزيه الله عنه بالعقل والنقل، مع أنا لا نسلم أن الجسم بهذه الأوضاع الاصطلاحية الحادثة مجمع على صحته عند العقلاء، بل قد تنازعوا في ذلك مع مخالفته لصريح اللغة، فإن الجسم معناه في لغة العرب هو: البدن الكثيف الذي لا يسمى في اللغة جسم سواه. فلا يقال للهواء1 جسم لغة ولا للنار، ولا للماء، فهذه اللغة وكتبها بين أظهرنا.
وأما قوله: (أما عقلاً فلأن الرؤية كما تحقق في علم البصر إنما تتم بوقوع أشعة النور على سطح المرئي وانعكاسها عنه إلى البصر، فيلزم منه كون المرئي ذا سطح، وذلك يستدعي تركيبه من أجزاء
…
) إلى آخره.
فالجواب أن يقال: هذا العقل فاسد بالعقل والنقل. أما فساده بالعقل: فلأنه ليس في المعقول أن كل مرئي لا
1 في النسخ: (الهوى) .
يكون إلا مركباً من المادة والصورة، أو من الجواهر الفردة، لأن أكثر العقلاء ينكرون هذا ولا يثبتونه في الممكنات، فكيف بفاطر الأرض والسموات؟ وإذا كان في اعتقاد هذا النافي أن الجسم يستلزم مماثلة سائر الأجسام، ويستلزم أن يكون مركباً من الجواهر الفردة، أو من المادة والصورة، وأكثر العقلاء يخالفونه، فالتلازم منتف باتفاق الفريقين وهو المطلوب. فإذا اتفقوا على انتفاء النقص المنفي عن الله شرعاً وعقلاً بقي بحثهم في الجسم الإصطلاحي هل هو مستلزم لهذا المحذور، وهو بحث عقلي كبحث الناس في الأعراض هل تبقى أو لا تبقى، وهذا البحث العقلي لم يرتبط به دين المسلمين، بل لم ينطق كتاب ولا سنة ولا أثر عن السلف بلفظ الجسم في حق الله تعالى لا نفياً ولا إثباتاً، فليس لأحد أن يبتدع اسماً مجملاً يحتمل معاني مختلفة لم ينطق به الشرع ويعلق به دين المسلمين. وقد تقدم بيان هذا.
ويقال أيضاً: وكل ما يستدعي تركيبه من أجزاء متفرقة –كما يقوله الفلاسفة والمتكلمون- أو من الجواهر الفردة –كما يقوله كثير من أهل الكلام- ممنوع لأن جمهور العقلاء عندهم: أن الأجسام المحدثة ليست مركبة لا من هذا ولا من هذا، فلو كان فوق العرش جسم مخلوق ومحدث لم يلزم أن يكون مركباً بهذا الاعتبار، فكيف ذلك
في حق خالق الفرد المركب، الذي يجمع المتفرق ويفرق المجتمع، ويؤلف بين الأشياء فيركبها كما يشاء؟
والعقل إنما دل على إثبات إله واحد ورب واحد لا شريك له ولا شبيه له {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ. وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص: 3] ، ولم يدل على أن ذلك الرب الواحد لا اسم له، ولا صفة، ولا وجه له، ولا يدين ولا هو فوق خلقه، ولا يصعد إليه شيء، ولا ينزل منه شيء، فدعوى ذلك على العقل كذب صريح عليه كما هي كذب على الوحي. قاله ابن القيم رحمه فهذا ما نفاه العقل.
وأما النقل ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن أناساً قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله: هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر؟ " قالوا: لا يا رسول الله، قال:"هل تضارون في رؤية الشمس ليس دونها سحاب؟ "، قالوا: لا، قال:"فإنكم ترونه كذلك". الحديث بطوله.
وهذا تشبيه للرؤية بالرؤية، لا للمرئي بالمرئي، وفي لفظ في الصحيح:"إنما ترون ربكم عياناً" فأخبر أنا نراه عياناً بأبصارنا.
وأما قوله: (وأما نقلاً فلقوله تعالى: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} [الأنعام:103] .
فالجواب أن يقال: لست ممن يعرف أدلة النقل المأثورة عن السلف الصالح، ولا تعرف ما ذكره المفسرون على هذه الآية، كما أنك لا تعرف من الأدلة العقلية إلا ما يذكره الفلاسفة والمتكلمون الخارجون عن سبيل المؤمنين، وأما ما يذكره أهل السنة والجماعة من المعقولات والمنقولات فلست منه في شيء.
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى بعد ذكره أقوال الفرق المخالفة، قال: وأما الصحابة والتابعون وأئمة الإسلام المعروفون بالإمامة في الدين، كمالك والثوري والأوزاعي والليث بن سعد وأحمد وإسحاق وأبي حنيفة وأبي يوسف وأمثال هؤء وسائر أهل السنة والحديث والطوائف المنتسبين إلى السنة والجماعة، كالكلابية، والكرامية والأشعرية والسالمية وغيرهم، فهؤلاء كلهم متفقون على إثبات الرؤية لله تعالى، والأحاديث متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل العلم بحديثه، وأما احتجاج النفاة بقوله تعالى:{لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} ، [الأنعام:103] فالآية حجة عليهم لا لهم، لأن الإدراك إما أن يراد
به مطلق الرؤية، أو الرؤية المقيدة بالإحاطة، والأول باطل، لأنه ليس كل من رأى شيئاً يقال: إنه أدركه، كما يقال أحاط به، كما سئل ابن عباس رضي الله عنهما عن ذلك فقال: ألست ترى السماء؟ قال: بلى، قال: أكلها ترى؟ قال: لا. ومن رأى جوانب الجيش أو الجبل، أو البستان، أو المدينة لا يقال: إنه أدركها، وإنما يقال: أدركها إذا أحاط بها رؤية.
ونحن في هذا المقام ليس علينا بيان ذلك، وإنما ذكرنا هذا بياناً لسند المنع، بل المستدل بالآية عليه أن يبين أن الإدراك في لغة العرب مرادف للرؤية وأن كل من رأى شيئاً يقال في لغتهم: إنه أدركه، وهذا لا سبيل إليه، كيف وبين لفظ الرؤية ولفظ الإدراك عموم وخصوص، فقد تقع رؤية بلا إدراك، وقد يقع إدراك بلا رؤية، أو اشتراك لفظي، وأن الإدراك يستعمل في أدراك العلم، وإدراك القدرة، فقد يدرك الشيء بالقدرة وإن لم يشاهد كالأعمى الذي يطلب رجلاً هارباً فأدركه ولم يره، وقد قال تعالى:{فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ. قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء: 61-62] ، فنفي موسى الإدراك مع إثبات الترائي. فعلم أنه قد يكون رؤية بلا إدراك، والإدراك هنا هو إدراك القدرة، أي ملحقون محاط بنا، وإذا انتفى هذا الإدراك فقد تنتفي إحاطة البصر أيضاً.
ومما يبين ذلك أن الله تعالى ذكر هذه الآية يمدح بها نفسه سبحانه وتعالى، ومعلوم أن كون الشيء لا يرى ليس صفة مدح، لأن النفي المحض لا يكون مدحاً إن لم يتضمن أمراً ثبوتياً، لأن المعدوم أيضاً لا يرى، والمعدوم لا يمدح، فعلم أن مجرد نفي الرؤية لا مدح فيه، وإن كان المنفي هو الإدراك فهو سبحانه لا يحاط به رؤية، كما لا يحاط به علماً، ولا يلزم من نفي إحاطة العلم والرؤية نفي الرؤية، بل يكون ذلك دليلاً على أنه يرى ولا يحاط به، فإن تخصيص الإحاطة يقتضي أن مطلق الرؤية ليس بمنفي، وهذا الجواب قول أكثر العلماء من السلف وغيرهم، وقد روي معناه عن ابن عباس رضي الله عنهما وغيره، فلا تحتاج الآية إلى تخصيص، ولا خروج عن ظاهر المعنى، فلا نحتاج أن نقول: لا نراه في الدنيا، أو نقول لا تدركه الأبصار، بل المبصرون، أو لا يدركه كلها بل بعضها، ونحو ذلك من الأقوال التي فيها تكلف.
وأما قوله: ولا تعارض هذه الآية بقوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ. إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:23] ، لأن كيفية رؤيته تعالى يوم القيامة مجهولة، كما هو معتقد أهل الحق.
فالجواب أن يقال: هذه الآية لا تعارض الآية المتقدمة، فإن كلام الله لا يتعارض، بل يصدق بعضه
بعضاً. قال البغوي رحمه الله في تفسيره على هذه الآية: قال ابن عباس وأكثر الناس: تنظر إلى ربها عياناً بلا حجاب. وقال الحسن: تنظر إلى الخالق وحق لها أن تنضر1 وهي تنظر إلى الخالق.
أخبرنا أبو بكر بن أبي الهيثم الترابي، أنا عبد الله بن أحمد الحموي، أخبرنا إبراهيم بن خزيم الشاشي، أخبرنا عبد بن حميد2، حدثنا شبابة، عن إسرائيل عن ثوير قال: سمعت ابن عمر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أدنى أهل الجنة منزلة من ينظر إلى جنانه وأزواجه ونعيمه، وخدمه وسرره مسيرة ألف سنة، وأكرمهم على الله من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية"، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ. إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} 3.
1 في ط الرياض: "تنظر". والتصويب من تفسير البغوي ج 9/63 ط المنار، حاشية ابن كثير.
2 رواه البغوي من طريق عبد بن حميد في مسنده (819/ المنتخب من المسند) .
3 أخرج الحديث –غير البغوي- الترمذي في سننه –أبواب صفة الجنة- باب أقل رجل في الجنة له مسيرة ألف سنة من الجنات، 7/231 ط استانبول: حدثنا عبد بن حميد أخبرني شبابة عن إسماعيل عن ثوير قال: سمعت ابن عمر يقول
…
فذكره بلفظ البغوي.
قال الترمذي: وقد روى هذا الحديث من غير وجه عن إسرائيل عن ثوير عن ابن عمر مرفوع. ورواه عبد الملك بن أبجر عن ثوير عن ابن =
....................................................................................................................
= عمر موقوف وروى عبيد الله الأشجعي عن سفيان عن ثوير عن مجاهد عن ابن عمر قوله، ولم يرفعه. حدثنا بذلك أبو كريب محمد بن العلاء حدثنا عبيد الله الأشجعي عن سفيان عن ثوير عن مجاهد عن ابن عمر نحوه، ولم يرفعه اهـ. كلام الترمذي.
وقد أخرج الحديث الإمام أحمد من طريقين: أحدهما عن حسين بن محمد حدثنا إسرائيل عن ثوير عن ابن عمر رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم
…
فذكره الحديث بلفظ الترمذي.
الطريق الثاني: عن أبي معاوية حدثنا عبد الملك بن أبجر عن ثوير بن أبي فاختة عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن أدنى أهل الجنة منزلة لينظر في ملك ألفي سنة، يرى أقصاه كما يرى أدناه، ينظر في أزواجه وخدمه، وإن أفضلهم منزلة لينظر في وجه الله تعالى كل يوم مرتين".
وأخرجه الحاكم في المستدرك 2/509-510 من هذا الطريق بلفظ أحمد. ثم قال: تابعه إسرائيل بن يونس عن ثوير عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن أدنى أهل الجنة منزلة لمن يرى في ملكه ألفي سنة، وإن أفضلهم منزلة لمن ينظر في وجه الله تعالى كل يوم مرتين". ثم تلا: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} . قال: البياض والصفاء. {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} قال: "ينظر كل يوم في وجه الله عز وجل".
هذا حديث مفسر في الرد على المبتدعة. وثوير بن أبي فاختة وإن لم يخرجاه، فلم ينقم عليه غير التشيع. اهـ كلام الحاكم.
وتعقبه الذهبي في "التلخيص" بقوله: قلت: بل هو -أي ثوير- واهي الحديث اهـ.
قال الهيثمي في "المجمع" على هذا الحديث 10/401: رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني. وفي أسانيدهم: ثوير بن أبي فاختة، وهو مجمع على ضعفه اهـ.
وقال الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على الطريق الأولى عند الإمام أحمد 7/202: "إسناده ضعيف جداً، لضعف ثوير بن أبي فاختة" ثم قال تعليقاً على تعقيب الذهبي للحاكم -المتقدم-: والحق ما قاله الذهبي، وما كان الرد على المبتدعة مما يحتاج إلى مثل هذا الإسناد الواهي اهـ.
وقال في تعليقه على الطريق الثانية عند أحمد 6/284: إسناده ضعيف جداً لضعف ثوير بن أبي فاختة اهـ.
وقد نسب السيوطي الحديث في "الدر 8/350 إلى: ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، والترمذي، وابن جرير، وابن المنذر، والآجري في الشريعة، والدارقطني في الرؤية، والحاكم، وابن مردوية، واللالكائي في السنة، والبيهقي.
وقد نبه الشيخ أحمد شاكر على أن السيوطي فاته نسبة الحديث. إلى أحمد.
قلت: وكذا للطبراني وأبي يلعى. وينظر: حادي الأرواح ص 363.
وهذا الحديث يبطل تأويل من تأول من الجهمية والمعتزلة وأشباههم، ويبطل أيضاً قول هذا الملحد في قوله: ويدل على ذلك قوله: {وُجُوهٌ} ولم يقل عيون.
وأما قوله: كما هو معتقد أهل الحق، فيمكن أن تكون الرؤية يومئذ بنوع من الإنكشاف والتجلي من غير حاجة للباصرة، ولا محاذاة لها، ويدل على ذلك قوله
وجوه، ولم يقل عيون، وفي قوله:{نَاضِرَةٌ} ما يفصح عن حصول السرور التام لها بذلك الانكشاف.
فالجواب أن نقول: إن أهل الحق عند هذا الملحد غلاة الجهمية كالمريسي وأشباهه، وكالمعتزلة والرافضة، وهم عند أهل السنة والجماعة من أكفر أهل الأرض، بل هم أهل الباطل المحض، وهؤلاء الملاحدة يؤولون الآيات والأحاديث الواردة في ذلك كقولهم هي زيادة علم وانكشاف بحيث نعلم ضرورة ما كان يعلم نظراً، وهذا الملحد نحا نحو هؤلاء الملاحدة بهذه التأويلات الباطلة الخارجة عن أقوال سلف الأمة وأئمتها.
وإذا تبين ذلك فإضافة النظر إلى الوجه الذي هو محله في هذه الآية، وتعديته بأداة إلى الصريحة في نظر العين، وإخلاء الكلام من قرينة تدل على خلاف حقيقة موضوعة في أن الله أراد بذلك نظر العين التي في الوجه إلى الرب جل جلاله، فإن النظر له عدة استعمالات بحسب صلاته وتعديته بنفسه، فإن عدي بنفسه فمعناه التوقف والانتظار، كقوله:{انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} [الحديد: 13] ، وإن عدي بـ (في) فمعناه التفكر والاعتبار، كقوله:{أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْض} [الأعراف: 185] ، وإن عدي بإلى فمعناه المعاينة
بالأبصار كقوله تعالى: {انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ} [الأنعام: 99] ، فكيف إذا أضيف إلى الوجه الذي هو محل البصر؟.
ويؤيد ذلك الحديث الذي في الصحيح قوله: "إنكم ترون ربكم عياناً"، فأخبر أنا نراه عياناً بأبصارنا، وقد أخبرنا الله أنه قد استوى على العرش، فهذه النصوص يصدق بعضها بعضاً، والعقل أيضاً يوافقها، ويدل على أنه سبحانه مباين لمخلوقاته فوق سمواته، وأن وجود موجود لا مباين للعالم ولا مجانس له محال في بديهة العقل، فإذا كانت الرؤية مستلزمة لهذه المعاني فهذا حق، وإذا سميتم أنتم هذا قولاً بالجهة وقولاً بالتجسيم لم يكن هذا القول نافياً لما علم بالشرع والعقل، إذ كان معنى هذا القول والحال هذه ليس منتفياً لا بشرع ولا عقل، فإن تسميتكم ما سميتموه جهة وتجسيماً أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان. وما أحسن ما قال عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون، أحد أئمة المدينة الثلاثة، الذين هم: مالك بن أنس وابن الماجشون وابن أبي ذئب، فقال رحمه الله في كلام له سنذكره إن شاء الله تعالى: فلم يزل يملي له الشيطان حتى جحد قول الله عز وجل: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ. إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:23]، فقال: لا يراه أحد يوم القيامة، فجحدوا أفضل كرامة الله
التي أكرم بها أولياءه يوم القيامة من النظر إلى وجهه، ونظرتهم إياه في مقعد صدق عند مليك مقتدر، قد قضى أنهم لا يموتون، فهم بالنظر إليه ينظرون
…
إلى أن قال: وقد عرف أنه إذا تجلى لهم يوم القيامة رأوا منه ما كانوا قبل ذلك مؤمنين به، وكان له جاحداً. انتهى.