المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في بيان جهمية الملحد وسنية الشيخ - الضياء الشارق في رد شبهات الماذق المارق

[سليمان بن سحمان]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌فصل في منشأ دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب

- ‌فصل في طلب الشيخ رحمه الله للعلم ومبدأ دعوته

- ‌فصل في حال الناس في نجد وغيرها قبل دعوة الشيخ

- ‌فصل في حقيقة دعوة الشيخ وأنها سلفية

- ‌فصل في نقض تعيير الملحد بسكنى بلاد مسيلمة

- ‌فصل في فرية الملحد على الشيخ بأنه يطمح للنبوة

- ‌فصل في رد فرية بأنهم خوارج

- ‌فصل في رد فرية الملحد في تنقص الأنبياء والصالحين

- ‌فصل في رد فرية الملحد على كتاب (كشف الشبهات)

- ‌فصل في كيد الدولة التركية المصرية ورد الله له

- ‌فصل في مسألة زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل في بيان أن دعوة الشيخ ليس فيها من مقالات الخوارج شيء

- ‌فصل في ذكر بعض مفتريات الملحد

- ‌فصل في الدولة السعودية القائمة الآن

- ‌فصل في كيد الدولة العثمانية

- ‌فصل في فرية الملحد أن الشيخ يريد النبوة

- ‌فصل في بيان جهمية الملحد وسنية الشيخ

- ‌فصل في مدح الملحد للعقل وذمه لأهل السنة

- ‌فصل في مفتريات الملحد، وردها

- ‌فصل في زعم الملحد أن إثبات الصفات تجسيم

- ‌فصل في بيان كلام الملحد في الجسم، وزيغه

- ‌فصل في إثبا الصفات وأنه لا يقتضي التجسيم

- ‌فصل في الإشارة إلى السماء، وإنكار الملحد ذلك

- ‌فصل في إنكار الملحد للنزول

- ‌فصل في تأويل الملحد للإشارة والمعراج

- ‌فصل في تأليه الملحد للعقل، وزعمه أن النقل يؤدي إلى الضلال

- ‌فصل في زعم الملحد تقديم العقل لأنه الأصل

- ‌فصل في فرية الملحد عليهم بنفي الإجماع

- ‌فصل في فرية الملحد عليهم بإنكارهم القياس

- ‌فصل في فرية الملحد بتكفير المقلدين

- ‌فصل في حكم أهل الأهواء

- ‌فصل في تناقض العراقي وكلامه في الجهمية

- ‌فصل في حكم التوسل والإستغاثة والزيارة والشرك

- ‌فصل في بيان جهل الملحد بمعنى العبادة

- ‌فصل في أنواع الشرك، وجهل الملحد بها

- ‌فصل في بيان سبب شرك الجاهلية

- ‌فصل في بيان أن الإستغاثة من الدعاء

- ‌فصل في التوسل

- ‌فصل في الإستغاثة الشركية

- ‌فصل في الإستغاثة بالأنبياء

- ‌فصل في آية: {وأبتغوا إليه الوسيلة}

- ‌فصل في آية: {أيهم أقرب}

- ‌فصل في آية: {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك}

- ‌فصل في آية: {فاستغاثه الذي من شيعته}

- ‌فصل في آية: {لا يملكون الشفاعة}

- ‌فصل في حديث: "أسألك بحق السائلين

- ‌فصل في حديث: "أغفر لأمي فاطمة بحق نبيك

- ‌فصل في حديث الضرير

- ‌فصل في المنام والإستسقاء

- ‌فصل في إستسقاء عمر بالعباس

- ‌فصل في الفرق بين الحي والميت في التوسل

- ‌فصل في حقيقة غلو الناس في الصالحين وغيرهم

- ‌فصل في الإستغاثة وقصة هاجر

- ‌فصل الإستغاثة وشفاعة القيامة

- ‌فصل في حديث: "يا عباد الله احبسوا

- ‌فصل في بيان شرك من يدعو غائبا في حاجاته

- ‌فصل في دلالة ظاهر نداء المشرك غير الله

- ‌فصل في عقيدة أهل السنة في الصفات

- ‌فصل في زيارة القبور الشركية، والشفاعة

- ‌فصل في عبادة القبور

- ‌فصل في شد الرحال إلى القبور

- ‌فصل في مزاعم للملحد، وردها

- ‌فصل في النذر لغير الله

- ‌فصل في بيان الركوب إلى النصارى واتخاذهم أولياء

الفصل: ‌فصل في بيان جهمية الملحد وسنية الشيخ

‌فصل في بيان جهمية الملحد وسنية الشيخ

فصل

قال العراقي الملحد: (ومن عجيب أمره أنه يموه على الناس بدعوى توحيد الله وتنزيهه قائلاً: إن التوسل بغير الله شرك. مع أنه يفصح عن استواء الله تعالى على العرش بمثل الجلوس عليه، ويثبت له اليد، والوجه، والجهة، ويقول بصحة الإشارة إليه في السماء، ويدعي أن نزوله إلى السماء الدنيا حقيقة فيجسمه تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً فأين تنزيه الله تعالى بعد جعله جسماً يشترك معه حتى أخس الجمادات، وفي ذلك من التنقص والإزراء بألوهيته -سبحانه- ما هو منزه عنه) .

فالجواب أن يقال لهذا الجهمي المشرك بالله في عبادته، النافي لصفاته ونعوت جلاله:

قد بينا فيما تقدم أن الشيخ لا يكفر بمجرد التوسل الذي يعرفه أهل العلم من لفظ التوسل. وأما التوسل باصطلاح هؤلاء الغلاة فسيأتي الكلام عليه في محله إن شاء الله تعالى.

ص: 176

وأما قوله: (يفصح عن استواء الله تعالى على العرش بمثل الجلوس عليه) .

فالجواب أن نقول: قد جاء الخبر بذلك عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي ضرب الله الحق على لسانه، كما رواه الإمام عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل في كتاب "السنة" له في1 الرد على الجهمية قال: حدثني أبي وعبد الأعلى بن حماد النرسي2 قالا حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن خليفة، عن عمر قال:"إذا جلس تبارك وتعالى على الكرسي سمع له أطيط كأطيط الرحل الجديد".

وهذا الحديث حدث به أبو إسحاق السبيعي مقرراً له كغيره من أحاديث الصفات، وحدث به كذلك سفيان الثوري، وحدث به أبو أحمد الزبيري ومحمد3 بن أبي

1 سقطت "في" من ط الرياض.

2 في المطبوعة من "السنة" لعبد الله بن أحمد: حدثني أبي حدثنا عبد الرحمن –ابن مهدي- عن سفيان

الخ (ص70، ط السلفية بمكة)(1/301 ط الدكتور القحطاني) وسيكرر المؤلف رحمه الله تعالى هذا النقل ص 314.

3 في ط المنار: "وكمشد"!

ص: 177

بكر ووكيع عن إسرائيل، ورواه أبو عبد الرحمن عبد الله بن حنبل أيضاً عن أبيه، حدثنا وكيع بحديث إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن خليفة، عن عمر رضي الله عنه: إذا جلس الرب على الكرسي. فاقشعر رجل سماه أبي عند وكيع، فغضب وكيع وقال: أدركنا الأعمش وسفيان يحدثون بهذا الحديث ولا ينكرونه.

قلت: وهذا الحديث صحيح عند جماعة من المحدثين، أخرجه الحافظ ضياء الدين المقدسي.

وإذا كان هؤلاء الأئمة أبو إسحاق السبيعي، والثوري، والأعمش، وإسرائيل، وعبد الرحمن بن مهدي، وأبو أحمد الزبيري، ووكيع، وأحمد بن حنبل، وغيرهم ممن يطول ذكرهم وعددهم، الذين هم سرج الهدى، ومصابيح الدجى، قد تلقوا هذا الحديث بالقبول، وحدثوا به، ولم ينكروه، ولم يطعنوا في إسناده، فمن نحن حتى ننكره، ونتحذلق عليهم، بل نؤمن به.

قال الإمام أحمد: لا نزيل عن ربنا صفة من صفاته بشناعة شنعت وإن نبت عنه الأسماع.

فانظر إلى وكيع بن الجراح الذي خلف سفيان الثوري في علمه وفضله، وكان يشبه به في سمته وهديه، كيف أنكر على ذلك الرجل، وغضب لما رآه قد تلون لهذا الحديث.

ص: 178

وقال الإمام ابن القيم –رحمه الله تعالى- في "الكافية الشافية":

واذكر كلام مجاهد في قوله

أقم الصلاة وتلك في سبحان

في ذكر تفسير المقام لأحمد

ما قيل ذا بالرأي والحسبان

إن كان تجسيماً فإن مجاهداً

هو شيخهم بل شيخه الفوقاني

ولقد أتى ذكر الجلوس به وفي

أثر رواه جعفر الرباني

أعني ابن عم نبينا وبغيره

أيضاً أتى والحق ذو تبيان

والدارقطني الإمام يثبت الـ

آثار في ذا الباب غير جبان

وله قصيد ضمنت هذا وفيـ

ـها لست للمروي ذا نكران

وجرت لذلك فتنة في وقته

من فرقة التعطيل والعدوان

والله ناصر دينه وكتابه

ذا حكمه مذ كانت الفئتان

وهذا نص الأبيات التي أشار إليها ابن القيم رحمه الله تعالى من كلام الدارقطني رحمه الله تعالى:

ص: 179

حديث الشفاعة في أحمد

إلى أحمد المصطفى نسنده

وأما حديث بإقعاده

على العرش أيضاً فلا نجحده

فلا تنكروا أنه قاعد

ولا تنكروا أنه يقعده

أمروا الحديث على وجهه

ولا تدخلوا فيه ما يفسده

فإذا ثبت هذا عن أئمة أهل الإسلام، فلا عبرة بمن خالفهم من الطغام أشباه الأنعام.

وأما قوله: (ويثبت له اليد والوجه والجهة، ويقول بصحة الإشارة إليه في السماء) .

فالجواب أن نقول: نعم قد كان الشيخ محمد رحمه الله وأتباعه يثبتون اليد والوجه لله تعالى، ويصفون الله بما وصف به نفسه، ووصفه به رسوله، وما وصفه به السابقون الأولون، لا يتجاوزون القرآن والحديث، كما قال الإمام أحمد رضي الله عنه: لا يوصف الله إلا بما وصف الله به نفسه، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، لا تتجاوز القرآن والحديث.

ص: 180

ومذهب السلف أنهم يصفون الله بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، ونعلم أن ما وصف الله به نفسه من ذلك فهو حق ليس فيه لغز ولا أحاجي، بل معناه يعرف من حيث يعرف مقصود المتكلم بكلامه، لا سيما إذا كان المتكلم أعلم الخلق بما يقول، وأفصح الخلق في بيان العلم، وأنصح الخلق في البيان والتعريف والدلالة والإرشاد، وهو سبحانه مع ذلك ليس كمثله شيء لا في نفسه المذكورة بأسمائه وصفاته، ولا في أفعاله، فكما نتيقن أن الله سبحانه له ذات حقيقة، وله أفعال حقيقة، فكذلك له صفات حقيقة، وهو ليس كمثله شيء لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، فكل ما أوجب نقصاً أو حدوثاً فإن الله منزه عنه حقيقة، فالله سبحانه مستحق للكمال الذي لا غاية فوقه، ويمتنع عليه الحدوث لامتناع العدم عليه، واستلزام الحدوث سابقة العدم، ولافتقار المحدث إلى محدث، ولوجوب وجوده بنفسه سبحانه وتعالى.

ومذهب السلف بين التعطيل وبين التمثيل، فلا يمثلون صفات الله بصفات خلقه، كما لا يمثلون ذاته بذات خلقه، ولا ينفون ما وصف به نفسه، ووصفه به

ص: 181

رسوله فيعطلون أسماءه وصفاته العليا، ويحرفون الكلم عن مواضعه، ويلحدون في أسماء الله وآياته.

فإذا عرفت هذا فإنا نثبت لله اليد كما أثبتها لنفسه، كما قال تعالى:{وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} [المائدة:64]، وقال تعالى:{يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [صّ:75]، وقال تعالى:{يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح:10]، وقال تعالى:{وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر:67] ، إلى غير ذلك من الآيات.

ونثبت أن لله وجهاً كما قال تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص:88]، وقوله:{وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ} [الرحمن:27]، وقوله:{فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} 1 [البقرة:115] ، إلى غير ذلك من الآيات.

1 قال شيخ الإسلام ابن تيمية في المناظرة عن الواسطية: "

قلت هذه الآية ليست من آيات الصفات أصلاً، ولا تندرج في عموم قول من يقول: لا تؤول آيات الصفات. قال –أي أحد المناظرين-: أليس فيها ذكر الوجه؟ فلما قلت: المراد بها قبلة الله. قال –أي المناظر-: أليست هذه من آيات الصفات؟ قلت: لا، ليست من موارد النزاع، فإني إنما أسلم أن المراد بالوجه هنا القبلة، فإن الوجه هو الجهة في لغة العرب، يقال: قصدت هذا الوجه، وسافرت إلى هذا الوجه أي: إلى هذه الجهة.

وهذا كثير مشهور، فالوجه هو الجهة. وهو الوجه كما في قوله تعالى:{وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا} أي متوليها. فقوله تعالى: {وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا} كقوله: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} كلا الآيتين في اللفظ والمعنى متقاربتان، وكلاهما في شأن القبلة، والوجه والجهة هو الذي ذكر في الآيتين: أنا نوليه: نستقبله

ثم قرر شيخ الإسلام هذا بكلام حسن، فانظره في الفتاوى جـ 6/15، 16، 17. وجـ 2/428، 429.

ص: 182

وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: "أنت موسى الذي اصطفاك الله بكلامه، وخط لك الألواح بيده" وفي لفظ: "وكتب لك التوراة بيده" 1، وقال صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم:"وغرس كرامة أوليائه في جنة عدن بيده"

1 أخرجه البخاري في صحيحه كتاب القدر باب تحاج آدم وموسى عند الله: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "احتج آدم وموسى، فقال له موسى: يا آدم أنت أبونا، خيبتنا وأخرجتنا من الجنة، قال له آدم: يا موسى اصطفاك الله بكلامه، وخط لك بيده، أتلومني

" الحديث 11/505 من الفتح.

وأخرجه مسلم- في كتاب القدر من صحيحه 4/2043 قال: حدثني محمد بن حاتم وإبراهيم بن دينار وابن أبي عمر المكي وأحمد بن عبدة الضبي. جميعاً عن ابن عيينة (واللفظ لابن حاتم وابن دينار) قالا حدثنا سفيان

الخ فذكره بلفظ البخاري سواء. ثم قال: وفي حديث ابن أبي عمر وابن عبدة. قال أحدهما: خط. وقال الآخر: كتب لك التوراة بيده. وله عندهما ألفاظ أخرى. انظر الفتح جـ 8/434-435، وجـ 6/441، وجـ 11/505، وجـ13/477.

2 أخرجه مسلم في صحيحه –كتاب الإيمان- من حديث المغيرة بن شعبة

وفيه: "أولئك الذين أردت، غرست كرامتهم بيدي" 1/121 ط دار الطباعة العامرة.

ص: 183

وقوله صلى الله عليه وسلم: "تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة يتكفؤها الجبار بيده كما يتكفى أحدكم خبزته في سفره نزلاً لأهل الجنة" 1، ومثل أحاديث أخر "بيده الأمر""والخير في يديك""والذي نفس محمد بيده" 4، "وإن الله يبسط يده

1 أخرجه البخاري في صحيحه –كتاب الرقاق- باب يقبض الله الأرض يوم القيامة 11/371-372 عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة يتكفؤها الجبار بيده كما يكفأ أحدكم خبزته في السفر، نزلاً لأهل الجنة"، فأتى رجل من اليهود فقال: بارك الرحمن عليك يا أبا القاسم ألا أخبرك بنزل أهل الجنة يوم القيامة؟ قال: "بلى". قال: تكون الأرض خبزة واحدة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلينا، ثم ضحك حتى بدت نواجذه

الحديث.

وأخرجه مسلم أيضاً في كتاب المنافقين وأحكامهم من صحيحه 4/2151.

2

3 أخرجه ابن خزيمة في التوحيد ص 14 عن زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يتعاهد أهله كل صباح: "لبيك اللهم لبيك وسعديك والخير في يديك

" الحديث.

4 وردت أحاديث كثيرة بصيغة هذا القسم، منها حديث: "والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحطب

" أخرجه البخاري عن أبي هريرة 2/125-141، 5/74، 13/ 215 - فتح.

وحديث: "لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره

" في صحيح البخاري أيضاً 3/335-341، 4/304، 5/36 - فتح.

وانظر دليل القاري إلى مواضع الحديث في صحيح البخاري للشيخ عبد الله بن غنيمان ص 508-509. وفهرست صحيح مسلم محمد فؤاد عبد الباقي ص 447.

ص: 184

بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل" 1، وقوله: "المقسطون عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن –وكلتا يديه يمين-" 2 وقوله: " يطوي الله السموات يوم القيامة، ثم يأخذهن بيده اليمنى، ثم يقول: أنا الملك أين الجبارون، أين المتكبرون، ثم يطوي الأرضين بشماله، ثم يقول: أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون" 3 وقوله: "يمين الله ملأى لا يغيضها نفقة، سحاء الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض فإنه لم يغض ما في يمينه، وعرشه على الماء، وبيده الأخرى القسط يخفض ويرفع" 4 وكل هذه الأحاديث في الصحاح.

1 أخرجه الإمام مسلم في صحيحه –كتاب التوبة-4/2113 عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار

" الحديث.

2 أخرجه الإمام مسلم من حديث عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن عز وجل وكلتا يديه يمين

" الحديث. ذكره في كتاب الإمارة 3/1458.

3 أخرجه مسلم في صحيحه –كتاب صفات المنافقين وأحكامهم- 4/2148 عن عبد الله بن عمر

به.

4 أخرجه الإمام البخاري في صحيحه –كتاب التفسير- باب (وكان عرشه على الماء) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله عز وجل: "أنفق أنفق عليك. وقال: يد الله ملأى لا يغيضها نفقة سحاء الليل والنهار. وقال: أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض؟ فإنه لم يغض ما في يده، وكان عرشه على الماء وبيده الميزان يرفع ويخفض" 8/352.

وأخرجه في كتاب التوحيد –باب قول الله: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يد الله ملأى

" الحديث. 13/393.

وأخرجه أيضاً في التوحيد –باب (وكان عرشه على الماء) كذلك 13/403.

وأخرجه الإمام مسلم في صحيحه –كتاب الزكاة- 2/690-691 عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " قال الله تبارك وتعالى: يا ابن آدم أنفق أنفق عليك. وقال يمين الله ملآى، سحاء لا يغيضها شيء الليل والنهار"، وأخرجه أيضاً بلفظ: "إن الله قال لي: أنفق أنفق عليك

" الحديث بتمامه.

ص: 185

وفي صحيح مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس كلمات فقال: "إن الله لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل النهار، وعمل النهار قبل الليل، حجابة النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه"1.

وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال

1 أخرجه مسلم في صحيحه –كتاب الإيمان- 1/161.

ص: 186

رسول الله صلى الله عليه وسلم: "جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن"1. رواه البخاري، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.

وقال الإمام عثمان بن سعيد الدارمي في "الرد على الجهمية": لما فرغ المريسي من إنكار اليدين ونفيهما عن الله عز وجل أقبل قِبَل وجه الله ذي الجلال والإكرام ينفيه عنه –إلى أن قال-: واستمر الجحود به حتى ادعى أن وجه الله الذي وصفه بأنه ذو الجلال والإكرام مخلوق، لأنه ادعى أنه أعمال مخلوقة يتوجه بها إليه، وثواب وإنعام مخلوق يثيب به العامل، وزعم أنه قبلة الله وقبلة الله لا شك مخلوقة -ثم ساق الكلام في الرد عليه وأن القول بأن لفظ الوجه مجاز باطل- انتهى2.

وأما الجهة فقال شيخ الإسلام في "المنهاج": فإن مسمى لفظ الجهة يراد به أمر وجودي كالفلك الأعلى، ويراد به أمر عدمي كما وراء العالم، فإن أريد الثاني أن يقال كل جسم في جهة، وإذا أريد الأول امتنع أن يكون

1 أخرجه البخاري في صحيحه –كتاب التفسير- باب (ومن دونهما جنتان) 8/623-624، وفي التوحيد باب قوله تعالى {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} 13/423، ومسلم في كتاب الإيمان من صحيحه 1/112 ط العامرة.

2 هو في كتابه –رحمه الله في الرد على المريسي ص: 157 وما بعدها.

ص: 187

كل جسم في جسم آخر، فمن قال: الباري في جهة، وأراد بالجهة أمراً موجوداً فكل ما سواه مخلوق له في جهة بهذا التفسير فهو مخطئ.

وإن أراد بالجهة أمراً عدمياً وهو ما فوق العالم، وقال: إن الله فوق العالم، فقد أصاب، وليس فوق العالم موجود غيره، فلا يكون سبحانه في شيء من الموجودات.

وأما إذا فسرت الجهة بالأمر العدمي، فالعدم لا شيء.

وهذا ونحوه من الاستفسار وبيان ما يراد به اللفظ من معنى صحيح وباطل يزيل عامة الشبه.

فإذا قال نافي الرؤية: لو رؤي لكان في جهة وهذا ممتنع، فالرؤية ممتنعة.

قيل له: إن أردت بالجهة أمراً وجودياً فالمقدمة الأولى ممنوعة، وإن أردت بالجهة أمراً عدمياً، فالثانية ممنوعة، فيلزم بطلان أحد المقدمتين على كل تقدير، فتكون الحجة باطلة، وذلك أنه إن أراد بالجهة أمراً وجودياً لم يلزم أن كل مرئي في جهة وجودية، فإن سطح العالم الذي هو أعلاه ليس في جهة وجودية، ومع هذا تجوز رؤيته، فإنه جسم من الأجسام، فبطل قولهم: كل مرئي لا بد أن يكون في جهة إن أراد بالجهة أمراً

ص: 188

وجودياً، وإن أراد بالجهة أمراً عدمياً منع المقدمة الثانية، فإنه إذا قال الباري ليس في جهة عدمية، وقد علم أن العدم ليس بشيء، كان حقيقة قوله أن الباري لا يكون موجوداً قائماً بنفسه حيث لا موجود إلا هو، وهذا باطل، وإن قال أحد: يستلزم أن يكون جسماً أو متحيزاً عاد الكلام معه في مسمى الجسم المتحيز، فإن قال: هذا يستلزم أن يكون مركباً من الجواهر المنفردة، أو من المادة والصورة وغير ذلك من المعاني الممتنعة على الرب لم يسلم له هذا التلازم، وإن قال يستلزم أن يكون الرب يشار إليه برفع الأيدي في الدعاء، وتعرج الملائكة والروح إليه، ويعرج محمد صلى الله عليه وسلم إليه، وتنزل الملائكة من عنده، وينزل منه القرآن ونحو ذلك من اللوازم التي نطق بهم الكتاب والسنة وما كان في معناها، قيل له: لا نسلم انتفاء هذه اللوازم، فإن قال: ما استلزم هذه اللوازم فهو جسم، قيل: إن أردت أنه يسمى جسماً في اللغة والشرع فهذا باطل، وإن أردت أن يكون جسماً مركباً من المادة والصورة، أو من الجواهر المركبة، فهذا أيضاً ممنوع في العقل، فإنما هو جسم باتفاق العقلاء كالأجسام، لا نسلم أنه مركب بهذا الاعتبار، كما قد بسط في موضعه.

وتمام ذلك بمعرفة البحث العقلي في تركيب الجسم الاصطلاحي من هذا وهذا، وقد بسط في غير هذا

ص: 189

الموضع، وتبين به أن قول هؤلاء وهؤلاء باطل مخالف للأدلة العقلية القطعية. انتهى1.

وقال في كتابه "موافقة العقل الصحيح للنقل الصريح": وكذلك إذا قالوا: إن الله منزه عن الحدود والأحياز والجهات أوهموا الناس بأن مقصودهم بذلك أنه لا تحصره المخلوقات، ولا تحوزه المصنوعات، وهذا المعنى صحيح، ومقصودهم أنه ليس مبايناً2 للخلق، ولا منفصلاً عنه، وأنه ليس فوق رب السموات رب، ولا على العرش إله، وأن محمداًلم يعرج به إليه، ولم ينزل شيئاً، ولا يصعد إليه شيء ولا يتقرب إليه بشيء، ولا ترفع3 الأيدي إليه في الدعاء، ولا غيره، وغير ذلك من معاني الجهة.

وإذا قالوا: إنه ليس بجسم أوهموا الناس أنه ليس من جنس المخلوقات، ولا مثل أبدان الخلق، وهذا المعنى صحيح، ولكن مقصودهم بذلك أنه لا يرى، ولا يتكلم بنفسه، ولا تقوم به صفة، ولا هو مباين للخلق، وأمثال ذلك. النتهى.

فإذا تبين لك هذا وتحققته فهذه الألفاظ لم يرد بها

1 هو في منهاج أهل السنة 2/558 وما بعدها ط جامعة الإمام.

2 في الأصل: "مباين".

3 سقطت: "ترفع" من ط الرياض.

ص: 190

نص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه، ولا عن السلف الصالح، ولا الأئمة الأربعة، ولا غيرهم من أئمة الحديث.

فإذا اتضح لك هذا فلفظ الجهة لا تثبته مطلقاً، ولا تنفيه مطلقاً، لأنه محتمل لمعنيين: باطل وصحيح، فمن أطلقه نفياً أو إثباتاً سئل عما أراد به، فإن قال أردت بالجهة أنه منزه عن جهة وجودية تحيط به وتحويه إحاطة الظرف بالمظروف، قيل له: نعم هو أعظم من ذلك، وأكبر وأعلى، ولكن لا يلزم من كونه على عرشه هذا المعنى.

وإن أراد بالجهة أمراً يوجب مباينة الخلق للمخلوق، وعلوه على خلقه، واستواءه على عرشه، فنفيه بهذا المعنى باطل، وتسميته جهة اصطلاحي منه توصل به إلى نفي ما دل عليه العقل والنقل، فسمى ما فوق العالم جهة، وقال: منزه عن الجهة اهـ.

وبهذا يندفع عنا ما ألزمنا به من لم يعرف حقيقة ما عندنا، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

وأما قوله: (ويقول بصحة الإشارة إليه في السماء) .

فالجواب أن نقول: نعم نقول به، ونعتقده، وندين الله به، ونشهد الله وملائكته وجميع خلقه على اعتقاد ذلك، عليه نحيى وعليه نموت، وعليه نبعث إن شاء الله تعالى، لأنه ليس في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم،

ص: 191

ولا عن أحد من سلف الأمة لا من الصحابة، ولا من التابعين لهم بإحسان، ولا عن الأئمة الذين أدركوا زمن الأهواء والاختلاف حرف واحد يخالف ذلك، ولا نصاً ولا ظاهراً، ولم يقل أحد منهم قط: إن الله ليس في السماء، ولا أنه ليس على العرش، ولا أنه بذاته في كل مكان، ولا أن جميع الأمكنة بالنسبة إليه سواء، ولا أنه لا داخل العالم، ولا خارجه، ولا منفصل عنه ولا متصل، ولا أنه لا تجوز الإشارة إليه بالأصابع ونحوها، بل قد ثبت في الصحيح عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خطب خطبته العظيمة يوم عرفات في أعظم مجمع حضره الرسول صلى الله عليه وسلم جعل يقول:"ألا هل بلغت؟ " فيقولون: نعم، فيرفع أصبعه إلى السماء وينكبها إليهم ويقول:"اللهم اشهد "1 غير مرة.

قال ابن القيم رحمه الله تعالى في "أعلام الموقعين" في بيان رد الجهمية للنصوص المحكمة: الثالث عشر الإشارة إليه حساً إلى العلو، كما أشار إليه من هو أعلم به، وما يجب له، ويمتنع عليه من أفراخ الجهمية، والمعتزلة والفلاسفة، في أعظم مجمع على وجه الأرض برفعه أصبعه إلى السماء، ويقول:"اللهم اشهد" ليشهد

1 أخرجه الإمام مسلم في صحيحه –كتاب الحج- وهو جزء من حديث جابر الطويل في صفة الحج 2/890.

ص: 192

الجمع أن الرب الذي أرسله ودعا إليه، واستشهده هو الذي فوق سمواته على عرشه. انتهى.

فتبين من هذا أن هذا المذهب الملعون –أعني إنكار الإشارة إليه بالأصبع إلى السماء- مذهب أفراخ الجهمية، والمعتزلة والفلاسفة.

وقد استدل الملحد بكلام شيخ الإسلام وابن القيم على عدم تكفير أهل الأهواء، ورأى أنهما من العلماء المجتهدين الذين يعمل بأقوالهم، فإذا لم يكن ما قالاه هنا حقاً انتقض عليه الاستدلال بكلامهما هنالك.

وقوله: (ويدعي أن نزوله إلى السماء الدنيا حقيقة، فيجسمه –تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيراً- فأين تنزيه الله تعالى بعد جعله جسماً يشترك فيه معه أخس الجمادات، وفي ذلك من النقص والإزراء بألوهيته سبحانه ما هو منزه عنه) .

فالجواب أن نقول: نعم قد ثبت ذلك بالكتاب والسنة وأجمع على ذلك أهل السنة والجماعة، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى أحاديث النزول في "الصواعق المرسلة"، وذكر من كلام الأئمة، ومن الأجوبة العقلية والنقلية ما يكفي، وذكر في "حادي الأرواح" الأحاديث الواردة في ذلك، فمن أراد الوقوف عليها فليراجعها،

ص: 193

ونذكر هنا شيئاً يسيراً من كلام الأئمة ليتبين لهذا الجاهل أنه قد اتبع سبيل أفراخ الجهمية والفلاسفة والمعتزلة، وأنه قد حاد عن سبيل المؤمنين.

قال شيخ الإسلام: قال أبو عبد الله محمد بن عبد الله الدميني1 الإمام المشهور من أئمة المالكية في كتابه الذي صنفه في أصول السنة في باب الإيمان بالنزول قال:

ومن قول أهل السنة أن الله ينزل إلى سماء الدنيا، ويؤمنون بذلك من غير أن يحدوا فيه حداً، وذكر الحديث من طريق مالك وغيره –إلى أن قال-: وأخبرني وهب عن ابن وضاح عن الزهري عن ابن2 عباد قال: وممن أدركت من المشايخ مالك وسفيان وفضيل بن عياض، وعيسى بن المبارك3، ووكيع كانوا يقولون: إن النزول حق.

قال ابن وضاح: وسألت يوسف بن عدي4 عن النزول قال: نعم أومن به ولا أحد فيه حداً. وسألت عنه ابن معين فقال: نعم أؤمن به ولا أحد فيه حداً اهـ.

1 كذا في النسخ "الدميني"، والصواب:"ابن أبي زمنين"، وكتابه مشهور ومنه نسخة خطية مصورة في المدينة.

2 سقط: "ابن" من ط الرياض.

3 علق الشيخ محمد رشيد رضا على هذا الموضوع فقال: كذا في الأصلين، وفي هامش أحدهما:"أظنه عبد الله" اهـ.

وفي الأصل الهندي هكذا رسمت: "عيسى أظنه عبد الله بن المبارك".

وما ظنه هو الصواب.

4 في ط الرياض: "عدين".

ص: 194

وقال أبو عثمان الصابوني: فلما صح خبر النزول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقر به أهل السنة، وقبلوا الخبر، وأثبتوا النزول على ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يعتقدوا تشبيهاً له بنزول خلقه، وعلموا وعرفوا وتحققوا واعتقدوا أن صفات الرب تبارك وتعالى لا تشبة صفات الخلق، كما أن ذاته لا تشبه ذوات الخلق تعالى الله عما يقولون المشبهة والمعطلة علوا كبيرا، ولعنهم الله لعنا كثيراً1.

وقال الإمام العارف معمر بن أحمد الأصبهاني شيخ الصوفية في حدود المائة الرابعة قال: أحببت أن أوصي أصحابي بوصية من السنة، وموعظة من الحكمة، وأجمع ما كان عليه أهل الحديث والأثر بلا كذب، وأهل المعرفة والتصوف من المتقدمين والمتأخرين قال فيها: وأن الله استوى على عرشه بلا كيف ولا تشبيه ولا تأويل، والاستواء معقول2، والكيف فيه مجهول، وأنه عز وجل البائن عن خلقه، والخلق منه بائنون، بلا حلول ولا ممازجة، ولا اختلاط ولا ملاصقة، لأنه الفرد بائن من الخلق، الواحد الغني عن الخلق، وأن الله عز وجل سميع بصير، عليم خبير، يتكلم ويرضى ويسخط، ويضحك ويعجب، ويتجلى لعباده يوم القيامة ضاحكاً وينزل كل ليلة إلى سماء

1 هو في كتابه "الرسالة في اعتقاد أهل السنة" ص 48-49 ط الدار السلفية بالكويت.

2 في ط الرياض: "معقولي".

ص: 195

الدنيا كيف شاء فيقول هل من داع فأستجيب له؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من تائب فأتوب عليه؟ حتى يطلع الفجر، ونزول الرب إلى السماء بلا كيف، ولا تشبيه، ولا تأويل، فمن أنكر النزول أو تأول فهو مبتدع ضال، وسائر الصفوة على هذا اهـ1.

وقال الشيخ الإمام أبو بكر أحمد بن هارون الخلال في كتاب "السنة" حدثنا أبو بكر الأثرم حدثنا إبراهيم بن الحارث –يعني العبادي- حدثنا الليث بن يحيى قال سمعت إبراهيم بن الأشعث قال أبو بكر –هو صاحب الفضيل- قال: سمعت الفضيل بن عياض يقول: ليس لنا أن نتوهم في الله كيف هو، لأن الله تعالى وصف نفسه فأبلغ فقال:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ. اللَّهُ الصَّمَدُ. لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ. وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص: 1-2-3] فلا صفة أبلغ مما وصف به نفسه، وكل هذا النزول والضحك، وهذه المباهاة، وهذا الاطلاع كما يشاء أن ينزل، وكما يشاء أن يباهي، وكما يشاء أن يضحك، وكما يشاء أن يطلع، فليس لنا أن نتوهم كيف وكيف، فإذا قال الجهمي: أنا أكفر برب يزول عن مكانه فقل: بل أؤمن

1 روى هذا وزيادة: إسماعيل التيمي رحمه الله في كتابه "الحجة 1/231-244، وقوله:(على هذا) يعني على إثبات النزول وتضليل من ينكره.

ص: 196

برب يفعل ما يشاء ونقل هذا عن الفضيل جماعة منهم البخاري في كتابه خلق أفعال العباد. انتهى1.

وقال الإمام أبو عبد الله محمد بن خفيف في كتابه الذي سماه: "اعتقاد التوحيد في إثبات الأسماء والصفات" قال: ومما نعتقده أن الله ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا في ثلث الليل الآخر، فيبسط يده فيقول: هل من سائل" الحديث.

وقال أبو الحسن الأشعري في كتابه الذي سماه "الإبانة في أصول الديانة" وقد ذكر أصحابه أنه آخر كتاب صنفه وعليه يعتمدون في الذب عنه عند من يطعن عليه، فقال2:

فصل في إبانة قول أهل الحق والسنة، فإن قال قائل قد أنكرتم قول المعتزلة، والقدرية والجهمية والحرورية والرافضة والمرجئة، فعرفونا قولكم الذي به تقولون، وديانتكم التي بها تدينون؟ قيل له:

قولنا الذي نقول به، وديانتنا التي ندين بها: التمسك بكلام ربنا، وسنة نبينا3، وما روي عن الصحابة

1 ورواه اللالكائي ص 452 وغيره، وعلقه البخاري في خلق أفعال العباد رقم 61.

2 هو في كتاب الإبانة ط الجامعة الإسلامية ص 52 وما بعدها.

3 في الإبانة: "صلى الله عليه وآله وسلم".

ص: 197

والتابعين، وأئمة الحديث، ونحن بذلك معتصمون، وبما كان يقول به أبو عبد الله أحمد بن حنبل –نضر الله وجهه، ورفع درجته، وأجزل مثوبته- قائلون، وما خالف قوله مخالفون، لأنه الإمام الفاضل، والرئيس الكامل، الذي أبان الله به الحق، ورفع به الضلالة، وأوضح به المنهاج، وقمع بدعة المبتدعين، وزيغ الزائغين، وشك الشاكين، فرحمة الله عليه من إمام مقدم، وجليل معظم، وكبير مفهم1، إلى أن قال: وأنه مستو على عرشه كما قال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5]، وأن له وجهاً كما قال:{وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ} [الرحمن:27]، وأنه لد يدين بلا كيف كما قال:{خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [صّ: 75]، وقال:{بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاء} [المائدة:64] إلى أن قال:

ونصدق بجميع الروايات التي أثبتها أهل النقل من النزول إلى السماء الدنيا، وأن الرب عز وجل يقول: هل من سائل هل من مستغفر، وسائر ما نقلوه وأثبتوه خلافاً لما قال أهل الزيغ والتضليل. انتهى.

وقال عثمان بن سعيد الدارمي في كتابه المعروف "بنقض عثمان بن سعيد على المريسي الجهمي العنيد فيما

1 في الإبانة: (مفخم) ، وهو الصواب.

ص: 198

افترى على الله في التوحيد، قال1: وادعى المعارض أيضاً أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الله ينزل إلى السماء الدنيا حتى يمضي ثلث الليل فيقول: هل من مستغفر؟ هل من تائب؟ هل من داع؟ "، قال: فادعى أن الله لا ينزل بنفسه إنما ينزل أمره ورحمته وهو على العرش، وبكل مكان من غير زوال، لأنه الحي القيوم، والقيوم بزعمه من لا يزول، قال: فيقال2 لهذا المعارض: وهذا أيضاً من حجج النساء والصبيان، ومن ليس عنده بيان، ولا لمذهبه برهان، لأن أمر الله ورحمته ينزل في كل ساعة ووقت وأوان، فما بال النبي صلى الله عليه وسلم يحد لنزوله الليل دون النهار، ويوقت الليل شطره أو الأسحار، فأمره ورحمته يدعوان العباد إلى الاستغفار، أو بقدر الأمر والرحمة أن يتكلما دونه فيقولا: هل من داع فأجيبه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من سائل فأعطيه؟ فإن قررت مذهبك لزمك أن تدعي أن الرحمة والأمر هما اللذان يدعوان إلى الإجابة والاستغفار بكلامه دون الله، وهذا محال عند السفهاء، فكيف عند الفقهاء؟! قد علمتم ذلك ولكن تكابرون، وما بال رحمته وأمره ينزلان من عنده شطر الليل ثم يمكثان إلى طلوع الفجر، ثم يرفعان، لأن

1 هو في كتاب النقض ص19 وما بعدها.

2 في النسخ: (فقال) .

ص: 199

رفاعة –راويه- يقول في حديثه: "حتى ينفجر الفجر " قد علمتم إن شاء الله أن هذا التأويل باطل ولا يقبله إلا جاهل.

وأما دعواك أن تفسير القيوم الذي لا يزول عن مكانه ولا يتحرك، فلا يقبل منك هذا التفسير إلا بأثر صحيح مأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو عن بعض أصحابه، أو التابعين، لأن الحي القيوم يفعل ما يشاء، ويتحرك إذا شاء ويهبط ويرتفع إذا شاء ويقبض ويبسط ويقوم ويجلس إذا شاء، لأن أمارة ما بين الحي والميت التحرك1، كل حي متحرك لا محالة، وكل ميت غير متحرك لا محالة، ومن يلتفت إلى تفسيرك وتفسير صاحبك مع تفسير نبي الرحمة ورسول رب العزة، إذ فسر نزوله مشروعاً منصوصاً، ووقت لنزوله مخصوصاً لم يدع لك ولا لأصحابك فيه لبساً2 ولا عويصاً انتهى.

ولو ذهبنا ننقل أقوال العلماء أهل السنة والجماعة المتفق على إمامتهم ودرايتهم لطال الكلام، وبما ذكرناه يندفع الخصام، وينجلي تلبيس هؤلاء الجهلة الطغام، فنقتصر على ما ذكر من كلام أئمة الإسلام.

وأما قوله: (فيجسمه تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيراً) .

1 في ط الرياض: "والمتحرك".

2 من النقض، وفي النسخ (لعباً) .

ص: 200

فيقال في جوابه إنك أيها الضال المضل لا تفهم من كون الله على العرش إلا ما يثبت لأي جسم كان على أي جسم كان، وهذا الكلام اللازم بعينه تابع لهذا المفهوم، وأما استواء يليق بجلال الله، ونزول وهبوط وارتفاع يليق بجلال الله ويختص به، فلا يلزمه شيء من اللوازم الباطلة التي يجب نفيها، كما يلزم سائل الأجسام، وصار هذا مثل قول الممثل: إذا كان للعالم صانع، فإما أن يكون جوهراً أو عرضاً، وكلاهما محال إذ لا يعقل موجود إلا هذان.

وقوله: إذا كان مستوياً على العرش فهو مماثل لاستواء الإنسان على السرير، والفلك إذ لا يعلم الاستواء إلا هكذا، فإن كليهما1 مثل، وكلاهما عطل حقيقة ما وصف الله به نفسه، وامتاز الأول بتعطيل كل اسم لا استواء الحقيقة، وامتاز الثاني بإثبات استواء هو من خصائص المخلوقين، والقول الفاصل هو ما عليه الأمة الوسط من أن الله مستو على عرشه استواء يليق بجلاله ويختص به، ونزول وارتفاع يليق به ويختص به، فكما أنه موصوف بأنه بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير، وأنه سميع بصير، ونحو ذلك –ولا يجوز أن يثبت للعلم والقدرة خصائص الأعراض التي كعلم المخلوقين

1 في الأصل: "كلاهما".

ص: 201

وقدرتهم- فكذلك هو سبحانه فوق العرش، وينزل منه كل آخر ليلة إلى سماء الدنيا، ولا يثبت لفوقيته ونزوله وصعوده خصائص فوقية المخلوق على المخلوق، ونزوله وصعوده وملزوماتها.

وأما زعمه أنا نجسمه إذا أثبتنا ما أثبته الله لنفسه. فهذا ليس ببدع من ألقاب أهل الضلال.

ثم اعلم أنه ليس أحد منا يقول: إن الله جسم، فإن هذا اللفظ عندنا1 مبتدع محدث في الإسلام لم يقل به أحد من السلف الصالح والصدر الأول.

وأو ما ظهر إطلاق لفظ الجسم من متكلمة الشيعة كهشام بن الحكم، كذا نقل ابن حزم وغيره.

قال أبو الحسن الأشعري في كتاب "مقالات الإسلاميين، واختلاف المصلين"2: اختلف الروافض أصحاب الإمامية في التجسيم وهم ست فرق:

فالفرقة الأولى: الهشامية أصحاب هشام بن الحكم الرافضي، يزعمون أن معبودهم جسم وله نهاية، وحد طويل عريض عميق، طوله مثل عرضه، وعرضه مثل عمقه، لا يوفي بعضه عن بعض، وزعموا أنه نور ساطع،

1 "عندنا" ليست في الأصل.

2 هو في الكتاب ط فيسبادن ص 31-35.

ص: 202

له قدر من الأقدار في مكان دون مكان، كالسبيكة الصافية يتلألأ كاللؤلؤة المستديرة من جميع جوانبها، ذو لون وطعم ورائحة ومجسة وذكر كلاماً طويلاً.

والفرقة الثانية: من الرافضة يزعمون أن ربهم ليس بصورة، ولا كالأجسام، وإنما يذهبون في قولهم: إنه جسم، إلى أنه موجود ولا يثبتون الباري ذا أجزاء مؤتلفة، وأبعاض متلاصقة، ويزعمون أن الله على العرش مستو بلا مماسة ولا كيف.

والفرقة الثالثة: من الروافض يزعمون أن ربهم على صورة الإنسان، ويمنعون أن يكون جسماً.

والفرقة الرابعة: من الرافضة الهشامية أصحاب هشام بن سالم الجواليقي يزعمون أن ربهم على صورة الإنسان، وينكرون أن يكون لحماً ودماً، ويقولون إنه نور ساطع يتلألأ بياضاً، وإنه ذو حواس كحواس الإنسان، له يد ورجل وأنف وأذن وفم وعين، وأنه يسمع بغير ما به يبصر وكذلك سائر حواسه متغايرة عندهم، قال: وحكى أبو عيسى الوراق أن هشام بن سالم كان يزعم أن لربه وفرة متغايرة سوداء، وأن ذلك نور أسود.

والفرقة الخامسة: يزعمون أن لرب العالمين ضياء خالصاً ونوراً بحتاً، وهو كالمصباح الذي من حيث ما جئته يلقاك بنور، وليس بذي صورة، ولا أعضاء، ولا

ص: 203

اختلاف في الأجزاء، وأنكروا أن يكون على صورة الإنسان، أو على صورة شيء من الحيوان. قال:

والفرقة السادسة: من الرافضة يزعمون أن ربهم ليس بجسم، ولا بصورة ولا يشبه الأشياء، ولا يتحرك ولا يسكن ولا يماس. وقالوا في التوحيد بقول المعتزلة والخوارج.

قال أبو الحسن الأشعري: وهؤلاء قوم من متأخريهم، فأما أوائلهم فإنهم كانوا يقولون بما حكينا عنهم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية1: وهذا الذي ذكره أبو الحسن الأشعري عن قدماء الشيعة من القول بالتجسيم قد اتفق على نقله عنهم أرباب المقالات حتى نفس الشيعة كابن النوبختي ذكر ذلك عن هؤلاء الشيعة، ثم ذكر من قال بالتجسيم من المتكلمين وغيرهم ممن يزعم أنه من أهل السنة –إلى أن قال-:

وأئمة النفاة –يعني نفاة التجسيم- هم الجهمية من المعتزلة ونحوهم، يجعلون من أثبت الصفات مجسماً بناء عندهم على أن الصفات عندهم لا تقوم إلا بجسم، ويقولون: إن الجسم مركب من الجواهر المنفردة، ومن

1 نقل –رحمه الله كلام الأشعري السابق كله، ثم أعقبه بما تراه، وذلك في كتابه منهاج السنة 2/217 و221.

ص: 204

المادة والصورة1. فقال لهم أهل الإثبات: قولكم منقوض بإثبات الأسماء الحسنى، فإن الله تعالى حي عليم قدير، وإن أمكن إثبات حي عليم قدير وليس بجسم، أمكن أن يكون له حياة وعلم وقدرة وليس بجسم وإن لم يمكن ذلك، فما كان جوابكم عن إثبات الأسماء؟ كان جوابنا عن إثبات الصفات- انتهى المقصود منه.

فإذا تبين لك أن هذا المذهب –أعني القول بالتجسيم- هو مذهب هؤلاء المبتدعة الضلال، ومن وافقهم من أتباع الأئمة.

فمذهب الوهابية هو مذهب أهل السنة المحضة، كالإمام أحمد وذويه، فلا يطلقون لفظ التجسيم لا نفياً ولا إثباتاً لوجهين:

أحدهما: أنه ليس مأثوراً لا في كتاب، ولا سنة ولا أثر عن أحد الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولا غيرهم من أئمة المسلمين، فصار من البدع المذمومة.

الثاني: أن معناه يدخل فيه حق وباطل. انتهى من المنهاج لشيخ الإسلام رحمه الله2، وتمام الكلام فيه، فمن أراد الوقوف عليه فليراجعه.

1 من الإبانة، وفي النسخ:(والصور) .

2 هو في 2/224-225.

ص: 205