المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في نقض تعيير الملحد بسكنى بلاد مسيلمة - الضياء الشارق في رد شبهات الماذق المارق

[سليمان بن سحمان]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌فصل في منشأ دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب

- ‌فصل في طلب الشيخ رحمه الله للعلم ومبدأ دعوته

- ‌فصل في حال الناس في نجد وغيرها قبل دعوة الشيخ

- ‌فصل في حقيقة دعوة الشيخ وأنها سلفية

- ‌فصل في نقض تعيير الملحد بسكنى بلاد مسيلمة

- ‌فصل في فرية الملحد على الشيخ بأنه يطمح للنبوة

- ‌فصل في رد فرية بأنهم خوارج

- ‌فصل في رد فرية الملحد في تنقص الأنبياء والصالحين

- ‌فصل في رد فرية الملحد على كتاب (كشف الشبهات)

- ‌فصل في كيد الدولة التركية المصرية ورد الله له

- ‌فصل في مسألة زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل في بيان أن دعوة الشيخ ليس فيها من مقالات الخوارج شيء

- ‌فصل في ذكر بعض مفتريات الملحد

- ‌فصل في الدولة السعودية القائمة الآن

- ‌فصل في كيد الدولة العثمانية

- ‌فصل في فرية الملحد أن الشيخ يريد النبوة

- ‌فصل في بيان جهمية الملحد وسنية الشيخ

- ‌فصل في مدح الملحد للعقل وذمه لأهل السنة

- ‌فصل في مفتريات الملحد، وردها

- ‌فصل في زعم الملحد أن إثبات الصفات تجسيم

- ‌فصل في بيان كلام الملحد في الجسم، وزيغه

- ‌فصل في إثبا الصفات وأنه لا يقتضي التجسيم

- ‌فصل في الإشارة إلى السماء، وإنكار الملحد ذلك

- ‌فصل في إنكار الملحد للنزول

- ‌فصل في تأويل الملحد للإشارة والمعراج

- ‌فصل في تأليه الملحد للعقل، وزعمه أن النقل يؤدي إلى الضلال

- ‌فصل في زعم الملحد تقديم العقل لأنه الأصل

- ‌فصل في فرية الملحد عليهم بنفي الإجماع

- ‌فصل في فرية الملحد عليهم بإنكارهم القياس

- ‌فصل في فرية الملحد بتكفير المقلدين

- ‌فصل في حكم أهل الأهواء

- ‌فصل في تناقض العراقي وكلامه في الجهمية

- ‌فصل في حكم التوسل والإستغاثة والزيارة والشرك

- ‌فصل في بيان جهل الملحد بمعنى العبادة

- ‌فصل في أنواع الشرك، وجهل الملحد بها

- ‌فصل في بيان سبب شرك الجاهلية

- ‌فصل في بيان أن الإستغاثة من الدعاء

- ‌فصل في التوسل

- ‌فصل في الإستغاثة الشركية

- ‌فصل في الإستغاثة بالأنبياء

- ‌فصل في آية: {وأبتغوا إليه الوسيلة}

- ‌فصل في آية: {أيهم أقرب}

- ‌فصل في آية: {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك}

- ‌فصل في آية: {فاستغاثه الذي من شيعته}

- ‌فصل في آية: {لا يملكون الشفاعة}

- ‌فصل في حديث: "أسألك بحق السائلين

- ‌فصل في حديث: "أغفر لأمي فاطمة بحق نبيك

- ‌فصل في حديث الضرير

- ‌فصل في المنام والإستسقاء

- ‌فصل في إستسقاء عمر بالعباس

- ‌فصل في الفرق بين الحي والميت في التوسل

- ‌فصل في حقيقة غلو الناس في الصالحين وغيرهم

- ‌فصل في الإستغاثة وقصة هاجر

- ‌فصل الإستغاثة وشفاعة القيامة

- ‌فصل في حديث: "يا عباد الله احبسوا

- ‌فصل في بيان شرك من يدعو غائبا في حاجاته

- ‌فصل في دلالة ظاهر نداء المشرك غير الله

- ‌فصل في عقيدة أهل السنة في الصفات

- ‌فصل في زيارة القبور الشركية، والشفاعة

- ‌فصل في عبادة القبور

- ‌فصل في شد الرحال إلى القبور

- ‌فصل في مزاعم للملحد، وردها

- ‌فصل في النذر لغير الله

- ‌فصل في بيان الركوب إلى النصارى واتخاذهم أولياء

الفصل: ‌فصل في نقض تعيير الملحد بسكنى بلاد مسيلمة

‌فصل في نقض تعيير الملحد بسكنى بلاد مسيلمة

فصل

وأما تعييره أهل الإسلام بأن بلادهم بلاد مسيلمة الكذاب.

فالجواب أن نقول: سبحان الله، ما أعظم شأنه، وأعز سلطانه، فإنه لا يعير بهذا الكلام إلا أشباه الأنعام، فإن سكنى الدار لا تؤثر، فإن الصحابة سكنوا مصر وبلاد الفرس وفضلهم لا يزال في مزيد، وإيمانهم قهر أهل الشرك والتنديد، وعادت تلك البقاع والأماكن من أفضل مساكن أهل التوحيد.

وقد روى الطبراني من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "دخل إبليس العراق فقضى فيها حاجته، ثم دخل الشام فطردوه، ثم دخل مصر فباض فيها وفرخ وبسط عليها عبقريه" 1، ولا يقول مسلم بذم علماء العراق لما ورد فيها.

1 أخرجه أبو الفتح الأزدي –كما في تنزيه الشريعة – 2/50، ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات 2/58 عن أحمد بن عبد الرحمن ابن أخي ابن وهب قال: حدثنا عمي عبد الله قال أخبرني يحيى بن أيوب وابن لهيعة عن عقيل ابن شهاب عن يعقوب بن عتبة بن الأخنس عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال

فذكر الحديث.

وأحمد بن عبد الرحمن فيه ضعف، بل قد تعقب الذهبي الحاكم عندما صحح حديثاً من طريقه فقال: أحمد منكر الحديث وهو ممن نقم على مسلم إخراجه في الصحيح (المستدرك3/97) اهـ.

قلت: وقد تابعه حرملة بن يحيى عن ابن وهب –كما عند الطبراني في الكبير 12/340 وابن عساكر- كما في تنزيه الشريعة لابن عراق- 2/51، وحرملة صدوق من أعلم الناس بابن وهب كما قال الدوري وابن يونس والعقيلي. انظر التهذيب 2/230.

ويحيى بن أيوب هو الغافقي قال الحافظ ابن حجر في التقريب: صدوق ربما أخطأ اهـ. وهذا أعدل الأقوال فيه وأما قرينه ابن لهيعة فالكلام فيه مشهور ورواية ابن وهب عنه أجود من غيرها، لا سيما وقد توبع.

ص: 44

وقال شيخنا الشيخ عبد اللطيف رحمه الله تعالى: وقد قال لي بعض الأزهريين: مسيلمة الكذاب من خير نجدكم. فقلت: وفرعون اللعين رئيس مصركم. فبهت، وأين كفر فرعون من كفر مسيلمة لو كانوا يعلمون.

وقال الشيخ ملا عمران بن علي بن رضوان نزيل لنجة، في رده على من عارض الشيخ محمد، وعيره بأن بلاده بلاد مسيلمة الكذاب. قال بعد كلام سبق:

ص: 45

قد عيروه بأنه قد كان في

وادي حنيفة دار من لم يسعد

قلنا لهم ما ضر مصر بأنها

كانت لفرعون الشقي الأطرد

إن النماردة الفراعنة الأولى

كانوا بأرض الله أهل تمرد

ذا قال أنا رب وذا متنبئ

هم في بلاد الله أهل تردد

يمناً وشاماً والعراق ومصرها

من كل طاغ في البرية مفسد

فبموتهم طابت وطار غبارها

وزهت بتوحيد الإله المفرد

إن المواطن لا تشرف ساكناً

فيها ولا تهديه إن لم يهتد

من كان لله الكريم موحداً

لو مات في جوف الكنيف المطرد

وبعكسه من كان يشرك فهو لم

يفلح ولو قد مات وسط المسجد

خرج النبي المصطفى من مكة

وبقى أبو جهل الذي لم يهتد

إن الأماكن لا تقدس أهلها

إن لم يكونوا قائمين على الهَدِي

ص: 46

وأما كونه أجبر أهلها –يعني أهل الدرعية، فمن الكذب والبهتان، بل دخلوا في دين الله أفواجاً، واستجابوا لمن دعاهم إلى الله، وأدخلوا سائر أهل نجد ممن لم يقبل دين الله ورسوله في دين الله قهراً وقسراً، وجاهدوهم حتى تبين لهم صحة هذا الدين، وذاقوا حلاوته واطمأنوا به، وجاهدوا مع الأمير "محمد بن سعود" من لم يدخل فيه، حتى استوسقت له جزيرة العرب ودانت، ثم إن الذين أنكروا هذه الدعوة من الدول الكبار والشيوخ وأتباعهم من أهل القرى والأمصار، أجلبوا على عداوة أهل الإسلام، وهم إذ ذاك في عدد قليل، وفي حال تخلف الأسباب عنهم وفقرهم، فرموهم عن قوس العداوة:-

فمن أهل نجد دهام بن دوس، وابن زامل، وآل بجاد أهل الخرج، ومحمد بن راشد راعي الحوطة، وتركي الهزاني وزيد ومن والاهم من الأعراب والبوادي، كذلك العنقري في الوشم ومن تبعه، وشيوخ قرى سدير والقصيم، وبوادي نجد، وابن حميد ملك الأحساء ومن تبعه من حاضر وبادي، وكلهم تجمعوا لحرب المسلمين مراراً عديدة مع عريعر وأولاده، منها نزولهم على الدرعية وهي شعاب لا يمكن تحصينها بالأبواب والبنا، وقد أشار إلى ذلك العلامة حسين بن غنام رحمه الله تعالى بقوله:

ص: 47

وجاءوا بأسباب من الكيد مزعج

مدافعهم يزجي الوحوش رنينها

فنزلوا البلاد، واجتمع من اجتمع من أهل نجد حتى قال من يدّعي أنه من العلماء –وهو من أمثل علمائهم وعقلائهم- لما سئل: كيف أشكل عليكم أمر عريعر، وفساده وظلمه، وأنتم تعينونه وتقاتلون معه؟ فقال: لو أن الذي حاربكم إبليس كنا معه.

والمقصود أن الله تعالى ردهم بغيظهم لم ينالوا خيراً، وحمى الله تلك القرية فلم يشربوا من آبارها.

وأما وزير العراق فمشى مراراً عديدة بما يقدر عليه من الجنود والكيد الشديد، وأجرى الله تعالى عليهم من الذل ما لا يخطر ببال، قبل أن يقع بهم ما وقع، من ذلك أن ثويني في مرة من المرار مشى بجنوده إلى الإحساء، بعدما دخل أهلها في الإسلام في حال حداثتهم بالشرك والضلال، فلما قرب من تلك البلاد أتاه رجل مسكين لا يعرف –من غير ممالات لأحد من المسلمين- فقتله فمات، فنصر الله هذا الدين برجل لا يعرف، وذلك مما به يعتبر، فانقلبت تلك الجنود، وتركوا ما معهم من المواشي والأموال خوفاً من المسلمين، ورعباً، فغنمها من حضر، وقد قال الشيخ حسين بن غنام في ذلك:

ص: 48

تقاسمتم الأحساء قبل منالها

فللروم شطر والبوادي لهم شطر

في أبيات كثيرة.

ثم جددوا أسباباً لحرب المسلمين وساروا بدول عظيمة يتبع بعضها بعضاً وكيد عظيم، فنزلوا الأحساء، وقائدهم علي كيخيا، فتحصن من ثبت على دينه في الكوت وثغر صاهود، فنزل بهم، وصار يضربهم بالمدافع والقنابل، وحفر اللغوب، فأعجزه الله ومن معه ممن ارتد عن الإسلام، فولى مدبراً بجنوده، فاجتمع بسعود بن عبد العزيز في "ثاج" وعزوه الذي معه رحمه الله، والذين معه من المسلمين أقل من المنتفق أو آل ظفير الذين مع الكيخيا، فألقى الله الرعب في قلوبهم على كثرتهم وقوتهم، فصارت عبرة عظيمة، فطلبوا الصلح على أن يدعهم سعود يرجعون إلى بلادهم، فأعطاهم أماناً على الرجوع، فذهبوا في ذل عظيم، فلما قدم كل منهم مكانه مات سليمان باشا، وذلك من نصر الله لهذا لدين، فأهلك الله من أنشأ هذه الدول، ثم قام علي كيخيا فصار هو الباشا، فأخذ يجدد آلة الحرب، فجمع من الكيد والأسباب أعظم مما كان معه في تلك الكرة، فلما كملت أسبابه وجمع الجموع، فلم يبق إلا خروجه لحرب المسلمين لينتقم من أهل هذا الدين، سلط الله صبيين

ص: 49

مملوكين عنده يبيتون معه، فقتلوه آخر الليل، فخمدت تلك النيران، وتفرقت تلك الأعوان، فما قام لهم قائمة، فيا لها عبرة1 ما أظهرها لمن له أدنى بصيرة، فاعتبروا يا أولي الأبصار، أين ذهب عقل من أنكر هذا الدين وجادل وكابر في دفع الأدلة على التوحيد ومَاحَل.

وكذلك ما جرى في حرب أشراف مكة لهذه الدعوة الإسلامية، والطريقة المحمدية، وذلك أنهم من أول من بدأ المسلمين بالعداوة، فحبسوا حاجّهم فمات في الحبس منهم عدد كثير، ومنعوا المسلمين من الحج أكثر من ستين سنة، وفي أثناء هذه المدة سار إليهم الشريف غالب بعسكر كثيف، وكيف عنيف، وقدم أخاه عبد العزيز قبله في الخروج، فنزل قصر بسام، فأقام مدة يضرب بالمدافع والقنابل، وجر2 عليه الزحافات، فأبطل الله كيده على هذا القصر الضعيف بناؤه، القليل رجاله، فرحل منه ووافى غالباً ومعه أكثر الجنود، ومعه من الكيد مثل ما كان مع أخيه أو يزيد، فنزلوا جميعاً "الشعراء" فجد في حربهم بكل كيد، فأعجزه الله تعالى عن ذلك البناء الضعيف الذي لم يتأهب أهله لحرب بالبناء والسلاح، فأبطل الله كيده،

1 في الأصل: "عبراً".

2 في الأصل: "وجز".

ص: 50

ورده عنهم بعد الإياس، فسلط الله المسلمين على من كان معه من الأعراب خصوصاً مطير فأوقع الله بهم في العداوة، ومعهم "مطلق الجربا" فهزمهم الله تعالى، وغنم المسلمون جميع ما كان معهم من الإبل والخيل وسائر المواشي، فصار ما ذكرناه من نصر الله وتأييده لأهل هذا الدين عبرة عظيمة، وفي جملة قتلاهم "حصان إبليس".

وبعدما ذكرناه جد غالب في الحرب واجتهد، لكن صار حربه للأعراب، ولم يتعد النير، فيغزو على من استضعفه ويغير، فأعطى الله أعراب المسلمين الظفر عليه في عدة وقعات، من أعظمها وقعة "الخرمة" على يد "ربيع" وغزوه من أهل البوادي وبعض قحطان فهزمه الله تعالى، واشتد القتل في عسكره فأخذوا جميع ما كان معه من المواشي وغيرها، فصار بعد ذلك في ذل وهوان، ففتح الله الطائف للمسلمين، وصار أميره "عثمان بن عبد الرحمن" فاجتمع فيه دولة للمسلمين، وساروا لحرب الشريف ومعهم "عبد الوهاب أبو نقطة" أمير عسير، و "سالم بن شكبان" أمير أهل بيشة، فنزلوا دون الحرم، فخرج إليهم عسكر من مكة فقتلوه، فطلب الشريف المذكور منهم الأمان فلم يقبلوا منه إلا الدخول في الإسلام، والبيعة للإمام "سعود" فأعطاهم البيعة على يد رجال بعثوهم إليه، هذا بعد وقعات تركنا ذكرها كراهة

ص: 51

الإطالة، لأن القصد بهذا الوضع الاعتبار بما جرى لأهل هذه الدعوة من النصر والتأييد، والظهور على قلة أسبابهم، وكثرة عدوهم وقوته، وذلك من آيات الله وبيناته.

على أن ما قام به هذا الشيخ في حال فساد الزمان والدين الذي بعث الله به المرسلين، وتبين أن هذه الطائفة في هذه الأزمنة هي الطائفة المذكورة في قوله صلى الله عليه وسلم:"ولا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك"1.

وقد كانت هذه الطائفة قبل ظهور الشيخ فيما تقدم موجودة في الشام والعراق ومصر وغيرها بوجود أهل

1 أخرجه البخاري في صحيحه –كتاب العلم- 1/164 وفي الخمس 6/217 وفي المناقب 6/632 وفي الاعتصام 13/293 وفي التوحيد 13/442، ومسلم في صحيحه –كتاب الإمارة – 3/1524 عن معاوية رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "

ولا تزال عصابة من المسلمين يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناوأهم إلى يوم القيامة".

وفي لفظ لهما: "لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس".

وأخرجاه من حديث المغيرة بن شعبة: "لن يزال قوم من أمتي ظاهرين على الناس حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون".

وأخرجه مسلم من حديث ثوبان وجابر بن سمرة وجابر بن عبد الله وعقبة بن عامر وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم.

ص: 52

السنة، وأهل الحديث في القرون المفضلة وبعدها، فلما اشتدت غربة الإسلام، وقل أهل السنة، واشتد النكير عليهم، وسعى أهل البدع في إيصال المكر إليهم، منّ الله بهذه الدعوة، فقامت بها الحجة، واستبانب المحجة.

والمقصود أن كل من ذكرنا ممن عاداهم من أهل نجد والإحساء وغيرهم من البوادي أهلكهم الله، ولحقتهم العقوبة حتى في الذراري والأموال، فصارت أموالهم فيئاً لأهل الإسلام، وانتشر ملكهم، وصار كل من بقي في أماكنهم سامعاً مطيعاً لإمام المسلمين القائم بهذا الدين، فانتشر ملك أهل الإسلام حتى وصل إلى حدود الشام، مع الحجاز وتهامة وعمان، فصاروا بحمد الله في أمن وأمان، يخافهم كل مبطل وشيطان، ففي هذا معتبر لأهل الاعتبار، مع ما وقع بمن حاربهم من الخراب والدمار، واستيلاء المسلمين على ما كان لهم من العقار والديار، فلا يرتاب في هذا الدين بعد هذا البيان إلا من عميت بصيرته، وفسدت علانيته وسريرته، انتهى من المقامات التي ألفها الشيخ الإمام عبد الرحمن بن حسن مفتي الديار النجدية رحمه الله تعالى.

وأما قوله: (أما ولادته فقد كانت سنة ألف ومائة وإحدى عشرة سنة) .

ص: 53

فقد قدمنا أنه ولد رحمه الله سنة 11151 خمس عشرة بعد المائة والألف من الهجرة النبوية. هذا هو الصحيح2.

وأما قوله: (وكان في ابتداء أمره من طلبة العلم، يتردد إلى مكة والمدينة لأخذه عن علمائها، وممن أخذ عنه في المدينة الشيخ محمد بن سليمان الكردي، والشيخ محمد حياة السندي) .

فأقول:

قد تقدم بيان رحلته وطلبه للعلم، وعمن أخذ عنه من العلماء في المدينة المنورة، ومكة المشرفة، والبصرة، والأحساء، وعن علماء نجد بما أغنى عن إعادته.

وأما قوله: (وكان الشيخان المذكوران وغيرهما من المشايخ الذي أخذ عنهم يتفرسون فيه الغواية والإلحاد، ويقولون: سيضل الله تعالى هذا، ويضل به من أشقاه) إلى آخر ما اخترعه هذا العراقي الملحد وافتراه.

1 كتابة العدد رقماً ليس في الأصل.

2 في ط الرياض: "الصيح".

ص: 54

فالجواب: أن هذا النقل كذب وافتراء، من غير شك ولا امتراء، ثم لو فرضنا صحة هذا النقل لم يكن هذا القول عمن لا ينطق عن الهوى، بل لا يعجز الخصم الذي لا يخاف الله ولا يتقيه عن أكثر من هذا القول وأوخم، وأفحش منه وأعظم، وقد قدمنا من حال الشيخ ودعوته إلى الله، وحسن سيرته ما يعتبر به من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

فيا لك من آيات حق لو اقتدى

بهن مريد الحق كن هواديا

ولكن على تلك القلوب غشاوة

فليست وإن أصغت تجبي المناديا

وأما قوله: (وكذلك كان أبوه عبد الوهاب وهو من العلماء الصالحين يتفرس في الإلحاد، ويحذر الناس منه) إلخ.

فالجواب أن نقول: وهذا أيضاً من الكذب والبهتان، والزور والعدوان، بل كان والده يعظمه، ويعترف بالاستفادة منه، ولم ينقل عن والده هذا النقل من يعتد بنقله، وإنما يرميه بمثل هذا البهت، وينسبه إليه من جعل زوره وقدحه في أهل العلم والإيمان جسراً يتوصل منه، ويعبر إلى ما

ص: 55

انطوى عليه، وزينه له الشيطان من عبادة الصالحين والتوسل بهم، وعدم الدخول تحت أمر أولي العلم، وترك القبول منهم، والاستغناء بما نشأ عليه أهل الضلال واعتادوه من العقائد الضالة، والمذاهب الجائرة.

وأما نسبة ذلك إلى أخيه سليمان، فلا مانع من ذلك لولا وجوب رد خبر هذا الفاسق وعدم قبوله إلا بعد التبين، ثم لو فرضت صحته فمن سليمان وما سليمان؟ وهذه دلائل السنة والقرآن تدفع في صدره، وتدرأ في نحره، وقد اشتهر ضلاله ومخالفته لأخيه مع جهله، وعدم إدراكه لشيء من فنون العلم.

قال شيخنا الشيخ عبد اللطيف رحمه الله: وقد رأيت له رسالة يعترض على الشيخ، وتأملتها فإذا هي رسالة جاهل بالعلم والصناعة، مزجى التحصيل والبضاعة، لا يدري ما طحاها، ولا يحسن الاستدلال بذلك على من فطرها وسواها.

هذا، وقد من الله وقت تسويد هذا بالوقوف على رسالة لسليمان، فيها البشارة برجوعه عن مذهبه الأول، وأنه قد استبان له التوحيد والإيمان، وندم على ما فرط من الضلال والطغيان، وهذا نصها:

ص: 56

بسم الله الرحمن الرحيم

من سليمان بن عبد الوهاب إلى الإخوان أحمد1 بن محمد التويجري، وأحمد ومحمد ابنا عثمان بن شبانة، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: فأحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، وأذكركم ما من الله به علينا وعليكم من معرفة دينه ومعرفة ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده، وبصرنا به من العمى وأنقذنا به من الضلالة.

وأذكركم بعد أن جئتونا في الدرعية من معرفتكم الحق على وجهه، وابتهاجكم به، وثنائكم على الله الذي أنقذكم، وهذا دأبكم في سائر مجالسكم عندنا، وكل من جاءنا بحمد الله يثني عليكم، والحمد لله على ذلك.

وكتبت لكم بعد ذلك كتابين غير هذا أذكركم وأعظكم، ولكن يا إخواني معلومكم ما جرى منا من مخالفة الحق، واتباعنا سبيل الشيطان، ومجاهدتنا في الصد عن اتباع سبل الهدى، والآن معلومكم لم يبق من أعمارنا إلا اليسير، والأيام معدودة، والأنفاس محسوبة، والمأمول بنا أن نقوم لله، ونفعل مع الهدى أكثر مما فعلنا مع الضلال، وأن يكون ذلك لله وحده لا شريك له، لا لما سواه، لعل الله يمحو عنا سيئات ما مضى، وسيئات ما بقى.

1 وقع في كتاب "مصباح الظلام" للشيخ عبد اللطيف: "حمد" وهو خطأ.

ص: 57

ومعلومكم عظم الجهاد في سبيل الله، وما يكفر من الذنوب، وأن الجهاد باليد واللسان والقلب والمال، وتفهمون أجر من هدى الله به رجلاً واحداً، والمطلوب منكم أكثر مما تفعلون الآن، وأن تقوموا لله قيام صدق، وأن تبينوا للناس الحق على وجهه، وأن تصرحوا لهم تصريحاً بيناً بما أنتم عليه أولاً من الغي والضلال، فيا إخواني: الله الله فالأمر أعظم من ذلك، فلو خرجنا نجأر إلى الله في الفلوات، وعدنا الناس من السفهاء والمجانين في ذلك، لما كان ذلك بكثير منا، وأنتم رؤساء الدين والدنيا في مكانكم أعز من الشيوخ، والعوام كلهم تبع لكم، فاحمدوا الله على ذلك، ولا تعلثوا1 بشيء من الموانع.

وتفهمون أن الآمر بالمعروف، والناهي عن المنكر لا بد أن يرى ما يكره، ولكن أرشدكم في ذلك إلى الصبر، كما حُكي عن العبد الصالح في وصيته لابنه2، فلا أحق من أن تحبوا لله وتبغضوا لله وتوالوا لله وتعادوا لله، وترى يعرض في هذا أمور شيطانية، وهي أن من الناس من ينتسب لهذا الدين، وربما يلقي الشيطان لكم أن هذا ما هو بصادق، وأن له ملحظ دنيوي، وهذا أمر ما يطلع عليه

1 وقع في كتاب مصباح الظلام: "تعتلوا".

2 يعني وصية لقمان لابنه وهو يعظه قال فيها: {وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [لقمان: 17] .

ص: 58

إلا الله فإذا أظهر أحد الخير فاقبوا منه ووالوه، فإذا ظهر من أحد شر وأدبار عن الدين فعادوه واكرهوه ولو أحب حبيب.

وجامع الأمر في هذا أن الله خلقنا لعبادته وحده لا شريك له، ومن رحمته بعث لنا رسولاً يأمرنا بما خلقنا له، ويبين لنا طريقه، وأعظم ما نهانا عنه الشرك بالله، وعداوة أهله وبغضهم، وتبيين الحق، وتبيين الباطل، فمن التزم ما جاء به الرسول فهو أخوك ولو أبغض بغيض، ومن نكب عن الصراط المستقيم فهو عدوك ولو هو ولدك أو أخوك، وهذا شيء أذكركموه مع أني بحمد الله (أعلم أنكم) 1 تعلمون ما ذكرت لكم، ومع هذا فلا عذر لكم عن التبيين الكامل الذي لم يبق معه لبس، وأن تذاكروا دائماً في مجالسكم ما جرى منا ومنكم أولاً، وأن تقوموا مع الحق أكثر من قيامكم مع الباطل، فلا أحق من ذلك، ولا لكم عذر، لأن اليوم الدين والدنيا، ولله الحمد مجتمعة في ذلك فتذاكروا ما أنتم فيه أولاً من أمور الدنيا من الخوف والأذى، واعتلاء الظلمة والفسقة عليكم، ثم رفع الله ذلك كله بالدين، وجعلكم السادة والقادة، ثم أيضا ما منّ الله

1 ما بين قوسين سقط من الأصل وط الرياض والمنار، والمثبت من مصباح الظلام ص 107 ط دار الهداية.

ص: 59

به عليكم من الدين، انظروا إلى مسألة واحدة: فمما نحن فيه من الجهالة كون البدوي تجري عليه أحكام الإسلام مع معرفتنا أن الصحابة قاتلوا أهل الردة وأكثرهم متكلمين بالإسلام، ومنهم من أتى بأركانه، ومع معرفتنا أنه من كذب بحرف من القرآن كفر ولو كان عابداً، وأن من استهزأ بالدين أو بشيء منه فهو كافر، وأن من جحد حكماً مجمعاً عليه فهو كافر إلى غير ذلك من الأحكام المكفرات، وهذا كله مجتمع في البدوي وأزْيد، ونجري عليه أحكام الإسلام اتباعاً لتقليد من قبلنا بلا برهان. فيا إخواني تأملوا وتذكروا في هذا الأصل يدلكم على ما هو أكبر من ذلك، وأنا أكثرت عليكم الكلام، لوثوقي بكم أنكم ما تشكون في شيء فيما تحاذرون، ونصيحتي لكم ولنفسي، والعمدة في هذا أن يصير دأبكم في الليل والنهار أن تجأروا إلى الله تعالى أن يعيذكم من شرور أنفسكم، وسيئات أعمالكم، وأن يهديكم إلى الصراط المستقيم الذي عليه رسله وأنبياؤه، وعباده الصالحون، وأن يعيذكم من مضلات الفتن، والحق واضح وأبلولج، وماذا بعد الحق إلا الضلال، فالله الله ترى الناس اللي1 في جهاتكم تبع لكم في الخير والشر، فإن فعلتوا ما ذكرت

1 في مصباح الظلام: "الذين". وهذه الرسالة كتبت باللهجة العامية الدارجة في بلاد نجد.

ص: 60

لكم ما قدر أحد من الناس يرميكم بشر، وصرتوا1 كالأعلام هداية للحيران، فإن الله سبحانه وتعالى هو المسؤول أن يهدينا وإياكم سبل السلام، والشيخ وعياله وعيالنا طيبين ولله الحمد، ويسلمون عليكم، وسلموا لنا على من يعز عليكم والسلام، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه، اللهم اغفر لكاتبها ولوالديه ولذريته، ولمن نظر فيه ودعا له بالمغفرة والمسلمين والمسلمات أجمعين اهـ.

وأما تأليفه الرد على أخيه فنعم وذلك في حال ضلالته، ونفوره عن دين الإسلام، فلما هداه الله وتبين له صحة ما دعا إليه الشيخ من توحيد الله وإفراده بالعبادة، وترك عبادة ما سواه تبين له سوء عمله وزيغه وضلاله، فرجع عما كان يعتقده من الضلال والعمى، إلى طريقة أهل الحق والهدى، كما صرح به في رسالته المتقدم ذكرها، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.

1 في مصباح الظلام: "وصرتم".

ص: 61