الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يُحَرِّكُونَ بِهَا كُلَّ مَطَرٍ حَتَّى يَدْخُلَ بَعْضُهُ فِي بَعْضٍ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَلَتْ فَوْقَ الْمَطَرِ رَغْوَةٌ صَفْرَاءُ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ الْقَطَّارَةُ سَوْدَاءَ فَتَرِقُّ بِذَلِكَ وَيَحْسُنُ لَوْنُهَا فَيَظُنُّ الْمُشْتَرِي أَنَّ ذَلِكَ مِنْ صَفَاءِ قَنْدِهَا وَأَنَّهَا قَطَّارَةٌ طَيِّبَةٌ عَلَى وَجْهِهَا وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ
[فَصْلٌ فِي التَّرْنِيق]
فَصْلٌ وَأَمَّا التَّرْنِيقُ فَيَجْعَلُونَ رَدِيئَهُ فِي قَعْرِ الْجِفَانِ وَطَيِّبَهُ فِي أَعْلَاهَا ثُمَّ يَجْعَلُونَهَا فِي الْهَوَاءِ حَتَّى يَيْبَسَ أَعْلَاهَا وَأَسْفَلُهَا طَرِيٌّ رَدِيءٌ فَيَظُنُّ مُشْتَرِيهَا أَنَّهَا كُلَّهَا مِثْلُ أَعْلَاهَا يَابِسٌ نَقِيٌّ
(فَصْلٌ) وَأَمَّا السُّكَّرُ الْعَالِي فَلِبَعْضِهِمْ فِيهِ صِنَاعَةٌ عَجِيبَةٌ عِنْدَ مُحَاوِلَتِهِ وَذَلِكَ أَنَّ قُمْعَ السُّكَّرِ يُرَى ظَاهِرُهُ أَبْيَضَ فَإِذَا أَخَذَهُ الْمُشْتَرِي وَمَضَى بِهِ وَكَسَرَهُ وَجَدَ بَاطِنَهُ أَحْمَرَ؛ لِأَنَّ التَّاجِرَ إذَا أَرَادَ شِرَاءَهُ إنَّمَا يُقَلِّبُ ظَاهِرَهُ فَإِنْ تَسَلَّخَ عِنْدَهُمْ مِنْهُ شَيْءٌ قَبْلَ بَيْعِهِ أَصْلَحُوهُ بِصِنَاعَتِهِمْ الرَّدِيئَةِ فَمَنْ رَآهُ يَظُنُّهُ أَنَّهُ صَحِيحٌ مِنْ أَصْلِهِ فَإِذَا بَقِيَ قَلِيلًا خِيفَ عَلَيْهِ سِيَّمَا عِنْدَ رُكُوبِ الْبَحْرِ وَطُولِ السَّفَرِ وَكَثْرَةِ الشَّيْلِ وَالْحَطِّ
[فَصْلٌ قَطْرُ النَّبَاتِ]
فَصْلٌ وَأَمَّا قَطْرُ النَّبَاتِ فَلِبَعْضِهِمْ فِيهِ أَيْضًا غِشٌّ آخَرُ وَذَلِكَ أَنَّ الطَّرِيَّ مِنْهُ هُوَ الْمَرْغُوبُ فِيهِ بِخِلَافِ قَدِيمِهِ فَإِنَّهُ مَرْغُوبٌ عَنْهُ فَيَأْتِي الْمُشْتَرِي فَيَجِدُهُ فِي قُدُورِهِ فَيَرْغَبُ فِي شِرَائِهِ فَإِذَا أَخَذَهُ مِنْهُمْ عَوَّضُوهُ عَنْهُ بِالْقَدِيمِ حَتَّى يَأْتِيَ الْمُشْتَرِي الْآخَرُ فَيَجِدُهُ فِي الْقَدْرِ فَيَرْغَبُ فِيهِ فَيَشْتَرِيه مِنْهُمْ عَلَى أَنَّهُ طَرِيٌّ وَهُوَ قَدِيمٌ، ثُمَّ كَذَلِكَ ثُمَّ كَذَلِكَ حَتَّى يَفْرُغَ مَا عِنْدَهُمْ مِنْ الْقَدِيمِ وَهَذَا غِشٌّ وَتَدْلِيسٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِي ذَلِكَ بَلْ لَوْ طَالَ مُكْثُهُ فِي قُدُورِهِ خَالِصًا لَتَعَيَّنَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُبَيِّنُوا عِنْدَ بَيْعِهِ أَنَّهُ قَدْ صَارَ قَدِيمًا؛ لِأَنَّ الطَّرِيَّ مِنْهُ لَيْسَ كَالْقَدِيمِ
(فَصْلٌ) وَأَمَّا السُّكَّرُ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ ظَاهِرُ أَسْفَلِ الْقِمْعِ أَحْمَرَ يَأْخُذُ بَعْضُهُمْ شَيْئًا مِنْ السُّكَّرِ الْأَبْيَضِ فَيَحُكُّ بِهِ ظَاهِرَ السُّكَّرِ الْأَحْمَرِ بِصَنْعَةٍ لَهُمْ فِيهِ
فَيَرْجِعُ كَأَنَّهُ أَبْيَضُ فَيَظُنُّ الْمُشْتَرِي أَنَّ بَاطِنَهُ مِثْلُ ظَاهِرِهِ.
وَهَذِهِ نُبَذٌ مِمَّا يَغُشُّ بِهِ بَعْضُهُمْ وَمَا وَقَعَ التَّنْبِيهُ بِهِ يُغْنِي عَنْ تَتَبُّعِ الْمَسَائِلِ الْبَاقِيَةِ، وَالْأَمْرُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ سَهْلٌ يَسِيرٌ عَلَى مَنْ أَرَادَ خَلَاصَ ذِمَّتِهِ وَبَرَاءَتَهَا مِنْ التَّبِعَاتِ وَوُقُوعَ الْبَرَكَةِ لَهُ حَالًا وَمَآلًا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَزِيدُ عَلَى نَفْسِهِ شَيْئًا يَسِيرًا فِي أُجْرَةِ الصُّنَّاعِ وَالْمُؤَنِ كَشِرَاءِ الْأَوْعِيَةِ الَّتِي يُغَطِّي بِهَا وَزِيَادَةِ ثَمَنِ الْمَاءِ الَّذِي يَغْسِلُونَ بِهِ مَا يَنُوبُهُمْ وَإِجَارَةِ مَنْ يَقُومُ بِتَغْطِيَةِ الْأَوْعِيَةِ وَصِيَانَتِهَا وَإِجَارَةِ أَمِينٍ يَلْحَظُ بِنَظَرِهِ الصُّنَّاعَ فَيَأْمُرُهُمْ بِغَسْلِ أَقْدَامِهِمْ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُنَبَّهَ عَلَى مِثْلِ هَذَا؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ وَاجِبٌ وَالْوَاجِبُ قَلَّ أَنْ يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ؛ لِأَنَّ الْمُكَلَّفَ أَهَمُّ أُمُورِهِ عَلَيْهِ مَا كَانَ مِنْ الْفَرَائِضِ وَهَذَا فَرْضٌ فَأَشْبَهَ ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ قَبْلُ فِي أُمُورِ الْوَرَّاقَةِ مِنْ أَنَّ صَاحِبَهَا يَشْتَرِطُ عَلَى الصُّنَّاعِ فِعْلَ الصَّلَاةِ الْوَاجِبَةِ وَإِنْ كَانَتْ فَرْضَ عَيْنٍ عَلَى جَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ لَكِنْ لَمَّا أَنْ اعْتَادَ بَعْضُ مَنْ لَا خَيْرَ فِيهِ تَرْكَهَا اُحْتِيجَ إلَى اشْتِرَاطِ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَكَذَلِكَ فِيمَا نَحْنُ بِسَبِيلِهِ مِنْ أَمْرِ الْمَطَابِخِ، وَلَوْ كَانَ الصَّانِعُ يَتَحَفَّظُ عَلَى دِينِهِ وَمُسْتَأْجِرُهُ يَطْلُبُ مِنْهُ دَوَامَ الْعَمَلِ وَيَشِحُّ عَلَيْهِ بِإِيقَاعِ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا فَهُوَ آثِمٌ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا يَدْخُلُ إيقَاعُهَا بِشُرُوطِهَا فِي الْإِجَارَةِ، وَلَوْ شُرِطَ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَثْنًى فِي الشَّرْعِ الشَّرِيفِ وَيَجِبُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يُعْطِيَهُ الْأُجْرَةَ كَامِلَةً وَيَحْرُمُ عَلَى الصَّانِعِ أَنْ يُطِيعَهُ فِي تَرْكِ الصَّلَاةِ وَالْجُمُعَةِ وَصَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَلَا يَعْمَلُ عِنْدَ مَنْ هَذَا حَالُهُ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِجْرَانِهِ فَكَيْفَ يَعْمَلُ عِنْدَهُ وَفِي نَفْسِ الْعَمَلِ عِنْدَهُ إعَانَةٌ لَهُ.
(فَصْلٌ) وَلَا حُجَّةَ لِمَنْ يَدَّعِي مِنْ أَصْحَابِ الْمَطَابِخِ أَنَّ مَا ذُكِرَ قَبْلُ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِمْ لِكَثْرَةِ الْأَوْعِيَةِ لِاحْتِيَاجِهِمْ إلَى ثَمَنِ الْأَغْطِيَةِ وَلِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى الصُّنَّاعِ أَنَّهُمْ لَا يَسْمَعُونَ مَا يُقَالُ لَهُمْ مِمَّا يُؤْمَرُونَ بِهِ أَوْ يُنْهَوْنَ عَنْهُ؛ لِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ رَاجِعٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ زِيَادَةٍ يَسِيرَةٍ فَيَحْصُلُ لَهُ بِذَلِكَ خَلَاصُ ذِمَّتِهِ وَالثَّوَابُ الْجَزِيلُ وَالْخَيْرُ الْمُتَعَدِّي فِيمَا هُوَ بِسَبِيلِهِ بِسَبَبِ نُصْحِهِ لِلْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ مَرْضَاهُمْ يَحْتَاجُونَ لِلْغِذَاءِ
بِالسُّكَّرِ وَالْأَشْرِبَةِ فَكُلُّ مَرِيضٍ تَنَاوَلَ شَيْئًا مِنْ سُكَّرِهِ أَوْ مِنْ الشَّرَابِ الَّذِي عَمِلَهُ بِهِ لَهُ فِيهِ الثَّوَابُ الْجَزِيلُ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ اسْتَعْمَلَهُ مِنْ الْأَصِحَّاءِ لِضَرُورَةٍ أَوْ غَيْرِهَا هَذَا لَوْ كَانَ فِي زَمَانِ كُلِّ مَنْ يُبَاشِرُ مَا ذُكِرَ يَتَحَفَّظُ فِيهِ وَيَفْعَلُ الْأَمْرَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ وَأَمَّا الْيَوْمُ فَقَدْ عَزَّ وُجُودُ هَذَا فَمَنْ فَعَلَهُ كَانَ مَشْهُودًا لَهُ بِالْجَنَّةِ؛ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «مَنْ أَحْيَا سُنَّةً مِنْ سُنَّتِي قَدْ أُمِيتَتْ فَكَأَنَّمَا أَحْيَانِي وَمَنْ أَحْيَانِي كَانَ مَعِي فِي الْجَنَّةِ» فَقَدْ شَهِدَ لَهُ عليه الصلاة والسلام بِالْمَعِيَّةِ مَعَهُ فِي الْجَنَّةِ هَذَا وَهُوَ إنَّمَا أَحْيَا سُنَّةً وَاحِدَةً فَمَا بَالُك بِمَنْ أَحْيَا فَرَائِضَ عَدِيدَةً سِيَّمَا وَنَفْعُهَا مُتَعَدٍّ وَالْخَيْرُ الْمُتَعَدِّي أَفْضَلُ مِنْ الْقَاصِرِ عَلَى الْمَرْءِ نَفْسِهِ مَعَ أَنَّ الْخَيْرَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ لَمْ يُعْدَمْ مِنْ النَّاسِ جُمْلَةً وَاحِدَةً وَإِنْ عُدِمَ فِي قَوْمٍ فَهُوَ مَوْجُودٌ فِي آخَرِينَ وَمَنْ سَأَلَ وَفَحَصَ عَمَّنْ يَشْتَرِي مِنْهُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَجِدَ مَنْ هُوَ مُتَحَفِّظٌ عَلَى دِينِهِ لَكِنْ قَدْ يُعَزُّ وُجُودُهُ فِي بَعْضِ الْأَمْكِنَةِ.
أَلَا تَرَى أَنَّ السُّكَّرَ السَّالِمَ مِنْ كَثِيرٍ مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مَوْجُودٌ وَهُوَ الَّذِي يُعْمَلُ فِي بَعْضِ بِلَادِ الصَّعِيدِ وَيُسَمَّى الْقِفْطِيَّ وَالثَّمَنُ مُتَقَارِبٌ، وَلَوْ غَلَا ثَمَنُهُ لَتَعَيَّنَ شِرَاؤُهُ لِمَنْ يُرِيدُهُ، وَلَوْ فُقِدَ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ لَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّضَ عَنْهُ بِمَا يُعْمَلُ مِنْ عَسَلِ النَّحْلِ بَعْدَ أَنْ تَبْرُدَ حَرَارَتُهُ بِشَيْءٍ حَتَّى يَعْتَدِلَ وَلِأَجْلِ عَدَمِ النَّظَرِ إلَى هَذَا الْمَعْنَى أَعْنِي التَّحَفُّظَ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَالنَّظَرُ فِي خَلَاصِ الذِّمَّةِ قَلَّ أَنْ تَرَى مَنْ يَتَسَبَّبُ فِيمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ إلَّا وَهُوَ يَشْكُو مِنْ عَدَمِ الْفَائِدَةِ أَوْ قِلَّتِهَا أَوْ الْخَسَارَةِ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ أَوْ يُعْدَمُ رَأْسُ الْمَالِ وَيُقَوَّمُ وَدُيُونُ النَّاسِ فِي ذِمَّتِهِ؛ كُلُّ ذَلِكَ بِسَبَبِ عَدَمِ النَّظَرِ فِي أُمُورِ نَفْسِهِ وَفِكَاكِهَا بِنُصْحِ إخْوَانِهِ الْمُسْلِمِينَ فَلَوْ وَقَعَ النُّصْحُ وَزَادَ عَلَى نَفْسِهِ فِي النَّفَقَةِ قَلِيلًا كَمَا تَقَدَّمَ لَجَاءَتْ الْبَرَكَاتُ تَتْرَى وَلَكَثُرَتْ الْخَيْرَاتُ لَدَيْهِ وَهُوَ أَمْرٌ مُشَاهَدٌ مَرْئِيٌّ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} [النساء: 66] فَكُلُّ إنْسَانٍ يَرْجِعُ عَمَلُهُ إلَيْهِ أَوْ عَلَيْهِ نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُرِيَنَا الْحَقَّ حَقًّا وَيَرْزُقَنَا اتِّبَاعَهُ وَيُرِيَنَا