الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِنْ ذَلِكَ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
[فَصْلٌ جَعَلَ الْفُلْفُلَ الَّذِي يُرِيدُونَ بَيْعَهُ فِي مَوْضِعٍ نَدِيٍّ]
(فَصْلٌ)
وَلْيَحْذَرْ مِمَّا يَفْعَلُهُ بَعْضُهُمْ وَهُوَ أَنَّهُمْ يَجْعَلُونَ الْفُلْفُلَ الَّذِي يُرِيدُونَ بَيْعَهُ فِي مَوْضِعٍ نَدِيٍّ لِيَثْقُلَ بِذَلِكَ فِي الْوَزْنِ.
وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ فِي الزَّعْفَرَانِ وَالْحَرِيرِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْبَضَائِعِ الَّتِي تَقْبَلُ النَّدَاوَةَ لِتَزِيدَ فِي الْوَزْنِ وَهَذَا مِنْ الْغِشِّ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ بَلْ لَوْ نَدَّى وَهُوَ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ لَوَجَبَ عَلَيْهِ الْبَيَانُ عِنْدَ بَيْعِهِ وَإِنْ خَفَّ وَرَجَعَ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْيُبْسِ فَمَا بَالُك بِشَيْءٍ يَفْعَلُهُ هُوَ بِهِ، وَهَذَا وَمَا شَابَهَهُ مُذْهِبٌ لِلْبَرَكَةِ مُمْحِقٌ لِلْمَالِ مُدْخِلٌ لِصَاحِبِهِ تَحْتَ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» .
(فَصْلٌ)
وَلْيَحْذَرْ مِمَّا يَفْعَلُهُ بَعْضُهُمْ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا ابْتَلَّ لَهُ شَيْءٌ مِمَّا لَهُ صَمْغٌ كَالْعِلْكِ وَاللِّبَانِ وَمَا أَشْبَهَهُمَا فَيَبْقَى كَالْحِجَارَةِ لِتَصَمُّغِهِ بِالْبَلَلِ فَيَكْسِرُونَهَا وَيَخْلِطُونَ مَعَهَا السَّالِمَ مِنْ الْبَلَلِ وَيَبِيعُونَ ذَلِكَ، وَلَا يُبَيِّنُونَ مَا أَصَابَهُ لِلْمُشْتَرِي وَهَذَا مِنْ بَابِ الْغِشِّ أَيْضًا إذْ إنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ عَلِمَ بِهِ لَمْ يَشْتَرِهِ إلَّا بِنِصْفِ الثَّمَنِ أَوْ نَحْوِهِ فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْبَيَانُ وَتَرْكُهُ غِشٌّ وَهُوَ مِنْ بَابِ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ.
(فَصْلٌ)
وَلْيَحْذَرْ مِمَّا يَفْعَلُهُ بَعْضُهُمْ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا يَبِسَ عِنْدَهُ التَّمْرُ الْهِنْدِيُّ عَجَنَهُ بِالْقُطَارَةِ حَتَّى يَبْقَى كَأَنَّهُ طَرِيٌّ وَهَذَا غِشٌّ لَا شَكَّ فِيهِ وَهُوَ مُلْتَحِقٌ بِمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ.
[فَصْلٌ جَمَعَ مَعَ الْكِرَاءِ مَا يُلْزِمُونَهُ مِنْ الْبَاطِلِ]
(فَصْلٌ)
وَلْيَحْذَرْ مِمَّا يَفْعَلُهُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّهُ إذَا اكْتَرَى عَلَى حَمْلِ مَتَاعِهِ فِي الْمَرْكَبِ أَوْ عَلَى دَابَّةٍ يَفْعَلُ مَعَ ذَلِكَ فِعْلًا لَا يَسُوغُ وَهُوَ أَنَّهُ يَجْمَعُ مَعَ الْكِرَاءِ مَا يُلْزِمُونَهُ مِنْ الْبَاطِلِ فِي طَرِيقِهِ وَذَلِكَ لَا يَنْحَصِرُ فِي الْعَادَةِ؛ لِأَنَّ الظُّلْمَ قَدْ يَقِلُّ وَقَدْ يَكْثُرُ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ لَهُ الْقُدْرَةُ عَلَى أَنْ يَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ وَمَنْ لَيْسَ لَهُ قُدْرَةٌ وَالْجَهَالَةُ هَاهُنَا مَقْطُوعٌ بِهَا وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ.
وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَنْعِ فِي شِرَاءِ التَّوْقِيعِ الَّذِي بِيَدِ غَيْرِهِ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا سَوَاءً بِسَوَاءٍ.
فَصْلٌ)
وَلْيَحْذَرْ مِمَّا يَفْعَلُهُ بَعْضُ التُّجَّارِ الَّذِينَ يَتَّجِرُونَ فِي الْقُمَاشِ الإسكندراني وَذَلِكَ أَنَّهُمْ يَتَّفِقُونَ مَعَ الْبَائِعِ أَنْ يَأْخُذُوا مِنْهُ الْمُقَطَّعَ بِكَذَا، وَكَذَا مِنْ الثَّمَنِ بِالدَّرَاهِمِ الْوَرَقِ ثُمَّ يُعْطُونَهُ الدَّرَاهِمَ النَّقْرَةَ عِوَضًا عَنْهَا فَيَحْسُبُهَا عَلَيْهِ بِزِيَادَةِ دِرْهَمَيْنِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ وَهَذَا غَصْبٌ ثُمَّ يَضُمُّونَ إلَى ذَلِكَ أَنَّهُمْ يُنْقِصُونَ الْقُمَاشَ حِينَ يَقِيسُونَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَاقِصًا فَيَقُولُونَ: نَقَصَ كَذَا وَكَذَا؛ فَيُنْقِصُونَ مِنْ الثَّمَنِ بِسَبَبِ ذَلِكَ وَهَذَا غَصْبٌ ثَانٍ. ثُمَّ يَضُمُّونَ إلَيْهِمَا وَجْهًا ثَالِثًا مِنْ الْمَفَاسِدِ وَهُوَ أَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ مِنْهُ عَلَى كُلِّ مُقَطَّعٍ خَامٍ اشْتَرَوْهُ دِرْهَمَيْنِ عَلَى اسْمِ الْغِلْمَانِ وَهَذَا غَصْبٌ ثَالِثٌ فَلْيَحْذَرْ مِنْهُ.
، وَكَذَلِكَ يَحْذَرُ مِمَّا يَفْعَلُهُ بَعْضُهُمْ وَهُوَ أَنَّهُمْ يَشْتَرُونَ الْقُمَاشَ الْخَامَ الْأَبْيَضَ مِنْ بِلَادٍ مُخْتَلِفَةٍ بِمَا يُشْبِهُ قُمَاشَ الْإِسْكَنْدَرِيَّة ثُمَّ يُقَصِّرُونَهُ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ وَيَبِيعُونَهُ عَلَى أَنَّهُ إسْكَنْدَرَانِيٌّ وَهَذَا غِشٌّ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ مِنْ غَيْرِ الْإِسْكَنْدَرِيَّة لَمْ يَرْضَ بِهِ وَلَمْ يُعْطِ فِيهِ مِنْ الثَّمَنِ إلَّا دُونَ مَا أَعْطَاهُ أَوَّلًا.
، وَكَذَلِكَ يَحْذَرُ مِمَّا يَفْعَلُهُ بَعْضُهُمْ مِنْ ارْتِكَابِ مُحَرَّمٍ لَا شَكَّ فِيهِ وَهُوَ أَنَّهُمْ يَخْلِطُونَ الزَّبَادَ بِغَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ يَحْذَرُ مِمَّا يَفْعَلُهُ بَعْضُهُمْ مِنْ التَّدْلِيسِ فِي الْمِسْكِ، وَلَا يَكَادُ ذَلِكَ يُعْرَفُ إلَّا بَعْدَ مُدَّةٍ حَتَّى لَقَدْ اشْتَرَى بَعْضُ النَّاسِ مِسْكًا بِمِئِينَ ثُمَّ إنَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِمُدَّةٍ سَاوَى دِرْهَمَيْنِ أَوْ نَحْوَهُمَا وَهَذَا لَا شَكَّ فِي تَحْرِيمِهِ وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ (فَصْلٌ)
وَلْيَحْذَرْ مِمَّا يَفْعَلُهُ بَعْضُهُمْ مِنْ خَلْطِهِمْ الْمِسْكَ الْبُدَاوِيَّ بِالْعِرَاقِيِّ الطِّيبِ وَمَا شَابَهَهُ وَيَبِيعُونَهُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ الطِّيبِ وَذَلِكَ غِشٌّ لَا شَكَّ فِيهِ وَالْبُدَاوِيُّ هُوَ مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ كُفَّارِ الْهِنْدِ مِنْ نَثْرِهِمْ الْمِسْكَ عَلَى أَصْنَامِهِمْ وَيُسَمُّونَهُ بِالْبُدَاوِيِّ فَيَأْخُذُونَ مَا نَثَرُوا عَلَيْهَا مِنْ الْمِسْكِ وَيَخْلِطُونَهُ بِغَيْرِهِ مِنْ الطِّيبِ وَيَبِيعُونَهُ عَلَى أَنَّهُ طِيبٌ كُلُّهُ فَلْيَحْذَرْ مِنْهُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
فَصْلٌ)
وَلْيَحْذَرْ مِمَّا يَفْعَلُهُ بَعْضُهُمْ وَهُوَ أَنَّهُمْ يَتَعَامَلُونَ بِالْفِضَّةِ فِي بَلَدٍ فَيَبْقَى لِبَعْضِهِمْ عِنْدَ بَعْضٍ شَيْءٌ فَيَقْبِضُ ذَلِكَ مِنْهُ فِي بَلَدٍ آخَرَ وَالسِّكَّةُ مُخْتَلِفَةٌ وَذَلِكَ رِبًا؛ لِأَنَّ الْأَقَالِيمَ وَالْبِلَادَ تَخْتَلِفُ فِي ضَرْبِ السِّكَّةِ وَفِي الْغِشِّ بِالنُّحَاسِ وَعَدَمِ الْغِشِّ بِهِ فَتُوجَدُ هَذِهِ السِّكَّةُ فِي بَلَدٍ دُونَ أُخْرَى وَإِنْ وُجِدَتْ فَتُؤْخَذُ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ. أَلَا تَرَى أَنَّ دَرَاهِمَ الْمَغْرِبِ لَيْسَتْ كَدَرَاهِمِ إفْرِيقِيَّةَ وَلَيْسَتْ دَرَاهِمُ إفْرِيقِيَّةَ كَدَرَاهِمِ الْإِسْكَنْدَرِيَّة وَلَيْسَتْ دَرَاهِمُ الْإِسْكَنْدَرِيَّة كَدَرَاهِم الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ اخْتِلَافِ الْبِلَادِ وَالْأَقَالِيمِ وَسِكَكِهَا فَإِذَا بَقِيَ لِبَعْضِهِمْ عِنْدَ بَعْضٍ شَيْءٌ فَيَقْبِضُهُ فِي مَوْضِعٍ وَلَيْسَتْ تِلْكَ الْفِضَّةُ بِعَيْنِهَا بَلْ غَيْرُهَا فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ التَّفَاضُلُ وَالْجَهَالَةُ وَالْوُقُوعُ فِي الرِّبَا الْمَنْصُوصُ عَلَى تَحْرِيمِهِ مِنْ صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ بِالذَّهَبِ إلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ وَأَمَرَنَا أَنْ نَشْتَرِيَ الْفِضَّةَ بِالذَّهَبِ كَيْفَ شِئْنَا وَنَشْتَرِيَ الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ كَيْفَ شِئْنَا» . وَلَا يَدْخُلُ هَاهُنَا مَا قَالَهُ عُلَمَاؤُنَا - رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - مِنْ جَوَازِ صَرْفِ مَا فِي الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّ صَرْفَ مَا فِي الذِّمَّةِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهِ مِثْلَ الذَّهَبِ مَعَ الْفِضَّةِ، وَأَمَّا صَرْفُ الشَّيْءِ بِجِنْسِهِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا مَعَ حُضُورِهِمَا أَعْنِي الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةَ بِالْفِضَّةِ بِشَرْطِ اتِّفَاقِ السِّكَّتَيْنِ.
وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنْ يُعْطَى مَنْ بَقِيَتْ لَهُ دَرَاهِمُ فِي ذِمَّةِ الْآخَرِ بِأَنْ يَأْخُذَ عَنْهَا ذَهَبًا بِقَدْرِ مَا يُسَاوِي الذَّهَبَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي أَخَذَ مِنْهُ الْفِضَّةَ فِيهِ ثُمَّ يَصْرِفُ الذَّهَبَ لِنَفْسِهِ بِالْمَوْضِعِ الَّذِي هُوَ فِيهِ أَوْ فِي غَيْرِهِ إنْ شَاءَ فَهَذَا هُوَ الطَّرِيقُ الْمُخَلِّصُ مِنْ الرِّبَا وَغَيْرِهِ بِمَا لَا شَكَّ فِيهِ إذْ إنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ التَّفَاضُلِ فِيهِ وَهُوَ مُحَرَّمٌ إذْ الْمُمَاثَلَةُ لَا تُمْكِنُ مَعَ ذَلِكَ فَلْيَحْذَرْ مِنْ هَذَا جَهْدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمُخَالَفَاتِ أَعْظَمُ مِنْ الْوُقُوعِ فِي الرِّبَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل تَوَعَّدَ فَاعِلَهُ بِالْحَرْبِ مِنْهُ سبحانه وتعالى وَمِنْ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم فَلْيَحْذَرْ مِنْهُ
وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.
(فَصْلٌ)
وَلْيَحْذَرْ مِمَّا يَفْعَلُهُ بَعْضُهُمْ وَهُوَ أَنَّ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ مِنْ الظُّلْمِ يَحْسُبُهُ عَلَى الْفُقَرَاءِ مِمَّا يَسْتَحِقُّونَهُ مِنْ الزَّكَاةِ فِي مَالِهِ إذَا حَالَ الْحَوْلُ عَلَيْهِ وَذَلِكَ غَصْبٌ لَهُمْ وَالْغَصْبُ فِيهِ مَا فِيهِ إذَا كَانَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ غَنِيًّا فَكَيْفَ بِهِ فِي حَقِّ الْفَقِيرِ الْمُضْطَرِّ الْمُحْتَاجِ إلَى ذَلِكَ؟ ، نَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ بِمَنِّهِ.
وَبَعْضُ مَنْ يَنْتَسِبُ إلَى الدِّينِ مِنْهُمْ يَتَحَفَّظُ مِنْ هَذَا وَلَكِنْ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ عَلَى تَسْمِيَةِ أَنَّهُ زَكَاةٌ يَحْسُبُهُ مِنْ الزَّكَاةِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَيْضًا وَهُوَ غَصْبٌ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْوَجْهِ الَّذِي قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ الشَّرْعِيَّةَ لَهَا أَحْكَامٌ تَخُصُّهَا مِثْلُ مَجِيءِ السَّاعِي وَتَمَامِ الْحَوْلِ وَإِسْقَاطِ مَا بِيَدِهِ مِنْ مَالِ الْغَيْرِ عَنْهُ وَتَصْدِيقِهِ فِيمَا فِي يَدِهِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَكُلُّ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ عَلَى تَسْمِيَةِ أَنَّهُ زَكَاةٌ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ تِلْكَ الشُّرُوطِ إذْ إنَّهُ يُؤَدِّي الزَّكَاةَ فِي بَلَدِ قُوصَ مَثَلًا ثُمَّ فِي بَلَدِ أَخْمِيمَ ثُمَّ فِي مِصْرَ ثُمَّ فِي الْإِسْكَنْدَرِيَّة، وَلَا قَائِلَ بِذَلِكَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَنَّ الزَّكَاةَ تُؤْخَذُ بِغَيْرِ حَوْلٍ وَبِغَيْرِ الشُّرُوطِ الْمُعْتَبَرَةِ فِيهَا وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَا تُجْزِيهِ وَإِنْ سُمِّيَتْ زَكَاةً قَالَ مَالِكٌ رحمه الله: بِالْمَعَانِي اُسْتُعْبِدْنَا لَا بِالْأَلْفَاظِ؛ فَكَوْنُهُمْ يُسَمُّونَهَا زَكَاةً لَا عِبْرَةَ بِهَا اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ تُؤْخَذَ مِنْهُ الزَّكَاةُ بِشُرُوطِهَا الْمُعْتَبَرَةِ فِيهَا شَرْعًا فَهَذِهِ الَّتِي اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهَا هَلْ تُجْزِيهِ إنْ أَعْطَاهَا لَهُمْ أَوْ لَا تُجْزِيهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَصْرِفُوهَا فِي غَيْرِ مَصَارِفِهَا فَيَحْتَاجُ أَنْ يُبَاشِرَ بِنَفْسِهِ إعْطَاءَهَا لِأَرْبَابِهَا مِنْ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ الْمَذْكُورِينَ فِي الْآيَةِ أَوْ بَعْضِهِمْ، وَقَدْ كَانَ السَّلَفُ رضي الله عنهم عَلَى الضِّدِّ مِنْ هَذَا الْحَالِ كَمَا حَكَاهُ الْإِمَامُ أَبُو طَالِبٍ الْمَكِّيُّ رحمه الله فِي كِتَابِهِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الزَّكَاةَ كَانَتْ عِنْدَهُمْ جُزْءًا يَسِيرًا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا هُمْ يُخْرِجُونَهُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فِي وُجُوهِ الْقُرَبِ وَكَانُوا مَعَ ذَلِكَ يَتَسَبَّبُونَ عَلَى لِسَانِ الْعِلْمِ مَعَ وُجُودِ الْوَرَعِ مِنْ أَكْثَرِهِمْ كَمَا حُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ كَانَ بِالْعِرَاقِ وَكَانَ مِنْ الْمُتَسَبِّبِينَ وَكَانَ أَهْلُ ذَلِكَ الْوَقْتَ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَالصَّالِحِينَ
وَالْمُنْقَطِعِينَ قُوتُهُمْ مِنْ تَسَبُّبِهِ فَأَرْسَلَ إلَيْهِ وَكِيلُهُ مِنْ بِلَادِ السُّوسِ يُخْبِرُهُ أَنَّ الْحَرِيرَ قَدْ طُلِبَ فِيهَا فَإِنْ كَانَ عِنْدَك شَيْءٌ فَابْعَثْ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَك شَيْءٌ فَاشْتَرِ وَابْعَثْ فَلَمَّا أَنْ بَلَغَهُ الْكِتَابُ اشْتَرَى حَرِيرًا بِخَمْسِمِائَةِ دِينَارٍ فَلَمَّا أَنْ كَانَ فِي اللَّيْلِ تَفَكَّرَ فِي نَفْسِهِ وَقَالَ: ابْتَعْت الْحَرِيرَ مِنْ صَاحِبِهِ وَلَمْ أُعَرِّفْهُ أَنَّهُ قَدْ طُلِبَ بِبِلَادِ السُّوسِ وَلَعَلَّهُ لَوْ عَرَفَ مَا بَاعَ لِي فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى النَّوْمِ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَفْجَأَهُ الْمَوْتُ قَبْلَ أَنْ يُبَيِّنَ لِصَاحِبِ الْحَرِيرِ ذَلِكَ فَلَمَّا أَنْ أَصْبَحَ مَضَى إلَيْهِ فَقَالَ لَهُ: أَبَلَغَكَ أَنَّ الْحَرِيرَ قَدْ طُلِبَ بِبِلَادِ السُّوسِ؟ قَالَ: لَا، قَالَ لَهُ: بَلَى قَدْ كَتَبَ إلَيَّ وَكِيلِي بِذَلِكَ أَفَتَرَى الْآنَ تَبِيعُهُ لِي؟ قَالَ: لَا؛ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ، فَمَا كَانَ إلَّا أَيَّامًا يَسِيرَةً وَبَاعَهُ بِضِعْفِ ذَلِكَ الثَّمَنِ وَعَلَى هَذَا الْحَالِ كَانَ تَسَبُّبُهُ وَمَعَ ذَلِكَ كَانَ يَقُولُ: وَاَللَّهِ مَا أَعْلَمُ الْيَوْمَ فِي مَالِي دِرْهَمًا وَاحِدًا حَلَالًا.
هَذَا حَالُ الْقَوْمِ عَكْسُ مَا عَلَيْهِ الْحَالُ الْيَوْمَ تَجِدُ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ مَغْمُوسًا فِي الْأَسْبَابِ الْمُحَرَّمَةِ أَوْ الْمَكْرُوهَةِ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يَحْلِفُ أَنَّ مَا فِي مَالِهِ دِرْهَمًا وَاحِدًا حَرَامًا فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ عَلَى انْعِكَاسِ الْحَقَائِقِ وَتَزْكِيَةِ النُّفُوسِ وَزَهْوِهَا بِالْبَاطِلِ الَّذِي يَمْحَقُ الْبَرَكَاتِ وَيَأْتِي بِالسَّيِّئَاتِ أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ بِمَنِّهِ
(فَصْلٌ)
وَيَنْبَغِي أَنْ يَغْتَنِمَ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ الَّتِي يَقْعُدُ فِيهَا فِي الْبِلَادِ لِأَجْلِ بَيْعِهِ وَشِرَائِهِ مُجَالَسَةَ عُلَمَاءِ الْوَقْتِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَالصَّالِحِينَ مِنْهُمْ الْمُنْقَطِعِينَ إلَى رَبِّهِمْ عز وجل؛ لِأَنَّ الِاجْتِمَاعَ بِهَؤُلَاءِ هِيَ التِّجَارَةُ الْحَقِيقِيَّةُ الَّتِي لَا يَفْنَى رِبْحُهَا بَلْ يَبْقَى ذَلِكَ مُتَجَدِّدًا طُولَ عُمْرِهِ وَقَدْ يَكُونُ فِيهِمْ مَنْ مِثْلُهُ مَعْدُومٌ فِي أُفُقِهِ أَوْ بَلَدِهِ إذْ إنَّ خَيْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَبَرَكَتَهَا عَامٌّ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ لَكِنْ قَدْ يُوجَدُونَ فِي إقْلِيمٍ دُونَ آخَرَ وَقَدْ يَقِلُّونَ فَيَحْتَاجُ عَلَى هَذَا أَنْ يَغْتَنِمَ التَّبَرُّكَ بِهِمْ فِي كُلِّ بَلَدٍ دَخَلَهَا لِتَحْصُلَ لَهُ بَرَكَتُهُمْ عَلَى يَقِينٍ وَيَحْتَاجُ مَعَ ذَلِكَ إلَى الْإِغْضَاءِ عَمَّا يَصْدُرُ مِنْ بَعْضِهِمْ وَيُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى أَحْسَنِ حَالٍ فِي التَّأْوِيلِ لَهُمْ فَهُوَ الْمُخْلِصُ لِاعْتِقَادِهِ حَتَّى لَا يَشُوبَهُ شَيْءٌ غَيْرُ مَا هُوَ قَاصِدُهُ لَكِنْ ذَلِكَ بِشَرْطٍ يُشْتَرَطُ فِيهِ وَهُوَ أَنْ