الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَا دَامَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ» لَكِنَّ ذَلِكَ بِشُرُوطٍ تُشْتَرَطُ فِيهِ مِنْهَا أَنْ لَا يَخْلِطَ لَحْمًا لِشَخْصٍ بِلَحْمٍ لِغَيْرِهِ، وَلَا أَنْ يُبَدِّلَهُ.
وَكَذَلِكَ لَا يَخْلِطُ شَيْئًا مِمَّا يَطْبُخُهُ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ كَانَ، وَكَذَلِكَ يَحْذَرُ مِنْ خَلْطِ الشَّيْرَجِ وَغَيْرِهِ وَخَلْطِ الْأَفَاوِيهِ وَالزَّعْفَرَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مُتَسَاوِيًا وَمُوَافِقًا وَالِاحْتِرَازُ فِي هَذَا أَشَدُّ مِمَّا تَقَدَّمَ فِي اخْتِلَاطِ الطَّحِينَيْنِ وَإِنْ كَانَا مَعًا وَاجِبَيْنِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ مُخْتَلِفُونَ فِي كَسْبِهِمْ وَفِيمَا يَشْتَرُونَ بِهِ آلَاتِ الْأَطْعِمَةِ، وَالْغَالِبُ أَنَّ الشَّرَائِحِيَّ يَطْبُخُ لِمَنْ لَا يُرْضَى حَالُهُ فِي كَسْبِهِ، وَلَوْ كَانَ حَالُهُ مَرْضِيًّا لَمْ يَجُزْ وَأَكْثَرُ مَنْ يَتَعَاطَى هَذَا السَّبَبَ يَتَسَاهَلُونَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ فِي الشَّرْعِ الشَّرِيفِ.
وَلْيَحْذَرْ مِمَّا يَفْعَلُهُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّهُمْ يَغْسِلُونَ الْقِدْرَ بِالْمَاءِ الْمُسْتَقْذَرِ وَإِنْ كَانَ أَوَّلًا سَالِمًا بَلْ يَغْسِلُ كُلَّ وِعَاءٍ بِالْمَاءِ الْمُطْلَقِ وَيَكُونُ عِنْدَهُ شَيْءٌ طَاهِرٌ نَظِيفٌ يُبَاشِرُ بِهِ الْغَسْلَ وَالتَّنْظِيفَ كَاللِّيفَةِ وَمَا أَشْبَهَهَا فِي الْخُشُونَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ رَآهُ صَاحِبُ الطَّعَامِ لَمْ يَرْضَ بِهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ غِشًّا.
وَكَذَلِكَ يَحْذَرُ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْخِرَقِ الَّتِي يَغْسِلُونَ بِهَا آنِيَتَهُمْ وَيَمْسَحُونَهَا بِهَا؛ لِأَنَّهَا مُسْتَقْذَرَةٌ وَقَدْ يَكُونُ فِي بَعْضِهَا خِرَقُ الْحَيْضِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ النَّجَاسَاتِ إذْ إنَّ مَنْ يَشْتَرِي مِنْهُ الْغَالِبُ عَلَيْهِ عَدَمُ الْمَعْرِفَةِ بِتَطْهِيرِهَا وَقَدْ يَبْقَى فِيهَا بَقِيَّةٌ وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَشْتَرِيَهَا، وَلَوْ غَسَلَهَا بَعْدَ شِرَائِهَا وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ التَّحَفُّظُ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَمَا شَاكَلَهَا فَإِنْ وَقَعَ مِنْهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَهُ لِصَاحِبِ الطَّعَامِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَقَدْ غَشَّ وَقَدْ وَرَدَ «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» فَإِذَا أَعْلَمَهُ وَلَمْ يَرْضَ بِأَخْذِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ غُرْمُهُ لَهُ.
وَيَنْبَغِي لِصَاحِبِ الطَّعَامِ أَنْ لَا يَطْبُخَ عِنْدَ مَنْ هَذَا حَالُهُ فَإِنْ فَعَلَ مَعَ عِلْمِهِ فَقَدْ ارْتَكَبَ مَكْرُوهًا وَيُشْتَرَطُ فِي حَقِّ صَاحِبِ الطَّعَامِ إنْ شَارَكَهُ أَحَدٌ فِيهِ أَنْ يُعْلِمَهُ بِمَا أَنْفَقَ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَقَدْ غَشَّ وَالْغِشُّ مُحَرَّمٌ
[فَصْلٌ تَرْكُ الْقُدُورِ أَوْ بَعْضِهَا مَكْشُوفَةً بِأَثَرِ الطَّعَامِ]
(فَصْلٌ) وَلْيَحْذَرْ مِمَّا يَفْعَلُهُ بَعْضُهُمْ مِنْ تَرْكِ الْقُدُورِ أَوْ بَعْضِهَا مَكْشُوفَةً بِأَثَرِ الطَّعَامِ الَّذِي كَانَ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْحَيَوَانَ يُسْرِعُ إلَيْهَا وَقَدْ يُلْقِي فِيهَا شَيْئًا مِنْ سُمِّهِ ثُمَّ
يَغْسِلُهَا مِنْ غَيْرِ شُعُورٍ بِمَا جَرَى فِيهَا فَقَدْ لَا يُبَالِغُ فِي غَسْلِهَا فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا إلَى إتْلَافِ النُّفُوسِ أَوْ الْوُقُوعِ فِي أَمْرَاضٍ خَطِرَةٍ فَإِنْ تَرَكَ غَسْلَهَا نَاسِيًا وَجَبَ عَلَيْهِ الْبَيَانُ لِصَاحِبِ الطَّعَامِ الَّذِي طُبِخَ لَهُ فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَرْضَ بِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُرْمُ كَمَا سَبَقَ فَإِنْ لَمْ يُعْلِمْهُ فَقَدْ غَشَّ «وَمَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» .
وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَحَفَّظَ عَلَى طَعَامِ النَّاسِ مِنْ الصِّبْيَانِ الَّذِينَ يُعِينُونَهُ فِي الدُّكَّانِ أَنْ يَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا وَإِنْ قَلَّ فَإِنْ عَلِمَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَجَبَ عَلَيْهِ إعْلَامُ صَاحِبِهِ لِيَتَحَلَّلَ مِنْهُ فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ وَذِمَّتُهُمْ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَقَدْ غَشَّ وَمَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا.
وَكَذَلِكَ يَمْنَعُهُمْ مِنْ أَنْ يُدْخِلَ أَحَدٌ مِنْهُمْ يَدَهُ فِي الطَّعَامِ وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَدَمُ نَظَافَةِ أَيْدِيهِمْ وَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ إذَا غَسَلَ الْقُدُورَ مِمَّا كَانَ فِيهَا أَنْ يُغَطِّيَهَا؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ غَسَلَهَا فَلَا بُدَّ مِنْ رَائِحَةِ مَا كَانَ فِيهَا تَعَلَّقَ بِهَا فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِمَجِيءِ الْحَيَوَانِ كَمَا تَقَدَّمَ قَبْلُ وَيَنْبَغِي إذَا طَبَخَ فِي قُدُورٍ وَأَفْرَغَ مَا فِيهَا لِصَاحِبِهِ وَغَطَّاهَا وَلَمْ يَغْسِلْهَا ثُمَّ بَاتَتْ وَأَرَادَ أَنْ يَطْبُخَ فِيهَا أَنْ يَغْسِلَهَا قَبْلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْأَطْعِمَةِ إذَا بَقِيَ أَثَرُهَا يُخَافُ مِنْ ضَرَرِهِ وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ مَنْ تَعَافُهُ نَفْسُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا طَبَخَ فِيهَا ثُمَّ أَفْرَغَهُ مِنْهَا ثُمَّ طَبَخَ فِيهَا الْآخَرَ فَلَا بَأْسَ إذَنْ لَكِنْ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ يُعْلِمَ صَاحِبَ الطَّعَامِ الثَّانِي لِلْمَعْنَى الْمُتَقَدِّمِ فِي طَحِينِ شَخْصٍ بَعْدَ طَحِينِ شَخْصٍ آخَرَ
(فَصْلٌ) وَيَنْبَغِي لِلْمُكَلَّفِ أَنَّهُ مَهْمَا قَدَرَ أَنْ لَا يَطْبُخَ عِنْدَ الشَّرَائِحِيِّ فَلْيَفْعَلْ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَمُرُّونَ عَلَى دُكَّانِهِ وَيَشُمُّونَ تِلْكَ الرَّوَائِحَ وَفِيهِمْ الْفَقِيرُ وَالْمِسْكِينُ وَالصَّغِيرُ وَالشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْحَامِلُ وَتَخْتَلِفُ أَحْوَالُهُمْ فِي ذَلِكَ فَمِنْهُمْ مَنْ يَطْلُبُ مِنْ صَاحِبِ الطَّعَامِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَطْلُبُ وَهُوَ الْغَالِبُ، وَمَنْ يَطْلُبُ مِنْهُمْ فَالْغَالِبُ أَنَّهُ يَحْرُمُ وَإِنْ أُعْطِيَ فَالنَّزْرُ الْيَسِيرُ الَّذِي لَا يَرُدُّ شَهْوَتَهُ وَهَذَا إنْ كَانَ صَاحِبُ الطَّعَامِ حَاضِرًا وَالْغَالِبُ عَدَمُ حُضُورِهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِضَرَرِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ أَذِيَّةِ الْجَارِ بِرَائِحَةِ الْقِدْرِ هَذَا وَبَيْنَك وَبَيْنَهُ جِدَارٌ
فَمَا بَالُك بِمَا يُطْبَخُ فِي السُّوقِ وَالنَّاسُ يَرَوْنَهُ وَيَشُمُّونَ رَائِحَتَهُ فَالْغَالِبُ أَنَّ صَاحِبَهُ لَا يَأْكُلُهُ إلَّا بَعْدَ أَنْ يُدْخِلَ التَّشْوِيشَ عَلَى مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ.
وَقَدْ قَالَ عليه الصلاة والسلام «لَا ضَرَرَ، وَلَا ضِرَارَ» سِيَّمَا إنْ مَرَّ بِهِ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ وَمَعَهُمَا صَغِيرٌ أَوْ صِغَارٌ، وَلَا قُدْرَةَ لَهُمْ عَلَى تَحْصِيلِ مِثْلِ ذَلِكَ الطَّعَامِ.
وَقَدْ أَمَرَ الشَّارِعُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ بِأَنْ يُكْثِرَ الْمَرْءُ الْمَرَقَةَ فِي طَعَامِهِ لِيُعْطِيَ الْجِيرَانَ مِنْهَا. فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي لِمَنْ احْتَاجَ إلَى الطَّبْخِ عِنْدَ الشَّرَائِحِيِّ أَنْ يُكْثِرَ مِنْ الْمَرَقَةِ وَيُكْثِرَ مِنْ الْإِعْطَاءِ لِمَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ وَهَذَا أَمْرٌ عَسِرٌ لَا يُقْدَرُ عَلَيْهِ فِي الْغَالِبِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَيَنْبَغِي لَهُ أَوْ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ يَطْبُخَ فِي بَيْتِهِ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ بِرَائِحَةِ الْقِدْرِ فِي الْبَيْتِ أَقَلُّ مِنْهُ فِي السُّوقِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يُطْعِمَ الْجِيرَانَ مِنْهَا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَمْرِهِ عليه الصلاة والسلام بِذَلِكَ، وَقَدْ بَيَّنَ عليه الصلاة والسلام الْعِلَّةَ فِي إطْعَامِ الْجَارِ وَهِيَ أَنْ لَا يُؤْذِيَ جَارَهُ بِرَائِحَةِ قِدْرِهِ وَهَذِهِ الْعِلَّةُ أَوْجَدُ فِيمَا طُبِخَ فِي السُّوقِ وَالْمُكَلَّفُ عَاجِزٌ عَنْ أَنْ يَعُمَّ كُلَّ مَنْ يَتَشَرَّفُ إلَى ذَلِكَ بِخِلَافِ الْجِيرَانِ. وَهَذَا بَيِّنٌ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ
(فَصْلٌ) وَيُشْتَرَطُ فِي الصَّبِيِّ الَّذِي يَكُونُ عِنْدَ الشَّرَائِحِيِّ مَا اُشْتُرِطَ فِي صَبِيِّ صَاحِبِ الطَّاحُونِ وَفِي السَّقَّاءِ وَصَبِيِّهِ.
وَيَنْبَغِي لِصَاحِبِ الطَّعَامِ إذَا أَتَى لَهُ بِهِ أَنْ يُطْعِمَ مِنْهُ حَامِلَهُ شَيْئًا وَإِنْ قَلَّ. وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي جَمِيعِ مَنْ يُبَاشِرُهُ مِنْ زَوْجَةٍ أَوْ جَارِيَةٍ أَوْ عَبْدٍ وَمَنْ أَشْبَهَهُمْ؛ لِمَا وَرَدَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ «إذَا أَتَى أَحَدَكُمْ خَادِمُهُ بِطَعَامِهِ فَلْيُنَاوِلْهُ لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ أَوْ أُكْلَةً أَوْ أُكْلَتَيْنِ فَإِنَّهُ وَلِيَ عِلَاجَهُ» وَيَنْبَغِي لِلشَّرَائِحِيِّ إذَا أَرْسَلَ الْقِدْرَ مَعَ صَبِيِّهِ إلَى صَاحِبِ الطَّعَامِ أَنْ يُغَطِّيَهَا؛ لِأَنَّ بِتَغْطِيَتِهَا تَقِلُّ أَذِيَّةُ النَّاسِ بِرَائِحَتِهَا وَمِنْ ذَلِكَ يَمْتَنِعُ النَّظَرُ لِمَا فِيهَا فَتَكُونُ التَّغْطِيَةُ مُتَعَيِّنَةً لِمَا ذُكِرَ وَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الطَّعَامِ هُوَ الْحَامِلُ لَهَا فَهُوَ مَأْمُورٌ أَيْضًا بِتَغْطِيَتِهَا لَكِنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ فَرْقٌ وَهُوَ أَنَّ صَاحِبَ الطَّعَامِ مَأْمُورٌ بِأَنْ يُطْعِمَ مِنْهُ وَقَدْ يَجِبُ عَلَيْهِ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ