الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كَانَ اخْتِيَارِيًّا طَلَبًا لِلْمَنْزِلَةِ الرَّفِيعَةِ عِنْدَ رَبِّهِمْ عز وجل وَتَسَبُّبَهُمْ كَذَلِكَ، وَأَمَّا الِانْقِطَاعُ الْيَوْمَ فَهُوَ مِنْ بَابِ الضَّرُورَةِ لَا اخْتِيَارَ لِلْمَرْءِ فِيهِ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَهُ فِيهِ الثَّوَابُ الْجَزِيلُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَرَكَهُ هُرُوبًا مِنْ الْوُقُوعِ فِيمَا تَتَعَمَّرُ بِهِ ذِمَّتُهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَهَذَا كُلُّهُ بِخِلَافِ أَحْوَالِنَا الْيَوْمَ؛ لِأَنَّ الْمُتَسَبِّبَ لَا يُبَالِي مِنْ أَيْنَ دَخَلَ عَلَيْهِ كَسْبُهُ وَالْمُنْقَطِعَ نَاظِرٌ إلَى الْمَخْلُوقِينَ مُتَطَلِّعٌ لِمَا فِي أَيْدِيهِمْ رَاغِبٌ فِيهِمْ رَاهِبٌ مِنْهُمْ وَلِأَجْلِ هَذَا تَجِدُ كَثِيرًا مِنْهُمْ عَلَى أَبْوَابِ الْمُتَسَبِّبِينَ يَا لَيْتَهُمْ لَوْ اقْتَصَرُوا عَلَى ذَلِكَ بَلْ تَجِدُ مَنْ انْغَمَسَ مِنْهُمْ فِي الْجَهْلِ عَلَى أَبْوَابِ مَنْ لَا يُرْضَى حَالُهُ فِي الْوَقْتِ فَصِرْنَا كَمَا قَالَ الْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ يُمْنُ بْنُ رِزْقٍ رحمه الله لَا نَعْرِفُ الْعُقَلَاءَ مِنْ كَثْرَةِ الْحَمْقَى، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ رحمه الله إنَّمَا كَانَ فِي زَمَانِهِ، وَأَمَّا الْيَوْمَ فَقَدْ عَمَّ الْأَمْرُ وَاشْتَدَّ الْكَرْبُ إلَّا عَلَى الْفَرْدِ النَّادِرِ.
وَقَدْ كَانَ سَيِّدِي أَبُو مُحَمَّدٍ رحمه الله يَقُولُ لَوْلَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ قَائِمَةً عَلَى أَمْرِ اللَّهِ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ» لِأَيِسَ الْإِنْسَانُ فِي هَذَا الزَّمَانِ مِنْ أَنْ يَجِدَ وَاحِدًا مِنْهُمْ، وَلَكِنَّ الْحَدِيثَ يَرُدُّ هَذَا الْإِيَاسَ أَوْ كَمَا قَالَ لَكِنَّهُمْ فِي الْقِلَّةِ بِحَيْثُ إنَّهُمْ لَا يُعْرَفُونَ فَطُوبَى لِمَنْ عَرَفَ وَاحِدًا مِنْهُمْ، وَرَآهُ بِعَيْنِ التَّعْظِيمِ فَهُمْ الْقَوْمُ لَا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ. نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ لَا يَحْرِمَنَا مِنْ بَرَكَاتِهِمْ بِمَنِّهِ
[فَصْلٌ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ أَنْتُمْ فِي زَمَانٍ مَنْ تَرَكَ عُشْرَ مَا أُمِرَ بِهِ هَلَكَ]
فَصْلٌ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «أَنْتُمْ فِي زَمَانٍ مَنْ تَرَكَ عُشْرَ مَا أُمِرَ بِهِ هَلَكَ وَسَيَأْتِي زَمَانٌ مَنْ فَعَلَ عُشْرَ مَا أُمِرَ بِهِ نَجَا» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
كَانَ سَيِّدِي أَبُو مُحَمَّدٍ رحمه الله يَقُولُ قَدْ يَخْفَى مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى بَعْضِ مَنْ يَسْمَعُهُ مِنْ أَجْلِ ظَاهِرِهِ وَذَلِكَ أَنَّا قَدْ اسْتَوَيْنَا نَحْنُ وَإِيَّاهُمْ فِي إقَامَةِ الْفَرَائِضِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَقْسَامِ الْخَمْسَةِ الْمَشْرُوعَةِ فَمَنْ تَرَكَ مِنَّا وَمِنْهُمْ شَيْئًا مِنْ الْوَاجِبَاتِ فَالْحُكْمُ فِيهِ مَعْلُومٌ وَمَنْ ارْتَكَبَ مِنَّا وَمِنْهُمْ شَيْئًا مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ فَالْحُكْمُ فِيهِ مَعْلُومٌ فَمَا هَذَا الَّذِي إنْ فَعَلْنَا عُشْرَهُ نَجَوْنَا، وَإِنْ تَرَكُوا عُشْرَهُ هَلَكُوا.
وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الْفَرَائِضَ
بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَنْدُوبَاتِ تَكُونُ الْعُشْرَ أَوْ نَحْوَهُ فَإِذَا اقْتَصَرْنَا عَلَى الْفَرَائِضِ نَجَوْنَا بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى، وَذَلِكَ رَاجِعٌ إلَى مَا يَعْتَوِرُ الْمُكَلَّفَ فِي الْعِبَادَاتِ فِي هَذَا الزَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ إذَا حَضَرَ وَلِيمَةً وَفِيهَا مِنْ الثَّوَابِ مَا فِيهَا يَشْهَدُ مِنْ الْبِدَعِ وَالْمُحَرَّمَاتِ أَوْ هُمَا مَعًا شَيْئًا كَثِيرًا، وَكَذَلِكَ عِيَادَةُ الْمَرِيضِ وَحُضُورُ الْجَنَائِزِ وَزِيَارَةُ الْإِخْوَانِ وَحُضُورُ مَجَالِسِ الْعِلْمِ وَالْبَحْثُ فِيهَا وَلِقَاءُ الْمَشَايِخِ وَالِاهْتِدَاءُ بِهَدْيِهِمْ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَيَجِدُ الْمُكَلَّفُ فِي مُبَاشَرَتِهَا أَشْيَاءَ عَدِيدَةً تَمْنَعُهُ مِنْ فِعْلِ شَيْءٍ مِنْهَا فَإِذَنْ قَدْ اضْطَرَّ الْمُكَلَّفُ الْيَوْمَ إلَى الِاقْتِصَارِ عَلَى الْفَرَائِضِ وَتَوَابِعِهَا دُونَ غَيْرِهَا وَتَبْقَى الْعِبَادَةُ الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ عز وجل لَيْسَ إلَّا وَذَلِكَ هُوَ الْعُشْرُ أَوْ نَحْوُهُ بِخِلَافِ مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ السَّلَفِ الْمَاضِينَ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ - فَإِنَّ مَنْ عَرَضَ لَهُ مِنْهُمْ شَيْءٌ مِنْ السُّنَنِ الْمَذْكُورَةِ وَغَيْرِهَا لَا يَمْنَعُهُ مِنْ فِعْلِ ذَلِكَ مَانِعٌ لِوُجُودِهَا عَلَى مَا يَنْبَغِي مِنْ الِاتِّبَاعِ وَتَرْكِ الِابْتِدَاعِ فَلَا يَتْرُكُهَا أَحَدٌ مِنْهُمْ إلَّا رَغْبَةً عَنْهَا وَمَنْ تَرَكَ الْمَنْدُوبَ اخْتِيَارًا فَالْغَالِبُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُوفِيَ بِالْفَرَائِضِ فَيَهْلِكُ. يَشْهَدُ لِذَلِكَ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ رضي الله عنه «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام رَأَى فِي مَنَامِهِ رَجُلًا مُضْطَجِعًا عَلَى قَفَاهُ وَرَجُلٌ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِهِ بِفِهْرٍ أَوْ صَخْرَةٍ يَشْدَخُ بِهَا رَأْسَهُ فَإِذَا ضَرَبَهُ تَدَهْدَهَ الْحَجَرُ فَيَنْطَلِقُ إلَيْهِ لِيَأْخُذَهُ فَلَا يَرْجِعُ إلَى هَذَا إلَّا وَيَلْتَئِمُ رَأْسُهُ وَعَادَ رَأْسُهُ كَمَا هُوَ فَعَادَ إلَيْهِ فَضَرَبَهُ» الْحَدِيثَ فَفَسَّرَ لَهُ الْمَلَكَانِ عليهما السلام ذَلِكَ بِأَنَّهُ رَجُلٌ عَلَّمَهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَنَامَ عَنْهُ بِاللَّيْلِ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ بِالنَّهَارِ يُصْنَعُ بِهِ هَذَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ قِيَامَ اللَّيْلِ لَيْسَ بِفَرْضٍ وَلَا يُعَذَّبُ الْمُكَلَّفُ عَلَى تَرْكِ الْمَنْدُوبِ لَكِنَّهُ، وَإِنْ كَانَ مَنْدُوبًا فَهُوَ يُجْبَرُ بِهِ مَا وَقَعَ مِنْ الْخَلَلِ فِي الْفَرَائِضِ.
وَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يَعْمَلُ فِيهِ بِالنَّهَارِ وَتَرْكُ