الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِنْهُمْ سِتَّةً قَالَ فَقُلْت لَهُ وَبَاقِي النَّاسِ مَا خَبَرُهُمْ أَمَرْدُودُونَ؟ ،، أَوْ كَمَا قَالَ فَقَالَ الْمَلَكُ: إنَّ اللَّهَ عز وجل وَهَبَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ السِّتَّةِ مِائَةَ أَلْفٍ، وَقَدْ حُكِيَ عَنْ بَعْضِ النَّاسِ أَيْضًا أَنَّهُ كَانَ فِي الْحَجِّ فَرَأَى شَابًّا وَعَلَيْهِ آثَارُ الْخَيْرِ فَحَصَلَ لَهُ بِهِ حُسْنُ ظَنٍّ فَبَقِيَ يَتَفَقَّدُ فِي كُلِّ مَقَامٍ مِنْ الْحَجِّ قَالَ فَرَأَيْته لَمَّا أَنْ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَرَجَعَ إلَى مِنًى قَالَ إلَهِي وَسَيِّدِي إنَّ النَّاسَ يَتَقَرَّبُونَ إلَيْك بِهَدَايَاهُمْ، وَلَيْسَ لِي شَيْءٌ أَتَقَرَّبُ بِهِ إلَيْك إلَّا رُوحِي فَخُذْهَا إلَيْك فَخَرَّ مَيِّتًا وَحِكَايَاتُهُمْ فِي هَذَا الْمَعْنَى وَأَشْبَاهِهِ كَثِيرَةٌ أَعَادَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ بَرَكَاتِهِمْ بِمَنِّهِ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَتَتَعَيَّنُ تَقْوِيَةُ الرَّجَاءِ فِي هَذِهِ الْعِبَادَةِ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهَا لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمُتَقَبَّلِ مِنْهُمْ أَوْ الْمَغْفُورِ لَهُمْ. نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ لَا يَحْرِمَنَا ذَلِكَ بِكَرَمِهِ لَا رَبَّ سِوَاهُ
[فَصَلِّ طَوَاف الْإِفَاضَة فِي يَوْم النَّحْر]
{فَصْلٌ} وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَأْتِيَ بِطَوَافِ الْإِفَاضَةِ فِي يَوْمِ النَّحْرِ بَعْدَ أَنْ يَفْرُغَ مِمَّا ذُكِرَ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ وَحَلَّ لَهُ كُلُّ مَا كَانَ مُحَرَّمًا عَلَيْهِ بِالْإِحْرَامِ ثُمَّ يُصَلِّي الظُّهْرَ بِمَكَّةَ أَوْ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ أَدْرَكَهُ الْوَقْتُ وَلَيْسَ فِي طَوَافِ الْإِفَاضَةِ رَمَلٌ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَقْعُدَ فِي مَكَّةَ حَتَّى يُصَلِّيَ فِيهَا، بَلْ إنْ صَادَفَهُ وَقْتُ الصَّلَاةِ صَلَّى بِهَا وَإِلَّا فَلَا ثُمَّ يَرْجِعُ فِي بَقِيَّةِ يَوْمِهِ إلَى مِنًى فَيَبِيتُ بِهَا.
وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَبِيتَ بِهَا مِنْ السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ فَيَجِبُ الدَّمُ عَلَى مَنْ تَرَكَ الْمَبِيتَ بِهَا لَيْلَةً مِنْ لَيَالِيِهَا أَوْ أَكْثَرَهَا ثُمَّ يُقِيمُ بِهَا إلَى الْيَوْمِ الثَّالِثِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ فَإِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ رَمَى الْجِمَارَ الثَّلَاثَ عَلَى سُنَّةِ الرَّمْيِ. وَقَدْ ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ كَيْفِيَّةَ ذَلِكَ وَلَا يَتْرُكُ التَّكْبِيرَ عَقِبَ الصَّلَوَاتِ وَكَذَلِكَ لَا يَدْعُ التَّكْبِيرَ بِمِنًى طُولَ مَقَامِهِ فِيهَا سَاعَةً بَعْدَ سَاعَةٍ وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ رَفْعًا مُتَوَسِّطًا بِحَيْثُ لَا يَعْقِرُ حَلْقَهُ، وَهَذَا مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي شُرِعَ الذِّكْرُ فِيهَا جَهْرًا ثُمَّ هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ التَّعْجِيلِ وَالْإِقَامَةِ إلَى الْيَوْمِ الرَّابِعِ وَالْإِقَامَةُ أَفْضَلُ فِي الشَّرْعِ الشَّرِيفِ مِنْ التَّعْجِيلِ لَكِنْ فِي هَذَا الزَّمَانِ يَتَعَذَّرُ فَبَقِيَ التَّعْجِيلُ مُتَعَيَّنًا؛ لِأَنَّ مَنْ أَقَامَ مِنْهُمْ إلَى الْيَوْمِ الرَّابِعِ أَكْثَرُهُمْ يَرْمُونَ قَبْلَ الزَّوَالِ ثُمَّ يَرْحَلُونَ
وَمَنْ فَعَلَ هَذَا وَجَبَ عَلَيْهِ الدَّمُ؛ لِأَنَّ الرَّمْيَ قَبْلَ الزَّوَالِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ قَبْلَ وَقْتِهِ كَمَا لَوْ صَلَّى الظُّهْرَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَمَنْ غَرَبَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ بِمِنًى وَجَبَ عَلَيْهِ الْمَبِيتُ بِهَا وَالْإِقَامَةُ إلَى الزَّوَالِ حَتَّى يَرْمِيَ بَعْدَهُ وَلَا تُمْكِنُ الْإِقَامَةُ فِي الْغَالِبِ بَعْدَ رَحِيلِ النَّاسِ مِنْ مِنًى إلَّا بِخَطَرٍ وَغَرَرٍ، وَهَذَا مَمْنُوعٌ لِمَا يُتَوَقَّعُ فِيهِ. فَإِذَا رَحَلَ مِنْ مِنًى قَاصِدًا مَكَّةَ فَلْيَحْذَرْ أَنْ يَتْرُكَ النُّزُولَ بِالْمُحَصَّبِ وَالصَّلَاةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَذَلِكَ فَعَلَ فَيُصَلِّيَ فِيهِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بَعْدَ دُخُولِ أَوْقَاتِهَا. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ أَفْعَالَ الْحَجِّ غَالِبُهَا التَّعَبُّدُ فَيَفْعَلُ كَمَا كَانَ عليه الصلاة والسلام يَفْعَلُ. وَهَذِهِ سُنَّةٌ مَاضِيَةٌ قَدْ تُرِكَتْ فَمَنْ أَحْيَاهَا حَصَلَ لَهُ مِنْ الثَّوَابِ مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ. وَالْغَالِبُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فِي هَذَا الزَّمَانِ أَنَّهُمْ إذَا رَحَلُوا مِنْ مِنًى لَا يَنْزِلُونَ إلَّا بِمَكَّةَ وَيَتَعَلَّلُونَ بِأَنَّ الصَّلَاةَ فِيهَا بِمِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ، وَهَذَا لَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّ الَّذِي أَخْبَرَنَا بِأَنَّ الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِمِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ هُوَ الَّذِي نَزَلَ بِالْمُحَصَّبِ وَصَلَّى فِيهِ، وَهُوَ الْمُشَرِّعُ لِأُمَّتِهِ عليه الصلاة والسلام وَالْعَالِمُ بِمَا هُوَ الْأَفْضَلُ وَالْأَرْجَحُ عِنْدَ رَبِّهِ فَتَتَعَيَّنُ الْمُبَادَرَةُ إلَى تَقْدِيمِ مَا قَدَّمَ وَتَأْخِيرُ مَا أَخَّرَ عليه الصلاة والسلام
ثُمَّ يَدْخُلُ مَكَّةَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ بَعْدَ الْعِشَاءِ فَإِذَا دَخَلَهَا فَلْيَحْذَرْ مِمَّا يَفْعَلُهُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّهُمْ يَأْتُونَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. وَالْعُمْرَةُ عِنْدَ مَالِكٍ رحمه الله جَائِزَةٌ فِي كُلِّ السَّنَةِ إلَّا فِي حَقِّ الْحَاجِّ، فَإِنَّهُ لَا يَفْعَلُهَا إلَّا بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ الْيَوْمِ الرَّابِعِ، فَإِنْ أَحْرَمَ بِهَا قَبْلَ الْغُرُوبِ لَزِمَهُ الْإِحْرَامُ بِهَا وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ مِنْ الْيَوْمِ الرَّابِعِ، فَإِنْ فَعَلَهَا قَبْلَ غُرُوبِهَا لَمْ تُجْزِهِ، وَعَلَيْهِ إعَادَتُهَا وَلَا يُحْدِثُ لَهَا إحْرَامًا جَدِيدًا. فَعَلَى مَذْهَبِهِ مَنْ فَعَلَهَا فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ بَعْدَ الرَّمْيِ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى إحْرَامِهِ لَمْ يَتَحَلَّلْ مِنْهُ بَعْدُ وَيَلْزَمُهُ فِي كُلِّ مَا يُحَاوِلُهُ حُكْمُ الْمُحْرِمِ فِيمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَوْ يُكْرَهُ فِي حَقِّهِ فَيَنْبَغِي لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ هَذَا أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْإِتْيَانِ بِالْعُمْرَةِ بَعْدَ أَنْ يُصَلِّيَ الْعَصْرَ
بِمَكَّةَ مِنْ الْيَوْمِ الرَّابِعِ فَإِذَا أَتَى الْحِلَّ اغْتَسَلَ وَلَبِسَ ثِيَابَ الْإِحْرَامِ وَانْتَظَرَ غُرُوبَ الشَّمْسِ فَإِذَا غَرَبَتْ صَلَّى الْمَغْرِبَ بِالْحِلِّ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْهَا وَمِنْ الرُّكُوعِ بَعْدَهَا رَكَعَ رَكْعَتَيْ الْإِحْرَامِ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ، وَلَوْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ عَقِبَ الْفَرْضِ صَحَّ، وَيَنْوِي الدُّخُولَ فِيهَا وَيُلَبِّي كَمَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ. فَإِذَا أَتَى إلَى مَكَّةَ طَافَ وَسَعَى وَحَلَقَ وَقَدْ تَمَّتْ عُمْرَتُهُ وَيُدْرِكُ ذَلِكَ كُلَّهُ عِنْدَ مَغِيبِ الشَّفَقِ أَوْ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ فَتَحْصُلُ لَهُ الْعُمْرَةُ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ فِيهَا وَيُدْرِكُ السَّفَرَ مَعَ النَّاسِ إنْ رَحَلَ الرَّكْبُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ مَنَاسِكِ حَجِّهِ وَعُمْرَتِهِ. وَالْغَالِبُ أَنَّ الرَّكْبَ لَا يَرْحَلُ إلَّا فِي الْيَوْمِ الْخَامِسِ لَكِنَّهُ قَدْ يَرْحَلُ فِي لَيْلَتِهِ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ وَمَنْ فَعَلَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ كَانَ مُتَأَهِّبًا لِلسَّفَرِ مَعَ النَّاسِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الذُّنُوبَ وَالْفَقْرَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَيْسَ لِلْحَجَّةِ الْمَبْرُورَةِ ثَوَابٌ إلَّا الْجَنَّةَ» زَادَ التِّرْمِذِيُّ «وَمَا مِنْ مُؤْمِنٍ يَظَلُّ يَوْمَهُ مُحْرِمًا إلَّا غَابَتْ الشَّمْسُ بِذُنُوبِهِ»
ثُمَّ إذَا أَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْ مَكَّةَ فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ طَوَافَ الْوَدَاعِ فَإِنْ اشْتَغَلَ بَعْدَهُ بِشُغْلٍ كَثِيرٍ أَوْ طَالَ مَقَامُهُ بِهَا وَأَرَادَ السَّفَرَ فَلْيُعِدْهُ عِنْدَ إرَادَةِ الْخُرُوجِ. وَلْيَحْذَرْ مِمَّا يَفْعَلُهُ بَعْضُهُمْ مِنْ هَذِهِ الْبِدْعَةِ، وَهُوَ أَنَّهُمْ إذَا خَرَجُوا مِنْ مَكَّةَ يَخْرُجُونَ مِنْ الْمَسْجِدِ الْقَهْقَرَى وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حِينَ وَدَاعِهِمْ لَهُ عليه الصلاة والسلام وَيَزْعُمُونَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْأَدَبِ وَذَلِكَ مِنْ الْبِدَعِ الْمَكْرُوهَةِ الَّتِي لَا أَصْلَ لَهَا فِي الشَّرْعِ الشَّرِيفِ وَلَا فَعَلَهَا أَحَدٌ مِنْ السَّلَفِ الْمَاضِينَ رضي الله عنهم وَهُمْ أَشَدُّ النَّاسِ حِرْصًا عَلَى اتِّبَاعِ سُنَّةِ نَبِيِّهِمْ صلى الله عليه وسلم. ثُمَّ أَدَّتْ هَذِهِ الْبِدْعَةُ الَّتِي أَحْدَثُوهَا وَعَلَّلُوهَا إلَى أَنْ صَارُوا يَفْعَلُونَهَا مَعَ مَشَايِخِهِمْ وَمَعَ كُبَرَائِهِمْ وَعِنْدَ الْمَقَابِرِ الَّتِي يَحْتَرِمُونَهَا وَيُعَظِّمُونَ أَهْلَهَا وَيَزْعُمُونَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْأَدَبِ كَمَا تَقَدَّمَ.