الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
قَالَ ابْنُ عُمَرَ مَا مَرَّتْ عَلَيَّ لَيْلَةٌ مُنْذُ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ ذَلِكَ وَإِلَّا وَعِنْدِي وَصِيَّتِي.
هَذَا وَهُوَ صَحِيحٌ فَمَا بَالُك بِالْمَرِيضِ فَآكُدُ الْأُمُورِ عَلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَهِيَ الْوَصِيَّةُ لِأَجْلِ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ ثُمَّ مَعَ ذَلِكَ هِيَ نَشْرَةٌ لِلْمَرِيضِ وَسَبَبٌ لِعَافِيَتِهِ فِي الْغَالِبِ وَقَدْ وَقَعَ هَذَا النَّوْعُ كَثِيرًا قَوْمٌ يُوصُونَ ثُمَّ يَخْلُقُ اللَّهُ لَهُمْ الْعَافِيَةَ فَيَصِحُّونَ مِنْ مَرَضِهِمْ.
وَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ لَا يُنَافِي مَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ الْمُطَهَّرَةُ مِنْ أَنَّ الْمَرِيضَ تُفْسِحُ لَهُ الْعُوَّادُ فِي عُمْرِهِ بِأَنْ يَقُولُوا لَهُ: لَا بَأْسَ عَلَيْك وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. فَإِنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا مُمْكِنٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الصَّحِيحَ مَأْمُورٌ بِالْوَصِيَّةِ سِيَّمَا إنْ كَانَ الْمَرِيضُ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ فَيَتَأَكَّدُ الْأَمْرُ فِي حَقِّهِ لِلْأَثَرِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: إنَّكُمْ أَيُّهَا الرَّهْطُ أَئِمَّةٌ يُقْتَدَى بِكُمْ
[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ الشَّرَابِ الَّذِي يَسْتَعْمِلُهُ الْمَرِيضُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]
ِ فَإِذَا وَصَفَ الطَّبِيبُ شَرَابَ الْمَرِيضِ فَيَنْبَغِي لَهُ أَوْ لِوَلِيِّهِ أَنْ يَنْظُرَ فِي كَيْفِيَّةِ الشَّرَابِ الَّذِي وَصَفَهُ لَهُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مَرْوَانَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ زُهْرٍ رحمه الله الْأَشْرِبَةُ الْمَعْرُوفَةُ الْمَعْهُودَةُ مَوْجُودَةٌ فِي أَكْثَرِ الْقُرَى وَأَكْثَرُ النَّاسِ يَعْرِفُونَ تَقْوِيمَهَا وَتَرْكِيبَهَا غَيْرَ أَنِّي أَقُولُ وَاحِدَةً إنَّ النَّاسَ إنَّمَا يَبِيعُونَ الْأَسْمَاءَ مِثْلَ شَرَابِ الْوَرْدِ فَإِنَّهُمْ إذَا أَقَامُوهُ إنْ أُقِيمَ بِحَيْثُ يَنْفَعُ جَاءَ لَوْنُهُ إلَى السَّوَادِ فَهُمْ لَا يَضَعُونَ فِيهِ مِنْ الْوَرْدِ إلَّا مَا يُغَيِّرُهُ فَإِذَا أَفْتَى الطَّبِيبُ مَثَلًا بِأُوقِيَّةٍ مِنْ شَرَابِ الْوَرْدِ أَعْطَاهُ الشَّرَابِيُّ شَرَابًا عَقَدَ مِنْهُ بِالْمَاءِ شَرَابًا لَا طَعْمَ لِلْوَرْدِ فِيهِ، وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ بِشَرَابِ الاسطوخودس وَغَيْرِهِ فَيَكُونُ الْمَرِيضُ يَحْسَبُ أَنَّ مَا يَشْرَبُ شَرَابُ الْوَرْدِ أَوْ شَرَابُ الاسطوخودس وَهُوَ إنَّمَا شَرِبَ السُّكَّرَ أَوْ الْعَسَلَ الَّذِي أُزِيلَتْ رَغْوَتُهُ فَلَا يَنْفَعُ الْمَرِيضَ بِشَيْءٍ.
وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ بِالْأَدْهَانِ إلَّا نَفَرًا يَسِيرًا فَإِنَّك تَسْمَعُ دُهْنَ الْبَنَفْسَجِ
أَوْ دُهْنَ الْوَرْدِ، وَلَا رَائِحَةَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي وَاحِدٍ مِنْ الدُّهْنَيْنِ فَلِهَذَا يَجِبُ أَنْ تُخْتَبَرَ الْأَشْرِبَةُ بِطَعْمِهَا وَكُلُّ شَرَابٍ يُتَّخَذُ فَإِنَّمَا يَجِبُ أَنْ يُنْقَعَ فِي الْمَاءِ مَعَ الْأَدْوِيَةِ ثُمَّ يُرْفَعَ عَلَى نَارٍ لَيِّنَةٍ حَتَّى يَأْخُذَ الْمَاءُ طَعْمَ ذَلِكَ الدَّوَاءِ وَرَائِحَتَهُ وَيَتَغَيَّرَ لَوْنُ الْمَاءِ تَغْيِيرًا ظَاهِرًا، فَحِينَئِذٍ يُصَفَّى وَيُضَافُ إلَى صَافِي السُّكَّرِ أَوْ الْعَسَلِ وَيُعْقَدُ شَرَابًا وَلَيْسَ عَلَى الْحَقِيقَةِ ذَلِكَ بِوَزْنِ الصُّنُوجِ وَإِنَّمَا هُوَ بِأَنْ يَكْتَسِبَ الطَّعْمَ أَوْ الرَّائِحَةَ وَيَتَغَيَّرَ اللَّوْنُ وَلِهَذَا السَّبَبِ قَلَّمَا أُفْتِي بِشَرَابٍ مَعْلُومٍ وَإِنَّمَا أُفْتِي بِأَدْوِيَةٍ تُطْبَخُ عَلَى مَا أَكُونُ أَرْسُمُ. وَأَمَّا الْأَدْهَانُ فَاخْتِبَارُهَا بِنَحْوِ هَذَا، وَأَفْضَلُ أَدْهَانِ الْأَدْوِيَةِ مَا كَانَ طَعْمُ الدَّوَاءِ وَرَائِحَتُهُ يُوجَدَانِ فِي الدُّهْنِ وَإِنْ كَانَ لَهُ لَوْنٌ ظَاهِرٌ أَنْ يَتَبَيَّنَ فِي الدُّهْنِ انْتَهَى.
وَمَا ذَكَرَهُ رحمه الله بِخِلَافِ مَا الْحَالُ عَلَيْهِ الْيَوْمَ فَإِنَّك تَجِدُ الْأَشْرِبَةَ عِنْدَهُمْ فِي غَايَةِ الصَّفَاءِ وَالشُّرُوقِ. وَلَوْ أَنَّ بَعْضَهُمْ عَمِلَ شَرَابًا عَلَى مُقْتَضَى الصَّنْعَةِ أَوْ بَعْضِهَا لَأَخَذَ بَعْضُ النَّاسِ عَلَى يَدِهِ بَلْ يُؤْذُونَهُ أَوْ يُقِيمُونَهُ مِنْ السُّوقِ وَكُلُّ ذَلِكَ سَبَبُهُ عَدَمُ الْمَعْرِفَةِ بِالصَّنْعَةِ عَلَى وَجْهِهَا.
وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ زَهْرٍ رحمه الله: أَخْبَرَنِي أَبِي أَنَّ وَالِدَهُ رحمه الله كَانَ يَقُولُ: إذَا صَفَا شَرَابُ الصَّيْدَلَانِيِّ كَدُرَ دِينُهُ، وَالصَّيْدَلَانِيّ هُوَ الْعَطَّارُ وَهُوَ عِنْدَهُمْ مَعَ ذَلِكَ يَبِيعُ الْأَشْرِبَةَ فَإِذَا عَمِلَ الشَّرَابَ صَافِيًا فَقَدْ غَشَّ النَّاسَ بِذَلِكَ وَإِذَا غَشَّ كَدُرَ دِينُهُ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: إذَا كَانَ الطَّبِيبُ حَاذِقًا وَالصَّيْدَلَانِيّ صَادِقًا وَالْمَرِيضُ مُوَافِقًا قَلَّ لُبْثُ الْعِلَّةِ.
وَقَدْ أَعْطَى ابْنُ زَهْرٍ رحمه الله قَانُونًا كُلِّيًّا فِي عَمَلِ الْأَشْرِبَةِ وَالْأَدْوِيَةِ وَالْأَدْهَانِ فَمَنْ أَرَادَهُ فَلْيَقِفْ عَلَيْهِ فِي كِتَابِهِ. وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَقْصِدَ الْمُشْتَرِي لِلشَّرَابِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَدْوِيَةِ وَالْعَقَاقِيرِ مَنْ يَكُونُ مَعْرُوفًا بِالدِّينِ وَالنَّصِيحَةِ وَيَكُونُ عِنْدَهُ مَعْرِفَةٌ بِصَلَاحِ الشَّرَابِ وَفَسَادِهِ لِأَجْلِ أَنَّ الْمَرِيضَ أَقَلُّ شَيْءٍ مِنْ الْغِشِّ يَكُونُ فِيمَا يَسْتَعْمِلُهُ مِنْ الشَّرَابِ وَغَيْرِهِ يُكَدِّرُ عَلَيْهِ وَقَدْ يَئُولُ إلَى التَّلَفِ فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ لِأَجْلِ ذَلِكَ الْمُحَافَظَةُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. وَإِنْ كَانَ الشَّرَابِيُّ عِنْدَهُ مَعْرِفَةٌ بِالطِّبِّ أَوْ بِطَرَفٍ مِنْهُ فَيَتَأَكَّدُ
الْقَصْدُ إلَيْهِ وَإِيثَارُهُ عَلَى غَيْرِهِ مِمَّنْ لَا يَعْرِفُ ذَلِكَ.
وَيَنْبَغِي لِلشَّرَابِيِّ أَنْ يَتَأَنَّى فِيمَا يُطْلَبُ مِنْهُ مِنْ الْأَشْرِبَةِ وَغَيْرِهَا وَيَسْأَلَ مَنْ يَطْلُبُ ذَلِكَ مِنْهُ وَيُكَرِّرَ عَلَيْهِ السُّؤَالَ فَرُبَّمَا غَلِطَ الطَّبِيبُ أَوْ غَفَلَ عَنْ شَيْءٍ فَيَكُونُ الشَّرَابِيُّ يَسْتَدْرِكُ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ الشَّرَابِيُّ لَا يَعْرِفُ شَيْئًا فَيَنْبَغِي مِنْ بَابِ الْأَكْمَلِ وَالْأَحْسَنِ أَنْ لَا يَتَسَبَّبَ فِي هَذَا السَّبَبِ فَإِنْ اُضْطُرَّ إلَيْهِ فَيَتَأَكَّدُ فِي حَقِّهِ التَّوَقُّفُ فِي السُّؤَالِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ بِوَصْفِهِ عَارِفٌ
(فَصْلٌ) وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَحَرَّزَ مِمَّا يَفْعَلُهُ بَعْضُهُمْ وَهُوَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ مَثَلًا يَطْلُبُ أُوقِيَّتَيْنِ مِنْ شَرَابَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَثَمَنُهُمَا وَاحِدٌ فَيَجْعَلُ الْأُوقِيَّتَيْنِ أَوَّلًا فِي الْمِيزَانِ، ثُمَّ يَأْخُذُ مِنْ هَذَا وَمِنْ هَذَا عَلَى الْحَزْرِ وَالتَّخْمِينِ وَهَذَا قَدْ مَنَعَهُ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ لِلْجَهَالَةِ الْمَوْجُودَةِ فِيهِ بَلْ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ يَزِنَ لَهُ أَوَّلًا أُوقِيَّةً وَاحِدَةً مِنْ أَحَدِ الشَّرَابَيْنِ ثُمَّ يَزِنَ لَهُ بَعْدَهَا أُوقِيَّةً أُخْرَى مِنْ الشَّرَابِ الْآخَرِ. وَهَذَا أَمْرٌ سَهْلٌ لَيْسَ فِيهِ كَثِيرُ مَشَقَّةٍ
(فَصْلٌ) وَيَتَعَيَّنُ عَلَى مَنْ لَهُ أَمْرٌ أَنْ يُقِيمَ مِنْ الْأَسْوَاقِ مَنْ يَشْتَغِلُ بِهَذَا السَّبَبِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّ النَّصَارَى عِنْدَهُمْ أَبْوَالُهُمْ طَاهِرَةٌ، وَلَا يَتَدَيَّنُونَ بِتَرْكِ نَجَاسَةٍ إلَّا دَمَ الْحَيْضِ فَقَطْ وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَالشَّرَابُ الْمَأْخُوذُ مِنْ النَّصَارَى الْغَالِبُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُتَنَجِّسٌ.
وَأَمَّا الْيَهُودُ فَإِنَّهُمْ يَتَدَيَّنُونَ بِغِشِّ الْمُسْلِمِينَ فَإِذَا أُخِذَ مِنْهُمْ شَرَابٌ فَغَالِبُ الظَّنِّ فِيهِ أَنَّهُ مَغْشُوشٌ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَيَتَعَيَّنُ مَنْعُهُمْ مِنْ الْإِقَامَةِ فِي الْأَسْوَاقِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا لِعُلَمَائِنَا - رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - مِنْ الْأَمْرِ بِإِقَامَتِهِمْ مِنْ الْأَسْوَاقِ فِي غَيْرِ هَذَا فَكَيْفَ بِهِ فِي هَذَا السَّبَبِ الَّذِي يَتَمَكَّنُونَ بِهِ مِنْ ضَرَرِ مَرْضَى الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يَظُنُّ ظَانٌّ أَنَّ هَذَا لَا يَتَعَيَّنُ إلَّا عَلَى مَنْ لَهُ الْأَمْرُ بَلْ هُوَ مُتَعَيِّنٌ عَلَى كُلِّ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ.
وَيَنْبَغِي لِلشَّرَابِيِّ أَنْ يَتَحَفَّظَ عَلَى أَوْعِيَةِ الشَّرَابِ بِأَنْ يَصُونَهَا بِالتَّغْطِيَةِ وَأَنْ يَتَفَقَّدَهَا وَقْتًا بَعْدَ وَقْتٍ سِيَّمَا فِي