الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَيْهَا كَالْكَلَامِ عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ صَلَاةِ الرَّغَائِبِ فِي الْمَنْعِ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا أَحْدَثُوهُ مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ قَبْلُ وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَبِيرًا
[فُصُولٌ مُتَفَرِّقَةٌ جَامِعَةٌ لَمَعَانٍ شَتَّى]
[النِّيَّةُ النَّافِعَةُ]
اعْلَمْ رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ أَنَّ النِّيَّةَ النَّافِعَةَ هِيَ أَنْ يَقْصِدَ الْمَرْءُ بِعَمَلِهِ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى سَوَاءٌ كَانَتْ النَّفْسُ تُحِبُّ ذَلِكَ وَتَشْتَهِيهِ أَوْ تَبْغَضُهُ وَتَقْلِيهِ فَإِنَّ السُّنَّةَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ لَمْ تَرِدْ بِمُخَالَفَةِ النَّفْسِ عَلَى الْإِطْلَاقِ بَلْ بِاتِّبَاعِهَا لِلْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَأَنَّهَا مَحْكُومٌ عَلَيْهَا لَا حَاكِمَةٌ مَأْمُورَةٌ لَا آمِرَةٌ.
فَإِنْ صَادَفَ الِامْتِثَالُ غَرَضَهَا وَاخْتِيَارَهَا وَشَهْوَتَهَا لَمْ يَضُرَّ الْعَامِلَ ذَلِكَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. أَلَا تَرَى إلَى مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ رحمه الله عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ «مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» فَإِذَا تَزَوَّجَ الْإِنْسَانُ لِأَجْلِ هَذَا الْغَرَضِ كَانَ مُمْتَثِلًا لِلْأَمْرِ وَالْمُمْتَثِلُ فِي أَجَلِّ الْعِبَادَاتِ وَالطَّاعَاتِ. وَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «ثَلَاثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَوْنُهُمْ الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الْأَدَاءَ وَالنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ الْعَفَافَ» فَقَدْ سَوَّى رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم بَيْنَ النَّاكِحِ الْمُتَعَفِّفِ وَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فِي إعَانَةِ اللَّهِ لَهُمْ.
وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «يُؤْجَرُ أَحَدُكُمْ حَتَّى فِي بُضْعِهِ لِامْرَأَتِهِ. قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ مَأْجُورًا قَالَ أَرَأَيْتُمْ إنْ وَضَعَهَا فِي الْحَرَامِ أَكَانَ مَأْثُومًا. قَالُوا نَعَمْ. قَالَ كَذَلِكَ إذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ يَكُونُ مَأْجُورًا» أَوْ كَمَا قَالَ عليه الصلاة والسلام. فَدَلَّ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ الْإِخْلَاصَ لَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ لَا تَكُونَ فِيهِ شَهْوَةٌ بَاعِثَةٌ عَلَى فِعْلِ
الْعَمَلِ بَلْ يُشْتَرَطُ فِيهِ شَرْطٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ أَنْ تَكُونَ حُظُوظُ النَّفْسِ وَشَهَوَاتُهَا تَابِعَةً لِلنِّيَّةِ الصَّالِحَةِ وَتَكُونَ النِّيَّةُ جَمِيعُهَا مُتَوَجِّهَةً لِمُجَرَّدِ الْعِبَادَةِ.
وَقَدْ جَاءَ فِي السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْت بِهِ» أَلَا تَرَى إلَى فِعْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما مِنْ أَنَّهُ إذَا كَانَ صَائِمًا وَرَأَى مِنْ إحْدَى جَوَارِيهِ بِالنَّهَارِ شَيْئًا يُعْجِبُهُ مِنْهُنَّ إذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ جَامَعَ وَاغْتَسَلَ وَصَلَّى الْمَغْرِبَ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يُفْطِرُ مَعَ أَنَّهُ رضي الله عنه كَانَ مِنْ عَادَتِهِ أَنَّهُ إذَا فَاتَتْهُ تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ مَعَ الْإِمَامِ يُعْتِقُ رَقَبَةً فَلَوْلَا الْفَضِيلَةُ الْعَظِيمَةُ وَالنِّيَّةُ الْحَسَنَةُ الَّتِي كَانَتْ لَهُ فِي الْبُدَاءَةِ بِالْوَطْءِ عَلَى فِعْلِ الصَّلَاةِ لَمَا فَعَلَهُ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ شَهْوَةَ الْإِنْسَانِ الَّتِي جُبِلَ عَلَيْهَا بِطَبْعِهِ لَا تَقْدَحُ فِي نِيَّتِهِ أَلْبَتَّةَ فَلَوْ فُرِضَ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَأْتِي بِعَمَلٍ إلَّا إذَا كَانَ سَالِمًا مِنْ دَوَاعِي النَّفْسِ وَخَوَاطِرِهَا لَكَانَ هَذَا مِنْ أَكْبَرِ الْمَشَقَّةِ وَالْحَرَجِ عَلَى الْأُمَّةِ فِي أَمْرِ دِينِهَا.
وَقَدْ رَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. قَالَ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] وَقَالَ تَعَالَى {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] وَرَوَى الْبُخَارِيُّ رحمه الله عَنْ أَبِي مُوسَى «أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْقِتَالُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنَّ أَحَدَنَا يُقَاتِلُ غَضَبًا وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً فَرَفَعَ إلَيْهِ رَأْسَهُ وَمَا رَفَعَ إلَيْهِ رَأْسَهُ إلَّا أَنَّهُ كَانَ قَائِمًا فَقَالَ مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» .
وَمِنْ الْعُتْبِيَّةِ عَنْ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ «أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ رضي الله عنه قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ إلَّا مُقَاتِلٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يُقَاتِلُ طَبِيعَةً وَمِنْهُمْ مَنْ يُقَاتِلُ رِيَاءً وَمِنْهُمْ مَنْ يُقَاتِلُ احْتِسَابًا فَأَيُّ هَؤُلَاءِ الشَّهِيدُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَقَالَ يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ مَنْ قَاتَلَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْخِصَالِ أَصْلُ أَمْرِهِ أَنْ تَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَقُتِلَ فَهُوَ شَهِيدٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ» قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: رحمه الله فِي الْبَيَانِ وَالتَّحْصِيلِ لَهُ هَذَا حَدِيثٌ
فِيهِ نَصٌّ جَلِيٌّ عَلَى أَنَّ مَنْ كَانَ أَصْلُ عَمَلِهِ لِلَّهِ وَعَلَى ذَلِكَ عَقَدَ نِيَّتَهُ لَمْ تَضُرَّهُ الْخَطَرَاتُ الَّتِي تَقَعُ بِالْقَلْبِ وَلَا تُمْلَكُ عَلَى مَا قَالَهُ مَالِكٌ رحمه الله، وَذَلِكَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يُحِبُّ أَنْ يُلْقَى فِي طَرِيقِ الْمَسْجِدِ وَيَكْرَهُ أَنْ يُلْقَى فِي طَرِيقِ السُّوقِ فَقَالَ إذَا كَانَ أَوَّلُ ذَلِكَ وَأَصْلُهُ لِلَّهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ اللَّهُ عز وجل {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ} [الشعراء: 84] وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِابْنِهِ: لَأَنْ تَكُونَ قُلْتهَا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا إذْ أَخْبَرَهُ بِمَا كَانَ وَقَعَ فِي قَلْبِهِ مِنْ أَنَّ الشَّجَرَةَ الَّتِي مَثَّلَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالرَّجُلِ الْمُسْلِمِ وَسَأَلَ أَصْحَابَهُ عَنْهَا فَوَقَعُوا فِي شَجَرِ الْبَوَادِي هِيَ النَّخْلَةُ.
قَالَ مَالِكٌ رحمه الله فَأَيُّ شَيْءٍ هَذَا إلَّا أَمْرٌ يَكُونُ فِي الْقَلْبِ لَا يُمْلَكُ وَذَلِكَ مِنْ وَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ لِيَمْنَعَهُ مِنْ الْعَمَلِ فَمَنْ وَجَدَ ذَلِكَ فَلَا يُكْسِلُهُ عَنْ التَّمَادِي عَلَى فِعْلِ الْخَيْرِ وَلَا يُؤْيِسُهُ مِنْ الْأَجْرِ وَلِيَدْفَعْ الشَّيْطَانَ عَنْ نَفْسِهِ مَا اسْتَطَاعَ وَيُجَرِّدْ النِّيَّةَ لِلَّهِ فَإِنَّ هَذَا غَيْرُ مُؤَاخَذٍ بِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ نُفُوسَهَا مَا لَمْ يَنْطِقْ بِهِ لِسَانٌ أَوْ تَعْمَلْ بِهِ يَدٌ» وَيُوَضِّحُ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ كِبْرٍ. فَقَالَ رَجُلٌ إنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً قَالَ إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ الْكِبْرُ بَطْرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ» قَالَ الْعُلَمَاءُ بَطْرُ الْحَقِّ رَدُّهُ عَلَى قَائِلِهِ وَغَمْطُ النَّاسِ احْتِقَارُهُمْ.
فَظَاهِرُ هَذِهِ الْأَدِلَّةِ أَنَّ الشَّهَوَاتِ إذَا كَانَتْ تَابِعَةً لِلِامْتِثَالِ كَانَ صَاحِبُهَا مُمْتَثِلًا.
وَقَدْ ضَيَّقَ بَعْضُهُمْ فِي هَذَا الْبَابِ فَقَالَ إنَّ النِّيَّةَ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الِاخْتِيَارِ وَرَأَى أَنَّهُ إنْ جَامَعَ أَوْ فَعَلَ مَا تَسْتَلِذُّهُ النَّفْسُ وَغَيْرَهُ مِنْ الطَّاعَاتِ أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ قَدْحًا فِي نِيَّتِهِ. وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَدِلَّةِ يَرُدُّهُ وَلِمَعْنًى آخَرَ، وَهُوَ أَنَّهُ إنْ قِيلَ بِهِ جَاءَ مِنْهُ تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ وَيُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى الْوُقُوعِ
فِي الْمُحَرَّمِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْقُنُوطُ وَالْإِيَاسُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ وَمِنْ عَمَلٍ يَتَخَلَّصُ لِلْعَبْدِ. وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ إخْبَارًا عَنْ رَبِّ الْعِزَّةِ سبحانه وتعالى يَقُولُ «لَوْ كُنْت مُعَجِّلًا عُقُوبَةً لَعَجَّلْتهَا عَلَى الْقَانِطِينَ مِنْ رَحْمَتِي» فَيَدْخُلُ الْمُكَلَّفُ فِي الْعَمَلِ عَلَى تَحْقِيقِ تَخْلِيصِ الْعَمَلِ لِلَّهِ تَعَالَى لِكَيْ يَسْلَمَ مِنْ الْآفَاتِ الَّتِي تَعْتَوِرُهُ فِيهِ فَيَقَعُ فِي هَذَا الْوَعِيدِ الْعَظِيمِ. أَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى السَّلَامَةَ مِنْ بَلَائِهِ بِمَنِّهِ. وَالشَّرِيعَةُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ سَهْلَةٌ سَمْحَةٌ عَلَى الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ كُلٌّ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَمْرَ عِبَادَتِهِ وَلَمْ يُكَلِّفْهُ مِنْ الْعَمَلِ فَوْقَ طَاقَتِهِ.
وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ «يَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا» وَقَدْ وَرَدَ أَيْضًا عَنْهُ عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ قَالَ «إنَّ الدِّينَ يُسْرٌ وَلَنْ يُشَادَّ الدَّيْنَ أَحَدٌ إلَّا غَلَبَهُ فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا» الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَرَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ «قُدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِسَبْيٍ فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنْ السَّبْيِ تَحْلِبُ ثَدْيَهَا تَسْعَى إذْ وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ فَأَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ فَقَالَ لَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَتَرَوْنَ هَذِهِ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ قُلْنَا لَا وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لَا تَطْرَحَهُ فَقَالَ اللَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا» . فَإِنْ قِيلَ قَدْ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه إنِّي لَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ وَمَا لِي إلَيْهِنَّ حَاجَةٌ وَأَطَأهُنَّ وَمَا لِي إلَيْهِنَّ شَهْوَةٌ قِيلَ وَلِمَ ذَلِكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ رَجَاءَ أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ ظَهْرِي مِنْ يُكَاثِرُ بِهِ مُحَمَّدٌ الْأُمَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ لِكَثْرَةِ اتِّبَاعِهِ وَمَحَبَّتِهِ لِلِامْتِثَالِ فَرَجَعَتْ شَهَوَاتُهُ كُلُّهَا تَابِعَةً لِلْأَمْرِ وَالنَّهْيِ لَا مَتْبُوعَةً لَهُ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ رحمه الله فِي سِرَاجِ الْمُرِيدِينَ لَهُ لَوْ كَانَتْ النِّيَّةُ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الِاخْتِيَارِ لَمَا كَانَتْ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الْأَعْمَالِ الِاخْتِيَارِيَّةِ، وَهَذَا أَبْيَنُ مِنْ الْإِطْنَابِ فِيهِ. وَقَدْ اتَّفَقَتْ الْأُمَّةُ وَالْعُقَلَاءُ مِنْ كُلِّ طَائِفَةٍ عَلَى التَّكَلُّمِ فِي التَّرْجِيحِ بَيْنَ النِّيَّةِ وَالْعَمَلِ.
وَلَوْ كَانَتْ النِّيَّةُ ضَرُورِيَّةً وَالْعَمَلُ اخْتِيَارِيًّا مَا وَقَعَ بَيْنَهُمْ تَرْجِيحٌ